لينا أليسيا

عضو جديد
إنضم
23 نوفمبر 2013
المشاركات
3
مستوى التفاعل
0
النقاط
1
مـحاضرة في الجنسية الجزائرية الأصلية للأستاذة حسين نوارة
ـقــدمــة
إن فكرة الانتماء التي تنبني عليها حاجة الإنسان لغيره انطلاقا من الفطرة القائمة على الحاجة أدت بالأمم على تنوعها أن تفرد لشعوبها باعتبارها قوام وجودها- معايير تميزها عن غيرها- حفاظا على سيادتها ، من خلال فرض قوانينها وتنظيم آليات تطورها اعتبارا من الكيان الفردي الذي يعد الثروة التي لا تستقيم الدولة دونه ، فهو الركن الأساسي فيها، وتبعا لذلك كانت الجنسية أهم عناصر الانتماء الاجتماعي، الروحي و السياسي للقول بدخول الفرد في عضوية الدولة، فهي فكرة ذو نشأة أوروبية انتقلت للدول الإسلامية بفعل الاستعمار الأوروبي. و عليه تعد الجنسية رابطة قانونية و سياسية بين الفرد و الدولة، فهي المعيار الوحيد الذي يتم على أساسه تقسيم العالم إلى وحدات سياسية ، أي توزيع البشر إلى مجموعات بما يرضى به أعضاء المجموعة الدولية ، ومن ثمة فهي تساهم في التمييز بين شعوب الدول المختلفة، كما أن حمل الشخص لجنسية دولة ما يوجب حمايتها له ، باعتباره من رعاياها و هو التزام يلقي على عاتقها ليس فقط على الصعيد الداخلي فحسب بل و أيضا على الصعيد الدولي.و كقاعدة عامة فان للدولة الحق في وضع القواعد القانونية التي تنظم بها جنسيتها القانونية، إلا في الحالات التي توجد فيها معاهدات دولية وتكون قد وقعت عليها، إذ لا يجوز في هذه الحالة أن تخالفها، و نشير إلى أن كل المواثيق الدولية أشارت إلى ضرورة اعتبار الجنسية حق من الحقوق اللازمة لحياة الشخص، و هو ما أكدته وثيقة الإعلان العالمي لحقوق الإنسان لعام 1948، و كذا معاهدة لاهاي عام 1930، و الاتفاقية الدولية لعام 1960 التي أوجبت أن تكون لكل طفل جنسية، إلى غير ذلك من المواثيق الأخرى.كما أكدت المحاكم الدولية أن الجنسية المعترف بها بين الدول هي تلك التي تكون لها صلة بين الشخص الذي يتمتع بها و الدولة المانحة لها، أما إذ لم تكن هناك صلة فلا يعترف بهذه الجنسية . و قد كانت الظروف التاريخية آنذاك لها بالغ التأثير على فحوى مواده بما يتماشى و الحاجة الظرفية التي عاشتها البلاد غداة الاستقلال إلى غاية إلغائه بموجب الأمر رقم 70/86 المؤرخ في 15 ديسمبر 1970، و لكون الحاجة للتغيير وليدة الأسباب التي تدفع بعجلة التقدم إلى الأمام لتضبط مسيرة الماضي بما يتوافق و معطيات الحاضر، و بناءا على ذلك جاء تعديل قانون الجنسية بمقتضى الأمر رقم 05/01 المؤرخ في 27 فيفري 2005 )جريدة رسمية عدد ص15 ( في مصف تلك الخطوات و من أهمها محاولة منا بيان أهم ما كان يعيب قانون الجنسية ، و ما كان يعتريه من نقائص. و لإعطاء التعديل حقه من حيث الايجابيات التي تضمنها، تطرقت بشيء من التفصيل إلى جميع المسائل التي تتعلق بالجنسية الأصلية ، فماهي أحكام الجنسية الأصلية في التشريع الجزائري ؟
أولا: مفهوم الجنسية الجزائرية: من الثابت أن الإنسان كائن اجتماعي لا يقوى على العيش منعزلا عن غيره من البشر، حيث أن شخصية الفرد الانعزالي الذي لا يتعاطى إلا مع نفسه و لأجل نفسه لم يثبت لها وجود فعلي أو واقعي على الأرض، بل بقيت محصورة في خيالات مبدعها "ابن طفيل"، الذي قدم لنا الشخصية الخيالية "حي بن يقضان" والتي كانت تتمحور حول وجود شخص وحيد في واحة أو جزيرة لا يتعاطى الحياة مع أحد.
و لأن الإنسان كائن حي و اجتماعي بطبعه فان ذلك كان مدعاة لدخوله مع غيره في العديد من التعاملات و العلاقات المالية و الشخصية ، فهذه التعاملات منها ما قد تكون مع غيره من أقرانه أصحاب الرابطة السياسية الواحدة لنفس الدولة بمعنى أن يكون التعامل وطني من كافة الوجوه، و منها ما قد يكون بينه و بين غيره من الأفراد الذين لا يشاركون رابطة الولاء السياسي لنفس الدولة و عندها نكون أمام تعامل ذو بعد دولي وفقا للمعنى الذي سبق لنا بيانه في الجزء الأول من هذه الموسوعة .
سواء كان التعامل وطني أو ذا بعد دولي، فان المتصور أن نثير هذا التعامل أو ذاك بعض المنازعات التي ينبغي للقاضي إيجاد الحل الملائم و المناسب لها وفقا لما تقتضيه نصوص القانون واعتبارات العدالة و الإنصاف، و أول خطوة في طريق هذا الحل، هو تحديد جنسية أطراف هذه المنازعات لبيان فيما إذ كانوا جميعا من أصحاب الولاء السياسي الواحد لنفس الدولة الناضرة في هذا النزاع، عندها يكون الحل وفقا لقانون دولة القاضي الناضر في هذه المنازعات و الذي يشترط مع أطراف هذه المنازعات في ولائهم السياسي، أم أنهم يختلفون فيما بينهم بالنسبة للولاء السياسي، عندئذ يكون الحل وفقا لقواعد الإسناد و ما تواترت عليه أعراف و مبادئ القانون الدولي الخاص.
و سواء كانوا من أصحاب الولاء السياسي الواحد أم لا فان تحديد و بيان مدى وطنيتهم من عدمه مسألة يرجع فيها في الأول و الأخر إلى معيار الجنسية و مدى تمتع أمثال هؤلاء بالصفة الوطنية من عدمه.
إذن مسألة الجنسية تعتبر دون أدنى شك من المسائل الأولية. التي ينبغي على القاضي الفصل فيها ابتداء قبل الفصل في النزاع ذو البعد الدولي، حتى تستطيع من خلالها معرفة فيما إذا كان الفرد يتمتع بالحق الذي يطالب به، فالجنسية هي المعيار الذي يبين لنا بوضوح من هو الوطني ومن هو الأجنبي من الداخل في عداد الشعب ، من المتمتع بالحقوق السياسية و من هو المحروم منها، من هو المتمتع بالحماية الدبلوماسية لدولته و من هو المحروم من مثل هذه الحماية إذا ما وجد خارج حدود دولته، و من هو المكلف بالأعباء العامة كدفع الضرائب و الخدمة العسكرية ، و من هو المعفى من هذه التكاليف و الالتزامات .
ليس هذا فحسب بل إن الجنسية تعتبر بمثابة مسألة أولية أيضا فيما يتعلق بتحديد القانون الواجب التطبيق في بعض العلاقات ذات البعد الدولي المتعلق بأهلية الشخص للقيام ببعض التصرفات القانونية كما هو الحال في القانون المدني الأردني.
1: تعريف الجنسية: يعتبر مصطلح الجنسية حديث النشأة ، حيث ظهر في نهاية القرن 18 وأخذ مفهومه القانوني و السياسي يتطور في منتصف القرن 19، و لقد اتفق الفقهاء حول تعريف الجنسية بأنها رابطة بين الفرد و دولة معينة و لكنهم اختلفوا حول طبيعة هذه الرابطة، فمنهم من يعتبرها رابطة سياسية، ومنهم من يعتبرها رابطة قانونية، و الواقع أنها تجمع كلا الوصفين، فهي من جهة تشكل أداة لتوزيع الأفراد جغرافيا بين الدول، كما أن منحها و إسقاطها و سحبها يقوم غالبا على اعتبارات سياسية، إضافة إلى أنه يترتب عليها مجموعة من الالتزامات و الحقوق السياسية المتبادلة بين الدولة و الفرد، لهذا فهي تعتبر رابطة سياسية و من جهة أخرى فان القانون هو الذي يحدد شروط منحها ، سحبها ، إسقاطها و آثارها،فلهذا تعد أيضا رابطة قانونية.إذن من الأفضل أن نجمع تعريف الجنسية بين الصفتين، أي أنها رابطة سياسية و قانونية بين الفرد و الدولة.
2: ثبـوت الجنسيـة الجزائريـة الأصلية:
أ -عن طريق رابطة الدم: تنص المادة السادسة من قانون الجنسية الجزائرية على ما يلي:
" يعتبر من الجنسية الجزائرية بالنسب:
1- الولد المولود من أب جزائري
2- الولد من أم جزائرية وأب مجهول
3- الولد المولود من أم جزائرية و أب عديم الجنسية " .
فنجد بمقتضى هذه المادة أن من ينتمي نسبه لأب جزائري يعد جزائريـا بالنسب و هذه الصياغة تعبر أن الأساس هذا هو الانتماء لأصل جزائــري و النسب هو تعبير عن رابطة الدم، وإيراد المشرع الجزائري لهذا الأسـاس.
لثبوت الجنسية الجزائرية و جعله أول أسباب ثبوت الجنسية الجزائريـــة الأصلية أو بالميلاد لم يكن سوى وفاء لأول أسباب الانتماء و هو النسب أو الأسرة، و الذي يعد منذ القدم أول أشكال التجمع و الذي كان يظهر في شكل العائلة أو الأسرة، فكان توثيق هذا السبب لثبوت الجنسية بصفــة أصليـة و اعتماده قبل غيره ليس إلا تجذيرا لأصل الجزائـري و تكريســا لأول مظاهر التجمع و هو الانتماء الأسري و الدمي و الذي يعد أسـاس قيــام الدولة بمفهومها المعاصر و أول مظهر لها، حتى قبل تطـور البشريـة، لكن المسألة لم تكن بهذه البساطة بدايـة الأمر، و مع أن ذلك لا يمكن طرحه إلا بشكل انفرادي بالنسبة لبعض العينات من الأشخاص إلا أن الأمر قبل أكثر من ثلاثة أجيال كان صعبا جدا، و توضيح ذلك يكمن في الإطلاع على نص المادة 32 من قانون الجنسية التي جاء فيها: " عندما يدعــي شخص الجنسية الجزائرية كجنسية أصلية، يمكن إثباتها عن طريق النسـب بوجــود أصلين ذكرين من جهة الأب مولودين في الجزائـر و متمتعيـن بالشريعــة الإسلامية... " .
لابـد مـن الإشارة إلى أن مسألة تحديد من يكون جزائريـا بداية قبـل الحديث عن ثبـوت الجنسية لفروعه طرحت مع فجر الاستقــلال، فالمعلوم أن الدولة الجزائرية هي دولة فتيـة و أن سنوات الاحتلال خلفـت إرثـا سياسيا و اجتماعيا و ثقافيا معقدا فكان من الصعب الحديث عــن " الجزائري " و تمييزه عن غيره خاصة مع عوامل و ظـروف تلك الفترة – ما بعد الاستقلال مباشرة - فأهمية تحديد الجزائري عن غيره تصبح مسألة سيادة خاصة إن تعلـق الأمر بسيادة استعيدت منذ شهور إن لم نقـل أيام لا غير، فكانت المادة 34 من قانون الجنسية الجزائري لسنة 1963 لـم تختلف كثيرا عن مضمون المادة 32 المذكورة أعلاه و المطبقة حاليا، فكانت تلك الفترة هي من الصعوبة بمكان لتحديد الجزائري نسبا فيكـون جزائريـا أصليا كفئة أولى يتحدد بها النسيج البشري للمجتمع و الكيان الجزائـري.
و التعليق بعدما ذكرنا على اعتماد وجود أصلين ذكرين فـي عمـود النسب الجزائري و أن يكون مولدهما بالجزائر مـن جهـة، ثـم الخضـوع للنظـام الإسلامي أو التمتع بالشريعة الإسلامية من جهة أخـرى، يقودنا إلى تحديد الجيل الأول من الجزائريين في ظـل الدولـة الحديثـة التـي سيكون فيما بعد تحديد من يعد جزائريا للانتماء إليهم ليصبح أمـرا أيسر و أسهل بتطبيق المعيار على الحالة المعروضة مباشــرة دون عنـاء كالـذي يذكر عند هذا ا لجيل الأول إن صح التعبير .
و خلاصة ما تم التطرق إليه هو أن هذا المعيار أي رابطــة الــدم كأسـاس لتحديد الجزائري الجنسية بصفة أصلية كان يعتمد عناصر أخـرى عند بدايـة تطبيقه مع قانون 1963 للجنسية خاصة مع تلك الظروف، فالمادة السادسة وضعت لثبوت الجنسية الجزائريـة الأصلية عـن طريق رابطة الدم شرطين أساسييـن، أولهمـا تمتــع الأب بالجنسيــة الجزائرية وقت ولادة الطفـل و الثانـي هو ثبوت نسـب الطفل مـن أبيـه الجزائري.
1- شرط تمتع الأب بالجنسية الجزائريـة عند ولادة الطفـل:
بمقتضى هذا الشرط أن يكون هذا الأب جزائريـا عنــد ولادة طفلـه، و إثبـات ذلك يكون بإبراز شهادة الجنسية إن وجدت مـع أن الأمر يكون بصورة آلية عندما تكون مسألة ثبوت الجنسية للأب غير متنازع فيها، و إلا تصبـح المسألـة محتاجة للإثبات، و معناه الرجوع للمادة 32 مـن قانـون الجنسيـة و لقواعـد الإثبات التي سيلي تفصيلها لاحقا، فيصبـح ثبوت جنسية الأب عند لحظة الميلاد منهيا للمسألة و لقد قدمنا الحديث و لو بشكل مختصر عن بداية تطبيق هذه الحالة و مسألة ثبوت الجنسية الجزائرية للأب لا يهـم معهـا أن تكـون أصليـة أو مكتسبة كما أن جنسية الأب عند حمـل الأم بولدها لا تهـم مـع حصول الميلاد في حال تكون معها جنسيته جزائريـة، و تكون جنسية الابن هنا جنسية أصلية، كذلك لا يغير في الشرط شيء عنـد حصول وفـاة الأب قبل لحظة ميلاد ابنه طالما أنه كان جزائريا لحظة وفاته، و هذا رغم ما أثاره الفقه من جدل حول ثبوت الجنسية للابن مع حالة الوفاة.
وتجدر الإشارة في الأخير إلى أن قيام الزوجية غير مشروط لثبوت الجنسية للابن، إذ أن قيامها عند الحمل كاف ووقوع الطلاق قبل الولادة لا يمس من انتماء الابن لأبيه نسبا و بالتالي لا يختل الشرط كمـا أن مكـان الميلاد سواء في الجزائر أو الخارج لا يؤثر على ثبوت الجنسية لعدم نص المادة عليه فالنص جاء عاما.
2- شرط ثبوت نسب الطفل من أبيه الجزائري - للحديث عن هذا الشرط لا بد من العودة إلى الحالات التي يثبت فيها نسب الابن لأبيه في ظل القانون الجزائري، و رجوعا لنص المادة 40 مـن قانـون الأسرة نجد فيها أن النسب يثبت بالزواج الصحيـح و بالإقــرار و البينـة، و بنكاح الشبهة، و بكل نكـاح تم فسخه بعد الدخول، و تضيـف المادة 41 أن النسب يكون للولد من أبيه متى كـان الـزواج شرعيـا و لـم ينفه بالطـرق الشرعية، فإن ثبوت النسب طبقا لأحكام قانـون الأســـرة الجزائري، و عدم نفيه من الأب هو أساس رابطة الدم التـي تجعـل الولـد يحمـل من أبيـه جنسيـته الجزائريــة و بصفـة أصليـة و عمومـا لا يمكـن أن يثبـت في ظل القانون الجزائري نسب لطفل من أبيه بغير علاقة شرعية ناجمة عن زواج صحيـح أو نكاح ثبت معه نسـب الولـد بصفـة شرعية إذ أن النسب لدينا لا يثبـت مـن علاقة غير شرعية حتـى مــع الإقرار بهذا النسب من الأب فهو لا يفيد بهـذا الحال و لا يضفي الشرعيـة على نتاج تلك العلاقة بأي حال من الأحـوال.
و جدير بالإشارة هنا إلى أن توقيت ثبوت النسب للابن من أبيه الجزائري لا يهم، فقد يكون بعد الولادة إلا أنه بمجرد حصوله يرتب أثره رجوعا إلـى تاريخ الميلاد، كما أن هذا الثبوت لا يمكنه بأي حال من الأحوال أن يمس بحقوق الغيـر حسن النية الذي تعامل مع الابن على أنه أجنبي.
و أخيرا و بتوافر شرطي هذه الحالة و هما تمتــع الأب بالجنسيــة الجزائرية و ثبوت نسب ابنه منه يكون للابن و فروعه من بعـده الجنسيـة الجزائرية بصفة أصلية ثابتة عن طريق رابطة الدم أي بالانتساب لأبيهــم الجزائري، إلى أن يحصل عنها تخلي دون أن يؤثر عليها اكتساب جنسيـة أجنبية و ثبوتها لهم لاختلاف إقليم الميلاد مثلا.
و كان فيما سبق الحديث عن الحالة الأولى التي خصصنا لها هذا الفرع و هي الحالة الأصلية الأساسية و القاعدة العامة التي يعتمـد فيهـا المشـرع الجزائـري على رابطة الدم أساسا لثبوت الجنسية الجزائرية و فيمـا يلـي اعتماد رابطة الدم عن طريق جهة الأم أو ما يعبر عنه بثبوت الجنسية عـن طريق رابطة الدم الأمومية، و هي حالات خاصة كانت لها ظروفها فلا تكون لكل من كانت أمه جزائريـة الجنسيـة، الجنسية الجزائريـة الأصليـة.
ب: ثبوت الجنسيـة الجزائريـة الأصلية المكتسبة بحق الإقليم
لقد ذهبت معظم التشريعات العالمية و من بينها التشريع الجزائري إلى الأخذ برابطة الإقليم كأساس للجنسية الأصلية. و يقصد برابطة أو حق الإقليم أن الدول تمنح جنسيتها الأصلية لكل مولود يولد على إقليمها دون الاعتداد باعتبارات أخرى مثلا الجذور العائلية له.و إذا كانت الدول حرة في اتخاذ الإقليم كأساس لمنح جنسيتها، فإن هناك قيدا على هذه الحرية من القانون الدولي الوضعي مفاده عدم تطبيـق حــق الإقليم كأساس للجنسية الأصليـة على أولاد الأشخاص الذين يتمتعــون بالحصانـة الدبلوماسية.
سبق أن ذكرنا أن الجزائر أخذت برابطة الإقليم كأساس لمنـح الجنسيـة الأصلية الجزائرية، و لكن هذا الأمر كان بصفة استثنائية إذ أن الأصل في قانون الجنسية الجزائري هو منح الجنسية الأصلية على أساس رابطة الدم.و نشير إلى أن المشرع الجزائري اعتبر المقصود من عبارة الجزائــر مجموع التراب الجزائري و المياه الإقليمية الجزائرية و السفن و الطائرات الجزائرية و هذا حسب المادة 5 من قانون الجنسية. و لقد أورد المشرع الجزائري في الأمر رقم 70-86 المتضمن قانون الجنسية الجزائري في مادتـه 07 الحالة الوحيدة التي أخذ فيها برابطة الإقليـم لمنـح الجنسية الجزائرية الأصلية و التي تنص على ما يلي: " يعتبر من الجنسيـة الجزائرية بالولادة في الجزائر
- الولد المولود في الجزائر من أبوين مجهولين، غير أن الولد المولود في الجزائر من أبوين مجهولين يعد كأنـه لـم يكـن جزائريا قط إذا أثبت خلال قصوره انتسابه إلى أجنبي و كان ينتمـي إلـى جنسية هذا الأجنبـي وفقا لقانون جنسية هذا الأخير.
إن الولد الحديث الولادة الذي عثر عليه في الجزائـر يعد مولودا فيها ما لـم يثبت خلاف ذلك ". فطبقا لهذه المادة فإن الحالة التي أخذ فيها المشرع الجزائـري برابطـة الإقليم، هي حالة الولد المولود من أبوين مجهولين و ألحـق بها كذلك حالـة الولـد الحديث العهد بالولادة الذي يعثر عليه في الجزائر.بالتالي كل مولود ولد بالجزائر من أبوين مجهولين أو عثـر عليه و هـو حديـث عهد بالولادة، تمنح له الجنسية الجزائرية و ذلك تفاديا من وقوعه في حالة انعدام الجنسية.
جاء المشرع في المادة 07 بشرطين أساسيين من أجل منح الجنسيـة الجزائرية الأصلية بناءا على حق الإقليم و هما:
1- شـرط الـولادة بالجزائـر: فلكي تثبت الجنسية الأصلية حسب هذه المادة يجب أن يكون الولد مولـودا بالجزائر أي بأحد المستشفيات الوطنية مثلا أو عثر عليه في الجزائر و هـو حديث العهـد بالولادة أمام أحد المساجد أو الملاجئ أو المستشفيات...الخ و يشترط النص أن يكـون الطفل حديث عهد بالولادة حتى تقوم القرينة علـى انه ولـد بالجزائـر، و هـذه المسألة مسألة واقع تخضع لتقدير القضاء فإذا ثبت أنه غير حديث عهد الولادة فيما يكون قد ولد بإقليم آخر أخذ جنسيته. و لكن حسب رأي الأستاذ بلقاسم أعراب أستاذ بجامعة بومرداس فإن هناك فرقا بين الولــد المجهول الأبوين و اللقيط، و هذا عكس ما ذهب إلي البعض بالقول أن اللقيط هو مجهول الأبوين مثل الدكتور علي علي سليمان. و يتجلى الفرق في كون أن مجهول الأبوين واقعة ميلاده ثابتة في الجزائر منذ البداية كأن تضع المرأة في المستشفى مولودا ثم تغادره قبل الكشف عن هويتها و هوية والد الطفـل، بينما في حالة اللقيط فواقعة الميلاد غير ثابتة فبالإمكان أن يكون مولودا فـي الخارج و أتي به إلى الجزائر.
2- شرط كون الولد مجهول الأبوين:و مفاد هذا الشرط أن يكون كلا الوالدين مجهولين غير معروفيـن و يعتبـر الولـد مجهـول الأبويـن حتـى و إن كانـت الأم معـروفـة الهويــة ( أي معروفة الاسم ) لكنها مجهولة الجنسية، فهو من جهة ليس بلقيط كون أمه غير مجهولة فهي معروفة للناس، و من جهة أخرى فهـو لـيس بولـد معروف الجنسية لأن أمه غير معروفة الجنسية . و بعد معرفتنا لهذىن الشرطين نصل إلى القول أنه و حسـب دائمـا المـادة 07 السالفة الذكر فإنه إذا ما ثبت نسب الولد إلى أجنبي ذكرا كان أم أنثى و قانون جنسيتهما يسمح بإلحاق جنسيتهما به تسقط الجنسية الجزائرية عنه، و لكن بشرط أن يثبت نسبه خلال قصره و بالضبط قبـل بلـوغ سـن الواحد و العشرين. و قد اختلف الفقه في مسألة نسبه فهل يجب أن يثبت نسبه طبقا لقانون جنسية من يثبت نسبه منه أو طبقا لقانون البلد الذي وجد به. و يرى أغلبيـة الفقه أن ثبـوت النسب يجب أن يتم طبقا لقانون جنسية من يريد إثبات نسبه منه من الأبوين، بينما كان القضاء الفرنسي يرى و تسايره الهيئات الرسمية في فرنسا أن ثبوت النسـب يجب أن يتم طبقا للقانون الذي وجد اللقيط بإقليم دولته، و كانوا يستدلون على ذلك بأن النص الفرنسي لسنة 1945 ينص على أنه : " إذا كان قانون جنسيـة هـذا الأجنبـي يعطيه جنسيته "، مما يفهم منه بمفهوم المخالفة أن الرجوع إلى قانون جنسيـة الأجنبـي إنما يكـون فقـط لمعرفة ما إذا كان يعطيه جنسيتـه و ليس لثبوت النسب.
و تجدر الإشارة في آخر المقام انه في حالة حصول الولد مجهــول الأبوين على جنسيته سواء من جهة الأم أو من جهة الأب، فإن ذلك يتم بأثر رجعي طبقا للمادة 07 من قانون الجنسية التي تنص "...يعد كأن لم يكن جزائريا قط ".
ثانيا : ثبوت الجنسية الجزائرية عن طريق الجمع بين رابطة الدم و الإقليم: لقد سبق و إن رأينا الحالات التي أخذ فيها المشرع الجزائري رابطة الدم كأساس لثبوت الجنسية الجزائرية الأصلية، و الحالات التي اخذ فيهـا برابطـة الإقليـم. أمـا في هذا المقام سنرى الحالة التي جمع فيهـا المشـرع بين رابطـة الإقليـم و رابطة الدم، و هي حالة وحيدة جاءت في المادة 07/2 من قانون الجنسية التي تنص: " الولد المولود في الجزائر من أم جزائرية و من أب أجنبي هو نفسه مولـود فـي الجزائر إلا إذا رفض الجنسية الجزائرية في أجل مدته عـام قبل بلوغـه سـن الرشد ".
فما نلاحظه من خلال هذه المادة أن المشرع أخذ برابطـة الـدم مـن جهـة الأم باشتراطه أن تكون الأم جزائرية، و برابطة الإقليم من جهة الولد و والده باشتراطه أن يكون الولد مولودا بالجزائر، كذلك الأمر بالنسبة للأب.
و تجد هذه المادة تبريرها في أن الطفل المولود في الجزائر من أب نفسه مولود في الجزائر، و أم جزائرية، يعد مندمجا اندماجا كاملا في الشعب الجزائري، و ولاؤه للبلد الأجنبي يكون قد تلاشى نهائيا و استبدل بولائه للجزائر .
و تجدر الإشارة إلى أن هذه الحالة أي الجمع بين حق الإقليم و حق الدم يطلق عليه الفقه تسمية حالة الميلاد المضاعف و ترجع هذه التسمية إلى اشتراط المشرع ميلاد كل من الطفل و أبيه في الجزائر.
و دائما و في إطار المادة 07/2 من قانون الجنسية الجزائري اشتـراط المشـرع الشروط الآتي بيانها من أجل منح ثبوت الجنسية الجزائريـة الأصلية و هي:
1- أن تكون ولادة الطفل قد تمت في القطر الجزائري.
2- أن تكون ولادة أب الطفل قد تمت كذلك في الإقليم الجزائري.
3- أن تكون أم الطفل جزائرية الجنسية و لا يهـم إن كانـت جنسيتـها أصليـة أم مكتسبة. و بالتالي متى اجتمعت هذه الشروط الثلاثة ثبتت الجنسية الجزائرية الأصلية للطفل بأثر رجعي أي ابتداء من تاريخ ازدياده. إلا أن المشرع الجزائري و بموجب المادة 7/2 دائمـا وضـع إمكانية رفـض الجنسية الجزائرية للولد الذي سبق الحديث عنه، و قيد هذا الرفض بشرط إعلانه في أجل عام قبل بلوغه سن الرشد. و على صعيد آخر نجد المادة 8/2 من قانون الجنسية تنص على أنه : " إن إعطاء صفة مواطن جزائـري منذ الـولادة و كذلك سحـب هـذه الصفـة أو التخلي عنهـا بموجب أحكام الفقرة 3 من المادة 6 و الفقرتيـن 1 و 2 من المادة 7 لا يمس بصحة العقود المبرمة من قبل المعني بالأمـر و لا بصحة الحقوق المكتسبة من قبل الغير استنادا إلى الجنسية الظاهرة المكتسبة سابقا من قبل الولد ".
و بالتالي حسب هذه المادة فإن تخلي الولد عن الجنسية الجزائرية في الأجل المحدد له بعام قبل بلوغه سن الرشد لا يمكن في أي حال من الأحوال أن تمـس بصحة العقود المبرمة من طرفه و لا بصحة الحقوق التي اكتسبها و كـل هـذا استنادا إلى الجنسية الجزائرية الظاهرة بحيث أن الولد كان يظهر للغيـر بمظهـر الجزائري و على هذا الأساس قبلوا التعامل معه.
 

youcef66dz

عضو متألق
إنضم
3 أكتوبر 2009
المشاركات
3,786
مستوى التفاعل
114
النقاط
63
رد: مـحاضرة في الجنسية الجزائرية الأصلية

بارك الله فيك ...
 

المواضيع المتشابهة

أعلى