محاضرات في مقياس مبدأ الشرعية وحقوق الدفاع
مبدأ الشرعية وحقوق الدفاع :
الأسس التاريخية: أثبتت الدراسات التاريخية أن ق . ع ظهر وتطور بتطور ضمن نفس الأوضاع التي ظهرت بها الإنسانية القديمة وتطورت بها . وبالرجوع إلى الوراء لعدم تشكل الدول بشكلها الحديث ،حق العقاب يعود إلى السلطة التي تسود تلك الجماعة وكان يقتصر على بعض الجرائم التي تؤثر على القيام وإستمرار ديمومة الجماعة ومن أمثلتها " خيانة الجماعية التي ينتمي إليها والفرار من مقاتلة الأعداء ......" ويقوم بتوقيع العقوبة من يملك السلطة على الجماعة . أما باقي الجرائم : السرقة ، كانت تعود إلى الخلية التي ينتمي إليها " الأسرة ، القبيلة ، العشيرة....."
ونـمـيـز بـيـن نـوعـيـن :
إن كان من الجماعة أو خارجها (غريب ) ، إن كان من الأسرة تعود إلى رب الأسرة أي العقاب وتوقع على كل من يقع تحت سلطته وهي القتل أو الطرد أو النفي وهي أخطر عقوبة لإنها تعرضه (الجاني) إلى إسترقاق إلى حال مباح للغير .
أما إن كان غريب أتبعـت سياسة الإنتقام من جماعة الجاني ومن خصائص هذا الإنتقام أنه كان جماعي ليس ضد جاني فقط وهذا يسبب في نشوب حروب طويلة وقاسية ومريرة تنتهي بالقضاء على الجماعة الضعيفة وإسترقاق ما بيقي منها من احياء وهي مرحلة العقوبة الخاصة . وبعد التطور وتفاديا للحروب والنزاعات ظهر ما يسمى بنظام الفدية الإختيارية وهنا يشترط قبول المجني عليه بها وإلا فلا بديل عن الإنتقام ، ونلاحظ أن فكرة العقوبات بدأت بالتطور والعقوبة هي المقابل المادي الذي جب على الجاني تحمله والعقوبة يقصد بها المقابل على الجريمة ولما ظهرت سلطة الدولة وأصبح لا سلطة في مقبل سلطة الأفراد ، حاولت هذه الأخيرة أن تقيد ممارسة القضاء الخاص (النظام الإتهامي)
أي محاولة تقييد من الممارسة ، وفرض القيود بعض القيود منها :
1/ الحد من سلطة رب الأسرة ولا سيما الموت الذي يقع على أفراد الأسرة .
2/ القصاص والتي تقتضي المماثلة بين الجرم والعقاب الموقع وسعـيا من الدولة للحد من الأنتقام الجماعي قصد توقيع العقاب على الجاني وحده "المسؤولية الجنائية" دون باقي أسرته .
3/ إعترفت الدولة لجماعة الجاني بحقها في تسليمه إلى جماعة المجني عليه (المقتول) للقصاص منه خشية وقوع الإنتقام وعرف بنظام التخلي " ويمثل الإنتقال من مسؤولية الجماعة على فعل الفرد إلى المسؤولية الفردية عن فعل الفرد " .
4/ لما تطورت سلطة الدولة إشترطة تحويل الفدية الإختيارية إلى إجبارية أي التخلي نهائيا عن فكرة الإنتقام بحيث يلتزم الجاني بدفع الفدية وعلى المجني عليه قبولها ولتفادي عدم إتفاق العائلتين تدخلت الدولة وقدرت مبلغ الفدية لكل جريمة .
كيف كان مبلغ الفدية يقدر أول مرة : كان التقدير يعود للعائلتين (الجاني-والضحية) ولتفادي عدم إتفاق العائلتين تدخلت الدولة وقدرت مبلغ الفدية لكل جريمة ملزمة للجميع بالخضوع لهذا التقدير وهذا ما نلاحظه في قانون الألواح 12 وهذه هي مرحلة العقوبة الخاصة ، العقوبة تقرر لمصلحته ، العقوبة تقرر لإرضاء المجني عليه ولم تكن تقرر للمصلحة العامة وما تتدخل الدولة إلا في حالات نادرة من أجل تحديد الفدية .
مرحلة العقوبة العامة : حلت مرحلة العقوبة الخاصة والسبب يرجع إلى ازدياد نفوذ الدولة وامتداد نشاطها إلى كثير من المسائل بواسطة وسيلتين :
1- تتمثل في توسيع دائرة الجرائم العامة ، حيث أن الدولة أو من يمثلها في الجماعة كان يحتفظ لنفسه في بعض الجرائم كالخيانة ، الفرار ، ثم أدخل إلى دائرة الجرائم الأخرى ثم توسعت هذه الدائرة شيئا فشيئا إلى أن أصبحت كل الجرائم الخطرة ، جرائم عامة .
2- تفويض مبادئ العقوبة الخاصة ، تدخلت الدولة وفرضت ضريبة على الفدية التي كان يأخذها المجني عليه ثم بدأ نصيب الدولة يزداد شيئا فشيئا إلى أن أصبحت كلها للدولة ، اقتصر حق المجني عليه في طلب التعويض المدني على الأضرار التي لحقت به من فعل الجاني ، في فرنسا مثلا منذ القرن 17 اختفت العقوبة الخاصة الشيء الذي ساعد على ذلك هو تطبيق القانون الكنسي وهذا الأخير يعمل بمبدأ الجزاء العادل والذي يعني إيجاد تناسب مابين الجرم المرتكب والجزاء الموقع ، بعد ذلك ظهرت فكرة الاهتمام بشخص الجاني وهذا يقتضي أن شدة العقوبة تختلف في كل الجرائم بحسب شخصية الجاني ، وهذا أساس ظهور نظام تفريد العقوبة والجزاء المناسب لكل شخص بحسب ظروفه وهذا المبدأ من المبادئ الأساسية في السياسات الجنائية الحديثة .
التطورالتاريخي لقانون العقوبات الفرنسي :
قبل الثورة الفرنسية لم يكن لفرنسا قانون جنائي واحد فقط إلا ما يتعلق بالإجراءات وبالتالي كان مصدر التجريم يتمثل في : العرف وبعض الأحكام المشوهة المأخوذة من بعض المنشورات الملكية ، إرادة الملك كانت هي المصدر الأساسي والرسمي للعقوبة وكان الملك يملك سلطة إنشاء محاكم في بلاطه وله أيضا سحب دعوى معروضة أمام القضاء لعرضها في بلاطه وله أيضا وقف إجراءات الدعوى والعفو وإلغاء العقوبة الصادرة من القضاء أخطر من هذا كان الملك يملك سلطة توقيع العقاب على من يشاء وحتى بدون وقوع فعل معاقب عليه ولهذا نجد أن النصوص كانت تتصف بالقسوة والإستبداد لما يملكه الملك على سلطات القضاء والدعوى الجنائية .
القضاء الجنائي : كان يملك سلطة توقيع العقاب لجرائم صدرت بها تشريعات وكان مقتضاء كذلك الحق في العقاب عن أفعال لم تجرمها نصوص قانونية ، هنا القاضي يقوم بتعريف الجريمة بالطريقة التي يراها ثم يختار الجزاء المناسب .
تطور قانون العقوبات الفرنسي :
خلال ق 18 بدأت تجتاح أوروبا ثورة فكرية منددة بقسوة العقوبات وتعذيب المتهمين والإجراءات القضائية التعسفية وكان لبعض المفكرين دورهم في تطور قانون العقوبات ، حيث أعتبروه وسيلة من وسائل الملكيات المطلقة المستبدة من بين هؤلاء "جون جاك روسو" : يرى أنه يجب تخفيض القدر الذي يتنازل عنه الفرد من سلطة إجتماعية إلى الحد الضروري عند إنتقال الفرد من الحالة الطبيعية إلى الحالة المدنية . "فولتير" : أثار الرأي العام ضد قسوة العقوبات وأخطاء القضاء والتشريع الجنائي . "مونتسيكيو" روح القانون : إنتقد أحكام جنائية معينة وإنتقد العقوبات المخلة بأدمية الفرد (الكي......) وكان من المنادين بقانون يؤمن حرية الإنسان . "بيكاريا" : ألف كتاب يعتبر حدثا مهما في تاريخ قوانين العقوبات لإنه جاء بأفكار جديدة ومتقدمة في عصره ، نجد في الكتاب جزئين ، جزء نقدي وجزء بناء في الجزء النقدي إنتقد أحكام قانون العقوبات وإجراءاته التي كان معمولا بها وطلب الإبتعاد عن قسوة العقوبة ، كذلك طالب بإلغاء التعذيب الذي كان عبارة عن عقوبة توقع على المحكوم عليهم بالإعدام ، كذلك إلغاء عقوبة الإعدام وقصرها على الجرائم السياسية وفي الأخير طالب بمبدأ شرعية العقوبة ، وتبرير " بيكاريا " يعود إلى نظرية العقد الأجتماعي فيقول أن حق العقاب هو ذلك الحق الذي تنازل عنه الفرد لسلطة مقابل إنتقاله من الحياة الطبيعية إلى الحياة المدنية لذلك يجب أن لا تتعدى العقوبة القدر اللازم على مصالح المجتمع وإلا أصبحت ظالمة لذلك كما يرى "بيكاريا" فإن العقوبة ليس هدفها الإنتقام ولا محور الجريمة وإنما منع الجاني من العودة إلى الجريمة (ردع خاص) إلى وصرف الأخرين من إرتكابها (ردع عام) .
الثورة الفرنسية وقانون العقوبات:
تكونت جمعية تأسيسية من أجل صياغة قانون عقوبات جديد ولكن على مبادئ وأسس جديدة وذلك لتجنب العيوب التي أثيرة حول قانون العقوبات القديمة ومن أهم ما قامت به الجمعية التأسيسية مايلي :
1. إصدار قانون العقوبات : بالنسبة للجرائم البسيطة(الجنح والمخالفات) قننت بقوانين(19 و20) جويلية 1791 بالنسبة للجنايات صدر بشأنها مجموعة قانون العقوبات الصادر بقوانين 25 سبتمبر و 6 أكتوبر 1791 .
2. إعلان مبدأ شرعية الجرائم والعقوبات : إعلان حقوق الإنسان المواطن الذي جاء في أعقاب الثورة الفرنسية نص (المادة 8) منه على مبدأ شرعية الجرائم " لا يمكن أن يعاقب الشخص إلا بمقتضى قانون صادر قبل وقوع الجريمة ويشترط أن يطبق بطريقة قانونية "ونستخلص من هذا المادة أنه يجب تبين الجرائم والعقوبات المقررة لها وهذا يقضي على كل إستبداد ويستبعد سلطة القاضي والحاكم في مسألة التجريم والعقاب .
3. القضاء على عدم المساواة في مسائل التجريم : المبدأ القانوني هو مساواة الجميع أمام القانون وعملا بهذا المبدأ حددت عقوبات ثابتة لمختلف الجرائم بمعنى أنها ليس لها حد أدنى أو أقصى وبهذا أنتزعت من القاضي سلطة تقدير العقوبة بحسب جسامة الفعل وظروف الجاني .
أبعد من هذا وعملا بمبدأ المساواة أمام القانون وألغي حق العفو كما ألغيت العقوبات المؤبدة التي كانت تقترن بالعفو وهذا حتى لا تصبح العقوبة غير منتهية ، كذلك تم إعتماد مبدأ شخصية العقوبة بمعنى أن العقوبة لا تمس سوى شخص الجاني بحيث لا تتعدى إلى أسرته وتنتهي بوفاته ولا تتعرض جثته ألى أي عقوبة .
4. النزعة الإنسانية في العقوبة : ألغيت جميع العقوبات البدنية السابقة والتي كانت تتنافى مع الكرامة الأنسانية كالتعذيب وبتر الأعضاء والجلد والدمغ عن طريق الـكـي وتسمى كذلك بالوصم ، أضف إلى هذا تم تخفيف حالات الإعدام حيث كانت تطبق في 115 حالة وخففت إلى 32 حالة وألغيت العقوبات المؤبدة لتحل محلها العقوبات المؤقتة .
قانون العقوبات لسنة 1810 :
ظهر نتيجة عدم كفاية قانون 1791 في نواحي وفشله في نواحي أخرى ، وأسباب فشل قانون العقوبات لسنة 1791 تتمثل فيمايلي :
1- إن هذا القانون قرر عقوبات موحدة للجناة الذين يرتكبون نفس الفعل تحت ذريعة المساواة بينهم فالقاضي كان ليس له أي دور في تخفيف أة تشديد العقوبة بالنظر لشخصية الجاني وظروفه فالقاضي أصبح عبارة عن آلة توزع العقوبات
2- إلغاء حق العفو الذي كان الملك يتمتع به وعن طريقه يستطيع أن يخفف العقوبة إذا تطلب الأمر ذلك .
3- إلغاء العقوبات المؤبدة وتعويضها بالعقوبات المؤقتة كان يجب أن يصاحبه إصلاحا وتعديلا في نظام السجون التي بينت خصيصا للعقوبات البدنية والمؤبدة وهذا يتطلب الوقتا بعد إصدار القانون .
4- عقب الثورة الفرنسية شهدت فرنسا موجة إجرام كبيرة حيث كثرة أعمال النهب والسطو وما إلى ذلك ومن الأمور التي ساعدت على ذلك تخفيف العقوبات وكذلك إنشغال رجال الثورة أو رجال الأمن بتتبع ملاحقة أنصار النظام الملكي السابق ، ومن خلال هذه الإنتقادات ظهرت مجموعة من قانون العقوبات لسنة 1810 وهذه المجموعة ما زالت سارية إلى يومنا هذا في خطوطها العريضة وأهم ميمزاته :
1- تشديد العقاب : تمت العودة إلى بعض العقوبات التي كان معمول بها في السباق ومنها :
- عقوبة المصادرة العامة للأموال المحكوم عليهم ومعنى المصادرة هي أيلولة أموال المحكوم عليه عليه إلى الدولة .
- عقوبة قطع يـد قاتل أبيه قبل إعدامه .
- تمت العودة إلى عقوبة الوصم وعقوبة السجن المؤبد وعقوبة الإعدام في بعض الجرائم وفي المقابل تمت العودة للعمل بحـق العـفـو .
2- تأثره بأفكار المدرسة النفعية : واضعوا قانون العقوبات لسنة 1810 قاموا بتقديم فكرة المنفعة الإجتماعية عند تطبيق العقوبة على فكرة تحقيق العدالة ومن أمثلة ذلك أنه تبنى نظام الإعفاءات القانونية " ذلك الإعفاء من العقوبة كل من يبلغ السلطات العمومية في جرائم الإعتداء على أمن الدولة سواء كان شريكا أو فاعل أصلي " والمشرع الجزائري تأثر بهذا النظام وقد أخذ به في المادتين (92-199) من ق . ع .
3- الإعتراف بسلطة تقديرية للقاضي : قانون العقوبات لسنة 1810 تبنى موقفا وسطا بين التشدد الذي كان يمتاز به القانون القديم وبين قانون العقوبات لسنة 1791 .
تم إقرار العمل بنظام الحد الأدنى والأقصى للعقوبة لينفسح المجال للقاضي لإختيار العقوبة الأنسب تبعا لظروف الجريمة وشخصية الجاني وهذا إقرار صريح لمبدأ تفريد العقوبة الذي يعني إختيار الجزاء المناسب لكل فرد والمشرع الجزائري بطبيعة الحال أخذ بهذا المبدأ في قانون العقوبات .
مبدأ الشرعية الجنائية
التجريم والعقاب )
تمهيد: مبدأ شرعية الجرائم والعقوبات يعتبر من الركائز الأساسية التي يقوم بها قانون العقوبات في التشريعات الحديثة وهذا المبدأ وإن كان يمثل حلقة من حلقات الشرعية الجنائية ، وهذا المبدأ يعني أنه يجب على المشرع أن يحدد سلفا ما يعتبر من الأفعال الصادرة عن بني الإنسان من جرائم من خلال تحديد النموذج القانوني لكل جريمة مع بيان العقوبة المستحقة لها ، والشرعية الجنائية تحقق عدة مزايا :
1. أنها تحمي الأفراد من مخاطر التجريم والعقاب يغير النص القانوني .
2. أنها تجعلهم في مأمن من رجعية القانون و بمنأى عن هوى التفسير والقياس .
3. أنها تحمي الفرد من تعسف قد يصدر أما من القاضي نفسه أو الإدارة .
ورغم هذه المزايا أنتقد هذا المبدأ كثيرا من قبل فقهاء القنون الجنائي لأنه تسبب في أزمة لقانون العقوبات تمثلت في عجزه عن مواكبة ومجابهة مختلف صور الإجرام الحديثة المتجددة في الفقه الجنائي ولمواجهة هذه الأزمة توصل إلى إرساء بعض الأفكار التي قد تساهم بطريقة أو بأخرى في مساعدة قانون العقوبات على تجاوز هذا الإنتقاد ومن بين هذه الافكار :
- فكرة تجزئة القاعدة الجنائية .
- فكرة القاعدة على بياض .
مبدأ الشرعية الجنائية : المبدأ الذي يسود في المجتمع الدولي والمعاصر رغم أن الدول تختلف في مضمونه ونطاقه هو مبدأ سيادة القانون وهذا الأخير يعني تقيد (الخضوع) جميع أعضاء المجتمع وأجهزة الدولة بالقوانين التي تصدرها السلطة المختصة (السلطة التشريعية) وإلتزامهم بها كأساس لمشروعية أعمالهم وبم أن السلطة العامة تصبح محكومة بالقانون وبعيدة أو يملأ على أهواء ممثلها فهذا بلا شك ضمان لحقوق الأفراد وحرياتهم في موجهة السلطة ويضمن مبدأ سيادة القانون معرفة المواطنين بالقانون الواجب التطبيق كما يضمن تطبيقه على قدم المساواة عليهم وعلى جميع
أجهزة الدولة وبهذا إسـتـنـتـج مبدأ شرعية الجرائم والعقوبات ينبني على دعامتين أساسيتين وهما حماية الحرية الشخصية وهذه تمثل مصلحة خاصة وحماية المصلحة العامة وهي حماية الحرية والشخصية .
1/ حماية الحرية والشخصية : لا شك أن مبدأ شرعية الجرائم والعقوبات يعتبر بمثابة سد أو حاجز منع لكافة التحكم والتعسف ، التي مرت بها البشرية عبر التاريخ فهو يضع حدود واضحة فاصلة بينها يعتبر مشروع وغير مشروع من الأفعال حتى يكون الأفراد على بينه من أمرهم قبل إرتكاب الفعل وكذلك أن هذا المبدأ يحول دون تحكم القاضي الذي بوسعه إدانة أحدهم بالجريمة وعقابه إلا إذا سبق النص عليها في القانون وهناك مقولة مشهورة للفقيه "بيكاريا" في كتاب الجرائم والعقوبات : إن القوانين وحدها هي التي يمكن أن تحدد عقوبات الجرائم وإن هذه السلطة لا يمكن أن يتولاها سوى المشرع بذاته الذي يمثل المجتمع بأسره بمقتضى العقد الإجتماعي .
2/ حماية المصلحة العامة : ويتحقق هذا المبدأ من خلال إسناد وظيفة التجريم والعقاب إلى المشرع وحده تطبيقا لمبدأ إنفراد المشرع بالإختصاص في مسائل الحقوق والحريات .
مفهوم الشرعية :
في اللغة : الشرعية مصدرها شرع وشرع الدين بمعنى بينه وشرع الأمر جعله مشروعا ومسنونا لقوله تعالى " شرع لكم الدين .... " والشرع ما شرعه الله والشريعة هي المبادئ التي يتعين مراعتها في الأقوال والأفعال .
وفـقـهـا : القانون لم يبتعد عن هذا المعنى ويقصد به المبادئ التي تكفل احترام حقوق الإنسان وإقامة التوازن بينها وبين المصلحة العامة ويتعين علي الدولة مراعاة هذه المبادي عند ممارستها لوظائفها المختبر الدولي لرجال القانون المتعهد 1969 في نيودلهي بين أن مبدأ الشرعية عبارة علي أصطلاح يبرز إلي المثل و الخبرة القانونية العلمية التي تعارف عليها جميع رجال القانون في جزء كبير في العالم وبحسبها أن هذا المبدأيعتمد علي عنصرين:
- أنه مهما كان مضمون القانون فإن كل سلطة في الدولة هي نتاج هذا القانون وتعمل وفقه .
- افتراض أن القانون نفسه يعتمد علي مبدءأ سامي وهو مبد إحترام حقوق الإنسان .
انتهى هذا المؤتمر إلى تعريف مبدأ الشرعية كمايلي :
" هو المبدأ الذي يعبر عن القواعد و النظم و الإجراءات الأساسية لحماية الفرد في مواجهة السلطة و لتمكينه من التمتع بكرامته الإنسانية. "
مضمون:مبدأ الشرعية يختلف باختلاف مصدره
-فإذا كان مصدر هذه القواعد هو الدستور تكون أمام شرعية دستورية يقابلها التزام سلطات الدولة بمراعاتها و احترامها.
- ونكون أمام شرعية قانونية إذا كان مصدر هذه القواعد هو القانون و يقابله التزام المخاطبين بإحكامه باحترامه
- وتكون أمام شرعية جنائية إذا كان مصدره القانون الجنائي في مفهومه الواسع .
المادة 22من الدستور و التي تنص على معاقبة ممثلها في التعسف في إستعمال السلطة ونشير إلى ما نصت عليه (م64)من الدستور ( المصري1971) حيث تنص على أن سيادة القانون هي أساس الحكم في الدولة .
مضمون مبدأ الشرعية :
يخضع القانون الجنائي بمختلف فروعه إلى مبدأ الشرعية فهو يتبع الواقعة الإجرامية منذ تجريمها والعقاب عليها إلى ملاحظة مرتكبها بواسطة مختلف الإجراءات اللازمة لتقرير سلطة الدولة في العقاب إلي تنفيذ العقوبة المحكوم بها وفي جميع هذه المراحل يتولي القانون الجنائي وضع النصوص إلي تتضمن مساسا بحرية الإنسان سواء عن طريق التجريم والعقاب أو عن طريق الإجراء التي تباشر ضدها أو بواسطة تنفيذ العقوبة . والشائع عند التعبير عن مبدأ الشرعية قاعدة "لا جريمة ولا عقوبة بغير قانون" وهذا يجعلنا نعتقد بان هذا المبدأ لا يتعلق سوى بالقانون الجنائي الموضعي (قانون العقوبات و القوانين المكملة له وهو قانون موضوعي يتعلق بالتجريم والعقوبات وهذا لا يمنع من تضمنه بعض القواعد الشكلية إلا أن الصفة الغالبة هي الأولى).و ما يعزز هذا الاعتقاد ما جاء في المادة 46 من الدستور التي تنص على (لا إدانة إلا بمقتضى القانون صادر قبل ارتكاب الفعل المجرم) هذا النص الدستوري لا يخص سوى تحديد الجرائم والعقوبات من طرف المشرع غير أن هذا النص لا يمنعنا من القول بان مبدأ الشرعية يتعلق بكل من قانون العقوبات و(ق.ا.ج)و قانون التنفيذ العقابي (قانون تنظيم السجون) و بهذا نستنتج بأن لمبدأ الشرعية ثلاث حلقات
تتعلق بشرعية الجرائم و العقوبات
تتعلق بالشرعية الإجرامية
تتعلق بشرعية التنفيذ
أولا.شرعية الجرائم والعقوبات :
وتعتبر الحلقة الأولى من حلقات مبدأ الشرعية و يعبر عنها بقاعدة لا عقوبة ولا جريمة بغير قانون فقهاء القانون الجزائي يعرفونها بأنها نص التجريم الواجب التطبيق على الفعل و يعرف أيضا بأنه النص القانوني الذي يبين الفعل المكون للجريمة ويجدد العقاب الذي يفرضه على مرتكبه.
وهذه الحلقة(شرعية التجريم والعقاب) ظهرت لحماية حقوق الأفراد و حرياتهم من خطر التجريم و العقاب بغير الأداة الشرعية المعبرة عن إرادة الشعب وفي القانون وحتى تجعله في مأمن من رجعية القانون و مخاطر التفسير و القياس في التجريم والعقاب.
و شرعية التجريم والعقاب هي حلقة من حلقات الشرعية الجنائية التي يخضع لها القانون الجنائي غير أنها ليست كافية لحماية حرية الإنسان إذا قبض عليه أو حبس أو اتخذت في حقه الاجرءات اللازمة في محاكمته حتى في افتراض براءته كل إجراء يتخذ في حق الفرد دون افتراض براءته سيؤدي إلى تحميله عبئا إضافيا وهو عبء إثبات براءته ممل نسب إليه و هذه القاعدة تستمر مع الفرد منذ القبض عليه إلى غاية صدور الحكم فإذا عجز اعتبر مسؤولا عن هذا الفعل.
وهذا يبرز بوضوح قصور ما تكفله قاعدة شرعية التجريم و العقاب من حماية في ظل إمكانية المساس بحرية المتهم من غير قانون أو إمكانية إسناد هذه الجريمة إليه حتى و لو لم يثبت ارتكابه لها عن طريق افتراض إدانته لذلك يتعين استكمال الحلقة الأولى من حلقة الشرعية الجنائية بحلقة ثانية تحكم وتنظم الاجرءات التي تتخذ ضد المتهم على نحو يضمن احترام حريته الشخصية وهذه الحلقة تسمى بالحلقة الإجرائية.
ثانيا.الشرعية الإجرائية : الشرعية الإجرائية تمثل الحلقة الثانية من حلقات مبدأ الشرعية الجنائية وتعتبر كذلك إمتداد لمبدأ شرعية الجرائم والعقوبات , إن لم تكن أخطرمنها .
والشرعية الإجرائية هي الإطار الخارجي الذي لا يمكن تطبيق القاعدة الموضوعية تطبيقا سليما إلا عن طريق هذه الحلقة التي تكفل إحترام الحرية الشخصية للمتهم من خلال إشتراط ما يلي :
1. أن يكون القانون هو المصدر الوحيد للتنظيم الإجرائي .
2. إفتراض براءة المتهم في كل إجراء من الإجراءات التي تتخذ في حقه .
3. أن يتوافر الضمان القضائي في الإجراءات .
تقوم الشرعية الإجرائية على ثلاث عناصر وهي :
1- أن الأصل في المتهم البراءة : ويجب أن يتعامل على هذا الأساس بحيث لا يجوز تقييد حريته في الغدووالرواح إلا في إطار من الضمان الدستورية والقانونية اللازمة لحمايتها ومن أمثلته" قاضي التحقيق يستطيع يأمر بوضعك في الحبس المؤقت" و ق . إ . ج منح للمتهم أيضا إستئناف هذا الأمر .
2- إذا كان من القواعد الثانية في قانون العقوبات أنه " لاجريمة ولا عقوبة بغير القانون " فإن الأمر كذلك بالنسبة ل ( ق . إ . ج ) : فلا إجراء بدون قانون ( هذه محددة ) .
هذه الإجراءات تتحدد وتتنوع بحسب مركزه في القانون .
3- ضرورة إشراف القضاء على جميع هذه الإجراءات : بوضعه الحارس الطبيعي والأمين للحقوق والحريات .
* الشرعية الإجرائية تقتضي معاملة المتهم في الجريمة بوصفة شخصا بريئا مهما كانت درجة جسامة هذه الجريمة المرتكبة إلى غاية صدور حكم قضائي نهائي عن جهة قضائية مختصة يثبت نسبة هذه الجريمة إليه .
يترتب على تمتع الشخص بقرينة البراءة إعفاؤه من إثبات براءته ووجوب تفسير كل شك لمصلحته . والمقصود أن عبئ الإثبات يقع على من يدعيه (وهي النيابة) . وإذا قضي بإدانته سقطت عنه قرينة البراءة وأصبح المساس بحياته أو بحريته أو بذمته المالية أمرا مشروعا بحكم القانون , وهذا المساس ليس مطلقا بل يجب أن يتحدد نطاقه الطبيعي وفقا للهدف من الجزاء الجنائي وهذا يبرز لنا أهمية الحلقة الثالثة من حلقات الشرعية الجنائية التي تتمثل في شرعية التنفيذ العقابي .
ثالثا. شرعـية التنفيذ العقابي :
تمثل الحلقة الثالثة من حلقات مبدأ الشرعية الجنائية و مقتضاها هو إجراء التنفيذ و فقا للكيفية التي حددها القانون على أن يكون هدفه هو إصلاحالمحكوم عليه و تقويمه و ضمان حقوقه وكل هذا يتم تحت إشراف القضاء ورقابته
الإهتمام بحقوق الإنسان على مستوى مرحلة التنفيذ لم يبدأ بصورة علمية الإستجابة لأفكار تيار الدفاع الإجتماعي وما طرحته من أفكار
وتماشيا مع هذا التيار الأمم المتحدة أصدرت القواعد النموذجية الدنيا لمعاهلة السجناء الذي أقرها المجلس الإقتصادي و الإجتماعي سنة(1975-1977) وهذه القواعد الدنيا تبنتها الجمعية العامة للأمم المتحدة وأوصت بتطبيقها و أصدرت حولها قرارين:
1-القرار(2858)الصادر في 20/12/1971
2-القرار(3208)الصادر في 06/11/1974
هذه القواعد تناولت عدة مسائل من بينها مسألة شرعية الـتـنـفـيـذ العقابي , حيث بينت المبادئ التي يجب تطبيقها خلال هذه المرحلة لإحترام الحد الأدنى للمحكوم عليه داخل السجن وأوصت كذلك بضرورة إدراج هذه القواعد في قانون وحده بإعتباره أصلح وسيلة وأنجح أداة لتنظيم الحريات .
شرعية التنفيذ العقابي تقوم على ضابطين هما :
1. ضرورة تحديد أساليب التنفيذ وضمناته وأهدافه بقانون : لأن الذي يسمح بالمساس بالحرية هو القانون وحده بإعتباره المعبر عن الإرادة العامة للشعب .
2. ضرورة إخضاع العقوبة تحت إشراف قاضي يسمى قاضي التنفيذ : ومن هنا نلاحظ أن شرعية التنفيذ لها من أهمية, ما لشرعية التجريم والشرعية الإجرائية من أهمية وهي تعبير عن توازن بين حقوق المجتمع وحقوق المحكوم عليه .
نشأة مبدأ الشرعية
مبدأ الشرعية لم يظهر إلا في وقت الذي حددت فيه سلطات الدولة وأنفصلت عن بعضها البعض حيث نجد : أوامر الملك في عهد الملكية المطلقة تتمتع بقوة القانون وتطبق كذلك , فالملك كان يمتلك سلطة التطبيق وتجريم الأفعال بمطلق إرادته , وفي القرون الوسطى كذلك كان القضاة يملكون سلطة تحكيمية في تجريم الأفعال والعقاب عليها وإستمر هذا الوضع إلى غاية إشتداد الإنتقادات التي أيدها كثير من الفلاسفة والكتاب والأدباء لهذا لهذا التحكم .
القانون الإنجليزي إعتمد على شرعية الجرائم والعقوبات بصدور ميثاق "هنري الأول" ثم تبعه دستور كل "كلاريدون" ثم أكده بعد ذلك العهد الأعظم الذي أصدره الملك جون سنة 1215 .
هذا العهد نصت عليه المادة 29 منه على أنه " لا يمكن إنزال عقاب ما بأي إنسان حر إلا بمحاكمة قانونية من أنداده طبقا لقانون البلاد .
مبدأ الشرعية أكدته (المادة 07) و(المادة 08) من إعلان حقوق الإنسان والمواطن الذي جاء في أعقاب الثورة الفرنسية 29 أوت 1789
كذلك تم تكريس مبدأ الشرعـية ونجد (المادة 11) من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان وكذلك (المادة 15) من العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية و(المادة 06) و(المادة07) من الميثاق الإفريقي لحقوق الإنسان .
نستخلص من هذه النصوص أن مبدأ الشرعية يعتبر من حقوق الإنسان ذات الطابع العالمي التي يقوم عليها وهو كذلك من القيم التي يقوم عليها أي نظام ديمقراطي .
* المشرع الجزائري تبنى مبدأ الشرعية في (المادة 01) من (ق . ع) وتبناه كذلك في (المادتين 02 و03) وأعطى لهذا المبدأ قيمة دستورية بحيث أن كل الدساتير الجزائرية المتعاقبة نصت على هذا المبدأ "بداية من دستور 1963 إلى دستور 1976 إلى دستور 1989 وكذلك دستور 1996) هذا المبدأ كرسته (المادة 46) من الدستور و(المادة47) و(المادة 140) و(المادة 142) و(المادة 45) .
قانون العقوبات الفرنسي أفرد مبدأ الشرعية نصا مستقلا وصريحا هو (المادة 111/03) التي تنص على أنه" لا يعاقب أحد على جناية أو جنحة مالم تكن أركانها محددة بمقتضى اللائحة " .
* بعض الفقه يرى بأن أحسن مكان لتقنين مبدأ الشرعية هو الدستور أما النص عليه في قانون العقوبات فهو تزيد لا لزوم له .
فمبدأ الشرعية يمثل أهم المبادئ التي تكفل الحرية الشخصية ومن ثم يتعين على المشرع الدستوري أن يكفل له هذه الحماية بموجب نصوص الدستور وذلك بترقيته ضمن المبادئ الدستورية بإعتباره أسمى وثيقة قانونية في الدولة . وحتى لا يقدم المشرع العادي على مخالفته في قانون العقوبات أو القوانين الملحقة به .
سؤال مطروح : هل يستطيع القاضي أن يمتنع عن تطبيق نص جنائي بحجة مخالفته أحكام الدستور ؟
لكي نجيب عن هذا السؤال فهناك نقاط يجب أن نفصل فيها :
1. مدى إمكانية صدور نص قانوني مخالف للدستور فنقول كقاعدة عامة إن إحتمال صدور نص قانوني مخالف للدستور وإن كان واردا إلا أنه نادر الحصول للأسباب التالية :
- أن النص القانوني قبل صدوره في صورته النهائية يمر بعدة محطات وكل واحدة منها تعتبر بمثابة مصفاة لهذا القانون من كل الشوائب أو العـيوب ومخالفة أحكام الدستور واحدة منها .
- من النادر جدا أن يصدر قانون في صورته النهائية يكون مخالفا للدستور .
- لا يستطيع القاضي أن يمتنع عن تطبيق نص جنائي بحجة مخالفته أحكام الدستور لأن مهمة القاضي هي تطبيق القانون وليس فحص مدى مطابقته للدستور لأن هذه المهمة ليست من إختصاصاته ويكون قد تجاوز إختصاصه وتدخل في إختصاصات هيئات أخرى إضافة إلى إرتكابه جريمة إنكار العدالة في حقه .
مقتضى مبدأ الشرعية :
يقتضي مبدأ الشرعية أن سلطات الدولة الثلاثة (قضائية ، تنفيذية ، تشريعية) يجب عليها في كل أعمالها وتصرفاتها أن تراعي هذا المبدأ فالقاضي مثلا " لا يملك سلطة تجريم فعل أو توقيع عقوبة لم يرد بشأنها نص وكما لا يستطيع إستعمال القياس " .
بمعنى أن القاضي لا يملك حق خلق جريمة جديدة أو خلق عقوبة جديدة لجريمة قائمة لأن هذا من إختصاص السلطة التشريعية التي يجب أن تحرص عـند وضعها لهذه القواعد على أن تكون ذات مفعول فوري ومباشر وليس رجعي .
كما لا تملك السلطة التنفيذية مباشرة هذا الإختصاص دون تفويض من السلطة التشريعية لأن الأصل أن التجريم والعقاب طبقا لمبدأ الشرعية هو إختصاص للسلطة التشريعية ، غير أن للسلطة التنفيذية إستثناءا الحق في ممارسة هذا الإختصاص وفي حدود ضيقة بناءا على تفويض السلطة التشريعية .
وبناءا على هذا يتعين على السلطة التشريعية أو السلطة التنفيذية التي فوض إليها إختصاص التشريع أن تنص مقدما على ما يعد من الأفعال جرائم معاقب عليها وأن تجتهد في جعل صياغة هذه النصوص موضحة كل أركان الجريمة والعقوبة المقررة لها نوعا ومقدارا وإن لم يكن فيها بيان كيفية تقديرها ويجب أن يكون النص القانوني للمستقبل وليس للماضي إعمالا لقاعدة عدم رجعـية القوانين .
هنا نلاحظ وجود إختلاف بين القانون الجنائي الوضعي والتشريع الإسلامي بحيث يمكن لولي الأمر أن يشرع في مجال الجرائم التعزيرية التي يرد بشأنها نص .
مصادر الشرعية الجنائية : يجب التفريق بين مصادر الشرعية الجنائية كمبدأ و كتطبيق .
إذا تكلمنا على الشرعية الجنائية كمبدأ فمصادرها واضحة على إختلاف تدرجاتها ، أسمى وثيقة في الدولة وهي الدستور والمعاهدات الدولية والمواثيق ، نصوص القانون بمختلف أنواعه .
إذا تكلمنا : - الشرعية الإجرائية (قانون الإجراءات الجزائية) .
- الشرعية الموضوعية (قانون العقوبات والقوانين المكملة) .
- شرعية التنفيذ العقابي (قانون السجون) .
إذا نصينا على مبدأ الشرعية كتطبيق وليس كمبدأ ، المعني به فقط هو نصوص القانون وإستثناءا اللوائح الصادرة على السلطة التنفيذية إذا أحال عليها القانون .
كذلك يرجع القاضي الجنائي إلى اللوائح إذا أحاله القانون صراحة إليها .
مقتضى مبدأ الشرعية :
فلسفة المبدأ : مبدأ شرعية التجريم والعقاب يقوم على دعامتين أساسيتين وهما :
حماية المصلحة العامة وحماية الحرية الشخصية (المصلحة الخاصة) .
* فيما يتعلق بحماية الحرية الشخصية : هذا المبدأ جاء كعلاج ضد التحكم الذي ميز العـدالة الجنائية زمنا طويلا فهو يضع حدودا فاصلة لللأفراد بين ما يعتبر مباحا وما يعتبر مجرما قبل إرتكاب الفعل وبهذا نضمن طمأنينة وحماية الأفراد من تعسف الأفراد ونضمن كذلك بعدم إدانة شخص عن فعل منسوب إليه وعقابه عليه إلا إذا سقط تجريم هذا الفعل في قانون العقوبات .
بعض التشريعات مثل التشريع الإيطالي والإسباني والفرنسي والجزائري أخذت بمبدأ الإنفراد المطلق للتشريع الجنائي في تحديد الجرائم والعقوبات وعدم إعطاء هذه الصلاحية للوائح الصادرة عن السلطة التنفيذية إلا في حدود ضيقة مثال " المادة 122 ف7 " من الدستور الجزائري منحت صلاحية التشريع في مجال تحديد الجنايات والجنح للسلطة التنفيذية وسكتت عن المخالفة وهذا يفهم ضمنيا أن السلطة التنفيذية بوسعها أن تشارك السلطة التشريعية في مجال المخالفات إضافة على ما نص عليه قانون العقوبات أو بعض القوانين الخاصة فيما يتعلق بمسألة التفويض والإحالة .
نلاحظ أن مبدأ الشرعية هو من المبادئ التي تلتزم بها الدولة القانونية على خلاف الدولة البوليسية ويعد ضمانة مهمة لعدم إنتهاك حقوقهم وحرياتهم في مواجهة الدولة .
* فيما يتعلق بالصحة العامة : هذا المبدأ يتحقق عن طريق إسناد وظيفة التجريم والعقاب إلى المشرع وحده تطبيقا لمبدأ إنفراد المشرع بالإختصاص في التشريع في مسائل الحقوق والحريات لأن القيم والمصالح التي يقوم عليها المجتمع والتي يحميها القانون لا يمكن تحديدها إلا بواسطة ممثلي الشعب وعلى هذا النحو يعرف المواطنون سلفا ما هي القيم والمصالح التي ينبني عليها المجتمع والتي يقوم قانون العقوبات بحمايتها وهذا بلا شك يسهم في تنمية الروح الإجتماعية لدى الأفراد ويحقق التماسك الإجتماعي ويعزز جو الثقة بين الدولة والشعب وكل هذا ينتج عنه تحقيق الإستقرار الذي يقوم عليه الأمن القانوني .
ومن جهة أخرى فالأوامر والنواهي والجزاءات التي يتضمنها قانون العقوبات تسهم في تحقيق الردع لا سيما العام منه وفي هذا يقول الفيلسوف مونتسكيو "إن فاعلية العقوبة تقاس بمقدار خشية العقاب التي تقاس بدورها بمقدار التأكد من توقيع العقوبة والإحاطة بها سلفا" .
النتائج المترتبة على مبدأ الشرعية الجنائية : يترتب عليه ثلاث نتائج مهمة وهي :
1. إنفراد التشريع بتحديد الجرائم والعقوبات .
2. إتباع قواعد خاصة عند تفسير القاعدة الجنائية .
3. عدم رجعية القاعدة الجنائية إلى الماضي .
أولا. إنفراد التشريع في تحديد الجرائم والعقوبات :
بمقتضى العقد الإجتماعي وبإعتبار أن السلطة التشريعية تمثل المجتمع بأسره فإن مبدأ الشرعية يعتمد على هذه السلطة في تحديد الجرائم والعقوبات .
1/ إنفراد التشريع في إطار مبدأ الشرعية :
مبدأ الشرعية الجنائية هو ثمرة كفاح طويل ضد إستئثار السلطة الحاكمة بجميع السلطات ونتيجة للصدمات العديدة والثورات المتعاقبة أثمرت في النهاية إلى تأكيد سيادة الشعب وإستئثار البرلمان بسلطة التشريع بكل ما يتعلق بالحقوق والحريات ، وأحد المفكرين عبر عليه " إن سيادة البرلمان تـنـبع من سيادة الشعب " هذا التطور الملحوظ كانت نتيجة بروز مبدأ يتمثل في مبدأ سيادة القانون بما في ذلك الدستور وهذا نجد إنحراف السلطة وتحكمها وضمن هذا المبدأ يتعين تحديد دور السلطة التشريعية بالمقارنة مع دور السلطة التنفيذية لأن كل منهما سلطة سن قواعد قانونية .
الأولى : في صورة التشريع .
الثانية : في صورة لائحة .
ومن هذا المطلق يجب توزيع الإختصاص بين هاتين السلطتين في إطار مبدأ الشرعية وسيادة القانون ، فجميع السلطات في الدولة تخضع للدستور فيتعين على السلطة التشريعية أن تلتزم بمضمون قواعد الدستور المتعلقة بالحقوق والحريات وذلك بضمانها فيما تقرره من تشريعات ، كما يتعين على السلطة التنفيذية تمكين الأفراد من ممارسة حقوقهم وحرياتهم وتخضع فيما تسنه من لوائح إلى التشريعات الصادرة للسلطة التشريعية ومن هذا نخلص إلى أن مبدأ تدرج القواعد القانونية يعتبر سمة من سمات مبدأ الشرعية وسيادة القانون ولهذا كان من الطبيعي جدا أن يستأثر التشريع الصادر عن السلطة التشريعية بضمان الحقوق والحريات وكل تدخل بشأنها يجب أن يكون من عمل المشرع أي بموافقة أصحاب الحقوق والحريات .
2. ماهية مبدأ إنفراد التشريع :
ويقصد بهذا المبدأ إختصاص المشرع لوحده بمعالجة المسائل التي تدخل في إختصاصه وبالتالي فهو لا يملك التنازل أو الإفلات من مسؤوليته في توفير ضمانات ممارسة هذه الحقوق والحريات وينتج عن هذا أن السلطة التنفيذية لا تستطيع من خلال اللوائح معالجة المسائل التي تدخل في إختصاص المشرع وإن كان هذا الوضع لا يصادر حقها في تنظيم وتنفيذ ما أقره المشرع ويهدف مبدأ إنفراد التشريع إلى جعل مسألة تنظيم الحقوق والحريات مسألة تتم بواسطة ممثلي الشعب والحيلولة دون تدخل السلطة التنفيذية في ذلك دون موافقة أو إذن السلطة التشريعية .
3. نطاق إنفراد التشريع :
بإعتبار التشريع مصدرا من أقوى سلطات الدولة وأقدرها على تقدير الصالح العام فهو الذي يضمن إيجاد توازن بين الحقوق من جهة والمصلحة العامة من جهة أخرى وبهذا لا يجوز له أن ينال بتلك الحريات بما يقلص من محتواها أو يجردها من خصائصها أو يقيد من آثارها ففي حكم شهير لمجلس الدولة الدولة المصري وبعد أن أقر بهذا المبدأ في مجال الحقوق والحريات قضى بأنه " الحريات العامة إذا أجاز الدستور تقييدها فإنها لا تقيد إلا بتشريع " ويجمع فقهاء القانون الدستوري يتفقون بما أن الضمانات المقررة للحقوق هي عبارة عن نصوص تسمو إلى مرتبة خاصة ففي هذه الحالة يجب أن تكون القيود التي ترد عليها قيودا يقررها القانون .
فكرة إنفراد التشريع تطورت لتشمل مسائل أخرى غير تنظيم الحقوق والحريات مثل تنظيم السلطات العامة في الدولة وكل ما هنالك أن المشرع يتدخل في المجال المخول له قانونا التشريع فيه كما يجب أن يكون تدخله هذا بالكيفية المحددة قانونا وأن يكون هدفه تحقيق المقاصد التي عبر عنها ، وبناءا على ما تقدم يمكن تحديد مظاهر إنفراد التشريع في ثلاث نقاط :
- أن الإنفراد يتعلق بالحقوق والحريات وغيرها من المجالات التي حددها الدستور .
- أن هذا الإنفراد يتحدد بأهداف معينة عبر عنها الدستور وبالتالي لا يجوز للسلطة التقديرية للمشرع أن تتجاوزها أو تنحرف عنها في الكيفية التي يباشر فيها إختصاصه الفريد .
- أنه إنفراد مانع يحول دون مشاركة السلطة التنفيذية فيه عن طريق اللوائح إلا في الحدود التي ينص عليها التشريع طبقا للدستور .
مبدأ الشرعية وحقوق الدفاع :
الأسس التاريخية: أثبتت الدراسات التاريخية أن ق . ع ظهر وتطور بتطور ضمن نفس الأوضاع التي ظهرت بها الإنسانية القديمة وتطورت بها . وبالرجوع إلى الوراء لعدم تشكل الدول بشكلها الحديث ،حق العقاب يعود إلى السلطة التي تسود تلك الجماعة وكان يقتصر على بعض الجرائم التي تؤثر على القيام وإستمرار ديمومة الجماعة ومن أمثلتها " خيانة الجماعية التي ينتمي إليها والفرار من مقاتلة الأعداء ......" ويقوم بتوقيع العقوبة من يملك السلطة على الجماعة . أما باقي الجرائم : السرقة ، كانت تعود إلى الخلية التي ينتمي إليها " الأسرة ، القبيلة ، العشيرة....."
ونـمـيـز بـيـن نـوعـيـن :
إن كان من الجماعة أو خارجها (غريب ) ، إن كان من الأسرة تعود إلى رب الأسرة أي العقاب وتوقع على كل من يقع تحت سلطته وهي القتل أو الطرد أو النفي وهي أخطر عقوبة لإنها تعرضه (الجاني) إلى إسترقاق إلى حال مباح للغير .
أما إن كان غريب أتبعـت سياسة الإنتقام من جماعة الجاني ومن خصائص هذا الإنتقام أنه كان جماعي ليس ضد جاني فقط وهذا يسبب في نشوب حروب طويلة وقاسية ومريرة تنتهي بالقضاء على الجماعة الضعيفة وإسترقاق ما بيقي منها من احياء وهي مرحلة العقوبة الخاصة . وبعد التطور وتفاديا للحروب والنزاعات ظهر ما يسمى بنظام الفدية الإختيارية وهنا يشترط قبول المجني عليه بها وإلا فلا بديل عن الإنتقام ، ونلاحظ أن فكرة العقوبات بدأت بالتطور والعقوبة هي المقابل المادي الذي جب على الجاني تحمله والعقوبة يقصد بها المقابل على الجريمة ولما ظهرت سلطة الدولة وأصبح لا سلطة في مقبل سلطة الأفراد ، حاولت هذه الأخيرة أن تقيد ممارسة القضاء الخاص (النظام الإتهامي)
أي محاولة تقييد من الممارسة ، وفرض القيود بعض القيود منها :
1/ الحد من سلطة رب الأسرة ولا سيما الموت الذي يقع على أفراد الأسرة .
2/ القصاص والتي تقتضي المماثلة بين الجرم والعقاب الموقع وسعـيا من الدولة للحد من الأنتقام الجماعي قصد توقيع العقاب على الجاني وحده "المسؤولية الجنائية" دون باقي أسرته .
3/ إعترفت الدولة لجماعة الجاني بحقها في تسليمه إلى جماعة المجني عليه (المقتول) للقصاص منه خشية وقوع الإنتقام وعرف بنظام التخلي " ويمثل الإنتقال من مسؤولية الجماعة على فعل الفرد إلى المسؤولية الفردية عن فعل الفرد " .
4/ لما تطورت سلطة الدولة إشترطة تحويل الفدية الإختيارية إلى إجبارية أي التخلي نهائيا عن فكرة الإنتقام بحيث يلتزم الجاني بدفع الفدية وعلى المجني عليه قبولها ولتفادي عدم إتفاق العائلتين تدخلت الدولة وقدرت مبلغ الفدية لكل جريمة .
كيف كان مبلغ الفدية يقدر أول مرة : كان التقدير يعود للعائلتين (الجاني-والضحية) ولتفادي عدم إتفاق العائلتين تدخلت الدولة وقدرت مبلغ الفدية لكل جريمة ملزمة للجميع بالخضوع لهذا التقدير وهذا ما نلاحظه في قانون الألواح 12 وهذه هي مرحلة العقوبة الخاصة ، العقوبة تقرر لمصلحته ، العقوبة تقرر لإرضاء المجني عليه ولم تكن تقرر للمصلحة العامة وما تتدخل الدولة إلا في حالات نادرة من أجل تحديد الفدية .
مرحلة العقوبة العامة : حلت مرحلة العقوبة الخاصة والسبب يرجع إلى ازدياد نفوذ الدولة وامتداد نشاطها إلى كثير من المسائل بواسطة وسيلتين :
1- تتمثل في توسيع دائرة الجرائم العامة ، حيث أن الدولة أو من يمثلها في الجماعة كان يحتفظ لنفسه في بعض الجرائم كالخيانة ، الفرار ، ثم أدخل إلى دائرة الجرائم الأخرى ثم توسعت هذه الدائرة شيئا فشيئا إلى أن أصبحت كل الجرائم الخطرة ، جرائم عامة .
2- تفويض مبادئ العقوبة الخاصة ، تدخلت الدولة وفرضت ضريبة على الفدية التي كان يأخذها المجني عليه ثم بدأ نصيب الدولة يزداد شيئا فشيئا إلى أن أصبحت كلها للدولة ، اقتصر حق المجني عليه في طلب التعويض المدني على الأضرار التي لحقت به من فعل الجاني ، في فرنسا مثلا منذ القرن 17 اختفت العقوبة الخاصة الشيء الذي ساعد على ذلك هو تطبيق القانون الكنسي وهذا الأخير يعمل بمبدأ الجزاء العادل والذي يعني إيجاد تناسب مابين الجرم المرتكب والجزاء الموقع ، بعد ذلك ظهرت فكرة الاهتمام بشخص الجاني وهذا يقتضي أن شدة العقوبة تختلف في كل الجرائم بحسب شخصية الجاني ، وهذا أساس ظهور نظام تفريد العقوبة والجزاء المناسب لكل شخص بحسب ظروفه وهذا المبدأ من المبادئ الأساسية في السياسات الجنائية الحديثة .
التطورالتاريخي لقانون العقوبات الفرنسي :
قبل الثورة الفرنسية لم يكن لفرنسا قانون جنائي واحد فقط إلا ما يتعلق بالإجراءات وبالتالي كان مصدر التجريم يتمثل في : العرف وبعض الأحكام المشوهة المأخوذة من بعض المنشورات الملكية ، إرادة الملك كانت هي المصدر الأساسي والرسمي للعقوبة وكان الملك يملك سلطة إنشاء محاكم في بلاطه وله أيضا سحب دعوى معروضة أمام القضاء لعرضها في بلاطه وله أيضا وقف إجراءات الدعوى والعفو وإلغاء العقوبة الصادرة من القضاء أخطر من هذا كان الملك يملك سلطة توقيع العقاب على من يشاء وحتى بدون وقوع فعل معاقب عليه ولهذا نجد أن النصوص كانت تتصف بالقسوة والإستبداد لما يملكه الملك على سلطات القضاء والدعوى الجنائية .
القضاء الجنائي : كان يملك سلطة توقيع العقاب لجرائم صدرت بها تشريعات وكان مقتضاء كذلك الحق في العقاب عن أفعال لم تجرمها نصوص قانونية ، هنا القاضي يقوم بتعريف الجريمة بالطريقة التي يراها ثم يختار الجزاء المناسب .
تطور قانون العقوبات الفرنسي :
خلال ق 18 بدأت تجتاح أوروبا ثورة فكرية منددة بقسوة العقوبات وتعذيب المتهمين والإجراءات القضائية التعسفية وكان لبعض المفكرين دورهم في تطور قانون العقوبات ، حيث أعتبروه وسيلة من وسائل الملكيات المطلقة المستبدة من بين هؤلاء "جون جاك روسو" : يرى أنه يجب تخفيض القدر الذي يتنازل عنه الفرد من سلطة إجتماعية إلى الحد الضروري عند إنتقال الفرد من الحالة الطبيعية إلى الحالة المدنية . "فولتير" : أثار الرأي العام ضد قسوة العقوبات وأخطاء القضاء والتشريع الجنائي . "مونتسيكيو" روح القانون : إنتقد أحكام جنائية معينة وإنتقد العقوبات المخلة بأدمية الفرد (الكي......) وكان من المنادين بقانون يؤمن حرية الإنسان . "بيكاريا" : ألف كتاب يعتبر حدثا مهما في تاريخ قوانين العقوبات لإنه جاء بأفكار جديدة ومتقدمة في عصره ، نجد في الكتاب جزئين ، جزء نقدي وجزء بناء في الجزء النقدي إنتقد أحكام قانون العقوبات وإجراءاته التي كان معمولا بها وطلب الإبتعاد عن قسوة العقوبة ، كذلك طالب بإلغاء التعذيب الذي كان عبارة عن عقوبة توقع على المحكوم عليهم بالإعدام ، كذلك إلغاء عقوبة الإعدام وقصرها على الجرائم السياسية وفي الأخير طالب بمبدأ شرعية العقوبة ، وتبرير " بيكاريا " يعود إلى نظرية العقد الأجتماعي فيقول أن حق العقاب هو ذلك الحق الذي تنازل عنه الفرد لسلطة مقابل إنتقاله من الحياة الطبيعية إلى الحياة المدنية لذلك يجب أن لا تتعدى العقوبة القدر اللازم على مصالح المجتمع وإلا أصبحت ظالمة لذلك كما يرى "بيكاريا" فإن العقوبة ليس هدفها الإنتقام ولا محور الجريمة وإنما منع الجاني من العودة إلى الجريمة (ردع خاص) إلى وصرف الأخرين من إرتكابها (ردع عام) .
الثورة الفرنسية وقانون العقوبات:
تكونت جمعية تأسيسية من أجل صياغة قانون عقوبات جديد ولكن على مبادئ وأسس جديدة وذلك لتجنب العيوب التي أثيرة حول قانون العقوبات القديمة ومن أهم ما قامت به الجمعية التأسيسية مايلي :
1. إصدار قانون العقوبات : بالنسبة للجرائم البسيطة(الجنح والمخالفات) قننت بقوانين(19 و20) جويلية 1791 بالنسبة للجنايات صدر بشأنها مجموعة قانون العقوبات الصادر بقوانين 25 سبتمبر و 6 أكتوبر 1791 .
2. إعلان مبدأ شرعية الجرائم والعقوبات : إعلان حقوق الإنسان المواطن الذي جاء في أعقاب الثورة الفرنسية نص (المادة 8) منه على مبدأ شرعية الجرائم " لا يمكن أن يعاقب الشخص إلا بمقتضى قانون صادر قبل وقوع الجريمة ويشترط أن يطبق بطريقة قانونية "ونستخلص من هذا المادة أنه يجب تبين الجرائم والعقوبات المقررة لها وهذا يقضي على كل إستبداد ويستبعد سلطة القاضي والحاكم في مسألة التجريم والعقاب .
3. القضاء على عدم المساواة في مسائل التجريم : المبدأ القانوني هو مساواة الجميع أمام القانون وعملا بهذا المبدأ حددت عقوبات ثابتة لمختلف الجرائم بمعنى أنها ليس لها حد أدنى أو أقصى وبهذا أنتزعت من القاضي سلطة تقدير العقوبة بحسب جسامة الفعل وظروف الجاني .
أبعد من هذا وعملا بمبدأ المساواة أمام القانون وألغي حق العفو كما ألغيت العقوبات المؤبدة التي كانت تقترن بالعفو وهذا حتى لا تصبح العقوبة غير منتهية ، كذلك تم إعتماد مبدأ شخصية العقوبة بمعنى أن العقوبة لا تمس سوى شخص الجاني بحيث لا تتعدى إلى أسرته وتنتهي بوفاته ولا تتعرض جثته ألى أي عقوبة .
4. النزعة الإنسانية في العقوبة : ألغيت جميع العقوبات البدنية السابقة والتي كانت تتنافى مع الكرامة الأنسانية كالتعذيب وبتر الأعضاء والجلد والدمغ عن طريق الـكـي وتسمى كذلك بالوصم ، أضف إلى هذا تم تخفيف حالات الإعدام حيث كانت تطبق في 115 حالة وخففت إلى 32 حالة وألغيت العقوبات المؤبدة لتحل محلها العقوبات المؤقتة .
قانون العقوبات لسنة 1810 :
ظهر نتيجة عدم كفاية قانون 1791 في نواحي وفشله في نواحي أخرى ، وأسباب فشل قانون العقوبات لسنة 1791 تتمثل فيمايلي :
1- إن هذا القانون قرر عقوبات موحدة للجناة الذين يرتكبون نفس الفعل تحت ذريعة المساواة بينهم فالقاضي كان ليس له أي دور في تخفيف أة تشديد العقوبة بالنظر لشخصية الجاني وظروفه فالقاضي أصبح عبارة عن آلة توزع العقوبات
2- إلغاء حق العفو الذي كان الملك يتمتع به وعن طريقه يستطيع أن يخفف العقوبة إذا تطلب الأمر ذلك .
3- إلغاء العقوبات المؤبدة وتعويضها بالعقوبات المؤقتة كان يجب أن يصاحبه إصلاحا وتعديلا في نظام السجون التي بينت خصيصا للعقوبات البدنية والمؤبدة وهذا يتطلب الوقتا بعد إصدار القانون .
4- عقب الثورة الفرنسية شهدت فرنسا موجة إجرام كبيرة حيث كثرة أعمال النهب والسطو وما إلى ذلك ومن الأمور التي ساعدت على ذلك تخفيف العقوبات وكذلك إنشغال رجال الثورة أو رجال الأمن بتتبع ملاحقة أنصار النظام الملكي السابق ، ومن خلال هذه الإنتقادات ظهرت مجموعة من قانون العقوبات لسنة 1810 وهذه المجموعة ما زالت سارية إلى يومنا هذا في خطوطها العريضة وأهم ميمزاته :
1- تشديد العقاب : تمت العودة إلى بعض العقوبات التي كان معمول بها في السباق ومنها :
- عقوبة المصادرة العامة للأموال المحكوم عليهم ومعنى المصادرة هي أيلولة أموال المحكوم عليه عليه إلى الدولة .
- عقوبة قطع يـد قاتل أبيه قبل إعدامه .
- تمت العودة إلى عقوبة الوصم وعقوبة السجن المؤبد وعقوبة الإعدام في بعض الجرائم وفي المقابل تمت العودة للعمل بحـق العـفـو .
2- تأثره بأفكار المدرسة النفعية : واضعوا قانون العقوبات لسنة 1810 قاموا بتقديم فكرة المنفعة الإجتماعية عند تطبيق العقوبة على فكرة تحقيق العدالة ومن أمثلة ذلك أنه تبنى نظام الإعفاءات القانونية " ذلك الإعفاء من العقوبة كل من يبلغ السلطات العمومية في جرائم الإعتداء على أمن الدولة سواء كان شريكا أو فاعل أصلي " والمشرع الجزائري تأثر بهذا النظام وقد أخذ به في المادتين (92-199) من ق . ع .
3- الإعتراف بسلطة تقديرية للقاضي : قانون العقوبات لسنة 1810 تبنى موقفا وسطا بين التشدد الذي كان يمتاز به القانون القديم وبين قانون العقوبات لسنة 1791 .
تم إقرار العمل بنظام الحد الأدنى والأقصى للعقوبة لينفسح المجال للقاضي لإختيار العقوبة الأنسب تبعا لظروف الجريمة وشخصية الجاني وهذا إقرار صريح لمبدأ تفريد العقوبة الذي يعني إختيار الجزاء المناسب لكل فرد والمشرع الجزائري بطبيعة الحال أخذ بهذا المبدأ في قانون العقوبات .
مبدأ الشرعية الجنائية
تمهيد: مبدأ شرعية الجرائم والعقوبات يعتبر من الركائز الأساسية التي يقوم بها قانون العقوبات في التشريعات الحديثة وهذا المبدأ وإن كان يمثل حلقة من حلقات الشرعية الجنائية ، وهذا المبدأ يعني أنه يجب على المشرع أن يحدد سلفا ما يعتبر من الأفعال الصادرة عن بني الإنسان من جرائم من خلال تحديد النموذج القانوني لكل جريمة مع بيان العقوبة المستحقة لها ، والشرعية الجنائية تحقق عدة مزايا :
1. أنها تحمي الأفراد من مخاطر التجريم والعقاب يغير النص القانوني .
2. أنها تجعلهم في مأمن من رجعية القانون و بمنأى عن هوى التفسير والقياس .
3. أنها تحمي الفرد من تعسف قد يصدر أما من القاضي نفسه أو الإدارة .
ورغم هذه المزايا أنتقد هذا المبدأ كثيرا من قبل فقهاء القنون الجنائي لأنه تسبب في أزمة لقانون العقوبات تمثلت في عجزه عن مواكبة ومجابهة مختلف صور الإجرام الحديثة المتجددة في الفقه الجنائي ولمواجهة هذه الأزمة توصل إلى إرساء بعض الأفكار التي قد تساهم بطريقة أو بأخرى في مساعدة قانون العقوبات على تجاوز هذا الإنتقاد ومن بين هذه الافكار :
- فكرة تجزئة القاعدة الجنائية .
- فكرة القاعدة على بياض .
مبدأ الشرعية الجنائية : المبدأ الذي يسود في المجتمع الدولي والمعاصر رغم أن الدول تختلف في مضمونه ونطاقه هو مبدأ سيادة القانون وهذا الأخير يعني تقيد (الخضوع) جميع أعضاء المجتمع وأجهزة الدولة بالقوانين التي تصدرها السلطة المختصة (السلطة التشريعية) وإلتزامهم بها كأساس لمشروعية أعمالهم وبم أن السلطة العامة تصبح محكومة بالقانون وبعيدة أو يملأ على أهواء ممثلها فهذا بلا شك ضمان لحقوق الأفراد وحرياتهم في موجهة السلطة ويضمن مبدأ سيادة القانون معرفة المواطنين بالقانون الواجب التطبيق كما يضمن تطبيقه على قدم المساواة عليهم وعلى جميع
أجهزة الدولة وبهذا إسـتـنـتـج مبدأ شرعية الجرائم والعقوبات ينبني على دعامتين أساسيتين وهما حماية الحرية الشخصية وهذه تمثل مصلحة خاصة وحماية المصلحة العامة وهي حماية الحرية والشخصية .
1/ حماية الحرية والشخصية : لا شك أن مبدأ شرعية الجرائم والعقوبات يعتبر بمثابة سد أو حاجز منع لكافة التحكم والتعسف ، التي مرت بها البشرية عبر التاريخ فهو يضع حدود واضحة فاصلة بينها يعتبر مشروع وغير مشروع من الأفعال حتى يكون الأفراد على بينه من أمرهم قبل إرتكاب الفعل وكذلك أن هذا المبدأ يحول دون تحكم القاضي الذي بوسعه إدانة أحدهم بالجريمة وعقابه إلا إذا سبق النص عليها في القانون وهناك مقولة مشهورة للفقيه "بيكاريا" في كتاب الجرائم والعقوبات : إن القوانين وحدها هي التي يمكن أن تحدد عقوبات الجرائم وإن هذه السلطة لا يمكن أن يتولاها سوى المشرع بذاته الذي يمثل المجتمع بأسره بمقتضى العقد الإجتماعي .
2/ حماية المصلحة العامة : ويتحقق هذا المبدأ من خلال إسناد وظيفة التجريم والعقاب إلى المشرع وحده تطبيقا لمبدأ إنفراد المشرع بالإختصاص في مسائل الحقوق والحريات .
مفهوم الشرعية :
في اللغة : الشرعية مصدرها شرع وشرع الدين بمعنى بينه وشرع الأمر جعله مشروعا ومسنونا لقوله تعالى " شرع لكم الدين .... " والشرع ما شرعه الله والشريعة هي المبادئ التي يتعين مراعتها في الأقوال والأفعال .
وفـقـهـا : القانون لم يبتعد عن هذا المعنى ويقصد به المبادئ التي تكفل احترام حقوق الإنسان وإقامة التوازن بينها وبين المصلحة العامة ويتعين علي الدولة مراعاة هذه المبادي عند ممارستها لوظائفها المختبر الدولي لرجال القانون المتعهد 1969 في نيودلهي بين أن مبدأ الشرعية عبارة علي أصطلاح يبرز إلي المثل و الخبرة القانونية العلمية التي تعارف عليها جميع رجال القانون في جزء كبير في العالم وبحسبها أن هذا المبدأيعتمد علي عنصرين:
- أنه مهما كان مضمون القانون فإن كل سلطة في الدولة هي نتاج هذا القانون وتعمل وفقه .
- افتراض أن القانون نفسه يعتمد علي مبدءأ سامي وهو مبد إحترام حقوق الإنسان .
انتهى هذا المؤتمر إلى تعريف مبدأ الشرعية كمايلي :
" هو المبدأ الذي يعبر عن القواعد و النظم و الإجراءات الأساسية لحماية الفرد في مواجهة السلطة و لتمكينه من التمتع بكرامته الإنسانية. "
مضمون:مبدأ الشرعية يختلف باختلاف مصدره
-فإذا كان مصدر هذه القواعد هو الدستور تكون أمام شرعية دستورية يقابلها التزام سلطات الدولة بمراعاتها و احترامها.
- ونكون أمام شرعية قانونية إذا كان مصدر هذه القواعد هو القانون و يقابله التزام المخاطبين بإحكامه باحترامه
- وتكون أمام شرعية جنائية إذا كان مصدره القانون الجنائي في مفهومه الواسع .
المادة 22من الدستور و التي تنص على معاقبة ممثلها في التعسف في إستعمال السلطة ونشير إلى ما نصت عليه (م64)من الدستور ( المصري1971) حيث تنص على أن سيادة القانون هي أساس الحكم في الدولة .
مضمون مبدأ الشرعية :
يخضع القانون الجنائي بمختلف فروعه إلى مبدأ الشرعية فهو يتبع الواقعة الإجرامية منذ تجريمها والعقاب عليها إلى ملاحظة مرتكبها بواسطة مختلف الإجراءات اللازمة لتقرير سلطة الدولة في العقاب إلي تنفيذ العقوبة المحكوم بها وفي جميع هذه المراحل يتولي القانون الجنائي وضع النصوص إلي تتضمن مساسا بحرية الإنسان سواء عن طريق التجريم والعقاب أو عن طريق الإجراء التي تباشر ضدها أو بواسطة تنفيذ العقوبة . والشائع عند التعبير عن مبدأ الشرعية قاعدة "لا جريمة ولا عقوبة بغير قانون" وهذا يجعلنا نعتقد بان هذا المبدأ لا يتعلق سوى بالقانون الجنائي الموضعي (قانون العقوبات و القوانين المكملة له وهو قانون موضوعي يتعلق بالتجريم والعقوبات وهذا لا يمنع من تضمنه بعض القواعد الشكلية إلا أن الصفة الغالبة هي الأولى).و ما يعزز هذا الاعتقاد ما جاء في المادة 46 من الدستور التي تنص على (لا إدانة إلا بمقتضى القانون صادر قبل ارتكاب الفعل المجرم) هذا النص الدستوري لا يخص سوى تحديد الجرائم والعقوبات من طرف المشرع غير أن هذا النص لا يمنعنا من القول بان مبدأ الشرعية يتعلق بكل من قانون العقوبات و(ق.ا.ج)و قانون التنفيذ العقابي (قانون تنظيم السجون) و بهذا نستنتج بأن لمبدأ الشرعية ثلاث حلقات
تتعلق بشرعية الجرائم و العقوبات
تتعلق بالشرعية الإجرامية
تتعلق بشرعية التنفيذ
أولا.شرعية الجرائم والعقوبات :
وتعتبر الحلقة الأولى من حلقات مبدأ الشرعية و يعبر عنها بقاعدة لا عقوبة ولا جريمة بغير قانون فقهاء القانون الجزائي يعرفونها بأنها نص التجريم الواجب التطبيق على الفعل و يعرف أيضا بأنه النص القانوني الذي يبين الفعل المكون للجريمة ويجدد العقاب الذي يفرضه على مرتكبه.
وهذه الحلقة(شرعية التجريم والعقاب) ظهرت لحماية حقوق الأفراد و حرياتهم من خطر التجريم و العقاب بغير الأداة الشرعية المعبرة عن إرادة الشعب وفي القانون وحتى تجعله في مأمن من رجعية القانون و مخاطر التفسير و القياس في التجريم والعقاب.
و شرعية التجريم والعقاب هي حلقة من حلقات الشرعية الجنائية التي يخضع لها القانون الجنائي غير أنها ليست كافية لحماية حرية الإنسان إذا قبض عليه أو حبس أو اتخذت في حقه الاجرءات اللازمة في محاكمته حتى في افتراض براءته كل إجراء يتخذ في حق الفرد دون افتراض براءته سيؤدي إلى تحميله عبئا إضافيا وهو عبء إثبات براءته ممل نسب إليه و هذه القاعدة تستمر مع الفرد منذ القبض عليه إلى غاية صدور الحكم فإذا عجز اعتبر مسؤولا عن هذا الفعل.
وهذا يبرز بوضوح قصور ما تكفله قاعدة شرعية التجريم و العقاب من حماية في ظل إمكانية المساس بحرية المتهم من غير قانون أو إمكانية إسناد هذه الجريمة إليه حتى و لو لم يثبت ارتكابه لها عن طريق افتراض إدانته لذلك يتعين استكمال الحلقة الأولى من حلقة الشرعية الجنائية بحلقة ثانية تحكم وتنظم الاجرءات التي تتخذ ضد المتهم على نحو يضمن احترام حريته الشخصية وهذه الحلقة تسمى بالحلقة الإجرائية.
ثانيا.الشرعية الإجرائية : الشرعية الإجرائية تمثل الحلقة الثانية من حلقات مبدأ الشرعية الجنائية وتعتبر كذلك إمتداد لمبدأ شرعية الجرائم والعقوبات , إن لم تكن أخطرمنها .
والشرعية الإجرائية هي الإطار الخارجي الذي لا يمكن تطبيق القاعدة الموضوعية تطبيقا سليما إلا عن طريق هذه الحلقة التي تكفل إحترام الحرية الشخصية للمتهم من خلال إشتراط ما يلي :
1. أن يكون القانون هو المصدر الوحيد للتنظيم الإجرائي .
2. إفتراض براءة المتهم في كل إجراء من الإجراءات التي تتخذ في حقه .
3. أن يتوافر الضمان القضائي في الإجراءات .
تقوم الشرعية الإجرائية على ثلاث عناصر وهي :
1- أن الأصل في المتهم البراءة : ويجب أن يتعامل على هذا الأساس بحيث لا يجوز تقييد حريته في الغدووالرواح إلا في إطار من الضمان الدستورية والقانونية اللازمة لحمايتها ومن أمثلته" قاضي التحقيق يستطيع يأمر بوضعك في الحبس المؤقت" و ق . إ . ج منح للمتهم أيضا إستئناف هذا الأمر .
2- إذا كان من القواعد الثانية في قانون العقوبات أنه " لاجريمة ولا عقوبة بغير القانون " فإن الأمر كذلك بالنسبة ل ( ق . إ . ج ) : فلا إجراء بدون قانون ( هذه محددة ) .
هذه الإجراءات تتحدد وتتنوع بحسب مركزه في القانون .
3- ضرورة إشراف القضاء على جميع هذه الإجراءات : بوضعه الحارس الطبيعي والأمين للحقوق والحريات .
* الشرعية الإجرائية تقتضي معاملة المتهم في الجريمة بوصفة شخصا بريئا مهما كانت درجة جسامة هذه الجريمة المرتكبة إلى غاية صدور حكم قضائي نهائي عن جهة قضائية مختصة يثبت نسبة هذه الجريمة إليه .
يترتب على تمتع الشخص بقرينة البراءة إعفاؤه من إثبات براءته ووجوب تفسير كل شك لمصلحته . والمقصود أن عبئ الإثبات يقع على من يدعيه (وهي النيابة) . وإذا قضي بإدانته سقطت عنه قرينة البراءة وأصبح المساس بحياته أو بحريته أو بذمته المالية أمرا مشروعا بحكم القانون , وهذا المساس ليس مطلقا بل يجب أن يتحدد نطاقه الطبيعي وفقا للهدف من الجزاء الجنائي وهذا يبرز لنا أهمية الحلقة الثالثة من حلقات الشرعية الجنائية التي تتمثل في شرعية التنفيذ العقابي .
ثالثا. شرعـية التنفيذ العقابي :
تمثل الحلقة الثالثة من حلقات مبدأ الشرعية الجنائية و مقتضاها هو إجراء التنفيذ و فقا للكيفية التي حددها القانون على أن يكون هدفه هو إصلاحالمحكوم عليه و تقويمه و ضمان حقوقه وكل هذا يتم تحت إشراف القضاء ورقابته
الإهتمام بحقوق الإنسان على مستوى مرحلة التنفيذ لم يبدأ بصورة علمية الإستجابة لأفكار تيار الدفاع الإجتماعي وما طرحته من أفكار
وتماشيا مع هذا التيار الأمم المتحدة أصدرت القواعد النموذجية الدنيا لمعاهلة السجناء الذي أقرها المجلس الإقتصادي و الإجتماعي سنة(1975-1977) وهذه القواعد الدنيا تبنتها الجمعية العامة للأمم المتحدة وأوصت بتطبيقها و أصدرت حولها قرارين:
1-القرار(2858)الصادر في 20/12/1971
2-القرار(3208)الصادر في 06/11/1974
هذه القواعد تناولت عدة مسائل من بينها مسألة شرعية الـتـنـفـيـذ العقابي , حيث بينت المبادئ التي يجب تطبيقها خلال هذه المرحلة لإحترام الحد الأدنى للمحكوم عليه داخل السجن وأوصت كذلك بضرورة إدراج هذه القواعد في قانون وحده بإعتباره أصلح وسيلة وأنجح أداة لتنظيم الحريات .
شرعية التنفيذ العقابي تقوم على ضابطين هما :
1. ضرورة تحديد أساليب التنفيذ وضمناته وأهدافه بقانون : لأن الذي يسمح بالمساس بالحرية هو القانون وحده بإعتباره المعبر عن الإرادة العامة للشعب .
2. ضرورة إخضاع العقوبة تحت إشراف قاضي يسمى قاضي التنفيذ : ومن هنا نلاحظ أن شرعية التنفيذ لها من أهمية, ما لشرعية التجريم والشرعية الإجرائية من أهمية وهي تعبير عن توازن بين حقوق المجتمع وحقوق المحكوم عليه .
نشأة مبدأ الشرعية
مبدأ الشرعية لم يظهر إلا في وقت الذي حددت فيه سلطات الدولة وأنفصلت عن بعضها البعض حيث نجد : أوامر الملك في عهد الملكية المطلقة تتمتع بقوة القانون وتطبق كذلك , فالملك كان يمتلك سلطة التطبيق وتجريم الأفعال بمطلق إرادته , وفي القرون الوسطى كذلك كان القضاة يملكون سلطة تحكيمية في تجريم الأفعال والعقاب عليها وإستمر هذا الوضع إلى غاية إشتداد الإنتقادات التي أيدها كثير من الفلاسفة والكتاب والأدباء لهذا لهذا التحكم .
القانون الإنجليزي إعتمد على شرعية الجرائم والعقوبات بصدور ميثاق "هنري الأول" ثم تبعه دستور كل "كلاريدون" ثم أكده بعد ذلك العهد الأعظم الذي أصدره الملك جون سنة 1215 .
هذا العهد نصت عليه المادة 29 منه على أنه " لا يمكن إنزال عقاب ما بأي إنسان حر إلا بمحاكمة قانونية من أنداده طبقا لقانون البلاد .
مبدأ الشرعية أكدته (المادة 07) و(المادة 08) من إعلان حقوق الإنسان والمواطن الذي جاء في أعقاب الثورة الفرنسية 29 أوت 1789
كذلك تم تكريس مبدأ الشرعـية ونجد (المادة 11) من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان وكذلك (المادة 15) من العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية و(المادة 06) و(المادة07) من الميثاق الإفريقي لحقوق الإنسان .
نستخلص من هذه النصوص أن مبدأ الشرعية يعتبر من حقوق الإنسان ذات الطابع العالمي التي يقوم عليها وهو كذلك من القيم التي يقوم عليها أي نظام ديمقراطي .
* المشرع الجزائري تبنى مبدأ الشرعية في (المادة 01) من (ق . ع) وتبناه كذلك في (المادتين 02 و03) وأعطى لهذا المبدأ قيمة دستورية بحيث أن كل الدساتير الجزائرية المتعاقبة نصت على هذا المبدأ "بداية من دستور 1963 إلى دستور 1976 إلى دستور 1989 وكذلك دستور 1996) هذا المبدأ كرسته (المادة 46) من الدستور و(المادة47) و(المادة 140) و(المادة 142) و(المادة 45) .
قانون العقوبات الفرنسي أفرد مبدأ الشرعية نصا مستقلا وصريحا هو (المادة 111/03) التي تنص على أنه" لا يعاقب أحد على جناية أو جنحة مالم تكن أركانها محددة بمقتضى اللائحة " .
* بعض الفقه يرى بأن أحسن مكان لتقنين مبدأ الشرعية هو الدستور أما النص عليه في قانون العقوبات فهو تزيد لا لزوم له .
فمبدأ الشرعية يمثل أهم المبادئ التي تكفل الحرية الشخصية ومن ثم يتعين على المشرع الدستوري أن يكفل له هذه الحماية بموجب نصوص الدستور وذلك بترقيته ضمن المبادئ الدستورية بإعتباره أسمى وثيقة قانونية في الدولة . وحتى لا يقدم المشرع العادي على مخالفته في قانون العقوبات أو القوانين الملحقة به .
سؤال مطروح : هل يستطيع القاضي أن يمتنع عن تطبيق نص جنائي بحجة مخالفته أحكام الدستور ؟
لكي نجيب عن هذا السؤال فهناك نقاط يجب أن نفصل فيها :
1. مدى إمكانية صدور نص قانوني مخالف للدستور فنقول كقاعدة عامة إن إحتمال صدور نص قانوني مخالف للدستور وإن كان واردا إلا أنه نادر الحصول للأسباب التالية :
- أن النص القانوني قبل صدوره في صورته النهائية يمر بعدة محطات وكل واحدة منها تعتبر بمثابة مصفاة لهذا القانون من كل الشوائب أو العـيوب ومخالفة أحكام الدستور واحدة منها .
- من النادر جدا أن يصدر قانون في صورته النهائية يكون مخالفا للدستور .
- لا يستطيع القاضي أن يمتنع عن تطبيق نص جنائي بحجة مخالفته أحكام الدستور لأن مهمة القاضي هي تطبيق القانون وليس فحص مدى مطابقته للدستور لأن هذه المهمة ليست من إختصاصاته ويكون قد تجاوز إختصاصه وتدخل في إختصاصات هيئات أخرى إضافة إلى إرتكابه جريمة إنكار العدالة في حقه .
مقتضى مبدأ الشرعية :
يقتضي مبدأ الشرعية أن سلطات الدولة الثلاثة (قضائية ، تنفيذية ، تشريعية) يجب عليها في كل أعمالها وتصرفاتها أن تراعي هذا المبدأ فالقاضي مثلا " لا يملك سلطة تجريم فعل أو توقيع عقوبة لم يرد بشأنها نص وكما لا يستطيع إستعمال القياس " .
بمعنى أن القاضي لا يملك حق خلق جريمة جديدة أو خلق عقوبة جديدة لجريمة قائمة لأن هذا من إختصاص السلطة التشريعية التي يجب أن تحرص عـند وضعها لهذه القواعد على أن تكون ذات مفعول فوري ومباشر وليس رجعي .
كما لا تملك السلطة التنفيذية مباشرة هذا الإختصاص دون تفويض من السلطة التشريعية لأن الأصل أن التجريم والعقاب طبقا لمبدأ الشرعية هو إختصاص للسلطة التشريعية ، غير أن للسلطة التنفيذية إستثناءا الحق في ممارسة هذا الإختصاص وفي حدود ضيقة بناءا على تفويض السلطة التشريعية .
وبناءا على هذا يتعين على السلطة التشريعية أو السلطة التنفيذية التي فوض إليها إختصاص التشريع أن تنص مقدما على ما يعد من الأفعال جرائم معاقب عليها وأن تجتهد في جعل صياغة هذه النصوص موضحة كل أركان الجريمة والعقوبة المقررة لها نوعا ومقدارا وإن لم يكن فيها بيان كيفية تقديرها ويجب أن يكون النص القانوني للمستقبل وليس للماضي إعمالا لقاعدة عدم رجعـية القوانين .
هنا نلاحظ وجود إختلاف بين القانون الجنائي الوضعي والتشريع الإسلامي بحيث يمكن لولي الأمر أن يشرع في مجال الجرائم التعزيرية التي يرد بشأنها نص .
مصادر الشرعية الجنائية : يجب التفريق بين مصادر الشرعية الجنائية كمبدأ و كتطبيق .
إذا تكلمنا على الشرعية الجنائية كمبدأ فمصادرها واضحة على إختلاف تدرجاتها ، أسمى وثيقة في الدولة وهي الدستور والمعاهدات الدولية والمواثيق ، نصوص القانون بمختلف أنواعه .
إذا تكلمنا : - الشرعية الإجرائية (قانون الإجراءات الجزائية) .
- الشرعية الموضوعية (قانون العقوبات والقوانين المكملة) .
- شرعية التنفيذ العقابي (قانون السجون) .
إذا نصينا على مبدأ الشرعية كتطبيق وليس كمبدأ ، المعني به فقط هو نصوص القانون وإستثناءا اللوائح الصادرة على السلطة التنفيذية إذا أحال عليها القانون .
كذلك يرجع القاضي الجنائي إلى اللوائح إذا أحاله القانون صراحة إليها .
مقتضى مبدأ الشرعية :
فلسفة المبدأ : مبدأ شرعية التجريم والعقاب يقوم على دعامتين أساسيتين وهما :
حماية المصلحة العامة وحماية الحرية الشخصية (المصلحة الخاصة) .
* فيما يتعلق بحماية الحرية الشخصية : هذا المبدأ جاء كعلاج ضد التحكم الذي ميز العـدالة الجنائية زمنا طويلا فهو يضع حدودا فاصلة لللأفراد بين ما يعتبر مباحا وما يعتبر مجرما قبل إرتكاب الفعل وبهذا نضمن طمأنينة وحماية الأفراد من تعسف الأفراد ونضمن كذلك بعدم إدانة شخص عن فعل منسوب إليه وعقابه عليه إلا إذا سقط تجريم هذا الفعل في قانون العقوبات .
بعض التشريعات مثل التشريع الإيطالي والإسباني والفرنسي والجزائري أخذت بمبدأ الإنفراد المطلق للتشريع الجنائي في تحديد الجرائم والعقوبات وعدم إعطاء هذه الصلاحية للوائح الصادرة عن السلطة التنفيذية إلا في حدود ضيقة مثال " المادة 122 ف7 " من الدستور الجزائري منحت صلاحية التشريع في مجال تحديد الجنايات والجنح للسلطة التنفيذية وسكتت عن المخالفة وهذا يفهم ضمنيا أن السلطة التنفيذية بوسعها أن تشارك السلطة التشريعية في مجال المخالفات إضافة على ما نص عليه قانون العقوبات أو بعض القوانين الخاصة فيما يتعلق بمسألة التفويض والإحالة .
نلاحظ أن مبدأ الشرعية هو من المبادئ التي تلتزم بها الدولة القانونية على خلاف الدولة البوليسية ويعد ضمانة مهمة لعدم إنتهاك حقوقهم وحرياتهم في مواجهة الدولة .
* فيما يتعلق بالصحة العامة : هذا المبدأ يتحقق عن طريق إسناد وظيفة التجريم والعقاب إلى المشرع وحده تطبيقا لمبدأ إنفراد المشرع بالإختصاص في التشريع في مسائل الحقوق والحريات لأن القيم والمصالح التي يقوم عليها المجتمع والتي يحميها القانون لا يمكن تحديدها إلا بواسطة ممثلي الشعب وعلى هذا النحو يعرف المواطنون سلفا ما هي القيم والمصالح التي ينبني عليها المجتمع والتي يقوم قانون العقوبات بحمايتها وهذا بلا شك يسهم في تنمية الروح الإجتماعية لدى الأفراد ويحقق التماسك الإجتماعي ويعزز جو الثقة بين الدولة والشعب وكل هذا ينتج عنه تحقيق الإستقرار الذي يقوم عليه الأمن القانوني .
ومن جهة أخرى فالأوامر والنواهي والجزاءات التي يتضمنها قانون العقوبات تسهم في تحقيق الردع لا سيما العام منه وفي هذا يقول الفيلسوف مونتسكيو "إن فاعلية العقوبة تقاس بمقدار خشية العقاب التي تقاس بدورها بمقدار التأكد من توقيع العقوبة والإحاطة بها سلفا" .
النتائج المترتبة على مبدأ الشرعية الجنائية : يترتب عليه ثلاث نتائج مهمة وهي :
1. إنفراد التشريع بتحديد الجرائم والعقوبات .
2. إتباع قواعد خاصة عند تفسير القاعدة الجنائية .
3. عدم رجعية القاعدة الجنائية إلى الماضي .
أولا. إنفراد التشريع في تحديد الجرائم والعقوبات :
بمقتضى العقد الإجتماعي وبإعتبار أن السلطة التشريعية تمثل المجتمع بأسره فإن مبدأ الشرعية يعتمد على هذه السلطة في تحديد الجرائم والعقوبات .
1/ إنفراد التشريع في إطار مبدأ الشرعية :
مبدأ الشرعية الجنائية هو ثمرة كفاح طويل ضد إستئثار السلطة الحاكمة بجميع السلطات ونتيجة للصدمات العديدة والثورات المتعاقبة أثمرت في النهاية إلى تأكيد سيادة الشعب وإستئثار البرلمان بسلطة التشريع بكل ما يتعلق بالحقوق والحريات ، وأحد المفكرين عبر عليه " إن سيادة البرلمان تـنـبع من سيادة الشعب " هذا التطور الملحوظ كانت نتيجة بروز مبدأ يتمثل في مبدأ سيادة القانون بما في ذلك الدستور وهذا نجد إنحراف السلطة وتحكمها وضمن هذا المبدأ يتعين تحديد دور السلطة التشريعية بالمقارنة مع دور السلطة التنفيذية لأن كل منهما سلطة سن قواعد قانونية .
الأولى : في صورة التشريع .
الثانية : في صورة لائحة .
ومن هذا المطلق يجب توزيع الإختصاص بين هاتين السلطتين في إطار مبدأ الشرعية وسيادة القانون ، فجميع السلطات في الدولة تخضع للدستور فيتعين على السلطة التشريعية أن تلتزم بمضمون قواعد الدستور المتعلقة بالحقوق والحريات وذلك بضمانها فيما تقرره من تشريعات ، كما يتعين على السلطة التنفيذية تمكين الأفراد من ممارسة حقوقهم وحرياتهم وتخضع فيما تسنه من لوائح إلى التشريعات الصادرة للسلطة التشريعية ومن هذا نخلص إلى أن مبدأ تدرج القواعد القانونية يعتبر سمة من سمات مبدأ الشرعية وسيادة القانون ولهذا كان من الطبيعي جدا أن يستأثر التشريع الصادر عن السلطة التشريعية بضمان الحقوق والحريات وكل تدخل بشأنها يجب أن يكون من عمل المشرع أي بموافقة أصحاب الحقوق والحريات .
2. ماهية مبدأ إنفراد التشريع :
ويقصد بهذا المبدأ إختصاص المشرع لوحده بمعالجة المسائل التي تدخل في إختصاصه وبالتالي فهو لا يملك التنازل أو الإفلات من مسؤوليته في توفير ضمانات ممارسة هذه الحقوق والحريات وينتج عن هذا أن السلطة التنفيذية لا تستطيع من خلال اللوائح معالجة المسائل التي تدخل في إختصاص المشرع وإن كان هذا الوضع لا يصادر حقها في تنظيم وتنفيذ ما أقره المشرع ويهدف مبدأ إنفراد التشريع إلى جعل مسألة تنظيم الحقوق والحريات مسألة تتم بواسطة ممثلي الشعب والحيلولة دون تدخل السلطة التنفيذية في ذلك دون موافقة أو إذن السلطة التشريعية .
3. نطاق إنفراد التشريع :
بإعتبار التشريع مصدرا من أقوى سلطات الدولة وأقدرها على تقدير الصالح العام فهو الذي يضمن إيجاد توازن بين الحقوق من جهة والمصلحة العامة من جهة أخرى وبهذا لا يجوز له أن ينال بتلك الحريات بما يقلص من محتواها أو يجردها من خصائصها أو يقيد من آثارها ففي حكم شهير لمجلس الدولة الدولة المصري وبعد أن أقر بهذا المبدأ في مجال الحقوق والحريات قضى بأنه " الحريات العامة إذا أجاز الدستور تقييدها فإنها لا تقيد إلا بتشريع " ويجمع فقهاء القانون الدستوري يتفقون بما أن الضمانات المقررة للحقوق هي عبارة عن نصوص تسمو إلى مرتبة خاصة ففي هذه الحالة يجب أن تكون القيود التي ترد عليها قيودا يقررها القانون .
فكرة إنفراد التشريع تطورت لتشمل مسائل أخرى غير تنظيم الحقوق والحريات مثل تنظيم السلطات العامة في الدولة وكل ما هنالك أن المشرع يتدخل في المجال المخول له قانونا التشريع فيه كما يجب أن يكون تدخله هذا بالكيفية المحددة قانونا وأن يكون هدفه تحقيق المقاصد التي عبر عنها ، وبناءا على ما تقدم يمكن تحديد مظاهر إنفراد التشريع في ثلاث نقاط :
- أن الإنفراد يتعلق بالحقوق والحريات وغيرها من المجالات التي حددها الدستور .
- أن هذا الإنفراد يتحدد بأهداف معينة عبر عنها الدستور وبالتالي لا يجوز للسلطة التقديرية للمشرع أن تتجاوزها أو تنحرف عنها في الكيفية التي يباشر فيها إختصاصه الفريد .
- أنه إنفراد مانع يحول دون مشاركة السلطة التنفيذية فيه عن طريق اللوائح إلا في الحدود التي ينص عليها التشريع طبقا للدستور .
التعديل الأخير:
اسم الموضوع : محاصرات في مقياس مبدأ الشرعية وحقوق الدفاع
|
المصدر : قسم الماستر و الدكتوراه