المبحث الأول:مفهوم المسؤولية المدنية
المطلب الأول: تعريف المسؤولية المدنية
المطلب الثاني: الفرق بين المسؤولية المدنية و الجنائية
المبحت الثاني: أنواع المسؤولية المدنية
المطلب الأول: المسؤولية العقدية
المطلب الثاني: المسؤولية التقصيرية
الخاتمة
المقدمة:
تشكل المسؤولية المدنية احد أركان النظام القانوني والإجتماعي، فكل عاقل مسؤول عن أعماله أي ملتزم بموجبات معينة إتجاه الغير أهمها عدم الإضرار به، فإذا خرق هذه الإلتزامات إلتزم بإصلاح الضرر والتعويض عن المتضرر، ومع تطور الحياة المعاصرة أصبح اكثر تعرضا للمخاطر وذلك بإلحاقه أضرار للغير، كما هو الحال في عقود الضمان وإنشاء الخاصة بالتعويض على ضحايا الحوادث، لإدراك مدى إتساع نطاق المسؤولية المدنية و المسائل القانونية والإجتماعية التي تثيرها.
فالعالم المعاصر يعيش عصرا يتصف بالمادية، يسعى الفرد ضمنه ودوما الى تحسين أوضاعه المالية والمادية، مما يعمل البعض على المطالبة بالتعويض عن أي حادث طفيف يسبب له ضررا ماديا أو حتى معنويا، دليل ذلك الدعاوي الرامية الى طلب التعويض عن فقدان متع الحياة والرياضة والموسيقى التي حرمت منها الضحية نتيجة حادث أصيبت به.
فالتشريع، وكذلك الإجتهاد في سباق مستمر مع التطورات الحاصلة في الحياة المعاصرة يحاول المحافظة على التوازن بين مصالح الأفراد دون إهمال في حق الضحية بالتعويض عن الأضرالتي تلحق بها من فعل الغير أو الشيء أو الحيوان، فوضعت قوانين للمطالبة المتينة في الضرر بالتعويض للمتضررين.
فماهي المسؤولية المدنية وماهي أنواعها ؟
المبحت الأول: مفهوم المسؤولية المدنية
المطلب الاول: تعريف المسؤولية المدنية
تنص المادة 124: ( المعدلة)" كل فعل ايا كان يرتكبه الشخص بخطئه، و يسبب ضررا للغير يلزم من كان سببا في حدوثه بتعويض" . عدلت بالقانون رقم 05ـ10 المؤرخ في 20 يونيوا 2005.
و يقصد بالمسؤولية المدنية بوجه عام المسؤولية عن الضرر الناجم عن الاخلال بالالتزام مقرر في ذمة المسؤول، و قد يكون هدا الالتزام عقدا يربطه بالمضرور و فتكون مسؤوليته عقدية يحكمها و يحدد مداها العقد من جهة و القواعد الخاصة بالمسؤولية العقدية من جهة أخرى.
و قد يكون مصدر هدا الالتزام القانون في صورة تكاليف عامة يفرضها على الكافة ، كالالتزام بعدم مجاوزة سرعة معينة عند قيادة السيارات،و عند اذن تكون مسؤوليته تقصيرية،لان القانون هو الدي يستقل بحكمها و تحديد مداها.[1]
فإذا تناول ھذا الموجب التزاما بالتعويض عن الأضرار التي يحدثھا الإنسان للغير
بفعله أو بفعل التابعين له أو بالأشياء الموجودة بحراسته أو الحيوانات الخاصة به
أو نتيجة لعدم تنفيذه لالتزاماته العقدية عبر عن ھذا الالتزام بالمسؤولية المدنية.
تشمل ھذه التسمية أنواعا مختلفة من التسمية وفقا للمبنى القانوني الذي تقوم عليه
فھي مسؤولية عقدية فيما إذا نشأت عن إخلال أحد طرفي العقد بالتزاماته أو
امتناعه عن تنفيذھا وھي مسؤولية تقصيرية فيما إذا ترتبت على شخص بسبب
فعل شخص أقدم عليه محدثا ضررا للغير أي عندما تقوم على الخطأ وقد يعبر
عن ھذا الخطأ بالجرم أو شبه الجرم المدني وھي مسؤولية وضعية عندما تنشأ
عن ضرر يحدثه الشيء الموجود بحراسته أحد الأشخاص أو يحدثه الحيوان
الذي يملكه ھذا الشخص وھي أيضا مسؤولية عن فعل الغير عندما ينشأ الضرر
عن فعل شخص حدد القانون حصرا وضعه القانوني بالنسبة للمسؤول عنه.
المطلب التاني: مقارنة بين المسؤولية المدنية والجزائية
برغم من ارتباط المسؤوليتين المدنية و الجنائية بمجموعة من الاحكام المشتركة بعضها يتعلق بشروط تحقق هاتين المسؤوليتين و بعض الاخر يتعلق بالآثار القانونية المترتبة عنها التي نجملها بما يلي:
1) تنشأ المسؤولية الجنائية عن اقتراف المجرم لافعال المحظورة بمقتضى فصول القانون الجنائي اذ ان المبدأ هو أنه لا جريمة و عقوبة الا بنص اما بخصوص المسؤولية المدنية فانها تترتب عن اخلال بالالتزامات و الواجبات التي يفرضها مبدا التعايش الاجتماعي .
2) بعتبار ان الدعوة الجنائية تقوم على انتهاك المجرم للحق العام لدلك ، فانه لا يحق لطرف المضرور ان يتنازل عن مقتضيات الدعوة العمومية بمحض اختياره، و على العكس من دالك فان للمضرور كامل الحرية في التنازل عن مطالبه المدنية لتعل ذلك بمصلحته الشخصية لا فرق في ذلك في التنازل الخاص قبل المحاكمة او الذي يحدث بعدها.[2]
3) نظرا لخطورة الافعال الجنائية فإن الجزاء المترتب عنها يتمثل في مجموعة من العقوبات الصارمة كالسجن و المصادرة و الغرامات و الذعائر التي تأخد طابعا جزريا . أما عن الجزاء المدني فهو ينحصر في التعويض الذي تراه المحكمة مناسبا لجبرالضرر .
4) يمكن لدعوة المتعلقة بالمطالب المدنية أن تكون تابعة لدعوى العمومية و ليس العكس، فاذا نتج عن الفعل الواحد دعوتان احداهما جنائية و الاخرى مدنية كالضرب والجرح الذي يتسبب في الحاق عاهة بالمضرور فان هدا الاخير له الحق في رفع دعوى المطالب المدنية الى المحكمة الجزرية و دلك في شكل دعوى مدنية تابعة لدعوى العمومية كما ان له الخيار في رفعها بطريقة مستقلة الى المحكمة المدنية الاأن العادة جرت الى تحريك دعوى المطالب المدنية امام المحكمة الجنائية لما يملكه هذا القضاء من امكانيات سريعة لفض النزاع .
و في الحالات التي يفضل فيها المضرور اقامة دعوى المطالب المدنية بصورة مستقلة امام القضاء المدني فانه يتعين على هذه المحكمة الا تفصل في هذه المطالب حتى يفصل في الدعوى العمومية و ذالك اعمالا للقاعدة المشهورة التي تقضي بأن " الجنائي يعقل المدني".[3]
المبحث الثاني: أنواع المسؤولية المدنية
المطلب الأول: المسؤولية العقدية
تنص المادة 176 :" إدا إستحال على المدين ان ينفد الالتزام عينا حكم عليه بالتعويض الضرر الناجم عن عدم تنفيد إلتزامه، مالم يثبت ان استحالة التنفيد نشأت عن سبب لابد له فبه، ويكون الحكم كذلك إذا تاخر المدين في تنفيد إلتزامه".
المسئولية العقدية تقوم على الاخلال بالتزام عقدي، بمعنى ان هذا النوع من المسئولية ينشأ من علاقة تعاقدية ما بين الدائن والمدين
مثال: البائع الذي يقوم بتسليم بضاعة معيبة تقوم مسئوليته العقدية بضمان العيوب في المبيع. كذلك اخلال المقاول في تنفيذ التزامه بالبناء بحسب التصميم الهندسي المتفق عليه في العقد يؤدي الى التزامه بالتعويض في حالة وقوع الضرر استنادا الى العلاقة التعاقدية ما بينه و بين الطرف الاخر في العقد.
ان المسؤولية العقدية لا شأن لها بتنفيد العيني للالتزام العقدي. و هي ايضا لا تتحقق اذا أتبت المدين أن الالتزام قد استحال تنفيده بسبب اجنبي. و انما تتحقق المسؤولية العقدية اذا لم ينفد المدين التزامه العقدي تنفيدا عينيا و لم يستطع ان يثبت ان التنفيد استحال بسبب اجنبي.[4]
شروط المسؤولية العقدية:
1- وجود عقد بين طرفين
2- لابد ان يكون هذا العقد صحيحاً، مثال: اذا تعهد شخص بتهريب مخدرات ثم لم يفِ بالالتزام فلا مسؤولية عقدية عليه لأن العقد باطل لعدم مشروعية محله .
3- أن يخل احد المتعاقدين بالعقد بعد انعقاده وقبل انتهائه بأحد الالتزامات الناشئة عنه
أركان المسؤولية العقدية:
الخطأ العقدي، الضرر، العلاقة السببية
أولاً: الخطأ العقدي:
يفترض لقيام المسؤولية العقدية عدم قيام المدين بتنفيذ التزامه التعاقدي أو التأخير في تنفيذه،
و يستوي في ذلك أن يكون عدم التنفيذ أو التأخير عن عمد أو إهمال من المدين.[5]
أولاً: الخطأ العقدي في مسئولية المدين عن عمله الشخصي
ان الالتزامات تنقسم إلى نوعين: التزام بتحقيق غاية و التزام ببذل عناية.
1- الالتزام بتحقيق غاية:
هو ان يلتزم المدين بتحقيق نتيجة وغاية معينة من العقد، مثل التزام المشتري بتسليم الثمن والتزام البائع بتسليم المبيع، والتزام المقاول بإنشاء بناء خلال 3 اشهر هو التزام بتحقيق غاية.
2- الالتزام ببذل عناية:
هو ان يلتزم المدين ببذل عناية الشخص المعتاد في مجاله، مثل التزام الطبيب بأداء عملية جراحية وفق العرف الطبي، والتزام المحامي بأخذ التدابير الاحتياطية في كتابة العقد او كتابة المذكرات القانونية وعدم اهمال مصالح موكله هو التزام ببذل عناية فلا يطلب من الطبيب تحقيق غاية الشفاء التام ولا يطلب من المحامي ضمان اخراج متهم من السجن.
اثبات الالتزام بتحقيق الغاية أيسر من اثبات الالتزام ببذل العناية؛ وذلك لأن اثبات عدم تحقق الغاية هو فرض تحققها واثبات عدم حدوث الغاية والحالة السلبية وحدها كافية لقيام الخطأ العقدي.
أما اثبات الالتزام ببذل العناية هي مسألة تقديرية لقاضي الموضوع ويراعى فيه العرف والاجتهاد فعلى المحامي الأخذ بما يتم عادة من قبل المحامين وتصرفاتهم وهكذا مع بعض المهن كالطب.
يستوي ان كان الخطأ قد وقع عمداً من الشخص، مثل ان يبيع شخص ارضه لآخر ويرفض المشتري تسليم الثمن قاصداً، او على سبيل الاهمال والتقصير، مثل ان ينسى المشتري ميعاد تسليم الثمن اهمالاً منه، فان ركن الخطأ يكون قائماً وتقوم المؤاخذة والمسئولية العقدية في هذه الحالتين.
أما ان كان الخطأ العقدي قد وقع نتيجة سبب أجنبي (حادث مفاجئ أو قوة قاهرة)، مثل ان يدخل المشتري في غيبوبة ولا يتمكن من دفع ثمن المبيع و تنفيذ التزاماته، فهنا وان قام الخطأ العقدي وهو عدم تنفيذ المدين لالتزامه الا ان ركن السببية ينتفي وبذلك لا يؤاخذ المدين في هذه الحالة ولا تقام عليه المسئولية العقدية.
تنص المادة 178 :" يجوز الإتفاق على أن يتحمل المدين تبعية الحادث المفاجئ او القوة القاهرة.
وكذلك يجوز الإتفاق على إعفاء المدين عن اية مسؤولية تترتب على عدم تنفيد إلتزامه التعاقدي، إلا ماينشأ عن غشه، اوعن خطئه الجسيم غيرانه يجوز للمدين ان يشترط إعفائه من المسؤولية الناجمة عن الغش او الخطأ الجسيم الذي يقع من اشخاص يستخدمهم في تنفيد إلتزامه.
ويبطل كل شرط يقضي بإعفاء من المسؤولية الناجمة عن العمل الإجرامي".
ثانياً: الخطأ العقدي في مسئولية المدين عن الغير
قد تتحقق هذه الحالة اذا استخدم المدين اشخاصاً غيره في تنفيذ التزامه العقدي، فيكون مسئولاً مسئولية عقدية عن خطأ هؤلاء الأشخاص الذي أضر بالدائن في الالتزام العقدي.
فيوجد اذن شروط لقيام المسئولية العقدية عن الغير وهي:
1- المسئول وهو المدين في الالتزام العقدي بناء على عقد صحيح. 2- المضرور وهو الدائن. 3- الغير وهم من استخدمهم المدين في تنفيذ التزامه.
مثل: التزام المستأجر بصيانة المأجور هو التزام بناء على عقد صحيح وهو عقد الايجار تجاه المؤجر، وعليه فان قام المستأجر بتأجير العين من الباطن لأخيه فهو ملتزم عن تصرفات الغير (أخيه) تجاه المؤجر.
ثالثاً: الخطأ العقدي في مسئولية المدين عن الأشياء
مثل: البائع ان قام بتسليم آلة للمشتري وانفجرت الالة بسبب عيب خفي فهنا تنعقد المسئولية العقدية عن الشيء تجاه المشتري بسبب التزام البائع بضمان العيوب الخفية.
احكام المسئولية العقدية عن الاشياء هي ذات احكامها عن العمل الشخصي.
تعديل قواعد المسئولية العقدية عن طريق التأمين:
يستطيع المدين ان يؤمن على مسئوليته العقدية والمسئولية التقصيرية، ويؤمن على كل فعل صدر منه عدا العمد، وعلى كل خطا يصدر من الغير لتنفيذ التزامه حتى الفعل العمد.
تعديل قواعد المسئولية العقدية عن طريق الاتفاق:
الاتفاق هو أساس انشاء العقد وبناء عليه فيجوز تعديل احكام المسئولية العقدية بالاتفاق او التنازل عن المسئولية العقدية برمتها بخلاف المسئولية التقصيرية لانها بحكم القانون وليس الاتفاق.
ثانياً: الضرر:
الركن الثاني في المسئولية العقدية هو الضرر فلا بد من وجود الضرر حتى تترتب المسئولية في ذمة المدين.
على الدائن عبء اثبات الضرر لانه هو مدعيه والمدين هو المدعى عليه.
لا يفترض وجود الضرر لمجرد ان المدين لم يقم بالتزامه فقد لا ينفذ المدين التزامه ومع ذلك لا يثبت ضرر على الدائن باستثناء الفوائد النقدية عن التأخير فان الضرر مفترض ولا يكلف الدائن اثباته ولا يجوز للمدين ان يثبت ان الدائن لم يلحقه ضرر.
اما الشرط الجزائي فلا يغني عن اثبات الضرر ولكنه ينقل عبء الاثبات من الدائن الى المدين فالضرر مفروض الا ان اثبت المدين انه لم يقع.
فالمادة 184 من القانون المدني تنص بما يلي: "لا يكون التعويض المحدد في الاتفاق مستحقا اذ أتبت المدين ان الدائن لم يلحقه أي ضرر.
و يجوز للقاضي ان يخفض مبلغ التعويض اذ أتبت المدين ان التقدير كان مفرطا او ان الالتزام الاصلي قد نفد في جزء منه.
و يكون باطلا كل اتفاق يخالف احكام الفقرتين أعلاه".
ينقسم الضرر الى: ضرر مادي وضرر ادبي
الضرر المادي:
هو الذي يصيب الدائن في ماله او جسمه وهو الضرر الاكثر والاغلب.
ينقسم الضرر المادي الى : ضرر حال وضرر مستقبلي وضرر محتمل.
الضرر الحال: هو الضرر الذي وقع فعلا والاصل ان التعويض يكون عن الضرر الحال فاذا لم يقع الضرر فعلا فلا تعويض. مثل تاخر تاجر الجملة بتوزيع بضاعة معينة لتاجر مفرد مما يؤدي الى اخلال تاجر المفرد بالتزاماته مع عملائه فعلياً.
الضرر المستقبلي: هو الضرر الذي يقع في الحال ولكنه يكون محقق الوقوع في المستقبل، مثل ان تاخر صاحب مصنع في توزيع البضاعة لتجار جملة وقد اقام احد تجار الجملة عقد يفيد بأن يوزع تاجر الجملة البضاعة في تاريخ مستقبلي قريب وتأخير صاحب المصنع يعني اخلال تاجر الجملة بالتزامه المستقبلي.
يستطاع تقدير الضرر المستقبلي حالاً او يتم انتظار تحقق الضرر ليعرف مداه ثم يلتزم المدين بتعويض الدائن بسبب المسئولية العقدية.
الضرر المحتمل: هو الضرر الذي يكون محتملاً لا هو قد تحقق فعلاً ولا هو محقق الوقوع في المستقبل، مثل ان يحدث المستاجر خلل في العين المؤجرة قد يتسبب في هدم المنزل فالخلل ضرر حال ولكن تهدم العين احتمالي ويعوض المدين (المؤجر) عن الضرر الحال فوراً اما الضرر المحتمل فلا يعوض عنه الا اذا تحقق.
الضرر الأدبي:
هو الذي يصيب الدائن في سمعته، كرامته، شعوره، عاطفته او شرفه.و هذا ما نصت عليه
المادة 182 مكرر (جديدة):"يشمل التعويض عن الضرر المعنوي كل مساس بالحرية او الشرف او السمعة".
مثل قد يذيع الطبيب سراً لمريضه لا تجوز اذاعته فيصيب المريض بضرر ادبي في سمعته، وكذلك الوكيل ان اذاع تفاصيل عن موكله لا يجب الافصاح عنها فيؤذيه في اعتباره، والناشر ان شوه كتاب لمؤلف ما فذلك يصيب المؤلف بضرر ادبي.
ثالثاً: العلاقة السببية بين الخطأ والضرر:
لا يجب فقط وجود الخطأ والضرر بل يجب ان يكون الخطأ هو السبب في الضرر ان تكون هناك علاقة سببية بين الخطأ والضرر.
عبء الاثبات يقع على المدين لا الدائن وذلك لان وجود العلاقة السببية مفترضة ومن يدعي انتفائها هو من يقع عليه عبء اثبات ادعائه فقد يثبت المدين ان السبب في الخطأ يعود لقوة قاهرة او حادث مفاجئ فينفي العلاقة السببية بين الخطأ والضرر بسبب مرض او كارثة طبيعية وغير ذلك او تاخر شركة طيران.
المطلب الثاني : المسؤولية التقصيرية
وهي التي تنشأ نتيجة الإخلال بالتزام قانوني عام يفرض عدم الإضرار بالغير.
أنواع المسؤولية التقصيرية: تتضمن المسؤولية التقصيرية أنواعاً عدة، وهي:
ـ 1)المسؤولية عن العمل الشخصي:
تنص المادة 124: (معدلة) "كل فعل أيا كان يرتكبه الشخص بخطئه، ويسبب ضررا للغير يلزم من كان سببا في حدوثه بالتعويض".
وتعد القاعدة العامة في المسؤولية التقصيرية، وتقوم على المبدأ الذي مفاده أن كل خطأ سبب ضرراً للغير يلزم من ارتكبه بالتعويض.
- أركان المسؤولية عن العمل الشخصي: تقوم المسؤولية عن العمل الشخصي على ثلاثة أركان، وهي:
الركن الأول:
_الخطأ: يقوم الخطأ في المسؤولية التقصيرية على عنصرين، وهما:
_العنصر المادي: وهو التعدي: الخطأ هو انحراف في السلوك، وبالتالي فهو تعد. وهذا الانحراف إما أن يكون ناجماً عن عمد أو عن إهمال. والتعدي الذي يقع بالعمد معياره ذاتي، حيث ينظر إلى نية الفاعل نفسه. أما التعدي الذي يقع بالإهمال فمعياره موضوعي، حيث يقاس فيه سلوك الفاعل بسلوك شخص مجرد هو الشخص العادي من الناس، وجد في الظروف الخارجية ذاتها، فإذا كان الفاعل لم ينحرف في سلوكه عن المألوف من سلوك الشخص العادي، فلا يعدّ فعله تعدياً. وهذا هو معيار الرجل المعتاد.
أما الفعل غير القصدي فيصدر عن الإنسان دون إرادة إحداث الضرر لمغير، فكان
الضرر نتيجة إهمال أو قلة إحتراز أو عدم تبصر لديه.[6]
_العنصر المعنوي: وهو الإدراك: مناط المسؤولية هو الإدراك. فلا يكفي توافر التعدي؛ كي يقوم ركن الخطأ، وإنما لابدّ من أن يقع التعدي من شخص مدرك لنتائج أعماله. ومن ثمّ يجب أن يكون المعتدي مميزاً. ومن انعدم الإدراك والتمييز لديه لا يعد مسؤولاً إذا قام بفعل غير مشروع.. ومن حيث المبدأ لا يعد عديم التمييز مسؤولاً؛ إلا أنه يقر القانون مسؤوليته في حالات استثنائية؛ وذلك إذا لم يتمكن المضرور من الحصول على التعويض من المكلف برقابة عديم التمييز.
وتنتفي صفة الخطأ عن العمل غير المشروع في حالات معينة كالدفاع الشرعي، وحالة الضرورة.
الركن الثاني: الضرر: سبق الإشارة إلى أنواع الضرر وشرائطه عند الكلام عن المسؤولية العقدية. ولكن يجب الإشارة هنا إلى أن التعويض يشمل في المسؤولية التقصيرية الضرر المتوقع والضرر غير المتوقع.
الركن الثالث: علاقة السببية بين الخطأ والضرر.
يقصد بالعلاقة السببية بين الخطأ و الضرر أن توجد علاقة مباشرة ما بين الخطأ الذي ارتكبه
المسؤول و الضرر الذي أصاب المضرور.[7]
2 ـ المسؤولية عن عمل الغير: وهي على نوعين مسؤولية متولي الرقابة ومسؤولية المتبوع عن أعمال التابع.
ـ مسؤولية متولي الرقابة:
تنص المادة 134
معدلة) "كل من يجب عليه قانونا او إتفاقا رقابة شخص في حاجة الى الرقابة بسبب قصره او بسبب حالته العقلية او الجسمية، يكون ملزما بالتعويض الضرر الذي يحدثه ذلك الشخص للغير بفعله الضار.
ويستطيع المكلف بالرقابة ان يتخلص من المسؤوية إذ اثبت انه قام بواجب الرقابة او اثبت ان الضرر كان لابد من حدوثه ولو قام بهذا الواجب بما ينبغي من العناية ".
ويشترط لقيام هذه المسؤولية توافر شرطين، وهما:
الشرط الأول: تولي شخص الرقابة على شخص آخر: وتستند هذه الرقابة إما إلى القانون، كرقابة الولي على القاصر، ؛ كرقابة رب العمل على الصانع. وسبب الرقابة إما أن يكون القصر أو الحالة العقلية والجسمية. ويعد القاصر بحاجة إلى الرقابة ـ
الشرط الثاني: قيام الخاضع للرقابة بعمل غير مشروع أضر بالغير.
وتكون مسؤولية متولي الرقابة إما أصلية، وذلك عندما يكون الخاضع للرقابة غير مميز، أو تبعية؛ وذلك عندما يكون الخاضع للرقابة مميزاً، وهنا تكون مسؤولية الخاضع للرقابة أصلية، ومن ثم يمكن للمضرور الرجوع على الاثنين معاً (متولّي الرقابة والخاضع لها)؛ وذلك لأن مسؤوليتهما هي تضامنية.
وتقوم مسؤولية متولي الرقابة على خطأ مفترض يقبل إثبات العكس، وهو الخطأ في رقابة القاصر. ويستطيع متولي الرقابة أن يدفع المسؤولية عن نفسه إذا أثبت أنه قام بواجب الرقابة، أو أثبت أن الضرر كان سيقع حتى لو قام بواجب الرقابة.
ـ مسؤولية المتبوع عن أعمال التابع:
تنص المادة 136
معدلة) "يكون المتبوع مسؤولا عن الضرر الذي يحدثه تابعه بفعله الضار متى كان واقعا منه في حالة تأذية وظيفة بسببها او بمناسبتها.
وتتحقق علاقة التبعية ولو لم يكن المتبوع حرا في إختيار تابعه متى كان هذا الأخير يعمل لحساب المتبوع ".
ويشترط لتحقق هذه المسؤولية توافر شرطين، وهما:
الشرط الأول: علاقة التبعية بين المتبوع والتابع : ومضمون هذه العلاقة هو خضوع التابع للمتبوع، بحيث تكون للمتبوع على التابع سلطة فعلية في رقابته وتوجيهه، ومثال ذلك علاقة العامل (وهو التابع) برب العمل (وهو المتبوع).
الشرط الثاني: ارتكاب المتبوع عملاً غير مشروع نتج منه ضرر أصاب الغير في حال تأدية وظيفته أو بسببها. ويترتب على ذلك أنه لا تتحقق مسؤولية المتبوع إلا إذا قامت مسؤولية التابع، ولا تقوم مسؤولية التابع إلا إذا توافرت أركان المسؤولية عن العمل الشخصي وهي: الخطأ والضرر وعلاقة السببية بينهما. ولا تقوم مسؤولية المتبوع إلا إذا وقع الخطأ من التابع في أثناء تأدية وظيفته أو بسببها، ومثال ذلك أن يصدم سائق السيارة أحد المارة في أثناء قيامه بعمله.
ومسؤولية المتبوع عن أعمال التابع هي مسؤولية تبعية تقوم إلى جانب مسؤولية التابع التي تعد أصلية. ومن ثمّ يحقّ للمضرور أن يلاحق كلاً من التابع والمتبوع بالتعويض؛ وذلك لأن مسؤوليتهما عن الضرر هي تضامنية. ويجيز القانون عادة للمتبوع الرجوع على التابع بما دفعه.
وأساس مسؤولية المتبوع عن عمل التابع هو الخطأ المفترض غير القابل لإثبات العكس، ومعنى ذلك أن المتبوع لا يستطيع أن ينفي المسؤولية عن نفسه بإثبات أنه لم يخطئ. ولا يمكن له أن يدفع المسؤولية عن نفسه إلا بإثبات السبب الأجنبي، كالقوة القاهرة وخطأ المضرور وفعل الغير.
3) المسؤولية الناشئة من فعل الأشياء: وتتضمن أربعة أنواع، وهي:
ـ مسؤولية حارس الحيوان:
تنص المادة 139: "حارس الحيوان، ولو لم يكن مالكا له مسؤول عن مايحدثه الحيوان من ضرر. ولو ضل الحيوان او تسرب، مالم يثبت الحارس أن وقوع الحادث كان بسبب لا ينسب إليه".
ويشترط لقيام هذه المسؤولية توافر شرطين:
الشرط الأول: تولي شخص حراسة حيوان: ويقصد بحارس الحيوان من له السلطة الفعلية في رقابة الحيوان وفي توجيهه، ويكون له حق التصرف في أمره، ومن ثمّ يكون زمام الحيوان في يده. وليس بالضرورة أن يكون حارس الحيوان هو المالك، فالسارق يعد في نظر القانون حارساً للحيوان، ولكن مالك الحيوان هوـ من حيث المبدأ ـ الحارس. وإذا كانت الحراسة قد انتقلت إلى الغير بشكل قانوني أو غير قانوني، فيقع عبء إثبات ذلك على المالك.
أما الحيوان فيقصد به أي حيوان، مستأنساً كان أو ضارياً، كبيراً أو صغيراً، خطراً أو أليفاً، ويمكن أن يكون من الدواجن أو الطيور ويشترط أن يكون الحيوان حياً.
الشرط الثاني: إحداث الحيوان ضرراً للغير: يشترط من أجل قيام مسؤولية حارس الحيوان أن يكون الضرر ناجماً عن فعل الحيوان، ومن ثمّ هذا يقتضي أن يقوم الحيوان بفعل إيجابي، أما إذا اقتصر دوره على فعل سلبي فلا تقوم مسؤولية حارس الحيوان، ومثال ذلك إذا اصطدم شخص بحيوان واقف، وأصيب بضرر.
ـ مسؤولية حارس البناء:
تنص المادة 140:" من كان حائزا بأي وجه كان بعقار او جزء منه، او منقولات، حدث فيها حريق لا يكون مسؤولا نحو الغير عن الأضرار التي سببها هذا الحريق إلا أثبت ان الحريق ينسب إلى خطئه او خطا من هو مسؤول عنهم.
مالك البناء مسؤول عن ما يحدثه إنهدام البناء من ضرر ولو كان إنهداما جزئيا، مالم يثبت ان الحادث لا يرجع سببه إلى إهمال في الصيانة، او قدم في البناء.
و يجوز لم كان مهددا بضرر يصيبه من البناء ان يطالب المالك بإتخاد مايلزم من التدابير الضرورية للوقاية من الخطر فإن لم يقم المالك بذلك، جاز الحصول على إذن من المحكمة فإتخاد هذه التدابير على حسابه".
وتتحقق هذه المسؤولية بتوافر شرطين، وهما:
الشرط الأول: تولي شخص حراسة بناء: وحارس البناء هو من له السيطرة الفعلية عليه، ويكون هو المتصرف في أمره. وهنا أيضاً مالك البناء ـ من حيث المبدأـ هو الحارس. ولكنه يستطيع أن يثبت أن الحراسة ـ وقت وقوع الضرر بسبب تهدم البناء ـ كانت قد انتقلت للغير، كالمقاول أو الدائن المرتهن رهناً حيازياً. ويبقى المالك في حالة الإيجار أو الإعارة حارساً للبناء؛ لأن السيطرة الفعلية عليه تكون له وليس للمستأجر أو المستعير.
الشرط الثاني: وقوع الضرر بسبب تهدم البناء: ويقصد بالبناء كل ما أنشأه الإنسان إذا ما كان متصلاً بالأرض اتصال قرار، كالمنازل والمخازن والسدود والأنفاق. ويجب أن يكون سبب التهدم راجعاً إلى إهمال في الصيانة أو قدم في البناء أو عيب فيه.
وأساس مسؤولية حارس البناء هو الخطأ المفترض الذي يقبل إثبات العكس، ومن ثم يمكن للحارس أن يدفع المسؤولية عن نفسه إذا أثبت أن تهدم البناء لم يكن راجعاً إلى إهمال في الصيانة أو قدم في البناء أو عيب فيه. كما يمكن له أن ينفي المسؤولية عن نفسه بإثبات السبب الأجنبي.
ـ مسؤولية حارس الأشياء غير الحية: تنص المادة 138: "كل من تولى حراسة شيئ و كانت له قدرة الاستعمال و التسيير ، و الرقابة، يعتبر مسؤولا عن الضرر الذي يحدته ذالك الشيئ.
و يعفى من هذه المسؤولية الحارس للشيئ اذا أثبت ان ذالك الضرر حدت بسبب لم يكن يتوقعه متل عمل الضحية، او عمل الغير، او الحالة الطارئة،او القوة القاهرة".
وتقوم هذه المسؤولية بتوافر شرطين، وهما:
الشرط الأول: تولي شخص حراسة شيء تتطلب حراسته عناية خاصة أو حراسة آلة ميكانيكية.
وحارس الشيء هو من له السيطرة الفعلية عليه.
وهنا أيضاً يعد مالك الشيء، من حيث المبدأ، حارساً له. ولكنه يستطيع أن يثبت أن الحراسة انتقلت للغير بشكل قانوني أو غير قانوني وذلك بانتقال السيطرة الفعلية على الشيء له، كالمشتري والسارق.
ويشترط في الشيء أن تتطلب حراسته عناية خاصة كالمواد المتفجرة مثلاً.
الشرط الثاني: وقوع الضرر بفعل الشيء؛ ويقتضي ذلك أن يكون هناك تدخل إيجابي من الشيء ومن ثم لا يكفي التدخل السلبي للشيء لقيام مسؤولية حارس الأشياء غير الحية، فإذا اصطدم شخص بسيارة واقفة في مكان مسموح به قانوناً، وأصيب بضرر فلا ينسب الضرر إلى فعل الشيء ومن ثم لا تتحقق مسؤولية حارسه.
مسؤولية المنتج عن منتوجه: تنص المادة 140مكرر
جديدة) "يكون المنتج مسؤولا عن الضرر الناتج عن عيب في منتوجه حتى و لو لم تربطه بالمتضرر علاقة تعاقدية.
يعتبر منتوجا كل مال منقول و لو كان متصلا بعقار، لاسيما المنتوج الزراعي و المنتوج الصناعي و تربية الحيونات و صناعة الغذائية و الصيد البري و البحري و الطاقة الكهربائية".
التمييز بين المسؤولية العقدية والمسؤولية التقصيرية: تفترق المسؤولية العقدية عن المسؤولية التقصيرية في نقاط عدة، أهمها:
ـ لا تتحقق المسؤولية العقدية إلا بكمال الأهلية، في حين أنه يكفي التمييز لتحقق المسؤولية التقصيرية.
ـ يعد الأعذار ـ من حيث المبدأـ شرطاً لقيام المسؤولية العقدية دون المسؤولية التقصيرية.
ـ يجوز في المسؤولية العقدية الاتفاق على الإعفاء من المسؤولية أو تخفيفها؛ في حين أنه لا يجوز مثل هذا الاتفاق في المسؤولية التقصيرية، ويعد باطلاً إذا وقع .
ـ يكون التعويض في المسؤولية العقدية ـ من حيث المبدأ ـ عن الضرر المباشر المتوقع؛ في حين أنه يشمل التعويض في المسؤولية التقصيرية الضرر المتوقع والضرر غير المتوقع.
ـ تتقادم المسؤولية العقدية بخمس عشرة سنة؛ في حين أن المسؤولية التقصيرية تتقادم بثلاث سنوات أو بخمس عشرة سنة حسب الأحوال.
ـ إذا تعدد المسؤولون في المسؤولية العقدية فلا يفترض التضامن بينهم؛ في حين أنه إذا تعدد المسؤولون في المسؤولية التقصيرية، فيقوم التضامن بينهم بحكم القانون.
الخاتمة:
وختاما نستنتج أن المسؤولية المدنية وضعت لتفرض عن الإنسان تعويض نتيجة عمله الضار من خلال أخطائه او رعونته او إهماله. فالشخص مسؤول عن تصرفات الاخرين او الموضوعين تحت تصرفه او سلطته سواء كانت تلك السيطرة قانونية او مادية لتترتب عنه تعويض للمضرورين في حال اثبات خطا الشخص و يمكن لهذا الاخير نفي هذه المسؤولية بكل الطرق و الاثبات التي يمكنها ان تنفي عنه هذه المسؤولية.
المراجع:
1- دكتور سليمان مرقس، الوافي في شرح القانون المدني، المجلد التاني في الفعل الضار والمسؤولية المدنية ، الطبعة الخامسة، 1988.
2- دكتور عبد الرزاق السنهوري،الوسيط في شرح القانون المدني، الجزء الاول مصادر الالتزام، لبنان،2007 .
3ـ دكتور عبد القادر العرعاري، مصادر الالتزامات، الكتاب التاني المسؤولية المدنية ،كلية الحقوق، الرباط، الطبعة الثالتة،2011.
4ـ دكتور عز الدين الدناصوري، المسؤولية المدنية في دور الفقه و القضاء،1988.
5- دكتور محمد صبري السعدي ، الواضح في شرح القانون المدني الجزائري ، النظرية العامة للالتزام ، مصادر الالتزام ، العقد و الارادة المنفردة ؛ دار الهدى ، الجزائر ، 2008.
ـ د. عز الدين الدناصوري، المسؤولية المدنية في دور الفقه و القضاء،1988، ص13.[1]
ـ د. سليمان مرقس، الوافي في شرح القانون المدني، المجلد التاني في الفعل الضار والمسؤولية المدنية ، الطبعة الخامسة، 1988،ص9.[2]
ـ د. عبد القادر العرعاري، مصادر الالتزامات، الكتاب التاني المسؤولية المدنية ،كلية الحقوق، الرباط، الطبعة الثالتة،2011، ص11.[3]
ـ د. عبد الرزاق السنهوري،الوسيط في شرح القانون المدني، الجزء الاول مصادر الالتزام،2007، ص534.[4]
- د. محمد صبري السعدي، الواضح في شرح القانون المدني الجزائري ، النظرية العامة للالت ا زمات، مصادر الالتزام، ([5]
. العقد و الاراردة المنفردة؛ دار الهدى ، الجزائر ، ص ،311
- سليمان مرقس ، المرجع السابق ، ص .247 [6]
- عبد الرزاق أحمد السنهوري ، الوسيط في شرح القانون المدني الجديد ، الجزء الأول، المرجع السابق ، ص . 990 ([7]
المطلب الأول: تعريف المسؤولية المدنية
المطلب الثاني: الفرق بين المسؤولية المدنية و الجنائية
المبحت الثاني: أنواع المسؤولية المدنية
المطلب الأول: المسؤولية العقدية
المطلب الثاني: المسؤولية التقصيرية
الخاتمة
المقدمة:
تشكل المسؤولية المدنية احد أركان النظام القانوني والإجتماعي، فكل عاقل مسؤول عن أعماله أي ملتزم بموجبات معينة إتجاه الغير أهمها عدم الإضرار به، فإذا خرق هذه الإلتزامات إلتزم بإصلاح الضرر والتعويض عن المتضرر، ومع تطور الحياة المعاصرة أصبح اكثر تعرضا للمخاطر وذلك بإلحاقه أضرار للغير، كما هو الحال في عقود الضمان وإنشاء الخاصة بالتعويض على ضحايا الحوادث، لإدراك مدى إتساع نطاق المسؤولية المدنية و المسائل القانونية والإجتماعية التي تثيرها.
فالعالم المعاصر يعيش عصرا يتصف بالمادية، يسعى الفرد ضمنه ودوما الى تحسين أوضاعه المالية والمادية، مما يعمل البعض على المطالبة بالتعويض عن أي حادث طفيف يسبب له ضررا ماديا أو حتى معنويا، دليل ذلك الدعاوي الرامية الى طلب التعويض عن فقدان متع الحياة والرياضة والموسيقى التي حرمت منها الضحية نتيجة حادث أصيبت به.
فالتشريع، وكذلك الإجتهاد في سباق مستمر مع التطورات الحاصلة في الحياة المعاصرة يحاول المحافظة على التوازن بين مصالح الأفراد دون إهمال في حق الضحية بالتعويض عن الأضرالتي تلحق بها من فعل الغير أو الشيء أو الحيوان، فوضعت قوانين للمطالبة المتينة في الضرر بالتعويض للمتضررين.
فماهي المسؤولية المدنية وماهي أنواعها ؟
المبحت الأول: مفهوم المسؤولية المدنية
المطلب الاول: تعريف المسؤولية المدنية
تنص المادة 124: ( المعدلة)" كل فعل ايا كان يرتكبه الشخص بخطئه، و يسبب ضررا للغير يلزم من كان سببا في حدوثه بتعويض" . عدلت بالقانون رقم 05ـ10 المؤرخ في 20 يونيوا 2005.
و يقصد بالمسؤولية المدنية بوجه عام المسؤولية عن الضرر الناجم عن الاخلال بالالتزام مقرر في ذمة المسؤول، و قد يكون هدا الالتزام عقدا يربطه بالمضرور و فتكون مسؤوليته عقدية يحكمها و يحدد مداها العقد من جهة و القواعد الخاصة بالمسؤولية العقدية من جهة أخرى.
و قد يكون مصدر هدا الالتزام القانون في صورة تكاليف عامة يفرضها على الكافة ، كالالتزام بعدم مجاوزة سرعة معينة عند قيادة السيارات،و عند اذن تكون مسؤوليته تقصيرية،لان القانون هو الدي يستقل بحكمها و تحديد مداها.[1]
فإذا تناول ھذا الموجب التزاما بالتعويض عن الأضرار التي يحدثھا الإنسان للغير
بفعله أو بفعل التابعين له أو بالأشياء الموجودة بحراسته أو الحيوانات الخاصة به
أو نتيجة لعدم تنفيذه لالتزاماته العقدية عبر عن ھذا الالتزام بالمسؤولية المدنية.
تشمل ھذه التسمية أنواعا مختلفة من التسمية وفقا للمبنى القانوني الذي تقوم عليه
فھي مسؤولية عقدية فيما إذا نشأت عن إخلال أحد طرفي العقد بالتزاماته أو
امتناعه عن تنفيذھا وھي مسؤولية تقصيرية فيما إذا ترتبت على شخص بسبب
فعل شخص أقدم عليه محدثا ضررا للغير أي عندما تقوم على الخطأ وقد يعبر
عن ھذا الخطأ بالجرم أو شبه الجرم المدني وھي مسؤولية وضعية عندما تنشأ
عن ضرر يحدثه الشيء الموجود بحراسته أحد الأشخاص أو يحدثه الحيوان
الذي يملكه ھذا الشخص وھي أيضا مسؤولية عن فعل الغير عندما ينشأ الضرر
عن فعل شخص حدد القانون حصرا وضعه القانوني بالنسبة للمسؤول عنه.
المطلب التاني: مقارنة بين المسؤولية المدنية والجزائية
برغم من ارتباط المسؤوليتين المدنية و الجنائية بمجموعة من الاحكام المشتركة بعضها يتعلق بشروط تحقق هاتين المسؤوليتين و بعض الاخر يتعلق بالآثار القانونية المترتبة عنها التي نجملها بما يلي:
1) تنشأ المسؤولية الجنائية عن اقتراف المجرم لافعال المحظورة بمقتضى فصول القانون الجنائي اذ ان المبدأ هو أنه لا جريمة و عقوبة الا بنص اما بخصوص المسؤولية المدنية فانها تترتب عن اخلال بالالتزامات و الواجبات التي يفرضها مبدا التعايش الاجتماعي .
2) بعتبار ان الدعوة الجنائية تقوم على انتهاك المجرم للحق العام لدلك ، فانه لا يحق لطرف المضرور ان يتنازل عن مقتضيات الدعوة العمومية بمحض اختياره، و على العكس من دالك فان للمضرور كامل الحرية في التنازل عن مطالبه المدنية لتعل ذلك بمصلحته الشخصية لا فرق في ذلك في التنازل الخاص قبل المحاكمة او الذي يحدث بعدها.[2]
3) نظرا لخطورة الافعال الجنائية فإن الجزاء المترتب عنها يتمثل في مجموعة من العقوبات الصارمة كالسجن و المصادرة و الغرامات و الذعائر التي تأخد طابعا جزريا . أما عن الجزاء المدني فهو ينحصر في التعويض الذي تراه المحكمة مناسبا لجبرالضرر .
4) يمكن لدعوة المتعلقة بالمطالب المدنية أن تكون تابعة لدعوى العمومية و ليس العكس، فاذا نتج عن الفعل الواحد دعوتان احداهما جنائية و الاخرى مدنية كالضرب والجرح الذي يتسبب في الحاق عاهة بالمضرور فان هدا الاخير له الحق في رفع دعوى المطالب المدنية الى المحكمة الجزرية و دلك في شكل دعوى مدنية تابعة لدعوى العمومية كما ان له الخيار في رفعها بطريقة مستقلة الى المحكمة المدنية الاأن العادة جرت الى تحريك دعوى المطالب المدنية امام المحكمة الجنائية لما يملكه هذا القضاء من امكانيات سريعة لفض النزاع .
و في الحالات التي يفضل فيها المضرور اقامة دعوى المطالب المدنية بصورة مستقلة امام القضاء المدني فانه يتعين على هذه المحكمة الا تفصل في هذه المطالب حتى يفصل في الدعوى العمومية و ذالك اعمالا للقاعدة المشهورة التي تقضي بأن " الجنائي يعقل المدني".[3]
المبحث الثاني: أنواع المسؤولية المدنية
المطلب الأول: المسؤولية العقدية
تنص المادة 176 :" إدا إستحال على المدين ان ينفد الالتزام عينا حكم عليه بالتعويض الضرر الناجم عن عدم تنفيد إلتزامه، مالم يثبت ان استحالة التنفيد نشأت عن سبب لابد له فبه، ويكون الحكم كذلك إذا تاخر المدين في تنفيد إلتزامه".
المسئولية العقدية تقوم على الاخلال بالتزام عقدي، بمعنى ان هذا النوع من المسئولية ينشأ من علاقة تعاقدية ما بين الدائن والمدين
مثال: البائع الذي يقوم بتسليم بضاعة معيبة تقوم مسئوليته العقدية بضمان العيوب في المبيع. كذلك اخلال المقاول في تنفيذ التزامه بالبناء بحسب التصميم الهندسي المتفق عليه في العقد يؤدي الى التزامه بالتعويض في حالة وقوع الضرر استنادا الى العلاقة التعاقدية ما بينه و بين الطرف الاخر في العقد.
ان المسؤولية العقدية لا شأن لها بتنفيد العيني للالتزام العقدي. و هي ايضا لا تتحقق اذا أتبت المدين أن الالتزام قد استحال تنفيده بسبب اجنبي. و انما تتحقق المسؤولية العقدية اذا لم ينفد المدين التزامه العقدي تنفيدا عينيا و لم يستطع ان يثبت ان التنفيد استحال بسبب اجنبي.[4]
شروط المسؤولية العقدية:
1- وجود عقد بين طرفين
2- لابد ان يكون هذا العقد صحيحاً، مثال: اذا تعهد شخص بتهريب مخدرات ثم لم يفِ بالالتزام فلا مسؤولية عقدية عليه لأن العقد باطل لعدم مشروعية محله .
3- أن يخل احد المتعاقدين بالعقد بعد انعقاده وقبل انتهائه بأحد الالتزامات الناشئة عنه
أركان المسؤولية العقدية:
الخطأ العقدي، الضرر، العلاقة السببية
أولاً: الخطأ العقدي:
يفترض لقيام المسؤولية العقدية عدم قيام المدين بتنفيذ التزامه التعاقدي أو التأخير في تنفيذه،
و يستوي في ذلك أن يكون عدم التنفيذ أو التأخير عن عمد أو إهمال من المدين.[5]
أولاً: الخطأ العقدي في مسئولية المدين عن عمله الشخصي
ان الالتزامات تنقسم إلى نوعين: التزام بتحقيق غاية و التزام ببذل عناية.
1- الالتزام بتحقيق غاية:
هو ان يلتزم المدين بتحقيق نتيجة وغاية معينة من العقد، مثل التزام المشتري بتسليم الثمن والتزام البائع بتسليم المبيع، والتزام المقاول بإنشاء بناء خلال 3 اشهر هو التزام بتحقيق غاية.
2- الالتزام ببذل عناية:
هو ان يلتزم المدين ببذل عناية الشخص المعتاد في مجاله، مثل التزام الطبيب بأداء عملية جراحية وفق العرف الطبي، والتزام المحامي بأخذ التدابير الاحتياطية في كتابة العقد او كتابة المذكرات القانونية وعدم اهمال مصالح موكله هو التزام ببذل عناية فلا يطلب من الطبيب تحقيق غاية الشفاء التام ولا يطلب من المحامي ضمان اخراج متهم من السجن.
اثبات الالتزام بتحقيق الغاية أيسر من اثبات الالتزام ببذل العناية؛ وذلك لأن اثبات عدم تحقق الغاية هو فرض تحققها واثبات عدم حدوث الغاية والحالة السلبية وحدها كافية لقيام الخطأ العقدي.
أما اثبات الالتزام ببذل العناية هي مسألة تقديرية لقاضي الموضوع ويراعى فيه العرف والاجتهاد فعلى المحامي الأخذ بما يتم عادة من قبل المحامين وتصرفاتهم وهكذا مع بعض المهن كالطب.
يستوي ان كان الخطأ قد وقع عمداً من الشخص، مثل ان يبيع شخص ارضه لآخر ويرفض المشتري تسليم الثمن قاصداً، او على سبيل الاهمال والتقصير، مثل ان ينسى المشتري ميعاد تسليم الثمن اهمالاً منه، فان ركن الخطأ يكون قائماً وتقوم المؤاخذة والمسئولية العقدية في هذه الحالتين.
أما ان كان الخطأ العقدي قد وقع نتيجة سبب أجنبي (حادث مفاجئ أو قوة قاهرة)، مثل ان يدخل المشتري في غيبوبة ولا يتمكن من دفع ثمن المبيع و تنفيذ التزاماته، فهنا وان قام الخطأ العقدي وهو عدم تنفيذ المدين لالتزامه الا ان ركن السببية ينتفي وبذلك لا يؤاخذ المدين في هذه الحالة ولا تقام عليه المسئولية العقدية.
تنص المادة 178 :" يجوز الإتفاق على أن يتحمل المدين تبعية الحادث المفاجئ او القوة القاهرة.
وكذلك يجوز الإتفاق على إعفاء المدين عن اية مسؤولية تترتب على عدم تنفيد إلتزامه التعاقدي، إلا ماينشأ عن غشه، اوعن خطئه الجسيم غيرانه يجوز للمدين ان يشترط إعفائه من المسؤولية الناجمة عن الغش او الخطأ الجسيم الذي يقع من اشخاص يستخدمهم في تنفيد إلتزامه.
ويبطل كل شرط يقضي بإعفاء من المسؤولية الناجمة عن العمل الإجرامي".
ثانياً: الخطأ العقدي في مسئولية المدين عن الغير
قد تتحقق هذه الحالة اذا استخدم المدين اشخاصاً غيره في تنفيذ التزامه العقدي، فيكون مسئولاً مسئولية عقدية عن خطأ هؤلاء الأشخاص الذي أضر بالدائن في الالتزام العقدي.
فيوجد اذن شروط لقيام المسئولية العقدية عن الغير وهي:
1- المسئول وهو المدين في الالتزام العقدي بناء على عقد صحيح. 2- المضرور وهو الدائن. 3- الغير وهم من استخدمهم المدين في تنفيذ التزامه.
مثل: التزام المستأجر بصيانة المأجور هو التزام بناء على عقد صحيح وهو عقد الايجار تجاه المؤجر، وعليه فان قام المستأجر بتأجير العين من الباطن لأخيه فهو ملتزم عن تصرفات الغير (أخيه) تجاه المؤجر.
ثالثاً: الخطأ العقدي في مسئولية المدين عن الأشياء
مثل: البائع ان قام بتسليم آلة للمشتري وانفجرت الالة بسبب عيب خفي فهنا تنعقد المسئولية العقدية عن الشيء تجاه المشتري بسبب التزام البائع بضمان العيوب الخفية.
احكام المسئولية العقدية عن الاشياء هي ذات احكامها عن العمل الشخصي.
تعديل قواعد المسئولية العقدية عن طريق التأمين:
يستطيع المدين ان يؤمن على مسئوليته العقدية والمسئولية التقصيرية، ويؤمن على كل فعل صدر منه عدا العمد، وعلى كل خطا يصدر من الغير لتنفيذ التزامه حتى الفعل العمد.
تعديل قواعد المسئولية العقدية عن طريق الاتفاق:
الاتفاق هو أساس انشاء العقد وبناء عليه فيجوز تعديل احكام المسئولية العقدية بالاتفاق او التنازل عن المسئولية العقدية برمتها بخلاف المسئولية التقصيرية لانها بحكم القانون وليس الاتفاق.
ثانياً: الضرر:
الركن الثاني في المسئولية العقدية هو الضرر فلا بد من وجود الضرر حتى تترتب المسئولية في ذمة المدين.
على الدائن عبء اثبات الضرر لانه هو مدعيه والمدين هو المدعى عليه.
لا يفترض وجود الضرر لمجرد ان المدين لم يقم بالتزامه فقد لا ينفذ المدين التزامه ومع ذلك لا يثبت ضرر على الدائن باستثناء الفوائد النقدية عن التأخير فان الضرر مفترض ولا يكلف الدائن اثباته ولا يجوز للمدين ان يثبت ان الدائن لم يلحقه ضرر.
اما الشرط الجزائي فلا يغني عن اثبات الضرر ولكنه ينقل عبء الاثبات من الدائن الى المدين فالضرر مفروض الا ان اثبت المدين انه لم يقع.
فالمادة 184 من القانون المدني تنص بما يلي: "لا يكون التعويض المحدد في الاتفاق مستحقا اذ أتبت المدين ان الدائن لم يلحقه أي ضرر.
و يجوز للقاضي ان يخفض مبلغ التعويض اذ أتبت المدين ان التقدير كان مفرطا او ان الالتزام الاصلي قد نفد في جزء منه.
و يكون باطلا كل اتفاق يخالف احكام الفقرتين أعلاه".
ينقسم الضرر الى: ضرر مادي وضرر ادبي
الضرر المادي:
هو الذي يصيب الدائن في ماله او جسمه وهو الضرر الاكثر والاغلب.
ينقسم الضرر المادي الى : ضرر حال وضرر مستقبلي وضرر محتمل.
الضرر الحال: هو الضرر الذي وقع فعلا والاصل ان التعويض يكون عن الضرر الحال فاذا لم يقع الضرر فعلا فلا تعويض. مثل تاخر تاجر الجملة بتوزيع بضاعة معينة لتاجر مفرد مما يؤدي الى اخلال تاجر المفرد بالتزاماته مع عملائه فعلياً.
الضرر المستقبلي: هو الضرر الذي يقع في الحال ولكنه يكون محقق الوقوع في المستقبل، مثل ان تاخر صاحب مصنع في توزيع البضاعة لتجار جملة وقد اقام احد تجار الجملة عقد يفيد بأن يوزع تاجر الجملة البضاعة في تاريخ مستقبلي قريب وتأخير صاحب المصنع يعني اخلال تاجر الجملة بالتزامه المستقبلي.
يستطاع تقدير الضرر المستقبلي حالاً او يتم انتظار تحقق الضرر ليعرف مداه ثم يلتزم المدين بتعويض الدائن بسبب المسئولية العقدية.
الضرر المحتمل: هو الضرر الذي يكون محتملاً لا هو قد تحقق فعلاً ولا هو محقق الوقوع في المستقبل، مثل ان يحدث المستاجر خلل في العين المؤجرة قد يتسبب في هدم المنزل فالخلل ضرر حال ولكن تهدم العين احتمالي ويعوض المدين (المؤجر) عن الضرر الحال فوراً اما الضرر المحتمل فلا يعوض عنه الا اذا تحقق.
الضرر الأدبي:
هو الذي يصيب الدائن في سمعته، كرامته، شعوره، عاطفته او شرفه.و هذا ما نصت عليه
المادة 182 مكرر (جديدة):"يشمل التعويض عن الضرر المعنوي كل مساس بالحرية او الشرف او السمعة".
مثل قد يذيع الطبيب سراً لمريضه لا تجوز اذاعته فيصيب المريض بضرر ادبي في سمعته، وكذلك الوكيل ان اذاع تفاصيل عن موكله لا يجب الافصاح عنها فيؤذيه في اعتباره، والناشر ان شوه كتاب لمؤلف ما فذلك يصيب المؤلف بضرر ادبي.
ثالثاً: العلاقة السببية بين الخطأ والضرر:
لا يجب فقط وجود الخطأ والضرر بل يجب ان يكون الخطأ هو السبب في الضرر ان تكون هناك علاقة سببية بين الخطأ والضرر.
عبء الاثبات يقع على المدين لا الدائن وذلك لان وجود العلاقة السببية مفترضة ومن يدعي انتفائها هو من يقع عليه عبء اثبات ادعائه فقد يثبت المدين ان السبب في الخطأ يعود لقوة قاهرة او حادث مفاجئ فينفي العلاقة السببية بين الخطأ والضرر بسبب مرض او كارثة طبيعية وغير ذلك او تاخر شركة طيران.
المطلب الثاني : المسؤولية التقصيرية
وهي التي تنشأ نتيجة الإخلال بالتزام قانوني عام يفرض عدم الإضرار بالغير.
أنواع المسؤولية التقصيرية: تتضمن المسؤولية التقصيرية أنواعاً عدة، وهي:
ـ 1)المسؤولية عن العمل الشخصي:
تنص المادة 124: (معدلة) "كل فعل أيا كان يرتكبه الشخص بخطئه، ويسبب ضررا للغير يلزم من كان سببا في حدوثه بالتعويض".
وتعد القاعدة العامة في المسؤولية التقصيرية، وتقوم على المبدأ الذي مفاده أن كل خطأ سبب ضرراً للغير يلزم من ارتكبه بالتعويض.
- أركان المسؤولية عن العمل الشخصي: تقوم المسؤولية عن العمل الشخصي على ثلاثة أركان، وهي:
الركن الأول:
_الخطأ: يقوم الخطأ في المسؤولية التقصيرية على عنصرين، وهما:
_العنصر المادي: وهو التعدي: الخطأ هو انحراف في السلوك، وبالتالي فهو تعد. وهذا الانحراف إما أن يكون ناجماً عن عمد أو عن إهمال. والتعدي الذي يقع بالعمد معياره ذاتي، حيث ينظر إلى نية الفاعل نفسه. أما التعدي الذي يقع بالإهمال فمعياره موضوعي، حيث يقاس فيه سلوك الفاعل بسلوك شخص مجرد هو الشخص العادي من الناس، وجد في الظروف الخارجية ذاتها، فإذا كان الفاعل لم ينحرف في سلوكه عن المألوف من سلوك الشخص العادي، فلا يعدّ فعله تعدياً. وهذا هو معيار الرجل المعتاد.
أما الفعل غير القصدي فيصدر عن الإنسان دون إرادة إحداث الضرر لمغير، فكان
الضرر نتيجة إهمال أو قلة إحتراز أو عدم تبصر لديه.[6]
_العنصر المعنوي: وهو الإدراك: مناط المسؤولية هو الإدراك. فلا يكفي توافر التعدي؛ كي يقوم ركن الخطأ، وإنما لابدّ من أن يقع التعدي من شخص مدرك لنتائج أعماله. ومن ثمّ يجب أن يكون المعتدي مميزاً. ومن انعدم الإدراك والتمييز لديه لا يعد مسؤولاً إذا قام بفعل غير مشروع.. ومن حيث المبدأ لا يعد عديم التمييز مسؤولاً؛ إلا أنه يقر القانون مسؤوليته في حالات استثنائية؛ وذلك إذا لم يتمكن المضرور من الحصول على التعويض من المكلف برقابة عديم التمييز.
وتنتفي صفة الخطأ عن العمل غير المشروع في حالات معينة كالدفاع الشرعي، وحالة الضرورة.
الركن الثاني: الضرر: سبق الإشارة إلى أنواع الضرر وشرائطه عند الكلام عن المسؤولية العقدية. ولكن يجب الإشارة هنا إلى أن التعويض يشمل في المسؤولية التقصيرية الضرر المتوقع والضرر غير المتوقع.
الركن الثالث: علاقة السببية بين الخطأ والضرر.
يقصد بالعلاقة السببية بين الخطأ و الضرر أن توجد علاقة مباشرة ما بين الخطأ الذي ارتكبه
المسؤول و الضرر الذي أصاب المضرور.[7]
2 ـ المسؤولية عن عمل الغير: وهي على نوعين مسؤولية متولي الرقابة ومسؤولية المتبوع عن أعمال التابع.
ـ مسؤولية متولي الرقابة:
تنص المادة 134
ويستطيع المكلف بالرقابة ان يتخلص من المسؤوية إذ اثبت انه قام بواجب الرقابة او اثبت ان الضرر كان لابد من حدوثه ولو قام بهذا الواجب بما ينبغي من العناية ".
ويشترط لقيام هذه المسؤولية توافر شرطين، وهما:
الشرط الأول: تولي شخص الرقابة على شخص آخر: وتستند هذه الرقابة إما إلى القانون، كرقابة الولي على القاصر، ؛ كرقابة رب العمل على الصانع. وسبب الرقابة إما أن يكون القصر أو الحالة العقلية والجسمية. ويعد القاصر بحاجة إلى الرقابة ـ
الشرط الثاني: قيام الخاضع للرقابة بعمل غير مشروع أضر بالغير.
وتكون مسؤولية متولي الرقابة إما أصلية، وذلك عندما يكون الخاضع للرقابة غير مميز، أو تبعية؛ وذلك عندما يكون الخاضع للرقابة مميزاً، وهنا تكون مسؤولية الخاضع للرقابة أصلية، ومن ثم يمكن للمضرور الرجوع على الاثنين معاً (متولّي الرقابة والخاضع لها)؛ وذلك لأن مسؤوليتهما هي تضامنية.
وتقوم مسؤولية متولي الرقابة على خطأ مفترض يقبل إثبات العكس، وهو الخطأ في رقابة القاصر. ويستطيع متولي الرقابة أن يدفع المسؤولية عن نفسه إذا أثبت أنه قام بواجب الرقابة، أو أثبت أن الضرر كان سيقع حتى لو قام بواجب الرقابة.
ـ مسؤولية المتبوع عن أعمال التابع:
تنص المادة 136
وتتحقق علاقة التبعية ولو لم يكن المتبوع حرا في إختيار تابعه متى كان هذا الأخير يعمل لحساب المتبوع ".
ويشترط لتحقق هذه المسؤولية توافر شرطين، وهما:
الشرط الأول: علاقة التبعية بين المتبوع والتابع : ومضمون هذه العلاقة هو خضوع التابع للمتبوع، بحيث تكون للمتبوع على التابع سلطة فعلية في رقابته وتوجيهه، ومثال ذلك علاقة العامل (وهو التابع) برب العمل (وهو المتبوع).
الشرط الثاني: ارتكاب المتبوع عملاً غير مشروع نتج منه ضرر أصاب الغير في حال تأدية وظيفته أو بسببها. ويترتب على ذلك أنه لا تتحقق مسؤولية المتبوع إلا إذا قامت مسؤولية التابع، ولا تقوم مسؤولية التابع إلا إذا توافرت أركان المسؤولية عن العمل الشخصي وهي: الخطأ والضرر وعلاقة السببية بينهما. ولا تقوم مسؤولية المتبوع إلا إذا وقع الخطأ من التابع في أثناء تأدية وظيفته أو بسببها، ومثال ذلك أن يصدم سائق السيارة أحد المارة في أثناء قيامه بعمله.
ومسؤولية المتبوع عن أعمال التابع هي مسؤولية تبعية تقوم إلى جانب مسؤولية التابع التي تعد أصلية. ومن ثمّ يحقّ للمضرور أن يلاحق كلاً من التابع والمتبوع بالتعويض؛ وذلك لأن مسؤوليتهما عن الضرر هي تضامنية. ويجيز القانون عادة للمتبوع الرجوع على التابع بما دفعه.
وأساس مسؤولية المتبوع عن عمل التابع هو الخطأ المفترض غير القابل لإثبات العكس، ومعنى ذلك أن المتبوع لا يستطيع أن ينفي المسؤولية عن نفسه بإثبات أنه لم يخطئ. ولا يمكن له أن يدفع المسؤولية عن نفسه إلا بإثبات السبب الأجنبي، كالقوة القاهرة وخطأ المضرور وفعل الغير.
3) المسؤولية الناشئة من فعل الأشياء: وتتضمن أربعة أنواع، وهي:
ـ مسؤولية حارس الحيوان:
تنص المادة 139: "حارس الحيوان، ولو لم يكن مالكا له مسؤول عن مايحدثه الحيوان من ضرر. ولو ضل الحيوان او تسرب، مالم يثبت الحارس أن وقوع الحادث كان بسبب لا ينسب إليه".
ويشترط لقيام هذه المسؤولية توافر شرطين:
الشرط الأول: تولي شخص حراسة حيوان: ويقصد بحارس الحيوان من له السلطة الفعلية في رقابة الحيوان وفي توجيهه، ويكون له حق التصرف في أمره، ومن ثمّ يكون زمام الحيوان في يده. وليس بالضرورة أن يكون حارس الحيوان هو المالك، فالسارق يعد في نظر القانون حارساً للحيوان، ولكن مالك الحيوان هوـ من حيث المبدأ ـ الحارس. وإذا كانت الحراسة قد انتقلت إلى الغير بشكل قانوني أو غير قانوني، فيقع عبء إثبات ذلك على المالك.
أما الحيوان فيقصد به أي حيوان، مستأنساً كان أو ضارياً، كبيراً أو صغيراً، خطراً أو أليفاً، ويمكن أن يكون من الدواجن أو الطيور ويشترط أن يكون الحيوان حياً.
الشرط الثاني: إحداث الحيوان ضرراً للغير: يشترط من أجل قيام مسؤولية حارس الحيوان أن يكون الضرر ناجماً عن فعل الحيوان، ومن ثمّ هذا يقتضي أن يقوم الحيوان بفعل إيجابي، أما إذا اقتصر دوره على فعل سلبي فلا تقوم مسؤولية حارس الحيوان، ومثال ذلك إذا اصطدم شخص بحيوان واقف، وأصيب بضرر.
ـ مسؤولية حارس البناء:
تنص المادة 140:" من كان حائزا بأي وجه كان بعقار او جزء منه، او منقولات، حدث فيها حريق لا يكون مسؤولا نحو الغير عن الأضرار التي سببها هذا الحريق إلا أثبت ان الحريق ينسب إلى خطئه او خطا من هو مسؤول عنهم.
مالك البناء مسؤول عن ما يحدثه إنهدام البناء من ضرر ولو كان إنهداما جزئيا، مالم يثبت ان الحادث لا يرجع سببه إلى إهمال في الصيانة، او قدم في البناء.
و يجوز لم كان مهددا بضرر يصيبه من البناء ان يطالب المالك بإتخاد مايلزم من التدابير الضرورية للوقاية من الخطر فإن لم يقم المالك بذلك، جاز الحصول على إذن من المحكمة فإتخاد هذه التدابير على حسابه".
وتتحقق هذه المسؤولية بتوافر شرطين، وهما:
الشرط الأول: تولي شخص حراسة بناء: وحارس البناء هو من له السيطرة الفعلية عليه، ويكون هو المتصرف في أمره. وهنا أيضاً مالك البناء ـ من حيث المبدأـ هو الحارس. ولكنه يستطيع أن يثبت أن الحراسة ـ وقت وقوع الضرر بسبب تهدم البناء ـ كانت قد انتقلت للغير، كالمقاول أو الدائن المرتهن رهناً حيازياً. ويبقى المالك في حالة الإيجار أو الإعارة حارساً للبناء؛ لأن السيطرة الفعلية عليه تكون له وليس للمستأجر أو المستعير.
الشرط الثاني: وقوع الضرر بسبب تهدم البناء: ويقصد بالبناء كل ما أنشأه الإنسان إذا ما كان متصلاً بالأرض اتصال قرار، كالمنازل والمخازن والسدود والأنفاق. ويجب أن يكون سبب التهدم راجعاً إلى إهمال في الصيانة أو قدم في البناء أو عيب فيه.
وأساس مسؤولية حارس البناء هو الخطأ المفترض الذي يقبل إثبات العكس، ومن ثم يمكن للحارس أن يدفع المسؤولية عن نفسه إذا أثبت أن تهدم البناء لم يكن راجعاً إلى إهمال في الصيانة أو قدم في البناء أو عيب فيه. كما يمكن له أن ينفي المسؤولية عن نفسه بإثبات السبب الأجنبي.
ـ مسؤولية حارس الأشياء غير الحية: تنص المادة 138: "كل من تولى حراسة شيئ و كانت له قدرة الاستعمال و التسيير ، و الرقابة، يعتبر مسؤولا عن الضرر الذي يحدته ذالك الشيئ.
و يعفى من هذه المسؤولية الحارس للشيئ اذا أثبت ان ذالك الضرر حدت بسبب لم يكن يتوقعه متل عمل الضحية، او عمل الغير، او الحالة الطارئة،او القوة القاهرة".
وتقوم هذه المسؤولية بتوافر شرطين، وهما:
الشرط الأول: تولي شخص حراسة شيء تتطلب حراسته عناية خاصة أو حراسة آلة ميكانيكية.
وحارس الشيء هو من له السيطرة الفعلية عليه.
وهنا أيضاً يعد مالك الشيء، من حيث المبدأ، حارساً له. ولكنه يستطيع أن يثبت أن الحراسة انتقلت للغير بشكل قانوني أو غير قانوني وذلك بانتقال السيطرة الفعلية على الشيء له، كالمشتري والسارق.
ويشترط في الشيء أن تتطلب حراسته عناية خاصة كالمواد المتفجرة مثلاً.
الشرط الثاني: وقوع الضرر بفعل الشيء؛ ويقتضي ذلك أن يكون هناك تدخل إيجابي من الشيء ومن ثم لا يكفي التدخل السلبي للشيء لقيام مسؤولية حارس الأشياء غير الحية، فإذا اصطدم شخص بسيارة واقفة في مكان مسموح به قانوناً، وأصيب بضرر فلا ينسب الضرر إلى فعل الشيء ومن ثم لا تتحقق مسؤولية حارسه.
مسؤولية المنتج عن منتوجه: تنص المادة 140مكرر
يعتبر منتوجا كل مال منقول و لو كان متصلا بعقار، لاسيما المنتوج الزراعي و المنتوج الصناعي و تربية الحيونات و صناعة الغذائية و الصيد البري و البحري و الطاقة الكهربائية".
التمييز بين المسؤولية العقدية والمسؤولية التقصيرية: تفترق المسؤولية العقدية عن المسؤولية التقصيرية في نقاط عدة، أهمها:
ـ لا تتحقق المسؤولية العقدية إلا بكمال الأهلية، في حين أنه يكفي التمييز لتحقق المسؤولية التقصيرية.
ـ يعد الأعذار ـ من حيث المبدأـ شرطاً لقيام المسؤولية العقدية دون المسؤولية التقصيرية.
ـ يجوز في المسؤولية العقدية الاتفاق على الإعفاء من المسؤولية أو تخفيفها؛ في حين أنه لا يجوز مثل هذا الاتفاق في المسؤولية التقصيرية، ويعد باطلاً إذا وقع .
ـ يكون التعويض في المسؤولية العقدية ـ من حيث المبدأ ـ عن الضرر المباشر المتوقع؛ في حين أنه يشمل التعويض في المسؤولية التقصيرية الضرر المتوقع والضرر غير المتوقع.
ـ تتقادم المسؤولية العقدية بخمس عشرة سنة؛ في حين أن المسؤولية التقصيرية تتقادم بثلاث سنوات أو بخمس عشرة سنة حسب الأحوال.
ـ إذا تعدد المسؤولون في المسؤولية العقدية فلا يفترض التضامن بينهم؛ في حين أنه إذا تعدد المسؤولون في المسؤولية التقصيرية، فيقوم التضامن بينهم بحكم القانون.
الخاتمة:
وختاما نستنتج أن المسؤولية المدنية وضعت لتفرض عن الإنسان تعويض نتيجة عمله الضار من خلال أخطائه او رعونته او إهماله. فالشخص مسؤول عن تصرفات الاخرين او الموضوعين تحت تصرفه او سلطته سواء كانت تلك السيطرة قانونية او مادية لتترتب عنه تعويض للمضرورين في حال اثبات خطا الشخص و يمكن لهذا الاخير نفي هذه المسؤولية بكل الطرق و الاثبات التي يمكنها ان تنفي عنه هذه المسؤولية.
المراجع:
1- دكتور سليمان مرقس، الوافي في شرح القانون المدني، المجلد التاني في الفعل الضار والمسؤولية المدنية ، الطبعة الخامسة، 1988.
2- دكتور عبد الرزاق السنهوري،الوسيط في شرح القانون المدني، الجزء الاول مصادر الالتزام، لبنان،2007 .
3ـ دكتور عبد القادر العرعاري، مصادر الالتزامات، الكتاب التاني المسؤولية المدنية ،كلية الحقوق، الرباط، الطبعة الثالتة،2011.
4ـ دكتور عز الدين الدناصوري، المسؤولية المدنية في دور الفقه و القضاء،1988.
5- دكتور محمد صبري السعدي ، الواضح في شرح القانون المدني الجزائري ، النظرية العامة للالتزام ، مصادر الالتزام ، العقد و الارادة المنفردة ؛ دار الهدى ، الجزائر ، 2008.
ـ د. عز الدين الدناصوري، المسؤولية المدنية في دور الفقه و القضاء،1988، ص13.[1]
ـ د. سليمان مرقس، الوافي في شرح القانون المدني، المجلد التاني في الفعل الضار والمسؤولية المدنية ، الطبعة الخامسة، 1988،ص9.[2]
ـ د. عبد القادر العرعاري، مصادر الالتزامات، الكتاب التاني المسؤولية المدنية ،كلية الحقوق، الرباط، الطبعة الثالتة،2011، ص11.[3]
ـ د. عبد الرزاق السنهوري،الوسيط في شرح القانون المدني، الجزء الاول مصادر الالتزام،2007، ص534.[4]
- د. محمد صبري السعدي، الواضح في شرح القانون المدني الجزائري ، النظرية العامة للالت ا زمات، مصادر الالتزام، ([5]
. العقد و الاراردة المنفردة؛ دار الهدى ، الجزائر ، ص ،311
- سليمان مرقس ، المرجع السابق ، ص .247 [6]
- عبد الرزاق أحمد السنهوري ، الوسيط في شرح القانون المدني الجديد ، الجزء الأول، المرجع السابق ، ص . 990 ([7]
التعديل الأخير بواسطة المشرف:
اسم الموضوع : بحت حول المسؤولية المدنية بشكل عام
|
المصدر : القانون المدني