كحلوش

عضو
إنضم
5 أكتوبر 2012
المشاركات
11
مستوى التفاعل
2
النقاط
3
الأستاذ المحترم زرواق نصير



تعريف الإثبات وأهميته :
لغة : الإثبات ، ثبت الشيء ، يثبت ،ثباتا ، وثبوتا فهو ثابت ، والثبت البينة والحجة وأثبت الشيء أي أثبت حجيته أقامها وأوضحها .
إصطلاحا : إستعمله وله معنى عام : وهو إقامة الدليل على الحق أو على واقعة من الوقائع .
معنى خاص : وهو المتعلق بالتصرف ، كالرهن والقرض والبيع بأي وسيلة من وسائل الإثبات ، أو على واقعة كالسرقة والضرب بوسائل محددة من قبل الشارع أو بأي وسيلة من وسائل الإثبات "مذهب التوسع في الإثبات "
الشرعية : هي التي حددها الفقهاء سواء الإقرار والشهادة و القرائن القوية والتي لايجوز الخروج عنها في بناء الأحكام القضائية ، سواءا من القاضي أو الخصوم أو بطرق أخرى وهو مبدأ التوسع في وسائل الإثبات أو ما يعرف بمبدأ حرية الإثبات .
أهمية الإثبات : إهتمت الشريعة بالإثبات سواء فيما كان حقا لله تعالى أو حق من حقوق العباد وتساهلت الشريعة في إثبات حقوق الأفراد وتشددت في حقوق الله تعالى لإرادة التستر على العباد كالإثبات في الزنا وغيره من الحدود وأهمية الإثبات واضحة في قوله تعالى" يأيها الذين أمنوا إذا تداينتم بدين إلى أجل مسمى فأكتبوه ......" أواخر سورة البقرة .
وعن إبن عباس قال : قال رسول الله "ص" :" لو يعطى الناس بدعواهم لادعى الناس دماء الرجال واموالهم ولكن اليمين على المدعى عليه "
والترميذي أن النبي "ص" : " البينة على من إدعى واليمين على من أنكر "
وقال إبن فرحون الماكية " أعلم أن البينة إسم لكل ما يبين الحق ويظهره وقد سمى النبي "ص" الشهود بينة لقوع البيان لقولهم وإرتفاع الإشكال ببيانهم .
وعرفها إبن القيم "البينة في كلام الله ورسوله وكلام الصحابة إسم لكل مايبين الحق فهي أعـم من البينة في إصطلاح الفقهاء حيث خصوها بالشاهدين أو الشاهد واليمين ولاحجة في الإصطلاح مالم يتضمن حمل كلام الله ورسوله عليه فيقع في ذلك الغلط في فهم النصوص وحملها على غير مراد المتكلم منها .
طرق الإثبات في الفقه الإسلامي : يقصد بطرق الإثبات : الأدلة التي تظهر الشيء وتؤكده سواء أكان هناك واقعة متنازع عليها لدى القاضي أم لم يكن هناك تقاضي أو نزاع ، وجاء في موسوعة الفقه الإسلامي "الصادرة عن الأزهر الشريف" إن أدلة الإثبات التي تردد ذكرها في كتب الفقه الإسلامي بإعتبارها هدف للقضاء أو أدلة يمكن إثبات الدعوى بمقتضاها بين متفق عليه ومختلف فيه هي الإقراروالإعتراف وشهادة الشهود واليمين والشاهد وقضاء القاضي بعلمه الشخصي والقرائن والقسامة..
الأدلة المتفق عليها : الشهادة :
لغة : خبر قاطع والمشاهدة : المعاينة ، وأشهد بمعنى : حلف .
إصطلاحا : إخبار صدق .
إثبات حق بلفظ الشهادة في مجلس القاضي وبإستناد التعريف : أن الشهادة خبر لفظ أشهد (صيغة المضارع) وأن تكون أمام القاضي ، وهي دليل متفق عليه في التشريع الجنائي الإسلامي (حدود ، قصاص ، تعزير) .
حـجـيـتـهـا : قوله تعالى " وإستشهدوا بشاهدين من رجالكم فإن لم يكونا رجلين فرجل وإمرأتان ممن ترضون من الشهداء " البقرة 28 .
وقوله " وَأَشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ مِنْكُمْ وَأَقِيمُوا الشَّهَادَةَ لِلَّهِ ۚ ذَٰلِكُمْ يُوعَظُ بِهِ مَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ۚ وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا " الأية 02 سورة الطلاق
ومن السنة أنه صلى الله عليه وسلم سئل عن الشهادة, فقال للسائل: "ترى الشمس"؟ قال: "نعم", فقال: "على مثلها فاشهد أو دع, العقيلي والحاكم وأبو نعيم في "الحلية" وابن عدي والبيهقي من حديث طاوس, عن بن عباس2, وصححه الحاكم, في إسناده
وكذلك في قوله "ص" : ألا أخبركم خير الشهداء الذي يأتي بشهادته قبل أن يسألها " . الترميذي .
شروط الشهادة : الإسلام ، العقل ، البلوغ ، الحرية ، النيقط ، العدالة ، عدم التهمة .
نصاب الشهادة : 4 شهود
فيما عدا الزنا تقبل شهادة رجلين أو رجل وإمرأتان أو رجل بحسب الحال .
أركان الشهادة :
وهي شاهد ومشهود له ومشهود به وصيغة .
شاهد : هو الذي يخير عن الواقعة المبينة .
مشهود له : المدعى عليه (المجني عليه) .
مشهود به : الحق (على الجناية) .
الصيغة : الألفاظ التي يشهد بها (سمعت كذا...) .
الإقرار :
لغة : هو الإعتراف ، تقول أقر بالحق أي إعترف به وقرره بالشيء أي حمله على الإعتراف به .
أركانه : المقر ، المقر له ، المقر به ، الصيغة .
المقر : المعترف .
المقر له : المدعى صاحب الحق أو المجني .
المقر به : محل النزاع .
الصيغة : الألفاظ والكلمات التي يتم أداء الشهادة به .
حجيته : من الكتاب لقوله تعالى :
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ شُهَدَاءَ لِلَّهِ وَلَوْ عَلَىٰ أَنْفُسِكُمْ أَوِ الْوَالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ ۚ إِنْ يَكُنْ غَنِيًّا أَوْ فَقِيرًا فَاللَّهُ أَوْلَىٰ بِهِمَا ۖ فَلَا تَتَّبِعُوا الْهَوَىٰ أَنْ تَعْدِلُوا ۚ وَإِنْ تَلْوُوا أَوْ تُعْرِضُوا فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرًا

وقوله تعالى " . وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ النَّبِيِّينَ لَمَا آتَيْتُكُمْ مِنْ كِتَابٍ وَحِكْمَةٍ ثُمَّ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مُصَدِّقٌ لِمَا مَعَكُمْ لَتُؤْمِنُنَّ بِهِ وَلَتَنْصُرُنَّهُ ۚ قَالَ أَأَقْرَرْتُمْ وَأَخَذْتُمْ عَلَىٰ ذَٰلِكُمْ إِصْرِي ۖ قَالُوا أَقْرَرْنَا ۚ قَالَ فَاشْهَدُوا وَأَنَا مَعَكُمْ مِنَ الشَّاهِدِينَ" الأية 81 سورة آل عمران.
وقوله تعالى " يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا تَدَايَنْتُمْ بِدَيْنٍ إِلَىٰ أَجَلٍ مُسَمًّى فَاكْتُبُوهُ ۚ وَلْيَكْتُبْ بَيْنَكُمْ كَاتِبٌ بِالْعَدْلِ ۚ وَلَا يَأْبَ كَاتِبٌ أَنْ يَكْتُبَ كَمَا عَلَّمَهُ اللَّهُ ۚ فَلْيَكْتُبْ وَلْيُمْلِلِ الَّذِي عَلَيْهِ الْحَقُّ وَلْيَتَّقِ اللَّهَ رَبَّهُ وَلَا يَبْخَسْ مِنْهُ شَيْئًا ۚ فَإِنْ كَانَ الَّذِي عَلَيْهِ الْحَقُّ سَفِيهًا أَوْ ضَعِيفًا أَوْ لَا يَسْتَطِيعُ أَنْ يُمِلَّ هُوَ فَلْيُمْلِلْ وَلِيُّهُ بِالْعَدْلِ ۚ وَاسْتَشْهِدُوا شَهِيدَيْنِ مِنْ رِجَالِكُمْ ۖ فَإِنْ لَمْ يَكُونَا رَجُلَيْنِ فَرَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ مِمَّنْ تَرْضَوْنَ مِنَ الشُّهَدَاءِ أَنْ تَضِلَّ إِحْدَاهُمَا فَتُذَكِّرَ إِحْدَاهُمَا الْأُخْرَىٰ ۚ وَلَا يَأْبَ الشُّهَدَاءُ إِذَا مَا دُعُوا ۚ وَلَا تَسْأَمُوا أَنْ تَكْتُبُوهُ صَغِيرًا أَوْ كَبِيرًا إِلَىٰ أَجَلِهِ ۚ ذَٰلِكُمْ أَقْسَطُ عِنْدَ اللَّهِ وَأَقْوَمُ لِلشَّهَادَةِ وَأَدْنَىٰ أَلَّا تَرْتَابُوا ۖ إِلَّا أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً حَاضِرَةً تُدِيرُونَهَا بَيْنَكُمْ فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَلَّا تَكْتُبُوهَا ۗ وَأَشْهِدُوا إِذَا تَبَايَعْتُمْ ۚ وَلَا يُضَارَّ كَاتِبٌ وَلَا شَهِيدٌ ۚ وَإِنْ تَفْعَلُوا فَإِنَّهُ فُسُوقٌ بِكُمْ ۗ وَاتَّقُوا اللَّهَ ۖ وَيُعَلِّمُكُمُ اللَّهُ ۗ وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ ".سورة البقرة الأية 282
ومن السنة : عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى لله عليه وسلم "أوتي بسارق سرق شملة فقال عليه السلام ما أخاله يسرق فقال السارق بلى يا رسول الله فقال إذهبوا به فأقطعوه " رواه الإمام أبو داود .
* قصة ماعز : عندما جاء وأقر بالزنا فأقام الرسول صلى الله عليه وسلم عليه الحد .
والإقرار حجة قاصرة على المقر ولا يتعدى على غيره .
الخلاف بين الشهادة والإقرار :
الإقرار حجة قاصرة على المقرة والشهادة حجة متعدية على الجميع .
الإقرار حجة بنفسه ويثبت الحق بمجرد وقوع الإقرار .
الشهادة حجة بحكم الحاكم أي لا تثبت الحق إلا بحكم القاضي أو الحاكم .
على أنه يجب أن يكون الدليل المحصل من الشهادة أو الإقرار مشروعا ومشروعية الدليل أن يكون الدليل المحصل عليه في الدعوى الجنائية مشروعا أي لا يخالف نصا .
شروطه : أن يكون موافقا للشرع وكذلك إحترام المساكن وعدم إنتهاك حرمتها بالتجسس أو غيرها لتحصيل الدليل وعلى أن لا يكون الإقرار بإكراه مادي أو معنوي ( التهديد والوعيد زالتعذيب والإغراء وغيره) .
الـــــــقــــرائـــــن :
لغة : القرينة من الإقتران ونقول إقترن الشيء بغيره وقارنته قرانا والمقارن هو ما لا يفارق الشيء ويأتي بمعنى الزوج .
إصطلاحا : فهوالإصارة البالغة حد اليقين ( مجلة الأحكام العدلية) ومثاله خروج رجل وفي يده سكين ملوثة بالدم من دار وبها قتيل .
وفي موسوعة الفقه الإسلامي عرفت بأنها التي توجد عند الإنسان علما بموضوع النزاع والإستدلال لديه يكون مماثلا للعلم من الشهادة والعيان .
وعرفها إبن عابد بقوله : هي التي تصير الأمر في حيز مقطوع به "رد المحتار على شرع المختار" .
وعرفت بصورة عامة بأنها دليل يستنبط من واقعة معلومة لإثبات واقعة مجهولة لوجود علاقة أو صلة سببية بينها وفقا لقواعد العقل والمنطق .
القرينة وبعض المصطلحات المشابهة :
1. الفراسة : لغة : من التفرس وهو التوسم وقبل الفراسة بالعين إدراك الباطن .
إصطلاحا : هو النظر الفاحص المثبت الناشيء عن وجود القزيحة وحد النظر وصفاء الفكر .
ويرى شريح القاضي وإبن القيم وإلياس بن معاوية أن الفراسة يعول عليها في بناء الأحكام أما جمهور الفقهاء فيرون أن الأحكام تبنى على الجزم واليقين لا على الظن والتخمين ولا يجوز بناء القاضي أحكامه على فراسته .
2. القافة : يقال قف ويقال أقـفيته على قفان ذاك وقافيته على أثره وجاء على قفان ذلك أي على أثره .
إصطلاحا : دليل يستنبطه القائف من واقعة معلومة لإثبات واقعة مجهولة لوجود العلاقة السببية فيما يتعلق في ثبوت النسب وتتبع الأثر .
أ. في ثبوت النسب : الجمهور يعمل بها في النسب أي في وجود شبيه بين ولد وأبيه وتعتبر دليل من أدلة الإثبات أما الأحناف فيرون عدم الإعتماد على القافة .
ب. تتبع الأثر : فالأثر جمعه أثر وخروج من أثره وأثره بعده وتأثره وتبع أثره فيه ، تأثيرا ترك أثرا والآثار الإعلام .
إصطلاحا : دليل يستدل به على وقوع أو حدث شيء معين يدرك بحاسة النظر ويظهر ذلك واضحا من خلال الأشكال والرسومات التي يتركها الفاعل .
3. العلامات : العلامة السمة .
إصطلاحا : كل ظاهرة محسوسة تمكن من معرفة الشيء أو التعرف عليه أو التنبؤ به ، والفرق بين العلامة والأثر أن العلامة تكون قبل الشيء والأثر يكون بعده فالغيوم والسحاب علامة المطر والفيضان والسيول آثار المطر .
مشروعيتها : قوله تعالى " وَعَلَامَاتٍ ۚ وَبِالنَّجْمِ هُمْ يَهْتَدُونَ " سورة النحل الأية 16
وقال تعالى:
" لِلْفُقَرَاءِ الَّذِينَ أُحْصِرُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ لَا يَسْتَطِيعُونَ ضَرْبًا فِي الْأَرْضِ يَحْسَبُهُمُ الْجَاهِلُ أَغْنِيَاءَ مِنَ التَّعَفُّفِ تَعْرِفُهُمْ بِسِيمَاهُمْ لَا يَسْأَلُونَ النَّاسَ إِلْحَافًا ۗ وَمَا تُنْفِقُوا مِنْ خَيْرٍ فَإِنَّ اللَّهَ بِهِ عَلِيمٌ " سورة البقرة الأية 273،وكذلك قوله تعالى " سِيمَاهُمْ فِي وُجُوهِهِمْ مِنْ أَثَرِ السُّجُودِ ۚ ".سورة الفتح الأية 29
السنة ما أعتبره الرسول وأتباعه من بعده " أن العلامات تبنى عليها الأحكام بجعلهم العلامة سنة لها " .
مثل "حمل المرأة من غير زوج أو رائحة الخمر في الفم " .
الأمارة :
لغة : العلامة الظاهرة .
إصطلاحا : علامة ظاهرة تدرك بحاسة النظر ولها مظاهر خارجية تدل على شيء معين ولها في الوقت نفسه دلالة أخرى تدل على الوقت المحدد والموعد المحدد .
والفرق بين الأمارة والعلامة : أن العلامة تدل على شيء واحد فقط هو الشيء الذي يدرك بحاسة النظر ، والأمارة تزيد عن العلامة على أنها تدل على الوقت والموعد المحدد .
مصدر القرائن :
للقرائن مصدران : نصية وفـقهية
النصية : هي التي نص عليها الشرع ودليلها من الكتاب " وَجَاءُوا عَلَىٰ قَمِيصِهِ بِدَمٍ كَذِبٍ ۚ قَالَ بَلْ سَوَّلَتْ لَكُمْ أَنْفُسُكُمْ أَمْرًا ۖ فَصَبْرٌ جَمِيلٌ ۖ وَاللَّهُ الْمُسْتَعَانُ عَلَىٰ مَا تَصِفُونَ " الأية 18 سورة يوسف .
هذه في مسائل كثيرة كالقسامة وغيرها . " قَالَ هِيَ رَاوَدَتْنِي عَنْ نَفْسِي ۚ وَشَهِدَ شَاهِدٌ مِنْ أَهْلِهَا إِنْ كَانَ قَمِيصُهُ قُدَّ مِنْ قُبُلٍ فَصَدَقَتْ وَهُوَ مِنَ الْكَاذِبِينَ " الأية 26 سورة يوسف. وكذلك في قوله تعالى: " فَلَمَّا رَأَىٰ قَمِيصَهُ قُدَّ مِنْ دُبُرٍ قَالَ إِنَّهُ مِنْ كَيْدِكُنَّ ۖ إِنَّ كَيْدَكُنَّ عَظِيمٌ." الأية 28سورة يوسف.
السنة: قول رسول الله صلى الله عليه وسلم :
رواه البخارى ومسلم "الولد للفراش وللعاهر الحجر"
ففي الحديث دلالة على وجود قرينة الفراش التي تدل على العلاقة الزوجية المشروعة .
القرائن الفقهية : فهي التي إستنبطها بعض الفقهاء الذين قالوا بجواز الإعتماد على القرائن في بناء الأحكام القضائية الجنائية بإعتبارها دليلا من أدلة الإثبات الجنائي كالحامل من غير الزواج دليل على الزنا إذا لم تدعي الإكراه وكذلك رائحة الخمر في الفم أو القيء إذا لم يدعي صاحبها الإكراه أو الجهل وعدم قصد الشرب وكذلك وجود آثار الدم على قميص القاتل أو وجود المسروقات في حيازة السارق أو في بيته فهذه قرائن تدل دلالة قاطعة على الجرائم المذكورة إلا إذا قام الدليل على عكس ذلك .
القرائن القضائية : فهي التي يستنبطها القاضي من وقائع الدعوى ويستخلصها من الوقائع المعروضة عليه وإستنباط الواقعة المجهولة من الواقعة المعلومة وذلك لحكم النبي عليه الصلاة والسلام بالقرينة لأحد الغلامين بسلب أبي جهل في واقعة بدر دون الثاني لعلامة الدم في سيفه أكثر من سيف صاحبه فحكم لمعاذ بن عمر وبن الجموح دون معاذ بن عفراء.
كما تنقسم القرائن إلى قطعية وظنية :
القطعية : هي الآمرات التي تبلغ حد اليقين أو التي تصير الأمر في حيز المقطوع وهي قرائن يحكم بها .
الظنية : فهي وسط بين القطعية والضعيفة وهي دليل غير كاف لوحدها للإدانة والحكم إلا أن تعيز بأدلة القرائن أن تبلغ حد اليقين من حيث قوتها الثبوتية والتدليلية أي أن يكون مقطوع بها .
القضاء بالقرائن : الفريق الأول يرى جواز القضاء بالقرائن والإعتماد عليها في بناء الأحكام الجنائية حدودا وقصاصا وتعزيرا ويمثل هذا الإتجاه من الحنابلة وإبن تيمية وإبن القيم ومن المالكية القرافي وإبن فرحون وإبن جزي ومن الأحناف الزيغلي وإبن عابدين .
أما الفريق الثاني فهو جمهور الفقهاء ومعهم الشافعية يرون عدم جواز إعتماد القرائن في بناء الأحكام .
القضاء بالقرائن في الحدود : الحد هو الفصل بين شيئين لا يختلط أحدهما بالآخر والدفع والمنع .
إصطلاحا : عقوبة مقدرة وجبت حقا لله تعالى كما في الزنا أو حقا لأدمي كما في القذف وسميت حدود لأن الله تعالى حدها وقدرها فلا يجوز لأحد تجاوزها .
حد الزنا : ذهب الجمهور من فقهاء الشافعية وبعض فقهاء الحنفية إلى عدم الجواز القضاء بالقرائن في جرائم الزنا .
وذهب فقهاء المالكية وبعض فقهاء الحنابلة إلى جواز ذلك .
أ- تطبيق الزنا بقرينة الحمل : فريق أجاز وفريق منع .
المناعون إستدلوا بقوله "ص" : إدرءوا الحدود عن المسلمين ما إستطعتم فإن وجدتم للمسلم مخرجا فخلو سبيله فإن يخطئ في العفو خير له من أن يخطئ في العقوبة .
وقوله "ص" : إدفعوا الحدود ما وجدتم لها مدفعا . وكذلك إستدلوا بعمل الصحابة رضوان الله عليهم كما في حالة المرأة التي حملت في عهد سيدنا عمر رضي الله عنه فقالت لما أراد أن يحدها إني إمرأة ثـقيلة الرأس وقع عليا رجل أنا نائمة فما إستيقضت حتى فرغ فدرء عليها الحد ومن المعقول إستدلت أن الشريعة تشددت في إثبات جريمة الزنا بطلب أربع شهود أو الإقرار فالتعوط في الإثبات يرفض القرينة ويتناسب وشدة العقوبة .
المجيزون : من المالكية وبعض الحنابلة إستدلوا بهم سيدنا عثمان رضي الله عنه برجم إمرأة ولدت بعد ستة أشهر لولا أن رده سيدنا علي رضي الله عنه ببيان دلالة قوله تعالى " وحمله وفصاله في ثلاثين شهرا " فترك حدها .
وكذلك إجماع الصحابة على حد المرأة الحامل التي لا سيد ولا زوج لها بقرينة الحمل أما المعقول فإن المرأة غير المتزوجة إذا حملت لا يقبل عقلا أن يكون ذلك من غير رجل وحدد المالكية الحالات التي لا يطبق فيها حد الزنا بالنسبة للحامل بلا سيد ولا زوج .
حالة الإكراه (الإغتصاب) : يقول مالك " ويقبل إدعاء المرأة التي تدعي الإكراه أن جاءت تدمي وهي بكر أو إستغاثت حتى أتت على تلك الحال أو ماشابه هذا من الأمر الذي تبلغ فيه حد فضيحة نفسها فإن لم تأتي بشيء من هذا الأمرأقيم عليها الحد . فحددوا علامات الإكراه كما يرى المالكية في حالة الغريبة (غير المقيمة في البلدة) إذا حبلت وإدعت الزواج فلا يقام عليها الحد إحتمال صدقها وصعوبة إثبات عكس ذلك .
تطبيق حد الزنا لنكول الزوجة عن اللعان : إنقسم الفقهاء إلى فريقين :
الفريق الأول من جمهور المالكية والشافعية وبعض الحنابلة والضاهرية الذين ذهبوا إلى جواز القضاء بقرينة نكول المرأة عن اللعان وتطبيق حد الزنا بموجب هذه القرينة وإستدلوا بالكتاب لقوله تعالى " ويدرؤا عنها العذاب أن شهد أربعة شهادات بالله أنه من الكاذبين والخامسة أن غضي الله عليها إن كان من الصادقين "
والنكول لا يدرأ عليها الحد فيعتبر قرينة قاطعة على صدق الزوج وعلى إرتكابها لجريمة الزنا .
أما المعقول قالوا مادامت قد إمتنعت عن اللعان الذي يدفع عنها الحد فهذا دليل أنها أتت بفعل الزنا فهي لم تدرأ العذاب عن تفسها وبالتالي يطبق عليها الحد
الفريق الثاني من الحنفية وبعض الحنابلة لا يعتبرون نكول المرأة قرينة على لزنا وبالتالي لا يجوز إقامة الحد بمقتضاه وإستدلوا من الكتاب لقوله تعالى " وَاللَّاتِي يَأْتِينَ الْفَاحِشَةَ مِنْ نِسَائِكُمْ فَاسْتَشْهِدُوا عَلَيْهِنَّ أَرْبَعَةً مِنْكُمْ ۖ فَإِنْ شَهِدُوا فَأَمْسِكُوهُنَّ فِي الْبُيُوتِ حَتَّىٰ يَتَوَفَّاهُنَّ الْمَوْتُ أَوْ يَجْعَلَ اللَّهُ لَهُنَّ سَبِيلًا " سورة النساء الأية 15
فالأية إشترطت أربع شهاداء لإقامة الحد فلا يقام الحد إلا بالشهادة أو الإقرار فقط .وفي صحيح البخاري في باب الأحكام أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال : (لولا أن يقول الناس عن آية الرجم لكتبتها بيدي)
آية الرجم مما يذكره العلماء في "أصول الفقه" من مبحث "النسخ" أنها مما نسخ لفظه وبقي حكمه ، فلم تَعُدْ أية من القرآن الكريم ، ولكن حكمها باقٍ لم ينسخ ، ولعل هذا هو السبب الذي جعل عمر رضي الله عنه لا يكتبها في المصحف ، لأنها لما نسخت تلاوتها لم تَعُدْ من القرآن فلا يجوز أن تكتب فيه والله أعلم .
وانظر : "المنتقي شرح الموطأ" حديث رقم (1560 ) .


تطبيق حد الزنا لنكول الزوج عن اللعان
ولو لم يكن الأمر كذلك لصحح له النبي "ص" دعى الله للفتح وأقر القائلة على قوله .
أما المعقول فنكول الزوج عن اللعان وقد قذف زوجته بالزنا يعتبر قرينة قاطعة على كذبه وعدم صدقه وهو ما يوجب الحد فلو أنه كان صادقا للاعن ولكنه لم يفعل . أما الفريق الثاني من الأحناف ومن تبعه فيرى أن يحبس حتى الموت أو الملاعنة ولكنه ولا يقام عليه حد القذف وإستدلوا من الكتاب قوله تعالى"والذين يرمون أزواجهم ولم يكن لهم شهداء إلا أنفسهم فشهادة أحدهم أربع شهدات بالله إنه لمن الصادقين" .
قالوا فكلمات اللعان في هذه الآية هي نفسها قذف فكيف يكون القذف مسقطا لحد القذف ، أما مبرر الحبس ذلك أن القيام باللعان أو الإقرار حق وواجب على الزوج فإن لم يؤيده يعاقب بالحبس كماهو الشأن بالنسبة للحقوق الأخرى ولأن الحبس يدل عن الحد ومن يحبس حتى يلاعن أو يكذب نفسه .
القضاء بالقرائن في حد الشرب :
ذهب جمهور الفقهاء من الأحناف والشافعية والمشهورعند الحنابلة أنه لا يجوزالقضاء بالقرائن في حد الشرب والتي تتمثل في الرائحة والقيء والسكر الظاهر .
وذهب المالكية وبعض الحنابلة إلى جواز الإعتماد على هذه القرائن في بناء الأحكام الجنائية لتطبيق حد الشرب لدلاتها القطعية على الشرب .
أ. الرائحة :
إستدل المانعـون من السنة قول رسول الله عليه الصلاة والسلام " إدرءوا الحدود بالشهادة " ووجه الإستدلال أن الحدود لا تطبق إذا ما تطرق الشبهات إلى دليلها والحد يدرأ بالشبهة وبالتالي لا حد على من وجدت معه رائحة الخمر كأنها قد تكون من غير الخمر ولأن الروائح تتشابه وإستدلوا على ما روي أنهم قالوا : " إذا إشتبه عليك الحد فادرأه ما إستطعت "
وكذلك ما روي عن علي إبن عباس رضي الله عنهما أنهما قالا " إذا كان في الحد لعلى وعسى فإنه معطل " .
أما من المعقول فإحتمال تطرق الشبهات إذا ما إعتمدنا على قرينة الرائحة فقد يكون صاحبها قد تمضمض بالخمر ظن أنها ماء أو أنه أكره على شربها أو أنها تشابهت مع غيرها من الروائح وكذلك أن الدليل إذا تطرق إليه الإحتمال سقط به الإستدلال .
أما المجوزون أخذوا بالقضاء براحة الخمر بإعتبارها قرينة تدل على الشرب فأستدلوا بما رواه مالك عن إبن شهاب أن عمر بن الخطاب خرج عليهم فقال إني وجدت عن فلان رائحة شراب فزعم أنه شرب طلاء وأنا سائل عن ما شرب .
وإستدلوا أن عمر رضي الله عنه أقام الحد بقرينة رائحة الخمر وعن علقمة قال كنت بحمص فقرأ ابن مسعود سورة يوسف فقال رجل : ما هكذا أنزلت ؟! فقال عبد الله : والله لقرأتـها على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، فقال : أحسنت . فبينما هو يكلمه إذ وجد منه ريح الخمر ، فقال : أتشرب الخمر وتكذب بالكتاب ؟! فضربه الحد والحد متفق عليه
وقالوا هذا يدل دلالة قاطعة على جواز القضاء بقرينة رائحة الخمر في حد الشرب .
الإجماع : يقول المالكية أن عمر بن الخطاب حكم برائحة الخمر فكان ممن ستقيم قضياه وتنتشر ويتحدث فيها الناس فلم يخالفه أحد من الصحابة فكانت بمثابة إجماع .
أما المعقول فإن في الرائحة نعلم صفة المشروب وهي طريق الإثبات في الشراب وهي أبلغ من المشاهدة لأن المشاهدة لا يعلم بها أهو قرار غيه وإنما يعلم ذلك بالرائحة إذا ثبتت . .
الـقـضـاء بـقـريـنـة الـقـيء :
المانعون : إستدلوا بالسنة قول النبي "ص" : " إدرءوا الحدود بالشبهات " إستدلوا به بنفس ما إستدلوا به في قرينة الرائحة أما المعقول أنه إذا تقيء قد تكون شبيهة للخمر وليست خمرا وقد يشابه بقاءه لولا الخمر ورائحتها وهو لا يدل دلالة قاطعة على أنما بقاءه خمر .
المجيزون : إستدلوا بما أخرجه مسلم عن حصين إبن منذر النقاش قال شاهدت أحدهما على أنه رآه يشربها وشهد آخر على أنه يتقيؤها فقال عثمان رضي الله عنه أنه لم يتـقيـؤها حتى شربها فقال لعلي رضي الله عنه أقم عليه الحد فأمر علي عبد الله بن جعفر رضي الله عنهما فضربه وكذلك بما رواه المغيرة عن الشعبي قال لما كان من أمره قدامة ما كان جاء علقمة فقال إني أشهد أني رأيته يتـقـيـؤها فقال عمر رضي الله عنه من قاءها فقد شربها فضربه الحد أما الإجماع فقالوا ما دام أن عمر وعثمان قاما بتطبيق الحد بناءا على قرينة القيء بحضور علماء الصحابة ولم يظهر في عصره مخالف كان ذلك إجماع في جواز القضاء بهذه القرينة وإقامة الحد بقرينة القيء .
السكر الظاهر : هل السكر ظاهر
قالوا بن عابدين السكران الذي لا يفرق بين الرجل والمرأة والسماء والأرض ومن يختلط كلامه غالبا .
المانعون : قالوا يرون عدم الجواز وإستدلوا بما روي عن ابن عباس قال " شرب رجل الخمر فلقي يميل في الطرق فأنطلق به إلى النبي "ص" فضحك وقال أفعلها ولم يأمر فيه بشيء، أما المعقول فقالوا الظاهر لا يصلح قرينة لأنه شربها كرها أولا يعلم بأنها سكر أو غلط فيها وحسبها ماء .
أما المجيزون : من المالكية وبعض الحنابلة فقد إستدلوا بالسنة بما رواه أبو داوود وأبو سعد الحضري قالوا " أتي رسول الله "ص" برجل نشوانا فقال إني لم أشرب خمرا وإنما شربت زبيبا وخمرا في دباءة ، فقال فأمر به فاتهز بالأيدي وخفق بالنعار ونهي عن الدباء ونهي عن الزبيب والتمر أن يختلطا .
ومن المعقول من يكون في سكر ظاهر لا يكون على هذه الحالة دون شرب الخمر ولا يمكن أن يكون على هذه الحالة أن يشرب الخمر .
القضاء بالقرائن في جريمة القذف :
السنة :
جاء في الصحيح عَنْ عَبْدِ اللهِ بن مسعود أنه قَال : كنَّا ليْلةَ الجُمُعَةِ فِي المَسْجِدِ إِذْ جَاءَ رَجُلٌ مِنَ الأَنْصَارِ فَقَال: ( لوْ أَنَّ رَجُلا وَجَدَ مَعَ امْرَأَتِهِ رَجُلا فَتَكَلمَ جَلدْتُمُوهُ ، أَوْ قَتَل قَتَلتُمُوهُ ، وَإِنْ سَكَتَ سَكَتَ على غَيْظٍ ، وَاللهِ لأَسْأَلنَّ عَنْهُ رَسُول اللهِ صَلي الله عَليْهِ وَسَلمَ ، فَلمَّا كَانَ مِنَ الغَدِ أتي رَسُول اللهِ صَلي الله عَليْهِ وَسَلمَ فَسَأَلهُ ، فَقَال يا رسول الله : لوْ أَنَّ رَجُلا وَجَدَ مَعَ امْرَأَتِهِ رَجُلا فَتَكَلمَ جَلدْتُمُوهُ أَوْ قَتَل قَتَلتُمُوهُ أَوْ سَكَتَ سَكَتَ على غَيْظٍ ، فنزل قول الله تعالى : (وَالَّذِينَ يَرْمُونَ أَزْوَاجَهُمْ وَلَمْ يَكُنْ لَهُمْ شُهَدَاءُ إِلَّا أَنْفُسُهُمْ فَشَهَادَةُ أَحَدِهِمْ أَرْبَعُ شَهَادَاتٍ بِاللَّهِ ۙ إِنَّهُ لَمِنَ الصَّادِقِينَ وَالْخَامِسَةُ أَنَّ لَعْنَتَ اللَّهِ عَلَيْهِ إِنْ كَانَ مِنَ الْكَاذِبِينَ) الأيتين 6ـ7ـ سورة النور
المجيزون : القضاء براحة الخمر بإعتبارها قرينة تدل على الشرب فإستدلوا بما رواه مالك عن ابن شهاب أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه خرج عليه فقال إني وجدت من فلان ريح شراب فزعم أنه شرب طلاءا وأنا سائل عما شرب فإن كان يسكر جلدته فجلده عمر الحد عمر الحد تماما وإستدلوا أن عمر رضي الله عنه أقام الحد بقرينة رائحة الخمر وكذلك ما روي عنه علقمة مسعود وإليه قرأتها على رسول الله صلى عليه وسلم فقال " أحسنت وبينما هو يكلمه إذ وجد منه ريح خمر فقال أتشرب الخمر وتكذب بالكتاب فضربه الحد " متفق عليه .
الإجماع : يقول المالكية أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه حكم برائحة الخمر لتطبيق حد الشرب قضاياه وتنتشر ويتحدث بها الناس فلم يخالفه أحد من الصحابة فكانت بمثابة الإجماع .
المعقول : فإننا بالرائحة صفة المشروب وهي طريق إثبات في الشراب وهي أبلغ من الشهادة لأن المشاهد لا يعلم بها أهي خمر أم لا وإنما يعلم ذلك بالرائحة إذا ثبتت وإشترط المالكية أن يشهد على الخمر من خبرها في السابق .
القضاء بالقرائن في حدي السرقة والحرابة : إختلف الفقهاء إلى فريقين في القضاء بالقرائن في حدي السرقة والحرابة فذهب جمهور الفقهاء بعدم جواز القضاء.
لتطبيق حدي السرقة والحرابة ومر فقهاء الحنفية والمالكية والمشهور عند الشافعية وجمهور فقهاء الحنابلة .
وذهب بعض فقهاء الشافعية وإبن القيم إلى جواز ذلك وإستدل المانعون بما روى النبي "ص" قال : إدرؤوا الحدود بالشبهات " ووجه الإستدلال في هذا الحديث أن حد السرقة لا يطبق إذا ما تطرقت إلى الدليل فالحد يدرؤا بالشبهات ، ووجود المال المسروق في حيازة المتهم قد يكون لإحتمال أن يكون المال المسروق قد أودع عنده أو وهب له أو وضع في منزله دون علمه .
وإستدلوا كذلك بما روي عن الصحابة والخلفاء الراشدين أنهم طبقوا حدي السرقة والحرابة بمقتضى الإقرار و الشهادة ولم يثبت عنهم تطبيق حدي السرقة والحرابة بمقتضى القرائن .
أما المعقول قالوا أن القرائن يتطرق إليها الشك والإحتمال وأنها غير قاطعة في الإثبات والدليل إذا تطرق إليه الإحتمال سقط به الإستدلال . ووجود المال في حيازة المتهم لا يقطع بأن من وجد عنده هو سارقه .
المجيزون : بعض الشافعية وإبن القيم إستدلوا بما روي عن الصحابة والخلفاء الراشدين أنه ثبت بالدليل القاطع أن القرائن دليل من أدلة الإثبات . فقد طبقوا الحد بموجب القرائن فطبقوا حد الزنا بالحمل بالنسبة للمرأة التي لا زوج لها ولا تدعي الإكراه كذلك .
طبقوا حد الشرب بالرائحة والقيء والسكر الظاهر وأن وجود حيازة المال المسروق قرينة قوية وقاطعة ولذا وجب تطبيق الحد .
وأما المعقول فيقول إبن القيم"ولم يزل الأئمة يحكمون بالقطع إذا وجدوا المال المسروق عند المتهم وهذه القرينة أقوى بالبينة والإقرار فإن القرينة والإقرار خبران يتطرق إليهما الصدق والكذب ووجود المال المسروق معه نص صريح لا يتطرق إليه الشبهة .
القضاء بالقرائن في جرائم القصاص :
القصاص في اللغة بالكسر وهو القتل بالقتل أو الجرح بالجرح ويقال إقتص الأمر فلان من فلان إذا إقتص منه وجرح مثل جرحه . مثل فعله بمن قتل أو قطع أوضرب أو جرح فأقتص منه أخذ منه القصاص وهو مجاز مأخوذ من مقاصة ولي القتيل والأصل في القصاص التناصف في القصاص .
وأما في إصطلاح الفقهاء فالقصاص هو المماثلة وذلك بأن يفعل الجانب مثل فعله فيقتل إذا قتل أو يجرح أو يقطع عضو من أعضائه أو أطرافه إذا فعل ذلك بالمجني عليه عمدا وعدوانا وعرفه الإمام أبو زهرة في كتابه العقوبة.
قال: (القصاص سورة ومعنى هو أن ينزل الجاني بالعقوبة المادية مثل الذي أنزل على المجني عليه وهذا هو المعنى الواضح ).
أوجه الإختلاف بين جرائم القصاص والحدود :
- العفو عن العقوبة يجوز في القصاص دون الحدود .
- الشفاعة جائزة في حد أو القصاص دون الحدود .
- يجوز للقاضي أن يحكم بعلمه في جرائم القصاص دون الحدود عند بعض الفقهاء .
- القصاص يثبت بإشارة الأخرص وكتابته بحلاف الحدود .
- وجوب رفع الدعوى في جرائم القصاص دون الحدود سوى حد القذف .
- التقادم لا يمنع الشهادة بالقتل بخلاف الحدود سوى على حد القذف .
- القصاص يورث والحد لا يورث سوى حد القذف عند بعض الفقهاء .
أراء الفقهاء في القضاء بالقرائن في جرائم القصاص : إنقسم الفقهاء إلى فريقين للقضاء في جرائم القصاص الواقعة على النفس (القتل) ومادون النفس :
الفريق الأول : وهم جمهور الفقهاء ويقولون بعدم جواز الأخذ بالقرائن في جرائم القصاص وحصروا طرق إثبات هذه الجرائم في أدلة معينة . وذهب بعض الفقهاء ومنهم إبن القيم إلى الجواز بالأخذ بالقرائن في جرائم القصاص .
المانعون وقد حصروا طرق الإثبات في جرائم القصاص بالإقرار والشهادة والقسامة وإستدلوا بالسنة ان عبد الله بن سهل ومحيصة خرجا إلى خيبر من جهد أصابهم فأتي محيصة فأخبر ان عبد الله بن سهل قد قتل وطرح في فقير بئر أو عين فأتى يهود فقال أنتم والله قتلتموه فقالوا والله ما قتلناه فأقبل حتى قدم على قومه فذكر لهم ذلك ثم اقبل هو وأخوه حويصة وهو أكبر منه وعبد الرحمن فذهب محيصة ليتكلم وهو الذي كان بخيبر فقال له رسول الله صلى الله عليه و سلم كبر كبر يريد السن فتكلم حويصة ثم تكلم محيصة فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم أما ان يدوا صاحبكم واما ان يؤذنوا بحرب فكتب إليهم رسول الله صلى الله عليه و سلم في ذلك فكتبوا انا والله ما قتلناه فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم لحويصة ومحيصة وعبد الرحمن أتحلفون وتستحقون دم صاحبكم فقالوا لا قال أفتحلف لكم يهود قالوا ليسوا بمسلمين فوداه رسول الله صلى الله عليه و سلم من عنده فبعث إليهم بمائة ناقة حتى أدخلت عليهم الدار قال سهل لقد ركضتني منها ناقة حمراء قال مالك الفقير هو البئر ووجه الإستدلال في هذا الحديث أن جرائم القتل لا تثبت إلا بالإقرار وشهادة الشهود وقالوا أن النبي "ص" لم يعتمد في حكمه على القرائن بالرغم من توافرها في هذه الواقعة المتمثلة في العداوة .
وكذلك وجود القتيل بين أظهرهم ، فالقرائن لا تكفي وحدها لإدانة المتهم في جرائم القصاص ولا بد من أيمان الصحابة في مثل هذه الواقعة .
المعقول : أن الإحتياط في الإثبات واجب في جرائم القصاص ومن الإحتياط منع القضاء بالقرائن بالإدانة دلالتها غير ظاهرة ولا واضحة ولو إعتمدنا على القرائن في بناء الأحكام الجنائية في هذه الجرائم لذهب كثير من الأبرياء.
كما استدلوا بما روي عن علي رضي الله عنه أنه أتى برجل وجد في خربة بيده سكين ملطخة بدم وبين يديه قتيل يتشحط في دمه ، فسأله فقال : أنا قتلته ، قال : اذهبوا به فاقتلوه ، فلما ذهب به أقبل رجل مسرعا ، فقال : يا قوم لا تعجلوا وردوه إلى علي فردوه ، فقال الرجل : يا أمير المؤمنين ، ما هذا صاحبه أنا قتلته ، فقال علي للأول : ما حملك على أن قلت أنا قاتله ولم تقتله قال : يا أمير المؤمنين وما أستطيع أن أصنع ، وقد وقف العسس على الرجل يتشحط في دمه وأنا واقف وفي يدي سكين وفيها أثر الدم ، وقد أخذت في خربة ،فخفت ألا يقبل منى ، وأن يكون قسامة فاعترفت بما لم أصنع ، واحتسبت نفسي عند الله ، فقال علي : بئسما صنعت ، فكيف كان حديثك ، قال : إني رجل قصاب خرجت إلى حانوتي في الغلس ، فذبحت بقرة وسلختها ، فبينما أنا أسلخها والسكين في يدي ، أخذني البول ، فأتيت خربة كانت بقربي فدخلتها فقضيت حاجتي، وعدت أريد حانوتي ، فإذا أنا بهذا المقتول يتشحط في دمه ، فراعني أمره ، فوقفت أنظر إليه والسكين في يدي ، فلم أشعر إلا بأصحابك قد وقفوا علي فأخذوني فقال الناس : هذا قتل هذا ما له قاتل سواه ، فأيقنت أنك لا تترك قولهم لقولي ، فاعترفت بما لم أجنه فقال علي للمقر الثاني : فأنت كيف كانت قصتك ، فقال أغواني إبليس فقتلت الرجل طمعا في ماله ، ثم سمعت حس العسس فخرجت من الخربة واستقبلت هذا القصاب على الحال التي وصف ، فاستترت منه ببعض الخربة حتى أتى العسس ، فأخذوه وأتوك به فلما أمرت بقتله علمت أني سأبوء بدمه أيضا فاعترفت بالحق فقال للحسن ما الحكم في هذا قال يا أمير المؤمنين إن كان قد قتل نفسا فقد أحيا نفسا وقد قال الله تعالى (ومن أحياها فكأنما أحيا الناس جميعا )فخلى علي عنهما وأخرج دية القتيل من بيت المال
قال ابن القيم معقبا على هذا الحكم من علي وهذا إن وقع صلحا برضى الأولياء فلا إشكال وإن كان بغير رضاهم فالمعروف من أقوال الفقهاء : أن القصاص لا يسقط بذلك ؛ لأن الجاني قد اعترف بما يوجبه ولم يوجد ما يسقطه فيتعين استيفاؤه وبعد فلحكم أمير المؤمنين وجه قوي
وإستدل ابن القيم عن هذه الواقعة إذا وقع الصلح برضاء الأولياء فلا إشكال وإن كان بغير رضاهم لا يسقط ذلك وأن الجاني إعترف بما يوجبه ولم يوجب ما يسقطه فيتعين .
المجيزون : وذهب بعض الفقهاء واستدلوا بالأتي :
ما روي عن النبي "ص" في حادثة قتل أبي جهل فقد روى الشيخان ، واللفظ للبخاري في كتاب (فرض الخمس ) باب (من لم يخمس الأسلاب ومن قتل قتيلا فله سلبه من غير أن يخمس وحكم الإمام فيه ) قال : حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ حَدَّثَنَا يُوسُفُ بْنُ الْمَاجِشُونِ عَنْ صَالِحِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ قَالَ :بَيْنَا أَنَا وَاقِفٌ فِي الصَّفِّ يَوْمَ بَدْرٍ فَنَظَرْتُ عَنْ يَمِينِي وَعَنْ شِمَالِي فَإِذَا أَنَا بِغُلَامَيْنِ مِنْ الْأَنْصَارِ حَدِيثَةٍ أَسْنَانُهُمَا تَمَنَّيْتُ أَنْ أَكُونَ بَيْنَ أَضْلَعَ مِنْهُمَا ، فَغَمَزَنِي أَحَدُهُمَا فَقَالَ : يَا عَمِّ هَلْ تَعْرِفُ أَبَا جَهْلٍ ؟ قُلْتُ: نَعَمْ ..مَا حَاجَتُكَ إِلَيْهِ يَا ابْنَ أَخِي؟ قَال :َ أُخْبِرْتُ أَنَّهُ يَسُبُّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ؛ وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ، لَئِنْ رَأَيْتُهُ لَا يُفَارِقُ سَوَادِي سَوَادَهُ حَتَّى يَمُوتَ الْأَعْجَلُ مِنَّا ... فَتَعَجَّبْتُ لِذَلِكَ ؛ فَغَمَزَنِي الْآخَرُ فَقَالَ لِي مِثْلَهَا... فَلَمْ أَنْشَبْ أَنْ نَظَرْتُ إِلَى أَبِي جَهْلٍ يَجُولُ فِي النَّاسِ، قُلْتُ: أَلَا إِنَّ هَذَا صَاحِبُكُمَا الَّذِي سَأَلْتُمَانِي... فَابْتَدَرَاهُ بِسَيْفَيْهِمَا فَضَرَبَاهُ حَتَّى قَتَلَاهُ ، ثُمَّ انْصَرَفَا إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَخْبَرَاهُ ...فَقَالَ: أَيُّكُمَا قَتَلَهُ ؟ قَالَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا : أَنَا قَتَلْتُهُ... فَقَالَ: هَلْ مَسَحْتُمَا سَيْفَيْكُمَا ؟ قَالَا: لَا ... فَنَظَرَ فِي السَّيْفَيْنِ، فَقَالَ: كِلَاكُمَا قَتَلَهُ ...سَلَبُهُ لِمُعَاذِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْجَمُوحِ ... وَكَانَا مُعَاذَ بْنَ عَفْرَاءَ وَمُعَاذَ بْنَ عَمْرِو بْنِ الجَمُوحِ
كذلك إستدلوا بما فعله الخلفاء الراشدين والتابعون في إعتمادهم على القرينة فقد روي عن أن عمر بن الخطاب اوتي يوما بفتى أمرد وقد وجد قتيلا ملقى على وجه الطريق فسأل عمر عن أمره واجتهد فلم يقف له على خبر فشق ذلك عليه ; فقال اللهم أظفرني بقاتله حتى إذا كان على رأس الحول وجد صبي مولود ملقى بموضع القتيل فأتي به عمر فقال ظفرت بدم القتيل إن شاء الله تعالى فدفع الصبي إلى امرأة وقال لها قومي بشأنه وخذي منا نفقته وانظري
من يأخذه منك
فإذا وجدت امرأة تقبله وتضمه إلى صدرها فأعلميني بمكانها
فلما شب الصبي جاءت جارية فقالت للمرأة إن سيدتي بعثتني إليك لتبعثي بالصبي لتراه وترده إليك قالت نعم اذهبي به إليها وأنا معك فذهبت بالصبي والمرأة معها حتى دخلت على سيدتها فلما رأته أخذته فقبلته وضمته إليها فإذا هي ابنة شيخ من الأنصار من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فأتت
عمر فأخبرته فاشتمل على سيفه ثم أقبل إلى منزل المرأة
فوجد أباها متكئا على باب داره فقال له يا فلان ما فعلت ابنتك فلانة قال جزاها الله خيرا يا أمير المؤمنين هي من أعرف الناس بحق الله وحق أبيها مع حسن صلاتها وصيامها والقيام بدينها فقال عمر قد أحببت أن أدخل إليها فأزيدها رغبة في الخير وأحثها عليه فدخل أبوها ودخل عمر معه فأمر عمر من عندها فخرج وبقي هو والمرأة في البيت فكشف عمر عن السيف وقال أصدقيني وإلا ضربت عنقك وكان لا يكذب فقالت على رسلك فوالله لأصدقن إن عجوزا كانت تدخل علي فأتخذها أما وكانت تقوم من أمري بما تقوم به الوالدة وكنت لها بمنزلة البنت حتى مضى لذلك حين ثم إنها قالت يا بنية إنه قد عرض لي سفر ولي ابنة في موضع أتخوف عليها فيه أن تضيع وقد أحببت أن أضمها إليك حتى أرجع من سفري فعمدت إلى ابن لها شاب أمرد فهيأته كهيئة الجارية وأتتني به لاشك أنه جارية
فكان يرى مني ما ترى الجارية من الجارية حتى اغتفلني
يوما وأنا نائمة فما شعرت حتى علاني وخالطني فمددت يدي إلى شفرة كانت إلى جانبي فقتلته ثم أمرت به فألقي حيث رأيت فاشتملت منه على هذا الصبي فلما وضعته ألقيته في موضع أبيه فهذا والله خبرهما على ما أعلمتك فقال صدقت ثم أوصاها ودعا لها وخرج وقال لأبيها نعمة الابنة ابنتك ثم انصرف .
المعقول : إستدلوا أن الراشدون والصحابة قضوا بالزنا بالحمل والخمر بالرائحة والقيء وبالمال المسروق عند السارق وغيرها من الأدلة ......
القضاء بالنكول عن حلف اليمين في القتل العمد : إختلف الفقهاء :
فذهب الجمهور إلى عدم الجواز بالنكول في جرائم القصاص الواقعة على النفس ما دون النفس (العمد) وقالوا أن النكول عن اليمين حجة ضعيفة فلا يأخذ بها وهذا مذهب الأحناف والحنابلة والمالكية وذهب فقهاء الشافعية إلى جواز القضاء بقرينة النكول عن حلف اليمين من قبل المتهم أو الحالف . في جرائم القصاص الواقعة من على النفس أو ما دون النفس .
 

المواضيع المتشابهة

أعلى