ASAWA LASSAN

عضو جديد
إنضم
31 يناير 2018
المشاركات
2
مستوى التفاعل
1
النقاط
3
الإقامة
المغرب


مقدمة:

من المستقر في الفكر القانوني أن حقوق الإنسان تقررها في الأصل الدولة ، إلا أن مجرد النص على الحقوق والحريات في دساتير الدول وفي قوانينها الداخلية الأخرى ، ووضع الضمانات لمراعاة هذه الحقوق والحريات ليكفل بالضرورة تمتع الإنسان فعليا بها ،ومن هنا بدت ضرورة اللجوء الى ضمانات دولية مكملة للتدابير الداخلية ولا تحل محلها أو تقلل من أهميتها ، فالحماية الدولية تتآزران معا وتسند كل منها للأخرى . وقد ورد اغلب الضمانات والقواعد الناظمة لحقوق الإنسان في صكوك دولية وعلانية واتفاقية ,لذا سنعمد الى دراسة الموضوع في مبحثين : الأصول التاريخية للقانون الدولي و بواكير الاعتراف العالمي بحقوق الإنسان .

المبحث الأول: الأصول التاريخية للقانون الدولي :

تشترك الحريات العامة مع حقوق الإنسان في أن تاريخهما واحد ،وهو عبارة عن نضال بشري ضد التسلط والاستبداد من أجل الحصول على أعلى درجات الكرامة والحياة الإنسانية ،فالفلسفة الحقوقية لها أصولها الثقافية سياسيا واجتماعيا ،وهي ليست وليدة حقبة معينة أو مترتبة عن إيديولوجية واحدة محددة وإنما هي نتاج لتراكمات تاريخية متتالية ومتعاقبة زادت من قيمتها الديانات السماوية التي أغنت محتواها ومددت معالمها فالصراع من أجل إقرارهما في مواجهة السلطة امتد عبر مراحل تاريخية طويلة’ وعليه سنحاول الوقوف على تلك النشأة .

إذا كان تحديد بوادر وامتدادات حقوق الإنسان والحريات العامة محل جدل فان هذا لا ينفي بأن الحرية والحق كانت لهما قيمة أساسية في كل المجتمعات فالصراع من أجل إقرارهما في مواجهة السلطة امتد عبر مراحل تاريخية طويلة وحضارات سابقة وهذا ما يمكن أن نتطرق إليه في المطالب الآتية :

-المطلب الأول :حقوق الإنسان في الحضارتين اليونانية و والرومانية :

أ- حقوق الإنسان في الحضارة اليونانية:

يتلخص الحديث عن الحضارة اليونانية قديما الحديث عن مدينة أثينا وذلك لعدة أسباب نذكر منها أنها كانت أكبر المدن اليونانية وأكثرها شهرة بالإضافة إلى أن أثينا كانت في القرن الخامس قبل الميلاد عرفت الحرية بالمفهوم السياسي ومن ثم فعبارة الإنسان الحر تطلق على كل من يتمتع بصفة المواطنة ،فكلمة الحرية كانت إلى جانب ما تعنيه من حق المواطنة مصدرا لاكتساب بعض الصفات الحميدة كالحكمة والكرم وسمو الروح والمساواة مع العلم أن هذه الأخيرة لم تكن إلا بين طبقة واحدة وهي المواطنين دون الطبقات الأخرى .

المجتمع الأثيني قائم على فلسفة سياسية تعتمد على التمييز بين ثلاث طبقات تتكون من هرم قاعدته طبقة الأرقاء و الأجانب وقمته طبقة المواطنين ،وعليه فان مثل هذا التقسيم لا تكمن خطورته ومعارضته لحقوق الإنسان فقط بل أبعد من ذلك لما يؤديه من صراع داخلي بين الطبقات وكان الإنسان عند الإغريق هو المواطن الحر.

ب - حقوق الإنسان عند الرومان :

استعمل الرومان كلمة الحرية شكلا ومضمونا للخلاص من حكم الملوك المستبدين والأباطرة الطغاة ورغم ذلك ظل المجتمع الروماني بعيدا عن الحرية والمساواة ويتجلى ذلك من خلال ما يلي :

أولا: عدم اعترافهم بالمساواة بين سكان الرومان الأصليين والأجانب ؛

ثانيا: إباحتهم لنظام الرق؛

ثالثا: العمل على التفرقة بين الرومانيين أنفسهم ،أي بين فئتين أساسيتين :الإشراف وعامة الشعب .

فالحريات الأساسية وحقوق الإنسان لم تكون موجودة في الأنظمة القديمة ، وإلغاء مبدأ الحرية والمساواة هذان المبدءان هما الأساس الفكري والنظري التي تقوم عليها فلسفة حقوق الإنسان، ومن ثمة فان المنبع الحقيقي لعقيدة حقوق الإنسان ، ظل يوجد خارج الفكر السياسي والفلسفي للمدنيات القديمة ، إلا أن جاءت الأديان السماوية التي أقرت من الناحية العملية وأكدت بشكل قوي على الكرامة الإنسانية للشخصية الإنسانية .

المطلب الثاني: حقوق الإنسان في الحضارة الإسلامية:

اعترفت الشريعة الإسلامية منذ ظهورها بحقوق الإنسان وبحرياته الأساسية ،في وقت لم يكن فيه للإنسان حق أو حرية تجاه السلطة لان مبدأ الحرية في الإسلام وثيق الصلة بالعقيدة ويستمد مكانته من مكانة الإنسان وتكريم الله له وانطلاقا من هذه المعطيات سنحاول تقسيم هذا المطلب على الشكل التالي:

أولا :مبادئ حقوق الإنسان في الشريعة الإسلامية :

عمل الإسلام على التنصيص على مجموعة من المبادئ وتتجلى هذه الأخيرة من خلال المكانة التي أعطاها الإسلام للإنسان وتكريمه له حيث أكد الإسلام في مجمل كتابه المحكم أنه خلق العالم من أجل الإنسان وسخره له بكل تفاصيله الأمر الذي يعني أن بني أدم محور الوجود ومركز الكون .

تتجلى هذه المكانة من خلال نماذج من الحقوق والحريات تتمثل في عدة مبادئ منها (مبدأ الحرية _مبدأ المساواة _الحق في العدالة _حق المشاركة في الحياة العامة _الحق في الحياة _حرية المعتقد) .

وعموما فجميع آيات القرآن الكريم التي ناقشت مسألة حرية الدين والاعتقاد قد انحازت إلى وصفها بالحرية الإنسانية .

ثانيا:بعض حقوق الإنسان في الإسلام التي لم ترد في المواثيق الدولية:

يتجلى من خلال النظرة الأولية للديانة الإسلامية أنها جاءت شاملة لجميع الحقوق مقارنة مع الحقوق المدنية والسياسية والاجتماعية التي جاء بها الإعلان العالمي لحقوق الإنسان سنة 1948 ،وعليه فالإسلام أسهم في بناء المنظومة الحقوقية بشكل تجاوز به كل المواثيق الدولية اللاحقة وبدرجة لم تبلغها الحضارات الإنسانية السابقة ومن بين ما جاء به الإسلام من حقوق نورد بعض الأمثلة ومنها (حق الإنسان في الترفيه عن نفسه –حق الإنسان في عدم التجسس عليه -حقوق الأبناء على الوالدين – حق اليتيم – حق ذوي القربى والمساكين وبن السبيل –حق الإنسان في العفو ، وبالتالي ومن زاوية أخرى تؤكد الشريعة الإسلامية أنها شريعة حقوقية وتهتم بالإنسان وأعطته المكانة المتميزة في جميع الأماكن والأزمان .

المطلب الثالث :مرحلة التأطير الدستوري للقانون الدولي لحقوق الإنسان :

لقد كانت جميع المحاولات الفلسفية لكبار المفكرين تهدف إلى تأصيل حرية الإنسان ، وبيان حقه الذي ينبغي له في ظل واقعٍ أهمل كل ما يتعلق بحقوق الإنسان وحرياته . ثم بدأت أوروبا بعد ذلك تدخل في محاولة الارتقاء بالحريات إلى المرحلة الدستورية ، حيث كان الإعلان الفرنسي لحقوق الإنسان والمواطن نقطة الانطلاق لصياغة نظرية عامة للحريات العامة شكلت مقدمة الدستور الفرنسي الذي صدر عقب الثورة الفرنسية التي جاءت امتدادا لتأثيرات قانونية متعاقبة أهمها " مجموعة الشرع والمواثيق الإنجليزية " التي بدأ تعاقبها منذ عام 1215 ، وكذلك مجموعة إعلانات الحقوق الأمريكية

اولا : المصادر القانونية لحقوق الإنسان في انجلترا

انتقال المجتمع الانجليزي الى عصر الحريات والحقوق لم تقتصر افادته على الشعب الانجليزي فحسب بل امتد ليشمل بعض شعوب الدول الاوروبية (5) ،لاسيما وأن عدة شرع قد أقرت في أنجلترا لصالح الشعب الانجليزي في حقوقه وحرياته ومن بينها:

1ـ الماكنا كارتا :

وتسمى بالعهد الأعظم ( 1215 ) وكانت من ثمار ثورة النبلاء على الملك الذي هدد مصالحهم بطغيانه ، وقد اشتملت على عدة أحكام سياسية ركزت على :

- صيانة حقوق الإقطاعيين . - تأمين حرية الكنيسة .

- احترام حريات المرافئ والتجار . - إلغاء الضرائب الاستثنائية .

- التزام النزاهة والعدالة في الإدارة والقضاء .

2 ـ عريضة الحقوق المملكة المتحدة: 1628 : (Petition of Rights )

بالاضافة الى ما تضمنته وثيقة الماكنا كارنا نصت عريضة الحقوق الى مبدأين أساسين وهما :

- الحرية الشخصية بحيث لا يجوز توقيف أحد دون محاكمة .

- عدم جواز إنشاء ضرائب إلا بموافقة البرلمان

غير أن هذه العريضة لم تجد تطبيقا عمليا ولم تحقق غايتها عند التطبيق ، حيث كان باستطاعة القاضي إضاعة الوقت في التدقيق في أسباب التوقيف ، كما أن قائد السجن كان يمكن ألا يستجيب لطلب القاضي بنقل السجين إلى سجن آخر ، وهذا ما دعا البريطانيين إلى التفكير في حل آخر هو ما يسمى بقانون تحرير الجسد.

3- قانون تحرير الجسد : مذكرة الهايباس كوربوس 1679

وبموجب هذه المذكرة يلتزم من وجهت إليه المذكرة بأن يحضر جسد المعتقل إلى القاضي ، وأن يبين سبب الاعتقال ، وبناء على ذلك يكون المتهم هو قائد السجن الذي قام بالاعتقال وللقاضي أن يقرر إذا كان الاعتقال تعسفيا أم لا .

4 ـ شرعية الحقوق 1689 :

نتيجة للضغط على الملك جيمس الثاني وتنازله عن العرش لصالح الملك وليم أورانج وزوجته ماري اللذين أصدرا الوثيقة المسماة شرعة الحقوق في 23/02/1688 وملخص هذه الوثيقة هو :

حرمت على الملك تعليق مفعول القوانين أو فرض الضرائب أو إنشاء المحاكم إلا بموافقة البرلمان مع ضمان الحرية الشخصية وحق المواطن في تقديم العرائض .

وميزت هذه الشرعة أنها نزعت عن الملك هالة الألوهية وحددت من سلطاته وجعلت من الملكية ملكية برلمانية بموجبها يصبح الملك مالكا وليس حاكما وحصرت الصلاحيات الملكية في السلطات التشريعية والتنفيذية والقضائية وعلى قاعدة الفصل بينهما.

ثانيا : المصادر القانونية لحقوق الإنسان في أمريكا:

الإعلانات الأمريكية هي مجموعة نصوص تناولت الحريات العامة وحقوق الإنسان وهي على ثلاث فئات تباعا .

1 – إعلان ولاية فرجينيا فيما خص الحريات العامة وحقوق الإنسان 12/06/1776:

قام هذا الإعلان على المبادئ التالية وهي :

*المساواة الطبيعية :ومعناه أن الناس يولدون أحرارا وأنهم متساوون في الحقوق والواجبات وأن لهم حق التمتع بالحياة والحرية والتملك وإلغاء الامتيازات وان المناصب القيادية تكون وفقا للكفاءة والأهلية لا وفقا للتوريث والمحسوبية ،ولكل مواطن الحق بمعرفة التهم الموجهة إليه واستعمال وسائل الدفاع ،وفي حالة صدور عقوبة ما بحق شخص يجب ألا تكون العقوبة غير اعتيادية وفي الأخير الحرية الدينية فريضة واجبة الأداء على الفرد تجاه خالقه وإنها خاضعة للقناعة وليست القوة .

2 – إعلان استقلال أمريكا04/07/1776:

أعلن الاستقلال الأمريكي عن التاج البريطاني في 04/07/1776 وأن أهم ما جاء به فيما يخص الحريات العامة وحقوق الإنسان هو :الحرية والمساواة حقان طبيعيان ،أن تكوين المجتمع يكون بالاتفاق بين أفراد المجتمع ،أن يكون العمل بمبدأ السيادة الشعبية .

ويستدل مما تقدم بأن إعلان الاستقلال كأنه ترجمة لفلسفة القانون الطبيعي وتطبيق للعقد الاجتماعي أساسا في التنظيم الدستوري .

3 –الدستور الفدرالي 18/09/1787:

بعد اعلان الاستقلال أعلن الدستور الفيدرالي في 17/09/1787 و أنه منذ صدوره وحتى العام 1971 فانه قد عدل مرات عدة وبناء فان التعديلات من حيث مضمونها على النحو التالي :

أ-تعديلات العام 1796 من حيث المضمون هي :

1 /بموجبه منع الكونغرس إصدار بعض القوانين التي تكون غايتها الحد من بعض الحريات كالصحافة ،

2 /عدم التعرض للفرد في حقوقه وممتلكاته وعدم التفتيش ،

3 /منع المحاكمة عن أي شخص إلا بموجب قرار صريح وعدم ملاحقته لنفس الجرم،

ب-التعديلات اللاحقة :

تضمنت التالي :

1 /حق المولود على أراضي الولايات المتحدة بالحصول على الجنسية الأمريكية أي العمل بمبدأ رابطة الإقليم،

2 /إقرار حق الاقتراع لكافي مواطني الولايات المتحدة ،

3 /منع انتخاب أي شخص لأكثر من ولايتين لمنصب الرئاسة،

4 /منح أهالي منطقة كولومبيا حق الاقتراع ،

5 /إلغاء القوانين الخاصة باشتراط حد أدنى من الضريبة المتوجب أداؤها عند الامتناع عن التصويت،

6 /تخفيض حق الاقتراع إلى الثامن عشر ،

ثالثا: المصادر القانونية لحقوق الإنسان في الإعلانات الفرنسية :

لقد كان لهذه المواثيق والشرع الأثر المباشر على مبادئ الثورة الفرنسية ، والتي من أهمها الإعلان الفرنسي لحقوق الإنسان والمواطن الذي اعتمد كمقدمة للدستور الفرنسي الأول الصادر عام 1791 ، وكان يتضمن مقدمة وسبع عشرة مادة ، اشتملت على مجموعة من الحقوق " الطبيعية " مثل حقه في الحرية وحقه في الأمن ، والمساواة بين المواطنين ، وسيادة القانون كمظهر لإرادة الأمة ،(11) وقد جاءت هذه الوثيقة لتعطي للمواطن " إمكانية عمل لا إمكانية مطالبة "، فهي حريات وليست ديونا على عاتق المجتمع ، ولا ينبغي على الدولة القيام بأية وظيفة إيجابية تجاهها، كما أن هذه الوثيقة أغفلت مبادئ التكافل الاجتماعي بين الفرد والمجتمع .

وقد صدر الإعلان بعنوان حقوق الإنسان والمواطن ، ومعلوم أن حقوق المواطن هي تلك الحقوق التي لا يمكن تصورها إلا بعد قيام المجتمعات السياسية، أما حقوق الإنسان فهي حريات تسمح لكل فرد أن يعيش حياته الخاصة بالشكل الذي يراه مناسبا ، وليس للمجتمع أن يتدخل في هذه الحريات .

لقد كان لألفاظ الإعلان الفرنسي بريقا ، غير أن مآلها كان لصالح الطبقة البرجوازية ؛ فاعتبار التملك حقا طبيعيا مقدسا لا يمكن المساس به كما أشارت (المادتان: 2 ، 17 ) لا يخدم في الحقيقة سواد الشعب ، ولا يستفيد منه ؛ لأنه لا يملك شيئا في الحقيقة . كما تضمن الإعلان حق مقاومة الاستبداد والظلم ليسوغ واضعوه مشروعية ثورتهم وفي الوقت نفسه كانوا يريدون الحيلولة دون وقوع ثورة ضدهم ، ولهذا فقد جاء في (المادة 2 ) أن الغرض من كل نظام سياسي هو المحافظة على حقوق الإنسان الطبيعية ، وبما أنهم هم حماة الحقوق فأي نظام يخالفهم لا يعتبر حاميا لتلك الحقوق ، فارتكبوا من الجرائم ما لا يقل عما ارتكبه القياصرة المستبدون.


المبحث الثاني: بواكير الاعتراف العالمي لحقوق الإنسان

شكلت الحرب العالمية الثانية حدثا مهما جوهريا في تطور الاعتراف العالمي بحقوق الإنسان ولدلك بقد غدا مألوفا ودارجا في الفكر القانوني الإشارة إلى هده الحرب كمرجعية أساسية عند دراسة مسالة تطور القانون الدولي لحقوق الإنسان، لدلك سوف نقسم هدا المبحث إلى مطلبين الأول نناقش فيه حقوق الإنسان قبل الحرب العالمية الثانية والثاني القانون الدولي الإنساني في عهد عصبة الأمم المتحدة والثالث نتطرق فيه إلى حقوق الإنسان في منظومة الأمم المتحدة

المطلب الأول: حقوق الإنسان قبل الحرب العالمية الثانية

رغم أن المجتمع الدولي لم يعرف حماية عامة لحقوق الإنسان في هده الحقبة إلا انه توصل إلى مجموعة من القواعد القانونية لحماية عدد من الجماعات الإنسانية المختلفة وسنعمد هنا إلى عرض أهم الملامح الخاصة بهده الحماية في إطارها التاريخي

الفقرة الأولى: معاملة الأجانب

تعد حماية حقوق الأجانب تعبيرا عن فكرة ارتباط الشخص بدولة ما وخضوعه لاختصاصها الشخصي ، وقد ساهمت فكرة حماية الأجانب المقيمين خارج دولهم والخاضعين لاختصاص إقليمي لدول يحملون جنسيتها في نشأة القانون الدولي لحقوق الإنسان ، لدا فوضع الأجانب محكوم بجملة من القواعد العرفية التي باتت تعرف بمعيار الحد الأدنى والتي تمثل في حقيقتها قيودا ترد على سلطة الدولة في مواجهة المقيمين على إقليمها ويشمل هدا الحد المقرر لمصلحة الأجانب وجوب الاعتراف لهم بالشخصية القانونية والحرمة الشخصية والحق في عدم التجريد من الملكية والحق في محاكمة عادلة وحماية حرياتهم من إعمال العنف والاضطرابات التي قد تلحق الضرر بهم وبأموالهم إضافة إلى حمايتهم بجملة من الامتيازات أو ما يسمى بنظام الامتيازات الأجنبية ونظام الحماية الدبلوماسية وهذه الأخيرة تتصف في الواقع وفي التطبيق بطابع تمييزي ، فالدول الكبرى في العادة هي المستفيدة الأولى من حق الدول في الحماية الدبلوماسية ، وذلك لأنها كما يصفها محمد بنونة في تقريره المقدم للجنة القانون الدولي بشأن الحماية الدبلوماسية "لاتكون متاحة عمليا إلا للدول الكبرى التي تملك وسائل ممارستها في مواجهة الدول الضعيفة ، مما يجعلها تمارس لمصلحة أشخاص دون الآخرين بالنظر لجنسية الدولة التي يحملونها.

الفقرة الثانية: التدخل الإنساني

ترجع الجذور لفكرة التدخل الإنساني إلى نظرية القانون الطبيعي والقانون الدولي التقليدي ويعد هوغو غروشيوس المنظر والمؤسس الأول لنظرية التدخل الإنساني وقدر اقر بمشروعية استخدام دولة أو أكثر للقوة ضد دولة أخرى بقصد وقف الانتهاكات الصارخة لحقوق الإنسان الأساسية التي يأباها المجتمع الدولي بعمومه ، وتجد الإشارة إلى إن الدخل الإنساني يختلف تماما عن المساعدة الإنسانية فهده الأخيرة تمثل صورة من صور التدخل بالمعنى الواسع أو العام الذي يشير إلى فعل يصدر عن دولة او دول ما وينطوي على انتهاك الالتزام الدولي الواقع على كاهل الدول بوجوب احترام الاختصاص الإقليمي للدول وعدم التدخل في شؤونها الداخلية . فالمساعدة الإنسانية تنصرف إلى تقديم خدمات صحية وغذائية وإنسانية لصالح النزاعات المسلحة، وغدت حالات التدخل الإنساني نمطا مألوفا وراسخا في سلوك الدول الأوربية مند القرن التاسع عشر وقد تدخلت كل من روسيا وفرنسا وبريطانيا العظمى أكثر من مرة في أقاليم خاضعة للإمبراطورية العثمانية ففي 1850 تدخلت هده الدول لمساعدة الثوار اليونان ضد تركيا ولوقف الاضطهاد الديني الذي كان يتعرض له الشعب اليوناني. ووجدت هده النظرية فيما بعد تطبيقات أخرى أهمها التدخل الأمريكي في كوبا عام 1898 الذي برره الكونغرس الأمريكي بمتطلبات الدفاع عن المصالح الأمريكية، التدخل العسكري الأوربي والأمريكي والياباني في الصين عام 1900 بما يسمى حرب البوكسير بذريعة انقاد أرواح الأجانب، التدخل البلجيكي في الكونغو عام 1960 من اجل إجلاء رهان أوربيين، التدخل الأمريكي في سان دومينيكان عام 1970 وتعدلها أيضا في قبرص عام 1974 وفي إيران عام 1980 وفي بنما وهايتي.

جرت الممارسة المعاصرة لهدا التدخل عموما بهدف حماية مصالح الدولة المتدخلة، ولم تكن تنزع البتة إلى الدفاع عن قوانين الإنسانية في معاملة الدول لشعوبها وسكانها. صفوة القول فيما يتعلق بالتدخل الإنساني تتمثل في عدم وجود أي مبرر لتعديل القواعد الدولية النافدة : فهي تحظر اللوء الى القوة في العلاقات الدولية .

الفقرة الثالثة: التعهدات والاتفاقيات لصالح بعض الفئات الضعيفة

يعتبر حق إبرام المعاهدات مظهرا من مظاهر سيادة الدولة واستقلالها، وحينما تعقد الدول اتفاقات خاصة بحقوق الإنسان فهدا يعني قبولها بان المسالة لم تعد من صميم السلطان الداخلي لها، بل غدت مسالة دولية. وقد بدأ تدويل حقوق الإنسان مع المعاهدات وستفاليا المعقودة هام 1648 التي تعد حقا بمثابة أول تدوين لقواعد القانون الدولي وجاءت هده المعاهدة لوضع حد لحرب الثلاثين علما الدامية بين الدول الكاثوليكية والبروتستانتية وقد تضمن النص على مبدأ الحرية الدينية.

وشهد القرن التاسع عشر توجها نحو تحريم الرق والاتجار كما سيجئ في حينه، كما أمكن خلاله عقد اتفاقيات لحماية الأقليات المسيحية في الإمبراطورية العثمانية –معاهدات باريس لعام 1856 وبرلين لعام 1878 – وقد احتجت دول الاتفاق الأوروبي بهده الاتفاقيات للتدخل بالطرق الدبلوماسية تارة والعسكرية تارة أخرى لصالح المسيحيين في الإمبراطورية العثمانية. وقد استلهمت إحكام المعاهدة الأخيرة، التي وضعت نظاما قانونيا خاصا بمجموعات دينية معينة، وضع نظام حماية الأقليات على يد عصبة الأمم.

كما أمكن للمجتمع الدولي وضع مجموعة من القواعد التي يتعين مراعاتها إثناء الحروب، ومن بين هده القواعد نخص بالذكر اتفاقية جنيف الأولى لحماية جرحي ومرضى الحروب لعام 1864 التي جرا تنقيحها عام 1907 والاتفاقيات التي تمخضت عنها مؤتمرات لاهاي في عامي 1889 و1907.

المطلب الثاني: عصبة الأمم والقانون الدولي الإنساني

أسفرت المآسي التي نجمت عن الحرب العالمية الأولى 1914-1918عن اتفاق الدول المنتصرة المجتمعة في فرساي على إنشاء عصبة الأمم وجاءت معاهدات السلام بين دول الحلفاء ودول الأعداء متضمنة لنظام العصبة 28/04/1919.ولا يتضمن عهد العصبة أي أحكام عامة بشأن حقوق الإنسان والحريات الأساسية، بل لقد قوبل اقتراح الرئيس الأمريكي تودرو ويلسون تضمين العهد نصا بشأن الحرية الدينية بالرفض ولكن عهد العصبة الذي تضمن نظام الانتداب اوجد بعض الضمانات المتواضعة للشعوب التي تخضع للنظام المذكور. ولا يتضمن العهد نظاما لحماية الأقليات، ولكن العصبة لعبت دورا مهما في إنشاء مثل هدا النظام وقد تضمنت معاهدات الصلح دستور منظمة العمل الدولية

الفقرة الأولى: نظام الانتداب

أنشئ نظام الانتداب، وهو نظام استعماري أطلق عليه هدا المصطلح زيفا وتضليلا، بموجب المادة 22 من عصبة الأمم. وقد طبق هدا النظام على الدول المهزومة في الحرب العالمية الأولى والأقاليم التي كانت تتبعها وبخاصة في إفريقيا والشرق الأوسط. وبموجبه تعد الدول القائمة بالانتداب وهي دول استعمارية بالعمل على رفاهية وتقدم الشعوب الموضوعة تحت انتدابها. ويفر العهد حماية متواضعة جدا لسكان الأقاليم المشمولة بنظام الانتداب. وقد تعهدت الدول الأعضاء في العصبة بالعمل على توفير المعاملة العادلة للسكان الوطنيين في الأقاليم المشمولة برقابتها المادة 22/7 وتقوم اللجنة الدائمة للانتدابيات –تتكون جزئيا من الدول الاستعمارية – بتلقي التقارير السنوية من السلطات القائمة بالانتداب ومن ممثلي الأهالي المحليين وفحصها وتقديم المشورة إلى المجلس في المسائل المتعلقة بتطبيق أحكام الانتداب المادة 22. وانتهى النظام مع حل عصبة الأمم، غير إن هيئة الأمم المتحدة انشات نظاما بديلا وهو نظام الوصاية –الفصل الثاني عشر من ميثاق الأمم المتحدة والدي انتهى بدوره مع بلوغ الأقاليم الخاضعة له كافة للاستقلال.

الفقرة الثانية: نظام حماية الأقليات

ليس مستغربا أن ينظر إلى نظام الأقليات كواحد من الأسباب إلي أدت إلى اندلاع الحرب العالمية الثانية ،ومن أكثر الصعوبات التي يواجهها المرء هو إيجاد تعريف للأقلية في القانون الدولي فليس هناك إلى حد الآن أي تعريف مقبول عما في القانون الدولي للأقلية ولكن عدم وجود تعريف لن يؤثر لان هناك جملة من المعايير والضوابط التي أضحت محل اتفاق لدى الدارسين فالأقلية حسب البروفسور كابوتورتي هي مجموعة من الأشخاص اقل عددا من أغلبية مواطني الدولة وتكون في وضع غير مسيطر وتتوافر لإفرادها سمات أثنية أو دينية أو لغوية تختلف عن خصائص بقية السكان وتبدي ولو بشكل مستتر شعورا بالتضامن بغية الحفاظ على هويتها .

وبذلك فان الاهتمام بحقوق الإنسان قد أنتقل إلى المستوى الدولي قبل نشوب الحرب العالمية الأولى، اذ أبرمت العديد من المعاهدات والاتفاقيات الخاصة بالأقليات وبالذات بين الدول الأوربية والإمبراطورية العثمانية، وذلك من أجل حماية الأقليات الدينية والعنصرية واللغوية في هذه الإمبراطورية، فكانت معاهدة وستفاليا عام 1648م الأولى من نوعها في العصر الحديث التي تؤكد على حرية العبادات المختلفة للأقليات داخل الدول الأطراف الموقعة على هذه الاتفاقية.

وتعتبر معاهدة فينا عام 1815م الخطوة الأهم في هذا المجال، حيث نصت المادة الثامنة من المعاهدة على كفالة الحرية الدينية وضمان الحريات والحقوق الفردية لكل الأفراد بدون تمييز بسبب العنصر والعقيدة، وكذلك حرمت تجارة الرقيق.

وبصورة عامة لم يقر المجتمع الدولي حتى نشوب الحرب العالمية الأولى إلا عدد قليل من الاتفاقيات الخاصة بتحريم الرق والمتاجرة به، وقرصنة البحار وكذلك اتفاقيات لاهاي لعام 1899م و1907م والتي تتضمن بعض البنود والقواعد التي يجب مراعاتها عند اندلاع الحروب. وبعد انتهاء الحرب العالمية الأولى واندفاع عصبة الأمم المتحدة فان ميثاق العصبة لم يتضمن أية أحكام أو بنود تتعلق بحقوق الإنسان وحرياته الأساسية.

نستنتج مما سبق إن هذه المعاهدات التي أبرمت في هذه الفترة قد احتوت على الضمانات والوسائل القانونية التي تضمن حماية حقوق الإنسان وعدم انتهاكها ومنها:

-الالتزام بحماية الأقليات

-منح الأقليات حق تقديم شكوى الى مجلس العصبة

- اعتبار محكمة العدل الدولية الجهة المختصة في تفسير وتسوية المنازعات الناشئة حول تفسير أو تطبيق الاتفاقية الدولية

وتتضمن هذه المعاهدات الحقوق الأساسية للأقليات مثل الحق في الحياة وحق الملكية والعمل وحرية الإقامة والهجرة وحق الأقلية في استعمال لغتها الخاصة به .

الفقرة الثالثة: منظمة العمل الدولية

نشأت منظمة العمل الدولية عام 1919م كهيئة مرتبطة بعصبة الأمم ومقرها مدينة جنيف ،واعتمدت المنظمة في دورتها السادسة والأربعين المعقودة في مدينة فيلادلفيا بالولايات المتحدة في عام 1944 ودلك لتعذر الانعقاد بجنيف حيث كانت أوروبا مسرحا للحرب العالمية الثانية إعلان بشأن أهداف وأغراض منظمة العمل الدولية ، بات يعرف بإعلان فيلادلفيا وأدرجت هده الأهداف ضمن الأهداف التي ينبغي إن تنهض بها المنظمة ودلك على اثر تعديل ادخل على دستورها في عام 1946 ، وقد ورد في مقدمة النصوص الخاصة بمنظمة العمل الدولية إن هدف عصبة الأمم هو إقرار السلام العالمي وان هدا السلام لا يمكن أن يكون إلا على أساس العدالة الاجتماعية ، وللوصول إلى غرض المنظمة المتمثل في رفاهية العمال الإجراء في النواحي المادية والمعنوية والثقافية، ومن المعلوم ان المنظمة تعمد إلى أسلوب التوصية حينما لا تكون الظروف ملائمة او مهيأة لان يكون الموضوع محل البحث أو احد جوانبه محلا لاتفاقية دولية في الحال. وفي حين إن اتفاقيات العمل الدولية تنشئ التزاماتها على عاتق الدولة المصادقة عليها، ولقد قارب عدد الاتفاقيات التي أعدها وأقرها مؤتمر العمل الدولي المائتين حتى عام 2004م وهي تعالج كافة مشاكل العمل والعمال بما في دلك الحق في العمل والحق في التمتع بظروف عمل عادلة وملائمة وتحديد ساعات العمل وحظر العمل القسري وحماية حرية المشاركة والحقوق النقابية والقضاء على التمييز في التوظيف والوظيفة وتطبيق مبدأ الأجر المتساوي وتشجيع العمالة الكاملة والضمان الاجتماعي. ومن أهم الاتفاقيات المتصلة مباشرة بحقوق الإنسان التي اعتمدها المؤتمر العام للمنظمة نشير إلى تلك الخاصة بتحريم العمل الجبري او السخرة الاتفاقيتان رقم 29 لعام 1930م ورقم 1957م والحرية النقابية الاتفاقية رقم 87 لعام 1948 المساواة في الأجور الاتفاقية رقم 1000 لسنة 1951 .

وتتمتع منظمة العمل الدولية بنظام فعال وقديم للرقابة على تطبيق اتفاقيات العمل الدولية مما سيكون مدارا للبحث في حينه. هدا وعلى خلاف نظام حماية الأقليات الدي زال بزوال العصبة. فقد أدمجت منظمة العمل الدولية في منظومة الأمم المتحدة وقد منحت المنظمة لجهودها جائزة نوبل لسلام عام 1969.

المطلب الثالث: حقوق الإنسان في منظومة الأمم المتحدة

استبدلت عصبة الأمم بمنظمة دولية جديدة هي هيئة الأمم المتحدة. وإضافة إلى نهوضها بوظائف كانت منوطة بسلفها، عنيت الأمم المتحدة بموضوعات ومسائل جديدة أهمها الخروقات الجسيمة لحقوق الإنسان، مما دفعها فعليا إلى العمل لإيجاد منظمة قانونية غايتها تحقيق الحماية الفعالة والمستدامة لهده الحقوق.

وقد دخلت مسالة حقوق الإنسان بفضل ميثاق الأمم المتحدة الذي اقره مؤتمر سان فرانسيسكو في عام 1945 ودخل حيز النفاد في 23/10/1945م دائرة القانون الدولي الوضعي. وأمكن للمجتمع الدولي بعد دلك لن يقر ما جرى الفقه على تسميته بالشرعة الدولية لحقوق الإنسان.

الفقرة الأولى: ميثاق الأمم المتحدة ومهام المنظمة العالمية في مجال حقوق الإنسان

لم يأت تكريس ميثاق الأمم المتحدة لفكرة حماية حقوق الإنسان من فراغ ، فقد ساهمت صكوك دولية سابقة عليه في دلك ، حيث كان لميثاق نرمبرغ ولأحكام المحكمة المنشأة بمقتضاه دور كبير في ترسيخ هده الفكرة ، وأعربت كذلك العديد من الصكوك الدولية التي جرى إقرارها والتوصل إليها أثناء اندلاع الحرب العالمية الثانية عن الصلة الوثيقة بين احترام حقوق الإنسان والسلام العالمي وقد قامت هده النصوص في قيام المم المتحدة بتشييد القانون الدولي لحقوق الإنسان ، لهدا سوف نتطرق في هده الفقرة أولا إلى حقوق الإنسان في المواثيق الممهدة لميثاق الأمم المتحدة وفي ميثاق نوربرغ ،وثانيا إلى حقوق الإنسان في ميثاق الأمم المتحدة .

أولا: حقوق الإنسان في المواثيق الممهدة لميثاق الأمم المتحدة وفي ميثاق نورمبرغ

أضافت محاكمات نورمبرغ والأحكام التي صدرت عن المحكمة التي نظرتها بعدا مهما لحركة حقوق الإنسان الدولية ، فقد أدى الإقرار بالمسؤولية الجزائية الدولية للإفراد عن جرائم دولية اقترفوها مثل جرائم الحرب وجرائم ضد الإنسانية الى تغيير طبيعة النظام القانوني الدولي فلم يعد مقتصرا على الدول بل بات الإفراد أيضا محلا للزجر وشخصا لحقوق مصدرها النظام القانوني وقد وجدت محكمة نورمبرغ الإفراد مسئولين عن جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية وعمدت إلى معاقبتهم مباشرة ، ودلك لما اقترفوه من انتهاكات جسيمة لحقوق الإنسان الأساسية.

ساهم ميثاق نورمبرغ ادا في تكريس فكرة احترام حقوق الإنسان وكان له تأثير أساسي لتضمين الميثاق عددا من النصوص الخاصة بحقوق الإنسان. وقد كان للإعلانات والوثائق الممهدة لميثاق الأمم المتحدة تأثير كبير أيضا في هدا الخصوص.

فقد أوضح الرئيس الأمريكي روزفلت في تصريح له في 06/02/1941 وجوب العمل على خلق علم يقوم على حريات أربع في كل بلد في العالم هي على وجه التحديد: حرية الرأي والتعبير والحرة الدينية والحق في أن يكون الإنسان بمنأى عن الفاقة والحق في حياة متحررة من الخوف. وفي عام 1942م صدر تصريح أول إعلان الأمم المتحدة الذي وقعه سبعة وعشرون ممثلا عن دول تحالفت وتعاهدت على الاستمرار في محاربة دول المحور وأعربت الدول الموقعة عن اعتقادها بان النصر الكامل على أعدائها أمر أساسي للحفاظ على العدل والحرية والاستقلال داخل أراضيها وفي الأمم الأخرى ومن الواضح ان الشغل الشاغل للدول الموقعة على هدا الإعلان إنما كان وضع نهاية مشرفة للحرب العالمية الثانية، بينما عالمية حقوق الإنسان وحرياته الأساسية لا تتبوأ سوى المرتبة الثانية.

وفي مؤتمر دمابرتون اوكس لعام 1942م الذي ضم الدول الكبرى باستثناء فرنسا، احتلت حقوق الإنسان مكانا متواضعا في مشروع الأمم المتحدة التي أنشأت لتخلف عصبة الأمم.

ثانيا: حقوق الإنسان في ميثاق الأمم المتحدة

يوصف ميثاق الأمم المتحدة بأنه حجر الأساس للقانون الدولي لحقوق الإنسان، ودلك لأنه ساهم ولأول مرة في تدويل حماية حقوق الإنسان وإدخالها للقانون الدولي الوضعي. يتألف الميثاق من ديباجة تسعة عشر فصلاً تتضمن مائة وإحدى عشرة مادة. إذ جاء في ديباجته، تأكيد شعوب الأمم المتحدة لإيمانها بحقوق الإنسان وبكرامة الفرد وقدره، وبما للرجال والنساء والأمم كبيرها وصغيرها من حقوق متساوية. كما نصت على هدف الدفع بالرقي الاجتماعي قدماً، ورفع مستوى الحياة في جو فسيح من الحرية، وإن ما جاء في الديباجة من مقاصد وأغراض الأمم المتحدة، قد عكس رأياً عالمياً معاصراً، وأن الوظيفة الأولى للأمم المتحدة تتمثل في حفظ السلم والأمن الدوليين. وقد بات راسخاً اليوم الاعتقاد بأن الاحترام العام لحقوق الإنسان ولحرياته الأساسية شرط لحفظ السلم والأمن الدوليين، بل ولاحترام القانون عموماً.وقد حددت المادة الأولى من الميثاق أهداف ومقاصد الأمم المتحدة وجعلت من بين هذه الأهداف في فقرتها الثالثة: "تحقيق التعاون الدولي على حل المسائل الدولية ذات الصبغة الاجتماعية والاقتصادية والثقافية والإنسانية وعلى تعزيز احترام حقوق الإنسان والحريات الأساسية للناس جميعاً، دون تمييز بسبب الجنس أو اللغة أو الدين، ولا تفريق بين الرجال والنساء"

وبما أن حقوق الإنسان لا تقتصر فقط على الحقوق المدنية والسياسية، وإنما تشمل أيضاً الحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، لذا خصص الميثاق الفصل التاسع منه للتعاون الدولي والاقتصادي والاجتماعي، حيث أشارت المادة 55 منه على أنه : "رغبة في تهيئة دواعي الاستقرار والرفاهية الضروريين لقيام علاقات سليمة وودية بين الأمم مؤسسة على احترام المبدأ الذي يقضي بالتسوية في الحقوق بين الشعوب، وبأن يكون لكل منها تقرير مصيرها، تعمل الأمم المتحدة على: "..... أن يشيع في العالم احترام حقوق الإنسان والحريات الأساسية للجميع بلا تميز بسبب الجنس أو اللغة أو الدين، ولا تفريق بين الرجال والنساء، ومراعاة تلك الحقوق والحريات فعلاً" ".

وأخيراً واتساقاً مع مقاصد الأمم المتحدة المبينة في المادة الأولى من الميثاق. حيث نصت المادة (76) في الفقرتين ج، د على أن من بين أهداف نظام الوصاية الدولي والذي حل محل نظام الانتداب القائم في ظل عصبة الأمم: "العمل على ترقية أهالي الأقاليم المشمولة بالوصاية في أمور السياسة والاجتماع والاقتصاد والتعليم، وإطراد تقدمها نحو الحكم الذاتي أو الاستقلال، وكذلك التشجيع على احترام حقوق الإنسان والحريات الأساسية للجميع بلا تمييز بسبب الجنس أو اللغة أو الدين، ولا تفريق بين الرجال والنساء...".

وللإشراف على تطبيق هذه النصوص، تم اعتماد النظام الاختياري أو غير الإكراهي، وذلك تحسباً ومراعاةً لجانب سيادة الدول. وكما جاء في الميثاق، فإن هذا النظام تمثل بآلية تقديم التقارير والدراسات التي يمكن أن تطلبها الجمعية العامة أو المجلس الاقتصادي والاجتماعي حول حقوق الإنسان عموماً أو حول البعض من هذه الحقوق. إذاً فإنه نظام اختياري قد يؤدي عموماً إلى توجيه ملاحظات ضمن توصيات غير إلزامية.

ومن المسائل اللافتة للانتباه أن الإحكام ذات الصلة بحقوق الإنسان والواردة في ميثاق الأمم المتحدة تتصف بأنها مبعثرة محكمة أو موجزة وغامضة، فلم يشمل الميثاق على نظام شامل يعالج حقوق الإنسان، ولم يرد فيه كذلك أي تعريف للحقوق الواجب احترامها وحمايتها من جانب الدول ، وعلى أي حال فان النص الحالي لميثاق الأمم المتحدة رغم ما يعتريه من نقص بشان حقوق الإنسان أكثر رحابة من المشروع الأصلي الذي عرض على مؤتمر دمبارتن اوكس . لقد عارض الاتحاد السوفيتي السابق وبريطانيا تضمين الميثاق إشارات لحقوق الإنسان لكن الرأي الغالب في مؤتمر سان فرانسيسكو دهب لصالح الإشارة إلى وجوب احترام حقوق الإنسان والحريات الأساسية واتخذ القرار بالنتيجة للاكتفاء بهده الإشارة دون إلحاق شرعة بحقوق الإنسان بميثاق الأمم المتحدة.

الفقرة الثالثة: الشرعة الدولية لحقوق الإنسان

يقصد باصطلاح الشرعة الدولية لحقوق الإنسان والدي أطلقته لجنة حقوق الإنسان في دورتها الثانية المعقودة في جنيف على مجموعة الصكوك الجاري إعدادها وقتذاك وهي الإعلان العالمي لحقوق الإنسان والعهدان الدوليان لحقوق الإنسان وكان اقتراح وضع إعلان ملحق بالميثاق حول حقوق الإنسان الأساسية قد صرح من قبل بعض الوفود إثناء انعقاد مؤتمر سان فرانسيسكو الذي اعد ميثاق الأمم المتحدة. ولكن هدا الاقتراح لم ينل قبول المؤتمرين. وأعيد الاقتراح من قبل في بنما في الدورة الأولي للجمعية العامة التي عقدت في لندن عام 1946م ومن ثم كلفت لجنة حقوق الإنسان المنشاة حديثا بأعداد الشرعة الدولية لحقوق الإنسان. وتوصف الشرعة الدولية لحقوق الإنسان بأنها الأساس الأخلاقي والقانوني لكافة أنشطة الأمم المتحدة ذات الصلة بحقوق الإنسان وبأنها حجر الزاوية للنظام الدولي المتعلقة بحماية وتشجيع حقوق الإنسان، وهي أيضا تعد بمثابة ماجناكارتا تدلل على ما وصل إليه العقل البشري في مجال حماية الكرامة الإنسانية وحقوق الإنسان.

أولا: الإعلان العالمي لحقوق الإنسان

مما لاشك فيه أن قوى الحداثة والتسامح واستيعاب الأخر التي يتضمنها الإعلان العالمي لحقوق الإنسان سينظر إليها مستقبلا بأنها إحدى أهم الخطوات التي اتخذتها البشرية في سبيل بناء حضارة عالمية 1 . فهدا الإعلان الذي يمثل محطة بارزة في تاريخ البشرية ، جرى اعتماده من الجمعية العامية دون أي تصويت معارض ، وان كانت بعض الدول قد امتنعت عن التصويت إثناء إقراره مثل روسيا البيضاء تشيكوسلوفاكيا بولندا المملكة العربية السعودية أوكرانيا الاتحاد السوفييتي جنوب إفريقيا يوغوسلافيا.وسرعان ما اكتسب الإعلان أهمية سياسية ومعنوية ، لا بل قانونية لم يتمتع بها أي صك دولي أخر باستثناء ميثاق الأمم المتحدة ويرجع تاريخ إعداد الإعلان العالمي لحقوق الإنسان سنتين إلى الوراء من تاريخ إقراره في 10/12/1948 فقد بدأت الفكرة في 10/12/1946 حيث شرعت لجنة حقوق الإنسان بالقيام بالمهمة الموكلة إليها ، وعينت مباشرة لجنة لصياغة الشرعة المقترحة من ثماني دول وهي :استراليا والصين وفرنسا ولبنان والاتحاد السوفييتي والولايات المتحدة والمملكة المتحدة ، وانشات لجنة الصياغة مجموعة عمل لدراسة الآراء والمقترحات التي جرى التعبير عنها . إلا آن المجموعة طلبت من السيد رينيه كاسان إعداد مشروع الشرعة المقترحة ، ودرست لجنة حقوق الإنسان في دورتها الثانية المعقودة في جنيف عام 1948 تقرير لجنة الصياغة ، الذي تضمن مشروعا للإعلان العالمي لحقوق الإنسان وأخر لاتفاقية دولية لحقوق الإنسان ، وفي دورتها الثالثة اعتمدت اللجنة الإعلان بموافقة اثني عشر عضوا من أعضائها مع امتناع أربعة ، وقامت اللجنة الثالثة التابعة للجمعية العامة –اللجنة الاجتماعية والإنسانية والثقافية –بمناقشة الإعلان في جو مشحون بظلال الحرب الباردة والصراع بين المعسكرين الشرقي والغربي وعرضت اللجنة المشروع بعد إحدى وثمانين اجتماعا لها على الجمعية العامة التي اعتمدت الإعلان في 10/12/1948 في باريس –قصر شايو-بموافقة شبه اجتماعية ،رغم امتناع بعض الدول اغلبها الدول الشيوعية وبعض الدول الإسلامية لتعارض الإعلان مع الدين الإسلامي في بعض بنوده .

ومن السمات المميزة للإعلان الابتعاد عن القضايا المثيرة للجدل، إضافة إلى الطابع العام والواسع لنصوص الإعلان، إضافة إلى وجود بنود تقييدية وهي إما بنود غايتها تقييد حق في مجال معين بالذات أو أنها تنطوي على تقييد عام ، وفي الحالة الأخيرة يكون البند التقييدي عرضة لتفسير واسع او ضيق بحسب رغبات وتوجهات كل دولة ومن هده البنود التقييدية مثل –وفقا لقانون الدولة- التي وردت في المادة 11 من الإعلان بشان قرينة البراءة المفترضة .

وقد جاء الإعلان كغيره من الصكوك الدولية مؤلفا من ديباجة ومجموعة من المواد بلغت الثلاثين .وقد أكدت الديباجة على وحدة الأسرة البشرية وكرامة وقيمة الإنسان كما أشارت إلى الصلة بين حقوق الإنسان وشيوع العدل والسلام في العالم ، وبمعنى اخر يجعل الإعلان وان بصورة ضمنية من مقاومة الطغيان والثورة على الظلم والاستبداد عملا مشروعا في حالة انغلاق السبل وانسداد الآفاق جميعها في مواجهة المضطهدين لممارسة حقوقهم الإنسانية والأساسية ويقوم الإعلان على مرتكزات أساسية تنبع منها كافة حقوق الإنسان هي الحرية والمساواة وعدم التمييز والإخاء وجاءت المادة الأولى منه لتؤكد على هده المرتكزات إما المادة الثانية فتعلن على حق التمتع بكل الحقوق والحريات الواردة في الإعلان دون تمييز ، وينادي الإعلام بصنفين من الحقوق الأول هو الحقوق المدنية والسياسية التقليدية القديمة التي بدأت في الازدهار أثناء القرنين الثامن عشر والتاسع عشر كالحقوق الشخصية مثل الحق في الحياة والأمن وقد أثار هدا الحق مشكلة تتعلق باللحظة تبدأ الحياة عندها وأخرى تتعلق بشروط توقيع عقوبة الإعدام أو سلب الحرية إضافة إلى الحق في عدم الخضوع للتعذيب وحق الإنسان بان يتعرف له بالشخصية القانونية ،والحق في المحاكمة العادلة وحرية المسكن والمراسلات والحق في التماس الملجأ وحرية التعبير والرأي والتماس المعلومات والأفكار وتلقيها ونقلها إلى الآخرين وحق الاشتراك في الاجتماعات والجمعيات السلمية وحرية الفكر والوجدان والدين وحرية التنقل ،والصنف الثاني هو الحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية الجديدة التي أصبحت محل إقرار الدساتير الحديثة ، وتتضمن هده الطائفة من الحقوق التي ورد النص عليها في ست مواد من الإعلان –المواد 22-27- حق الفرد في التملك بمفرده او بالاشتراك مع غيره والحق في الملكية والحق في الضمان الاجتماعي وحق كل شخص في العمل وفي حرية اختيار العمل وشروط عمل عادلة ومرضية وفي الحماية من البطالة والحق في اجر متساو على العمل المتساوي والحق في مكافأة عادلة ومرضية والحق في إنشاء النقابات مع الآخرين والانضمام إليها حق كل شخص في الراحة وأوقات الفراغ وحق الأمومة والطفولة في الرعاية والمساعدة والحق في التعليم الذي يجب أن يوفر مجانا على الأقل في مرحلتيه الابتدائية والأساسية ، وختاما تختص المواد الثلاث من الإعلان بالعلاقة بين الفرد والمجتمع –المواد 28-30- حيث تؤكد لكل فرد حق التمتع بنظام اجتماعي ودولي يمكن ان تتحقق في ظله جميع الحقوق والحريات المنصوص عليها في الإعلان تحققا تاما . غير أن الإعلان يؤكد على حقوق الدولة حيث يشير إلى وجود واجبات على كل فرد نحو المجتمع والى عدم إطلاق الحقوق التي ينادي بها، وقد تساءل شارل مالك –ممثل لبنان في الصياغة-عما ادا كانت مثل هده الواجبات تقع على الفرد بصرف النظر عن خصائص دولته.

ومهما قيل عن القيمة القانونية للإعلان العالمي لحقوق الإنسان وسواء أكان جزءا من القانون العرفي ام لم يكن، فان لا ريب أن هدا الإعلان قد شكل مصدرا لإلهام الدول في مجال حقوق الإنسان، وبات مرجعية أساسية لتفسير وفهم نصوص الميثاق المتعلقة بحقوق الإنسان، كما أكدت اتفاقيات دولية كثيرة على الحقوق المعلنة فيه كلها . وقد كان بمثابة الخطوة الأولى في التنظيم الفعال لحماية حقوق الإنسان على الصعيدين الدولي والداخلي. إما الخطوة الثانية فقد تحققت فعلا بإقرار الجمعية العامة عام 1966 للعهدين الدوليين لحقوق الإنسان.

ثانيا: العهدان الدوليان لحقوق الإنسان

أ: العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية

يعد العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية من أهم الوثائق الدولية المعنية بتنظيم حقوق الإنسان على مستوى العالم، وهو بمثابة معاهدة متعددة الأطراف اعتمدتها الجمعية العامة للأمم المتحدة في 16 ديسمبر 1966، ودخلت حيّز التنفيذ في 23 مارس 1976. كما يعتبر العهد الدولي جزءً من الشرعة الدولية لحقوق الإنسان التي تشمل أيضاً العهد الدولي الخاص بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، والإعلان العالمي لحقوق الإنسان.

العهد الدولي يلزم كافة الدول الأطراف الموقعة على هذه الاتفاقية الدولية احترام الحقوق المدنية والسياسية للأفراد، وتشمل الحق في الحياة، والحرية الدينية، وحرية التعبير، وحرية الإنسان، وحقوق التجمع والانتخاب، والتقاضي، والمحاكمة العادلة.
وتتولى لجنة حقوق الإنسان وهي هيئة مستقلة لمجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة متابعة هذا العهد والتأكد من التزام الدول الأطراف الموقعة على هذه الاتفاقية الدولية بما جاء فيه من خلال آلية منتظمة لاستعراض تقارير الدول الأطراف بشأن إجراءاتها في تنفيذ واحترام الحقوق الواردة في العهد الدولي. وتُكلف كافة الدول الأطراف في العهد نفسه تقديم تقرير أولي بعد سنة واحدة من التصديق عليه، كما وتطلب لجنة حقوق الإنسان تقريراً من الدولة نفسها، وهو إجراء يتم في الغالب كل أربع سنوات، حيث تجتمع اللجنة في المقر الأوروبي للأمم المتحدة بجنيف وتعقد ثلاث دورات سنوياً لتحقيق هذا الهدف.
يتكون العهد الدولي من ديباجة، وستة أجزاء تضم 53 مادة. ويقوم بداية على تأكيد الحقوق الإنسانية المدنية والسياسية العامة. ويتناول كل جزء مجموعة من الحقوق التي ينبغي احترامها، إذ يتناول الجزء الأول حق مختلف الشعوب في تقرير مصيرها، وأن تسعى لتحقيق أهدافها الخاصة وفقاً لمبدأ التعاون الدولي.
أما الجزء الثاني من هذا العهد فيتعلق بتعهد الدول الموقعة عليه احترام حقوق الإنسان لجميع الأفراد الموجودين على أراضيها دون أي تمييز بسبب العرق أو اللون أو الجنس أو اللغة أو الدين أو الرأي سياسياً كان أم غير سياسي، أو الأصل القومي أو الاجتماعي، أو الثروة أو النسب أو غير ذلك من الأسباب. ونص الجزء نفسه على ضرورة أن تقوم الدول بتعديل تشريعاتها وقوانينها إذا كانت لا تكفل فعلاً إعمال الحقوق المعترف بها في هذا العهد، بأن تتخذ طبقاً لإجراءاتها الدستورية ولأحكام هذا العهد ما يكون ضروريا لهذا الإعمال من تدابير تشريعية أو غير تشريعية. بالإضافة إلى احترام المحاكمة العادلة لكل من يتعرض للظلم. وكذلك حق المساواة بين الرجال والنساء في التمتع بجميع الحقوق المدنية والسياسية. كما نظّم العهد في هذا الجزء كيفية التعامل مع الحقوق المدنية والسياسية في حالة تعرض الدول لأزمات استثنائية.
ونظم الجزء الثالث من هذا العهد حق الحياة الذي على القوانين حماية هذا الحق والتعامل معه في مختلف هذه الظروف. كما نظّم أيضاً حق الفرد في عدم التعرّض للتعذيب أو المعاملة والعقوبة القاسية واللاإنسانية أو الحاطة بالكرامة من خلال تحديد إجراءات الإيقاف. وكذلك تحريم العبودية والاتجار بالرقيق وحق الإنسان في الحرية والأمان، والتنقل وحرية اختيار مكان إقامته.
أيضاً نظم الجزء الثالث حق حرية الفكرة والوجدان والدين. وحظر أية دعوة للكراهية القومية أو العنصرية أو الدينية تشكل تحريضاً على التمييز أو العداوة أو العنف. وأقر كذلك الحق في التجمع السلمي وضرورة أن يتم تنظيمه من خلال القانون لصيانة الأمن القومي والسلامة العامة والنظام العام وحماية الصحة العامة والآداب العامة وحماية حقوق الآخرين وحرياتهم. ومن الحقوق التي نظمها هذا الجزء أيضاً حق الفرد في تشكيل الجمعيات ومؤسسات المجتمع المدني المختلفة. وحق تكوين الأسرة وحماية حقوق الزوجين المتعددة. وحق الجنسية، وحق المساواة أمام القانون للأفراد، وحقوق الأقليات.
كما تناول العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية في الجزء الرابع منه تشكيل اللجنة المعنية بحقوق الإنسان المعنية بمتابعة احترام الدول للحقوق الواردة في العهد نفسه، وإجراءات المتابعة الدورية. أما بالنسبة للجزأين الخامس والسادس فإنهما يتعلقان بكيفية التوقيع على العهد الدولي، ومسؤولية الأمم المتحدة على الإشراف على هذه الوثيقة الدولية، وكيفية تفسير بنوده والإجراءات المرتبطة بها .

وقد تم إضافة بروتوكولين الى هذا العهد الاول والذي دخل الى حيز التنفيذ في عام 1976 يعطي الجنة صلاحية النظر في الشكاوى المقدمة من أو بالنيابة عن أفراد يدعون أن احدى الدول الأطراف في البروتوكول قد انتهكت حقوقهم المكفولة في العهد الدولي . وقد بلغ عدد الدول الأطراف في هذا البروتوكول 92 دولة حتى /تشرين الأول 1998 . والثاني والذي يهدف إلى إلغاء عقوبة الإعدام ، فقد اعتمدته الجمعية العامة للأمم المتحدة في 1989 ، ودخل إلى حيز التنفيذ في عام 1991 . وقد وافقت الدول الأطراف في البروتوكول على أن تضمن عدم إعدام أي فرد خاضع لولايتها القضائية في زمن السلم، وعلى أن تتخذ كافة التدابير الضرورية لإلغاء عقوبة الإعدام . وقد بلغ عدد الدول الأطراف 33 حتى أكتوبر / تشرين الأول 1998 .
من هنا نلاحظ أن العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية يتناول عدداً كبيراً من حقوق الإنسان التي نظمها والتي أخذت بها دساتير الدول الموقعة عليه .

ب ـ العهد الدولي الخاص بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية

جاء هذا العهد ليقوم ببيان تفصيلات الحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية وتقنينها, والتي وردت إجمالاً في ميثاق الأمم المتحدة والإعلان العالمي لحقوق الإنسان, حيث نص الميثاق في ديباجته "ان تستخدم الأداة الدولية في ترقية الشؤون الاقتصادية والاجتماعية للشعوب جميعها", فجاء هذا العهد لبيان هذه الحقوق وقد حاول بعضهم وضع تصنيف داخلي لهذه الحقوق فأطلق على الحق في العمل والحق في العمل في ظروف مناسبة والحرية النقابية مصطلح الحقوق الاقتصادية, وأطلق على الحق في التامين الاجتماعي والحق في مستوى معيشي مناسب والحق في الحصول على الرعاية الصحية والمسكن والمساعدة مصطلح الحقوق الاجتماعية وأطلق على الحق في التعليم والحق في الثقافة مصطلح الحقوق الثقافية, ولكن نظراً لتداخل هذه الحقوق واعتماد بعضها على بعض وتكاملها في التحقيق كان من الصعب إيجاد معيار مادي وقانوني للتميز بينها فسميت جميعها بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية.
.وقد نص العهد الدولي الخاص بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية على جملة هامة من الحقوق منها ما يتعلق بالشعوب ومنها ما يتعلق بالأفراد, فالحقوق المتعلقة بالشعوب تتلخص بحق تقرير المصير وتقرير مركزها السياسي وسعيها لتحقيق نمائها الاقتصادي والاجتماعي والثقافي، وحق الشعوب في التصرف الحر بثرواتها ومواردها الطبيعية, وعدم حرمان أي شعب من أسباب عيشة خاصة, أما الحقوق المتعلقة بالأفراد فقد اقر العهد حق الإفراد في العمل وشروط عمل منصفة والحق في تكوين النقابات وغيرها من الحقوق التي سيتم ذكرها بعد قليل
يتكون هذا العهد من ديباجة وإحدى وثلاثين ماده موزعه على خمسة أجزاء, ويتضح من خلال هذه الديباجة الهدف الأساسي الذي تسعى الدول الأعضاء فيه تحقيقه من خلال هذا العهد, وهذا الهدف هو تحقيق الحرية والعدل والسلام في العالم حيث جاء في الديباجة"إن دول الأطراف في هذا العهد إذ ترى ان الإقرار بما لجميع أعضاء الأسرة البشرية من كرامة أصيلة فيهم، وفي حقوق متساوية وثابتة، يشكل وفقاً للمبادئ المعلنة في ميثاق الأمم المتحدة أساس الحرية العدل والسلام في العالم وإذ تقر بأن هذه الحقوق تنبثق من كرامة الإنسان أصيلة فيه، وإذ تدرك أن السبيل الوحيد لتحقيق المثل الأعلى المتمثل، وفقاً للإعلان العالمي لحقوق الإنسان في أن يكون البشر أحرارا ومتحررين من الخوف والفاقة هو سبيل تهيئة الظروف الضرورية لتمكين كل إنسان من التمتع بحقوقه الاقتصادية والاجتماعية والثقافية وكذلك بحقوقه المدنية والسياسية, وإذ تضع في اعتبارها ما على الدول بمقتضى ميثاق الأمم المتحدة من التزام بتعزيز الاحترام والمراعاة العالميين لحقوق الإنسان وحرياته, وإذ تدرك أن على الفرد الذي تترتب عليه واجبات إزاء الأفراد الآخرين وإزاء الجماعة التي ينتمي إليها مسؤولية السعي إلى تعزيز ومراعاة الحقوق المعترف بها في هذا العهد"
وبعد هذه الديباجة يتناول العهد في مواده مجموعة من الحقوق والمساعدة والتعاون الدولي والتعهد بضمان ممارسة الحقوق عن طريق تنظيم الإشراف الدولي وتتضمن أيضا أصول التصديق على العهد ونفاذه.

قائمة المراجع

  • أحمد المصطفى في الحريات العامة وحقوق الانسان
  • موقع الكتروني academic.ju.edu.jo
  • موضوع حقوق الإنسان وتأصيل فكرته في التشريع الإسلامي موقع الكتروني academic.ju.edu.jo
  • أحمد المصطفى في الحريات العامة وحقوق الانسان
  • عمارة محمد :الاسلام وحقوق الانسان ،عالم المعرفة الكويت ص 13،سنة 1985 .
  • موضوع حقوق الإنسان وتأصيل فكرته في التشريع الإسلامي موقع الكترونيacademic.ju.edu.jo
  • موقع الكتروني الحوار المتمدن HYPERLINK "الحوار المتمدن
  • القانون الدولي لحقوق الانسان المصادر ووسائل الرقابة الجزء الأول –الدكتور محمد يوسف علوان –والدكتور محمد خليل الموسى
  • محمد خليل الموسى التدخل الإنساني ومشروعية اللجوء المنفرد الى القوة ، مجلة المنارة –جامعة آل البيت ،العدد الثالث تشرين اول 2001 صفحة 130-131
  • Rhona k.smith textbook on international human right oxford university press 2003 p 28
 

المواضيع المتشابهة

أعلى