princess of law
عضو
- إنضم
- 19 نوفمبر 2013
- المشاركات
- 25
- مستوى التفاعل
- 0
- النقاط
- 1
الفصل الاول : النطاق القانوني لعمليات نقل و زرع الأعضاء البشرية
للحفاظ على سلامة جسم الإنسان و حقه في الحياة سعى الباحثون في مجال الطب منذ عهد غير قريب إلى إيجاد طرق و وسائل طبية لمعالجة بعض الأمراض المستعصية التي يعاني بني البشر و من بينها نقل عضو من أعضاء جسم إنسان حي أوميت و زرعه في جسم آخر مريض فاقد لهذا العضو و هو في حاجة ماسة إليه لسلامة جسده أو لقدرته على مواصلة الحياة .و تعتبر عمليات نقل و زرع الأعضاء البشرية من أهم الموضوعات الطبية التي تثير اهتمام كبير من جانب الباحثين في مجال الطب والقانون حيث سنت تشريعات تنظم كيفية القيام بهذا النوع من العمليات مع إحاطتها بضمانات تكفل نجاحها دون أن تصيب احد الطرفين بضرر سواء كان متبرعا أو مريضا متلقيا العضو و اشترطت ضرورة توافر الإمكانيات الطبية والمؤهلات العلمية في الأطباء الذين يقومون بها مع تقليل مسؤولياتهم عن الأخطاء التي يرتكبونها في هذا الشأن.
لذلك فإننا نجد بان موضوع نقل و زرع الأعضاء البشرية مهم جدا يتعين علينا الاهتمام به و معالجته من الناحية القانونية، ولما كان هذا الموضوع واسع جدا فإننا أردنا التطرق في هذا الفصل إلى الإطار القانوني لعمليات نقل و زرع الأعضاء من خلال الحماية الجنائية للحق في سلامة الجسم و شروط إباحة نقل و زرع الأعضاء البشرية سواء من الأحياء إلى الأحياء أو من الأموات إلى الأحياء ،وذلك بتقسيم خطة الفصل
إلى ثلاث مباحث على النحو التالي :
- المبحث الأول: الحماية القانونية لعمليات نقل و زرع الأعضاء
- المبحث الثاني: شروط نقل و زرع الأعضاء من جسم إنسان حي
- المبحث الثالث: شروط نقل و زرع الأعضاء من جثث الموتى
المبحث الأول : الحماية القانونية لعمليات نقل و زرع الأعضاء البشرية.
يتعين لدراسة الإطار القانوني لعمليات نقل وزرع الأعضاء بين الأحياء أن نتعرض بادئ الأمر للأساس القانوني وذلك بما يكتسبه هذا الموضوع من أهمية بالغة خاصة
في ضوء ما أسفر عنه التقدم العلمي من اكتشافات من شأنها أن تؤثر على حياة الإنسان وسلامة جسمه وهذا ما سنحاول التطرق إليه من خلال هذا المبحث.
المطلب الأول: الأساس القانوني لإباحة الأعمال الطبية.
يعتبر البحث في أساس مباشرة الأعمال الطبية و الجراحية على جسم الإنسان من أدق الأبحاث في الفقه القانوني،ذلك أن الباحث القانوني وبحكم تكوينه الثقافي يعتبر العمل الطبي الفني غريبا عنه كماأن هذه الغرابة تكون عند الأطباء الذين يمقتون المصطلحات القانونية في مجال الأعمال الطبية ،مما أدى إلى قيام حاجز بين مهنة القاضي ومهنة الطبيب في حين أنهما مهنتان متكاملتان،ونشير هنا أننا لن نتطرق إلى بحث جوانب المسؤولية الطبية من الناحية الجنائية ومدى توافرها في حق الطبيب لكننا بحظر البحث في الأساس القانوني التي تستند إليه مباشرة الأعمال الطبية حتى يتمكن من إجراء الجراحة باستئصال الأعضاء وزرعها في أجسام المرضى ذلك لأن هذه الأفعال التي يباشرها الأطباء تنال في المقام الأول بالسلامة الجسدية للمرضى،بيد أنه لم يقم أحد بمساءلة الطبيب عن هذه الأعمال و إلزامه بالتعويض عنها بل أن الطبيب يباح له القيام بهذه الأفعال على جسم مرضاه،ويتقاضى أجره على العلاج بالرغم من الجروح التي يحدثها بجسم المريض في حالة إجراء عملية جراحية و لو لم يشفى منها،وعلى ذلك يتبين لنا أن هناك مبررات قانونية تجعل أفعال الطبيب مباحة ومن ثم تنتفي عنه المسؤولية،وإذا توافر هذا الأساس القانوني فمن الطبيعي أن له حدودا يقررها النظام القانوني و يشترطها للقول بهذه الإباحة ونرى أن الاتجاهات الحديثة تسند هذه الإباحة إلى أساسها الصحيح
في كون الأعمال الطبية يباشرها الأطباء من خلال اعتراف النظام القانوني بمباشرة هذه الأعمال.
المطلب الثاني:شروط إباحة العمل الطبي في القانون الجزائري.
إن حق الطبيب والجراح في مزاولة المهنة ليس مطلقا،فهو يزول وينعدم قانونا بزوال علته وانعدام أساسه،فلا بد للطبيب من ترخيص بمزاولة المهنة ولا تكون أعماله مشروعة ما لم تستند إلى دعوة من المريض أو إلى رضائه وكذلك إذا اتجه في عمله وجهة أخرى غير العلاج،أو لم يبذل لمريضه جهدا صادقا متفقا مع الأصول العلمية ومن هنا سنتولى بيان الشروط التي تتطلبها إباحة العمل الطبي في القانون الجزائري.
أولا:الترخيص القانوني.
سبق القول بأن الترخيص هو الأساس الذي تستند إليه إباحة الأعمال الطبية التي تباشر على جسم المريض ويعطى هذا الترخيص لطائفة معينة من الأشخاص يطلق عليهم الأطباء في شكل إذن من وزير الصحة،ويمنح هذا الأخيرالترخيص لمن تتوافرفيه الشروط التي يحددها القانون لمباشرة الأعمال الطبية ويكون حسب نص المادة 197 من قانون حماية الصحة وترقيتها،والمادة 02 من مدونة أخلاقيات مهنة الطب، ويلاحظ أن المشرع الجزائري قد استهدف بهذا الترخيص منع أدعياء الطب من مباشرة الأعمال الطبية وإقبال ذوي التجربة على مزاولة هذه الأعمال لما ينطوي عليه من المساس بسلامة المريض البدنية إلى جانب شرط الترخيص القانوني والمؤهل الدراسي، هناك شروط يتطلبها القانون في طالب الترخيص وهذه الشروط نصت عليها المادة197/3من قانون حماية الصحة وترقيتها"...أن لا يكون مصابا بعاهة،أو بعلة مرضية منافية لممارسة المهنة"،يتضح من الفقرة أن المشرع اشترط فيمن أراد مزاولة مهنة الطب أن لايكون صاحب عاهة كالأعمى،الأصم، الأبكم،لأن هذه العاهات من طبيعتها أن تجعل صاحبها غير قادر على أداء عمل الطبيب لما يتطلبه هذا الأخير من جهد شاق. واشترط القانون أخيرا فيمن أراد أن يمارس مهنة الطب أن يكون جزائري الجنسية وهذا الشرط ورد عليه استثناء،هو أن للأجانب الحق في ممارسة الأعمال الطبية والجراحية وذلك حسب الاتفاقيات والمعاهدات التي تبرمها الدولة الجزائرية مع غيرها من الدول الأخرى في مجال تبادل الخبرات الطبية وهذا حسب أحكام المادة197/5 من قانون حماية الصحة وترقيتها، ونشير في الأخير إلى أن المشرع الجزائري عدل المادة 199 من قانون الصحة وترقيتها ليصبح نص المادة كما يلي" يجب على الطبيب أو جراح أسنان أو صيدلي مستوفي للشروط المحددة في المادتين 197 و198 .
ثانيا:رضاء المريض.
لا يكون العمل الطبي مباحا إلا إذا رضي به المريض، فالقانون يرخص للطبيب علاج المرضى إن دعوه لذلك و لكنه لا يخوله الحـق في إخضاعهم للعلاج على الرغم منهم وبهذا الخصوص تنص المادة 154من قانون حماية الصحة وترقيتها على أن"يقدم الطبيب العلاج الطبي بموافقة المريض أومن يخولهم القانون إعطاء موافقتهم على ذلك". لذلك يتضح أن رضاء المريض شرط من شروط الإباحة وهوغيركاف لإباحة العمل الطبي وسبب تطلب هذا الشرط هو رعاية ما لجسم المريض من حصانة،فلا يجوز أن يرغم المريض على تحمل المساس بجسمه ولو كان ذلك في مصلحته.
ولكن قد يتعذر على الطبيب الحصول على رضاء المريض كأن يحضر للمستشفى اثر إصابته في حادث،وتستلزم حالته سرعة إسعافه،وتعذر الحصول على رضائه لوجوده في حالة غيبوبة في هذه الحالة يستطيع الطبيب تجاوز الحصول على موافقة المريض بإجراء العمل الطبي يقوم دوره مقام رضائه بمباشرة العمل الطبي كما يستطيع أن يقدم العلاج على مسؤوليته في حالة الاستعجال.
ثالثا:قصد العلاج.
يجب أخيرا أن يكون التدخل الطبي أو الجراحي بغرض العلاج فالغاية من ممارسته هو علاج المريض و تحسين حالته الصحية أي تخليصه من آلامه وعلاجه ،و هذا تطبيقا لشرط حسن النية و هو وجوب اتجاه إرادة من يستعمل هذا الحق إلى الغاية التي من أجلها قرر له القانون الحق.
المبحث الثاني: شروط نقل و زرع الأعضاء من جسم إنسان حي
تعتبر عمليات نقل وزرع الأعضاء خروجا عن مألوف الأعمال الطبية التقليدية التي ترتكز في وجودها ومشروعيتها على تحقيق المصلحة العلاجية والمحافظة على سلامة الشخص في حين أنه بالنسبة لعمليات النقل يتم استئصال العضو من الجسم المانح السليم دون أن يحقق له ذلك أي مصلحة علاجية.
فتطور العلم في مجال الطب والجراحة في مختلف دول العالم ومنها الجزائر خاصة في مجال نقل وزرع الأعضاء البشرية استلزم معه إصدار نصوص تشريعية تحدد وتنظم كيفية القيام بهذه العمليات.
المطلب الأول: الشروط الطبية.
سنحاول أن نتطرق في هذا المطلب إلى الشروط الطبية الواجب توافرها لعمليات نقل وزرع الأعضاء باعتبار أن موضوع بحثناهذا لا يخلو من أهمية تحديد بعض النواحي الفنية المتعلقة بهذه العمليات،وإذا كانت دراسة هذه الجزئية ذات طابع طبي يصعب معه على رجل القانون البحث في دقائقها إلا أننا مع ذلك نرى ضرورة الإحاطة ولو بالقدر اليسير منها حتى يتسنى لنا تكوين معرفة علمية تسمح بدورها ببيان مدى إباحة هذه العمليات، ومن الوجهة القانونية ذلك أن معرفة بعض عمليات النقل التي مازالت في طور التجربة،وهذا لا يعني أننا سنناقش مواضيع طبية بحتة و إنما سنناقش بعض الجزئيات التي نص عليها المشرع الجزائري بين ثنايا نصوص قانون حماية الصحة وترقيتها.
الفرع الأول: الحالة الصحية للمتنازل والمتلقي :
يشترط أن لا يتجاوز سن المتنازل عند الاستئصال والمتلقي عند الزرع 50 سنة وأن لايقل عن 10 سنوات،كما يشتـــرط في المتنازل – وقت إجراء عملية الاستئصال– أن يكون خاليا من الالتهابات البكتيرية والفيروسية والفطرية و يجب تصحيح أي عيب خلقي في المسالك البولية قبل مباشرة نقل الكلية مثلا،وهذا ما نصت عليه المادة 162/2 من قانون الصحة وترقيتها بقولها " لا يجوز انتزاع الأنسجة و الأعضاء من أشخاص أحياء إلا إذا لم تعرض حياة المتبرع للخطر..."كما يجب أن يستبعد من عمليات نقل الأعضاء للأشخاص الذين يسهل إصابتهم ببعض الأمراض مثل الالتهابات الرئوية أو قرحة المعدة و ذلك نتيجة لتناولهم الأدوية المثبطة لجهاز المناعة، كما يجب أن تكون حالة المتلقي النفسية عند عملية زرع العضو له
في وضع عادي،إن هذه الشروط الطبية والنفسية لطرفي العملية نصت عليها الفقرة 2 من المادة 163 من قانون حماية الصحة وترقيتها بقولها " كما يمنع انتزاع الأعضاء والأنسجة
من الأشخاص المصابين بأمراض من طبيعتها أن تضر بصحة المتبرع أوالمستقبل.." ويلاحظ على هذه الفقرة أن المشرع ذكر فيها المتنازل والمتلقي حيث ساوى بينهمـا
في عملية الاستئصال والزرع واستبعدهما في حالة المرض،كما يجب على الطبيب أوالجراح
أن يثبت مدى صلاحية العضو طبيا للمتلقي حيث إذا ثبت عدم قابلية جسم المتلقي له فلا وجهة لتبرير عملية الزرع و ينبغي أن تفرق بين مجرد نقل نسيج أو عضو بسيط .
الفرع الثاني :حالة حفظ العضو المنقول.
يتفاوت مقدار المدة اللازمة للمحافظة على صلاحية العضوالمراد نقله للجسم المتلقي حسب تكوينه التشريحي،ومن الحقائق العلمية الثابتة في هذا الصدد أن بعض الأنسجة كالشرايين و الأنسجة العظمية يمكن أن تبقى لمدة ساعات طويلة محرومة من كمية الدم اللازمة لها بدون أن يصيبها أدنى تلف،أما بالنسبة للأعضاء المركبة كالكبد والكلى فهي تتلف في فترة زمنية قصيرة لا تتعدى بضع ساعات إذا ما تعرضت لنقص الدم، لذلك حاول الأطباء التغلب على هذه المشكلة باستعمال بعض الأساليب الخاصة منها حفظ الكبد في درجة حرارة منخفضة تتراوح ما بين 15و20 درجة مئوية وهو ما يسمح بإطالة فترة تحمله لنقص الدم تزيد عن ساعة واحدة، وأيضا الكلى فهناك طريقتان مختلفتان لحفظهما الأولى هي طريقة كلين وتتمثل في غسل الكلية بمحلول بارد ووضعها في درجة حرارة منخفضة تصل إلى أربع درجات مئوية و بذلك يمكن حفظها بأن تكون صالحة للنقل لمدة 24 ساعة.أما الثانية فتتم عن طريق حقن الكلية بمادة كيميائية و حفظها في درجة حرارة منخفضة (4 درجات مئوية) وتستخدم هذه الوسيلة في الولايات المتحدة الأمريكية،وهي تسمح بحفظ الكلية من التلف لمدة تتراوح ما بين 24 إلى 37 ساعة كما يمكن أن تحفظ الكلى أيضا لمدة 72 ساعة بواسطة جهاز التبريد الذي يتضمن مضخة.
الفرع الثالث:توافق أنسجة المتلقي والمتنازل.
يعد التحقق من توافق أنسجة المتلقي والمتنازل أحد العوامل الأساسية في نجاح عمليات نقل الأعضاء،فأخطر ما يهدد هذه العمليات هو ظاهرة "رفض الأجسام الغريبة " فلم يعد الفن الجراحي الخاص باستئصال الأعضاء وزرعها يمثل أي مشكلة، بيد
أن استمرار تحفز الجسم لطرد العضو المنقول إليه والغريب عنه هو ما يقلل من فرص نجاحها حيث يوجد في العالم اليوم أكثر من خمسة ملايير شخص لكل منهم نسيج بروتيني يختلف عن الأخر و تفسر ظاهرة الرفض من الناحية الإكلينيكية بأنها في حالة نقل عضو أونسيج مغاير لأنسجة جسم المتــلقي يقوم نـوع من الخلايا المعروفة باسم (الماكروفاج) و هي نوع من كرات الدم البيضاء بالتعـرف على العضو المنقول وإعطاء بذلك الإشارة إلى الخلايا المعروفة باسم (ليمفوست) المساعدة و التي تقوم بدورها بعمل انقسام شديد في خلايا الجهاز المناعي منتجة نوعين من الخلايا:الاولى (خلايا ليمفوست) القاتلة والثانية (خلايا ليمفوست .ث) التي تتحول إلى خلايا البلازما المنتجة للأجسام المضادة،ويتعرض بذلك العضو المنقول لعدوان شامل من الأجسام المضادة و خلايا (ليمفوست) القاتلة وخلايا (الماكروفاج) وهو ما يترتب عليه في النهاية رفض العضو المنقول وقد حاول الأطباء التقليل من ظاهرة الرفض و ذلك باستخدام أسلوبين :
الأول : تعريض جسم المتلقي المريض الذي نقل إليه العضو لأشعة اكسX.
الثاني : إعطاؤه بعض العقاقير المثبطة لجهاز المناعة مثل (سيكلوسبورين - أ-) وهي عبارة عن مادة كيماوية تفرزها إحدى الطحالب الموجودة في التربة،ويعتبر هذا العقار
من أكثر العقاقير كفاءة في إيقاف ظاهرة رفض الأجسام،وعلى أي حال فان عملية تثبيط الجهاز المناعي للجسم لها أثارها الجانبية الخطيرة فهي تجعل المتلقي أكثر عرضة للميكروبات و الفيروسات المختلفة، وقد يحدث تسمم دموي ينتهي بوفاة المتلقي .
الفرع الرابع: مكان إجراء عمليات نقل و زرع الأعضاء
من بين الضمانات التي قررها المشرع الجزائري لإجراء عملية نقل وزرع الأعضاء بين الأحياء وحتى بين الأموات والأحياء هي عدم إمكانية إجرائها إلا من قبل مؤسسات طبية واستشفائية مرخص لها قانونا القيام بهذا النوع من العمليات حيث تقضي المادة 167/1 من قانون 90/17 الخاص بقانون الصحة وترقيتها بأنه "لا ينتزع الأطباء الأنسجة و الأعضاء البشرية ولا يزرعونها إلا في المستشفيات التي رخص لها بذلك الوزير المكلف بالصحة،تقرر لجنة طبية تنشا خصيصا في الهيكل الاستشفائي ضرورة الانتزاع أوالزرع و تأذن بإجراء العملية " ولكي تحصل على ترخيص بذلك يجب أن تكون متمتعة بطاقم طبي كاف متخصص وحيازتها على وسائل تقنية حديثة و متطـورة نظرا لخطورة هذا النــوع من العمليات وتجسيدا لنص المادة 167 من قانون الصحة 90/17 فقد اصدر وزير الصحة وإصلاح المستشفيات قرارا وزاريا بتاريخ 02/10/2002 نص فيه على الترخيص لبعض المؤسسات الصحية من اجل القيام بهذا النوع من العمليات الطبية في المادة 02 منه التي تقتضي بما يلي" يرخص للمؤسسات الصحية التالية القيام بالشروط المنصوص عليها في الفصل الثالث الباب الرابع من قانون 85/05 المـؤرخ في 16 فبراير 1985 و المشار إليه أعلاه بانتزاع أو زرع:
1- القرنية: * المركز الاستشفائي الجامعي مصطفى باشا " الجزائر".
* المؤسسة الاستشفائية المتخصصة في طب العيون " وهران ".
* المركز الاستشفائي الجامعي ببني مسوس "الجزائر".
* المركز الاستشفائي الجامعي بباب الوادي " الجزائر".
* المركز الاستشفائي الجامعي "عنابة".
2- الكلى : *المركز الاستشفائي الجامعي مصطفى باشا " الجزائر".
* المؤسسة الاستشفائية المتخصصة عيادة دقسي "قسنطينة".
3- الكبد : *مركز بيار ماري كوري .
واستوجبت المادة 03 من هذا القرار ضرورة أن تنشا هذه المؤسسات الاستشفائية لجان طبية خاصة بداخلها للإشراف على هذه العمليات والتي تعين من قبل مدير المؤسسة الصحية باقتراح من المجلس العلمي أو الطبي.
المطلب الثاني: ضرورة رضا المتنازل.
إن المتنازل هوشخص سليم معافى بدنيا و لكنه رغم ذلك يعد طرفا مهما في علاقة طبية جراحية لا تعود عليه بأي منفعة و يظهر وجه أهميته فيما سيقدمه لشخص آخر
في حدود معقولة إذ أنه ليس للمتنازل أن يتنازل عن عضو يؤثر على حياته فيؤدي لموته أوتعريضه للخطر أو الانتقـاص من مقدراته العضوية وأن أي اعتداء على سلامة الأعضاء يؤدي إلى التقليل من مقدراتها على القيام بوظائفها هو ليس فقط اعتداء على حق فرد وإنما هو اعتداء على المجتمع .
الفرع الأول: صور التعبير عن رضا المتنازل.
نظرا لخطورة عمليات نقل الأعضاء فقد استقرت التشريعات القانونية التي تناولت هذا الموضوع على ضرورة أن يرد رضا المتنازل مكتوبا وموقعا عليه ، فالأصل أن يكون الرضا له صورة محددة يفرغ فيها،فقد يكون شفهيا وقد يكون كتابيا وقد يكون صريحا وقد يكون ضمنيا إلا أن بعض التشريعات سارت على أن يكون شكل الرضا كتابي لكي يعتد به بعدالتوقيع عليه من المعطي،والأهم من ذلك أن يمنح المعطي فسحة من الوقت للتفكير قبل التوقيع بالموافقة بعيدا عن أي مؤثرات يتعرض لها.
سايرالمشرع الجزائري التشريعات من حيث أن الرضا الصادر من المتنازل له شكل معين يفرغ فيه فقد يكون ضمنيا أو صريحا بالقول أو الكتابة،وليس للكتابة شكل تفرغ فيه و يجب أن تكون العبارات تدل على الرضا ، أما من خلال نص المادة 162/2 من قانون الصحة أراد أن ينبه المتنازل إلى خطورة الخطورة التي سيقوم بها فاشترط
أن تتم موافقته بشكل كتابي ليمنح له بذلك وقتا كافيا للتفكير في التبرع و ليوفر له حماية
من أي ضغط أو إكراه قد تجعل من إرادته مشوبة بالعيوب، كما اشترط وجود شاهدين وعليه فان المشرع الجزائري أراد أن يشير إلى دور الشهود في تبصير و تنوير المتنازل لضمان حماية أكثر للمتنازل وخاصة إذا ما أراد العدول عن رضائه فقد اشترط المشرع الجزائري أيضا أن تودع الموافقة لدى المؤسسة أو الطبيب رئيس المصلحة .
الفرع الثاني: محل الرضا.
تقتضي عمليات نقل وزرع الأعضاء بين الأحياء تبيان العضو محل العملية أي تحديد العضو المتنازل عنه من قبل المتبرع لتتم زراعته في جسم المتلقي(المستفيد)وفي هذا الإطار اختلفت التشريعات التي تناولت عمليات نقل الأعضاء.
- من التشريعات من نصت صراحة على تحديد العضو المتنازل عنه بذاته و بدقة الأمر الذي يترتب عنه ضرورة أن يكون الرضا الصادر عن المتنازل كتابيا ومنصبا على عضو معين.إن ما شجع الشرعيين لإباحة هذه العمليات بقوانين خاصة هو أن عمليات نقل الكلية قد حددت نجاحا ملحوظا و تقدما ملموسا .
- تحديد محل الرضا بالأعضاء المزدوجة : فلقد عملت بعض التشريعات على ضمان السلامة الجسدية للمتنازل وتفادي أي أضرارقدتلحق به ولذلك أباحت استئصال الأعضاء المزدوجة فقط وهي في جسم الإنسان،الكلية،قرنية العين،الرئة بعض الجينات وما يميزها هو أن استئصال إحداها لايؤدي لإهلاك المتنازل إذ يقوم العضوالمتبقي الثاني بنفس الأداء.
- محل الرضا الغير محدد: لقد تركت بعض التشريعات المجال مفتوحا للشخص المتنازل بأن يقبل التبرع بأي عضو يمكن استئصاله طبيا دون أن يتعرض للأضرار
وما يميز هذه التشريعات أن نصوصهاجاءت عامة خالية من أي تحديد للعضو محل الممارسة الطبية لكنها في نفس الوقت أوردت شروطا خاصة لابد من توافرها بهدف الحفاظ على حياة المتنازل فالمشرع الجزائري نص في قانون حماية الصحة و ترقيتها
في المادة 161 "لا يجوز انتزاع أعضاء الإنسان و لا زرع الأنسجة إلا لأغراض علاج " فمن خلال هذا النص الذي جاء عاما يتأكد لنا موقف المشرع الجزائري الذي لم يحدد أي عضو معين بذاته ليكون موضوعا يكون الهدف من عملية استئصال طبي محض وهو شفاء المتلقي وإنقاذ حياته وهو ما أكدته المادة161/1من قانون الصحة وترقيتها فالتنازل يكون على الأعضاء المزدوجة فقط.
الفرع الثالث: جواز عدول المتنازل عن رضائه.
أجمعت كل التشريعات القانونية التي نظمت عمليات نقل وزرع الأعضاء بين الأحياء على حرية المتنازل في العدول عن رضائه في أي وقت قبل القيام بعمليات الاستئصال وبدون أدنى مسؤولية ولو أدبية نحو المتلقي أو أهله،وقد أشارت المادة 162 في فقرتها الأخيرة من قانون حماية الصحة و ترقيتها بقولها "...يستطيع المتبرع في أي وقت كان أن يتراجع عن موافقته السابقة." يتضح من خلال هذه الفقرة أن المشرع الجزائري أجاز للمتنازل أن يعدل عن رضائه،و ذلك رغبة منه حتى لا يكون المتنازل ضحية أي نوع من أنواع الضغوط المادية،فقد يضطر للرضوخ للعملية رغما عنه وذلك بسبب عدم قدرته على دفع التعويض النقدي،متى كان العدول جائزا،فان المتنازل متى رجع عن تصرفه لا يلتزم بدفع مبلغ نقــدي بدلا من التنفيذ العيني ولكن إبرام التصرف قد يؤدي إلى تحمل المتلقي بعض المصاريف اللازمة لإتمام العملية،ومتى رجع المتنازل عن موفقه فمن المنطقي أن يلتزم بتعويض هذه النفقات والمصاريف،والمتنازل الراجع عن تصرفه لايلتزم بدفع التعويض جزاء عن عدوله ،لكن قد يلتزم بدفع المصاريف الفعلية التي يكفلها المتلقي وضاعت عليه نتيجة العدول ،والهدف هنا حماية جسم المتنازل وعدم إمكانية المساس به إلا بناء على رضا حر متبصر إلى حين إجراء العملية،ولا يكفي توافر الرضا وقت إجراء التعاقد والطبيعة الخاصة للتصرفات الواردة على جسم الإنسان هي التي اقتضت الخروج عن القواعد العامة فأيما كانت المعلومات التي يقدمها الطبيب للمتنازل عن النتائج التي تترتب على عملية استئصال عضو من جسمه فانه يصعب معه القول أن المتنازل قد انذر وأصبح على دراية كافية وعلم بجميع النتائج التي تترتب على العملية،فخطورة النتائج التي تترتب على التنازل هي التي تبرر منح الراغب في التنازل الحق في الرجوع
عن رضائه .
الفرع الرابع :مميزات الرضا
تناول قانون الصحة وترقيتها الشروط الواجب توافرها في المتنازل في المادة 162 ولم يشر ضمن هذه الشروط إلى مميزات الرضا رغم أهميتها في مجال عمليات نقل وزرع الأعضاء،وعليه فلكي يكون الرضا الصادر من المتنازل صحيحا و منتجا لأثاره يجب أن تتوافر فيه بعض المميزات تميزه عن غيره في المجالات الأخرى كأن يكون الرضا حرا أو متبصرا و بدون مقابل و أن يكون صادر عن ذي أهلية و ذلك حسب
ما يأتي :
1- الرضا الحر:
إن ما يميز عمليات نقل و زرع الأعضاء و يضفي عليها طابــع من الخصوصية هو أنها تنطوي على المساس بسلامة وتكامل جسم الإنسان المانــح ولهذا فمن المهم التأكد من صحة الموافقة التي يدلي بها هذا الأخير ولا تكون موافقة صحيحة إلا إذا كانت بعيدة عن أي مؤثر أو عارض نفسي أيا كان فلابد أن تكون إرادة المتنازل خالية مما يعيبها من غلط أو تدليس،خداع ،خوف أو أي سبب آخر يعدم الاختيار لديه ، و يجب أن يكون المانح بالغا عاقلا حتى يكون أهلا باتخاذ قرار التنازل عن احد أعضائه كما يجب مايلي :
- ضرورة إخضاع المتنازل لفحوص طبية نفسية للتأكد من عدم تعرضه لأي ضغوط نفسية
- إذا كان المتنازل من أقارب المستفيد لابد من إعلام عائلته بنتائج الضغوط التي قد يمارسونها،أما بالنسبة للمشرع الجزائري فأهم ما يمكن أن نقوله هو أنه لم يتناول بصفة مباشرة الرضا الحر لكننا نستخلصه من نص المادة 162/2 من قانون الصحة .
2- الرضا لأجل تبصير المتنازل:
الالتزام بالتبصير بصفة عامة يعني إحاطة المتعاقد الأخر بالمعلومات الهامة والمؤثرة في إقدامه أو إحجامه على التعاقد فيجب على الطبيب أن يبصره بجميع المخاطر التي قد تحدث في الحال أو في المستقبل بعد عشرات السنين فمن يتنازل عن إحدى كليتيه يجب إخباره بأن أي أذى يصيب كليته المتبقية قد يهدد حياته بالخطر في المستقبل،وغير ذلك من المخاطر ولا يكفي إطلاع المتنازل على طبيعة العملية الجراحية فقط وإنما تبصير بجميع المخاطر التي تترتب على عملية الاستئصال وقد أشار المشرع الجزائري في المادة 162 الفقرة الأخيرة من قانون حماية الصحة وترقيتها بقولها "...ولا يجوز للمتبرع أن يعبر عن موافقته إلا بعد أن يخبره الطبيب بالأخطار الطبية المحتملة التي قد تسبب فيها عملية الانتزاع ..." يتضح من هذه الفقرة أن القانون الجزائري قد ربط رضا المتنازل عن عضو من أعضائه بإلزام الطبيب بتبصيره ليس فقط بالمخاطر الطبية الجراحية العادية التي تترتب على عملية الاستئصال.
3- أهلية المتنازل:
يقصد بالأهلية هنا أهلية الأداء أي صلاحية الشخص لصدور العمل القانوني منه على وجه يعتد به شرعا،وللتأكد من عدم وجود ضغوط تصيب إرادة المتنازل ومن أن حالته العملية و النفسية سليمة تماما عند تنازله عن جزء من جسمه، فان البعض يقترح ضرورة إخضاع المتنازل للفحص الطبي من الناحية النفسية والعقلية وذلك لا يعني فقط التأكد من حرية إرادته المتبصرة وقت التنازل وإنما لتبصيره أيضا بحرية العدول
عن رضائه دون أدنى مسؤولية ولو أدبية نحو المريض وأهله فهل تتوافر هذه الشروط لدى القاصرأومن في حكمه ؟
يعرف سن الرشد في التشريع الجزائري تباينا ملحوظا فسن الرشد الجزائي (18) سنة و سن الرشد المدني (19) سنة و سن الرشد لاكتساب الجنسية هو (21) سنة وسن الرشد للزواج (21) سنة للرجل و (18) سنة للمرأة . أما بالنسبة لقانون حماية الصحة و ترقيتها فان نصوصه المتعلقة بنقل الأعضاء البشرية لم تحدد سنا معينة يعتبر فيها المتنازل بالغا سن الرشد . وأمام الفراغ التشريعي نعود لنصوص قانون حماية الصحة وترقيتها المتعلقة بنقل الأعضاء،هذا وتنص المادة 162/2 من قانون حماية الصحة على أنه"لا يجوز للمتبرع أن يعبر عن موافقته إلا بعد أن يخبره الطبيب بالأخطار الطبية." ويتضح من هذه الفقرة أن المشرع الجزائري اعتبرالمتنازل عن عضو
من أعضائه متبرعا والتبرع من التصرفات الواردة في نصوص القانون المدني،وبالرجوع لنصوصه نجدها تعتبر التبرع هبة و يتم لشخص معين بذاته،ومن هذا فان سن الرشد المدني الذي يأخذ به المشرع الجزائري في مجال عمليات نقل و زرع الأعضاء،وهو المنصوص عليه في المادة 40 من القانون المدني والتي تنص على انه : " كل شخص بلغ سن الرشد متمتعا بقواه العقلية و لم يحجر عليه يكون كامل الأهلية بمباشرة حقوقه المدنية و سن الرشد تسعة عشرة سنة كاملة "وما يجب الإشارة إليه هنا أن الوقت الذي يجب أن تتوافر فيه الأهلية للمتنازل هو الوقت الذي يتم فيه الاتفاق على الاستئصال وليس الوقت الذي يباشر فيه عملية الاستئصال ،فمثلا لو كان المتنازل عن عضو من أعضائه قاصرا وقت التعاقد سيرجى النقل لحين بلوغه سن الرشد.
4- أن يكون الرضا بدون مقابل:
يجب أن يكون تنازل المعطي عن عضو من جسمه المتنازل عنه دون مقابل مادي،باعتبار أن جسم الإنسان ليس محلا للمعاملات المالية و التجارية ، و التنازل هنا لابد أن يكون هبة و محبة لقريب عزيز على المعطي أو تضامنا مع الآخرين للتخفيف
من ألامهم،وقد سار على هذا مختلف التشريعات الوضعية التي أجازت عمليات نقل وزرع الأعضاء البشرية ، كما أن المشرع الجزائري قد اقر أيضا مبدأ التنازل بدون مقابل في المادة 154 من قانون حماية الصحة و ترقيتها ، و الخاصة بنقل الدم حيث اعتبر المتنازل عن الدم متبرعا لأغراض علاجية ، و بهذا يكون المشرع الجزائري قد استبعد من المعاملات المالية كل ما يتصل بجسم الإنسان سواء أكان عضوا أو نسيجا
أو جزءا من الدم .
المطلب الثالث : ضرورة رضا المتلقي
أخذ بمبدأ عدم إجبارية الأشخاص على التداوي لابد من الحصول على رضا المريض الذي ستقع عليه عملية الزرع،وسيتعرض حتما للمخاطر،وقد تناولت المادة 166/1من قانون حماية الصحة و ترقيتها ضرورة أن يعبر الشخص المستقبل عن رضائه بحضور رئيس المصلحة الصحية التي قبل بها بحضور شاهدين .
الفرع الأول :شكل الرضا
إن المبدأ في مجال عملية نقل وزرع الأعضاء هو إمكانية تعبير المتلقي عن رضائه بأي وسيلة تظهر ذلك،غير أن المشرع الجزائري في نص المادة 166/1 ارتأى الكشف عن الإرادة الكامنة للمتلقي فاشترط أن يصاغ رضا المتلقي بشكل كتابي وأمام رئيس المصلحة التي سيتلقى فيها العلاج و بحضور شاهدين، و تظهر الأهمية القانونية للتعبير الكتابي عن رضا المتلقي فيما يتعلق بالإثبات،فالدليل الكتابي المتواجد لدى الجراح هو مبرر كاف للقول بمشروعية العملية التي قام بها والتي تشكل مساسا بسلامة جسم المتلقي و تكامله الجسدي.كما نصت المادة 166/2 على أنه إذا تعذر الحصول على الرضا من المتلقي شخصيا أمكن أن يعطي الموافقة الكتابية الأب أو الأم،الزوج أو الزوجة،الابن أوالبنت، الأخت أو الأخ ،حسبما هو وارد في أحكام المادة 164 من قانون حماية الصحة و تتم هذه الموافقة هنا أيضا بشكل كتابي و بنفس الشروط المذكورة في قانون حماية الصحة وعبء إثبات رضاء المتلقي يقع على عاتق الجراح .
الفرع الثاني :مميزات رضا المتلقي
1-ضرورة تبصير المتلقي:
يجب على الطبيب أن يقوم بإخطار المريض بحقيقة حالته الصحية وأن الوسيلة الوحيدة لإنقاذ حياته تكمن في القيام بعملية زرع الأعضاء،كما يجب أن يوضح له مخاطر الجراحة ونتائجها المحتملة كما يجب أن يعطيه فكرة منسابة عن ظاهرة رفض الجسم للأعضاء الجديدة وطريقة حياته بعد الجراحة حتى يتفادى هذه الظاهرة .
وقد أكد المشرع الجزائري على ذلك في نص المادة 166/5 من قانون حماية الصحة والمادة 43 من مدونة أخلاقيات الطب وعليه فمن حق المتلقي أن يدرك كل الأخطار الجراحية ومن واجب الطبيب تبصيره بالحقيقة احتراما لحرية الإنسان واحترام شخصيته والثقة المتبادلة بين الطبيب والمريض،فأي كذب أو إخفاء لمخاطر قد تحصل تجعل إرادة المتلقي مشمولة بالغلط و عليه يصبح العقد الطبي قابلا للإبطال.
2- شرط الرضا الحر للمتلقي:
المتلقي وحده هو صاحب الاختيار بين الحفاظ على صحته و تكامله الجسدي وبين المساس بسلامة جسمه،وإن كان من الناحية العلمية غير قادر على تقدير الأمور والمخاطر،والقول بأن المتلقي حر في اتخاذ القرار لابد أن يتبعه ضمان لتأكيد هذه الحرية وهو استبعاد كل إكراه قد يخضع له أو أي نوع من أنواع الضغوط وخاصة العائلية التي وإن كانت مقبولة في مجال العمل الجراحي العادي إلا أنها مرفوضة في عمليات نقل وزرع الأعضاء .
الفرع الثالث :أهلية المتلقي
إن موافقة المتلقي لإجراء عملية النقل لصالحه يعني اشتراكه في كل المخاطر التي ستلحق لأجل ذلك لابد أن تكون هذه الموافقة صادرة عنه وهو قادر على التعبير
عن إرادته باكتمال أهليته القانونية ،لأن القاعدة العامة أنه لا يكفي أن يكون التراضي موجودا و إنما لابد أن يكون صحيحا،و لا يكون كذلك إلا إذا كان صادرا من شخص ذي أهلية ولم تكن إرادته مشوبة بعيب،فإذا كان المريض متمتعا كاملا بالأهلية اللازمة لإبداء الرضا ، فان الأمر لا صعوبة فيه .
أولا: عدم أهلية المتلقي القانونية
وفقا لنص المادة 166/3 من قانون حماية الصحة إذا كان الشخص المتلقي غير أهل للتعبير عن رضائه أو فاقدا للوعي،فان من يتخذ القرار هو من له سلطة قانونية عليه الأب، الأم ثم الولي الشرعي و تكون موافقة هؤلاء مكتوبة و عليه لا يمكن للطبيب إجراء العملية للقاصر دون رضائه الكتابي ممن يمثله ومتى كان المتلقي القاصر في حالة صحية تمكنه من إدراك و فهم المخاطر التي سيتعرض لها أمكنه هو شخصيا أن يعبر رضائه بخضوعه للعلاج الجراحي وهذا التصرف ليس بالقانوني ولا يخضع لشروط القواعد العامة المتعلقة بأهلية الأداء بل هو مظهر من مظاهر حرية المتلقي في مباشرة نشاط مشروع يكفي أن يتوفر فيه الإدراك والتمييز .
ثانيا: حالة انعدام الأهلية الفعلية للمتلقي
نكون بصدد انعدام الأهلية الفعلية إذا كانت الحالة الصحية للمتلقي لا تسمح له بالتعبير عن إرادته وقد تطرق المشرع الجزائري لهذه الحالة في المادة 166 من قانون الصحة فأشار أن أسرة المتلقي هي من تعبرعن رضائه و هي الأب ،الأم، الزوج الزوجة، الابن، البنت،الأخ،الأخت، إذن لابد من رابطة القرابة لمن ينوب عن المتلقي
في التعبير عن رضاءه أما في حالات الاستعجال القصوى أين يتعذر حضور الأسرة يقوم الطبيب رئيس المصلحة هو بنفسه بالتعبير عن رضا المتلقي و القيام بالعملية،فله أن يقدر أهمية العملية ،كما أنه يمكن للطبيب أيضا أن يمتنع عن إجراء العملية رغم موافقة المتلقي وأهله إذا رأى أن نتائج هذا العمل الجراحي ستكون جسيمة.
المبحث الثالث : شروط نقل وزرع الأعضاء من جثث الموتى
تطرقنا في المطلب الأول إلى نقل وزرع الأعضاء بين الأحياء ونتناول في هذا المبحث الى نقل الأعضاء من جثث الموتى وزرعها في أجسام الأحياء والذين هم
في حاجة إليها، وذلك لأنه ثبت علميا أنه يمكن الاستفادة ببعض الأعضاء عقب الموت مباشرة و استغلالها لدى شخص مريض هو في أمس الحاجة إليها وسنحاول أن نتعرض في هذا المبحث إلى الوفاة والشروط التي يتم بها استئصال الأعضاء من الموتى.
المطلب الأول : ضوابط استئصال الأعضاء من جثث الموتى
تخضع مشروعية نقل الأعضاء البشرية من جثث الموتى إلى عدة شروط نعالجها إتباعا فيما يلي :
الفرع الأول :التحقق من حصول الوفاة
لايزال تحديد مفهوم الوفاة يثير الكثير من الجدل في الأوساط القانونية حيث ذهب جانب من الفقه إلى إعتبار الموت مسألة قانونية توجب تدخل المشرع بنص صريح حول تعريفها وتحديد معايير إثباتها في حين يرى جانب آخر من الفقه أن الموت مسألة طبية،ذلك أن الحياة والموت هما من الظواهر البيولوجية ويجب أن تبقى من إختصاص أهل الطب،ومن ثم فإن وضع أي تعريف قانوني للموت سوف يكون محلا لتعديلات متلاحقة. إن تحديد لحظة الوفاة تعني ميلاد جثة هذا المتوفي ثم الانتقال من نظام قانوني طبيعي وضعي إلى نظام ما وراء الطبيعة و نظام وضعي أخر .
يمر الموت في الغالب بعدة مراحل تتمثل في توقف القلب و الرئتان عن العمل ثم توقف دخول الدم المحمل بالأكسجين للمخ فتموت خلاياه ثم تموت بعد ذلك خلايا الجسم و يستقر الطب الحديث على أن موت خلايا المخ هو معيار موت الإنسان موتا حقيقيا و يترتب على ذلك توقف المراكز العصبية العليا عن عملها و يستحيل بذلك على الإنسان إعادة الحياة إلى المخ و بالتالي إلى الجسم،ويختلف العلماء بين قائل بأن الوفاة تتم بتوقف جذع المخ دون قشرته ولو تم الاستعانة بأجهزة لإبقاء أعضاء جسمه الأخرى حية وقائل بتوقف المخ كلية.ونظرا لأن خلايا بعض أعضاء الجسم تظل حية لبعض الدقائق بعد موت خلايا المخ فإنه يمكن المحافظة على حياة هذه الأعضاء بتزويدها بالدم المحمل بالأكسجين وضرورات الحياة الأخرى من خلال أجهزة الإنعاش الصناعي،وبذلك يمكن الاستفادة
من هذه الأعضاء الحية ـ صناعياـ بنقلها إلى شخص حي في حاجة إليها .
إن تحديد لحظة الموت أمر ضروري على أساس أن:
ـ يترتب على تحديد هذه اللحظة تحديد وقت البدء في عملية اقتطاع العضو الموصى به.
ـ صلاحية الأعضاء الأساسية القابلة للزرع ذلك أنه لافائدة من الإيصاء بالأعضاء إذا لم تكن هناك الاستفادة منها.أما بالنسبة للتشريع الجزائري فنجد أنه لم يهتم بتحديد لحظة الوفاة إذ نص في المادة164/1من قانون حماية الصحة وترقيتها المعدلة بموجب القانون 90ـ17 على أنه:"لايجوز انتزاع الأنسجة والأعضاء من الأشخاص المتوفين إلا بعد الإثبات الطبي و الشرعي للوفاة من قبل اللجنة الطبية المنصوص عليها في المادة167
من هذا القانون وحسب المقاييس العلمية التي يحددها الوزير المكلف بالصحة العمومية"وبذلك نجد أن المشرع أحال بخصوص تحديد لحظة الوفاة على وزير الصحة والذي يقع على عاتقه وضع تعريف للوفاة حسب المقاييس العلمية التي توصل إليها الطب. وقد أصدر فعلا الوزير المكلف بالصحة والسكان القرار رقم39ـ89 الصادر بتاريخ 26ـ03ـ1989 بشأن تحديد المعايير الواجب اعتمادها في معاينة الوفاة لغرض مباشرة عمليات نقل الأعضاء.
المطلب الثاني:ضوابط استئصال الأعضاء من جثث الموتى
لا يستطيع الطبيب الجراح استئصال أي عضو من جثة المتوفى إلا بعد صدور إذن الاستئصال والصورة الأساسية للإذن في التصرف في الجثة يكون بناء على وصية صادرة من شخص المتنازل نفسه قبل وفاته وذلك إذا ما كان المتنازل مطلعا على مدى أهمية جثته في سبيل إسعاد الآخرين ومن ثم يحرص على أن يتعاون مع غيره من أبناء وطنه في سبيل إسعادهم و إطالة حياتهم.ولكن غالبا ما يموت الشخص دون أن يحدد كيفية التصرف في جثته.وهنا يثور السؤال عماإذا كان أحد يملك الحق في التصرف في الجثة؟
أولا:مشروعية المساس بالجثة
إن البحث في مشروعية المساس بالجثة يكمن في أساس إباحة الاستئصال من الجثة والذي يعد هذا الأخير ليس طليقا من كل شرط بل له شروط يقتضيها الأساس المختار للإباحة
1- الأساس القانوني للإباحة الاستئصال من الجثة
تناولت المادة164 من قانون حماية الصحة وترقيتها الأساس القانوني لإباحة استئصال الأعضاء من الجثة بقولها:"لا يجوز انتزاع الأنسجة والأعضاء من الأشخاص المتوفين قصد زرعها إلا بعد الإثبات الطبي والشرعي للوفاة من قبل اللجنة الطبية المنصوص عليها في المادة167 من هذا القانون،وحسب المقاييس العلمية التي يحدد الوزير المكلف بالصحة وفي هذه الحالة يجوز الانتزاع إلا بعد موافقة أحد أعضاء الأسرة حسب الترتيب الأولوي الأب أو الأم،الزوج أو الزوجة،الابن أوالبنت، الأخ أو الأخت أوالولي الشرعي إذا لم تكن للمتوفي أسرة، غير أنه يجوز انتزاع القرنية والكلية بدون الموافقة المشار إليها في الفقرة أعلاه،إذا تعذر الاتصال في الوقت المناسب بأسرة المتوفي أو ممثليه الشرعيين أو كان التأخير من أجل الانتزاع يؤدي إلى عدم صلاحية العضو موضوع الانتزاع.
إذا اقتضت الحالة الاستعجالية للمستفيد من العضو التي تعاينها اللجنة الطبية المنصوص عليها في المادة167من هذا القانون ،يتضح من هذه المادة أنها أجازت صراحة استئصال الأعضاء من الجثة قصد زرعها لأشخاص أحياء،ولكن مايجب ملاحظته هو أن الاستئصال من الجثة لا يصلح إلا إذا حصلت موافقة الشخص المتوفي أثناء حياته أما بعد وفاته فينتقل هذا الحق لأسرته حيث يلزم موافقة أفراد الأسرة حسب الترتيب الأولوي الوارد في نص المادة أعلاه والمستند أساسا إلى طبيعة الروابط بين أفراد الأسرة الواحدة وترتيبها وأولوياتها والذي راعى فيها المشرع الجزائري قاعدة الأقرب فالأقرب .كما يلاحظ أيضا على نص نفس المادة أعلاه أنه قد جرى تعديلها بموجب القانون رقم90/17 ،حيث استحدث فقرة جديدة تتعلق بنقل القرنية والكلية بدون الموافقة المشار إليها أعلاه وذلك في حالة ماإذا لم يكن بالإمكان الاتصال بأسرة المتوفى في الوقت المناسب،وكان من شأن هذا التأخيرأن يرتب أضرارا جسيمة كعدم صلاحية العضو،وبهذه الموافقة يكون المشرع الجزائري قد ساير الإتجاهات التشريعية الحديثة من ناحية الاستئصال من جثة المتوفي ، إن لم يكن هناك أقارب للمتوفي فإنه يجوز المساس بالجثة لأعراض علمية ومن ثم يجوز نقل عضو من الجثة إلى شخص آخر،لإنقاذ حياته أوتحسين صحته،مثال ذلك نقل القلب من المتوفي بعد الوفاة مباشرة عقب توقف خلايا المخ عن العمل.طبقا لمعيار رسم المخ الكهربائي وقبل موت خلايا القلب .
2-أهداف الاستئصال من الجثة
تهدف عملية انتزاع أعضاء من جثة المتوفي إلى تحقيق هدفين مشروعين:
أ-الاستئصال من الجثة قصد العلاج
تناول المشرع الجزائري مسألة الاستئصال من الجثة بقصد العلاج في المادة161
من قانون حماية الصحة وترقيتها،حيث نصت هذه الأخيرة على أن:"لايجوز انتزاع الأعضاء ولازرع الأنسجة أو الأجهزة البشرية إلا لأغراض علاجية أوتشخيصية.."يتضح من هذه المادة أن المشرع الجزائري قد وضع لها قاعدة عامة في مجال عمليات نقل وزرع الأعضاء فهي تشمل النقل من الأحياء ومن جثث الموتى.وعليه يمكن القول أن المشرع الجزائري قد جعل من قصد العلاج أسمى ما يمكن التضحية بهسواء كان التنازل من شخص حي لآخر حي أو كان النقل من جثة ميت لشخص حي. ومن ثم فالمساس بالجثة لأجل استئصال عضو منها قصد زرعه لشخص حي يجب أن يكون لغرض علاجي،وأن الخروج على مبدأ حرمة جثة الميت لا يكون إلا من أجل تحقيق مصلحة إنسانية علاجية للغير،ومصلحة المجتمع المؤكدة.ولكن الهدف العلاجي لا يصلح هكذا مبررا للمساس بالجثة هي الوسيلة الوحيدة للعلاج .
ب الاستئصال من الجثة قصد التجريب
يتمثل الاستئصال قصد التجريب في تشريح الجثة لأغراض علمية،والتشريح أصبح أمرا لاغنى عنه في الحياة العلمية والعملية على السواء،ففي الحياة العلمية يعتبر التشريح من العلوم الأساسية لطلبة الطب،وذلك لكي يقفوا على تركيبة جسم الإنسان،ومعرفة وظائف أعضائه ليستطيعوا بعد ذلك إجراء العمليات الجراحية وهم على بينة من أمرهم أما حياة العملية فيعتبر التشريح مدخلا هاما لتشخيص الأمراض فعن طريقه يتم الكشف عن السبب الحقيقي للوفاة كما يمكن معرفة أسباب الأمراض والأوبئة واتخاذ الإجراءات لإزالتها قبل أن تؤدي للوفاة.من كل هذه الاعتبارات نظم المشرع الجزائري عمليات التشريح في المادة168من قانون حماية الصحة وترقيتها المعدلة،والتي نصت على أنه: "يمكن إجراء تشريح الجثث في الهياكل الإستشفائية بناء على مايلي:
ـ طلب من السلطة العمومية في إطار الطب الشرعي طلب من الطبيب المختص قصد هدف علمي يتم إجراء تشريح الجثث من أجل هدف علمي،مع مراعاة الأحكام المنصوص عليها في الفقرتين2 ،3 من المادة164من هذا القانون"
الفرع الثاني:شكل التعبير عن إرادة المتوفى
اختلفت التشريعات المقارنة بشأن شكل التعبير عن إرادة المتوفى للتصرف في جثته فذهب البعض إلى عدم استلزام أية شكلية مهنية للتعبير عن إرادة المتوفى من أجل التصرف في جثته،في حين ذهب البعض الآخر إلى اشتراط شكلية خاصة للتعبير عن هذه الإرادة وميزت في هذه الحالة بين حالة الموافقة على الاستئصال وحالة عدم الموافقة.
أولا:حالة قبول الاستئصال من الجثة
حرصت بعض التشريعات على الاعتداء بإرادة المتوفى في شأن التصرف في جثته سواء كانت شفهية أو كتابة في صورة إقراركتابي أو وصية، للقول بقبول الاستئصال
من الجثة، ومن هذه التشريعات التشريع الجزائري الذي نص في المادة164 الفقرتين الأولى والثانية على أنه"لا يجوز انتزاع الأنسجة والأعضاء من الأشخاص المتوفين قصد زرعها إلا بعد الإثبات الطبي والشرعي للوفاة....وفي هذه الحالة يجوز الانتزاع إذا عبر المتوفى أثناء حياته على قبوله لذلك...."يشترط المشرع الجزائري الموافقة الكتابية للمتنازل أثناء حياته وتراجع في التعديل الأخير عن هذا الشرط وبسط إجراءات التنازل عن عضو من أعضاء الجثة حيث أصبح النص الجديد يبيح صراحة الاستئصال من جثة المتوفى إذا عبر هذا الأخير عن قبوله بالتبرع بعضو من أعضائه ومن ثم فإن رضا المتنازل يكون بكافة الأساليب وأيا كان أسلوب هذا التعبير سواء كان بالكتابة أو الإشارة المتداولة عرف كما يمكن أن يكون باتخاذ موقف لا يدع مجالا للشك في دلالته
على مقصود صاحبه ،كما يجوز أن يكون التعبير عن الإرادة ضمنيا، ليس هذا فحسب بل يجوز للمتنازل قبل وفاته أن يحدد أعضاء معينة بذاتها،تكون محلا للانتزاع وأن يحرم أعضاء أخرى يترتب عليها تشويه مظهر جثته كما يجب أن يحدد أغراض هذه العملية كأن تكون علاجية حسب نص المادة161 الفقرة الأولى من قانون الصحة،أو أن تكون لأغراض علمية(تجريبية) حسب نص المادة168/1، 2من نفس القانون.
ثانيا:حالة رفض الاستئصال من الجثة
استلزمت بعض التشريعات شكلية معينة لإثبات رفض الشخص المساس بجثته بعد وفاته ومن هذه التشريعات التشريع الجزائري في قانون حماية الصحة حيث نصت المادة165/1 على أنه"يمنع انتزاع الأنسجة والأعضاء قصد زرعها إن كان الشخص المعني قد رفض كتابيا وهو على قيد الحياة،أو إذا كان الانتزاع يعيق التشريح الطبي.."يتضح من هذه الفقرة أن القانون الجزائري أجازللشخص الاعتراض على المساس بجثته بعد وفاته على أن يتم هذا الاعتراض في الشكل الكتابي، إذن هذا النص يوجب
على كل شخص يرفض المساس بجثته واستئصال أعضاء منها وأن يجسد رفضه
في الشكل الكتابي.
الفرع الثالث: مدى إمكانية استئصال الأعضاء من المحكوم عليهم بالإعدام بعد تنفيذ الحكم فيهم
تناول المشرع الجزائري في الأمر رقم72/2المتضمن قانون تنظيم السجون وإعادة تربية المساجين تنفيذ عقوبة الإعدام في المواد196 إلى 199، فنص في المادة196
على المؤسسة التي يجب أن ينقل إليها المحكوم عليه بالإعدام أما المادة197 فتنص
على أن عقوبة الإعدام لا يمكن أن تنفذ إلا بعد رفض طلب العفو من رئيس الجمهورية وأن يكون تنفيذ عقوبة الإعدام رميا بالرصاص المادة198،ثم صدر المرسوم رقم72/38 المتعلق بتنفيذ حكم الإعدام وحدد هذا المرسوم مكان تنفيذ هذه العقوبة في المادة الأولى،والأشخاص الذين يحضرون تنفيذ هذه العقوبة في المادة الرابعة وألزم في المادة الثالثة أن تتم عقوبة الإعدام في غير حضور الجمهور،وطالما أن تنفيذ عقوبة الإعدام يتم في السرية المطلقة فإن مواراة الجثة في التراب تأخذ هي أيضا طابع السرية،ومن ثمة فإن استئصال أعضاء من جثة الشخص المعدوم يستحيل عمليا وذلك لكون عمليتي تنفيذ الحكم والدفن تتمان بسرعة وفي سرية تامة ،هذا من جهة،ومن جهة أخرى ولو بفرض أنه يجوز استئصال الأعضاء من الشخص المعدوم فإن كيفية تنفيذ حكم الإعدام يجعل أمر الاستئصال مستحيلا، ذلك أن عقوبة الإعدام تتم رميا بالرصاص الذي يلحق بالجثة تشويهات في مختلف أجزاء البدن وبهذا يكون المشرع الجزائري قد اختار الاتجاه الذي لايجيز المساس بالجثة لأنه أمر يتعارض مع القيم الإنسانية واحترام الجثة كما لا يوجد
ما يبرر المساس بجثة الشخص المعدوم
المطلب الثالث:الشروط القانونية لنقل الأعضاء من الأموات إلى الأحياء
بتفحص النصوص القانونية السابق الإشارة إليها يمكن تقسيم هذه الشروط إلى مايلي :
أولا:الشروط الخاصة بالمتوفي
من خلال المواد164، 165،167/5يمكن تحديد هذه الشروط:
1ـ وفاة صاحب العضو المراد نزعه
وهذا الشرط لازم وأكيد ذلك إنما في إطار دراسة النقل بين ميت الى حي حسب نص المادة164من القانون85ـ05.ولتحديد لحظة الوفاة أسند المشرع الجزائري العملية لطبيبان إثنان من اللجنة الطبية لنقل الأعضاء وطبيب شرعي.
2ـ سماح المتوفي قبل موته بنزع عضو منه أو إذن من أسرته بذلك
حسب نص المادة164من القانون85ـ05يسمح بنزع العضو من جثة المتوفي إذا سبق له التعبير عن إرادته بالسماح بنزع عضومن أعضائه ولصحة الوصية يجب مراعاة الأحكام القانونية والمتعلقة بالأهلية وخلوها من العوارض وعدم إكراه هذا الشخص
على الايصاء،فالشخص الموصى له يكون له الأولوية على غيره في عضو المتوفى تطبيقا لوصية الميت،فإذا لم يعبر المتوفي عن إرادته في الشرع قبل موته فلا يمكن نزع أعضائه كأصل عام إلا إذا أذن أفراد أسرته بذلك وفقا للترتيب الأولوي حسب نص المادة164/3
من القانون رقم85ـ05.
ثانيا:الشروط المتعلقة بالمريض المستفيد من العضو
يجب أن تتوافر في شأنه الشروط التالية:1ـ يمنع نقل أي عضو إلى مريض إلا إذا كان ذلك يمثل الوسيلة الوحيدة للمحافظة على حياته أو سلامته البدنية حسب نص المادة166/1من القانون85ـ05،وهذا الوضع تقرره اللجنة الطبية الخاصة المنصوص عليها في المادة167/1فإذا كان بالإمكان علاج المريض بوسيلة أخرى فيجب الاستعانة عند النقل والزرع إلى الوسيلة الأخرى.
2ـ يجب على المريض أن يعبر عن رضاه أمام رئيس المصلحة الصحية وبحضور شاهدين حسب نص المادة166/1القانون85ـ05،أما إذا كان المريض المستفيد غير قادر على التعبير عن رضاه حسب نص القانون يعبر عن قبول نقل العضو إليه أحد أفراد أسرته حسب الترتيب الأولوي المادة164وأن يكون الإذن كتابيا حسب نص المادة166/2من القانون 85ـ05،أما في حالة الأشخاص الغير متمتعين بالأهلية تكون الموافقة من الأب أو الأم أو الولي الشرعي المادة166/3من نفس القانون وبالنسبة للقصر فتمنح الموافقة نيابة عنهم الأب أو الولي الشرعي حسب نص المادة 166/4 من القانون 85ـ05
ثالثا:الشروط المتعلقة بالأعضاء المراد انتزاعها
يجب أن تكون الأعضاء المراد زرعها صالحة وليس فيها أي أمراض من شأنها المساس بحياة وسلامة من يتلقاها وذلك طبقا لنص المادة163من القانون85ـ05،نص المشرع الجزائري في القانون المدني في مادته الأولى،وفي هذا الشأن تمنع زرع الأعضاء التناسلية التي من شأنها أن تنقل الخصائص الوراثية من شخص إلى آخر،لأن ذلك من شأنه أن يؤدي إلى اختلاط الأنساب وهذا أمر يمس بالنظام العام القانوني ولايجوز مطلقا إباحة أي عمل من شأنه المساس بالنظام العام في المجتمع.
رابعا:الشروط المتعلقة بالجهة الإستشفائية التي تتم فيها نقل الأعضاء
لأي مؤسسة استشفائية عامة كانت أو خاصة أن تقوم بعمليات نزع وزرع الأعضاء إلا بعد الحصول على ترخيص مسبق من الوزير المكلف بالصحة طبقا لنص المادة167/1من القانون رقم85ـ05 .ويجب أن تنشأ في كل هيئة استشفائية مرخص لها بالقيام بعمليات نقل الأعضاء لجنة طبية يكون لها الحق في تقرير ضرورة نقل الأعضاء،كما يكون لها الحق في الإذن بإجراء العملية طبقا لنص المادة167/2من نفس القانون،إذن لصحة أي عملية لنقل الأعضاء بما تتضمنه من نزع وزرع بين شخص ميت وآخر حي يجب أن توفى الشروط القانونية وحتى الشرعية اللازمة وإلا كانت غير قانونية وقد تترتب المسؤولية القانونية.
الفصل الثاني:جريمة الاتجار بالأعضاء البشرية
إن التطور الذي شهدته البشرية في المجالات العلمية و التكنولوجية و الاكتشافات الطبية في السنين الأخيرة مثل نعمة كبيرة للإنسان وزاد من ظروف حياته ومعيشته.ولكن هذا التقدم العلمي خاصة في ميادين الطب والعلاج بقدر ما قدم حلول إيجابية ومستحسنة إلا أنه أفرز ظواهر جانبية سلبية تمس بكرامة الإنسان. ونعني بهذا ظاهرة استغلال محاسن الطب الحديث في تصرفات منافية لكل القواعد الأخلاقية والسلوك السوي كانتشار ظاهرة بيع الأعضاء البشرية وامتهانها كعمل تجاري،يحط من قدر الإنسان وكرامته التي رفعها المولى عز وجل ،وصانتها أيضا المجتمعات الإنسانية كالإعلان العالمي لحقوق الإنسان في الفقرة الأولى من ديباجته.
إن الاستعمال الطبي لبعض أعضاء جسم الإنسان في سياق العلاج وإنقاذ المرضى المصابين،والتي تمثل المصلحة العلاجية والمحافظة على سلامة الشخص أساس وجودها ومشروعيتها لا تمثل مشكلة بل على العكس بقدرما تشجعها الأبحاث الطبية،لكن في نطاق معين وبشروط محددة،لأن غايتها تحقيق المنفعة،غير أن"استغلال"زرع الأعضاء كتجارة أو وسيلة للحصول على المقابل المادي فذلك هو الخروج عن القاعدة.
لذا سنحاول من خلال هذا الفصل أن نتعرض إلى الجرائم الناتجة عن نقل الأعضـاء من خلال ثلاث مباحث نتطرق في المبحث الأول إلى كيفية خروج عمـلية نقـل الأعضـاء عن نطاق المشروعية لتتحول إلى جريمة،كجريمة الاتجار بالأعضاء البشرية والتي يستلزم مواجهتها خاصة لما أصبحت ترتكب من قبل منظمات إجرامية على صعيد عالمي بقصد الحصول على أرباح طائلة،باستغلال أوضاع الفقر والحرمان لدى فئات عريضة من الأشخاص وهذا ما سنحاول التطرق إليه من خلال المبحثين الآخرين بانتهاج خطة الفصل على النحو التالي:
المبحث الأول:من العمل المشروع إلى الجريمة
المبحث الثاني:موقف المشرع الجزائري من جريمة الاتجار بالأعضاء البشرية
المبحث الثالث:موقف التشريعات من الجريمة و إجراءات مكافحتها
المبحث الأول:من العمل المشروع إلى الجريمة
إن موضوع عملية نقل الأعضاء و زرعها أصبح من ضمن مواضيع الساعة التي تشغل اهتمام العديد من الباحثين في ميادين مختلفة من العلوم كالقانون والسياسة و الطب بل وحتى الإعلام،إلا أن هذا الموضوع خرج عن نطاق المشروعية ليتحول إلى جرائم تمس بجسم الإنسان أولا وبكرامته ثانيا وهذا ما سنحاول التطرق إليه من خلال هذا المبحث.
المطلب الأول:مشروعية الأعمال الطبية
إن الأعمال الطبية التي يجريها الأطباء والجراحون تستلزم المساس بالحق في سلامة الجسم،كما يحدث في العمليات الجراحية وإعطاء الأدوية والعقاقير،التي تسبب آلاما للمريض
أو قد يترتب على شفاؤه كما قد ينشأ عنه ازدياد مرضه وألمه،وقد ينتهي الأمر إلى الموت،ولكن الطبيب أو الجراح لا يؤاخذ بذلك جزائيا أو مدنيا،فاحتمال الشفاء من العلاج أو من العملية
مع انصراف ذهن الطبيب إلى هذا الشفاء،وقد أدى مهمته طبقا لأصولها الفنية كاف لرفع المسؤولية.وقد تناول الفقه والقانون بحث مشروعية العمل الطبي وتعددت الآراء في مشروعية العمل الطبي، فهناك رأي يرجع المشروعية إلى حالة الضرورة ورأي يرجعها إلى حالة رضا المجني عليه وآخر إلى عدم توافر القصد الجنائي وأخيرا إذن القانون وسنبينها فيما يلي:
الفرع الأول:حالة الضرورة
إن إعفاء الطبيب من المسؤولية من حوادث العلاج التي ينجم عن مزاولته العادية لمهنته إنما يرجع إلى حالة الضرورة ويستندون في ذلك إلى الفكرة العامة المستفادة من النص على الضرورة في الشرائع المختلفة ويعللون ذلك أن هناك أعمالا يعاقب عليها في ذاتها ولكنها تفقد هذه الصفة وتعفى من كل عقاب في الوقت الذي تصبح فيه ضرورية ولا يمكن تجنبها باللجوء إلى وسائل أخرى أقل مخالفة للقانون، فالطبيب الذي يجري عملية جراحية للمريض فهو لا يرتكب عملا غير جائز بإجراء هذه العملية،حتى ولو ترتب عليها فقد عضو من أعضاء المريض،لأن خسارة العضو أفضل من خسارة الكل.
الفرع الثاني: رضا المريض
إن إعفاء الطبيب من المسؤولية عن الأضرار التي يسببها في مزاولته العادية لمهنته يرجع إلى وجود عقد يربط بينه وبين المريض ،فان المريض في الأحوال العادية يتقدم إلى الطبيب يطلب منه أن يعالجه من المرض مقابل الأجر ويتعهد الطبيب من جانبه أن يقوم بعلاج المريض بما تقتضي به الحكمة و الأصول فإذا نفذ التزامه في غير خطأ منه و لا تقصير فلا مسؤولية عليه ولو ترتب على المعالجة ضرر بالمريض.
إن رضا المريض قد يكون عنصرا مهما من عناصر نفي المسؤولية عن الطبيب في بعض الأحوال،و لكنه ليس كل شئ ثم هو لا يصلح لأن يكون سندا قانونيا في إباحة الأعمال الطبية وإذا قلنا بذلك لكان هناك خرق لمصالح المرضى و ضرر للصالح الاجتماعي بوجه عام.
الفرع الثالث:عدم توافر القصد الجنائي
إن اعتبار أن الطبيب غير مسؤول عن الأضرار التي يحدثها في المزاولة العادية لمهنته يرجع إلى عدم توافر القصد الجنائي لديه عند قيامه بالأفعال التي ترتبت عليها هذه الأضرار.
إن نظرية انتفاء القصد الجنائي لا تعد بذاتها سبب لإباحة الأعمال الطبية والقول بغير ذلك لا يمكن التسليم به ويفتح الباب على مصراعيه بإباحة الأعمال والتعرض لأجسام المرضى وغيرهـم من البشر ممن ليسو بأطباء مما يهدد النظام القانوني لهذه المهنة وما وضعته الدولة من تشريعات لحماية صحة المواطنين في أن تكون هذه الأعمال صادرة ممن تخولهم الدولة الحق في التعرض لأجسامهم استنادا إلى الإجازة العلمية التي حصلوا عليها لمزاولة المهنة.
الفرع الرابع:إذن القانون
إن الإعفاء الذي يتمتع به الطبيب من المسؤولية التي يحدثها أثناء مزاولته العادية لمهنته يرجع إلى القوانين التي تنظم مهنة الطب وهذه القوانين أباحت أن يجروا جميع الأعمال التي تؤدي إلى الشفاء ورفعت عنهم مسؤولية مايمكن أن يعد من هذه الأعمال مخالفا للقانون،إن التبرير الحقيقي لعمل الطبيب يرجع إلى إذن القانون فالمشرع بإعطائه الطبيب شهادة الطب وبالترخيص له بمزاولة مهنته قد صرح له بأن يعمل ما من شأنه أن يؤدي إلى الشفاء،فالقصد الجنائي موجود لدى هذا الطبيب،لكن هذا القصد قد تطهر بعلم هذا الطبيب في ذات الوقـت
أنه يستعمل حق خوله له القانون،والفعل إذا ترتبت عليه نتائج مجرمة ونتائج مشروعة فإن النتائج المشروعة تطهر القصد الجنائي وتجعل الفعل مشروعا وذلك هو حال الطبيب الذي يجري لمريضه عملية جراحية يقصد منها شفاءه.
المطلب الثاني:تخلف شرط الرضا
يعتبرالرضا شرط أساسي في عمليات نقل وزرع الأعضاء و بتخلفه تتوجب المسؤولية الجنائية.
الفرع الأول:المسؤولية الجنائية المترتبة في القواعد العامة
إن دراسة تخلف شرط رضا المانح في إطار نقل الأعضاء تحتم علينا التمييز بين حالتين :
1-أن ينتج عن عملية الاستئصال عاهة مستديمة للمانح وهي جريمة مكتملة الأركان،و بعبارة أخرى ليوصف عمل الطبيب بالمباح كان لابد من توافر سبب الإباحة وهو رضا المانح، وعليه تقوم المسؤولية الجنائية الكاملة للطبيب،وإذا كان باعثه نبيلا وما عليه بإجراء العملية.
أما بالنسبة للمشرع الجزائري فقد أدرج شروط إباحة العمليات الجراحية ضمن قانون الصحة وترقيتها الصادر بموجب القانون رقم85/ 05 والمتمم بالقانون رقم90/17.
2- ينتج عن عملية الاستئصال وفاة المتنازل ونميز هنا بين حالتين:
أ-حالة انتزاع عضو لا يؤدي انعدام وجوده إلى الوفاة فطبيعة الجريمة هنا جرح أدى إلى الموت وهدف الطبيب هنا انتزاع العضو وليس إحداث الوفاة،إن قيام المسؤولية الجنائية للطبيب أساسها الوحيد هو تخلف شرط رضا المجني عليه.
ب-حالة استئصال عضو حيوي مهم لحياة الإنسان(القلب،الكبد)بوفاة المتنازل يكون الطبيب مرتكبا لجناية قتل عمدي مكتملة الأركان،كما يسأل الطبيب أيضا عن وفاة المتنازل حتى وإن كان في العادة أن نقل العضو المنتزع لا يؤدي إلى الموت كما هو الحال في نقل الكلية،قرنية العين.
الفرع الثاني:المسؤولية الجزائية في ظل التشريع الجزائري
حددت المادة671/2،3 من قانون الصحة العامة القيود والضوابط المتعلقة بمجال نقل الأعضاء،فاشترطت عدم جواز استئصال أي عضو دون موافقة المانح مسبقا،ووفقا للقانون الفرنسي المعدل فإن أي عملية نقل أعضاء دون موافقة المانح هي نموذج لجرائم الاعتداء على سلامة الجسم.ويضيف المشرع الجزائري أنه يكفي لقيام هذه الجريمة أن يكون الرضا(أي رضا المانح) معيبا(المادة671 من قانون الصحة العامة)فيما يتعلق بالعقوبات المقررة لهذه الجريمة.
فقد فرض المشرع الفرنسي تطبيق ذات العقوبات المقررة لهذه الجريمة فيما لو ارتكبت تامة على فعل الشروع في ارتكابها وأضاف إليها عقوبات تكميلية تتمثل في حرمان الجاني من مزاولة النشاط المهني أو الاجتماعي الذي كان يمارسه أثناء ارتكابه للجريمة لمدة أقصاها 10 سنوات.
المبحث الثاني:موقف المشرع الجزائري من جريمة الاتجار بالأعضاء البشرية
إن التطور الذي شهده الطب في مجال نقل الأعضاء البشرية،رافقه تطور وسائل ارتكاب الجريمة من قبل المنظمات الإجرامية إذ حاولت هذه المنظمات تسخير كل الإمكانيات العلمية في سبيل ممارسة أنشطتها بقصد الحصول على أكبر قدر ممكن من الأرباح وتشير التقـارير إلى توسيع انتشار أنشطتها في مجال الاتجار بالأعضاء البشرية.
المطلب الأول:الإطار القانوني لجريمة الاتجار بالأعضاء
رغم القيود القانونية الصارمة المتبعة في عمليات زرع الأعضاء البشرية في مختلف أنحاء العالم إلا أنه ما تزال التجارة الغير شرعية و الاستغلال البشع للفقراء باتفاقات سرية تلقى بضلالها على الجهود الدولية الرامية لتنظيم تدفق الطلبات القانونية لهذه الأعضاء. الفرع الأول:تعريفها
أولا:معنى الاتجار
1ـ لغة:تجر،يتجر،تجراو تجارة،باع وشرى وكذلك اتجر وهو افتعل وقد غلب على الخمار.
2ـ اصطلاحا:الاتجار مصطلح مشتق من التجارة(Commerce) والتجارة في اللغة اللاتينية (Commercium) منMercis,merx ، السلعة.
في القانون مجموعة النشاطات المحددة في قانون التجارة التي تتيح للثروات أن تنتقل من الإنتاج إلى الاستهلاك والاتجار: هو مزاولة أعمال التجارة بتقديم السلع إلى الغير بمقابل بطريقة البيع والشراء.
ثانيا:تعريف الاتجار بالأعضاء
يقصد بتجارة الأعضاء البشرية أعمال البيع والشراء للأعضاء البشرية كالأنسجة والجلد والدم والكلى.
الاتجار في الأعضاء البشرية هو ذلك النشاط الإجرامي الذي تقوم به عصابات الإجرام المنظمة العابرة للأوطان،من خلال استغلال الأشخاص المهاجرين والمهربين من بلدانهم الأصلية ونزع أعضائهم والاتجار فيها بهدف زرعه في إنسان آخر بنية المتاجرة الغير مشروعة.
الفرع الثاني:أسبابها
هناك عدة أسباب للاتجار بالأعضاء البشرية وهذه الأسباب في مجملها معقدة وأحيانا تعزز بعضها البعض وبالنظر إلى الاتجار بالأعضاء البشرية باعتباره سوقا عالميا فإن الضحايا يمثلون العرض، بينما يمثل الأغنياء وعصابات الإجرام المنظم العابر للأوطان. تشجع عدة عناصر على الطلب على الضحايا بما ذلك الفقر وجاذبية الحصول على مستوى معيشي أفضل في مكان آخر البنية الاقتصادية والاجتماعية الضعيفة،قلة فرص العمل،الجريمة المنظمة،العنف ضد الأطفال والنساء،التمييز ضد النساء،الفساد الحكومي،عدم الاستقرار السياسي،النزاعات المسلحة والتقاليد والعادات الثقافية مثل تقاليد العبودية. وتتضمن العوامل التي تؤدي إلى زيادة الطلب على الاتجار بالبشر،تجارة الجنس وازدياد الطلب على العمالة القابلة للاستغلال ولقد أصبحت سياحة الأطفال الجنسية وأدب الأطفال الإباحي تجارة عالمية تسهلها وسائل تكنولوجية بما في ذلك الانترنيت كما يشجع الطلـب العالـمي على العمالة غير القانونية والرخيصة والمستضعفة،الاتجار بالبشر كذلك.
إن هناك فعلا أزمة إنسانية أخلاقية أخرى في طريقها إلى الانتشار إلا أنها غير واضحة للعيان،ففي كل عام يتم شراء البشر وبيعهم أو إجبارهم على تخطي الحدود الدولية ومن بينهم مئات الآلاف من الأطفال والفتيات المراهقات وغيرهن ممن يبلغن الخامسة من العمر اللاتي يصبحن ضحية لتجارة الجنس أو الإتجار بأعضائهم.هذه المتاجرة بالحياة البشرية التي أصبحت تدر المليارات من الدولارات كل عام والتي يستخدم معظمها لتمويل الجريمة المنظمة.
وتنتشر هذه الظاهرة بشكل أساسي في الصين والهند والإتحــاد السوفيـاتي السابـق ففي الصين يتم بيع أعضاء المسجونين المحكوم عليهم بالإعدام لمن يحتاج إليها مقابل10.000 دولار للكلية الواحدة،ويأتي المرضى إلى الصين من ماليزيا وإندونيسيا وسنغافورة،بل ولقد بدأ الصينيون في عرض أعضائهم البشرية للبيع من خلال شبكة الأنترنيت مثال ذلك إعلان بيع كلية من إنسان حي أو قرينة للعين من شخص ذي صحة جيدة.
المطلب الثاني: أركان الجريمة
أجاز المشرع الجزائري نقل وزرع الأعضاء البشرية بين الأحياء والأموات من الناحية القانونية وذلك إذا ما توافرت مجموعة من الضوابط والشروط المنصوص عليها قانونا والتي ترسم حدودا لنطاق الحماية الجزائية لهذه العمليات وضمان لحق الشخص في سلامة جسمــه.
فبعد تعديل قانون العقوبات بموجب قانون(09/01)أحدث المشرع تقدما ملحوظا في مجال نقل وزرع الأعضاء البشرية.فنجد المشرع أورد من خلال القانون(09/01)الجرائم التي تنصب على الأعضاء وتمس سلامة الجسم وهذا ما سنحاول التطرق إليه من خلال هذا المطلب.
الفرع الأول:الركن المادي
وبالرجوع إلى القانون(09/01) خاصة من المواد303 مكرر16 إلى303 مكرر19 نجد أن الركن المادي ينقسم إلى:
أولا:السلوك المادي المجرم
وينقسم السلوك المادي المجرم إلى قسمين أو بالأحرى يقتضي قيام ركنين أو عنصرين في حد ذاته وهما:
1ـ الحصول أو الانتزاع أو الجمع أو التوسط
ويقتضي لقيام جريمة الاتجار بالأعضاء قيام الجاني إما بالحصول والذي يفترض فيه رضا المجني عليه فهو نشاط مادي ملموس يقصد به تلقي الشيء محل الجريمة،أما الانتزاع فيه استعمال العنف قصد الحصول على الشيء محل الجريمة،فإذا كان الحصول يتم بإرادة المجني عليه الكاملة أو التي قد تكون ناقصة متى استعمل الجاني حيل لإقناع الضحية فإن الانتزاع يعدم إرادة المجني عليه الذي وقع تحت طائلة الإكراه والعنف،أما التوسط فيقصد به استدراج أشخاص أو السعي إلى تقريب وجهات النظر أو القيام بالجمع بين أشخــاص في حاجـــة إلى أعضاء بشرية وأشخاص تتاجر فيها أو تعرضها للبيع وتقتضي الوساطة الاعتياد بل ومتى الاحتراف. وفي معظم الحالات وهي معاقب عليها حتى ولو لم تكن بمقابل.
2- الموافقة المسبقة
قد نصت المادة303مكرر17"....كل من ينتزع عضوا من شخص على قيد الحياة دون الحصول على الموافقة وفقا للشروط المنصوص عليها في التشريع..." وكذا نص المادة303 مكرر19"...كل من ينتزع نسيجا أو خلايا أو يجمع مادة من جسم شخص على قيد الحياة دون الحصـول على الموافقة المنصوص عليها في التشريع الساري المفعول..."والمقصود بالموافقة المسبقة هنا وحتى بالرجوع إلى القانون85/05 الخاص بحماية الصحة وترقيتها والتي نصت في المواد162ـ164ـ165 منه على ضرورة الحصول على الموافقة من المتبرع سواء كان الاقتطاع من جسم شخص حي والوصية أو موافقة الأقارب متى تم الانتزاع من جثة المتوفى ومنه فأي خرق لأحكام هذه المواد يعد جريمة يعاقب عليها القانون.
3-المنفعة
أو المزية فهي تلك العطية أو المنحة التي تكون مقابل السلوك الإجرامي فقد تكون المنفعة مالية في شكل نقود أو كل ما يقيم بالنقود كمصوغ ،أو أية منفعة أخرى مهما كانت طبيعتها بنص المواد303مكررو303مكرر 18 فقد تكون المنفعة أخرى شيكا أو كمبيالة أواعتماد مالي لمصلحة الجاني أو سداد للدين وقد تكون ذات طبيعة معنوية كحصول الجاني على ترقية أو إعارته شيء يستفيد منه وقد تكون المنفعة مشروعة أو غير مشروعة كمنح مواد مخدرة أو أشياء مسروقة أو حتى في شكل مواقعة جنسية. وبالتالي فلقيام السلوك المادي لجريمة الاتجار بالأعضاء وجب قيام الجاني إما بالحصول أو انتزاع الأعضاء البشرية وهذا إما بدون الموافقة المسبقة المنصوص عليها قانونا أو بغرض الحصول على منفعة جراء الحصول على العضو البشري.
ثانيا : محل الجريمة
بالرجوع إلى النصوص 303 مكرر16"...على عضو من أعضائه..."وكذا المادة 303 مكرر18"...انتزاع أنسجة أو خلايا أو جمع مواد..." وبالتالي فإن محل جريمة الاتجار بالأعضاء ينص على كل من الأعضاء والأنسجة والخلايا وكل مادة من جسم الإنسان ومنه نحاول إعطاء تعريفات لكل عنصر منها:
فيقصد بالعضو حسب قاموسROBERT مجموعة العناصر الخلوية المختلفة والمتوافقة والقادرة على أداء وظيفة محددة العضوية فقد يكون كاملا كالكلية أو القلب أو الكبد أو قد يكون جزءا من عضو كالقرنية، أما الأنسجة فيقصد بها توافق وتنافر عناصر تشريحية معينة،خلايا أوأعصاب،أما الخلية فيقصد بها الوحدة الأساسية في تكوين جسم الإنسان والتي بتجمعها وارتباط بعضها البعض تتكون الأنسجة المختلفة.أما في المفهوم الطبي فقد ربط التعريف بالوظيفة،فالعضو هو الجزء المحدد من جسم الإنسان الذي ينهض بأداء وظيفة أو عدة وظائف محددة. ونرى أن المشرع قد حصر كل مكونات الجسم كمحل للجريمة(أي جريمة الاتجار بالأعضاء) باعتباره نص على الخلايا والتي تعتبر أساس الجسم وما أضافته لمصطلح"أي مادة من جسم الإنسان" إلا على سبيل التزيد،ويستوي الحصول على هذه الأعضاء أو الخلايا أو الأنسجة من جسم الإنسان حيا أو جثة متوفي لأن العبرة بالحماية تنصب على العضو في حد ذاته.
الفرع الثاني:الركن المعنوي
فلا يكفي لقيام الجريمة ارتكاب عمل مادي يعاقب عليه القانون الجزائي بل وجـــب أن يصدر هذا العمل عن إرادة الجاني،وهنا في جريمة الاتجار بالأعضاء وجب أن تتجه إرادة الجاني نحو ارتكاب الجريمة وهي الحصول على العضو البشري دون احترام الشروط والضوابط المنصوص عليها قانونا مع العلم إن هذا الفعل يشكل خرقا للقانون وجريمة معاقب عليها.كما نص المشرع في نص المادة 303 مكرر25 على أنه"كل من علم بارتكاب جريمة الاتجار بالأعضاء ولو كان ملزما بالسر المهني ولم يبلغ السلطات المختصة فورا يعاقب بالحبس من سنة إلى خمس سنوات وبغرامة من100.000دج إلى 500.000دج..."،وهنا نص المشرع على جريمة العلم بالاتجار بالأعضاء إلا أن الجاني هنا يتجه سلوكا سلبيا وهو الامتناع عن إخطار السلطات المختصة بهذه الجريمة.
ويرجع لقضاة الموضوع تقدير توافر القصد الجنائي من هدمه بكل سيادة و ذلك بالنظر إلى عناصر الإثبات تمت مناقشتها في الجلسة، و يجب على قضاة الموضوع أن يبـــينوا في حكمهم توافر القصد الجنائي و إلا كان حكمهم مشوبا بالقصور.
المطلب الثالث: قمع الجريمة
لقد نص المشرع على أحكام قمع الجريمة وقد صنفها المشرع إلى جنايات و جنح و تكون العقوبات كالتالي:
الفرع الأول:العقوبات الأصلية
أ- فمتى تم الحصول على العضو مقابل منفعة مالية تكون العقوبة بالحبس من3 إلى10سنوات وغرامة من100.000 إلى 10000000 وتطبق نفس العقوبة على التوســـط في الجريمة.
ب-وتكون العقوبة بالحبس من 5إلى 10سنوات وغرامة من500.000
إلى 10.000.000دج متى دون الحصول عن الموافقة أو دون مراعاة التشريع الساري المفعول.
ج-وتكون العقوبة هي الحبس من سنة إلى 5سنوات وغرامة من 100000
إلى 500000دج إذا تم انتزاع خلايا أو أنسجة أو جمع مواد من جسم الإنسان مقابل مبلغ مالي أو أية منفعة أخرى مهما كانت طبيعتها أو تم الانتزاع دون مراعاة الموافقة المسبقة أو حتى التشريع الساري المفعول سواء على جسم الإنسان الحي أو جثة المتوفي.
ـ ظروف التشديد
بالرجوع لنص المادة303مكرر20 فإنها تشدد العقوبة متى توفرت أحد الظروف التالية:
ـ إذا كانت الضحية قاصرا أو شخصا مصابا بإعاقة ذهنية.
ـ إذا سهلت وظيفة الفاعل أو مهنته ارتكاب الجريمة
ـ إذا ارتكبت الجريمة من طرف أكثر من شخص.
ـ إذا ارتكبت الجريمة مع حمل السلاح أو التهديد باستعماله.
ـ إذا ارتكبت الجريمة من طرف جماعة إجرامية منظمة أو كانت ذات طابع عابر للحدود الوطنية وهذا في حالتي المادتين 303مكرر18و303 مكرر19 أي متى كان محل الجريمة أنسجة أو خلايا أو أية مادة من جسم الإنسان فتشدد العقوبة لتصبح من5سنوات إلى15سنة وغرامة من500.000إلى1500000دج
ـ إلا أنه من كان محل جريمة الاتجار عضو من جسم الإنسان سواء كان حيا أو ميتا فتشدد العقوبة لتصبح السجن من10إلى20سنة وغرامة من 10000.000دج إلى20000.000دج وهي حالة المواد 303مكرر16و17 من قانون العقوبات.
ـ ظروف التخفيف والإعفاء
ـ بالرجوع لنص المادة303مكرر21 فلا يستفيد الشخص المدان لارتكابه أحد الأفعال المجرمة في هذا القسم من ظروف التخفيف المنصوص عليها بالمادة53 من قانون العقوبات.
ـ أما فيما يخص الإعفاء فقد نصت المادة303مكرر24 من القانون(09ـ01)على أنه كل من يبلغ السلطات الإدارية أو القضائية عن جريمة الاتجار بالأعضاء قبل البدء في تنفيذها أو الشروع فيها يستفيد من الإعفاء من العقوبة،إلا أنه في حالة الإبلاغ بعد انتهاء تنفيذ الجريمة أو الشروع بها وقبل تحريك الدعوى العمومية أو إذا مكن بعد تحريك الدعوى العموميـــة من إيقاف الفاعل الأصلي أو الشركاء في نفس الجريمة فإنه يستفيد من تخفيض العقوبـــة إلى النصف في كل الحالات .
ـ كما نصت المادة303مكرر25 أنه لا تقوم الجريمة المنصوص عليها بالمادة 303مكرر25 المتعلقة بالعالم بجريمة الاتجار بالأعضاء البشرية في حق أقارب وحواشي أو أصهار الفاعل إلى غاية الدرجة الرابعة إلا إدا تم إرتكابها على قصر أقل من13سنة فهنا تقوم في حقهم الجريمة.
ـ الشروع
يعاقب على الشروع في ارتكاب الجنح المنصوص عليها في هذا القسم و المتعلقة بالاتجار بالأعضاء البشرية بنص المادة 303مكرر27 بنفس عقوبة الجريمة التامة.
ـ الشخص المعنوي
أقر القانون (09ـ01)في قسمه المتعلق بتجارة الأعضاء البشرية مسؤولية الشخص المعنوي عن الجرائم المنصوص عليها في هذا القسم وحسب شروط المادة51مكرر من هذا القانون.
ـ الفترة الأمنية
تطبق عليها أحكام المادة60 مكررمن قانون العقوبات المتعلقة بالفترة الأمنية.
ثانيا:العقوبات التكميلية
تطبق على الشخص الطبيعي المحكوم عليه لارتكابه جريمة منصوص عليها في هذا القسم المتعلق بجرائم الاتجار بالأعضاء عقوبة أو أكثر من العقوبات التكميلية المنصوص عليها بالمادة9 من قانون العقوبات وهي:الحجر القانوني، الحرمان من ممارسة الحقوق الوطنية والمدنية والعائلية،تحديد الإقامة،المصادرة الجزئية للأموال،المنع المؤقت من ممارسة مهنة أونشاط، إغلاق المؤسسة،الإقصاء من الصفقات العمومية،الحظر من إصدار شيكات أو استعمال بطاقات الدفع،تعليق أو سحب رخصة السياقة أو إلغائها مع المنع من استصدار رخصة جديدة سحب جواز السفر، نشر أو تعليق الحكم وقرار الإدانة.
ـ وقد نصت المادة 303مكرر23 بالنسبة للأجانب إذ يمكن للجهة القضائية أن تقضي بمنع أي أجنبي هذا القسم من الإقامة في التراب الوطني إما نهائيا أو لمدة 10سنوات على الأكثر
ـ كما نصت المادة 303مكرر28،على أن الجهة القضائية في حالة الحكم بالإدانـــة أن تقضي بمصادرة الوسائل المستعملة في ارتكاب الجريمة والأموال المتحصل عليها بصفة غير مشروعة وذلك مع مراعاة حقوق الغير حسن النية. وبهذا القانون استطاع المشرع الجزائري أن يغطي النقص الكبير الذي يشوب عمليات نقل وزرع الأعضاء مواكبا في ذلك معظم التشريعات العربية والغربية الحديثة.
المبحث الثاني:موقف التشريعات من الجريمة وإجراءات مكافحتها
لا يتوقف أمر معالجة مسألة الاتجار بالأعضاء على اتخاذ موقف أخلاقي حيال هذه الظاهرة من أجل تغيير الأمور بل يجب اتخاذ إجراءات تشريعية حازمة لمواجهة هذه السوق.
المطلب الأول: موقف المنظمات الإقليمية و الدولية
لم تغفل اللجنة الفنية لمجلس وزارة الصحـة العرب مسألة بيع الأعضاء الآدمـــية ففي اجتماعها المعقود في تونس(كانون الأول1986 )الذي خصص لنقل وزراعة الأعضاء الجسمية للإنسان درست الموضوعات المتعلقة بالموضوع،وأعد مشروع القانون العربي الموحد لعمليات زراعة الأعضاء البشرية فجاء في المادة7 منه مايلي:"يحظر بيع وشراء الأعضاء بأي وسيلة كانت أو تقاضي أي مقابل مادي ويحظر على الطبيب الاختصاصي إجراء العملية عند علمه بذلك"أما منظمة الصحة العالمية فقد جاء في تقرير المدير العام للمجـــلس التنفــيذي في الدورة79 المؤرخ في (3-12-1986)على أن الاتجاه العام في المنظمة من أعضائها هو حظر بيع العضو البشري لأنه من الأعمال غير الأخلاقية أن يقدم الشخص أحد أعضائه لقاء ثمن نقدي،إلا أنه ليس من قبيل عدم الأخلاق تعويض مانح حي عن نفقاته الشخصية أثناء فترة التحضير وعن العملية الجراحية التي تجرى له وعن فترة الشفاء ما بعد العملية،لاسيما وأن القدرة على الكسب ستكون أقل من السابق.
المطلب الثاني:الإجراءات الدولية في مكافحة الاتجار بالأعضاء البشرية
تعد فكرة التعاون الدولي من جانبها القانوني فكرة دقيقة حيث أنها لا تعني سيادة فوق سيادة الدول وإنما تعني تعاون ما بين سيادات الدول،كما أن الجريمة المنظمة أو عبر الوطنية(الاتجار بالأعضاء)لا تعتبر جريمة خارج حدود الدولة بصفة قطعية بل هي جريمة قد تتجاوز أركانها أقاليم دول عدة .
الفرع الأول:مكافحتها في إطار هيئة الأمم المتحدة
وعيا من هذه المنظمة الدولية بخطورة أفعال الاتجار بالأشخاص وبخاصة النساء والأطفال،المكمل لاتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الجريمة المنظمة عبر الوطنية.
وقد عرض البروتوكول في مادته الثالثة المصطلحات المستخدمة في أغراضه والمتضمن الاتجار بالأشخاص،فبمنظور هذا البروتوكول تدخل مسألة نزع الأعضاء للاتجار بها في خانة الاتجار بالأشخاص كممارسة أصلا ماسة بالكرامة الإنسانية وحقوق الإنسان ولهذا أفردت لها ضوابط وإجراءات للحد منها ومن أهمها:
ـ حماية ضحايا الاتجار بالأشخاص.
ـ اتخاذ التدابير التشريعية من قبل الدول لتجريم السلوك الموضح في المادة 3 من البروتوكول.
ـ منع ومكافحة الاتجار بالأشخاص.
ـ التعاون الدولي لمكافحة الاتجار بالأشخاص في كل أوجهه.
ـ القيام بتدابير على الحدود لمنع و كشف الاتجار بالأشخاص.
الفرع الثالث: سبل مكافحة التجارة في الأعضاء البشرية
يمكن القول أن مكافحة جريمة الاتجار بالأعضاء البشرية تعد واحد من أهم التحديات التي الدول ولأنظمة الاقتصادية والاجتماعية لها واتساع الأسواق وذوبان الحدود بينها. لذلك يجب العمل على الأصعدة الموالية لمكافحة الجريمة والتصدي لها.
أولا:الآليات الشرعية
ـ مكافحة جريمة الاتجار بالبشر بالاستناد إلى المرجعية الشرعية بما تتضمنه من قواعد ومبادئ سامية تحفظ للإنسان كرامته وحقوقه ولا تجعلها محل مساومة وبيع وشراء.
ـ العمل على ترسيخ مبدأ التعاون على البر والتقوى على المستويين الداخلي والإقليمي.
ـ تأصيل مفهوم العمل التطوعي والمسؤولية الاجتماعية لدى الجماهير،بما يحفظ الأمن الاجتماعي والاقتصادي.
ثانيا:الآليات التشريعية والتنظيمية
ـ توحيد الإطار التشريعي والتنظيمي لعمل الوسائل الإعلامية والأجهزة الطبية وأهدافها ومنطلقاتها وضرورة خدماتها للمجتمع.
ـ استحداث جملة من القواعد الجزائية لمكافحة الجريمة.
ـ تشجيع الدول التي تفتقر إلى قوانين لتنظيم عمليات التبرع بالأعضاء إلى إرساء قواعد قانونية وجزائية للعملية.
ـ تدعيم العلاقات وتوثيق الروابط بين الأجهزة الرسمية والشعبية وفئات الجماهير المختلفة،للمشاركة في مكافحة الجريمة والتصدي لها بما يحقق النظام ويحفظ الكرامة البشرية.
ـ تعديل القوانين والاتفاقيات بما يمكن الأجهزة المكلفة بتعقب الجريمة والحد منها.
ـ اعتبار قضية التجارة بالأعضاء البشرية كهدف قومي تسعى كافة المنظمات والمؤسسات
في الدولة للتصدي لها.
ـ تبني موقف دولي خاصة بالنسبة للدول التي لا تلتزم بالاتفاقيات الدولية في مجال مكافحة الظاهرة والحد منها.
ـ الاستفادة من التجارب الدولية في مجال التبرع بالأعضاء.
ثالثا:الآلية البشرية
ـ تطوير وتحديث أجهزة الشرطة وتأهيلها للتصدي للجريمة بكافة الوسائل والأساليب.
ـ تطوير أداء أجهزة الرقابة الحدودية وأجهزة التحقيق والبحث الجنائي والعدالة في مجال التجارة بالبشر أو بالأعضاء البشري.
رابعا:الآلية المعلوماتية العلمية والتربوية
ـ الاعتماد على المنهج العلمي والبحوث والدراسات في سبيل التشخيص السليم للظاهرة بكافة أبعادها،معدلات تطورها،وتحديد مواطن الضعف والخلل فيها،وما يمكن أن يترتب عليها
من آثار ثم محاولة اقتراح الحلول الكفيلة بمعالجة المشكلة وتحديد البدائل الممكنة وفقا لظروف المجتمع وقدراته وإمكانياته.
ـ التأكيد على أهمية التنسيق في كافة الوسائط التربوية لتحفيز الجماهير على المشاركة الطوعية في مجال التبرع بالأعضاء مع تهيئة المناخ المناسب لأدائها.
ـ تأصيل مفهوم الفرد وأمنه وحقوقه وسلامته الشخصية وممتلكاته......إلخ.
ـ تنسيق الجهود لإرساء الوعي الثقافي لدى الجماهير بصفة عامة والطلاب على اختلاف أصنافهم بالجريمة المنظمة بكافة أبعادها.
ـ الاهتمام بنتائج البحث العلمي خاصة فيما يتعلق بنقل وزرع الأعضاء والتجارة فيها وما تسببه من آثار.