تكتسي عملية الرقـابة القضائية على أعمال الإدارة أهمية بالغة في إرساء دولة القانون، لكونها تهدف إلى تحقيق التوازن بين ضرورة سير المرافق العامة في الدولة بكامل صلاحياتها وسلطاتها، وضرورة حماية حقوق الأفراد و حرياتهم من وطأة انحراف الإدارة في استعمال ما خولها المشرع من سلطة، فتمثل بذلك الرقابة القضائية على أعمال الإدارة المختلفة أهم ضمانة لحماية مبدأ المشروعية، الذي يقصد به خضوع جميع أعمال الإدارة إلى القواعد القانونية المكرسة في الدولة، فلا يسوغ لإدارة من الإدارات أن تمارس اختصاصا معينا على الوجه الذي يخالف نصا دستوريا أو تشريعيا، وبهذا المفهوم نجد بأنّ مبدأ المشروعية ليس إلاّ تطبيقا لقاعدة تدرّج القوانين في الدولة الحديثة.
تعدّ القرارات الإدارية أهمّ وسيلة في يد الإدارة لممارسة مختلف اختصاصاتها، ومن ثمّ كان لزاما على الرقابة القضائية أن تشمل هذه الوسيلة الحساسة، لضمان مشروعيتها و التأكد من توخيها للمصلحة العامة، وهذا الأمر لا يمكن أن يتحقق إلاّ إذا كانت تلك الرقابة محيطة بجميع أركان القرار الإداري، من اختصاص، وشكل وإجراءات، ومحل وسبب وغاية، أمّا إذا انحصرت في بعض الأركان دون غيرها، فلن تكون إلاّ مظهرا خاليا من كل مضمون، وشعارا تتغنى به الدولة لتدرج في مصاف الدول التي تحترم الحقوق والحريات.
تمثّل دعوى الإلغاء جوهر الرقابة القضائية على قرارات الإدارة، فبواسطتها يراقب القاضي مشروعية القرار الإداري، ومدى اتجاهه نحو تحقيق المصلحة العامة، فإذا تبيّن له بأنّه مشوب بعيب ما في أحد أركانه فإنّه يقضي بإلغائه نتيجة لذلك، وتأسيسا على هذا فإنّ دعوى الإلغاء تعدّ من الدعاوى الموضوعية، فهي تهدف إلى جانب حماية حقوق المدعي إلى حماية مبدأ المشروعية، ومن ثمّ إلى تحقيق مصلحة عامة مهمّة، تتمثل في وجود إدارة رشيدة تمارس اختصاصاتها وفقا للقانون، دون أن تنحرف في استعمال سلطتها، فدعوى الإلغاء بهذا المفهوم تلعب دورا علاجيا ووقائيا في نفس الوقت، كون أنّ مصدر القرار الإداري مادام يعلم مسبقا بأنّ قراره سيكون محلّ رقابة قضائية جادة ودقيقة، فإنّه سيتحرى فيه المشروعية والسلامة من كل عيب، وهذه الوقاية لا تتحقق فقط بوجود الرقابة القضائية، وإنّما يرجع أمر تحققها بالأساس إلى مدى فعالية تلك الرقابة في الوقوف في وجه أعمال السلطة الإدارية غير المشروعة.
تؤسـس دعـوى إلغـاء القـرار الإداري على أحد العيوب التي تشـوب هـذا الأخير، وهي العيوب التي ترتبط دائما بالأركان التي يقوم عليها قرار الإدارة، فمثلا عيب عدم الاختصاص يتبع ركن الاختصاص، كما يتبع عيب مخالفة القانون ركن المحلّ، وعيب الانحراف في استعمال السلطة ركن الغاية، وعلى هذا الأساس يجد القاضي الإداري نفسه مـلزما بمعرفة الكـيفية التي توجـد عليها هذه العـيوب، ثم معـرفة كيفية كشـفها والتـأكد من قيامها، ولن يتاح له هذا إلاّ إذا كان خبيرا بأركان القرار الإداري في حدّ ذاتها.
فضلت أن أتناول في هذا البحث، عيب الانحراف في استعمال السلطة دون غيره من العيوب، وهذا راجع بالأساس إلى الخصوصية الكبيرة التي يتمتع بها بصفته عيب دقيق وخفي، مما يؤدي إلى صعوبة إثباته مقارنة بباقي العيوب الأخرى، ولكون أنّ عيب الانحراف في استعمال السلطة قد مثّل – بإجماع الفقهاء – اتساعا هاما للرقابة القضائية على أعمال الإدارة كان لزاما أن يحظى ببحوث معمّقة ودقيقة تساهم أساسا في تسهيل عملية الاعتماد عليه كوجه من أوجه إلغاء القرارات الإدارية.
يعود ظهور عيب الانحراف في استعمال السلطة داخل مجلس الدولة الفرنسي إلى سنة 1875م، في قضية (pariset) الشهيرة،( ) أين طبق مجلس الدولة هذا العيب دون أن يذكره صراحة، وإنّما اكتفى بذكر مضمونه، غير أنّ جذور هذا العيب تمتد إلى سنة 1725م، وهو التاريخ الذي طبقت فيه البرلمانات في فرنسا فكرة الانحراف في استعمال السلطة، دون أن تذكر هذا المصطلح صراحة، مكتفية بمحتواه الذي طبقته بالوجه الحديث الذي نراه عليه اليوم.( )
يرى العميد (Hauriou) بأنّ القاضي الإداري وهو يطبق عيب الانحراف في استعمال السلطة يتجاوز رقابة المشروعية ليدخل في دائرة الرقابة على الأخلاق الإدارية، ويجاريه في هذا تلميذه الفقيه (Walter) الذي يقول بأنّ ׃ "الرقابة القضائية على أهداف الإدارة ليس أساسها أنّ الغرض الذي يتوخاه رجل الإدارة يتعارض صراحة أو ضمنا مع قصد المشرّع، ولكن لأنّ هذا الغرض - نظرا للظروف التي أحاطت بالقرار المطعون فيه- يكون متعارضا مع المبادئ التي يستلزمها حسن الإدارة"،( ) غير أنّ هذا الموقف لاقى معارضة شديدة مـن أغـلب فقهـاء القانون العـام، الذيـن اعتبروا عيب الانحـراف في استعمـال السـلطة – بالرغم مما يحتويه من خصوصية – وجها من أوجه عدم المشروعية، وأكدوا على أنّ خروج رجل الإدارة عن هدف المصلحة العامة أو الهدف المخصص من المشرّع، لا يعدوا أن يكون خروجا عن روح القانون، وليس تمردا على الأخلاق الإدارية بشكل بحت، فهذه الأخيرة ليست إلاّ تعبيرا عن قصد المشرع من إسناد السلطة لهيئة إدارية ما.( )
يعدّ الفقيه "AUCOC" أوّل من استعمل تعبير "de pouvoir détournement" والذي عرفه بما يلي: "يوجد عيب الانحراف حينما يستعمل رجل الإدارة سلطاته التقديرية، مع مراعاة الشكل الذي فرضه القانون، ومع اتخاذ قرار يدخل في اختصاصه، ولكن لتحقيق أغراض وحالات أخرى، غير التي من أجلها منح هذه السلطات."( ) يلاحظ أنّ مصطلح " de pouvoir détournement" الذي بقي ثابتا في فرنسا إلى يومنا هذا عند جميع الفقهاء، عرف تداولا بعدّة مصطلحات لدى فقهاء القانون الإداري في مختلف الدول العربية، فهناك من يطلق عليه تسمية "عيب الانحراف بالسلطة"،( ) وهناك من ينعته "بعيب إساءة استعمال السلطة"،( ) كما أنّ هناك من الفقهاء من فضل وصفه "بعيب الغاية"،( ) وهناك من يفضل استعمال مصطلح "الانحراف في استعمال السلطة"،( ) وإن كان كل فقيه من هؤلاء قد حاول الدفاع عن المصطلح الذي اعتمده، على أساس أنّه الأفضل للإحاطة بمضمون هذا العيب، إلاّ أنّهم يجمعون على أنّ هذه المصطلحات –على اختلافها- تعبّر عن مضمون واحد لهذا العيب، وقد فضلت الاعتماد على مصطلح " الانحراف في استعمال السلطة" على اعتبار أنّه الأكثر شيوعا في بلادنا، كما أنّه يعبر بشكل شامل عن الخلل الذي يصيب ركن الهدف في القرار الإداري.
حاول العديد من فقهاء القانون الإداري وضع تعريف دقيق لعيب الانحراف في استعمال السلطة، فقد عرفه الفقيهان ( vedelGeorges) و(pierre Delvolvé) بأنّه:"استخدام سلطة إدارية سلطاتها في سبيل هدف غير الهدف الذي من أجله أعطيت هذه السلطة."( )
كما عرفه الفقيه (Bonnard) بأنّه: "نوع من عدم المشروعية يتمثل في أنّ القرار الإداري المشروع في جميع عناصره، يستهدف هدفا آخر خلاف ذلك الذي بجدر به تحقيقه."( )
وعرفه الفقيه (Peiser) بأنّه: "العيب الذي يوجد لما تستخدم الإدارة سلطتها عمدا، من أجل تحقيق هدف غير الذي من أجله منحت هذه السلطة."( )
أمّا الفقيه (seForgeD) فعرفه بقوله:"يوجد انحراف بالسلطة عندما تستخدم الإدارة اختصاصاتها من أجل غرض غير المصلحة العامة، سواءا كان هذا الغرض مصلحة أو هدف سياسي، ويوجد كذلك انحراف بالسلطة عندما تتخذ جهة الإدارة قرارا من أجل هدف يتعلق بالمصلحة العامة، ولكنه أجنبي عن الهدف الذي حدده التشريع الذي تدعي الإدارة تطبيقه."( )
وقد عرفه العميد (سليمان الطماوي) بأنّه:"استعمال رجل الإدارة سلطته التقديرية لتحقيق غرض غير معترف به."( )
يلاحظ بأنّ هناك تقارب كبير بين مختلف التعريفات المقدمة، وهذا الأمر ساعد على وجود قضاء مقارن يطبق عيب الانحراف في استعمال السلطة على نفس النهج تقريبا، وهذا ما سيبرز من خلال ما هو آت من هذه الدراسة.
يكتسي عيب الانحراف في استعمال السلطة أهمية بالغة في الرقابة على السلطة التقديرية للإدارة، فهي السلطة التي تحاط عملية ممارستها بخطورة كبيرة بالنظر إلى ما يمكن أن يترتب عنها من تعسّف وانحراف، فرجل الإدارة ليس في الحقيقة إلاّ بشرا يستولي عليه النقص أينما كان وحيثما وجد، ولهذا تلعب الرقابة القضائية عن طريق إعمال عيب الانحراف في استعمال السلطة، دورا هاما في ضمان اتجاه القرار الإداري الصادر في إطار السلطة التقديرية للإدارة نحو تحقيق المصلحة العامة، فهذه الأخيرة هي السبب الأول والأخير الذي أدى إلى وجود الإدارة العامة، بل إلى وجود الدولة في حدّ ذاتها، وفي هذا المعنى يقول الفقيه (WALINE) أنّه باستثناء الحقّ الإلهي فإنّ الصالح العام هو أساس تبرير منح السلطة للهيئات العامة.( )
لقد دفعتني الأهمية الكبيرة التي يحظى بها عيب الانحراف في استعمال السلطة إلى اختياره كموضوع للمذكرة، وفي سبيل ذلك اخترت الانطلاق من الإشكالية التالية :" ما هو النظام القانوني الذي يحكم عيب الانحراف في استعمال السلطة كوجه من أوجه إلغاء القرارات الإدارية؟"
إجابة على هذه الإشكالية فضلت الإعتماد على المنهج الوصفي التحليلي، مع التركيز على أهم التطبيقات القضائية، التي تبنّى القاضي الإداري فيها عيب الانحراف في استعمال السلطة، معتمدا في سبيل ذلك على الخطّة التالية:
الفصل الأول : قيام عيب الانحراف في استعمال السلطة أمام القضاء الإداري.
الفصل الثاني: الصعوبات التي تواجه تطبيق عيب الانحراف في استعمال السلطة.
تعدّ القرارات الإدارية أهمّ وسيلة في يد الإدارة لممارسة مختلف اختصاصاتها، ومن ثمّ كان لزاما على الرقابة القضائية أن تشمل هذه الوسيلة الحساسة، لضمان مشروعيتها و التأكد من توخيها للمصلحة العامة، وهذا الأمر لا يمكن أن يتحقق إلاّ إذا كانت تلك الرقابة محيطة بجميع أركان القرار الإداري، من اختصاص، وشكل وإجراءات، ومحل وسبب وغاية، أمّا إذا انحصرت في بعض الأركان دون غيرها، فلن تكون إلاّ مظهرا خاليا من كل مضمون، وشعارا تتغنى به الدولة لتدرج في مصاف الدول التي تحترم الحقوق والحريات.
تمثّل دعوى الإلغاء جوهر الرقابة القضائية على قرارات الإدارة، فبواسطتها يراقب القاضي مشروعية القرار الإداري، ومدى اتجاهه نحو تحقيق المصلحة العامة، فإذا تبيّن له بأنّه مشوب بعيب ما في أحد أركانه فإنّه يقضي بإلغائه نتيجة لذلك، وتأسيسا على هذا فإنّ دعوى الإلغاء تعدّ من الدعاوى الموضوعية، فهي تهدف إلى جانب حماية حقوق المدعي إلى حماية مبدأ المشروعية، ومن ثمّ إلى تحقيق مصلحة عامة مهمّة، تتمثل في وجود إدارة رشيدة تمارس اختصاصاتها وفقا للقانون، دون أن تنحرف في استعمال سلطتها، فدعوى الإلغاء بهذا المفهوم تلعب دورا علاجيا ووقائيا في نفس الوقت، كون أنّ مصدر القرار الإداري مادام يعلم مسبقا بأنّ قراره سيكون محلّ رقابة قضائية جادة ودقيقة، فإنّه سيتحرى فيه المشروعية والسلامة من كل عيب، وهذه الوقاية لا تتحقق فقط بوجود الرقابة القضائية، وإنّما يرجع أمر تحققها بالأساس إلى مدى فعالية تلك الرقابة في الوقوف في وجه أعمال السلطة الإدارية غير المشروعة.
تؤسـس دعـوى إلغـاء القـرار الإداري على أحد العيوب التي تشـوب هـذا الأخير، وهي العيوب التي ترتبط دائما بالأركان التي يقوم عليها قرار الإدارة، فمثلا عيب عدم الاختصاص يتبع ركن الاختصاص، كما يتبع عيب مخالفة القانون ركن المحلّ، وعيب الانحراف في استعمال السلطة ركن الغاية، وعلى هذا الأساس يجد القاضي الإداري نفسه مـلزما بمعرفة الكـيفية التي توجـد عليها هذه العـيوب، ثم معـرفة كيفية كشـفها والتـأكد من قيامها، ولن يتاح له هذا إلاّ إذا كان خبيرا بأركان القرار الإداري في حدّ ذاتها.
فضلت أن أتناول في هذا البحث، عيب الانحراف في استعمال السلطة دون غيره من العيوب، وهذا راجع بالأساس إلى الخصوصية الكبيرة التي يتمتع بها بصفته عيب دقيق وخفي، مما يؤدي إلى صعوبة إثباته مقارنة بباقي العيوب الأخرى، ولكون أنّ عيب الانحراف في استعمال السلطة قد مثّل – بإجماع الفقهاء – اتساعا هاما للرقابة القضائية على أعمال الإدارة كان لزاما أن يحظى ببحوث معمّقة ودقيقة تساهم أساسا في تسهيل عملية الاعتماد عليه كوجه من أوجه إلغاء القرارات الإدارية.
يعود ظهور عيب الانحراف في استعمال السلطة داخل مجلس الدولة الفرنسي إلى سنة 1875م، في قضية (pariset) الشهيرة،( ) أين طبق مجلس الدولة هذا العيب دون أن يذكره صراحة، وإنّما اكتفى بذكر مضمونه، غير أنّ جذور هذا العيب تمتد إلى سنة 1725م، وهو التاريخ الذي طبقت فيه البرلمانات في فرنسا فكرة الانحراف في استعمال السلطة، دون أن تذكر هذا المصطلح صراحة، مكتفية بمحتواه الذي طبقته بالوجه الحديث الذي نراه عليه اليوم.( )
يرى العميد (Hauriou) بأنّ القاضي الإداري وهو يطبق عيب الانحراف في استعمال السلطة يتجاوز رقابة المشروعية ليدخل في دائرة الرقابة على الأخلاق الإدارية، ويجاريه في هذا تلميذه الفقيه (Walter) الذي يقول بأنّ ׃ "الرقابة القضائية على أهداف الإدارة ليس أساسها أنّ الغرض الذي يتوخاه رجل الإدارة يتعارض صراحة أو ضمنا مع قصد المشرّع، ولكن لأنّ هذا الغرض - نظرا للظروف التي أحاطت بالقرار المطعون فيه- يكون متعارضا مع المبادئ التي يستلزمها حسن الإدارة"،( ) غير أنّ هذا الموقف لاقى معارضة شديدة مـن أغـلب فقهـاء القانون العـام، الذيـن اعتبروا عيب الانحـراف في استعمـال السـلطة – بالرغم مما يحتويه من خصوصية – وجها من أوجه عدم المشروعية، وأكدوا على أنّ خروج رجل الإدارة عن هدف المصلحة العامة أو الهدف المخصص من المشرّع، لا يعدوا أن يكون خروجا عن روح القانون، وليس تمردا على الأخلاق الإدارية بشكل بحت، فهذه الأخيرة ليست إلاّ تعبيرا عن قصد المشرع من إسناد السلطة لهيئة إدارية ما.( )
يعدّ الفقيه "AUCOC" أوّل من استعمل تعبير "de pouvoir détournement" والذي عرفه بما يلي: "يوجد عيب الانحراف حينما يستعمل رجل الإدارة سلطاته التقديرية، مع مراعاة الشكل الذي فرضه القانون، ومع اتخاذ قرار يدخل في اختصاصه، ولكن لتحقيق أغراض وحالات أخرى، غير التي من أجلها منح هذه السلطات."( ) يلاحظ أنّ مصطلح " de pouvoir détournement" الذي بقي ثابتا في فرنسا إلى يومنا هذا عند جميع الفقهاء، عرف تداولا بعدّة مصطلحات لدى فقهاء القانون الإداري في مختلف الدول العربية، فهناك من يطلق عليه تسمية "عيب الانحراف بالسلطة"،( ) وهناك من ينعته "بعيب إساءة استعمال السلطة"،( ) كما أنّ هناك من الفقهاء من فضل وصفه "بعيب الغاية"،( ) وهناك من يفضل استعمال مصطلح "الانحراف في استعمال السلطة"،( ) وإن كان كل فقيه من هؤلاء قد حاول الدفاع عن المصطلح الذي اعتمده، على أساس أنّه الأفضل للإحاطة بمضمون هذا العيب، إلاّ أنّهم يجمعون على أنّ هذه المصطلحات –على اختلافها- تعبّر عن مضمون واحد لهذا العيب، وقد فضلت الاعتماد على مصطلح " الانحراف في استعمال السلطة" على اعتبار أنّه الأكثر شيوعا في بلادنا، كما أنّه يعبر بشكل شامل عن الخلل الذي يصيب ركن الهدف في القرار الإداري.
حاول العديد من فقهاء القانون الإداري وضع تعريف دقيق لعيب الانحراف في استعمال السلطة، فقد عرفه الفقيهان ( vedelGeorges) و(pierre Delvolvé) بأنّه:"استخدام سلطة إدارية سلطاتها في سبيل هدف غير الهدف الذي من أجله أعطيت هذه السلطة."( )
كما عرفه الفقيه (Bonnard) بأنّه: "نوع من عدم المشروعية يتمثل في أنّ القرار الإداري المشروع في جميع عناصره، يستهدف هدفا آخر خلاف ذلك الذي بجدر به تحقيقه."( )
وعرفه الفقيه (Peiser) بأنّه: "العيب الذي يوجد لما تستخدم الإدارة سلطتها عمدا، من أجل تحقيق هدف غير الذي من أجله منحت هذه السلطة."( )
أمّا الفقيه (seForgeD) فعرفه بقوله:"يوجد انحراف بالسلطة عندما تستخدم الإدارة اختصاصاتها من أجل غرض غير المصلحة العامة، سواءا كان هذا الغرض مصلحة أو هدف سياسي، ويوجد كذلك انحراف بالسلطة عندما تتخذ جهة الإدارة قرارا من أجل هدف يتعلق بالمصلحة العامة، ولكنه أجنبي عن الهدف الذي حدده التشريع الذي تدعي الإدارة تطبيقه."( )
وقد عرفه العميد (سليمان الطماوي) بأنّه:"استعمال رجل الإدارة سلطته التقديرية لتحقيق غرض غير معترف به."( )
يلاحظ بأنّ هناك تقارب كبير بين مختلف التعريفات المقدمة، وهذا الأمر ساعد على وجود قضاء مقارن يطبق عيب الانحراف في استعمال السلطة على نفس النهج تقريبا، وهذا ما سيبرز من خلال ما هو آت من هذه الدراسة.
يكتسي عيب الانحراف في استعمال السلطة أهمية بالغة في الرقابة على السلطة التقديرية للإدارة، فهي السلطة التي تحاط عملية ممارستها بخطورة كبيرة بالنظر إلى ما يمكن أن يترتب عنها من تعسّف وانحراف، فرجل الإدارة ليس في الحقيقة إلاّ بشرا يستولي عليه النقص أينما كان وحيثما وجد، ولهذا تلعب الرقابة القضائية عن طريق إعمال عيب الانحراف في استعمال السلطة، دورا هاما في ضمان اتجاه القرار الإداري الصادر في إطار السلطة التقديرية للإدارة نحو تحقيق المصلحة العامة، فهذه الأخيرة هي السبب الأول والأخير الذي أدى إلى وجود الإدارة العامة، بل إلى وجود الدولة في حدّ ذاتها، وفي هذا المعنى يقول الفقيه (WALINE) أنّه باستثناء الحقّ الإلهي فإنّ الصالح العام هو أساس تبرير منح السلطة للهيئات العامة.( )
لقد دفعتني الأهمية الكبيرة التي يحظى بها عيب الانحراف في استعمال السلطة إلى اختياره كموضوع للمذكرة، وفي سبيل ذلك اخترت الانطلاق من الإشكالية التالية :" ما هو النظام القانوني الذي يحكم عيب الانحراف في استعمال السلطة كوجه من أوجه إلغاء القرارات الإدارية؟"
إجابة على هذه الإشكالية فضلت الإعتماد على المنهج الوصفي التحليلي، مع التركيز على أهم التطبيقات القضائية، التي تبنّى القاضي الإداري فيها عيب الانحراف في استعمال السلطة، معتمدا في سبيل ذلك على الخطّة التالية:
الفصل الأول : قيام عيب الانحراف في استعمال السلطة أمام القضاء الإداري.
الفصل الثاني: الصعوبات التي تواجه تطبيق عيب الانحراف في استعمال السلطة.
اسم الموضوع : مقدمة مذكرتي في الماجيستير بعنوان الانحراف في استعمال السلطة في القرارات الإدارية
|
المصدر : قسم الماستر و الدكتوراه