د.عبدالله الفاضل عيسى
عضو جديد
- إنضم
- 11 مايو 2015
- المشاركات
- 5
- مستوى التفاعل
- 2
- النقاط
- 3
السلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته.
هذه مساهمة جديدة عبارة عن دراسة تأصيلية تطبيقية للعقوبات المالية في القانون السوداني مقارنة ببعض قوانين عربية أخرى.
----------------------------------
العقوبات المالية - النظر والتطبيق
في القانون الجنائي السوداني وبعض القوانين العربية
دراسة مقارنة
تهدف الدراسة إلى الوقوف على أحكام العقوبات المالية في التشريع السوداني والمقارن وتطبيقها قضاء ونمهد لذلك بنبذة قصيرة عنها من حيث الفقه الإسلامي والوضعي.
تمهيد:
العقوبة ضرب من ضروب الجزاء المترتب على المسئولية الجنائية ونتيجة لازمة لها وبدونها تكون المسئولية الجنائية مجرد لوم اجتماعي وأخلاقي لا يرجى من ورائه ردع عام يمنع الآخرين من سلوك المدان ولا خاص يمنع المسئول جنائيا نفسه عن تكرار جنوحه للجريمة.
وقد تطورت العقوبات عموما تطورا مطردا مع تطور القانون الجنائي ونظريات علم العقاب الحديثة فاستبدل منها ما استبدل وعدل منها ما عدل تبعا لما وجدت من انتقاد من رواد هذا العلم، ولما كانت الدراسة قاصرة على العقوبات المالية فلا مبرر لدراسة ماضي وحاضر العقوبات الأخرى وتكون محل النظر هي وحدها دون سواها ليشمل ذلك تأصيلها فقها إسلاميا وقانونيا وما نسبه إليها الفقه القانوني من مزايا وعيوب وما انتهى إليه عبر كل ذلك من أخذ بها أو ترك إلى جانب تطورها تشريعا وضعيا في القانون السوداني.
وليكن البدء بشأنها في الشريعة الإسلامية:
من المسلم به أن الشريعة الإسلامية عاقبت على بعض الجرائم التعزيرية بعقوبة الغرامة ، من ذلك غرامة سارق الثمر المعلق بضعفي ثمن ما سرق لقوله صلى الله عليه وسلم( ومن خرج بشيء فعليه غرامة مثليه والعقوبة)
ومن حيث قول الفقه القانوني عنها:
أنها قديمة العهد في الشرائع الجنائية وترجع في أصلها لنظام الديات الذي كان شائعا في كثير من الشرائع القديمة. وقد كان مجالها واسعا في فرنسا في العهد القديم السابق للثورة وقد شجع على ذلك أنها عقوبة مربحة، ولم يولها مشرع الثورة الفرنسية ما كان لها من الاهتمام في العهد القديم وهذا ما جعلها تأتي في القانون الفرنسي والقوانين التي أخذت عنه ومنها المصري في مرتبة ثانوية بالقياس إلى العقوبات المقيدة للحرية، ولكنها استردت مكانتها بين العقوبات في العهد الأخير فكثر الالتجاء إليها خصوصا في الجرائم التي يكون الباعث عليها الطمع في مال الغير والاستفادة غير المشروعة.
ولا يختلف نظر أهل العلم بالشريعة والقانون إليها من حيث مزاياها وعيوبها من الأولى أنها لا تكلف الدولة شيئا بل على العكس تشكل موردا لميزانيتها، ولا تمس المحكوم عليه بها اجتماعيا فتصمه بالتحقير في نظر المجتمع مثل ما هو الحال بالنسبة لعقوبة السجن، كما أنها لا تؤدي إلى مخالطته مرتادي السجن بما يؤدي إلى اكتسابه خبراتهم السيئة الأمر الذي يخلق منه مجرما محترفا،إلى جانب أنها عقوبة مرنة يمكن أن تتوافق ومقدرة كل محكوم عليه، فوق هذا وذاك هي قليلة الأثر على من يعولهم وبذلك لا تفقد صفة أنها عقوبة شخصية.
أما عن عيوبها فجميعهم ينسب إليها أنها ثقيلة على الفقير سهلة ميسرة على الغني فتثقل كاهل الأول دون الأخير فتفقد عدالتها ومساواة الناس فيها.
جميعهم يرون أن هذا لا يحول دون العمل على تجنب ما قيل أنها عيوب تعتريها الأمر الذي يجعلها أفضل من غيرها على الأقل لأنها أقل العقوبات عيوبا، فيمكن تلافي مجافاتها لمقدرات البعض المالية بالنص على فرضها بما يتناسب والحالة المالية لمن تفرض عليه، الأمر الذي يجعلها أكثر عدالة ومعقولية ومقبولية.
العقوبات المالية مما نص عليه التشريع الجنائي في السودان ودول عربية أخرى وهي تشمل الغرامة والمصادرة والرد وجبر الضرر. وتتناول الدراسة هذه العقوبات في القانون الجنائي لسنة 1991 وما سبقه من قوانين العقوبات في المراحل المختلفة من مسيرة التشريع في السودان مقارنا بما قررته القوانين الأخرى المقارنة، مع نماذج من أحكام القضاء بقدر المتاح.
تتكون الدراسة من فصلين ومبحثين لكل فصل على النحو التالي
الفصل الأول
العقوبات المالية في قانون العقوبات السوداني
(1889 :1991 )
مر التشريع في السودان بمرحلتين الأولى منهما كانت لغة المشرع فيها هي الإنجليزية لذا كان النص الإنجليزي هو الأصل وأما الثانية فقد أصبحت اللغة العربية هي لغة الدولة الرسمية من ثم أصبحت لغة القانون بنصه الأصلي.
من هذا المنطلق يجيء طرح أحكام العقوبات المالية في المرحلتين عبر مبحثين على ما يلي.
المبحث الأول
قانون العقوبات ما قبل الترجمة
يتناول المبحث النصوص ذات الصلة من قانون العقوبات لسنة 1889 و1925 وبهذا الترتيب وتكون الإشارة لهما فيما بعد بالأول والثاني باعتبار أنهما أول وثاني قانون عقوبات صدرا في السودان.
ولما كان نص المادتين( 41 و 64) في كليهما لم يختلف عن الآخر فيردان معا دون حاجة إلى تفصيل في ذلك.
جاء نص المادة( 41 ) من قانون العقوبات الأول وتقابلها من القانون الثاني المادة 64 شاملا لست عقوبات هي الإعدام والتجريد من الأموال والسجن والحجز في الإصلاحية والغرامة والجلد بالسوط.
تراوحت هذه العقوبات بين عقوبة استئصاليه تستهدف نفس الجاني إلى عقوبة تسلبه حريته إلى أخرى تقع على كامل ذمته المالية إلى رابعة تحرمه من جزء من ماله وأخيرا عقوبة تنال من اعتباره لما فيها من إهانة له.
وما يعنينا في الدراسة هي العقوبة المالية وهي ما تشمل كل ذمة الجاني المالية أو بعضها فقط وفي كل ذلك فما جرد منه الجاني أو أقتطع من ماله يؤول إلى الخزانة العامة بحسب الأصل. وقد كانت عقوبة التجريد مقررة عقوبة على جرائم ( محاربة الدولة) على أساس أنها أموال استغلت في استهداف أمن المجتمع كله، وهي عقوبة تلي في شدتها عقوبة الإعدام والسجن المؤبد.
ومقتضى عقوبة التجريد أن تنزع الدولة مجموع ما تحويه ذمة المدان المالية وبذا تجرده منها. أما عقوبة الغرامة فإلزام المدان بأن يدفع للخزانة العامة مبلغا محددا بموجب الحكم.
كان المشرع يقرر التعويض كجزء من الغرامة في حالة السرقة إذا استرد صاحب المال ماله من المشتري حسن النية، وتطور الأمر بعد ذلك وبدء من القانون الثاني بإدخال المادة( 77 /أ ) لتقرير التعويض في حالة الإدانة ولو لم تحكم المحكمة بعقوبة. وكانت هذه بداية سلطة المحكمة الجنائية في جبر ضرر الجريمة وجعل تحصيل المبلغ كما لو كان غرامة بموجب المادة(313) من قانون الإجراءات الجنائية1974 كما كان يجوز إحالة الأمر إلى المحكمة المدنية لتنفيذه
وكان مما قرره القضاء السوداني أن يقتصر التعويض أمام المحكمة الجنائية على الحالات الواضحة التي يستحق فيها المجني عليه بلا جدال تعويضا أمام المحكمة المدنية.
كما طبق أحكام التعويض في حالة المشتري حسن النية وفقا لأحكام قانون استرداد الأموال الضائعة والمسروقة لسنة1924.
وقد وسع القضاء السوداني من تفسير المادة 77 /أ لتشمل إزالة الضرر إلى جانب التعويض النقدي فقضى باسترداد العقار المعتدى عليه من يد المعتدي كشكل من أشكال التعويض.
ومما قضى به أيضا أن التعويض النقدي ليس هو وسيلة جبر الضرر المتعلق بالسمعة بل هناك وسائل أفضل منه مثل نشر الحكم على نفقة المحكوم عليه أو الاعتذار للمحكوم له علانية.
وقد ميز القضاء السوداني بين الحكم بتخصيص الغرامة أو جزء منها على سبيل التعويض والحكم بالتعويض على استقلال من حيث إجراءات التنفيذ،بأنه في الحالة الأولى تنفذ الغرامة تحت قانون الإجراءات الجنائية ثم إن حصلت يعوض منها المضرور، أما الثانية فتنفذ وفق ما تنفذ به الأحكام المدنية، ويستطيع المضرور متابعة إجراءات التنفيذ إذا ما صدر أمر المحكمة بالتنفيذ بالحجز والبيع بموجب المادة 267 من قانون الإجراءات الجنائية
هذا ما كان من أمر العقوبات المالية فقها وتشريعا، في هذه المرحلة وسيجيء التفصيل الأوفى بشأنها وتطبيقها قضاء، من خلال طرح موضوع عقوبة الغرامة لتداخل الأمر بينها و التعويض.
حدد المشرع في المواد من 68 الى73 من قانون العقوبات الثاني الأحكام المتعلقة بالغرامة ولم يخرج بذلك عما كان مقررا في القانون الأول ونشير إليها فيما يلي:
مبلغ الغرامة:
لم يحدد المشرع حدا معينا للغرامة كقاعدة عامة لكنه وضع إطارا عاما ألا تكون فادحة ، ويترتب على هذا أن يكون في حسبان المحكمة عند تقدير العقوبة مقدرة المدان المالية فان استغرقت ماله أو معظمه فإنها تكون فادحة وخرجت عن أنها غرامة لتصبح مصادرة كلية أو جزئية وهذا ما لم يرده المشرع وإلا كان قرره.
في حال عدم سداد الغرامة يقرر المشرع إيداع المحكوم عليه السجن سواء كانت الغرامة عقوبة أخرى مع السجن أو لم تكن وسواء كانت تحت قانون العقوبات أو أي قانون آخر، على أنه إذا كانت عقوبة الغرامة هي العقوبة الوحيدة فإن مدة وضع المحكوم عليه في السجن لا تجاوز ربع مدة العقوبة المقررة للجريمة.
على أن يخل سبيل المحكوم عليه إن دفعت الغرامة بعد إيداعه السجن أو حصلت بإجراء قانوني وإن دفع أو حصل نصفها يخل سبيله إذا ما أمضى نصف المدة المحددة لإيداعه السجن
الغرامة لا تسقط بالوفاة:
مما قرره المشرع أيضا أن عقوبة الغرامة لا تسقط بوفاة المحكوم بها عليه رغم أن العقوبة شخصية وقد برر الفقه ذلك بأنها أصبحت بموجب الحكم دينا حكوميا مستحق التحصيل من التركة على أساس أنه لا تركة إلا بعد دين.
تنفيذ الحكم بالغرامة:
نصت على إجراءاته المواد من( 267 إلى 269 )من القانون الثاني وما يقابلها من القانون الأول ويمكن بيانها على النحو التالي:
أجازت المادة (267) للمحكمة وفقا لسلطتها التقديرية وعلى الرغم من أن الحكم تضمن وضع المحكوم عليه بالسجن في حالة عدم استيفاء الغرامة أن تستولي على أي مال منقول خاص بالمحكوم عليه و الحجز على أية ديون مستحقة له على الغير وحجز أي أرض عائدة إليه – بعد موافقة السلطة المختصة – وبيعها، ويوجه الأمر بالحجز والبيع إلى قاضي دائرة الاختصاص.
كما نصت المادة 269 على جواز إعطاء مهلة لسداد الغرامة وتقسيطها و تأجيل بيع العقار الذي تم حجزه لاستيفاء الغرامة وكذا تأجيل تنفيذ إيداع المحكوم عليه السجن مع تقديم الضمانات ا للازمة.
أما في حالة الفشل في كل ذلك للمحكمة أن تأمر بإيداعه السجن للفترة المحددة بالحكم أو المتبقي منها.
المبحث الثاني
القانون السوداني معربا
لما كانت مرحلة التعريب للقوانين الجنائية قد بدأت بقانون العقوبات لسنة 1974 فإن بداية هذا المبحث ستكون به، على أن يكون قاعدة للمقارنة مع القوانين المعربة اللاحقة له
نصت المادة( 64) من قانون العقوبات لسنة 1974 على الآتي:
( العقوبات التي توقع بموجب هذا القانون هي:
(أ) الإعدام
(ب) التجريد من الأموال
(ج) السجن
(د) الحجز في الإصلاحية
(هـ) الغرامة
(و) الجلد بالسوط.)
ما يعنينا في هذا النص الفقرتين (ب و هـ) .
التجريد يعني أن تؤول أموال المحكوم عليه كلها للخزانة العامة، وقد سبق بيان مبرر ذلك ونطاق تطبيقه ولا ضرورة لتكراره.
أما عقوبة الغرامة فتعني إلزام المحكوم عليه بأن يدفع إلى الخزانة العامة مبلغا محددا بموجب الحكم، سواء كان ذلك مع السجن أو بدونه، ولم يحدد لها المشرع حدا أعلى ولا أدنى كقاعدة عامة ، كل ما اشترطه المشرع ألا تكون الغرامة فادحة ، وبذا يكون قد سار ذات مسار سابقه، وإن كان ذلك لم يشكل قاعدة ثابتة فقد وجدنا المشرع أحيانا يحدد الحد الأعلى في الغرامة كعقوبة مالية .
وقد نصت المواد( 69 ) وما بعدها من قانون الإجراءات الجنائية 1974 والتي لم تخرج عما كان قد نص عليه القانون السابق وقد سبق إيراده وأيضا لا مبرر لإعادته هنا خشية التطويل دون مبرر.
أما فيما تعلق بقانون العقوبات لسنة 1983وهو الثاني في سلسلة القوانين الصادرة باللغة العربية فقد وردت فيه العقوبات المالية في المادة بذات الرقم كسابقه (64 /1 منه) الفقرات من (ز) إلى (ط) والتي جاءت متضمنة عقوبة الغرامة في الفقرة(ز) والتجريد في الفقرة (ح) والتعويض في الفقرة (ط) وجدير بالملاحظة أن الفقرة (د) تضمنت الدية كعقوبة سواء كانت كاملة أم ناقصة، ومعلوم أن الدية في الأصل عينية مائة رأس من الإبل، والبديل عنها قيمة هذه الإبل بالعملة السودانية
وقد جعل المشرع الحكم بالتعويض وجوبا كلما رأت المحكمة أن ضررا قد ترتب على المجني عليه أو آله من ارتكاب الجريمة ما لم ينص على ذلك صراحة في العقوبة المحددة للجريمة
وبدوره لم يحدد هذا القانون حدا أعلى للغرامة، بل نص على أنه في حالة ألا يكون مقدار الغرامة محددا فإنه لا سقف للحكم بالغرامة وتكون غير محددة ،
ويقرر في المادة( 69 ) منه جواز الحكم بعقوبة السجن البديلة في حالة عدم سداد الغرامة، على أن السقف لهذه العقوبة تحدده مدة العقوبة التي يجوز الحكم بها على المدان. أما إذا كانت العقوبة هي الغرامة وحدها فإن السقف لهذه العقوبة البديلة لا يجاوز السنة على أن يخل سبيل المدان متى دفع الغرامة وأن تخفض عقوبة السجن البديلة بنسبة ما دفع أو حصل من الغرامة على وجه قانوني.
وبخلاف قانون العقوبات السابق له نص على أنه تبرأ ذمة المحكوم عليه إن توفي بعد الحكم عليه بها إذا لم تدفع كلها أو جزء منها. وفي هذا نظرة إلى طبيعة الغرامة من حيث أنها عقوبة وتتميز من هذا الجانب بأنها شخصية والوضع الطبيعي أن تسقط بوفاة المحكوم عليه.
وإن كان بعض الفقه قد أسس مساندته للنص التشريعي على اعتبار الغرامة دين مستحق على التركة، فإنه يكون قد نظر إلى طبيعة الدين لا خصوصية العقوبة وهذا ما كان وراء اختلاف القانونين السابق واللاحق، كل منهما نظر للغرامة من زاوية مختلفة، الأول من حيث أنها أصبحت دينا حكوميا والآخر من حيث أنها عقوبة شخصية. والتوجه الأخير أقرب للعدالة ووحدة واتساق نظرية الجزاء.
ويجدر ذكر أن مدة وضع المحكوم عليه بالسجن في حالة عدم دفع الغرامة محدد في حده الأقصى بربع مدة العقوبة الأصلية المنصوص عليها كعقوبة للجريمة، غير أن المشرع يضع نصا إضافيا لحالة أن يكون الجاني قد حقق منفعة مادية من الجريمة يوجب فيه رد تلك المنفعة، وفي حالة عدم الرد يحكم عليه أيضا بمدة سجن إضافية لا تتقيد فيه المحكمة بسقف ربع المدة المنصوص عليه.
يبدو أن المشرع قد اعتبر أن عدم رد المنفعة ظرف مشدد وليس فقط إكراه بدني بالتنفيذ. فكان لابد من تجريد المحكوم عليه مما حصل عليه، وأن ما حققه من تحقيق كسب غير مشروع وعدم انصياعه لرده يحمل على تجاوز سقف ربع المدة المنصوص عليه.
هذا ما كان من شأن الغرامة مع عقوبة السجن أما ن كانت عقوبة منفردة فإن مدة وضع المحكوم عليه في السجن تحدد بمقدار الغرامة ويجعل لكل مقدار من الغرامة ما يقابله من مدة في حالة عدم السداد، ولا يجاوز الحد الأقصى ستة أشهر أيا كان مقدار الغرامة المحكوم بها ويجعل لها فيما دون ذلك حدين آخرين الأول ما لا يجاوز شهرين إذا كان مبلغ الغرامة بسقف خمسين جنيها أما إن كان مبلغ الغرامة ضعف ذلك (مائة جنيه) فالمدة تكون أربعة أشهر. وقد كان مقدار الغرامة المقابل في القانون الثاني ثلاث جنيهات وست جنيهات وكان هذا من ضمن ما استوجب إصدار القانون (اتساق مبالغ الغرامة مع قيمة النقد سنة إصدار القانون
الأمر بإيداع المحكوم عليه بالسجن غير مبرئ للذمة:
المادة (73) من القانونين الثاني والثالث تقرران أن تلك الفترة مجرد وسيلة لإكراه المحكوم عليه للوفاء بالغرامة، وهذا يتسق مع طبيعة الغرامة المالية. ويجعلها دينا حكوميا لا يسقط إلا بالأداء. على ذلك إن لم تجد وسيلة الإكراه فتيلا، فليس للدولة إلا أن تنتظر تغير حال مدينها بثراء ذمته بما يمكنها من تحصيل الغرامة.
وللمرء أن يتساءل ألا يبدو هذا الوضع غير عادل؟
المحكوم عليه أمضى الفترة فعلا، لأنه لم يكن قادرا على الوفاء بالغرامة ومجرد تحمله هذه الفترة في حد ذاته دلالة على فقره، وبالتالي يكون قد عوقب على فقره وليس لجريمة ارتكبها. ومن غير العادل أن يلاحق مرة أخرى في ماله لأنه قد نالته عقوبة عدم الدفع. و لا يرفع هذا العيب ما قاله بعض الفقه من أن فترة السجن هي فقط وسيلة إكراه بدني وليست عقوبة وما قال به آخر من أنها عقوبة على عدم احترام حكم المحكمة ، في الحالين الحقيقة الواقعة أن المحكوم عليه لم يستطع الوفاء بالغرامة، ويظل ما يترتب على حكم المادة (73) هو مجازاة المحكوم عليه عن ذات الفعل مرتين بدنيا وماليا.
ويبدو أن المشرع في القانون الحالي قد تجنب هذه النتيجة باعتباره ما يصدر في حالة عدم السداد عقوبة بديلة وقد نص على ذلك صراحة في المادة (34/3) على أن يحكم بالسجن عقوبة بديلة عند عدم الدفع.
كما استخدم المشرع ذات التعبير في المادة (198/4) من قانون الإجراءات الجنائية الحالي ولا يجعلها عقوبة وجوبيه بل يخير بينها والتعهد أو الكفالة، وطبيعي أن نقول أن المشرع هنا ترك الخيار للمحكمة على ضوء ما يتضح لها من أن المحكوم عليه مماطل أم غير قادر باعتبار أن مطل الغني ظلم يوجب عقوبته وإلا فلا.
تحديد مبلغ الغرامة:
ما انتهينا إليه يجعل من المرتبط بالموضوع أن نقف على تصور المشرع لكيف يكون الحكم بالغرامة؟
اكتفى المشرع في القوانين السابقة ببيان ألا تكون الغرامة فادحة ومع ذلك يفهم من النص أن تراعي المحكمة مقدرة المحكوم عليه المالية، ذلك لأن فداحة الغرامة لا تقدر إلا إذا نسبت إلى المقدرة المالية فما يكون فادحا بالنسبة لفقير لا يكون فادحا لغني فإن كانت العقوبة في مواجهة فقير وبقدر كبير لا يتناسب وذمته المالية فإنه لا يمكنه سدادها ومصيره إلى السجن.
وحتى يكون ذلك عادلا وقد استند الأمر بالإكراه البدني إلى أسبابه القانونية ينبغي أن تكون محكمة الموضوع قد توصلت إلى أن المحكوم عليه لديه ما يمكن أن يسدد منه الغرامة فإن أبى طوعا أجبر على ذلك بالإكراه البدني وإلا فلا. وإن كان هذا اجتهادا فقد نص المشرع الحالي على أن مقدرة المحكوم عليه المالية أحد ضوابط تقدير مبلغ الغرامة وقد أحسن في ذلك.
على كل فقد انتهى بنا الأمر إلى أن وضع المحكوم عليه في السجن عند عدم سداد الغرامة أو تحصيله مع القدرة وسيلة إكراه على السداد ولا يكون بديلا عن سداد الغرامة.
أما قانون العقوبات الرابع فقد جاءت فيه أحكام الغرامة بذاتها في القانون السابق له غير أنه أضاف في المادة (68) أن يحكم بالتعويض من الغرامة ما لم يحكم به استقلالا. و قد جاءت أيضا لتنبه لحق المضرور في التعويض ألا يمس عند الحكم بوضع المحكوم عليه في السجن عند عدم دفع الغرامة، ويبدو أن هذه الإضافة حتى لا يفهم أن وضعه بالسجن يمنع المضرور من التنفيذ مدنيا على المحكوم عليه بالغرامة خاصة وأنه لا يحكم بوضع المحكوم عليه في السجن فيما تعلق بالتعويض لأنه ليس جزءا من العقوبة .
السجن عقوبة بديلة:
كان نص المادة(72) من قانون العقوبات من الثاني حتى الثالث ينص على أنه إذا دفع جزء من مبلغ الغرامة قبل إدخال المحكوم عليه السجن أو حصل، تخفض مدة السجن المحددة لعدم الدفع بنسبة ما دفع أو حصل وقد تعامل المشرع مع مدة السجن ومقدار الغرامة بوحدة الواحد الصحيح وأجزاؤه فان كان نصف المبلغ قد دفع أو حصل قانونا فيخصم من المدة نصفها وإن كان الربع فربعها، ولم ينص المشرع على وحدة قياسية مبلغا من المال.
وهذا يستقيم مع اعتبار وضع المحكوم عليه في السجن وسيلة إكراه فإن دفع من الغرامة أو حصل قانونا نصفها أو ربعها فتخفض المدة بهذه النسبة.
القانون الحالي خروجا عن ذلك جعل المحكوم به عقوبة بديلة بالنص الصريح في المادة 34/3 ( عند الحكم بالغرامة يحكم بالسجن عقوبة بديلة عند عدم الدفع).
ولم يخرج المشرع في قانون الإجراءات الجنائية الحالي عما كان مقررا قبله من حيث إجراءات تنفيذ الغرامة بطرق التحصيل المختلفة من استيلاء وحجز وبيع بما في ذلك العقار والمنقول وديون للمحكوم عليه على آخرين. غير أنه لابد من وقفة عند نص المادة (198/4) منه، إذ أن صياغتها رتبت في التطبيق العملي بعض خلاف:
نصت المادة على أنه:
( إذا تعذر تحصيل مبلغ الغرامة بالطرق المتقدمة فيجوز للمحكمة أن تأمر بتنفيذ عقوبة سجن بديلة أو بالإفراج عن المحكوم عليه في أي وقت بالتعهد أو الكفالة.)
بعض القضاة فهم أن توقع محكمة التنفيذ عقوبة سجن بديلة باعتبار أن النص يقول ( فيجوز للمحكمة أن تأمر بتنفيذ عقوبة سجن بديلة) والتنكير يعني أنها تقرر لأول مرة، وفهم البعض أن تنفذ عقوبة السجن التي قررتها محكمة الموضوع عند تطبيقها لنص المادة (34/3 ) من القانون الجنائي 91 من ذلك ما ورد في السابقة القضائية:
حكومة السودان ضد أ.أ.أ وقد قررت :
1. أن ما رمي إليه نص المادة (198) من قانون الإجراءات الجنائية 1991 هو انه عند إصدار حكم بالغرامة فعلى المحكمة الجنائية أن تصدر أمرا إجرائيا بكيفية الدفع والأداء ويجب أن يكون ذلك في استبيان العقوبة
2. لا تناقض بين نص المادة (198 ) إجراءات جنائية ونص المادة (34 /3) من القانون الجنائي سنة 1991 إذ إن قراءة النصين معا تعطى معنى واحدا هو :
(إذا حكم بالغرامة، فعلى المحكمة أن تأمر بطريقة الأداء وعليها في حالة عدم الأداء بالطريقة التي أمرت بها أن تصدر امرأ بالتحصيل بأي من الطرق الآتية (أ-ب-ج) وإذا تعذر تحصيل الغرامة بالطريقة المتقدمة، فلها أن تأمر بتنفيذ عقوبة سجن بديلة.)
بالرجوع لمذكرة الحكم قد يظن أن هناك خلافا في الرأيين الأول والثاني، إلا أنه حقيقة ليس من خلاف بينهما في أن الغرامة تحصل وفق نص المادة( 198) من قانون الإجراءات الجنائية 1991، وبالخطوات التي حددتها المادة وكل ما قال به الأول هو أن محكمة الموضوع لم تقرر عقوبة السجن البديل في حالة عدم دفع الغرامة، وهذا مخالف لنص المادة (34/3 ) والتي تقرأ
(عند الحكم بالغرامة، يحكم بالسجن عقوبة بديلة عند عدم الدفع فإذا دفع المحكوم عليه جزءا من الغرامة، تخفض مدة السجن البديلة بنسبة ما دفعه إلى جملة الغرامة)
وقد قال به الرأي الثاني وأورد ذات النص. والنتيجة أن المشرع حدد متى تقرر عقوبة السجن البديلة، عند الحكم بها و إن لم تدفع يصار إلى المادة (198) غير أن الرأي الثاني يريد لمحكمة الموضوع وقبل أن تقرر التنفيذ بموجب هذه المادة أن تتحقق من أن المحكوم عليه سينفذ الحكم بالغرامة أم أنه يرفض ذلك فان كانت الأخيرة وطالما أنه سوف لا ينفذ طوعا يكره على الدفع بالطرق المحددة قانونا.
على ذلك فهناك أمر توقيع عقوبة السجن البديل، وأمر تنفيذها، و يرتبط النصان الموضوعي والإجرائي. سواء بدأت به محكمة الموضوع ثم انتهت إلى التنفيذ جبرا أو قررت الغرامة والسجن البديل وتركت الأمر لمحكمة أو مرحلة التنفيذ. ويبدو ذلك جليا من أن الرأي الثاني قال:
(إذا حكم بالغرامة كعقوبة فعلى المحكمة أن تأمر بطريقة الأداء وعليها في حالة عدم الأداء بالطريقة التي أمرت بها أن تصدر امرأ بالتحصيل بأي من الطرق(أ/ب/ج) وإذا تعذر تحصيل الغرامة بالطرق المتقدمة فعليها أن تأمر بتنفيذ عقوبة سجن بديلة )
نعم هكذا الارتباط بين حكم محكمة الموضوع وأمرها وكلاهما يتم تحت مظلة المادة (198). ما ظهر وكأنه اختلاف نتج من أن الرأي الثاني قد ركز على ما ورد في الرأي الأول من انه
في رأينا ليس للمادة 198/1علاقة بعقوبة السجن البديلة )
ولم يركز على قوله: ( لاحظنا أن المحكمة لم توقع عقوبة السجن البديلة عند عدم الدفع) وإلا كان الأمر مختلفا لأني لا احسب انه قصد أن يقول أن الأمر بتحديد عقوبة السجن البديل، يصدر في مرحلة التنفيذ، كما قد يبدو من ظاهر العبارة لأنه ربط بالفعل بين النصين (34/3) من القانون الجنائي والمادة( 198) إجراءات جنائية وجاء قوله في إطار إنفاذ عقوبة السجن البديلة فقد جاء في مذكرته ص4 انه (يلزم القاضي وجوبا عند الحكم بالغرامة أن يصدر امرأ بالأداء وكيفيته) وهو هنا يقصد قاضي الموضوع عند إصداره حكمه. أما عند إنفاذ الحكم فلا يكون تنفيذ الحكم بالسجن البديل ( الذي أصدره قاضي الموضوع ) إلا إذا ثبت عدم الأداء ولم يتم بأي من الطرق المحددة في المادة، هنا وهنا فقط (يوقع) بمعنى ينفذ حكم السجن البديل. وبذا يكون تكامل النصين الموضوعي والإجرائي، ويكون التوفيق أنه:
بموجب الأول بصدر الحكم بالغرامة وتحدد طريقة الوفاء، وينفذ إجرائيا بموجب المادة (198) فينفذ حكم السجن البديل المقرر أمام محكمة الموضوع بعد التحقق من عدم السداد.ولا سؤال هنا عن أمر المقدرة المالية لأن محكمة الموضوع عندما قررت الغرامة حددتها آخذة في الاعتبار مقدرته المالية.
ولعل خاتمة القول في هذه الجزئية أن الحكم بالغرامة ينفذ فورا رغم استئنافه فالحكم بالغرامة ليس من الأحكام المستثناة من التنفيذ الفوري لأن ذلك قاصر على أحكام الإعدام والقصاص والجلد.
من المستفيد من الغرامة؟
الأصل أن الغرامة تورد للخزينة العامة وبالتالي تشكل موردا من موارد الميزانية العامة، لكن المشرع قرر تخصيص الغرامة أو جزء منها تعويضا عن الضرر المترتب على الجريمة وكان ذلك في إطار القانون الإجرائي في مرحلة من التشريع ثم القانون الموضوعي بعد ذلك وظل الأمر على هذا النهج. وهو الوضع الطبيعي للنص طالما أنها عقوبة وتصدرها محكمة الموضع.
وإن كان القضاء قد أعمل السلطة الجوازية لجبر الضرر غير أنه يقصرها الحالات التي يكون فيها الحق في التعويض ليس محل منازعة. وألا يكون المبلغ المحكوم به كبيرا وفي هذه الحالة يجب الحكم بالتعويض على استقلال.
الحكم بقيمة الشيك من الغرامة مشروط بعدم النزاع حول المبلغ
حكومة السودان ضد الشريف محمد عمر ألبركاتي قررت :
1- في حالة الإدانة تحت المادة 179 من القانون الجنائي للمحكمة ان تحكم بكل قيمة الشيك كتعويض للشاكي (المستفيد ) كما من سلطتها أن تحكم بالتعويض كجزء من مبلغ الغرامة وفي الحالتين يشترط أن يكون مبلغ الشيك غير منازع فيه أو عدم وجود نزاع جاد حول المبلغ الوارد في الشيك
2- للمحكمة أيضا أن تفصل في موضوع التعويض مدنيا بالتبعية للدعوى الجنائية استنادا لسلطاتها تحت المادة (46) من القانون الجنائي مقروءة مع المادة 204 من قانون الإجراءات الجنائية وذلك في حالة وجود صلة مباشرة بين الجريمة والضرر .
استقلالية الحكم بالتعويض عن الغرامة:
حكومة السودان ضد محمد عوض السيد عوض الكردي. قررت أنه:
(يجب ألا يضمن المبلغ الواجب رده للمضرور كجزء من الغرامة بل يجب أن يكون مستقلا عنها فإن كان المبلغ المراد رده أو المحكوم به كتعويض مبلغا كبيرا فان العقوبة البديلة في حالة عدم سداد الغرامة ستكون مقيدة بحكم المادة (33) فقرة 6 من القانون الجنائي 1991 ويترتب على هذا أن يفوز الجاني بالمبلغ الضخم مقابل فترة سجن لا تجاوز الستة أشهر أضف إلى ذلك أن الغرامة تسقط بوفاة الجاني وفقا للمادة (34 /1) من القانون الجنائي لسنة 1991 على خلاف التعويض الذي يعتبر دينا على تركته .)
الدية:
لم يكن المشرع قد نص على الدية كعقوبة إلا في قانون العقوبات الرابع وإن كان القضاء قد طبقها كعرف قبلي، وقد نصت عليها المادة 64/1/د وجاءت الفقرة الثانية من المادة ذاتها لتحددها عينا بمائة رأس من الإبل، ونقدا بما يعادل قيمة هذه الإبل بالعملة السودانية.
وقد نص عليها القانون الجنائي 1991 في المادة 42 منه بذات المقدار العيني(مائة رأس من الإبل) أو ما يعادل قيمتها نقدا وفق ما يقدره رئيس القضاء من حين لآخر بعد التشاور مع الجهات المختصة ولكنها لم تعد عقوبة بل أصبحت تعويضا وقد وردت في الفصل الثالث المعنون بالتعويض لذلك تخرج عن إطار البحث.
التطبيق القضائي:
حكومة السودان ضد عبد الله محمود جبور قررت:
(اشتراط تخفيض الحكم إذا دفعت الدية المقررة حسب العرف قرار تصدره المحكمة كجزء من حكمها وليس مجرد توصية توصي بها، ويتم تنفيذ ذلك الشرط بنفس الطرق التي يتم بها تنفيذ بقية الحكم.)
نظام الدية معروف في السودان عند بعض القبائل قبل أن يكون قانونا، لذلك وضعته المحاكم في الاعتبار عند الحكم. وفي هذه القضية أدانت المحكمة الكبرى المتهم تحت المادة (253) من قانون العقوبات وعاقبته بالسجن لمدة ثمان سنوات وأمرت بتخفيض الحكم بالعقوبة إلى سبع سنوات إذا دفع الدية ستين جنيها لأهل القتيل.
جاء في الحكم:
(لم يجر عرف المحاكم من قبل على تحديد مبلغ الدية حيث يترك ذلك التحديد للأطراف وفق العرف المحلي ويتعين التمسك بقاعدة العمل هذه لأنها مناسبة. وإن الدية إذا أتفق على دفعها ودفعت فإنها عامل هام لحفظ الأمن وإصلاح العلاقات. ولتشجيع ذلك يتعين أن يكون التخفيض في العقوبة محسوسا إذا دفعت، لا كما فعلت المحكمة الأدنى.)
وقد تعدل الأمر المتعلق بالدية على النحو التالي:
(اتفق الأطراف على دفع الدية ودفعت فعلا وفقا للعرف المحلي فإنني أقرر تخفيض عقوبة السجن لمدة خمس سنوات)
واضح من الحكم أن القضاء السوداني قبل العرف المحلي بالدية كأحد العناصر لتقدير العقوبة إفساحا للمجال للعرف ليلعب دوره في تحقيق الأمن وحسن العلاقات الاجتماعية بين القبائل في مجتمع يقوم على القبلية، وهي ذات الحكمة الإسلامية من الدية أصلا بصرف النظر عن مصدرها، سواء كانت الخلفية الإسلامية للمجتمع السوداني تاريخيا أو أنها قواعد الحياة القبلية.
كما أنه كانت بادية تماما حكمة رئيس القضاء الأسبق التي بدت في الحكم واضحة حين جعل الأمر المعلن في الحكم يظهر أثر الدية، لأن في هذا تأكيد لفاعليته بإقرار القضاء له وتنفيذه فعلا.
دفع الدية لا يمنع من إجراء المحاكمة:
حكومة السودان ضد كوات أتور جونق قررت :
(الدية كعرف قبلي لدى بعض القبائل في السودان يتعلق دفعها بتقدير العقوبة ولا تكون الدية إذا دفعت سببا مانعا في إجراء المحاكمة.)
أثار المتهم دفعا في استئنافه مؤداه أنه لا تجوز محاكمته طالما أنه سلم الدية للسلطان وفقا للعرف السائد عند قبيلته (الدينكا) وأن أبقار الدية لا تزال تحت يد السلطان.
جاء في الحكم الإستئنافي:
( لقد جرى القضاء على عدم اعتبار دفع الدية مانعا من المحاكمة استنادا إلى أن العقوبة على القاتل حق للجماعة بأسرها لا يجوز التنازل عنه وإن دفع الدية وإن جاز أن يكون سببا لتخفيف العقوبة أحيانا لدى القبائل التي يسود فيها عرف بذلك إلا أن ذلك رهبن بسداد الدية.
الإعدام في حالة ارتكاب المتهم جريمة تحت المادة 251 وذلك بناء على توصية من المحكمة المختصة
قبول الدية شرط لتخفيف العقوبة:
حكومة السودان ضد كي دوي شانج قررت :
(شرط قبول الدية لتخيف العقوبة أن يكون قد وافق عليها جميع الأطراف ودفعت فعلا.)
رفضت محكمة الاستئناف قبول توصية محكمة الموضوع بتخفيض العقوبة لأنها لم تطبق أحكام المنشور رقم 18 هذا يؤكد رضائية الدية من ناحية وضمان تنفيذها بالفعل ليتحقق أثرها في أمن المجتمع وسلامته من ناحية أخرى.
لا دية في حالة البراءة
حكومة السودان ضد الزاكي عبد الله : قررت:
(إن القول بجواز الحكم بالدية كتعويض لأولياء الدم حتى في حالة براءة المتهم لا يتنافى مع أحكام الشريعة الإسلامية فحسب بل يتنافى أيضا مع قواعد العدالة الطبيعية ومقتضى المنطق والعقل)
كان محامي أولياء الدم قد طلب الحكم لهم بالدية تأسيسا على أنه لا يطل دم في الإسلام، بينما كانت الدية في ظل القانون الرابع كما سلف القول عقوبة ولا توقع عقوبة إلا بعد إدانة وهذا أمر معلوم من القانون بالضرورة ، لذلك لم يكن الطلب مبررا وهذا ما قضى به الحكم.
حتى إن كان الطلب على سبيل التعويض المدني فإن المادة(142) من قانون المعاملات المدنية لعام 1984 تجعل المدافع عن نفسه أو عرضه أو ماله غير مسئول عما وقع من ضرر
حكومة السودان ضد جمعة محمد الطاهر قررت:
(1 - الدية لا تكون عقوبة أصلية إلا في القتل الخطأ وتكون بدلا من القصاص في حالة القتل العمد.
2- حكم القصاص ينبغي أن يكون معلقا على شروط تنفيذ ما تم التصالح عليه بحيث لا يسقط ذلك الحكم لمجرد التصالح وإنما بالتنفيذ الفعلي له.)
تجدد المحكمة العليا بهذا الحكم المبدأ المقرر بشأن الدية وقد أصبحت الآن مقررة بحكم القانون ولم يعد الأمر مجرد عرف وقد اشترط الحكم أن تضمن المحكمة تنفيذ التصالح على الدية لكي يؤتي ثماره أمنا وتطبيعا لعلاقة الأطراف الاجتماعية كأثر إيجابي للحكم بالدية.
حكومة السودان ضد روفائيل بادي كسار
قررت:
(الدية تعويض وعقوبة لازمة، ولا سبيل لإبدالها بفترة سجن محددة مهما طالت أو قصرت وأن القول بتحصيلها بالطريق المدني في حالة عدم دفعها أثناء فترة السجن البديلة فيه ضياع لحقوق العباد.)
أكد هذا الحكم القضاء في سابقة مختار التاج أبو نفيسة إلا أنه المشرع استجاب إلى جانب مسائل أخرى للرأي المخالف وغلب جانب التعويض في الدية وقرر تحصيلها وفقا لقانون الإجراءات المدنية وفي هذا المنحى :
حكومة السودان ضد عامر عبد الماجد عمر
وهذا ما يجعل هذه السابقة وسابقة مختار التاج أبو نفيسة وسابقة حكومة السودان ضد الفريد اسكندر موتو التي طبقتها خارج دائرة التطبيق الآن.
دية الجنين:
حكومة السودان ضد محمد عبد الكريم آدم : قررت:
(إذا مات الجنين بسبب الجناية على أمه عمدا أو خطأ ولم تمت أمه وجب فيه غرة سواء انفصل عن أمه وخرج ميتا أم مات في بطنها وسواء كان ذكرا أم أنثى وتقدر الغرة بقيمة خمسة من الإبل.)
حدد الحكم دية الغرة وقيمتها وساوى بين دية الجنين بصرف النظر عن ذكورته أو أنوثته وهذا يتماشى مع مقصد المشرع من حيث المساواة في الدية بين الرجل والمرأة خروجا عما قال به بعض الفقه من اختلاف مقدار الدية.
التجريد – المصادرة:
نصت المادة (64) من قانون العقوبات الثاني على عقوبة التجريد من الأموال في الفقرة (b)منها ونصت عليها المادة بذات الرقم من قانون العقوبات الرابع الفقرة (ح ) منها وقد تقدم بشأنها. أما المصادرة فقد وردت في المادة (36/1) من القانون الحالي، وقد عرفها بأنها الحكم بأيلولة المال الخاص إلى ملك الدولة بدون مقابل أو تعويض.وقد نص عليها كعقوبة على الجرائم ضد الدولة المادتين 50-51 منه ( مع جواز مصادرة جميع أمواله).
ولم تردا في التطبيق العملي كثيرا وقد طبق القضاء مبدأ القانون الأصلح للمتهم استثناء من قاعدة عدم رجعية أثر القوانين الجنائية في السابقة القضائية:
حكومة السودان ضد أبو القاسم محمد إبراهيم وآخرين
ولم تطبق على المدانين عقوبة التجريد من الأموال على أساس أنها وردت جوازيه في قانون العقوبات الرابع بينما كانت وجوبيه في الثالث.
أما عقوبة المصادرة فقد وردت جزئية بشأن الأموال المضبوطة باعتبارها محلا للجريمة، أو ناتجة عنها في كثير من الأحكام القضائية في إطار القانون العام والقوانين الخاصة فيما يلي بعضا من ذلك:
مصادرة العقارات التي تستخدم لأغراض الدعارة
حكومة السودان ضد(بدون اسم) قررت:
(إن مصادرة الأماكن التي تستخدم لأغراض الدعارة وفقا للمادة(155) من القانون الجنائي 1991 جوازيه في حالة الإدانة الأولى وترك تقديرها للمحكمة وفقا لظروف كل قضية ويجوز لها استعمال الحق في حالة المجاهرة والاستهتار والإعلان بالفاحشة وما يثير شعور المواطنين، أما إذا كان المكان معدا للدعارة وتكررت الإدانة وثبت الاعتياد وعدم الاكتراث والإصرار فإن عقوبة المصادرة ملزمة للمحكمة.
ثبوت واقعة واحدة لا يقوم دليلا على ممارسة الدعارة أو التكسب منها وفقا لنص المادة (154/1) من القانون الجنائي 1991 بل يتعين أن يتم ذلك الفعل بشكل متكرر وإثبات عدة حالات في هذا الصدد لأن جريمة ممارسة الدعارة لا تثبت إلا بالتكرار والاعتياد.
المادة (155/4 ) نصت على أنه في جميع الحالات لا يحكم بالمصادرة إلا إذا كان الجاني هو المالك للمحل أو كان المالك عالما باستخدامه لذلك الغرض.
وتشترط الفقرة الأولى من ذات المادة (العلم بأن المحل يستخدم محلا للدعارة وعلى ذلك فالمصادرة لا تجوز إلا إذا ثبت أن المالك سمح باستخدامه وهو يعلم أنه سيستخدم محلا للدعارة)
على ذلك فسلطة المحكمة جوازيه نعم لكن بشرط العلم فلا يكفي أن يكون المحل استخدم للدعارة كركن مادي للجريمة بل لابد من أن يتوفر ركن العلم بغرض الاستخدام لأن العلم في هذه الحالة يكون من قبيل التحريض والمعاونة على ارتكاب الجريمة وبالتالي يعتبر المالك شريكا في الجريمة بالتسبب ويجب في هذه الحالة أن يضم للدعوى لتكون البينة والحكم في مواجهته، وهذا ما يجعل حكم محكمة أول درجة ومن بعده ثاني درجة محل نظر من هذه الناحية.
حكومة السودان ضد قسمة وداعة إسماعيل:
باشرت المحكمة العليا سلطتها القانونية في فحص أحكام محاكم الطوارئ وقتها وألغت الحكم بمصادرة المنزل الذي ثبت أنه استخدم مكانا لصنع الخمور وورد رقم القطعة خطأ فشمل قطعة لا دخل لملاكها في القضية أصلا إنما ورد الرقم نتيجة خطأ الموظف المسئول ولعدم تحري الدقة والتثبت عند إصدار الأمر من ناحية ولأن المتهمة كانت قد اشترت هذا المنزل من أصحاب القطعة التي صدر الأمر بشأنها وكانت جزء منها قبل أن تشتريها ولم تسكنها أو تباشر فيها أي عمل لأنها كانت في السجن وقتها في تهمة أخرى منذ أربعة عشرة يوما سابقة للتفتيش ولم تكن هناك أية بينة تشير إلى أنها مالكة الأدوات المضبوطة في تلك القطعة التي لم تسكنها ولا تعلم بمحتوياتها عند التفتيش.
قالت المحكمة العليا بعد أن سردت كل ذلك و بشأن العقوبة:
( ثم إذا نظرنا للعقوبة نجد أنها كانت تحت المادة (449) من قانون العقوبات سنة 1983 وأن العقوبة المنصوص عليها في هذه المادة هي الجلد والغرامة والسجن ولم يكن هناك نص بعقوبة مصادرة المنازل وحيث أن الثابت أنه لا عقوبة إلا بنص فتكون المحكمة قد تجاوزت ما نص عليه دون مبرر ولا يوجد نص عام اعتمدت عليه المحكمة في المصادرة وحيث أنه ثبت أن الحكم معيب في كل ما اشتمل عليه من خطأ كتابي في موضوع نمرة العقار المصادر وخطأ تطبيق القانون على ضوء البنات.)
وقد أصدرت المحكمة أوامرها بإلغاء الإدانة والعقوبة والحكم بالمصادرة وأمرت بتسجيل القطعة باسم ( قسمة وداعة) وتكيفها بسداد لرسوم المقررة.
عقوبة المصادرة في جريمة التعامل في الخمر لا تشمل العقارات
قررت المحكمة العليا أنه:
(في جريمة التعامل في الخمر تقتصر عقوبة المصادرة على الأدوات ووسائل النقل المستخدمة في ارتكاب الجريمة وعند العود بالإدانة للمرة الثالثة ولا تشمل مصادرة العقارات بأي حال من الأحوال.)
نصت المادة (81) من القانون الجنائي 1991 على أنه:
( من يرتكب للمرة الثالثة الجرائم المنصوص عليها في المواد (78- 79 80) يعاقب بالسجن مدة لا تجاوز ثلاث سنوات أو بالجلد بما لا يجاوز ثمانين جلدة أو بالعقوبتين معا ، مع مصادرة وسائل النقل والأدوات المستخدمة في ارتكاب الجريمة إذا كان أي منها ملكا للجاني ، أو تم استخدامها بعلم المالك)
إذا رجعنا للمواد التي أشار إليها النص نجدها:
المادة (78) تعاقب على شرب الخمر والإزعاج والمادة (79 ) تعاقب على التعامل في الخمر ويشمل التعامل بالبيع والشراء والصنع والتخزين والنقل والحيازة، كل ذلك بقصد التعامل فيها مع الغير سواء بتقديمها أو إدخالها في طعام أو شراب أو مادة يستعملها الجمهور ويشمل أيضا الإعلان عنها أو الترويج لها بأي وجه أما المادة (80 ) فتعاقب على لعب الميسر أو إدارة أماكن لذلك.المادة (81) وضعت العقوبة لتغطي كل تلك الحالات ووضعت لكل حالة منها ما يناسبها من عقوبة فرفع سقف عقوبة السجن وأضاف مصادرة وسائل النقل لمواجهة حالة النقل والتخزين والحيازة إن اقتضى أي منها استخدام وسيلة النقل ومصادرة الأدوات المستخدمة لمواجهة حالة التصنيع. ومن الواضح أن المشرع لم يرد أن يدخل مكان التخزين أو التصنيع أو الحيازة في إطار عقوبة المصادرة ليس قصورا في التشريع بدليل أنه نص على المصادرة في المادة(80) باعتبار أن إدارة الأماكن للعب الميسر أخطر لما فيها من تشجيع لنشر لعب الميسر والتحريض الجماعي لارتكاب الجريمة أما بالنسبة لمحاربة جريمة التعامل في الخمر فتتم بمصادرة الأدوات والخمر نفسها وبذا تتجفف مصادرها ولم يكن الأمر في تقدير المشرع يستدعي المصادرة ولا نحسب أن الأمر كان يستدعي الاجتهاد بمقولة النسخ التي أشار إليها الحكم.
أخذا بكل ذلك يمكن القول أن ما انتهى إليه الحكم من إلغاء للمصادرة يتوافق وقصد المشرع.
قانون الجمارك:: لسنة 1939
مصادرة وسيلة النقل:
حكومة السودان ضد ر.ع.م
باشرت المحكمة العليا الموقرة رقابتها لصحة تطبيق القانون بشأن المصادرة فألغت الحكم بمصادرة المحجوزات بموجب قانون الجمارك لسنة 1986 (المادة 198منه) لمخالفته للقانون تطبيقا وأرست المبدأ الآتي:
(وسيلة النقل المنصوص عليها في المادة(198 ) من قانون الجمارك لسنة 1986 هي وسيلة النقل التي تجتاز الحدود والنقاط الجمركية لإدخال البضائع إلى السودان وليس المقصود وسيلة النقل التي يتم نقل بضاعة بها داخل الحدود وإن كانت تحمل بضائع مهربة)
كان المتهم في هذه القضية يعمل ببيع وصيانة الهواتف المنقولة (الموبايل) وقد وجد بمنزله ما يفوق الثلاثمائة جهاز أغلبها مفكك بغرض الصيانة وقد تأكد ذلك بوجود معدات الصيانة والعديد من قطع الغيار، وقد قدم المتهم لسلطات الجمارك مستندات بشرائه 22 جهاز موبايل وجدت أرقامها في المستندات التي قدمها وكانت العربة قد ضبطت حاملة هذا العدد من الموبايلات من منزل المتهم إلى محله بشارع الجمهورية بالخرطوم.
انتهت المحكمة العليا إلى أنه ليس من أساس للإدانة ولا العقوبة لأن البضائع غير مهربة والعربة لم تستخدم في التهريب وعلى ذلك فليس من أساس للمصادرة ولا شيء يخرج المضبوطات عن دائرة التعامل القانوني.
غير أنه في بعض الحالات تباينت أحكام المحكمة العليا بالنسبة لأساس المصادرة ويبين ذلك من الآتي
ثار من فترة قديمة سؤال ما إذا كانت العملة بضاعة وبالتالي تخضع لقانون الجمارك أم أنها تخضع فقط لقانون رقابة النقد ولائحة مراقبة العملة وقد طرح السؤال في حكومة السودان ضد فاطمة محمد أحمد سعد حيث قررت:
(1- أن كلمة بضاعة الوارد تعريفها في قانون الجمارك تشمل العملة الورقية أو النقدية.
2-أن المادة (8/5 ) من قانون الرقابة المتبقية تسمح بتوقيع أي جزاء يكون الشخص عرضة له تحت أي قانون آخر وذلك يعني أنه يمكن المصادرة تحت قانون الجمارك إذا كانت الوقائع تشكل مخالفة لقانون الرقابة المتبقية وقانون الجمارك.
3- المادة(302) من قانون الإجراءات الجنائية مادة عامة وقانون الرقابة المتبقية قانون خاص ولذلك لا يمكن تطبيق تلك المادة لإعمال المصادرة عند إصدار عقوبة بموجب قانون الرقابة المتبقية طالما كان ذلك القانون لا يحوي نصا بالمصادرة.)
أشار هذا الحكم إلي ما قررته قضية النيل ألمكاشفي التي قررت أن النقود مال منقول لأن كلمة بضاعة في قانون الجمارك تشمل كل أنواع المال المنقول والنقود مال منقول ووجدت على هذا الأساس أن المخالفة يحكمها قانون الجمارك وقانون الرقابة المتبقية لسنة 1950 لكنها اعتبرت أن المشرع الغي العقوبة في قانون الجمارك طالما أنه نص على عقوبة مختلفة في القانون اللاحق له وهو قانون الرقابة المتبقية .
من بعد صدر قانون الرقابة المتبقية لسنة 1966 شاملا مادة معدلة هي المادة 8/5 نصت على أنه:
( توقع العقوبة التي ينص عليها هذا القانون بالإضافة إلى توقيع أية عقوبة أخرى أو جزاء آخر يكون الشخص عرضة له بموجب أي قانون آخر.)
كما رجع الحكم إلى معنى كلمة بضاعة الواردة في قانون الجمارك وأخذ بما ورد في معجم الفاروقي (انجليزي – عربي) وانتهى إلى أن كلمة بضاعة تشمل العملة النقدية أو الورقية وعلى ذلك أيدت محكمة الاستئناف إدانة المتهمة تحت المادة 204 (أ) من قانون الجمارك لسنة 1939 وقانون الرقابة المتبقية لسنة 1966 وأيدت عقوبة المصادرة.
أجابت على السؤال المحكمة العليا دائرة بور تسودان في :
حكومة السودان ضد الياس محمد أحمد : قررت:
(إن الذهب المصنوع على هيئة حلي يعتبر بضاعة مهربة إعمالا لحكم المادة (203 /1/8) من قانون الجمارك التي تتطلب ممن يحمل في وسيلة نقله بضائع من الخارج لإنزالها في السودان أن يقدم بيانا عنها لسلطات الجمارك وإلا اعتبر مرتكبا لجريمة التهريب.)
كانت محكمة الاستئناف بور تسودان قد ألغت أمر مصادرة الذهب (الحلي) الذي أصدرته محكمة الجنايات على أساس أن الذهب المشغول في شكل حلي مستثنى من البيان المطلوب لأن صاحبه يحمله في متاعه.
بررت المحكمة العليا قرارها بإلغاء حكم محكمة الإسئناف بان
( حتى لا يشكل سابقة يكون لها أبلغ الأثر في شل فعالية قانون الجمارك وفتح الباب على مصراعيه لتهريب الذهب علانية ولا خشية لداخل البلاد عن طريق تصنيعه في شكل حلي.)
حكومة السودان ضد بله آدم إبراهيم قررت:
( أن المصادرة تصدر ضد المالك أو وكيله أو الشخص المفوض بواسطته ولذلك يكون على الاتهام واجب إثبات تلك العلاقة إن لم يكن المالك متهما في الجريمة التي تمت بموجبها المصادرة. ولما كان مالك العربة لم يكن متهما مع بقية المتهمين وقد أخذت أقوالهم تحت المادة(218) إجراءات جنائية، ولم تكن في محاكمة مشتركة وفي حضور المتهمين الآخرين فإنها لا تثبت أن السائق كان وكيلا أو مفوضا من صاحب العربة.)
حكومة السودان ضد أحمد أوكير وآخرين قررت:
(إن المادة(2) من قانون الجمارك أدخلت السائق في معنى المالك في التهريب حتى ولو لم يعلم المالك الأصلي أو وكيله بالمخالفة.)
قالت مذكرة الحكم:
(لم يدع لنا المشرع مجالا لتغيير كلمة (مالك) لنجتهد في تفسيرها فقد فسرها في المادة (3) من قانون الجمارك بالآتي: (تشمل بالنسبة لأي وسيلة نقل أي شخص بصفته وكيلا عن المالك أو مفوضا منه في استلام أجرة النقل أو أي رسوم أخرى متعلقة بذلك تكون مستحقة الدفع
في هذه الحالة ليس للمحاكم إلا أن تطبق النص المذكور إذ لا اجتهاد مع النص.على ذلك فإن السيارات المحملة بالبضائع عرضة للمصادرة وفقا لذلك التعريف وقد قصد المشرع ذلك رغم علمه أن سائق العربة هو غير صاحب العربة ما لم يقدها بنفسه بطبيعة الحال)
ومما حكم به القضاء السوداني أنه يشترط للحكم بالمصادرة تحت قانون الجمارك أن يكون قد صدر أمر بحجز البضاعة وتم إعلان صاحب الشأن به
حكومة السودان ضد حسن علي الشريف
قالت محكمة الاستئناف في مذكرة الحكم:
(فيما يتعلق بطلب إعادة النظر فإنني أرى نفسي متفقا في الرأي مع السيد قاضي الجنايات في أنه يجب على سلطات الجمارك أن تتقيد بأحكام المادة (198 ) من قانون الجمارك إذا أرادت الحصول على أمر المصادرة للبضائع موضوع أية قضية وإذا لم تتقيد بنصوص تلك المادة فلا يمكن للمحكمة أن تمارس سلطاتها التقديرية إذ أنه تكون ممارسة هذه السلطات في الحالات التي لا يوجد فيها نص صريح في القوانين الخاصة يوضح الإجراءات التي يجب أن تتخذ ويجب على السلطات المختصة ألا تهمل في واجباتها وتعتمد على سلطات المحاكم التقديرية وعليه فإني أرى أن نؤيد قرار السيد قاضي الجنايات وأن نأمر بتسليم البضاعة للمتهم.)
ويستخلص من الحكم أنه لتتم المصادرة تحت قانون الجمارك لابد من استيفاء الإجراءات التي استوجبها القانون المتمثلة في حجز البضاعة وإعلان صاحبها بهذا الحجز إن لم يتم ذلك فلا يحكم بمصادرة البضاعة.
قانون الغابات: لسنة 1974
حكومة السودان ضد نور الدائم عبد القادر قررت:
( إن تعديل قانون الغابات التابعة للمديريات (لسنة 1974) أضاف عنصرا جوهريا إذ أنه سحب السلطة التقديرية للمحكمة في إصدار عقوبة المصادرة وجعل الأمر بالمصادرة إلزاميا عند الإدانة)
جاء في مذكرة الحكم:
(إن سلسلة الإجراءات التي نصت عليها المادة 13 من قانون الغابات التابعة للمديريات(تعديل سنة 1974) واجبة التقيد بحذافيرها بنفس التسلسل الذي أشارت إليه صراحة فقرات المادة الثلاث وبالذات البند الثاني في المادة المذكورة الذي يلزم الشخص المسئول عن حجز اللوري والحطب في هذا الاتهام بأن يضع علامة تشير إلى الحجز على الناقلة والحطب المضبوط ويرفع تقريرا بذلك إلى القاضي أو ضابط أقرب نقطة شرطة.
التجاهل لأي مرحلة من التسلسل السابق لا يلزم المحكمة بأن تأمر بالمصادرة عند الإدانة)
المصادرة بموجب قانون الإجراءات الجنائية كنص عام
حكومة السودان ضد محمد آدم موسى قررت:
(إن عدم النص في المادة 11 من قانون البترول سنة 1931 (في حالة ارتكاب مخالفة له مثل تخزين البترول) على مصادرة البترول محل الجريمة لا يمنع المحكمة من توقيع عقوبة المصادرة إعمالا لأحكام المادة302/1 من قانون الإجراءات الجنائية سنة 1974 وتخضع ذلك للسلطة التقديرية للمحكمة)
حكومة السودان ضد احمد شعيبو عبد الله فررت
(1- عند إصدار أمر المصادرة يجب مراعاة ظروف القضية وخطورة الجريمة وظروف وسوابق المتهم
2- لا يجوز تنفيذ أمر المصادرة في قضية يجب استئنافها إلا بعد فوات ميعاد الاستئناف أو الفصل فيه.)
التعويض:
لم يكن المشرع السوداني قد نص على التعويض كعقوبة في القوانين من الأول حتى الثالث، وقد نص عليها لأول مرة في القانون الرابع في المادة (64 /1/ط) ونصت الفقرة الرابعة من ذات المادة على أن:
( يحكم بالتعويض كلما رأت المحكمة أن ضررا قد ترتب على المجني عليه أو آله من ارتكاب الجريمة ما لم ينص على ذلك صراحة في العقوبة المحددة للجريمة.)
وقد نصت المادة 46 من القانون الحال على أنه:
(تأمر المحكمة عند إدانة المتهم برد أي مال أو منفعة حصل عليها. ويجوز لها بناء على طلب المحني عليه أو أوليائه أن تحكم بالتعويض عن أي ضرر يترتب على الجريمة وذلك وفقا لأحكام قانوني المعاملات والإجراءات المدنية)
واضح أن المشرع في كلا النصين قصد إلى رفع ضرر الجريمة، وقد ترك المشرع في القانون الرابع الأمر لمحكمة الموضوع أن تقرر ما إذا كان قد ترتب ضرر على الجريمة على المجني عليه أو آله من خلال البينات التي قدمت أمام المحكمة، ولم يجعل منهم مدعيين بهذا الضرر وبيان مقداره، ومن ناحية أخرى إذا كان التعويض مقررا كعقوبة على الجريمة فمحكمة الموضوع هي التي تقرر قيام الضرر ومقدار التعويض. وقد نص المشرع على التعويض وجوبا جبرا للضرر المترتب على امتناع الموظف العام عن أداء عمله إذا ترتب على امتناعه ضررا على الأنفس أو الأموال وكذا إذا تخلي الموظف العام عن واجبه بغير وجه شرعي إذا ما رتب ذلك ضررا على الأنفس والأموال
أما القانون الحالي فقد جعل رد المال أو المنفعة المتحصل عليها من الجريمة وجوبا ولم يوقفه على طلب المجني عليه أو المضرور أما التعويض فيتوقف على طلب المجني عليه أو أوليائه، فلا قضاء إلا بطلب.
وقد جعل المشرع الحالي مرجعية الضرر وعناصره والتعويض المترتب عليه إلى قانون المعاملات المدنية ووفقا لقانون الإجراءات المدنية باعتبارها سلطة مدنية تباشرها المحكمة الجنائية.
وهكذا انتهى تطور الحكم بالتعويض من جزء من الغرامة في حالة السرقة لتعويض المضرور والمشتري حسن النية وتغطية نفقات العلاج والادعاء إلى تعويض الضرر الذي يدخل في حدود ما يمكن الرجوع به على المتهم في دعوى مدنية إلى حكم بالتعويض وفقا لقانوني المعاملات والإجراءات المدنية
ونسوق فيما يلي بعض الأحكام التطبيقية:
تعويض المشتري حسن النية:
حكومة السودان ضد هياف أحمد سمباية
فقد الشاكي بقرته ووحدها بعد خمس سنوات عند المتهم فكانت إجراءات الدعوى الجنائية التي انتهت ببراءة المتهم وتسليم الشاكي البقرة على أن يدفع تعويضا للمشتري حسن النية تحت قانون استرداد الأموال المفقودة و الضائعة لسنة1924.
قررت السلطة الاستئنافية صحة قرار البراءة وصحة الحكم بتعويض المشتري حسن النية تحت القانون الخاص.
وقد حركت الدعوى أساسا تحت تهمتي السرقة واستلام المال المسروق وقضت المحكمة ببراءة المتهم. وأمرت بتسليم البقرة للشاكي وتعويض المشتري حسن النية تطبيقا للمادتين الرابعة والخامسة من قانون استرداد الأموال المفقودة والضائعة لسنة1924.
حكومة السودان ضد عبد الحميد عبد القادر الكردي:
في هذا الحكم قررت المحكمة العليا أن الأمر بتعويض الشاكي عند الإدانة بموجب المادة 362 – ب وفقا لأحكام المادة 77/أ من قانون العقوبات لسنة 1974، لا يصدر في حالة قيام نزاع حول قيمة الشيك،يتطلب الفصل فيه تطبيق القانون الخاص بالنزاع وقواعد الإثبات المدنية بل تكتفي المحكمة بتوقيع العقوبة التي نص عليها المشرع.
هذا يعني أن الأمر بالتعويض قاصر على الحالات الواضحة التي يتبين للمحكمة أن الشاكي سيكون مستحقا لقيمة الشيك إذا ما رفع دعوى مدنية. والحكمة من ذلك ألا تدخل المحكمة الجنائية في إجراءات دعوى مدنية تصرفها عن دعواها الأصلية وهي الدعوى الجنائية التي تختص بها دون غيرها.
حكومة السودان ضد عمر حسن آدم:
ميزت المحكمة العليا بين التعويض والغرامة من حيث القضاء بعقوبة السجن في حالة عدم الدفع حيث يجوز الحكم بعقوبة السجن في حالة الغرامة دون التعويض تأسيسا على أن التعويض تحت المادة 77/أ من قانون العقوبات ليس عقوبة مما نصت عليه المادة 64 من قانون العقوبات 1974. فالحكم بالتعويض حكم مدني ينفذ وفق إجراءات المادة 267 من قانون الإجراءات الجنائية وهي إجراءات مدنية لتنفيذ الغرامة بالاستيلاء أو بالحجز والبيع ..الخ.
حكومة السودان ضد هاشم سر الختم الأمين:
أكد الحكم على مبدأ قررته سوابق قضائية أخرى وهو ألا تحكم المحكمة الجنائية برد قيمة الشيك إذا كانت محل نزاع جاد، يتطلب تطبيق القانون الخاص بالنزاع وقواعد الإثبات المدنية بل تكتفي بتوقيع العقوبة التي نص عليها القانون.
السابقة القضائية رقم م ع/ف386/195 قررت أنه لا سبيل للحكم بالتعويض في حالة البراءة. ومع وضوح نص المادة 46 من القانون الجنائي 1991 (تأمر المحكمة عند الإدانة...) وبمفهوم المخالفة لا أم إن لم تكن إدانة فد رأى صاحب الرأي الأول في الحكم أن براءة المتهم الخامس لا تعفيه من المسئولية المدنية.
حكومة السودان ضد آدم عيسى شعيب:
في هذا الحكم قررت المحكمة العليا بحكم الأغلبية أنه على المحاكم الجنائية أن تتصدى لصلاحياتها وأن تحسم النزاع الذي يرتبط جنائيا بالبينة الراجحة،وذلك بالأمر برد الحقوق رغم الحكم ببراءة المتهم وإطلاق سراحه، وفي حالة صدور الحكم بالتعويض على المحكمة أن تأمر بتحصيل الرسوم.
في حين أن صاحب الرأي الأول بموافقة الرأي الثاني قرر صحة قرار البراءة فقد رأى أن على المحكمة الجناة ممارسة سلطاتها المدنية وأورد نصوص المواد 141 و 198و204 من قانون الإجراءات الجنائية 1991 و لا يسعنا إلا أن ندعم الرأي المخالف فيما ذهب إيه من عدم صحة رأي الأغلبية، ذلك لأنه المادة 141 لا تنطبق إلا في حالة شطب الدعوى لعدم قيام بينة كافية للإدانة فالوضع هنا ليس أمر ترجيح بينات لأن ترجيح البينات يكون حين بقيم الاتهام بينة تبرر تحرير التهمة ورد المتهم عليها وهذا يعني قيام بينة مبدئية ضده إن لم يدحضها تكون كافية لإدانته،حالة المادة 141 أن المحكمة سمعت بينة الاتهام واستجوبت المتهم ووجدت أنه ليس من بينة تكفي لإدانة المتهم الوضع الطبيعي أن تشطب الدعوى لا أن تصدر حكما بالبراءة لأن المتهم لم يتهم أصلا ليبرأ من التهمة، ومع ذلك فإن بينة الإتهام تكشف عن تعلق حق مالي للغير أيا كان الغير، هنا يوجه المشرع المحكمة لاستخدام سلطتها المدنية كمحكمة جنائية وفقا للمادة 204 من قانون الإجراءات الجنائية وهي السلطة المخولة في الحكم بالتعويض. وطبيعي أن يكون الحكم بالتعويض يتطلب البينة لإثبات الضرر المترتب على الفعل الجنائي وأيضا بتقدير التعويض (اثبات مقدار الخسارة أو ما فات من كسب) وبدون ذلك لا مجال للحكم بتعويض، من هنا كانت الفقرة(ج) من المادة ولابد أن يكون كل ذلك مما يواجه به المتهم ليقدم بينته الداحضة له وليكون ذلك لابد من تحرير التهمة متضمنة ما قامت عليه البينة وفقا للفقرة (ج).فالمادة 204 ليست إلا إجراءات تتبعها المحكمة الجنائية للوصول لحكم بالتعويض.توضح سير الإجراءات من لحظة أن تجد أساسا أو سببا لقيام دعوى التعويض ولا علاقة لها بالتعويض موضوعا لأنه محكوم بقانون المعاملات المدنية، وهذه الخطوات الإجرائية ما هي إلا نقل لذات إجراءات قانون الإجراءات المدنية أراد المشرع أن يضعها أمام المحكمة الجنائية
[الإتلاف وإغلاق المحل :
لم يكن المشرع السوداني قد نص على هاتين العقوبتين من قبل وقد وردا لأول مرة في القانون الحالي وكان التصرف في الأشياء المضبوطة وأدوات الجريمة والأموال التي حصلت من الجريمة أو كانت محلا لها من ألأوامر الإجرائية التي تصدرها المحكمة عن نهاية الإجراءات تحت المادة 302 من قانون الإجراءات الجنائية من قبل والتي أصبحت المادة 287 في قانون العقوبات لسنة 1983.
وقد عرفت المادة 36/2 من القانون الحالي الإبادة بأنها:إتلاف المال دون مقابل أو تعويض وهذا يعني إعدام كل قيمة للمال.
الفصل الثاني
القانون المقارن
هذا ما كان من أمر الغرامة في القانون السوداني، واستكمالا لجانب الدراسة ننتقل إلى القانون المقارن في مبحثين نخصص الأول للقانون المصري والثاني للقانون ألإماراتيي.
المبحث الأول
القانون المصري
عقوبة الغرامة هي العقوبة المالية الأصلية الوحيدة في قانون العقوبات المصري ولكنها تكون تكميلية في الجنايات وأغلبها من الجنايات التي يكون الباعث عليها الطمع في مال الغير والاستفادة غير المشروعة من رشوة إلي اختلاس ..الخ وقد عرفها المشرع وبين أحكامها وحدد طرق تنفيذها في قانون الإجراءات الجنائية. ونتناول هذه المسائل تباعا.
تعريفها:
تعرفها المادة 22 من قانون العقوبات المصري بقولها:
( العقوبة بالغرامة هي إلزام المحكوم عليه بأن يدفع إلى خزينة الحكومة المبلغ المقدر في الحكم، ولا يجوز أن تقل الغرامة عن مائة قرش ولا أن يزيد حدها الأقصى في الجنح على خمسمائة جنيه، وذلك مع عدم الإخلال بالحدود التي يبينها القانون لكل جريمة.)
بهذا التعريف تتميز الغرامة عن التعويض ذلك لأنها عقوبة جنائية وقصد منها إيلام الجاني، بخلاف التعويض فلم يقصد منه سوى جير الضرر الناشئ عن الجريمة.
مقدارها:
يحدد المشرع حدها العام بأنها لا تقل عن مائة قرش وحدها الأقصى في الجنح خمسمائة جنيه. على ذلك فالغرامة عقوبة أصلية والتبعية وفق ما قضت به محكمة النقض المصرية منذ عهد قديم
كما ينص القانون المصري على الغرامة النسبية ويرتبط مقدارها بضرر الجريمة أو فائدتها وسميت نسبية لأنه لهذا التناسب بينها وضرر أو فائدة الجريمة. وتتميز الغرامة النسبية عن العادية بأنه يحكم بها على المتهمين المتعددين بغرامة واحدة تضامنا فيما بينهم. لكن ذلك لا يكون إلا إذا كانت الجريمة واحدة وحكم بها على المتهمين بحكم واحد ، مع ملاحظة أن ذلك مشروط بألا يخل بالحدود التي يبينها القانون لكل جريمة وهو القيد الوارد بالمادة 44 من القانون.
تنفيذ الغرامة:
الغرامة واجبة التنفيذ فورا حتى لو استؤنف الحكم بها، ويتم التنفيذ بطلب من النيابة العامة ولا تسقط الغرامة بالوفاة إنما تستوفى من التركة بالطرق المدنية المقررة لاستيفاء الديون، فلا تنفذ على الورثة بطريق الإكراه البدني. ويكون الإكراه البدني بالحبس البسيط ، وتحسب بمقدار يوم واحد عن كل مائة قرش أو أقل، ولا تزيد في المخالفات عن سبعة أيام ومثله للمصاريف أما الجنح والجنايات فلا تزيد عن ثلاثة أشهر للغرامة ومثلها للمصاريف ولا تبرأ ذمة المحكوم عليه بتنفيذ الإكراه البدني إلا بمقدار عشرة قروش عن كل يوم، و يفهم من ذلك أن ما زاد ينفذ مدنيا.
ومما ينص عليه القانون المصري أنه يمكن تشغيل المحكوم عليه بناء على طلبه في أشغال يؤديها للحكومة بمقابل خمسة جنيهات عن كل يوم عمل بدلا عن تنفيذ الإكراه البدني عليه ويشترط المشرع أن يقوم المحكوم عليه بالعمل الموكل له، فإذا قصر أو تغيب بلا عذر تقبله الجهة التي يعمل لصالحها يرسل إلى السجن لتنفيذ الإكراه البدني عليه.
ومن تطبيقات القضاء المصري بشأن الغرامة:
متى تكون الغرامة أصلية؟ ومتى تكون تبعية؟:
(.. الغرامة نصت عليها المادة (46) تخييرية مع السجن أو الحبس كعقوبة أصلية للشروع في جناية عقوبتها إذا تمت هي السجن وفي هذه الحالة وحدها تكون الغرامة في الجنايات عقوبة أصلية، أما إذا قضي بها بالإضافة إلى عقوبة أخرى فعندئذ تكون الأخيرة هي العقوبة الأصلية وتعتبر الغرامة مكملة لها...).
الغرامة من العقوبات التبعية:
الغرامة من العقوبات التبعية إلا أنها عقوبة ناشئة عن الجريمة. والشأن فيها الشأن في العقوبة الأصلية فهي تتبعها في الحكم لتعلقهما كليهما بالحق العام وحده.
المصادرة:
المصادرة في القانون المصري عقوبة مالية عينية تكميلية وقد تكون وجوبيه أو جوازيه، وفيما يلي نستعرض الأحكام المتعلقة بها.
نصت المادة 30 من قانون العقوبات المصري على أنه:
( يجوز للقاضي إذا حكم بعقوبة لجناية أو جنحة أن يحكم بمصادرة الأشياء المضبوطة التي تحصلت من الجريمة وكذلك الأسلحة والآلات المضبوطة التي استعملت أو التي من شأنها أن تستعمل فيها وهذا كله بدون إخلال بحقوق الغير حسن النية. وإذا كانت الأشياء المذكورة من التي يعد صنعها أو استعمالها أو حيازتها أو بيعها أو عرضها للبيع جريمة في ذاته وجب الحكم بالمصادرة في جميع الأحوال ولو لم تكن تلك الأشياء ملكا للمتهم.)
المصادرة نوعان إما عامة أو خاصة الأولى تشمل الذمة المالية للمحكوم عليه بكاملها أما الثانية فخاصة محلها شئ أو أشياء معينة بدواتها، ولا يعترف المشرع المصري بالأولى فقد حظرها الدستور المصري في المادة 36 منه.
وتكون المصادرة وجوبيه إذا كانت تلك الأشياء ضارة بطبيعتها وفي هذه الحالة الهدف من المصادرة واضح وهو سحبها من التداول منعا لضررها، وتكون المصادرة في هذه الحالة تدبيرا وقائيا يفرضه النظام العام. فكل حيازة أو استعمال أو بيع أو عرض لها جريمة في حد ذاته. ولذلك ينص المشرع أنه لا يراعى فيها حق الغير ولو كان حسن النية فالنص يقول ولو لم تكن ملكا للمتهم.
التطبيق القضائي:
( المصادرة إجراء الغرض منه تمليك الدولة أشياء مضبوطة ذات صلة بجريمة، قهرا عن صاحبها وبغير مقابل، وهي عقوبة اختيارية تكميلية في الجنايات والجنح إلا إذا نص القانون على غير ذلك، ف يجوز الحكم بها إلا على شخص ثبتت إدانته وقضي عليه بعقوبة أصلية. وقد تكون المصادرة وجوبية يقتضيها النظام العام لتعلقها بشئ خارج بطبيعته عن دائرة التعامل، وهي على هذا الاعتبار تدبير وقائي لا مفر من اتخاذه في مواجهة الكافة، كما قد تكون في بعض القوانين الخاصة من قبيل التعويضات المدنية، إذا نص على أن تؤول الأشياء المصادرة إلى المجني عليه أو خزانة الدولة كتعويض عما سببته الجريمة من أضرار، وهي بوصفها الأول تكون تدبيرا وقائيا على المحكمة أن تحكم به ما دامت تتعلق بشئ خارج بطبيعته عن دائرة التعامل وهي بوصفها الثاني توفر للمجني عليه صفة المطالبة بها كتعويض، وفي أن يتتبع حقه في ذلك أمام درجات القضاء المختلفة حتى في حالة الحكم بالبراءة.
أعطى الحكم ملخصا وافيا لأحكام المصادرة في القانون المصري وشرحا محكما لأحكام المادة 30 من قانون العقوبات.
ومن ذلك أيضا:
(المصادرة وجوبا تستلزم أن يكون الشئ محرما تداوله للكافة بمن في ذلك المالك والحائز على السواء ولا يجوز القضاء بمصادرة الشئ المضبوط إذا كان مباحا لصاحبه الذي لم يكن فاعلا أو شريكا في الجريمة.)
أساس المصادرة هنا هو أن مجرد حيازة الشئ جريمة في حد ذاته، يريد الحكم أن يقول طالما أن الأمر كذلك وبمفهوم المخالفة لا مصادرة إن كان الشئ مباحا لصاحبه وبالتالي فإن الشئ لا يخرج عن دائرة التعامل المشروع.
إغلاق المحل:
لم ينص المشرع على العقوبات التكميلية في القانون العام على نحو منفصل ولكنها تطبق في القوانين الخاصة ومن ذلك ما قضت به محكمة النقض من أن غلق المحل التجاري في حالة ذبح أو ضبط أو بيع لحوم مخالفة به عقوبة تكميلية وجوبيه:
(غلق المحل التجاري في حالة ذبح أو ضبط أو بيع لحوم مخالفة به، عقوبة تكميلية وجوبيه، القضاء بها في جميع الأحوال إذا كانت اللحوم التي تم ضبطها على ذمة الفصل في الدعوى.)
ومنه أيضا:
(إن القانون اذ نص على إغلاق المحل الذي وقعت فيه المخالفة لم يشترط أن يكون مملوكا لمن تجب معاقبته على الفعل الذي ارتكب فيه ولا يعترض على ذلك بان العقاب شخصي لأن الإغلاق ليس عقوبة مما يجب توقيعها على من ارتكب الجريمة دون غيره وإنما هو في حقيقته من التدابير الوقائية التي لا يحول دون توقيعها أن تكون آثارها متعدية إلى الغير. ولا يجب اختصام المالك في الدعوى عند الحكم بالإغلاق متى كان هذا الحكم قد صدر على أساس أن من مرتكب الجريمة في المحل المحكوم بإغلاقه إنما كان يباشر أعماله فيه بتكليف من صاحبه. وإذن فالحكم بإغلاق الصيدلية من أجل أن موظفا لدى صاحب الصيدلية قد زاول فيها مهنة الصيدلة دون حق هو حكم صحيح.)
المبحث الثاني
القانون الإماراتي
شأن الغرامة في القانون الإماراتي هو شأنها في القانون المصري فهي العقوبة الأصلية الوحيدة، وقد نصت عليها المادة 66/7 من قانون العقوبات الاتحادي.
على ذات النهج السابق نتابع تعريفها وأحكامها.
تعريفها:
عرف المشرع الإماراتي عقوبة الغرامة في المادة (71) من قانون العقوبات الاتحادي بذات التعريف الوارد في القانون المصري بأنه إلزام المحكوم عليه أن يدفع للخزينة المبلغ المحكوم به.
مقدارها:
لا تقل عن مائة درهم ولا تزيد في حدها الأقصى على مائة ألف درهم في الجنايات وثلاثين ألف درهم في الجنح ما لم ينص القانون على خلاف ذلك كله. وبمثل ما هو في القانون المصري لا حكم بالغرامة تضامنا بين المحكوم عليهم إلا في الغرامة النسبية. والمقصود بالغرامة النسبية التي تنسب إلى ما حققه الجاني من الجريمة أو ما سعى لتحقيقه منها وعلة ذلك أنها محددة على أساس عيني مستمد من ضرر الجريمة أو فائدتها.
كما أن تنفيذ الغرامة لا يتوقف على صيرورة الحكم نهائيا بل يتم تنفيذ الحكم حتى مع استئنافه وذلك على أساس أن الأمر لا يضير المحكوم عليه على نحو لا يمكن تداركه فإذا الغي الحكم يمكن رد المبلغ.
ينص المشرع الإماراتي أيضا على اعتبار فترة الحبس الاحتياطي مخصومة من مبلغ الغرامة إذا لم يحكم على المتهم بسوي الغرامة بما يقابل مائة درهم عن كل يوم حبس احتياطي.
أما إن حكم عليه بالحبس مع الغرامة وزادت مدة الحبس الاحتياطي عن المدة المحكوم بها عليه فيخصم ما زاد عن ذلك من مبلغ الغرامة بمعدل مائة درهم عن كل يوم حبس احتياطي زائد.
وباعتبار أن النيابة العامة هي الجهة التي تباشر تنفيذ الأحكام الجزائية فيجوز للمحكوم عليه أن يطلب منها إمهاله لسداد الغرامة، ويجوز للنيابة أيضا أن تأذن له بدفع الغرامة على أقساط على ألا تزيد مدة السداد عن سنتين وإن تأخر المحكوم عليه عن سداد قسط حلت باقي الأقساط وللنيابة العامة أن ترجع عن الإذن الممنوح له إذا ما وجدت ما يدعوها إلى ذلك. ويعامل المشرع الإماراتي الحبس تنفيذا للإكراه البدني معاملة عقوبة الحبس من حيث التأجيل على المرضعة والمجنون ونحو ذلك ويجري التنفيذ بالإكراه البدني بعد أن يكون المحكوم عليه قد أمضى جميع العقوبات المقيدة للحرية المحكوم بها
التطبيق القضائي:
أثر الحكم بالغرامة كعقوبة أصلية:
إذا حكم القاضي بالغرامة كعقوبة أصلية تخيرية فلا يجوز الحكم بالإبعاد
تنص المادة 121 من قانون العقوبات الاتحادي على أنه:
( إذا حكم على أجنبي بعقوبة مقيدة للحرية في جناية أو جنحة جاز للمحكمة أن تأمر بإبعاده عن الدولة ويجب الأمر بالإبعاد في الجرائم الواقعة على العرض. ويجوز للمحكمة في مواد الجنح الحكم بالإبعاد بدلا من الحكم عليه بالعقوبة المقيدة للحرية المقررة للجنحة.)
فالأمر بالإبعاد جوازي في حالة الحكم في جناية أو جنحة بعقوبة مقيدة للحرية وجوبي في حالة جرائم العرض. وجوازي في جرائم الجنح بدلا من الحكم بعقوبة مقيدة للحرية. كانت النيابة العامة قد طلبت الحكم على المتهم بموجب المادتين 3 و 7 من قانون المشروبات الكحولية والمادتين 82/1 و121 من قانون العقوبات الأولى تنص على مصادرة المضبوطات والثانية تنص على الإبعاد . محكمة الموضوع أدانت المتهم وقضت بحبسه لستة أشهر مع الإبعاد.
عدلت محكمة الاستئناف الحكم بأن قضت بتغريم المتهم ألفي درهم وأيدت ما عدا ذلك.
استأنفت النيابة العامة على أساس أن تدبير الإبعاد لا مقتضى له.
نقضت محكمة التميز الحكم بالإبعاد على اعتبار أن العقوبة الأصلية هي الغرامة تخييرا بينها والحبس. وطالما اختارت محكمة الاستئناف الغرامة فلا مقتضى للإبعاد.
أثر تنازل المجني عليها على عقوبتي الرد والغرامة النسبية:
من المقرر أنه بالنسبة لعقوبتي الرد والغرامة فإنه يتعين الحكم بهما ولو تنازل المجني عليه أو أمرت المحكمة بإيقاف التنفيذ لأن هذا الإيقاف لا يتناول إلا عقوبة الحبس و لا يمتد إلى عقوبتي الرد والغرامة النسبية عملا بأحكام المادة 83 عقوبات على أنه إذا كان الجاني قد رد المبلغ محل الجريمة قبل الحكم عليه فلا يكون هناك محل لإلزامه برده مرة أخرى ومن ثم فلا يلزم بالرد عند التنفيذ أما بالنسبة لعقوبة الغرامة النسبية فإنه يتحتم القضاء بها بصرف النظر عما إذا كان المبلغ الواجب رده قد سبق للمتهم رده من عدمه.
خصم مدة الحبس الاحتياطي من العقوبات السالبة للحرية أو الغرامة التي يحكم بها:
من المقرر أن الحبس الاحتياطي ليس عقوبة وإنما هو سلب لحرية المتهم فترة من الزمن يتم خصمها من العقوبات السالبة التي يحكم بها على الجاني عملا بحكم المادة 294 من قانون الإجراءات الجزائية كما يخصم أيضا من عقوبة الغرامة التي يحكم بها عملا بنص المادة 307 من قانون الإجراءات الجزائية التي تقضي بأنه إذا حبس شخص احتياطيا ولم يحكم عليه إلا بالغرامة وجب أن ينقص منها عند التنفيذ مائة درهم عن كل يوم من أيام الحبس المذكور وهو ما يدخل في ولاية جهة التنفيذ وليس جهة الحكم.
المصادرة:
المصادرة عقوبة تكميلية في القانون الإماراتي بموجب المادة 82 من قانون العقوبات ألإتحادي والتي تنص على أنه:
للمحكمة عند الحكم بالإدانة في جناية أو جنحة أن تحكم بمصادرة الأشياء المضبوطة التي تحصلت من الجريمة أو التي استعملت فيها أو التي كان من شأنها أن تستعمل فيها وذلك كله دون إخلال بحقوق الآخرين حسني النية.
وإذا كانت الأشياء المذكورة من التي يعد صنعها أو استعمالها أو حيازتها أو بيعها أو عرضها في ذاته جريمة وجب الحكم بالمصادرة في جميع الأحوال ولو لم تكن الأشياء ملكا للمتهم.
واضح من النص أن عقوبة المصادرة جوازيه في الحالة الأولى وجوبيه في الحالة الثانية. وفي كلا الحالين هي مصادرة جزئية عينية عقوبة تكميلية. وبدوره المشرع الإماراتي لا يجيز المصادرة الكلية لأن الدستور ألإتحادي يحظرها.
ويميز الفقه بين أن تكون المصادرة عقوبة أو تدبيرا احترازيا. تكون عقوبة إذا كانت جوازيه، ويشترط لها أن تكون الأشياء المضبوطة ملكا للجاني حتى يتحقق الإيلام المالي وهو المقصود من العقوبة. أما المصادرة الو جوبيه فإنها تأخذ صفة التدبير الوقائي وطبعا لا يشرط أن تكون ملكا للجاني لأن القصد منها هنا مواجهة الخطر الناجم عنها بذاتها،لذلك تصادر حتى لو لم تكن ملكا للمحكوم عليه.
وقد تكون المصادرة تعويضا وفي هذه الحالة تأخذ حكم التعويض فلا يحكم بها إلا بطلب المضرور، و إلا بقدر ما يستحقه.
التطبيق القضائي:
مصادرة المستندات المزورة:
إن المصادرة في حكم المادة 82/2 من قانون العقوبات هي تدبير وقائي على المحكمة أن تحكم به ما دامت تتعلق بشئ خارج عن دائرة التعامل بطبيعته لأن أساسها دفع الضرر من بقائها في يد من يحوزها أو يحرزها. لما كان ذلك كذلك وكان الحكم المطعون فيه قد انتهى في قضائه إلى ثبوت تزوير رخصة القيادة الصادرة من المملكة العربية السعودية، والطلب الخاص باستخراج رخصة قادته من الإدارة العامة لمرور دبي ومن ثم فإن حيازتها واستعمالها يعد جريمة في ذاته مما كان يوجب الحكم بمصادرتها.
رخصة القيادة محل الدعوى ثبت أنها مزورة، وبالتالي لا يجوز استعمالها وبقاءها تحت يد المحكوم عليه أو غيره يجعل ذلك واردا، بالتالي تخرج عن دائرة التعامل بها قانونا، من هنا كان الحكم بالمصادرة، وهذا موضع تعليقنا على المصطلح، فالأولى الإبادة لأنه بها تخرج واقعا وقانونا عن التعامل بإبادتها، ما يتبع عملا هو أن تحرق المستندات المزورة.
مصادرة المواد المخدرة والمؤثرات العقلية:
(لما كانت المادة 56 من القانون رقم14/1995 في مكافحة المواد المخدرة والمؤثرات العقلية توجب مصادرة المواد المخدرة والمؤثرات العقلية التي تكون محلا لجريمة معاقب عليها موجب هذا القانون بما مفاده أن مصادرة المواد المخدرة والمؤثرات العقلية محل الجريمة واجبة حتى مع القضاء بالبراءة لأن حيازتها تعد جريمة وإذ كانت المصادرة على النحو المتقدم بيانه متعلقة بالنظام العام فإنه كان يتعين القضاء بمصادرتها بصرف النظر عن تبرئة المتهمين لعدم علمهما بان المادة المضبوطة مادة مخدرة.)
هنا أيضا يتبدى الأمر بين الإبادة والمصادرة، والنفس أميل للأولى دون الثانية، ولكنه المقر قانونا وتطبيقا في مصر والإمارات وهكذا يريدها المشرعان ولابد أن يلتزم القضاء بالنص.
إغلاق المحل:
ينص المشرع الإماراتي على التدابير الجنائية في الباب السابع من قانون العقوبات ألإتحادي وقسم التدابير الجنائية إلى تدابير مقيدة للحرية أو سالبة للحقوق أو مادية وقد تضمن الفرع الأول التدابير المقيدة للحرية والفرع الثاني للتدابير السالبة للحقوق والمادية.
وقد نصت المادة 122 على التدابير السالبة للحقوق والتدابير المادية وورد تدبير إغلاق المحل في الفقرة الرابعة منها باعتباره تدبيرا ماديا.
وجاء نص المادة 128 من قانون العقوبات الاتحادي ينص على:
( فيما عدا الحالات الخاصة التي ينص فيها القانون على الإغلاق يجوز للمحكمة عند الحكم بمنع شخص من ممارسة عمله وفقا للمادة 126 أن تأمر بإغلاق المحل الذي يمارس فيه هذا العمل وذلك لمدة لا تقل عن شهر ولا تزيد على سنة.)
يرتبط تدبير إغلاق المحل بارتكاب الشخص لجريمة بسبب إخلاله بواجبات مهنته أو حرفته أو نشاطه التجاري أو الصناعي، وحتى لا يكون استمرار العمل في المحل الذي تمت فيه الجريمة وكتدبير مادي يقرر المشرع إغلاق المحل حتى لا يكون سببا في عودة الجاني لارتكاب ذات الجريمة، أو جريمة مماثلة لها.
ويستتبع الإغلاق حظر مباشرة العمل أو التجارة أو الصناعة نفسها في المحل ذاته، سواء كان بواسطة المحكوم عليه أم عن طريق أي من أسرته، ولا يشمل هذا مالك المحل أو أي شخص له حق عيني على المحل.
وأخيرا فإن مدة الإغلاق فيما حدده المشرع الإماراتي يتفق مع ما حدده المشرع السوداني لمدة لا تقل عن شهر ولا تزيد عن سنة.
للأسف لم نجد في نظام الحاسب الآلي ولا مجلدات أحكام محكمة التميز ما يتعلق بهذا التدبير المادي، ونكتفي بما أوردناه بشأنه نظرا، ويمكن الاستهداء بأحكام محكمة النقض المصرية وقد ورد بعضا منها في الموضوع.
وبهذا نصل إلى خاتمة البحث لنوجز نتائجه وندون توصياته.
النتائج
العقوبات المالية التي قررها المشرع السوداني هي التجريد من الأموال (المصادرة) والغرامة. وقد أضاف القانون الرابع إليها التعويض ولم يعتبر القانون الحالي التعويض من العقوبات ونص على الإبادة وإغلاق المحل.
وفي القانون المقارن فإن الغرامة هي العقوبة الأصلية الوحيدة من العقوبات المالية في القانون المصري والقانون الإماراتي.
تتفق القوانين الثلاثة في أن تقدير الغرامة متروك لقاضي الموضوع مراعيا طبيعة الجريمة وقدر الكسب غير المشروع فيها ودرجة مسئولية الجاني وحالته المالية، ولم ينص القانون السوداني على تضامن المحكوم عليهم في سداد الغرامة، وقد نص عليها المشرعان المصري والإماراتي في حالة الغرامة النسبية.
لا خلاف بين القوانين الثلاثة أن تنفيذ الغرامة فوريا على الرغم من استئناف الحكم وكذلك في تنفيذ الغرامة بالإكراه البدني.غير أنه تباشر النيابة العامة في الإمارات النيابة العامة على خلاف الحال في السودان ومصر حيث الاختصاص للمحاكم.
لا تنقضي الغرامة بالوفاة في القانون المصري وتنقضي بها في السوداني والإماراتي.
تجيز القوانين الثلاثة تأجيل الغرامة وتقسيطها ويجيز القانون المصري استبدالها بالشغل لصالح الدولة، ويخصم من الغرامة مائة قرش عن كل يوم عمل أما الإماراتي فإنه يسقط بكل يوم من الإكراه البدني مائة درهم من الغرامة المنفذ بها. وكذا الحال بالنسبة للحبس الاحتياطي. ويشارك القانون المصري رصيفه الإماراتي في أمر الحبس الاحتياطي وبمقابل خمسة جنيهات عن كل يوم حبس احتياطي خصما من الغرامة. وينص القانون السوداني على عقوبة بديلة في حالة عدم دفع الغرامة وهي عقوبة سجن تحددها محكمة الموضوع.
يجيز القانون السوداني تخصيص الغرامة كلها أو جزء منها على سبيل التعويض وليس الحال كذلك في المصري والإماراتي.
نصت القوانين الثلاثة على عقوبة المصادرة وتصنف في القانونين المقارنين عقوبة تكميلية،ولا يجيزان المصادرة العامة وفقا للدستور في البلدين، ويتسع معناها وأثرها لتشمل الإبادة، بينما ينص القانون السوداني على الإبادة كعقوبة قائمة بذاتها.
بينما ينص القانون السوداني على إغلاق المحل كعقوبة ينص عليها المشرعان المصري والإماراتي كتدبير احترازي ولا فرق من حيث الهدف ومن حيث الواقع العملي ولا يعدو الأمر أن يكون أمر تصنيف فني.
نص القانون الإماراتي دون المصري على الدية كعقوبة أصلية بينما نص عليها المشرع السوداني في القانون الحالي كجزاء من غير جنس العقوبة.
يستطيع المرء القول أن نظرية العقاب المالي في القوانين الثلاثة جوهرا واحدة مع اختلاف بعض التفاصيل التي لا تؤثر على الجوهر،وكذا الحال في التطبيق العملي.
التوصيات
من الأهمية بمكان تعميق الدراسات الفقهية والمقارنة في القانون الجنائي لمساسه المباشر بالأموال والأعراض وحريات العباد،وفي غياب مذكرة تفسيرية للقانون الجنائي، والتطور الكبير في علم العقاب، فأنه لابد من توصية بتوسيع فرص الدراسات العليا والبحثية والتشجيع عليها بشتى السبل خاصة في الإطار المهني بأضلعه العدلية الثلاث القضاء الجالس والواقف والنيابة العامة والشرطة.
كما أنه لابد من نشاط واسع لأجهزة التدريب المعنية في هذه المهن بعقد المؤتمرات وورش العمل والسمنارات تعاونا بين كل هذه الأجهزة، وبينها والجامعات في المركز والولايات وتوسيع دائرة المشاركة داخليا وخارجيا فكل ميزانية اتفق في هذا الاتجاه استثمار حقيقي في النظام العدلي.
هذا على مستوى الأداء العام، على مستوى التشريع لعله من المناسب توصية بإعادة النظر في صياغة المادة 198 من قانون الإجراءات الجنائية 1991 رفعا للتباين في التطبيق وضبطا لصياغة النص.
النص المقترح:
المادة 198/4 (إذا تعذر تحصيل مبلغ الغرامة بالطرق المتقدمة فيجوز للمحكمة أن تأمر بتنفيذ عقوبة السجن البديلة أو بالإفراج عن المحكوم عليه في أي وقت بالتعهد أو الكفالة.)
درء لآثار الضارة للسجن البديل حبذا لو أدخل المشرع نظام الشغل لصالح الدولة كبديل عن أو بالإضافة لعقوبة السجن البديل استفادة من التجارب التشريعية الأخرى وكوسيلة اقتصادية لتحصيل الغرامات دون آثار سالبة على الأسرة والمحط الاجتماعي للمحكوم عليه.وهذا يجعل الغرامة ذات عائد اقتصادي فعلي.
النص المقترح:
198/4/أ : إذا تعذر تحيل مبلغ الغرامة...
إضافة/4/ب: يجوز للمحكوم عليه بالغرامة أن يطلب من المحكمة المختصة أن تستبدل بالشغل لصالح الدولة في الأعمال التي تراها إدارة السجن بتوصية منها، الغرامة كلها أو جز منها، ويخصم من مبلغ الغرامة ما تقدره الإدارة المعنية ويوافق عليه المتهم مقابل كل يوم عمل.
أو في ذات الفقرة 4 يستمر النص : ويجوز للمحكوم عليه...
المراجع والمصادر
المراجع الفقهية الشرعية:
1 - تبصرة الحكام في أصول الأقضية و مناهج الأحكام – الإمام برهان الدين أبي الوفاء إبراهيم بن الإمام شمس الدين ابي عبد الله محمد بن فرحون المالكي- دار الكتب العلمية – بيروت – لبنان - 2001
2 - الطرق الحكمية في السياسة الشرعية – للإمام أبي عبد الله محمد بن أبي بكر ألزرعي-ابن قيم الجوزية – دار الكتب العلمية – بيروت – بتحقيق محمد حامد ألفقي – ب . ت.
3 - عبد القادر عودة- التشريع الجنائي الإسلامي مقارنا بالقانون الوضعي – دار الكتاب العربي بيروت – ب. ت – ج 1-2
المراجع الفقهية القانونية:
4 المستشار إيهاب عبد المطلب – العقوبات الجنائية في ضوء الفقه والقضاء المركز القومي للإصدارات القانونية - القاهرة
5 د. محمد محيي الدين عوض – قانون العقوبات السوداني معلقا عليه – دار الكتاب الجامعي – القاهرة – 1979
6 - د.سليمان عبد المنعم – النظرية العامة لقانون العقوبات – دار الجامعة الجديدة للنشر – الإسكندرية – 2000
7 د. حسن محمد ربيع – شرح قانون العقوبات الاتحادي – القسم العام – ج1-2 أكاديمية شرطة دبي 2006
8- د. فتحي صادق المرصفاوي – المرصفاوي في القانون الجنائي- منشأة المعارف 2001 – ج-1: 4
9 – قانون العقوبات معلقا عليه بأحكام النقض حتى 1996 – المستشار معوض عبد التواب – الطبعة الثانية – 1997 – دار الفكر العربي القاهرة.
المنشورات:
10- المنشورات القضائية السودانية
المجلات والمجلدات الدورية القضائية:
11- مجلة الأحكام القضائية السودانية 1961: 2007
12- مجموعة الأحكام والمبادئ القانونية الصادرة عن محكمة التميز- دبي
هذه مساهمة جديدة عبارة عن دراسة تأصيلية تطبيقية للعقوبات المالية في القانون السوداني مقارنة ببعض قوانين عربية أخرى.
----------------------------------
العقوبات المالية - النظر والتطبيق
في القانون الجنائي السوداني وبعض القوانين العربية
دراسة مقارنة
تهدف الدراسة إلى الوقوف على أحكام العقوبات المالية في التشريع السوداني والمقارن وتطبيقها قضاء ونمهد لذلك بنبذة قصيرة عنها من حيث الفقه الإسلامي والوضعي.
تمهيد:
العقوبة ضرب من ضروب الجزاء المترتب على المسئولية الجنائية ونتيجة لازمة لها وبدونها تكون المسئولية الجنائية مجرد لوم اجتماعي وأخلاقي لا يرجى من ورائه ردع عام يمنع الآخرين من سلوك المدان ولا خاص يمنع المسئول جنائيا نفسه عن تكرار جنوحه للجريمة.
وقد تطورت العقوبات عموما تطورا مطردا مع تطور القانون الجنائي ونظريات علم العقاب الحديثة فاستبدل منها ما استبدل وعدل منها ما عدل تبعا لما وجدت من انتقاد من رواد هذا العلم، ولما كانت الدراسة قاصرة على العقوبات المالية فلا مبرر لدراسة ماضي وحاضر العقوبات الأخرى وتكون محل النظر هي وحدها دون سواها ليشمل ذلك تأصيلها فقها إسلاميا وقانونيا وما نسبه إليها الفقه القانوني من مزايا وعيوب وما انتهى إليه عبر كل ذلك من أخذ بها أو ترك إلى جانب تطورها تشريعا وضعيا في القانون السوداني.
وليكن البدء بشأنها في الشريعة الإسلامية:
من المسلم به أن الشريعة الإسلامية عاقبت على بعض الجرائم التعزيرية بعقوبة الغرامة ، من ذلك غرامة سارق الثمر المعلق بضعفي ثمن ما سرق لقوله صلى الله عليه وسلم( ومن خرج بشيء فعليه غرامة مثليه والعقوبة)
ومن حيث قول الفقه القانوني عنها:
أنها قديمة العهد في الشرائع الجنائية وترجع في أصلها لنظام الديات الذي كان شائعا في كثير من الشرائع القديمة. وقد كان مجالها واسعا في فرنسا في العهد القديم السابق للثورة وقد شجع على ذلك أنها عقوبة مربحة، ولم يولها مشرع الثورة الفرنسية ما كان لها من الاهتمام في العهد القديم وهذا ما جعلها تأتي في القانون الفرنسي والقوانين التي أخذت عنه ومنها المصري في مرتبة ثانوية بالقياس إلى العقوبات المقيدة للحرية، ولكنها استردت مكانتها بين العقوبات في العهد الأخير فكثر الالتجاء إليها خصوصا في الجرائم التي يكون الباعث عليها الطمع في مال الغير والاستفادة غير المشروعة.
ولا يختلف نظر أهل العلم بالشريعة والقانون إليها من حيث مزاياها وعيوبها من الأولى أنها لا تكلف الدولة شيئا بل على العكس تشكل موردا لميزانيتها، ولا تمس المحكوم عليه بها اجتماعيا فتصمه بالتحقير في نظر المجتمع مثل ما هو الحال بالنسبة لعقوبة السجن، كما أنها لا تؤدي إلى مخالطته مرتادي السجن بما يؤدي إلى اكتسابه خبراتهم السيئة الأمر الذي يخلق منه مجرما محترفا،إلى جانب أنها عقوبة مرنة يمكن أن تتوافق ومقدرة كل محكوم عليه، فوق هذا وذاك هي قليلة الأثر على من يعولهم وبذلك لا تفقد صفة أنها عقوبة شخصية.
أما عن عيوبها فجميعهم ينسب إليها أنها ثقيلة على الفقير سهلة ميسرة على الغني فتثقل كاهل الأول دون الأخير فتفقد عدالتها ومساواة الناس فيها.
جميعهم يرون أن هذا لا يحول دون العمل على تجنب ما قيل أنها عيوب تعتريها الأمر الذي يجعلها أفضل من غيرها على الأقل لأنها أقل العقوبات عيوبا، فيمكن تلافي مجافاتها لمقدرات البعض المالية بالنص على فرضها بما يتناسب والحالة المالية لمن تفرض عليه، الأمر الذي يجعلها أكثر عدالة ومعقولية ومقبولية.
العقوبات المالية مما نص عليه التشريع الجنائي في السودان ودول عربية أخرى وهي تشمل الغرامة والمصادرة والرد وجبر الضرر. وتتناول الدراسة هذه العقوبات في القانون الجنائي لسنة 1991 وما سبقه من قوانين العقوبات في المراحل المختلفة من مسيرة التشريع في السودان مقارنا بما قررته القوانين الأخرى المقارنة، مع نماذج من أحكام القضاء بقدر المتاح.
تتكون الدراسة من فصلين ومبحثين لكل فصل على النحو التالي
الفصل الأول
العقوبات المالية في قانون العقوبات السوداني
(1889 :1991 )
مر التشريع في السودان بمرحلتين الأولى منهما كانت لغة المشرع فيها هي الإنجليزية لذا كان النص الإنجليزي هو الأصل وأما الثانية فقد أصبحت اللغة العربية هي لغة الدولة الرسمية من ثم أصبحت لغة القانون بنصه الأصلي.
من هذا المنطلق يجيء طرح أحكام العقوبات المالية في المرحلتين عبر مبحثين على ما يلي.
المبحث الأول
قانون العقوبات ما قبل الترجمة
يتناول المبحث النصوص ذات الصلة من قانون العقوبات لسنة 1889 و1925 وبهذا الترتيب وتكون الإشارة لهما فيما بعد بالأول والثاني باعتبار أنهما أول وثاني قانون عقوبات صدرا في السودان.
ولما كان نص المادتين( 41 و 64) في كليهما لم يختلف عن الآخر فيردان معا دون حاجة إلى تفصيل في ذلك.
جاء نص المادة( 41 ) من قانون العقوبات الأول وتقابلها من القانون الثاني المادة 64 شاملا لست عقوبات هي الإعدام والتجريد من الأموال والسجن والحجز في الإصلاحية والغرامة والجلد بالسوط.
تراوحت هذه العقوبات بين عقوبة استئصاليه تستهدف نفس الجاني إلى عقوبة تسلبه حريته إلى أخرى تقع على كامل ذمته المالية إلى رابعة تحرمه من جزء من ماله وأخيرا عقوبة تنال من اعتباره لما فيها من إهانة له.
وما يعنينا في الدراسة هي العقوبة المالية وهي ما تشمل كل ذمة الجاني المالية أو بعضها فقط وفي كل ذلك فما جرد منه الجاني أو أقتطع من ماله يؤول إلى الخزانة العامة بحسب الأصل. وقد كانت عقوبة التجريد مقررة عقوبة على جرائم ( محاربة الدولة) على أساس أنها أموال استغلت في استهداف أمن المجتمع كله، وهي عقوبة تلي في شدتها عقوبة الإعدام والسجن المؤبد.
ومقتضى عقوبة التجريد أن تنزع الدولة مجموع ما تحويه ذمة المدان المالية وبذا تجرده منها. أما عقوبة الغرامة فإلزام المدان بأن يدفع للخزانة العامة مبلغا محددا بموجب الحكم.
كان المشرع يقرر التعويض كجزء من الغرامة في حالة السرقة إذا استرد صاحب المال ماله من المشتري حسن النية، وتطور الأمر بعد ذلك وبدء من القانون الثاني بإدخال المادة( 77 /أ ) لتقرير التعويض في حالة الإدانة ولو لم تحكم المحكمة بعقوبة. وكانت هذه بداية سلطة المحكمة الجنائية في جبر ضرر الجريمة وجعل تحصيل المبلغ كما لو كان غرامة بموجب المادة(313) من قانون الإجراءات الجنائية1974 كما كان يجوز إحالة الأمر إلى المحكمة المدنية لتنفيذه
وكان مما قرره القضاء السوداني أن يقتصر التعويض أمام المحكمة الجنائية على الحالات الواضحة التي يستحق فيها المجني عليه بلا جدال تعويضا أمام المحكمة المدنية.
كما طبق أحكام التعويض في حالة المشتري حسن النية وفقا لأحكام قانون استرداد الأموال الضائعة والمسروقة لسنة1924.
وقد وسع القضاء السوداني من تفسير المادة 77 /أ لتشمل إزالة الضرر إلى جانب التعويض النقدي فقضى باسترداد العقار المعتدى عليه من يد المعتدي كشكل من أشكال التعويض.
ومما قضى به أيضا أن التعويض النقدي ليس هو وسيلة جبر الضرر المتعلق بالسمعة بل هناك وسائل أفضل منه مثل نشر الحكم على نفقة المحكوم عليه أو الاعتذار للمحكوم له علانية.
وقد ميز القضاء السوداني بين الحكم بتخصيص الغرامة أو جزء منها على سبيل التعويض والحكم بالتعويض على استقلال من حيث إجراءات التنفيذ،بأنه في الحالة الأولى تنفذ الغرامة تحت قانون الإجراءات الجنائية ثم إن حصلت يعوض منها المضرور، أما الثانية فتنفذ وفق ما تنفذ به الأحكام المدنية، ويستطيع المضرور متابعة إجراءات التنفيذ إذا ما صدر أمر المحكمة بالتنفيذ بالحجز والبيع بموجب المادة 267 من قانون الإجراءات الجنائية
هذا ما كان من أمر العقوبات المالية فقها وتشريعا، في هذه المرحلة وسيجيء التفصيل الأوفى بشأنها وتطبيقها قضاء، من خلال طرح موضوع عقوبة الغرامة لتداخل الأمر بينها و التعويض.
حدد المشرع في المواد من 68 الى73 من قانون العقوبات الثاني الأحكام المتعلقة بالغرامة ولم يخرج بذلك عما كان مقررا في القانون الأول ونشير إليها فيما يلي:
مبلغ الغرامة:
لم يحدد المشرع حدا معينا للغرامة كقاعدة عامة لكنه وضع إطارا عاما ألا تكون فادحة ، ويترتب على هذا أن يكون في حسبان المحكمة عند تقدير العقوبة مقدرة المدان المالية فان استغرقت ماله أو معظمه فإنها تكون فادحة وخرجت عن أنها غرامة لتصبح مصادرة كلية أو جزئية وهذا ما لم يرده المشرع وإلا كان قرره.
في حال عدم سداد الغرامة يقرر المشرع إيداع المحكوم عليه السجن سواء كانت الغرامة عقوبة أخرى مع السجن أو لم تكن وسواء كانت تحت قانون العقوبات أو أي قانون آخر، على أنه إذا كانت عقوبة الغرامة هي العقوبة الوحيدة فإن مدة وضع المحكوم عليه في السجن لا تجاوز ربع مدة العقوبة المقررة للجريمة.
على أن يخل سبيل المحكوم عليه إن دفعت الغرامة بعد إيداعه السجن أو حصلت بإجراء قانوني وإن دفع أو حصل نصفها يخل سبيله إذا ما أمضى نصف المدة المحددة لإيداعه السجن
الغرامة لا تسقط بالوفاة:
مما قرره المشرع أيضا أن عقوبة الغرامة لا تسقط بوفاة المحكوم بها عليه رغم أن العقوبة شخصية وقد برر الفقه ذلك بأنها أصبحت بموجب الحكم دينا حكوميا مستحق التحصيل من التركة على أساس أنه لا تركة إلا بعد دين.
تنفيذ الحكم بالغرامة:
نصت على إجراءاته المواد من( 267 إلى 269 )من القانون الثاني وما يقابلها من القانون الأول ويمكن بيانها على النحو التالي:
أجازت المادة (267) للمحكمة وفقا لسلطتها التقديرية وعلى الرغم من أن الحكم تضمن وضع المحكوم عليه بالسجن في حالة عدم استيفاء الغرامة أن تستولي على أي مال منقول خاص بالمحكوم عليه و الحجز على أية ديون مستحقة له على الغير وحجز أي أرض عائدة إليه – بعد موافقة السلطة المختصة – وبيعها، ويوجه الأمر بالحجز والبيع إلى قاضي دائرة الاختصاص.
كما نصت المادة 269 على جواز إعطاء مهلة لسداد الغرامة وتقسيطها و تأجيل بيع العقار الذي تم حجزه لاستيفاء الغرامة وكذا تأجيل تنفيذ إيداع المحكوم عليه السجن مع تقديم الضمانات ا للازمة.
أما في حالة الفشل في كل ذلك للمحكمة أن تأمر بإيداعه السجن للفترة المحددة بالحكم أو المتبقي منها.
المبحث الثاني
القانون السوداني معربا
لما كانت مرحلة التعريب للقوانين الجنائية قد بدأت بقانون العقوبات لسنة 1974 فإن بداية هذا المبحث ستكون به، على أن يكون قاعدة للمقارنة مع القوانين المعربة اللاحقة له
نصت المادة( 64) من قانون العقوبات لسنة 1974 على الآتي:
( العقوبات التي توقع بموجب هذا القانون هي:
(أ) الإعدام
(ب) التجريد من الأموال
(ج) السجن
(د) الحجز في الإصلاحية
(هـ) الغرامة
(و) الجلد بالسوط.)
ما يعنينا في هذا النص الفقرتين (ب و هـ) .
التجريد يعني أن تؤول أموال المحكوم عليه كلها للخزانة العامة، وقد سبق بيان مبرر ذلك ونطاق تطبيقه ولا ضرورة لتكراره.
أما عقوبة الغرامة فتعني إلزام المحكوم عليه بأن يدفع إلى الخزانة العامة مبلغا محددا بموجب الحكم، سواء كان ذلك مع السجن أو بدونه، ولم يحدد لها المشرع حدا أعلى ولا أدنى كقاعدة عامة ، كل ما اشترطه المشرع ألا تكون الغرامة فادحة ، وبذا يكون قد سار ذات مسار سابقه، وإن كان ذلك لم يشكل قاعدة ثابتة فقد وجدنا المشرع أحيانا يحدد الحد الأعلى في الغرامة كعقوبة مالية .
وقد نصت المواد( 69 ) وما بعدها من قانون الإجراءات الجنائية 1974 والتي لم تخرج عما كان قد نص عليه القانون السابق وقد سبق إيراده وأيضا لا مبرر لإعادته هنا خشية التطويل دون مبرر.
أما فيما تعلق بقانون العقوبات لسنة 1983وهو الثاني في سلسلة القوانين الصادرة باللغة العربية فقد وردت فيه العقوبات المالية في المادة بذات الرقم كسابقه (64 /1 منه) الفقرات من (ز) إلى (ط) والتي جاءت متضمنة عقوبة الغرامة في الفقرة(ز) والتجريد في الفقرة (ح) والتعويض في الفقرة (ط) وجدير بالملاحظة أن الفقرة (د) تضمنت الدية كعقوبة سواء كانت كاملة أم ناقصة، ومعلوم أن الدية في الأصل عينية مائة رأس من الإبل، والبديل عنها قيمة هذه الإبل بالعملة السودانية
وقد جعل المشرع الحكم بالتعويض وجوبا كلما رأت المحكمة أن ضررا قد ترتب على المجني عليه أو آله من ارتكاب الجريمة ما لم ينص على ذلك صراحة في العقوبة المحددة للجريمة
وبدوره لم يحدد هذا القانون حدا أعلى للغرامة، بل نص على أنه في حالة ألا يكون مقدار الغرامة محددا فإنه لا سقف للحكم بالغرامة وتكون غير محددة ،
ويقرر في المادة( 69 ) منه جواز الحكم بعقوبة السجن البديلة في حالة عدم سداد الغرامة، على أن السقف لهذه العقوبة تحدده مدة العقوبة التي يجوز الحكم بها على المدان. أما إذا كانت العقوبة هي الغرامة وحدها فإن السقف لهذه العقوبة البديلة لا يجاوز السنة على أن يخل سبيل المدان متى دفع الغرامة وأن تخفض عقوبة السجن البديلة بنسبة ما دفع أو حصل من الغرامة على وجه قانوني.
وبخلاف قانون العقوبات السابق له نص على أنه تبرأ ذمة المحكوم عليه إن توفي بعد الحكم عليه بها إذا لم تدفع كلها أو جزء منها. وفي هذا نظرة إلى طبيعة الغرامة من حيث أنها عقوبة وتتميز من هذا الجانب بأنها شخصية والوضع الطبيعي أن تسقط بوفاة المحكوم عليه.
وإن كان بعض الفقه قد أسس مساندته للنص التشريعي على اعتبار الغرامة دين مستحق على التركة، فإنه يكون قد نظر إلى طبيعة الدين لا خصوصية العقوبة وهذا ما كان وراء اختلاف القانونين السابق واللاحق، كل منهما نظر للغرامة من زاوية مختلفة، الأول من حيث أنها أصبحت دينا حكوميا والآخر من حيث أنها عقوبة شخصية. والتوجه الأخير أقرب للعدالة ووحدة واتساق نظرية الجزاء.
ويجدر ذكر أن مدة وضع المحكوم عليه بالسجن في حالة عدم دفع الغرامة محدد في حده الأقصى بربع مدة العقوبة الأصلية المنصوص عليها كعقوبة للجريمة، غير أن المشرع يضع نصا إضافيا لحالة أن يكون الجاني قد حقق منفعة مادية من الجريمة يوجب فيه رد تلك المنفعة، وفي حالة عدم الرد يحكم عليه أيضا بمدة سجن إضافية لا تتقيد فيه المحكمة بسقف ربع المدة المنصوص عليه.
يبدو أن المشرع قد اعتبر أن عدم رد المنفعة ظرف مشدد وليس فقط إكراه بدني بالتنفيذ. فكان لابد من تجريد المحكوم عليه مما حصل عليه، وأن ما حققه من تحقيق كسب غير مشروع وعدم انصياعه لرده يحمل على تجاوز سقف ربع المدة المنصوص عليه.
هذا ما كان من شأن الغرامة مع عقوبة السجن أما ن كانت عقوبة منفردة فإن مدة وضع المحكوم عليه في السجن تحدد بمقدار الغرامة ويجعل لكل مقدار من الغرامة ما يقابله من مدة في حالة عدم السداد، ولا يجاوز الحد الأقصى ستة أشهر أيا كان مقدار الغرامة المحكوم بها ويجعل لها فيما دون ذلك حدين آخرين الأول ما لا يجاوز شهرين إذا كان مبلغ الغرامة بسقف خمسين جنيها أما إن كان مبلغ الغرامة ضعف ذلك (مائة جنيه) فالمدة تكون أربعة أشهر. وقد كان مقدار الغرامة المقابل في القانون الثاني ثلاث جنيهات وست جنيهات وكان هذا من ضمن ما استوجب إصدار القانون (اتساق مبالغ الغرامة مع قيمة النقد سنة إصدار القانون
الأمر بإيداع المحكوم عليه بالسجن غير مبرئ للذمة:
المادة (73) من القانونين الثاني والثالث تقرران أن تلك الفترة مجرد وسيلة لإكراه المحكوم عليه للوفاء بالغرامة، وهذا يتسق مع طبيعة الغرامة المالية. ويجعلها دينا حكوميا لا يسقط إلا بالأداء. على ذلك إن لم تجد وسيلة الإكراه فتيلا، فليس للدولة إلا أن تنتظر تغير حال مدينها بثراء ذمته بما يمكنها من تحصيل الغرامة.
وللمرء أن يتساءل ألا يبدو هذا الوضع غير عادل؟
المحكوم عليه أمضى الفترة فعلا، لأنه لم يكن قادرا على الوفاء بالغرامة ومجرد تحمله هذه الفترة في حد ذاته دلالة على فقره، وبالتالي يكون قد عوقب على فقره وليس لجريمة ارتكبها. ومن غير العادل أن يلاحق مرة أخرى في ماله لأنه قد نالته عقوبة عدم الدفع. و لا يرفع هذا العيب ما قاله بعض الفقه من أن فترة السجن هي فقط وسيلة إكراه بدني وليست عقوبة وما قال به آخر من أنها عقوبة على عدم احترام حكم المحكمة ، في الحالين الحقيقة الواقعة أن المحكوم عليه لم يستطع الوفاء بالغرامة، ويظل ما يترتب على حكم المادة (73) هو مجازاة المحكوم عليه عن ذات الفعل مرتين بدنيا وماليا.
ويبدو أن المشرع في القانون الحالي قد تجنب هذه النتيجة باعتباره ما يصدر في حالة عدم السداد عقوبة بديلة وقد نص على ذلك صراحة في المادة (34/3) على أن يحكم بالسجن عقوبة بديلة عند عدم الدفع.
كما استخدم المشرع ذات التعبير في المادة (198/4) من قانون الإجراءات الجنائية الحالي ولا يجعلها عقوبة وجوبيه بل يخير بينها والتعهد أو الكفالة، وطبيعي أن نقول أن المشرع هنا ترك الخيار للمحكمة على ضوء ما يتضح لها من أن المحكوم عليه مماطل أم غير قادر باعتبار أن مطل الغني ظلم يوجب عقوبته وإلا فلا.
تحديد مبلغ الغرامة:
ما انتهينا إليه يجعل من المرتبط بالموضوع أن نقف على تصور المشرع لكيف يكون الحكم بالغرامة؟
اكتفى المشرع في القوانين السابقة ببيان ألا تكون الغرامة فادحة ومع ذلك يفهم من النص أن تراعي المحكمة مقدرة المحكوم عليه المالية، ذلك لأن فداحة الغرامة لا تقدر إلا إذا نسبت إلى المقدرة المالية فما يكون فادحا بالنسبة لفقير لا يكون فادحا لغني فإن كانت العقوبة في مواجهة فقير وبقدر كبير لا يتناسب وذمته المالية فإنه لا يمكنه سدادها ومصيره إلى السجن.
وحتى يكون ذلك عادلا وقد استند الأمر بالإكراه البدني إلى أسبابه القانونية ينبغي أن تكون محكمة الموضوع قد توصلت إلى أن المحكوم عليه لديه ما يمكن أن يسدد منه الغرامة فإن أبى طوعا أجبر على ذلك بالإكراه البدني وإلا فلا. وإن كان هذا اجتهادا فقد نص المشرع الحالي على أن مقدرة المحكوم عليه المالية أحد ضوابط تقدير مبلغ الغرامة وقد أحسن في ذلك.
على كل فقد انتهى بنا الأمر إلى أن وضع المحكوم عليه في السجن عند عدم سداد الغرامة أو تحصيله مع القدرة وسيلة إكراه على السداد ولا يكون بديلا عن سداد الغرامة.
أما قانون العقوبات الرابع فقد جاءت فيه أحكام الغرامة بذاتها في القانون السابق له غير أنه أضاف في المادة (68) أن يحكم بالتعويض من الغرامة ما لم يحكم به استقلالا. و قد جاءت أيضا لتنبه لحق المضرور في التعويض ألا يمس عند الحكم بوضع المحكوم عليه في السجن عند عدم دفع الغرامة، ويبدو أن هذه الإضافة حتى لا يفهم أن وضعه بالسجن يمنع المضرور من التنفيذ مدنيا على المحكوم عليه بالغرامة خاصة وأنه لا يحكم بوضع المحكوم عليه في السجن فيما تعلق بالتعويض لأنه ليس جزءا من العقوبة .
السجن عقوبة بديلة:
كان نص المادة(72) من قانون العقوبات من الثاني حتى الثالث ينص على أنه إذا دفع جزء من مبلغ الغرامة قبل إدخال المحكوم عليه السجن أو حصل، تخفض مدة السجن المحددة لعدم الدفع بنسبة ما دفع أو حصل وقد تعامل المشرع مع مدة السجن ومقدار الغرامة بوحدة الواحد الصحيح وأجزاؤه فان كان نصف المبلغ قد دفع أو حصل قانونا فيخصم من المدة نصفها وإن كان الربع فربعها، ولم ينص المشرع على وحدة قياسية مبلغا من المال.
وهذا يستقيم مع اعتبار وضع المحكوم عليه في السجن وسيلة إكراه فإن دفع من الغرامة أو حصل قانونا نصفها أو ربعها فتخفض المدة بهذه النسبة.
القانون الحالي خروجا عن ذلك جعل المحكوم به عقوبة بديلة بالنص الصريح في المادة 34/3 ( عند الحكم بالغرامة يحكم بالسجن عقوبة بديلة عند عدم الدفع).
ولم يخرج المشرع في قانون الإجراءات الجنائية الحالي عما كان مقررا قبله من حيث إجراءات تنفيذ الغرامة بطرق التحصيل المختلفة من استيلاء وحجز وبيع بما في ذلك العقار والمنقول وديون للمحكوم عليه على آخرين. غير أنه لابد من وقفة عند نص المادة (198/4) منه، إذ أن صياغتها رتبت في التطبيق العملي بعض خلاف:
نصت المادة على أنه:
( إذا تعذر تحصيل مبلغ الغرامة بالطرق المتقدمة فيجوز للمحكمة أن تأمر بتنفيذ عقوبة سجن بديلة أو بالإفراج عن المحكوم عليه في أي وقت بالتعهد أو الكفالة.)
بعض القضاة فهم أن توقع محكمة التنفيذ عقوبة سجن بديلة باعتبار أن النص يقول ( فيجوز للمحكمة أن تأمر بتنفيذ عقوبة سجن بديلة) والتنكير يعني أنها تقرر لأول مرة، وفهم البعض أن تنفذ عقوبة السجن التي قررتها محكمة الموضوع عند تطبيقها لنص المادة (34/3 ) من القانون الجنائي 91 من ذلك ما ورد في السابقة القضائية:
حكومة السودان ضد أ.أ.أ وقد قررت :
1. أن ما رمي إليه نص المادة (198) من قانون الإجراءات الجنائية 1991 هو انه عند إصدار حكم بالغرامة فعلى المحكمة الجنائية أن تصدر أمرا إجرائيا بكيفية الدفع والأداء ويجب أن يكون ذلك في استبيان العقوبة
2. لا تناقض بين نص المادة (198 ) إجراءات جنائية ونص المادة (34 /3) من القانون الجنائي سنة 1991 إذ إن قراءة النصين معا تعطى معنى واحدا هو :
(إذا حكم بالغرامة، فعلى المحكمة أن تأمر بطريقة الأداء وعليها في حالة عدم الأداء بالطريقة التي أمرت بها أن تصدر امرأ بالتحصيل بأي من الطرق الآتية (أ-ب-ج) وإذا تعذر تحصيل الغرامة بالطريقة المتقدمة، فلها أن تأمر بتنفيذ عقوبة سجن بديلة.)
بالرجوع لمذكرة الحكم قد يظن أن هناك خلافا في الرأيين الأول والثاني، إلا أنه حقيقة ليس من خلاف بينهما في أن الغرامة تحصل وفق نص المادة( 198) من قانون الإجراءات الجنائية 1991، وبالخطوات التي حددتها المادة وكل ما قال به الأول هو أن محكمة الموضوع لم تقرر عقوبة السجن البديل في حالة عدم دفع الغرامة، وهذا مخالف لنص المادة (34/3 ) والتي تقرأ
(عند الحكم بالغرامة، يحكم بالسجن عقوبة بديلة عند عدم الدفع فإذا دفع المحكوم عليه جزءا من الغرامة، تخفض مدة السجن البديلة بنسبة ما دفعه إلى جملة الغرامة)
وقد قال به الرأي الثاني وأورد ذات النص. والنتيجة أن المشرع حدد متى تقرر عقوبة السجن البديلة، عند الحكم بها و إن لم تدفع يصار إلى المادة (198) غير أن الرأي الثاني يريد لمحكمة الموضوع وقبل أن تقرر التنفيذ بموجب هذه المادة أن تتحقق من أن المحكوم عليه سينفذ الحكم بالغرامة أم أنه يرفض ذلك فان كانت الأخيرة وطالما أنه سوف لا ينفذ طوعا يكره على الدفع بالطرق المحددة قانونا.
على ذلك فهناك أمر توقيع عقوبة السجن البديل، وأمر تنفيذها، و يرتبط النصان الموضوعي والإجرائي. سواء بدأت به محكمة الموضوع ثم انتهت إلى التنفيذ جبرا أو قررت الغرامة والسجن البديل وتركت الأمر لمحكمة أو مرحلة التنفيذ. ويبدو ذلك جليا من أن الرأي الثاني قال:
(إذا حكم بالغرامة كعقوبة فعلى المحكمة أن تأمر بطريقة الأداء وعليها في حالة عدم الأداء بالطريقة التي أمرت بها أن تصدر امرأ بالتحصيل بأي من الطرق(أ/ب/ج) وإذا تعذر تحصيل الغرامة بالطرق المتقدمة فعليها أن تأمر بتنفيذ عقوبة سجن بديلة )
نعم هكذا الارتباط بين حكم محكمة الموضوع وأمرها وكلاهما يتم تحت مظلة المادة (198). ما ظهر وكأنه اختلاف نتج من أن الرأي الثاني قد ركز على ما ورد في الرأي الأول من انه
ولم يركز على قوله: ( لاحظنا أن المحكمة لم توقع عقوبة السجن البديلة عند عدم الدفع) وإلا كان الأمر مختلفا لأني لا احسب انه قصد أن يقول أن الأمر بتحديد عقوبة السجن البديل، يصدر في مرحلة التنفيذ، كما قد يبدو من ظاهر العبارة لأنه ربط بالفعل بين النصين (34/3) من القانون الجنائي والمادة( 198) إجراءات جنائية وجاء قوله في إطار إنفاذ عقوبة السجن البديلة فقد جاء في مذكرته ص4 انه (يلزم القاضي وجوبا عند الحكم بالغرامة أن يصدر امرأ بالأداء وكيفيته) وهو هنا يقصد قاضي الموضوع عند إصداره حكمه. أما عند إنفاذ الحكم فلا يكون تنفيذ الحكم بالسجن البديل ( الذي أصدره قاضي الموضوع ) إلا إذا ثبت عدم الأداء ولم يتم بأي من الطرق المحددة في المادة، هنا وهنا فقط (يوقع) بمعنى ينفذ حكم السجن البديل. وبذا يكون تكامل النصين الموضوعي والإجرائي، ويكون التوفيق أنه:
بموجب الأول بصدر الحكم بالغرامة وتحدد طريقة الوفاء، وينفذ إجرائيا بموجب المادة (198) فينفذ حكم السجن البديل المقرر أمام محكمة الموضوع بعد التحقق من عدم السداد.ولا سؤال هنا عن أمر المقدرة المالية لأن محكمة الموضوع عندما قررت الغرامة حددتها آخذة في الاعتبار مقدرته المالية.
ولعل خاتمة القول في هذه الجزئية أن الحكم بالغرامة ينفذ فورا رغم استئنافه فالحكم بالغرامة ليس من الأحكام المستثناة من التنفيذ الفوري لأن ذلك قاصر على أحكام الإعدام والقصاص والجلد.
من المستفيد من الغرامة؟
الأصل أن الغرامة تورد للخزينة العامة وبالتالي تشكل موردا من موارد الميزانية العامة، لكن المشرع قرر تخصيص الغرامة أو جزء منها تعويضا عن الضرر المترتب على الجريمة وكان ذلك في إطار القانون الإجرائي في مرحلة من التشريع ثم القانون الموضوعي بعد ذلك وظل الأمر على هذا النهج. وهو الوضع الطبيعي للنص طالما أنها عقوبة وتصدرها محكمة الموضع.
وإن كان القضاء قد أعمل السلطة الجوازية لجبر الضرر غير أنه يقصرها الحالات التي يكون فيها الحق في التعويض ليس محل منازعة. وألا يكون المبلغ المحكوم به كبيرا وفي هذه الحالة يجب الحكم بالتعويض على استقلال.
الحكم بقيمة الشيك من الغرامة مشروط بعدم النزاع حول المبلغ
حكومة السودان ضد الشريف محمد عمر ألبركاتي قررت :
1- في حالة الإدانة تحت المادة 179 من القانون الجنائي للمحكمة ان تحكم بكل قيمة الشيك كتعويض للشاكي (المستفيد ) كما من سلطتها أن تحكم بالتعويض كجزء من مبلغ الغرامة وفي الحالتين يشترط أن يكون مبلغ الشيك غير منازع فيه أو عدم وجود نزاع جاد حول المبلغ الوارد في الشيك
2- للمحكمة أيضا أن تفصل في موضوع التعويض مدنيا بالتبعية للدعوى الجنائية استنادا لسلطاتها تحت المادة (46) من القانون الجنائي مقروءة مع المادة 204 من قانون الإجراءات الجنائية وذلك في حالة وجود صلة مباشرة بين الجريمة والضرر .
استقلالية الحكم بالتعويض عن الغرامة:
حكومة السودان ضد محمد عوض السيد عوض الكردي. قررت أنه:
(يجب ألا يضمن المبلغ الواجب رده للمضرور كجزء من الغرامة بل يجب أن يكون مستقلا عنها فإن كان المبلغ المراد رده أو المحكوم به كتعويض مبلغا كبيرا فان العقوبة البديلة في حالة عدم سداد الغرامة ستكون مقيدة بحكم المادة (33) فقرة 6 من القانون الجنائي 1991 ويترتب على هذا أن يفوز الجاني بالمبلغ الضخم مقابل فترة سجن لا تجاوز الستة أشهر أضف إلى ذلك أن الغرامة تسقط بوفاة الجاني وفقا للمادة (34 /1) من القانون الجنائي لسنة 1991 على خلاف التعويض الذي يعتبر دينا على تركته .)
الدية:
لم يكن المشرع قد نص على الدية كعقوبة إلا في قانون العقوبات الرابع وإن كان القضاء قد طبقها كعرف قبلي، وقد نصت عليها المادة 64/1/د وجاءت الفقرة الثانية من المادة ذاتها لتحددها عينا بمائة رأس من الإبل، ونقدا بما يعادل قيمة هذه الإبل بالعملة السودانية.
وقد نص عليها القانون الجنائي 1991 في المادة 42 منه بذات المقدار العيني(مائة رأس من الإبل) أو ما يعادل قيمتها نقدا وفق ما يقدره رئيس القضاء من حين لآخر بعد التشاور مع الجهات المختصة ولكنها لم تعد عقوبة بل أصبحت تعويضا وقد وردت في الفصل الثالث المعنون بالتعويض لذلك تخرج عن إطار البحث.
التطبيق القضائي:
حكومة السودان ضد عبد الله محمود جبور قررت:
(اشتراط تخفيض الحكم إذا دفعت الدية المقررة حسب العرف قرار تصدره المحكمة كجزء من حكمها وليس مجرد توصية توصي بها، ويتم تنفيذ ذلك الشرط بنفس الطرق التي يتم بها تنفيذ بقية الحكم.)
نظام الدية معروف في السودان عند بعض القبائل قبل أن يكون قانونا، لذلك وضعته المحاكم في الاعتبار عند الحكم. وفي هذه القضية أدانت المحكمة الكبرى المتهم تحت المادة (253) من قانون العقوبات وعاقبته بالسجن لمدة ثمان سنوات وأمرت بتخفيض الحكم بالعقوبة إلى سبع سنوات إذا دفع الدية ستين جنيها لأهل القتيل.
جاء في الحكم:
(لم يجر عرف المحاكم من قبل على تحديد مبلغ الدية حيث يترك ذلك التحديد للأطراف وفق العرف المحلي ويتعين التمسك بقاعدة العمل هذه لأنها مناسبة. وإن الدية إذا أتفق على دفعها ودفعت فإنها عامل هام لحفظ الأمن وإصلاح العلاقات. ولتشجيع ذلك يتعين أن يكون التخفيض في العقوبة محسوسا إذا دفعت، لا كما فعلت المحكمة الأدنى.)
وقد تعدل الأمر المتعلق بالدية على النحو التالي:
(اتفق الأطراف على دفع الدية ودفعت فعلا وفقا للعرف المحلي فإنني أقرر تخفيض عقوبة السجن لمدة خمس سنوات)
واضح من الحكم أن القضاء السوداني قبل العرف المحلي بالدية كأحد العناصر لتقدير العقوبة إفساحا للمجال للعرف ليلعب دوره في تحقيق الأمن وحسن العلاقات الاجتماعية بين القبائل في مجتمع يقوم على القبلية، وهي ذات الحكمة الإسلامية من الدية أصلا بصرف النظر عن مصدرها، سواء كانت الخلفية الإسلامية للمجتمع السوداني تاريخيا أو أنها قواعد الحياة القبلية.
كما أنه كانت بادية تماما حكمة رئيس القضاء الأسبق التي بدت في الحكم واضحة حين جعل الأمر المعلن في الحكم يظهر أثر الدية، لأن في هذا تأكيد لفاعليته بإقرار القضاء له وتنفيذه فعلا.
دفع الدية لا يمنع من إجراء المحاكمة:
حكومة السودان ضد كوات أتور جونق قررت :
(الدية كعرف قبلي لدى بعض القبائل في السودان يتعلق دفعها بتقدير العقوبة ولا تكون الدية إذا دفعت سببا مانعا في إجراء المحاكمة.)
أثار المتهم دفعا في استئنافه مؤداه أنه لا تجوز محاكمته طالما أنه سلم الدية للسلطان وفقا للعرف السائد عند قبيلته (الدينكا) وأن أبقار الدية لا تزال تحت يد السلطان.
جاء في الحكم الإستئنافي:
( لقد جرى القضاء على عدم اعتبار دفع الدية مانعا من المحاكمة استنادا إلى أن العقوبة على القاتل حق للجماعة بأسرها لا يجوز التنازل عنه وإن دفع الدية وإن جاز أن يكون سببا لتخفيف العقوبة أحيانا لدى القبائل التي يسود فيها عرف بذلك إلا أن ذلك رهبن بسداد الدية.
الإعدام في حالة ارتكاب المتهم جريمة تحت المادة 251 وذلك بناء على توصية من المحكمة المختصة
قبول الدية شرط لتخفيف العقوبة:
حكومة السودان ضد كي دوي شانج قررت :
(شرط قبول الدية لتخيف العقوبة أن يكون قد وافق عليها جميع الأطراف ودفعت فعلا.)
رفضت محكمة الاستئناف قبول توصية محكمة الموضوع بتخفيض العقوبة لأنها لم تطبق أحكام المنشور رقم 18 هذا يؤكد رضائية الدية من ناحية وضمان تنفيذها بالفعل ليتحقق أثرها في أمن المجتمع وسلامته من ناحية أخرى.
لا دية في حالة البراءة
حكومة السودان ضد الزاكي عبد الله : قررت:
(إن القول بجواز الحكم بالدية كتعويض لأولياء الدم حتى في حالة براءة المتهم لا يتنافى مع أحكام الشريعة الإسلامية فحسب بل يتنافى أيضا مع قواعد العدالة الطبيعية ومقتضى المنطق والعقل)
كان محامي أولياء الدم قد طلب الحكم لهم بالدية تأسيسا على أنه لا يطل دم في الإسلام، بينما كانت الدية في ظل القانون الرابع كما سلف القول عقوبة ولا توقع عقوبة إلا بعد إدانة وهذا أمر معلوم من القانون بالضرورة ، لذلك لم يكن الطلب مبررا وهذا ما قضى به الحكم.
حتى إن كان الطلب على سبيل التعويض المدني فإن المادة(142) من قانون المعاملات المدنية لعام 1984 تجعل المدافع عن نفسه أو عرضه أو ماله غير مسئول عما وقع من ضرر
حكومة السودان ضد جمعة محمد الطاهر قررت:
(1 - الدية لا تكون عقوبة أصلية إلا في القتل الخطأ وتكون بدلا من القصاص في حالة القتل العمد.
2- حكم القصاص ينبغي أن يكون معلقا على شروط تنفيذ ما تم التصالح عليه بحيث لا يسقط ذلك الحكم لمجرد التصالح وإنما بالتنفيذ الفعلي له.)
تجدد المحكمة العليا بهذا الحكم المبدأ المقرر بشأن الدية وقد أصبحت الآن مقررة بحكم القانون ولم يعد الأمر مجرد عرف وقد اشترط الحكم أن تضمن المحكمة تنفيذ التصالح على الدية لكي يؤتي ثماره أمنا وتطبيعا لعلاقة الأطراف الاجتماعية كأثر إيجابي للحكم بالدية.
حكومة السودان ضد روفائيل بادي كسار
قررت:
(الدية تعويض وعقوبة لازمة، ولا سبيل لإبدالها بفترة سجن محددة مهما طالت أو قصرت وأن القول بتحصيلها بالطريق المدني في حالة عدم دفعها أثناء فترة السجن البديلة فيه ضياع لحقوق العباد.)
أكد هذا الحكم القضاء في سابقة مختار التاج أبو نفيسة إلا أنه المشرع استجاب إلى جانب مسائل أخرى للرأي المخالف وغلب جانب التعويض في الدية وقرر تحصيلها وفقا لقانون الإجراءات المدنية وفي هذا المنحى :
حكومة السودان ضد عامر عبد الماجد عمر
وهذا ما يجعل هذه السابقة وسابقة مختار التاج أبو نفيسة وسابقة حكومة السودان ضد الفريد اسكندر موتو التي طبقتها خارج دائرة التطبيق الآن.
دية الجنين:
حكومة السودان ضد محمد عبد الكريم آدم : قررت:
(إذا مات الجنين بسبب الجناية على أمه عمدا أو خطأ ولم تمت أمه وجب فيه غرة سواء انفصل عن أمه وخرج ميتا أم مات في بطنها وسواء كان ذكرا أم أنثى وتقدر الغرة بقيمة خمسة من الإبل.)
حدد الحكم دية الغرة وقيمتها وساوى بين دية الجنين بصرف النظر عن ذكورته أو أنوثته وهذا يتماشى مع مقصد المشرع من حيث المساواة في الدية بين الرجل والمرأة خروجا عما قال به بعض الفقه من اختلاف مقدار الدية.
التجريد – المصادرة:
نصت المادة (64) من قانون العقوبات الثاني على عقوبة التجريد من الأموال في الفقرة (b)منها ونصت عليها المادة بذات الرقم من قانون العقوبات الرابع الفقرة (ح ) منها وقد تقدم بشأنها. أما المصادرة فقد وردت في المادة (36/1) من القانون الحالي، وقد عرفها بأنها الحكم بأيلولة المال الخاص إلى ملك الدولة بدون مقابل أو تعويض.وقد نص عليها كعقوبة على الجرائم ضد الدولة المادتين 50-51 منه ( مع جواز مصادرة جميع أمواله).
ولم تردا في التطبيق العملي كثيرا وقد طبق القضاء مبدأ القانون الأصلح للمتهم استثناء من قاعدة عدم رجعية أثر القوانين الجنائية في السابقة القضائية:
حكومة السودان ضد أبو القاسم محمد إبراهيم وآخرين
ولم تطبق على المدانين عقوبة التجريد من الأموال على أساس أنها وردت جوازيه في قانون العقوبات الرابع بينما كانت وجوبيه في الثالث.
أما عقوبة المصادرة فقد وردت جزئية بشأن الأموال المضبوطة باعتبارها محلا للجريمة، أو ناتجة عنها في كثير من الأحكام القضائية في إطار القانون العام والقوانين الخاصة فيما يلي بعضا من ذلك:
مصادرة العقارات التي تستخدم لأغراض الدعارة
حكومة السودان ضد(بدون اسم) قررت:
(إن مصادرة الأماكن التي تستخدم لأغراض الدعارة وفقا للمادة(155) من القانون الجنائي 1991 جوازيه في حالة الإدانة الأولى وترك تقديرها للمحكمة وفقا لظروف كل قضية ويجوز لها استعمال الحق في حالة المجاهرة والاستهتار والإعلان بالفاحشة وما يثير شعور المواطنين، أما إذا كان المكان معدا للدعارة وتكررت الإدانة وثبت الاعتياد وعدم الاكتراث والإصرار فإن عقوبة المصادرة ملزمة للمحكمة.
ثبوت واقعة واحدة لا يقوم دليلا على ممارسة الدعارة أو التكسب منها وفقا لنص المادة (154/1) من القانون الجنائي 1991 بل يتعين أن يتم ذلك الفعل بشكل متكرر وإثبات عدة حالات في هذا الصدد لأن جريمة ممارسة الدعارة لا تثبت إلا بالتكرار والاعتياد.
المادة (155/4 ) نصت على أنه في جميع الحالات لا يحكم بالمصادرة إلا إذا كان الجاني هو المالك للمحل أو كان المالك عالما باستخدامه لذلك الغرض.
وتشترط الفقرة الأولى من ذات المادة (العلم بأن المحل يستخدم محلا للدعارة وعلى ذلك فالمصادرة لا تجوز إلا إذا ثبت أن المالك سمح باستخدامه وهو يعلم أنه سيستخدم محلا للدعارة)
على ذلك فسلطة المحكمة جوازيه نعم لكن بشرط العلم فلا يكفي أن يكون المحل استخدم للدعارة كركن مادي للجريمة بل لابد من أن يتوفر ركن العلم بغرض الاستخدام لأن العلم في هذه الحالة يكون من قبيل التحريض والمعاونة على ارتكاب الجريمة وبالتالي يعتبر المالك شريكا في الجريمة بالتسبب ويجب في هذه الحالة أن يضم للدعوى لتكون البينة والحكم في مواجهته، وهذا ما يجعل حكم محكمة أول درجة ومن بعده ثاني درجة محل نظر من هذه الناحية.
حكومة السودان ضد قسمة وداعة إسماعيل:
باشرت المحكمة العليا سلطتها القانونية في فحص أحكام محاكم الطوارئ وقتها وألغت الحكم بمصادرة المنزل الذي ثبت أنه استخدم مكانا لصنع الخمور وورد رقم القطعة خطأ فشمل قطعة لا دخل لملاكها في القضية أصلا إنما ورد الرقم نتيجة خطأ الموظف المسئول ولعدم تحري الدقة والتثبت عند إصدار الأمر من ناحية ولأن المتهمة كانت قد اشترت هذا المنزل من أصحاب القطعة التي صدر الأمر بشأنها وكانت جزء منها قبل أن تشتريها ولم تسكنها أو تباشر فيها أي عمل لأنها كانت في السجن وقتها في تهمة أخرى منذ أربعة عشرة يوما سابقة للتفتيش ولم تكن هناك أية بينة تشير إلى أنها مالكة الأدوات المضبوطة في تلك القطعة التي لم تسكنها ولا تعلم بمحتوياتها عند التفتيش.
قالت المحكمة العليا بعد أن سردت كل ذلك و بشأن العقوبة:
( ثم إذا نظرنا للعقوبة نجد أنها كانت تحت المادة (449) من قانون العقوبات سنة 1983 وأن العقوبة المنصوص عليها في هذه المادة هي الجلد والغرامة والسجن ولم يكن هناك نص بعقوبة مصادرة المنازل وحيث أن الثابت أنه لا عقوبة إلا بنص فتكون المحكمة قد تجاوزت ما نص عليه دون مبرر ولا يوجد نص عام اعتمدت عليه المحكمة في المصادرة وحيث أنه ثبت أن الحكم معيب في كل ما اشتمل عليه من خطأ كتابي في موضوع نمرة العقار المصادر وخطأ تطبيق القانون على ضوء البنات.)
وقد أصدرت المحكمة أوامرها بإلغاء الإدانة والعقوبة والحكم بالمصادرة وأمرت بتسجيل القطعة باسم ( قسمة وداعة) وتكيفها بسداد لرسوم المقررة.
عقوبة المصادرة في جريمة التعامل في الخمر لا تشمل العقارات
قررت المحكمة العليا أنه:
(في جريمة التعامل في الخمر تقتصر عقوبة المصادرة على الأدوات ووسائل النقل المستخدمة في ارتكاب الجريمة وعند العود بالإدانة للمرة الثالثة ولا تشمل مصادرة العقارات بأي حال من الأحوال.)
نصت المادة (81) من القانون الجنائي 1991 على أنه:
( من يرتكب للمرة الثالثة الجرائم المنصوص عليها في المواد (78- 79 80) يعاقب بالسجن مدة لا تجاوز ثلاث سنوات أو بالجلد بما لا يجاوز ثمانين جلدة أو بالعقوبتين معا ، مع مصادرة وسائل النقل والأدوات المستخدمة في ارتكاب الجريمة إذا كان أي منها ملكا للجاني ، أو تم استخدامها بعلم المالك)
إذا رجعنا للمواد التي أشار إليها النص نجدها:
المادة (78) تعاقب على شرب الخمر والإزعاج والمادة (79 ) تعاقب على التعامل في الخمر ويشمل التعامل بالبيع والشراء والصنع والتخزين والنقل والحيازة، كل ذلك بقصد التعامل فيها مع الغير سواء بتقديمها أو إدخالها في طعام أو شراب أو مادة يستعملها الجمهور ويشمل أيضا الإعلان عنها أو الترويج لها بأي وجه أما المادة (80 ) فتعاقب على لعب الميسر أو إدارة أماكن لذلك.المادة (81) وضعت العقوبة لتغطي كل تلك الحالات ووضعت لكل حالة منها ما يناسبها من عقوبة فرفع سقف عقوبة السجن وأضاف مصادرة وسائل النقل لمواجهة حالة النقل والتخزين والحيازة إن اقتضى أي منها استخدام وسيلة النقل ومصادرة الأدوات المستخدمة لمواجهة حالة التصنيع. ومن الواضح أن المشرع لم يرد أن يدخل مكان التخزين أو التصنيع أو الحيازة في إطار عقوبة المصادرة ليس قصورا في التشريع بدليل أنه نص على المصادرة في المادة(80) باعتبار أن إدارة الأماكن للعب الميسر أخطر لما فيها من تشجيع لنشر لعب الميسر والتحريض الجماعي لارتكاب الجريمة أما بالنسبة لمحاربة جريمة التعامل في الخمر فتتم بمصادرة الأدوات والخمر نفسها وبذا تتجفف مصادرها ولم يكن الأمر في تقدير المشرع يستدعي المصادرة ولا نحسب أن الأمر كان يستدعي الاجتهاد بمقولة النسخ التي أشار إليها الحكم.
أخذا بكل ذلك يمكن القول أن ما انتهى إليه الحكم من إلغاء للمصادرة يتوافق وقصد المشرع.
قانون الجمارك:: لسنة 1939
مصادرة وسيلة النقل:
حكومة السودان ضد ر.ع.م
باشرت المحكمة العليا الموقرة رقابتها لصحة تطبيق القانون بشأن المصادرة فألغت الحكم بمصادرة المحجوزات بموجب قانون الجمارك لسنة 1986 (المادة 198منه) لمخالفته للقانون تطبيقا وأرست المبدأ الآتي:
(وسيلة النقل المنصوص عليها في المادة(198 ) من قانون الجمارك لسنة 1986 هي وسيلة النقل التي تجتاز الحدود والنقاط الجمركية لإدخال البضائع إلى السودان وليس المقصود وسيلة النقل التي يتم نقل بضاعة بها داخل الحدود وإن كانت تحمل بضائع مهربة)
كان المتهم في هذه القضية يعمل ببيع وصيانة الهواتف المنقولة (الموبايل) وقد وجد بمنزله ما يفوق الثلاثمائة جهاز أغلبها مفكك بغرض الصيانة وقد تأكد ذلك بوجود معدات الصيانة والعديد من قطع الغيار، وقد قدم المتهم لسلطات الجمارك مستندات بشرائه 22 جهاز موبايل وجدت أرقامها في المستندات التي قدمها وكانت العربة قد ضبطت حاملة هذا العدد من الموبايلات من منزل المتهم إلى محله بشارع الجمهورية بالخرطوم.
انتهت المحكمة العليا إلى أنه ليس من أساس للإدانة ولا العقوبة لأن البضائع غير مهربة والعربة لم تستخدم في التهريب وعلى ذلك فليس من أساس للمصادرة ولا شيء يخرج المضبوطات عن دائرة التعامل القانوني.
غير أنه في بعض الحالات تباينت أحكام المحكمة العليا بالنسبة لأساس المصادرة ويبين ذلك من الآتي
ثار من فترة قديمة سؤال ما إذا كانت العملة بضاعة وبالتالي تخضع لقانون الجمارك أم أنها تخضع فقط لقانون رقابة النقد ولائحة مراقبة العملة وقد طرح السؤال في حكومة السودان ضد فاطمة محمد أحمد سعد حيث قررت:
(1- أن كلمة بضاعة الوارد تعريفها في قانون الجمارك تشمل العملة الورقية أو النقدية.
2-أن المادة (8/5 ) من قانون الرقابة المتبقية تسمح بتوقيع أي جزاء يكون الشخص عرضة له تحت أي قانون آخر وذلك يعني أنه يمكن المصادرة تحت قانون الجمارك إذا كانت الوقائع تشكل مخالفة لقانون الرقابة المتبقية وقانون الجمارك.
3- المادة(302) من قانون الإجراءات الجنائية مادة عامة وقانون الرقابة المتبقية قانون خاص ولذلك لا يمكن تطبيق تلك المادة لإعمال المصادرة عند إصدار عقوبة بموجب قانون الرقابة المتبقية طالما كان ذلك القانون لا يحوي نصا بالمصادرة.)
أشار هذا الحكم إلي ما قررته قضية النيل ألمكاشفي التي قررت أن النقود مال منقول لأن كلمة بضاعة في قانون الجمارك تشمل كل أنواع المال المنقول والنقود مال منقول ووجدت على هذا الأساس أن المخالفة يحكمها قانون الجمارك وقانون الرقابة المتبقية لسنة 1950 لكنها اعتبرت أن المشرع الغي العقوبة في قانون الجمارك طالما أنه نص على عقوبة مختلفة في القانون اللاحق له وهو قانون الرقابة المتبقية .
من بعد صدر قانون الرقابة المتبقية لسنة 1966 شاملا مادة معدلة هي المادة 8/5 نصت على أنه:
( توقع العقوبة التي ينص عليها هذا القانون بالإضافة إلى توقيع أية عقوبة أخرى أو جزاء آخر يكون الشخص عرضة له بموجب أي قانون آخر.)
كما رجع الحكم إلى معنى كلمة بضاعة الواردة في قانون الجمارك وأخذ بما ورد في معجم الفاروقي (انجليزي – عربي) وانتهى إلى أن كلمة بضاعة تشمل العملة النقدية أو الورقية وعلى ذلك أيدت محكمة الاستئناف إدانة المتهمة تحت المادة 204 (أ) من قانون الجمارك لسنة 1939 وقانون الرقابة المتبقية لسنة 1966 وأيدت عقوبة المصادرة.
أجابت على السؤال المحكمة العليا دائرة بور تسودان في :
حكومة السودان ضد الياس محمد أحمد : قررت:
(إن الذهب المصنوع على هيئة حلي يعتبر بضاعة مهربة إعمالا لحكم المادة (203 /1/8) من قانون الجمارك التي تتطلب ممن يحمل في وسيلة نقله بضائع من الخارج لإنزالها في السودان أن يقدم بيانا عنها لسلطات الجمارك وإلا اعتبر مرتكبا لجريمة التهريب.)
كانت محكمة الاستئناف بور تسودان قد ألغت أمر مصادرة الذهب (الحلي) الذي أصدرته محكمة الجنايات على أساس أن الذهب المشغول في شكل حلي مستثنى من البيان المطلوب لأن صاحبه يحمله في متاعه.
بررت المحكمة العليا قرارها بإلغاء حكم محكمة الإسئناف بان
( حتى لا يشكل سابقة يكون لها أبلغ الأثر في شل فعالية قانون الجمارك وفتح الباب على مصراعيه لتهريب الذهب علانية ولا خشية لداخل البلاد عن طريق تصنيعه في شكل حلي.)
حكومة السودان ضد بله آدم إبراهيم قررت:
( أن المصادرة تصدر ضد المالك أو وكيله أو الشخص المفوض بواسطته ولذلك يكون على الاتهام واجب إثبات تلك العلاقة إن لم يكن المالك متهما في الجريمة التي تمت بموجبها المصادرة. ولما كان مالك العربة لم يكن متهما مع بقية المتهمين وقد أخذت أقوالهم تحت المادة(218) إجراءات جنائية، ولم تكن في محاكمة مشتركة وفي حضور المتهمين الآخرين فإنها لا تثبت أن السائق كان وكيلا أو مفوضا من صاحب العربة.)
حكومة السودان ضد أحمد أوكير وآخرين قررت:
(إن المادة(2) من قانون الجمارك أدخلت السائق في معنى المالك في التهريب حتى ولو لم يعلم المالك الأصلي أو وكيله بالمخالفة.)
قالت مذكرة الحكم:
(لم يدع لنا المشرع مجالا لتغيير كلمة (مالك) لنجتهد في تفسيرها فقد فسرها في المادة (3) من قانون الجمارك بالآتي: (تشمل بالنسبة لأي وسيلة نقل أي شخص بصفته وكيلا عن المالك أو مفوضا منه في استلام أجرة النقل أو أي رسوم أخرى متعلقة بذلك تكون مستحقة الدفع
في هذه الحالة ليس للمحاكم إلا أن تطبق النص المذكور إذ لا اجتهاد مع النص.على ذلك فإن السيارات المحملة بالبضائع عرضة للمصادرة وفقا لذلك التعريف وقد قصد المشرع ذلك رغم علمه أن سائق العربة هو غير صاحب العربة ما لم يقدها بنفسه بطبيعة الحال)
ومما حكم به القضاء السوداني أنه يشترط للحكم بالمصادرة تحت قانون الجمارك أن يكون قد صدر أمر بحجز البضاعة وتم إعلان صاحب الشأن به
حكومة السودان ضد حسن علي الشريف
قالت محكمة الاستئناف في مذكرة الحكم:
(فيما يتعلق بطلب إعادة النظر فإنني أرى نفسي متفقا في الرأي مع السيد قاضي الجنايات في أنه يجب على سلطات الجمارك أن تتقيد بأحكام المادة (198 ) من قانون الجمارك إذا أرادت الحصول على أمر المصادرة للبضائع موضوع أية قضية وإذا لم تتقيد بنصوص تلك المادة فلا يمكن للمحكمة أن تمارس سلطاتها التقديرية إذ أنه تكون ممارسة هذه السلطات في الحالات التي لا يوجد فيها نص صريح في القوانين الخاصة يوضح الإجراءات التي يجب أن تتخذ ويجب على السلطات المختصة ألا تهمل في واجباتها وتعتمد على سلطات المحاكم التقديرية وعليه فإني أرى أن نؤيد قرار السيد قاضي الجنايات وأن نأمر بتسليم البضاعة للمتهم.)
ويستخلص من الحكم أنه لتتم المصادرة تحت قانون الجمارك لابد من استيفاء الإجراءات التي استوجبها القانون المتمثلة في حجز البضاعة وإعلان صاحبها بهذا الحجز إن لم يتم ذلك فلا يحكم بمصادرة البضاعة.
قانون الغابات: لسنة 1974
حكومة السودان ضد نور الدائم عبد القادر قررت:
( إن تعديل قانون الغابات التابعة للمديريات (لسنة 1974) أضاف عنصرا جوهريا إذ أنه سحب السلطة التقديرية للمحكمة في إصدار عقوبة المصادرة وجعل الأمر بالمصادرة إلزاميا عند الإدانة)
جاء في مذكرة الحكم:
(إن سلسلة الإجراءات التي نصت عليها المادة 13 من قانون الغابات التابعة للمديريات(تعديل سنة 1974) واجبة التقيد بحذافيرها بنفس التسلسل الذي أشارت إليه صراحة فقرات المادة الثلاث وبالذات البند الثاني في المادة المذكورة الذي يلزم الشخص المسئول عن حجز اللوري والحطب في هذا الاتهام بأن يضع علامة تشير إلى الحجز على الناقلة والحطب المضبوط ويرفع تقريرا بذلك إلى القاضي أو ضابط أقرب نقطة شرطة.
التجاهل لأي مرحلة من التسلسل السابق لا يلزم المحكمة بأن تأمر بالمصادرة عند الإدانة)
المصادرة بموجب قانون الإجراءات الجنائية كنص عام
حكومة السودان ضد محمد آدم موسى قررت:
(إن عدم النص في المادة 11 من قانون البترول سنة 1931 (في حالة ارتكاب مخالفة له مثل تخزين البترول) على مصادرة البترول محل الجريمة لا يمنع المحكمة من توقيع عقوبة المصادرة إعمالا لأحكام المادة302/1 من قانون الإجراءات الجنائية سنة 1974 وتخضع ذلك للسلطة التقديرية للمحكمة)
حكومة السودان ضد احمد شعيبو عبد الله فررت
(1- عند إصدار أمر المصادرة يجب مراعاة ظروف القضية وخطورة الجريمة وظروف وسوابق المتهم
2- لا يجوز تنفيذ أمر المصادرة في قضية يجب استئنافها إلا بعد فوات ميعاد الاستئناف أو الفصل فيه.)
التعويض:
لم يكن المشرع السوداني قد نص على التعويض كعقوبة في القوانين من الأول حتى الثالث، وقد نص عليها لأول مرة في القانون الرابع في المادة (64 /1/ط) ونصت الفقرة الرابعة من ذات المادة على أن:
( يحكم بالتعويض كلما رأت المحكمة أن ضررا قد ترتب على المجني عليه أو آله من ارتكاب الجريمة ما لم ينص على ذلك صراحة في العقوبة المحددة للجريمة.)
وقد نصت المادة 46 من القانون الحال على أنه:
(تأمر المحكمة عند إدانة المتهم برد أي مال أو منفعة حصل عليها. ويجوز لها بناء على طلب المحني عليه أو أوليائه أن تحكم بالتعويض عن أي ضرر يترتب على الجريمة وذلك وفقا لأحكام قانوني المعاملات والإجراءات المدنية)
واضح أن المشرع في كلا النصين قصد إلى رفع ضرر الجريمة، وقد ترك المشرع في القانون الرابع الأمر لمحكمة الموضوع أن تقرر ما إذا كان قد ترتب ضرر على الجريمة على المجني عليه أو آله من خلال البينات التي قدمت أمام المحكمة، ولم يجعل منهم مدعيين بهذا الضرر وبيان مقداره، ومن ناحية أخرى إذا كان التعويض مقررا كعقوبة على الجريمة فمحكمة الموضوع هي التي تقرر قيام الضرر ومقدار التعويض. وقد نص المشرع على التعويض وجوبا جبرا للضرر المترتب على امتناع الموظف العام عن أداء عمله إذا ترتب على امتناعه ضررا على الأنفس أو الأموال وكذا إذا تخلي الموظف العام عن واجبه بغير وجه شرعي إذا ما رتب ذلك ضررا على الأنفس والأموال
أما القانون الحالي فقد جعل رد المال أو المنفعة المتحصل عليها من الجريمة وجوبا ولم يوقفه على طلب المجني عليه أو المضرور أما التعويض فيتوقف على طلب المجني عليه أو أوليائه، فلا قضاء إلا بطلب.
وقد جعل المشرع الحالي مرجعية الضرر وعناصره والتعويض المترتب عليه إلى قانون المعاملات المدنية ووفقا لقانون الإجراءات المدنية باعتبارها سلطة مدنية تباشرها المحكمة الجنائية.
وهكذا انتهى تطور الحكم بالتعويض من جزء من الغرامة في حالة السرقة لتعويض المضرور والمشتري حسن النية وتغطية نفقات العلاج والادعاء إلى تعويض الضرر الذي يدخل في حدود ما يمكن الرجوع به على المتهم في دعوى مدنية إلى حكم بالتعويض وفقا لقانوني المعاملات والإجراءات المدنية
ونسوق فيما يلي بعض الأحكام التطبيقية:
تعويض المشتري حسن النية:
حكومة السودان ضد هياف أحمد سمباية
فقد الشاكي بقرته ووحدها بعد خمس سنوات عند المتهم فكانت إجراءات الدعوى الجنائية التي انتهت ببراءة المتهم وتسليم الشاكي البقرة على أن يدفع تعويضا للمشتري حسن النية تحت قانون استرداد الأموال المفقودة و الضائعة لسنة1924.
قررت السلطة الاستئنافية صحة قرار البراءة وصحة الحكم بتعويض المشتري حسن النية تحت القانون الخاص.
وقد حركت الدعوى أساسا تحت تهمتي السرقة واستلام المال المسروق وقضت المحكمة ببراءة المتهم. وأمرت بتسليم البقرة للشاكي وتعويض المشتري حسن النية تطبيقا للمادتين الرابعة والخامسة من قانون استرداد الأموال المفقودة والضائعة لسنة1924.
حكومة السودان ضد عبد الحميد عبد القادر الكردي:
في هذا الحكم قررت المحكمة العليا أن الأمر بتعويض الشاكي عند الإدانة بموجب المادة 362 – ب وفقا لأحكام المادة 77/أ من قانون العقوبات لسنة 1974، لا يصدر في حالة قيام نزاع حول قيمة الشيك،يتطلب الفصل فيه تطبيق القانون الخاص بالنزاع وقواعد الإثبات المدنية بل تكتفي المحكمة بتوقيع العقوبة التي نص عليها المشرع.
هذا يعني أن الأمر بالتعويض قاصر على الحالات الواضحة التي يتبين للمحكمة أن الشاكي سيكون مستحقا لقيمة الشيك إذا ما رفع دعوى مدنية. والحكمة من ذلك ألا تدخل المحكمة الجنائية في إجراءات دعوى مدنية تصرفها عن دعواها الأصلية وهي الدعوى الجنائية التي تختص بها دون غيرها.
حكومة السودان ضد عمر حسن آدم:
ميزت المحكمة العليا بين التعويض والغرامة من حيث القضاء بعقوبة السجن في حالة عدم الدفع حيث يجوز الحكم بعقوبة السجن في حالة الغرامة دون التعويض تأسيسا على أن التعويض تحت المادة 77/أ من قانون العقوبات ليس عقوبة مما نصت عليه المادة 64 من قانون العقوبات 1974. فالحكم بالتعويض حكم مدني ينفذ وفق إجراءات المادة 267 من قانون الإجراءات الجنائية وهي إجراءات مدنية لتنفيذ الغرامة بالاستيلاء أو بالحجز والبيع ..الخ.
حكومة السودان ضد هاشم سر الختم الأمين:
أكد الحكم على مبدأ قررته سوابق قضائية أخرى وهو ألا تحكم المحكمة الجنائية برد قيمة الشيك إذا كانت محل نزاع جاد، يتطلب تطبيق القانون الخاص بالنزاع وقواعد الإثبات المدنية بل تكتفي بتوقيع العقوبة التي نص عليها القانون.
السابقة القضائية رقم م ع/ف386/195 قررت أنه لا سبيل للحكم بالتعويض في حالة البراءة. ومع وضوح نص المادة 46 من القانون الجنائي 1991 (تأمر المحكمة عند الإدانة...) وبمفهوم المخالفة لا أم إن لم تكن إدانة فد رأى صاحب الرأي الأول في الحكم أن براءة المتهم الخامس لا تعفيه من المسئولية المدنية.
حكومة السودان ضد آدم عيسى شعيب:
في هذا الحكم قررت المحكمة العليا بحكم الأغلبية أنه على المحاكم الجنائية أن تتصدى لصلاحياتها وأن تحسم النزاع الذي يرتبط جنائيا بالبينة الراجحة،وذلك بالأمر برد الحقوق رغم الحكم ببراءة المتهم وإطلاق سراحه، وفي حالة صدور الحكم بالتعويض على المحكمة أن تأمر بتحصيل الرسوم.
في حين أن صاحب الرأي الأول بموافقة الرأي الثاني قرر صحة قرار البراءة فقد رأى أن على المحكمة الجناة ممارسة سلطاتها المدنية وأورد نصوص المواد 141 و 198و204 من قانون الإجراءات الجنائية 1991 و لا يسعنا إلا أن ندعم الرأي المخالف فيما ذهب إيه من عدم صحة رأي الأغلبية، ذلك لأنه المادة 141 لا تنطبق إلا في حالة شطب الدعوى لعدم قيام بينة كافية للإدانة فالوضع هنا ليس أمر ترجيح بينات لأن ترجيح البينات يكون حين بقيم الاتهام بينة تبرر تحرير التهمة ورد المتهم عليها وهذا يعني قيام بينة مبدئية ضده إن لم يدحضها تكون كافية لإدانته،حالة المادة 141 أن المحكمة سمعت بينة الاتهام واستجوبت المتهم ووجدت أنه ليس من بينة تكفي لإدانة المتهم الوضع الطبيعي أن تشطب الدعوى لا أن تصدر حكما بالبراءة لأن المتهم لم يتهم أصلا ليبرأ من التهمة، ومع ذلك فإن بينة الإتهام تكشف عن تعلق حق مالي للغير أيا كان الغير، هنا يوجه المشرع المحكمة لاستخدام سلطتها المدنية كمحكمة جنائية وفقا للمادة 204 من قانون الإجراءات الجنائية وهي السلطة المخولة في الحكم بالتعويض. وطبيعي أن يكون الحكم بالتعويض يتطلب البينة لإثبات الضرر المترتب على الفعل الجنائي وأيضا بتقدير التعويض (اثبات مقدار الخسارة أو ما فات من كسب) وبدون ذلك لا مجال للحكم بتعويض، من هنا كانت الفقرة(ج) من المادة ولابد أن يكون كل ذلك مما يواجه به المتهم ليقدم بينته الداحضة له وليكون ذلك لابد من تحرير التهمة متضمنة ما قامت عليه البينة وفقا للفقرة (ج).فالمادة 204 ليست إلا إجراءات تتبعها المحكمة الجنائية للوصول لحكم بالتعويض.توضح سير الإجراءات من لحظة أن تجد أساسا أو سببا لقيام دعوى التعويض ولا علاقة لها بالتعويض موضوعا لأنه محكوم بقانون المعاملات المدنية، وهذه الخطوات الإجرائية ما هي إلا نقل لذات إجراءات قانون الإجراءات المدنية أراد المشرع أن يضعها أمام المحكمة الجنائية
[الإتلاف وإغلاق المحل :
لم يكن المشرع السوداني قد نص على هاتين العقوبتين من قبل وقد وردا لأول مرة في القانون الحالي وكان التصرف في الأشياء المضبوطة وأدوات الجريمة والأموال التي حصلت من الجريمة أو كانت محلا لها من ألأوامر الإجرائية التي تصدرها المحكمة عن نهاية الإجراءات تحت المادة 302 من قانون الإجراءات الجنائية من قبل والتي أصبحت المادة 287 في قانون العقوبات لسنة 1983.
وقد عرفت المادة 36/2 من القانون الحالي الإبادة بأنها:إتلاف المال دون مقابل أو تعويض وهذا يعني إعدام كل قيمة للمال.
الفصل الثاني
القانون المقارن
هذا ما كان من أمر الغرامة في القانون السوداني، واستكمالا لجانب الدراسة ننتقل إلى القانون المقارن في مبحثين نخصص الأول للقانون المصري والثاني للقانون ألإماراتيي.
المبحث الأول
القانون المصري
عقوبة الغرامة هي العقوبة المالية الأصلية الوحيدة في قانون العقوبات المصري ولكنها تكون تكميلية في الجنايات وأغلبها من الجنايات التي يكون الباعث عليها الطمع في مال الغير والاستفادة غير المشروعة من رشوة إلي اختلاس ..الخ وقد عرفها المشرع وبين أحكامها وحدد طرق تنفيذها في قانون الإجراءات الجنائية. ونتناول هذه المسائل تباعا.
تعريفها:
تعرفها المادة 22 من قانون العقوبات المصري بقولها:
( العقوبة بالغرامة هي إلزام المحكوم عليه بأن يدفع إلى خزينة الحكومة المبلغ المقدر في الحكم، ولا يجوز أن تقل الغرامة عن مائة قرش ولا أن يزيد حدها الأقصى في الجنح على خمسمائة جنيه، وذلك مع عدم الإخلال بالحدود التي يبينها القانون لكل جريمة.)
بهذا التعريف تتميز الغرامة عن التعويض ذلك لأنها عقوبة جنائية وقصد منها إيلام الجاني، بخلاف التعويض فلم يقصد منه سوى جير الضرر الناشئ عن الجريمة.
مقدارها:
يحدد المشرع حدها العام بأنها لا تقل عن مائة قرش وحدها الأقصى في الجنح خمسمائة جنيه. على ذلك فالغرامة عقوبة أصلية والتبعية وفق ما قضت به محكمة النقض المصرية منذ عهد قديم
كما ينص القانون المصري على الغرامة النسبية ويرتبط مقدارها بضرر الجريمة أو فائدتها وسميت نسبية لأنه لهذا التناسب بينها وضرر أو فائدة الجريمة. وتتميز الغرامة النسبية عن العادية بأنه يحكم بها على المتهمين المتعددين بغرامة واحدة تضامنا فيما بينهم. لكن ذلك لا يكون إلا إذا كانت الجريمة واحدة وحكم بها على المتهمين بحكم واحد ، مع ملاحظة أن ذلك مشروط بألا يخل بالحدود التي يبينها القانون لكل جريمة وهو القيد الوارد بالمادة 44 من القانون.
تنفيذ الغرامة:
الغرامة واجبة التنفيذ فورا حتى لو استؤنف الحكم بها، ويتم التنفيذ بطلب من النيابة العامة ولا تسقط الغرامة بالوفاة إنما تستوفى من التركة بالطرق المدنية المقررة لاستيفاء الديون، فلا تنفذ على الورثة بطريق الإكراه البدني. ويكون الإكراه البدني بالحبس البسيط ، وتحسب بمقدار يوم واحد عن كل مائة قرش أو أقل، ولا تزيد في المخالفات عن سبعة أيام ومثله للمصاريف أما الجنح والجنايات فلا تزيد عن ثلاثة أشهر للغرامة ومثلها للمصاريف ولا تبرأ ذمة المحكوم عليه بتنفيذ الإكراه البدني إلا بمقدار عشرة قروش عن كل يوم، و يفهم من ذلك أن ما زاد ينفذ مدنيا.
ومما ينص عليه القانون المصري أنه يمكن تشغيل المحكوم عليه بناء على طلبه في أشغال يؤديها للحكومة بمقابل خمسة جنيهات عن كل يوم عمل بدلا عن تنفيذ الإكراه البدني عليه ويشترط المشرع أن يقوم المحكوم عليه بالعمل الموكل له، فإذا قصر أو تغيب بلا عذر تقبله الجهة التي يعمل لصالحها يرسل إلى السجن لتنفيذ الإكراه البدني عليه.
ومن تطبيقات القضاء المصري بشأن الغرامة:
متى تكون الغرامة أصلية؟ ومتى تكون تبعية؟:
(.. الغرامة نصت عليها المادة (46) تخييرية مع السجن أو الحبس كعقوبة أصلية للشروع في جناية عقوبتها إذا تمت هي السجن وفي هذه الحالة وحدها تكون الغرامة في الجنايات عقوبة أصلية، أما إذا قضي بها بالإضافة إلى عقوبة أخرى فعندئذ تكون الأخيرة هي العقوبة الأصلية وتعتبر الغرامة مكملة لها...).
الغرامة من العقوبات التبعية:
الغرامة من العقوبات التبعية إلا أنها عقوبة ناشئة عن الجريمة. والشأن فيها الشأن في العقوبة الأصلية فهي تتبعها في الحكم لتعلقهما كليهما بالحق العام وحده.
المصادرة:
المصادرة في القانون المصري عقوبة مالية عينية تكميلية وقد تكون وجوبيه أو جوازيه، وفيما يلي نستعرض الأحكام المتعلقة بها.
نصت المادة 30 من قانون العقوبات المصري على أنه:
( يجوز للقاضي إذا حكم بعقوبة لجناية أو جنحة أن يحكم بمصادرة الأشياء المضبوطة التي تحصلت من الجريمة وكذلك الأسلحة والآلات المضبوطة التي استعملت أو التي من شأنها أن تستعمل فيها وهذا كله بدون إخلال بحقوق الغير حسن النية. وإذا كانت الأشياء المذكورة من التي يعد صنعها أو استعمالها أو حيازتها أو بيعها أو عرضها للبيع جريمة في ذاته وجب الحكم بالمصادرة في جميع الأحوال ولو لم تكن تلك الأشياء ملكا للمتهم.)
المصادرة نوعان إما عامة أو خاصة الأولى تشمل الذمة المالية للمحكوم عليه بكاملها أما الثانية فخاصة محلها شئ أو أشياء معينة بدواتها، ولا يعترف المشرع المصري بالأولى فقد حظرها الدستور المصري في المادة 36 منه.
وتكون المصادرة وجوبيه إذا كانت تلك الأشياء ضارة بطبيعتها وفي هذه الحالة الهدف من المصادرة واضح وهو سحبها من التداول منعا لضررها، وتكون المصادرة في هذه الحالة تدبيرا وقائيا يفرضه النظام العام. فكل حيازة أو استعمال أو بيع أو عرض لها جريمة في حد ذاته. ولذلك ينص المشرع أنه لا يراعى فيها حق الغير ولو كان حسن النية فالنص يقول ولو لم تكن ملكا للمتهم.
التطبيق القضائي:
( المصادرة إجراء الغرض منه تمليك الدولة أشياء مضبوطة ذات صلة بجريمة، قهرا عن صاحبها وبغير مقابل، وهي عقوبة اختيارية تكميلية في الجنايات والجنح إلا إذا نص القانون على غير ذلك، ف يجوز الحكم بها إلا على شخص ثبتت إدانته وقضي عليه بعقوبة أصلية. وقد تكون المصادرة وجوبية يقتضيها النظام العام لتعلقها بشئ خارج بطبيعته عن دائرة التعامل، وهي على هذا الاعتبار تدبير وقائي لا مفر من اتخاذه في مواجهة الكافة، كما قد تكون في بعض القوانين الخاصة من قبيل التعويضات المدنية، إذا نص على أن تؤول الأشياء المصادرة إلى المجني عليه أو خزانة الدولة كتعويض عما سببته الجريمة من أضرار، وهي بوصفها الأول تكون تدبيرا وقائيا على المحكمة أن تحكم به ما دامت تتعلق بشئ خارج بطبيعته عن دائرة التعامل وهي بوصفها الثاني توفر للمجني عليه صفة المطالبة بها كتعويض، وفي أن يتتبع حقه في ذلك أمام درجات القضاء المختلفة حتى في حالة الحكم بالبراءة.
أعطى الحكم ملخصا وافيا لأحكام المصادرة في القانون المصري وشرحا محكما لأحكام المادة 30 من قانون العقوبات.
ومن ذلك أيضا:
(المصادرة وجوبا تستلزم أن يكون الشئ محرما تداوله للكافة بمن في ذلك المالك والحائز على السواء ولا يجوز القضاء بمصادرة الشئ المضبوط إذا كان مباحا لصاحبه الذي لم يكن فاعلا أو شريكا في الجريمة.)
أساس المصادرة هنا هو أن مجرد حيازة الشئ جريمة في حد ذاته، يريد الحكم أن يقول طالما أن الأمر كذلك وبمفهوم المخالفة لا مصادرة إن كان الشئ مباحا لصاحبه وبالتالي فإن الشئ لا يخرج عن دائرة التعامل المشروع.
إغلاق المحل:
لم ينص المشرع على العقوبات التكميلية في القانون العام على نحو منفصل ولكنها تطبق في القوانين الخاصة ومن ذلك ما قضت به محكمة النقض من أن غلق المحل التجاري في حالة ذبح أو ضبط أو بيع لحوم مخالفة به عقوبة تكميلية وجوبيه:
(غلق المحل التجاري في حالة ذبح أو ضبط أو بيع لحوم مخالفة به، عقوبة تكميلية وجوبيه، القضاء بها في جميع الأحوال إذا كانت اللحوم التي تم ضبطها على ذمة الفصل في الدعوى.)
ومنه أيضا:
(إن القانون اذ نص على إغلاق المحل الذي وقعت فيه المخالفة لم يشترط أن يكون مملوكا لمن تجب معاقبته على الفعل الذي ارتكب فيه ولا يعترض على ذلك بان العقاب شخصي لأن الإغلاق ليس عقوبة مما يجب توقيعها على من ارتكب الجريمة دون غيره وإنما هو في حقيقته من التدابير الوقائية التي لا يحول دون توقيعها أن تكون آثارها متعدية إلى الغير. ولا يجب اختصام المالك في الدعوى عند الحكم بالإغلاق متى كان هذا الحكم قد صدر على أساس أن من مرتكب الجريمة في المحل المحكوم بإغلاقه إنما كان يباشر أعماله فيه بتكليف من صاحبه. وإذن فالحكم بإغلاق الصيدلية من أجل أن موظفا لدى صاحب الصيدلية قد زاول فيها مهنة الصيدلة دون حق هو حكم صحيح.)
المبحث الثاني
القانون الإماراتي
شأن الغرامة في القانون الإماراتي هو شأنها في القانون المصري فهي العقوبة الأصلية الوحيدة، وقد نصت عليها المادة 66/7 من قانون العقوبات الاتحادي.
على ذات النهج السابق نتابع تعريفها وأحكامها.
تعريفها:
عرف المشرع الإماراتي عقوبة الغرامة في المادة (71) من قانون العقوبات الاتحادي بذات التعريف الوارد في القانون المصري بأنه إلزام المحكوم عليه أن يدفع للخزينة المبلغ المحكوم به.
مقدارها:
لا تقل عن مائة درهم ولا تزيد في حدها الأقصى على مائة ألف درهم في الجنايات وثلاثين ألف درهم في الجنح ما لم ينص القانون على خلاف ذلك كله. وبمثل ما هو في القانون المصري لا حكم بالغرامة تضامنا بين المحكوم عليهم إلا في الغرامة النسبية. والمقصود بالغرامة النسبية التي تنسب إلى ما حققه الجاني من الجريمة أو ما سعى لتحقيقه منها وعلة ذلك أنها محددة على أساس عيني مستمد من ضرر الجريمة أو فائدتها.
كما أن تنفيذ الغرامة لا يتوقف على صيرورة الحكم نهائيا بل يتم تنفيذ الحكم حتى مع استئنافه وذلك على أساس أن الأمر لا يضير المحكوم عليه على نحو لا يمكن تداركه فإذا الغي الحكم يمكن رد المبلغ.
ينص المشرع الإماراتي أيضا على اعتبار فترة الحبس الاحتياطي مخصومة من مبلغ الغرامة إذا لم يحكم على المتهم بسوي الغرامة بما يقابل مائة درهم عن كل يوم حبس احتياطي.
أما إن حكم عليه بالحبس مع الغرامة وزادت مدة الحبس الاحتياطي عن المدة المحكوم بها عليه فيخصم ما زاد عن ذلك من مبلغ الغرامة بمعدل مائة درهم عن كل يوم حبس احتياطي زائد.
وباعتبار أن النيابة العامة هي الجهة التي تباشر تنفيذ الأحكام الجزائية فيجوز للمحكوم عليه أن يطلب منها إمهاله لسداد الغرامة، ويجوز للنيابة أيضا أن تأذن له بدفع الغرامة على أقساط على ألا تزيد مدة السداد عن سنتين وإن تأخر المحكوم عليه عن سداد قسط حلت باقي الأقساط وللنيابة العامة أن ترجع عن الإذن الممنوح له إذا ما وجدت ما يدعوها إلى ذلك. ويعامل المشرع الإماراتي الحبس تنفيذا للإكراه البدني معاملة عقوبة الحبس من حيث التأجيل على المرضعة والمجنون ونحو ذلك ويجري التنفيذ بالإكراه البدني بعد أن يكون المحكوم عليه قد أمضى جميع العقوبات المقيدة للحرية المحكوم بها
التطبيق القضائي:
أثر الحكم بالغرامة كعقوبة أصلية:
إذا حكم القاضي بالغرامة كعقوبة أصلية تخيرية فلا يجوز الحكم بالإبعاد
تنص المادة 121 من قانون العقوبات الاتحادي على أنه:
( إذا حكم على أجنبي بعقوبة مقيدة للحرية في جناية أو جنحة جاز للمحكمة أن تأمر بإبعاده عن الدولة ويجب الأمر بالإبعاد في الجرائم الواقعة على العرض. ويجوز للمحكمة في مواد الجنح الحكم بالإبعاد بدلا من الحكم عليه بالعقوبة المقيدة للحرية المقررة للجنحة.)
فالأمر بالإبعاد جوازي في حالة الحكم في جناية أو جنحة بعقوبة مقيدة للحرية وجوبي في حالة جرائم العرض. وجوازي في جرائم الجنح بدلا من الحكم بعقوبة مقيدة للحرية. كانت النيابة العامة قد طلبت الحكم على المتهم بموجب المادتين 3 و 7 من قانون المشروبات الكحولية والمادتين 82/1 و121 من قانون العقوبات الأولى تنص على مصادرة المضبوطات والثانية تنص على الإبعاد . محكمة الموضوع أدانت المتهم وقضت بحبسه لستة أشهر مع الإبعاد.
عدلت محكمة الاستئناف الحكم بأن قضت بتغريم المتهم ألفي درهم وأيدت ما عدا ذلك.
استأنفت النيابة العامة على أساس أن تدبير الإبعاد لا مقتضى له.
نقضت محكمة التميز الحكم بالإبعاد على اعتبار أن العقوبة الأصلية هي الغرامة تخييرا بينها والحبس. وطالما اختارت محكمة الاستئناف الغرامة فلا مقتضى للإبعاد.
أثر تنازل المجني عليها على عقوبتي الرد والغرامة النسبية:
من المقرر أنه بالنسبة لعقوبتي الرد والغرامة فإنه يتعين الحكم بهما ولو تنازل المجني عليه أو أمرت المحكمة بإيقاف التنفيذ لأن هذا الإيقاف لا يتناول إلا عقوبة الحبس و لا يمتد إلى عقوبتي الرد والغرامة النسبية عملا بأحكام المادة 83 عقوبات على أنه إذا كان الجاني قد رد المبلغ محل الجريمة قبل الحكم عليه فلا يكون هناك محل لإلزامه برده مرة أخرى ومن ثم فلا يلزم بالرد عند التنفيذ أما بالنسبة لعقوبة الغرامة النسبية فإنه يتحتم القضاء بها بصرف النظر عما إذا كان المبلغ الواجب رده قد سبق للمتهم رده من عدمه.
خصم مدة الحبس الاحتياطي من العقوبات السالبة للحرية أو الغرامة التي يحكم بها:
من المقرر أن الحبس الاحتياطي ليس عقوبة وإنما هو سلب لحرية المتهم فترة من الزمن يتم خصمها من العقوبات السالبة التي يحكم بها على الجاني عملا بحكم المادة 294 من قانون الإجراءات الجزائية كما يخصم أيضا من عقوبة الغرامة التي يحكم بها عملا بنص المادة 307 من قانون الإجراءات الجزائية التي تقضي بأنه إذا حبس شخص احتياطيا ولم يحكم عليه إلا بالغرامة وجب أن ينقص منها عند التنفيذ مائة درهم عن كل يوم من أيام الحبس المذكور وهو ما يدخل في ولاية جهة التنفيذ وليس جهة الحكم.
المصادرة:
المصادرة عقوبة تكميلية في القانون الإماراتي بموجب المادة 82 من قانون العقوبات ألإتحادي والتي تنص على أنه:
للمحكمة عند الحكم بالإدانة في جناية أو جنحة أن تحكم بمصادرة الأشياء المضبوطة التي تحصلت من الجريمة أو التي استعملت فيها أو التي كان من شأنها أن تستعمل فيها وذلك كله دون إخلال بحقوق الآخرين حسني النية.
وإذا كانت الأشياء المذكورة من التي يعد صنعها أو استعمالها أو حيازتها أو بيعها أو عرضها في ذاته جريمة وجب الحكم بالمصادرة في جميع الأحوال ولو لم تكن الأشياء ملكا للمتهم.
واضح من النص أن عقوبة المصادرة جوازيه في الحالة الأولى وجوبيه في الحالة الثانية. وفي كلا الحالين هي مصادرة جزئية عينية عقوبة تكميلية. وبدوره المشرع الإماراتي لا يجيز المصادرة الكلية لأن الدستور ألإتحادي يحظرها.
ويميز الفقه بين أن تكون المصادرة عقوبة أو تدبيرا احترازيا. تكون عقوبة إذا كانت جوازيه، ويشترط لها أن تكون الأشياء المضبوطة ملكا للجاني حتى يتحقق الإيلام المالي وهو المقصود من العقوبة. أما المصادرة الو جوبيه فإنها تأخذ صفة التدبير الوقائي وطبعا لا يشرط أن تكون ملكا للجاني لأن القصد منها هنا مواجهة الخطر الناجم عنها بذاتها،لذلك تصادر حتى لو لم تكن ملكا للمحكوم عليه.
وقد تكون المصادرة تعويضا وفي هذه الحالة تأخذ حكم التعويض فلا يحكم بها إلا بطلب المضرور، و إلا بقدر ما يستحقه.
التطبيق القضائي:
مصادرة المستندات المزورة:
إن المصادرة في حكم المادة 82/2 من قانون العقوبات هي تدبير وقائي على المحكمة أن تحكم به ما دامت تتعلق بشئ خارج عن دائرة التعامل بطبيعته لأن أساسها دفع الضرر من بقائها في يد من يحوزها أو يحرزها. لما كان ذلك كذلك وكان الحكم المطعون فيه قد انتهى في قضائه إلى ثبوت تزوير رخصة القيادة الصادرة من المملكة العربية السعودية، والطلب الخاص باستخراج رخصة قادته من الإدارة العامة لمرور دبي ومن ثم فإن حيازتها واستعمالها يعد جريمة في ذاته مما كان يوجب الحكم بمصادرتها.
رخصة القيادة محل الدعوى ثبت أنها مزورة، وبالتالي لا يجوز استعمالها وبقاءها تحت يد المحكوم عليه أو غيره يجعل ذلك واردا، بالتالي تخرج عن دائرة التعامل بها قانونا، من هنا كان الحكم بالمصادرة، وهذا موضع تعليقنا على المصطلح، فالأولى الإبادة لأنه بها تخرج واقعا وقانونا عن التعامل بإبادتها، ما يتبع عملا هو أن تحرق المستندات المزورة.
مصادرة المواد المخدرة والمؤثرات العقلية:
(لما كانت المادة 56 من القانون رقم14/1995 في مكافحة المواد المخدرة والمؤثرات العقلية توجب مصادرة المواد المخدرة والمؤثرات العقلية التي تكون محلا لجريمة معاقب عليها موجب هذا القانون بما مفاده أن مصادرة المواد المخدرة والمؤثرات العقلية محل الجريمة واجبة حتى مع القضاء بالبراءة لأن حيازتها تعد جريمة وإذ كانت المصادرة على النحو المتقدم بيانه متعلقة بالنظام العام فإنه كان يتعين القضاء بمصادرتها بصرف النظر عن تبرئة المتهمين لعدم علمهما بان المادة المضبوطة مادة مخدرة.)
هنا أيضا يتبدى الأمر بين الإبادة والمصادرة، والنفس أميل للأولى دون الثانية، ولكنه المقر قانونا وتطبيقا في مصر والإمارات وهكذا يريدها المشرعان ولابد أن يلتزم القضاء بالنص.
إغلاق المحل:
ينص المشرع الإماراتي على التدابير الجنائية في الباب السابع من قانون العقوبات ألإتحادي وقسم التدابير الجنائية إلى تدابير مقيدة للحرية أو سالبة للحقوق أو مادية وقد تضمن الفرع الأول التدابير المقيدة للحرية والفرع الثاني للتدابير السالبة للحقوق والمادية.
وقد نصت المادة 122 على التدابير السالبة للحقوق والتدابير المادية وورد تدبير إغلاق المحل في الفقرة الرابعة منها باعتباره تدبيرا ماديا.
وجاء نص المادة 128 من قانون العقوبات الاتحادي ينص على:
( فيما عدا الحالات الخاصة التي ينص فيها القانون على الإغلاق يجوز للمحكمة عند الحكم بمنع شخص من ممارسة عمله وفقا للمادة 126 أن تأمر بإغلاق المحل الذي يمارس فيه هذا العمل وذلك لمدة لا تقل عن شهر ولا تزيد على سنة.)
يرتبط تدبير إغلاق المحل بارتكاب الشخص لجريمة بسبب إخلاله بواجبات مهنته أو حرفته أو نشاطه التجاري أو الصناعي، وحتى لا يكون استمرار العمل في المحل الذي تمت فيه الجريمة وكتدبير مادي يقرر المشرع إغلاق المحل حتى لا يكون سببا في عودة الجاني لارتكاب ذات الجريمة، أو جريمة مماثلة لها.
ويستتبع الإغلاق حظر مباشرة العمل أو التجارة أو الصناعة نفسها في المحل ذاته، سواء كان بواسطة المحكوم عليه أم عن طريق أي من أسرته، ولا يشمل هذا مالك المحل أو أي شخص له حق عيني على المحل.
وأخيرا فإن مدة الإغلاق فيما حدده المشرع الإماراتي يتفق مع ما حدده المشرع السوداني لمدة لا تقل عن شهر ولا تزيد عن سنة.
للأسف لم نجد في نظام الحاسب الآلي ولا مجلدات أحكام محكمة التميز ما يتعلق بهذا التدبير المادي، ونكتفي بما أوردناه بشأنه نظرا، ويمكن الاستهداء بأحكام محكمة النقض المصرية وقد ورد بعضا منها في الموضوع.
وبهذا نصل إلى خاتمة البحث لنوجز نتائجه وندون توصياته.
النتائج
العقوبات المالية التي قررها المشرع السوداني هي التجريد من الأموال (المصادرة) والغرامة. وقد أضاف القانون الرابع إليها التعويض ولم يعتبر القانون الحالي التعويض من العقوبات ونص على الإبادة وإغلاق المحل.
وفي القانون المقارن فإن الغرامة هي العقوبة الأصلية الوحيدة من العقوبات المالية في القانون المصري والقانون الإماراتي.
تتفق القوانين الثلاثة في أن تقدير الغرامة متروك لقاضي الموضوع مراعيا طبيعة الجريمة وقدر الكسب غير المشروع فيها ودرجة مسئولية الجاني وحالته المالية، ولم ينص القانون السوداني على تضامن المحكوم عليهم في سداد الغرامة، وقد نص عليها المشرعان المصري والإماراتي في حالة الغرامة النسبية.
لا خلاف بين القوانين الثلاثة أن تنفيذ الغرامة فوريا على الرغم من استئناف الحكم وكذلك في تنفيذ الغرامة بالإكراه البدني.غير أنه تباشر النيابة العامة في الإمارات النيابة العامة على خلاف الحال في السودان ومصر حيث الاختصاص للمحاكم.
لا تنقضي الغرامة بالوفاة في القانون المصري وتنقضي بها في السوداني والإماراتي.
تجيز القوانين الثلاثة تأجيل الغرامة وتقسيطها ويجيز القانون المصري استبدالها بالشغل لصالح الدولة، ويخصم من الغرامة مائة قرش عن كل يوم عمل أما الإماراتي فإنه يسقط بكل يوم من الإكراه البدني مائة درهم من الغرامة المنفذ بها. وكذا الحال بالنسبة للحبس الاحتياطي. ويشارك القانون المصري رصيفه الإماراتي في أمر الحبس الاحتياطي وبمقابل خمسة جنيهات عن كل يوم حبس احتياطي خصما من الغرامة. وينص القانون السوداني على عقوبة بديلة في حالة عدم دفع الغرامة وهي عقوبة سجن تحددها محكمة الموضوع.
يجيز القانون السوداني تخصيص الغرامة كلها أو جزء منها على سبيل التعويض وليس الحال كذلك في المصري والإماراتي.
نصت القوانين الثلاثة على عقوبة المصادرة وتصنف في القانونين المقارنين عقوبة تكميلية،ولا يجيزان المصادرة العامة وفقا للدستور في البلدين، ويتسع معناها وأثرها لتشمل الإبادة، بينما ينص القانون السوداني على الإبادة كعقوبة قائمة بذاتها.
بينما ينص القانون السوداني على إغلاق المحل كعقوبة ينص عليها المشرعان المصري والإماراتي كتدبير احترازي ولا فرق من حيث الهدف ومن حيث الواقع العملي ولا يعدو الأمر أن يكون أمر تصنيف فني.
نص القانون الإماراتي دون المصري على الدية كعقوبة أصلية بينما نص عليها المشرع السوداني في القانون الحالي كجزاء من غير جنس العقوبة.
يستطيع المرء القول أن نظرية العقاب المالي في القوانين الثلاثة جوهرا واحدة مع اختلاف بعض التفاصيل التي لا تؤثر على الجوهر،وكذا الحال في التطبيق العملي.
التوصيات
من الأهمية بمكان تعميق الدراسات الفقهية والمقارنة في القانون الجنائي لمساسه المباشر بالأموال والأعراض وحريات العباد،وفي غياب مذكرة تفسيرية للقانون الجنائي، والتطور الكبير في علم العقاب، فأنه لابد من توصية بتوسيع فرص الدراسات العليا والبحثية والتشجيع عليها بشتى السبل خاصة في الإطار المهني بأضلعه العدلية الثلاث القضاء الجالس والواقف والنيابة العامة والشرطة.
كما أنه لابد من نشاط واسع لأجهزة التدريب المعنية في هذه المهن بعقد المؤتمرات وورش العمل والسمنارات تعاونا بين كل هذه الأجهزة، وبينها والجامعات في المركز والولايات وتوسيع دائرة المشاركة داخليا وخارجيا فكل ميزانية اتفق في هذا الاتجاه استثمار حقيقي في النظام العدلي.
هذا على مستوى الأداء العام، على مستوى التشريع لعله من المناسب توصية بإعادة النظر في صياغة المادة 198 من قانون الإجراءات الجنائية 1991 رفعا للتباين في التطبيق وضبطا لصياغة النص.
النص المقترح:
المادة 198/4 (إذا تعذر تحصيل مبلغ الغرامة بالطرق المتقدمة فيجوز للمحكمة أن تأمر بتنفيذ عقوبة السجن البديلة أو بالإفراج عن المحكوم عليه في أي وقت بالتعهد أو الكفالة.)
درء لآثار الضارة للسجن البديل حبذا لو أدخل المشرع نظام الشغل لصالح الدولة كبديل عن أو بالإضافة لعقوبة السجن البديل استفادة من التجارب التشريعية الأخرى وكوسيلة اقتصادية لتحصيل الغرامات دون آثار سالبة على الأسرة والمحط الاجتماعي للمحكوم عليه.وهذا يجعل الغرامة ذات عائد اقتصادي فعلي.
النص المقترح:
198/4/أ : إذا تعذر تحيل مبلغ الغرامة...
إضافة/4/ب: يجوز للمحكوم عليه بالغرامة أن يطلب من المحكمة المختصة أن تستبدل بالشغل لصالح الدولة في الأعمال التي تراها إدارة السجن بتوصية منها، الغرامة كلها أو جز منها، ويخصم من مبلغ الغرامة ما تقدره الإدارة المعنية ويوافق عليه المتهم مقابل كل يوم عمل.
أو في ذات الفقرة 4 يستمر النص : ويجوز للمحكوم عليه...
المراجع والمصادر
المراجع الفقهية الشرعية:
1 - تبصرة الحكام في أصول الأقضية و مناهج الأحكام – الإمام برهان الدين أبي الوفاء إبراهيم بن الإمام شمس الدين ابي عبد الله محمد بن فرحون المالكي- دار الكتب العلمية – بيروت – لبنان - 2001
2 - الطرق الحكمية في السياسة الشرعية – للإمام أبي عبد الله محمد بن أبي بكر ألزرعي-ابن قيم الجوزية – دار الكتب العلمية – بيروت – بتحقيق محمد حامد ألفقي – ب . ت.
3 - عبد القادر عودة- التشريع الجنائي الإسلامي مقارنا بالقانون الوضعي – دار الكتاب العربي بيروت – ب. ت – ج 1-2
المراجع الفقهية القانونية:
4 المستشار إيهاب عبد المطلب – العقوبات الجنائية في ضوء الفقه والقضاء المركز القومي للإصدارات القانونية - القاهرة
5 د. محمد محيي الدين عوض – قانون العقوبات السوداني معلقا عليه – دار الكتاب الجامعي – القاهرة – 1979
6 - د.سليمان عبد المنعم – النظرية العامة لقانون العقوبات – دار الجامعة الجديدة للنشر – الإسكندرية – 2000
7 د. حسن محمد ربيع – شرح قانون العقوبات الاتحادي – القسم العام – ج1-2 أكاديمية شرطة دبي 2006
8- د. فتحي صادق المرصفاوي – المرصفاوي في القانون الجنائي- منشأة المعارف 2001 – ج-1: 4
9 – قانون العقوبات معلقا عليه بأحكام النقض حتى 1996 – المستشار معوض عبد التواب – الطبعة الثانية – 1997 – دار الفكر العربي القاهرة.
المنشورات:
10- المنشورات القضائية السودانية
المجلات والمجلدات الدورية القضائية:
11- مجلة الأحكام القضائية السودانية 1961: 2007
12- مجموعة الأحكام والمبادئ القانونية الصادرة عن محكمة التميز- دبي
اسم الموضوع : العقوبات المالية- النظر والتطبيق
|
المصدر : كتب و مذكرات وأبحاث القانونية