هو مجموعة قواعد قانونية مطبقة على العلاقات بين الدول وبين أعضاء المجتمع الدولي كالمنظمات الدولية. وسمي بالقانون الدولي لتمييزه على القانون الداخلي الذي يطبق داخل حدود الدولة على الأفراد الذين يخضعون لسلطتها.
تعريف القانون الدولي الإنساني
هو فرع من فروع القانون الدولي العام تهدف قواعده إلى حماية الأشخاص الذين لا يشاركون في القتال أو كفوا عن المشاركة فيه, والى حماية الأموال التي ليست لها علاقة مباشرة بالعمليات العسكرية. كما أنه يقيد حق اختيار الوسائل و الأساليب المستعملة في الحرب.
و القانون الدولي الإنساني يعرف أيضا تحت اسم " قانون الحرب " أو " قانون النزاعات المسلحة " و هو لا يطبق الا في حالة النزاع المسلح الدولي أو النزاع المسلح غير الدولي.
يشمل القانون الدولي الإنساني 4 اتفاقيات جنيف الأربعة لسنة 1949 و بروتوكولين إضافيين لسنة 1977 :
- اتفاقية جنيف الأولى لتحسين حال الجرحى و المرضى بالقوات المسلحة في الميدان
- اتفاقية جنيف الثانية لتحسين حال جرحى و مرضى غرقى القوات المسلحة في البحار
- اتفاقية جنيف الثالثة بشأن معاملة أسرى الحرب
- اتفاقية جنيف الرابعة بشأن حماية الأشخاص المدنيين في وقت الحرب
- اللحق ( البروتوكول ) الأول الإضافي إلى اتفاقيات جنيف الخاص بحماية ضحايا النزاعات المسلحة الدولية
- اللحق ( البروتوكول ) الثاني الإضافي إلى اتفاقيات جنيف الخاص بحماية ضحايا النزاعات المسلحة غير الدولية
تعريف حقوق الإنسان
حقوق الإنسان هي ضمانات قانونية عالمية لحماية الأفراد و الجماعات من إجراءات الحكومات التي تحمي الحريات الأساسية و الكرامة الإنسانية و التي تمكن الإنسان أن يحيا بكرامة كبشر و تحرره من الخوف و من الحاجة.
لحقوق الإنسان عدة تعريفات
- " هي الحد الأدنى من الاحتياجات اللازمة للحفاظ على الكرامة الإنسانية و التي تمكن الإنسان أن يعيش بكرامة كبشر "
- " مجموعة الاحتياجات أو المطالب التي يلزم توافرها بالنسبة إلى عموم الأشخاص و في أي مجتمع, دون أي تمييز بينهم – في هذا الخصوص – سواء لاعتبارات الجنس أو النوع أو الجنس أو العقيدة السياسية أو الأصل الوطني أو لأي اعتبار آخر "
- كما عرفها صاحب جائزة نوبل البروفسر رينيه كاسان بأنها " فرع خاص من فروع العلوم الاجتماعية يختص بدراسة العلاقات بين الناس, استنادا إلى كرامة الإنسان, بتحديد الحقوق و الرخص الضرورية لازدهار كل كائن إنساني ".
يشمل القانون الدولي لحقوق الإنسان عدة اتفاقيات دولية و إقليمية توفر عدة حقوق سياسية و مدنية و اقتصادية و اجتماعية و ثقافية نذكر منها:
- أهم النصوص الدولية
- الإعلان العالمي لحقوق الإنسان لسنة 1948
- العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية و السياسية لسنة 1966
- العهد الدولي الخاص بالحقوق الاقتصادية و الاجتماعية و الثقافية لسنة 1966
- اتفاقية مناهضة جريمة الإبادة لسنة 1948
- اتفاقية مناهضة التمييز العنصري لسنة 1965
- اتفاقية حقوق المرأة لسنة 1979
- اتفاقية مناهضة التعذيب لسنة 1984
- اتفاقية حقوق الطفل لسنة 1989
- اتفاقية حماية جميع العمال المهاجرين و أفراد أسرهم لسنة 1990
- أهم الاتفاقيات الإقليمية لحماية حقوق الإنسان
- الاتفاقية الأوروبية لحماية حقوق الإنسان لسنة 1950
- الاتفاقية الأمريكية لحماية حقوق الإنسان لسنة 1969
- الميثاق الإفريقي حقوق الإنسان و الشعوب 1981
- إعلان القاهرة لحقوق الإنسان في الإسلام لسنة 1990
- الميثاق العربي لحقوق الإنسان المعدل لسنة 2004
العلاقة بين القانون الدولي الإنساني و حقوق الإنسان
بعض أوجه الاختلاف :
- القانون الدولي الإنساني يطبق في الحرب بينما يطبق القانون الدولي لحقوق الإنسان في السلم
- هناك اختلاف في النشأة القانونية فالقانون الدولي الإنساني نشاء مع أول اتفاقية جنيف لحماية الجرحي و المرضى بالقوات المسلحة في الميدان عام 1864 بينما نشاء القانون الدولي لحقوق الإنسان مع الإعلان العالمي لحقوق الإنسان لعام 1949
- هناك اختلاف في الصكوك التي صدرت عنهما
- اختلاف في طريقة عمل الهيئات المشرفة عن كلا القانونين
هذه بعض الإختلافات إلا إن هناك عدة مبادئ مشترك بين القانون الدولي الإنساني و القانون الدولي لحقوق الإنسان. اللذان يهدفان في نهاية المطاف إلى حماية الإنسان و الحد من البربرية في حالات السلم و الحرب.
بعض أوجه الشبه :
- عدم التمييز في حماية الضحايا
- حصانة الذات البشرية أي احترام الحق في الحياة
- حظر التعذيب
- الملكية الفردية محمية و مضمونة
- احترام المعتقد و العادات و حماية الشرف و الحقوق العائلية
- احترام الضمانات القضائية
ونجد هذه الضمانات و الحماية في القانونين
الشرع:
في القانون الدولي : نص رسمي تحدد فيه الحقوق وتعلن فيه المبادئ الكبرى – مصطلح مطابق لكلمة معاهدة المعاهدة :
بين دولتين مستقلتين أو أكثر ، توقع أولاً من ممثلي الدول المعنية ثم تبرم رسمياً بعد ذلك من الجهات العليا المختصة في الدول المذكورة ، وهي تعتبر بالنسبة للدول الموقعة قانوناً وعقداً في آن واحد ، وللمعاهدة قوة قانونية تأتي مباشرة بعد الدستور .
الاتفاقية :
هي مجموعة من الإلزامات تضعها مجموعة دولية ، والتي لا تلزم إلا الدول التي تخضع لها عن طواعية بانضمامها إليها . الاتفاقية لا تدخل حيز التنفيذ إلا بعد مصادقة عدد معين من الموقعين . بعد المصادقة يصبح للاتفاقية قوة الإلزام بالنسبة للدول المصادقة عليها .
هناك اتفاقيات لها صلاحية عالمية ( شرعة الأمم المتحدة، المعاهدات الدولية الخاصة بحقوق الإنسان...) أو لها صلاحية إقليمية ( الاتفاقية الأوروبية لحقوق الإنسان 1950، الاتفاقية الأمريكية لحقوق الإنسان 1969...).
الإعلان :
نص رسمي تعلن فيه المبادئ الكبيرة الأهمية والتي لها قيمة دائمة ، ولكن ليست لها قوة قانونية ملزمة ، مثال : الإعلان العالمي لحقوق الإنسان لسنة 1948م كان له تأثير في العالم بأسره وكان يمثل مرجعاً بالنسبة للعديد من الدساتير والقوانين الوطنية .
فالإعلان إذن هو مجموعة مبادئ ويضمن التزاما أدبيا لا قانونيا.
الميثاق :
يوافق مصطلح اتفاقية ومعاهدة في القانون الدولي : هو اتفاق دولي ملزم قانوناً للدول التي تصادق عليه . مثال : ميثاق عُـصبة الأمم (1919م) ، ميثاق الأمم المتحدة ( 1945 )
البروتوكول :
مصطلح موافق لاتفاق بين الدول له نفس القيمة القانونية للاتفاق في القانون الدولي : البروتوكول يشير إلى اتفاق يكمل اتفاقاً سابقاً . مثال : البروتوكول المضاف للعهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية ، البروتوكولات المضافة للاتفاقية الأوروبية لحقوق الإنسان .
التصديق :
الموافقة على معاهدة أو اتفاقية من طرف أعضاء ذوي كفاءة لإلزام الدولة . يمكن للتصديق أن يشمل تحفظات . مثال : في فرنسا رئيس الدولة هو الذي يصادق على الاتفاقيات ، غير أنه في بعض النصوص " لا يمكن الموافقة على اتفاقية والتصديق عليها إلا حسب القانون " ، إذا بمشاركة البرلمان : المادة 53 من دستور سنة 1958م .
ولكي تدخل حيز التنفيذ ، يجب أن يتوفر عدد أدنى من المصادقات . مثال 35 مصادقة لميثاق 1966م ، 10 مصادقات للبروتوكول المضاف الخاص بالحقوق المدنية والسياسية ، 15 مصادقة للاتفاقية الأوروبية .
التوصيات :
في القانون الدولي : نص دولي ليس له مبدئياً قوة ملزمة للدول الأعضاء ولا يؤدي إلى أي التزام ، هو يقدم فقط توجيهات ويقترح أولويات للعمل .
الشكوى :
هي مطلب كتابي يقدم لجهة دولية أو لجهة قضائية ، مثال : الاتفاقية الأوروبية تفترض إمكانية أن يقدم أي فرد أمام المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان بشرط أن يتم استنفاذ جميع طرق الطعن الداخلية قبل توجيه الشكوى إلى المحكمة .
التحفظات :
في القانون الدولي : إعلان كتابي ، يقدم من طرف إحدى الدول ، حيث يقصي مادة بند من الاتفاقية أو المعاهدة
هذه التقنية كثيرة الاستعمال في الاتفاقيات التي تلزم العديد من الأطراف ، وهي تمكن من كسب التزام أكبر عدد ممكن من الدول ومن تسهيل احترام التطابق بين القانون الداخلي للدولة والإلزامات الدولية التي صادقت عليها تلك الدولة ، غير أن هذا المبدأ ينقص من إجرائية الاتفاقية وفي بعض الأحيان يفرغها من مضمونها ومن هدفها المعلن في ديباجتها .
نظام منظمة الأمم المتحدة
لحماية حقوق الإنسان
بدأت حركة تجميع و تقنين حقوق الإنسان مع جيل الحرب العالمية الثانية, و مع نشأت منظمة الأمم المتحدة سنة 1945 الذي أعطى ميثاقها لأول مرة قيمة عالمية لمبادئ حقوق الإنسان, و شدد على العلاقة الوثيقة بينها و بين صون السلم و الأمن الدوليين, و تعزيز التنمية الاجتماعية و الاقتصادية, فجاءت الفقرة 3 من المادة الأولى من الميثاق لتوضح أن أحد مقاصد هذه المنظمة هو " تحقيق التعاون الدولي على حل المسائل الدولية ذات الصيغة الاقتصادية و الثقافية و الإنسانية و على تعزيز احترام حقوق الإنسان و الحريات الأساسية للناس جميعا و التشجيع على ذلك إطلاقا بلا تمييز بسبب الجنس أو اللغة أو الدين و لا تفريق بين الرجال و النساء " . وسعيا لتحقيق هذه الأهداف " يتعهد جميع الأعضاء بأن يقوموا منفردين أو مشتركين, بما يجب عليهم من عمل, بالتعاون مع الهيئة لإدراك المقاصد المنصوص عليها في المادة الخامسة و الخمسين" بما في ذلك العمل على أن يشيع في العالم احترام حقوق الإنسان و الحريات الأساسية للجميع, بلا تمييز بسبب الجنس أو اللغة أو الدين, و لا تفريق بين الرجال و النساء, و مراعاة تلك الحقوق و الحريات فعلا " .
ما فتئت حركة حقوق الإنسان, بعد تبني الجمعية العامة للأمم المتحدة للإعلان العالمي لحقوق الإنسان في 10كانون الأول/ ديسمبر 1948, تتقدم و تتطور على الصعيد العالمي و الإقليمي.
و قد ظهر على صعيد الأمم المتحدة عدد لابأس به من الصكوك و الآليات في مجال حماية و تطوير حقوق الإنسان شكلت ما يعرف اليوم بمنظومة الأمم المتحدة لحقوق الإنسان.
آليات منظمة الأمم المتحدة لحماية حقوق الإنسان
قامت منظمة الأمم المتحدة منذ تأسيسها سنة 1945 من انشأ نظام لحماية حقوق الإنسان, ركيزته عدد لا بأس به من المواثيق, و الصكوك التي تعتمد من أجل تنفيذها على نوعين من الآليات: تعاهدية و غير تعاهدية, و مازال هذا النظام في تطور مستمر من أجل تفعيل هذه الآليات و الوصول بها إلى المبتغى و هو تعزيز و حماية حقوق الإنسان على وجه المعمورة.
- الآليات التعاهدية لحماية حقوق الإنسان
من بين العديد من اتفاقيات حقوق الإنسان التي تبنتها الأمم المتحدة هناك 9 اتفاقيات فقط تنص على آليات للتطبيق التي هي عبارة عن لجان تسهر على تنفيذ بنود هذه الاتفاقيات و هي:
1ـ اتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز العنصري. اعتمدت من طرف الجمعية العامة للأمم المتحدة في 21/12/1965, ودخلت حيز التنفيذ في 4/1/1969. أنشأت لجنة تسمى " لجنة القضاء على التمييز العنصري ".
2ـ العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية الذي أعتمد في 16/12/1966, ودخل حيز التنفيذ في 23/3/1976. أنشأ لجنة تسمى " اللجنة المعنية بحقوق الإنسان ".
3ـ العهد الدولي الخاص بالحقوق الاقتصادية و الاجتماعية والثقافية الذي أعتمد في 16/12/1966, ودخل حيز التنفيذ في 3/1/1976. أنشأ المجلس الاجتماعي والاقتصادي لجنة تسهر على تنفيذ بنود هذا العهد وفقا لقراره رقم 17/1985 بتاريخ 28/5/1985 وتسمى هذه اللجنة " اللجنة المعنية بشأن الحقوق الاقتصادية و الاجتماعية و الثقافية ".
4ـ الاتفاقية الدولية لقمع جريمة الفصل العنصري و المعاقبة عليها التي اعتمدت في 30/11/1973, ودخلت حيز التنفيذ في 18/7/1976. أنشأت لجنة تسمى " الفريق الثلاثي لقمع جريمة الفصل العنصري و المعاقبة عليها ".
5ـ اتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة التي اعتمدت في 18/12/1979, و دخلت حيز التنفيذ في 3/9/1981. أنشأت لجنة تسمى " لجنة القضاء على التمييز ضد المرأة ".
6ـ اتفاقية مناهضة التعذيب وغيره من ضروب المعاملة أو العقوبة القاسية أو اللاإنسانية أو المهينة, اعتمدت في 10/12/1984, ودخلت حيز التنفيذ في 3/9/1987. أنشأت لجنة تسمى " لجنة مناهضة التعذيب ".
7ـ اتفاقية حقوق الطفل التي اعتمدت في 20/11/1989, ودخلت حيز التنفيذ في 2/9/1990. أنشأت لجنة تسمى " اللجنة المعنية بحقوق الطفل ".
8ـ الاتفاقية الدولية لمناهضة الفصل العنصري في الألعاب الرياضية التي اعتمدت في 10/12/1985, ودخلت حيز التنفيذ في 3/4/1988. أنشأت لجنة تسمى " لجنة مناهضة الفصل العنصري في الألعاب ".
9ـ الاتفاقية الدولية لحماية حقوق جميع العمال المهاجرين وأفراد أسرهم التي اعتمدت في 18/12/1990 , ودخلت حيز التنفيذ في 1/7/2003. أنشأت لجنة تسمى " لجنة حماية حقوق جميع العمال المهاجرين و أفراد أسرهم ".
تتألف هذه اللجان من خبراء مستقلين من ذوي المكانة الخلقية الرفيعة والمشهود لهم بالكفاءة العالية في ميدان حقوق الإنسان. ينتخبون من قبل الدول الأطراف في الاتفاقية لمدة 4 سنوات, يتراوح عدد خبراء اللجان من 18 عضو في أغلب اللجان إلى 10 في لجنة مناهضة التعذيب إلى 23 في لجنة القضاء على التمييز ضد المرأة و 15 في لجنة مناهضة الفصل العنصري في الألعاب.
أما اختصاصات هذه اللجان فهي متنوعة ومتعددة. قد يتشابه بعضها وقد تنفرد بعض اللجان ببعض الاختصاصات . لكن في ضوء التطور الحاصل على هذه الآليات و التنسيق فيما بينها في اجتماعات رؤساءها سنويا, قد تعمم كل الاختصاصات وتتوسع على كل اللجان. هذا ما نطمح إليه في المستقبل القريب.
أولا: الاختصاصات المشتركة بين اللجان
إن أهم الاختصاصات التي تشترك فيها اللجان أو غالبيتها هي:اختصاص دراسة التقارير و إصدار تعليقات عامة تفسر بنود الاتفاقية أو بعضها.
ا) دراسة التقارير
تمثل الوظيفة الأساسية للجنة في رصد تنفيذ الدول الأطراف لبنود الاتفاقية وذلك عن طريق دراسة التقارير المقدمة من الدول الأطراف دوريا وتسعى اللجنة من خلال هذه الدراسة إلى إقامة حوار بناء مع الدول الأطراف, وتحاول باستخدام مجموعة من الوسائل, تحديد ما إذا كانت المعايير الواردة في الاتفاقية مطبقة أم لا, و التعرف على الصعوبات و العراقيل بغية تقديم المساعدة عن طريق الاقتراحات و التوصيات التي ترفع إلى الدول والى الجمعية العامة عن طريق المجلس الاقتصادي والاجتماعي في التقرير السنوي.
رغم أن هذه الآلية تعاني من عدة عراقيل كعدم التزام الدول بتقديم تقاريرها أو التأخير في تقديم هذه التقارير و كذلك نوعية التقارير الرديئة و غير الكافية إلى جانب غياب هذه الآلية في عدة معاهدات حقوق الإنسان الهامة جدا كاتفاقية الوقاية و معاقبة جريمة الإبادة لسنة 1948 والاتفاقية الخاصة بالرق لسنة 1926 وغيرها.
إلا أننا نستطيع الجزم بان هذه الآلية تؤدي عدة وظائف مهمة لترقية وحماية حقوق الإنسان كوظيفة الاستعراض الأولي ووظيفة الرصد ووظيفة رسم السياسات ووظيفة الرقابة العامة ووظيفة التقييم ووظيفة الاعتراف بالمشاكل ووظيفة تبادل المعلومات .
ب) إصدار التعليقات
لقد لاحظت العديد من اللجان خلال مناقشتها لعدد من المسؤولين عند تقديم تقارير حكوماتهم تفاوتا واضحا في تفسير عدد من مواد الاتفاقية, و انطلاقا من كون أحد المهام المكلفة بها هذه اللجان هي إعداد التعليقات العامة على مواد الاتفاقية كلما دعت الحاجة و الضرورة إلى ذلك, بدأت هذه اللجان بإصدار شروح و تفاسير لبنود الاتفاقية لإزالة كل لبس و شك يتعلق بهدف و معنى و مضمون الاتفاقية. فضلا عن تحديد معاني المصطلحات الواردة بها.
يعتبر إصدار التعليقات مساهمة فعالة و وسيلة حاسمة الأهمية لإيجاد فقه وفهم مشترك لمواد الاتفاقية عند تطبيقها و عند إعداد التقارير و توفير أسلوب يسمح لأعضاء اللجان بالتوصل إلى اتفاق بتوافق الآراء فيما يتعلق بتفسير المعايير التي تجسدها الاتفاقية
ثانيا: الاختصاصات الخاصة ببعض اللجان
و تشمل هذه الاختصاصات مسألة التحقيق و تقصي الحقائق واستلام البلاغات الحكومية و استلام البلاغات الفردية. لكن من المؤسف أن بعض اتفاقيات حقوق الإنسان لا تشتمل على هذه الاختصاصات مثل العهد الدولي الخاص بالحقوق الإقتصادية و الاجتماعية و التقافية لعام 1966 و اتفاقية حقوق الطفل لعام 1989م وكان الأجدر تعميمها على كل اتفاقيات حقوق الإنسان.
ا) التحقيق و تقصي الحقائق
يقتصر هذا الإجراء فقط على لجنة القضاء على التمييز ضد المرأة بموجب المادة 8 من البروتوكول الاختياري لاتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة و على لجنة مناهضة التعذيب بمقتضى المادة 20 من اتفاقية مناهضة التعذيب. حيث أنه إذا تلقت اللجنة معلومات موثوقا بها ترى أنها تتضمن دلائل لها أساس قوي تشير إلى أن انتهاكات تمارس على نحو منتظم في أراضي دولة طرف ـ طالما لم تعلن الدولة المعنية إنها لا تعترف باختصاص اللجنة في هذا الشأن ـ فإنها تدعو الدولة الطرف المعنية إلى التعاون في دراسة هذه المعلومات, و تحقيقا لهذه الغاية إلى تقديم ملاحظات بصدد تلك المعلومات و إذا استوجبت ضرورة التحقيق, فانه يحق للجنة إيفاد عضو أو أكثر من أعضاءها إلى أراضي البلد المعني للالتقاء بالسلطات المعنية و ممثلي المنظمات غير الحكومية, و يقومون بزيارة أماكن الانتهاك وغيرها. و في هذه الزيارات الميدانية تسعى اللجنة دائما للحصول على موافقة الدولة المعنية.
ب) استلام البلاغات أو الشكاوى
سواء كانت من الحكومات أو من الأفراد. إن هذا الاختصاص تنفرد به 5 لجان تعاهدية هي كالآتي:
ـ " لجنة القضاء على التمييز العنصري ", بموجب الاتفاقية الدولية للقضاء على جميع أشكال التمييز العنصري التي اعتمدت في 21/12/1965 ودخلت حيز التنفيذ في 4/1/1969.
ـ " اللجنة المعنية بحقوق الإنسان ", بموجب البرتوكول الاختياري الملحق بالعهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية و السياسية الذي اعتمد في 16/12/1966 ودخل حيز التنفيذ في 23/3/1976.
ـ " لجنة مناهضة التعذيب ", بموجب اتفاقية مناهضة التعذيب وغير من ضروب المعاملة أو العقوبة القاسية أو اللاإنسانية أو المهينة التي اعتمدت في 10/12/1984 و دخلت حيز التنفيذ في 3/9/1987.
ـ " لجنة القضاء على التمييز ضد المرأة ", بموجب البروتوكول الاختياري لاتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة الذي اعتمد في 6/10/1999 ودخل حيز التنفيذ في 27/12/2000.
ـ " لجنة حماية حقوق جميع العمال المهاجرين و أفراد أسرهم ", بموجب الاتفاقية الدولية لحماية حقوق جميع العمال المهاجرين و أفراد أسرهم التي اعتمدت في 18/12/1990 ودخلت حيز التنفيذ في 1/7/2003
في إطار العهد الدولي الخاص بالحقوق الاقتصادية و الاجتماعية والثقافية أعدت اللجنة مشروع برتوكول اختياري يسمح بتقديم البلاغات لكنه لم يعتمد رسميا بعد.
إن هذه اللجان أعلاه تختص كلها في النظر في البلاغات أو الشكاوى و على الرغم من وجود بعض الاختلافات الإجرائية بين الآليات الخمسة. إلا إنها متشابهة كثيرا من حيث تصميمها وعملها. وتتلخص مراحل سير الشكاوى الفردية من النظر في القبول الشكلي لها الى دراسة موضوعها و تحديد الوقائع تم إصدار توصيات بشأنها ترفع الى الجمعية العامة للأمم المتحدة.
- الآليات غير التعاهدية
منذ تأسيسها تلقت لجنة حقوق الإنسان كما هائلا من الشكاوى الفردية و الجماعية حول انتهاكات حقوق الإنسان في العديد من الدول فما بين 1947 ـ 1957 تلقت ما يقرب من 65000 شكوى وهذا العدد تزايد ليصل بعض المرات إلى 20000 شكوى في السنة. لكن لم تستطع لجنة حقوق الإنسان من دراستها و ذلك راجع لعدم اختصاصها في المسألة ولعدم وجود أساس قانوني يسمح لها بذلك. وظلت الأمور على هذه الحال مدة 20 سنة حتى عام 1967 عندما سمح للجنة حقوق الإنسان ولجنتها الفرعية لمنع التمييز وحماية الأقليات من دراسة مسألة انتهاكات حقوق الإنسان وحرياته الأساسية في أي جزء من العالم وذلك وفقا للقرارين الشهرين للمجلس الاقتصادي و الاجتماعي : القرار رقم 1235 الصادر في 6 جوان 1967 الخاص بإنشاء مقررين خاصين و فرق عمل و القرار 1503 الصادر في 27 مايو 1970 الخاص بالبلاغات الفردية. كما سمح المجلس الاقتصادي و الاجتماعي أيضا في العديد من قراراته للجنة مركز المرأة بتلقي و دراسة الشكاوى الخاصة بالانتهاكات الجائرة و التمييزية ضد المرأة.
أولا: الإجراء 1503 ( الإجراء السري )
وسمي بالإجراء 1503 في الإشارة إلى رقم قرار المجلس الاقتصادي و الاجتماعي الذي أنشأه . وهو إجراء سري يسمح بتلقي و دراسة الشكاوى التي تكشف بالأدلة الموثوقة عن نمط ثابت من الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان, في أي دولة في العالم سواء كانت عضو في الأمم المتحدة أم لا وسواء وقعت أو صادقت على اتفاقيات حقوق الإنسان أم لا.
و قد أدخلت لجنة حقوق الإنسان في دورتها السادسة و الخمسون التي انعقدت سنة 2000 تعديلا كبيرا على هذا الإجراء و قام المجلس الاقتصادي و الاجتماعي باعتماد مشروع هذا التعديل في قراره 2000/3 المؤرخ في 16 حزيران/ يونيه 2000. و المشروح أدناه هو ما يسمى الإجراء 1503 المنقح. و تمر هذه الشكاوى عبر مراحل عديدة تتمثل في تقديم الشكوى إلى الفريق العامل المعني بالرسائل لدى اللجنة الفرعية لحماية و تطوير حقوق الإنسان تم إلى لجنة حقوق الإنسان التي تقوم بمعالجة الشكوى عبر عدة خيارات أهمها:
ـ إما شطب الشكوى و إسقاطها من الإجراءات ,
ـ الاحتفاظ بها قيد الدارسة في الدورة الثالية,
ـ الاحتفاظ بها قيد الاستعراض و تعين خبيرا مستقلا,
ـ إجراء تحقيق بشأنها و تعين لجنة لهذا الغرض شريطة موافقة الدولة صراحة و تقوم اللجنة بعرض تقريرها أمام لجنة حقوق الإنسان, وهذا الإجراء ناذر الاستعمال,
ـ إيقاف النظر في المسألة في إطار الإجراء 1503 ( الإجراء السري ) و تناولها بدلا عن ذلك في إطار الإجراء 1235 ( الإجراء العلني ) كتعين مثلا مقررا خاصا مثلما فعلت بالنسبة لغينيا الاستوائية,
ـ رفع توصية بشأنها إلى المجلس الاقتصادي و الاجتماعي, مثلما فعلت ذلك بالنسبة لهايتي.
ثالثا: الإجراء 1235
لقد ثم إنشاء هذا الإجراء وفقا للقرار 1235 الصادر عن المجلس الاقتصادي و الاجتماعي في 6 جوان 1967 و يعرف هذا الإجراء باسم الإجراء 1235 أو الإجراءات الخاصة.
إن الإجراءات الخاصة تجمع مجموعة من المقررين الخاصين وفرق عمل وممثلين و خبراء. وهذه الإجراءات ليست منبثقة عن معاهدات. بل يعنون هؤلاء الخبراء من طرف لجنة حقوق الإنسان و يهتمون بدراسة المسائل المتعلقة بحقوق الإنسان وكذلك بأوضاع خاصة في دولة معينة و يقترحون في هذه الوضعية السبل و الإمكانيات لتطوير و حماية حقوق الإنسان.
إن الإجراءات الخاصة هي القلب النابض داخل المنظومة الأممية لحماية حقوق الإنسان. لكن للأسف الشديد فان مؤتمر فيينا لسنة 1993 لم يمنحها العناية الكافية في توصياته.
هناك نوعان من الإجراءات الخاصة:
ـ الإجراءات حسب الموضوع ( ولاية حسب الموضوع ):
تتعرض إلى مسألة أو ظاهرة خاصة بحقوق الإنسان كظاهرة التعذيب أو الاختفاء القسري أو حرية الفكر و التعبير وغيرها.
ـ الإجراءات حسب البلد ( ولاية قطرية ):
أي داسة أوضاع عامة لحقوق الإنسان في بلد معين
ا) نشأة الإجراء 1235
جاء كنتيجة للانتهاكات الخطيرة و الثابتة لحقوق الإنسان في العديد من دول العالم في الستينيات في أفريقيا و أمريكا اللاتينية. ففي سنة 1967 قامت لجنة حقوق الإنسان بإنشاء فريق عمل لدراسة أوضاع حقوق الإنسان في جنوب إفريقيا وقامت في 1975 بإنشاء فريق عمل آخر لدراسة أوضاع حقوق الإنسان عقب الانقلاب الذي حدث في شيلي عام 1973, وفي 1979 عوض هذا الفريق بمقرر خاص و دامت ولايته إلى غاية 1990 أي بعد تنحي النظام و تعويضه بحكومة منتخبة في شيلي.
بدأت الإجراءات الخاصة أول ما بدأت بمعالجة أوضاع حقوق الإنسان في بلدان معينة لتمتد بعدها أيضا إلى دراسة ظاهرة معينة من ظواهر انتهاكات حقوق الإنسان. ففي سنة 1980 ثم تجربة الإجراءات حسب الموضوع لصالح مسألة هامة شغلت المجتمع الدولي آنذاك, هذه المسألة تمثلت في قضية خطيرة من الانتهاكات وهي الاختفاء القسري و اللاطوعي للأفراد. إن منظمة الدول الأمريكية كانت السباقة في معالجة ظاهرة الاختفاء القسري التي تعددت حالاتها في هذا القطر. فكان أول تقرير وضعته حول هذه الظاهرة في سنة 1968 ضد الأرجنتين وبعد ذلك ثم إنشاء فريق عمل من طرف اللجنة الأمريكية لحقوق الإنسان للتحقيق في ظاهرة الاختفاء القسري في الشيلي و الذي قدم تقررين في سنة 1976 و 1978. نلفت الانتباه هنا بأنه في نفس هذه الفترة الزمنية قدمت ثلاثة شكاوى ضد تركيا من طرف القبرص أمام اللجنة الأوروبية لحقوق الإنسان و التي اتهمت فيه تركيا باستعمال هذا الانتهاك ضد المعارضين.
تفاقم ظاهرة الاختفاء القسري دفعت بالجمعية العامة للأمم المتحدة سنة 1979 إلى تقديم توصية 173/33 إلى لجنة حقوق الإنسان من أجل النظر في هذه المسألة مما أدى باللجنة في سنة 1980 إلى إنشاء فريق عمل مكون من خمسة أعضاء من أجل دراسة مسألة الاختفاء القسري و اللاطوعي و تقديم تقرير حول ذلك إلى اللجنة.
و من هذا التاريخ إلى اليوم قامت لجنة حقوق الإنسان بتعين 36 مقررا خاصا منهم 14 ولاية قطرية أي حسب البلد و 22 حسب الموضوع كما قامت أيضا بإنشاء 8 فرق عمل . منها ثلاثة فرق عاملة مكونة من خبراء مستقلين ( الفريق العامل المعني بالاحتجاز التعسفي و الفريق العامل المعني بالاختفاء القسري و الفريق العامل المعني بالأشخاص المنحدرين من أصل إفريقي ) و خمسة فرق عمل دولي حكومي ( الفريق العامل المعني بالحق في التنمية و الفريق العامل المعني بالمسائل المرتبطة بالتكييف الهيكلي و الفريق العامل المعني بالحالات " الإجراء 1503 " و الفريق العامل المعني ببلورة مشروع بروتوكول اختياري لاتفاقية مناهضة التعذيب و الفريق العامل المعني ببلورة مشروع إعلان خاص بحقوق السكان الأصليين ).
لقد انصب اهتمام اللجنة من ذي قبل على الحقوق المدنية و السياسية و في الآونة الأخيرة انصب اهتمامها على الحقوق الاقتصادية و الاجتماعية و الواقع أن معظم الولايات المسندة منذ 1995 كانت في هذه المجالات.
ح) مهـــــــــــــامهم
إن عمل المقررين الخاصين يساعد على إعطاء أكثر فاعلية للمبادئ العامة الدولية لحقوق الإنسان و تطوير و حماية حقوق الإنسان عن طريق خلق قنوات للحوار البناء مع الدول و الحكومات و البحث عن التعاون و التنسيق في معالجة الانتهاكات. إن عملهم في الميدان يسمح بتسليط الأضواء على عدد كبير من الدول كما يسمح أيضا بإعطاء معلومات دقيقة حول وضعية حقوق الإنسان في هذه الدول. إن طريقة عملهم تسمح بدراسة موضوعية و معمقة للانتهاكات و تسمح لهم أي المقررين على تقديم توصيات و اقتراحات بناءة تساعد الدول على تبني القوانين و حل المشاكل و تجاوز العقبات في مجال حقوق الإنسان.
يمكن تلخيص طريقة عمل المقررين الخاصين في الخطوات التالية :
1ـ تلقي الشكاوى و جمع المعلومات
يمكن لأي فرد أو مجموعة أفراد أو منظمات غير حكومية الاتصال بالمقرر الخاص المعني أو بالفريق العامل من أجل تزو يديهم بالمعلومات أو تقديم شكاوى فردية لانتهاك معين يدخل في نطاق ولايتهم و لا تستلزم تقديم الشكاوى أو البلاغات شروط صارمة كتلك الموجودة في الآليات التعاهدية أو في الإجراء 1503, حيث لا يشترط عند تقديم الشكوى إلى المقرر الخاص أو فريق عمل استنفاذ كافة طرق الطعن الداخلية بل يكفي الكشف عن هوية الضحية أو الضحايا و عن تاريخ ارتكاب الانتهاك و المكان و الأشخاص المسؤولين عن الانتهاك و شرح موجز عن الحادثة و الأسباب...حينما تصل هذه المعلومات و البلاغات إلى المقرر الخاص المعني أو فريق عمل يقوم بالدخول في اتصال مباشر مع الدولة بهدف الاستفسار وطلب توضيحات و محاولة إيجاد حلول للانتهاك الحاصل و عادة ما يطلب المقرر الخاص أو فريق عمل المعلومات التالية من الدولة: معلومات عن صحة البيانات أو الرسائل و معلومات حول المحكمة أو الهيئة المسؤولة عن التحقيق و في بعض الحالات يطلب نتائج الفحص الطبي أو الطب الشرعي و هوية الشخص الذي قام بهذا الفحص و معلومات عن هوية مرتكبي الانتهاك ( شرطة, عناصر الجيش أو أفراد الدفاع الذاتي أو جماعات مسلحة خارجة عن رقابة الدولة...) و معلومات عن التحقيق التي قامت به الدولة و العقوبات أو الإجراءات الأخرى المسلطة على المسؤولين و معلومات عن حجم التعويضات إن وجدت أو إجراءات أخرى لإصلاح الضرر و في حالة عدم إجراء تحقيق أو عدم إنهاءه معلومات عن أسباب ذلك. هذا إلى جانب معلومات أخرى يراها المقرر الخاص أو فريق عمل تفيد في الوصول إلى كشف الانتهاك و جبره.
حينما يتلق رد من الدولة ترسل هذه الردود إلى مصدر المعلومة أو الضحية لتقديم ملاحظاتها عليها و ترسل ثانية إلى الدولة ويقوم المقرر أو فريق عمل بتلخيص هذه الردود في تقريره العام إلى لجنة حقوق الإنسان.
نريد الإشارة هنا إلى أن المنظمات غير حكومية تلعب دورا هاما جدا في تزويد المقررين الخاصين بالمعلومات حول أوضاع حقوق الإنسان أو حول ظاهرة معينة من الانتهاك. لذلك كان لزاما على هذه المنظمات أن تتحصل على قائمة بأسماء و عناوين المقررين و فرق عمل من أجل إعلامهم بشكل متواصل بالانتهاكات و التطورات الحاصلة في هذا المجال.
في الأخير هناك بعض المقررين الخاصين وفرق عمل لا يمكن لهم تلقي و دراسة الشكاوى الفردية: كالفريق العامل المعني بالحق في التنمية و المقرر الخاص المعني بالمرتزقة و المقرر الخاص المعني بسياسات التكيف الهيكلي و الديون الخارجية و الممثل الخاص للأمين العام المعني بالمشردين داخليا و الممثل الخاص للأمين العام المعني بمسألة إشراك الأطفال في النزاعات المسلحة.
2ـ الزيارات الميدانية
و تعرف أيضا بالزيارات القطرية أو بعثات تقصي الحقائق و تسمح هذه الزيارات للإجراء حسب الموضوع و الإجراء حسب البلد من التعرف عن قرب, و بطريقة معمقة على وضعية حقوق الإنسان, و على تسليط الضوء على عدد كبير من الدول الأعضاء في الأمم المتحدة و هذا يساعد كثيرا في احترام و تعزيز بعض الحقوق التي لا تتوفر على آلية للتطبيق و الرقابة. وتسمح ميزانية الأمم المتحدة بأن يزور الخبراء البلدان المعنية مرة أو مرتين في السنة, و تتم أيضا في بعض الأحيان ترتيبات خارجة عن الميزانية للقيام بمزيد من الزيارات. ويأتي طلب الزيارة إما بمبادرة شخصية من المقرر الخاص أو فريق عمل و إما بطلب من لجنة حقوق الإنسان عن طريق قرار محدد و واضح. إلا أنه لا يمكن لهؤلاء المقررين الدخول إلى أي بلد إلا بعد موافقة الدولة المعنية. هذا ما يجعل هذه الآلية تخضع دائما لإرادة الدولة و موافقتها .
تتلخص طريقة عمل المقررين الميدانية في القيام باتصالات مع أجهزة الدولة المعنية وكذا المجتمع المدني الممثل في الأحزاب و الجمعيات و المنظمات غير الحكومية و و سائل الإعلام و الشخصيات و كذا الضحايا و له أن يزور السجون و أماكن و مراكز الاحتجاز ويمكن للمقرر الخاص أن يطلب من السلطات الحكومية ضمانات بعدم التعرض إلى أي شخص قابله بالتهديد أو المضايقة أو العقاب أو الملاحقة القضائية.
لا يمكن لأي إجراء حسب الموضوع أثناء زيارته الميدانية التحقيق سوى حول نوع واحد من الانتهاكات و الذي يدخل في نطاق ولايته. فإذا تزامن و أن حصلت هناك انتهاكات أخرى لا تدخل ضمن اختصاصه يمكن له في هذه الحالة القيام بإعلان عام و إرسال توصياته و اقتراحاته إلى المقرر الخاص المعني بهذا أو ذاك الانتهاك بالقيام بتحقيق عاجل.
إن القيام بزيارات مشتركة بين الإجراءات حسب الموضوع فيما بينها من جهة و فيما بين الإجراءات حسب البلد من جهة أخرى ممكنة وقد ثم تجربتها بنجاح في النزاع اليوغسلافي حيث طلبت لجنة حقوق الإنسان من المقرر الخاص حول يوغسلافيا السابقة أن يتعاون و يقوم بزيارات ميدانية مشتركة مع المقرر الخاص حول التعذيب و المقرر الخاص حول المشردين داخليا. يعتبر هذا القرار الصادر عن لجنة حقوق الإنسان قفزة نوعية و بداية رائدة نحو تعزيز و تطوير حماية حقوق الإنسان ووضع حد للتوجه السابق و السائد القائل بعدم القيام بزيارة ميدانية لدولة تكون تحت زيارة ميدانية أخرى للمقرر الخاص حسب البلد. لكن المثال اليوغسلافي وضع حد لهذا التوجه. ونأمل أن تتكرر مثل هذه الزيارات المشتركة رغم خشيتنا من حدوث تضارب في التقارير حول نفس البلد, مثلما حدث مع الفلبيين سنة 1992 نتيجة لتضارب بين تقررين ميدانيين الأول للمقرر الخاص حول التعذيب و الثاني للمقرر الخاص حول الاختفاء القسري و اللاطوعي.
3ـ النداءات العاجلة
هذا الإجراء جاء كرد فعل على الانتهاكات الخطيرة على الأفراد و التي تتطلب تدخل سريع من قبل المقرر الخاص أو الفريق العامل لمنع حصول و استمرار الانتهاك كالتعذيب و التهديد بالموت و الحجز التعسفي و الاختفاء القسري و الطرد نحو بلد قد يتعرض فيها الفرد إلى ضرر لا يمكن جبره...فرغم أن الإجراءات الإستعجالية تنحصر في إرسال فاكس إلى الحكومة المعنية فإنها تعتبر خطوة مهمة و فعالة في الحد من الانتهاك. فإرسال إخطار إلى الحكومة معناه أن هذه الحالة هي متابعة من طرف المجتمع الدولي عن طريق الآليات الأممية مما يدفع بالدول إلى التريث و الإحجام عن ارتكاب أو استمرار في ارتكاب الانتهاك.
إن القيام بالنداءات العاجلة لا يستلزم استنفاذ طرق الطعن الداخلية. انه يتعلق بمجرد إجراء بسيط وسريع قد يؤدي إلى إنقاذ الضحية و الحد الفوري من الانتهاك ويوجه هذا النداء العاجل في الساعات الأولى من مجرد تلقي الخبر و قد تكون هذه النداءات العاجلة صادرة من عدة إجراءات حسب الموضوع أو حسب الموضوع و البلد في نفس الوقت مما يعطي دفعة قوية نحو حماية و تعزيز حقوق الإنسان . وقد يصل عددها سنويا إلى أكثر من 100 نداء
الإصلاحات الجديدة على منظومة حقوق الإنسان: مجلس حقوق الإنسان
تدخل مسألة تطوير منظومة الأمم المتحدة لحقوق الإنسان ضمن العديد من الإصلاحات التي طرحت ومازالت داخل منظمة الأمم المتحدة ككل .
وإن مسألة تطوير آليات حماية حقوق الإنسان وتعزيزها داخل المنظومة الأممية تدخل ضمن مسيرة تاريخية بدأت منذ إنشاء لجنة حقوق الإنسان عام 1946م ، ومن ثم ظلت هذه الآليات تتطور باستمرار ، ويمكن الجزم بأنه لولا هذا التطور لمات هذا النظام واندثر ، فتطويره مسألة حيوية لبقاءه ، فمنذ تأسيس لجنة حقوق الإنسان أوكلت لها مهمة واحدة فقط تتعلق بإيجاد معايير دولية لحماية حقوق الإنسان ، لكن أمام تفاقم مسألة انتهاكات حقوق الإنسان قرر المجلس الاقتصادي والاجتماعي منح اللجنة مهام أخرى عرفت باسم الإجراءات الخاصة .
إن الإصلاحات الجديدة المتمثلة في إنشاء مجلس لحقوق الإنسان يخلف لجنة حقوق الإنسان جاءت نتيجة لهذا التطور المستمر ، فكثرت الملفات وتشعب القضايا والإجراءات ، أوجب إحداث تغيير على تشكيلة وطرق ومدة عمل لجنة حقوق الإنسان .
فرغم الدور الذي لعبته لجنة حقوق الإنسان على مدى (61) عاماً ، إلا أن ازدواجية المعايير بداخلها وتسيـيس – في بعض الأحيان – عملها أدى إلى ضرورة تعويضها بجهاز يبتعد عن المصالح السياسية الضيقة وعلى الانتقائية في التعامل مع الانتهاكات .
إن إنشاء مجلس حقوق الإنسان لابد أن لا يعطي الشعور بالبدء من الصفر ، ذلك أن منظومة حقوق الإنسان بدأت منذ إنشاء منظمة الأمم المتحدة ، وإن المجلس ورث عملاً ضخماً من لجنة حقوق الإنسان لابد أن يحافظ عليه ويطوره ويدفع عنه الشوائب .
1) تأسيس مجلس حقوق الإنسان
قررت قمة الأمم المتحدة لعام 2005م التي عقدت في سبتمبر / أيلول 2005م ، على أنه ينبغي استبدال لجنة حقوق الإنسان ليحل محلها مجلس جديد لحقوق الإنسان نظراً لما عانته اللجنة من "عجز في المصداقية" بسبب سياسة الكيل بمكيالين والتسيـيس والانتقائية أو باحتضان دول يرى البعض أن سجلاتها في مجال حقوق الإنسان لا تسمح لها بالمشاركة في أكبر محفل أممي لحماية حقوق الإنسان .
وفي 15 مارس / آذار 2006م تبنت الجمعية العامة للأمم المتحدة القرار رقم (251/60/RES/A) القاضي بإنشاء مجلس حقوق الإنسان اعترافاً من جانب الحكومات في الجمعية العامة بأنه يتعين تكليف هيئة رفيعة المستوى في الأمم المتحدة بجهود حماية حقوق الإنسان وتعزيزها .
في 9 مايو / أيار 2006م انتخبت الجمعية العامة(47) دولة لعضوية المجلس من بين (63) دولة مرشحة ، ولكسب المقعد كان على كل من الدول المرشحة الحصول على الأغلبية المطلقة من أصوات الجمعية العامة ، أي على ما لا يقل عن (96) صوتاً ، ما شدد من شروط العضوية بالمقارنة مع انتخابات أعضاء لجنة حقوق الإنسان التي كانت تستوجب الحصول على أغلبية الأصوات في المجلس الاقتصادي والاجتماعي فحسب (27 فقط) ، كما تشترط الفقرة (8) من قرار الجمعية العامة المنشأ لمجلس حقوق الإنسان على أنه : "عند انتخاب أعضاء المجلس ، يتعين على الدول الأعضاء أن تأخذ في الحسبان إسهامات الدول المرشحة في تعزيز وحماية حقوق الإنسان وتعهداتها والتزاماتها الطوعية تجاه هذه الحقوق" ، لهذه الأسباب قدمت جميع الدول المرشحة تعهدات طوعية بالتزامات من أجل تعزيز حقوق الإنسان وحمايتها على الصعيدين الوطني والدولي والتعاون مع الإجراءات الخاصة بحقوق الإنسان ومن ذلك على سبيل المثال أن :
o من بين الدول الست المرشحة غير الأطراف في العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية ، والعهد الدولي الخاص بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية ، تعهدت دولتان مرشحتان تحديداً بالعمل على التصديق على العهدين .
o مالا يقل عن (17) دولة تعهدت أن تصبح دولاً أطرافاً في البروتوكول الاختياري الملحق باتفاقية مناهضة التعذيب (الذي يتضمن أحكاماً تتصل بالآليات الوطنية والدولية للوقاية من التعذيب) ، بينما تعهدت تسع دول بالتصديق على واحد من البروتوكولين الاختياريين الملحقين باتفاقية حقوق الطفل .
o ست دول تعهدت بسحب تحفظاتها على معاهدات حقوق الإنسان .
o دولتين وجهتا ، وللمرة الأولى ، دعوة مفتوحة دائمة لخبراء الأمم المتحدة لحقوق الإنسان والإجراءات الخاصة كيما يزوروهما .
كل هذه التعهدات نشرت على الموقع الالكتروني للأمم المتحدة ، من ما أحاط الانتخابات بدرجة من الشفافية لم تـعهدها الأمم المتحدة من قبل .
2) تشكيلة المجلس
يحل مجلس حقوق الإنسان – ومقره جنيف – محل لجنة حقوق الإنسان بوصفه هيئة فرعية تابعة للجمعية العامة للأمم المتحدة ، ويتكون من (47) دولة عضو حسب التوزيع الجغرافي العادل ، وتوجد في المجلس الحالي سبع دول عربية ، وتوزع مقاعد المجلس بين المجموعات الإقليمية على النحو التالي : (13) للمجموعة الإفريقية ، (13) للمجموعة الآسيوية ، (6) لمجموعة أوروبا الشرقية ، (8) لمجموعة أمريكا اللاتينية ، (7) لمجموعة أوروبا الغربية ، ودول أخرى . وتمتد فترة ولاية أعضاء المجلس ثلاث سنوات ولا يجوز إعادة انتخابهم مباشرة بعد شغل ولايتين متتاليتين (الفقرة 7) ، ويتحلى الأعضاء المنتخبون في المجلس بأعلى المعايير في تعزيز وحماية حقوق الإنسان ، وأن يتعاونوا مع المجلس تعاوناً كاملاً ويخضعون للاستعراض بموجب آلية الاستعراض الدوري الشامل خلال فترة عضويتهم (الفقرة 9) ، ويجوز للجمعية العامة أن تقرر بأغلبية ثلثي الأعضاء تعليق عضوية أي عضو في مجلس حقوق الإنسان إذا أرتكب انتهاكات جسيمة ومنهجية لحقوق الإنسان . يجتمع المجلس بانتظام خلال العام في ثلاث جلسات على الأقل بينها جلسة رئيسية تمتد فترة لا تقل مدتها عن عشرة أسابيع ، ويجوز له عقد جلسات استثنائية عند الضرورة بناءً على طلب من أحد أعضاء المجلس، ويحظى بتأييد ثلث أعضاء المجلس (الفقرة 10) مما يسمح للمجلس بالتجاوب بسرعة أكبر وبفعالية مع الحالات الخطيرة والعاجلة ، وكذلك بمتابعة دائمة ومستمرة للقضايا التي باشر العمل بشأنها . هذا ونشير إلى أن الجمعية العامة للأمم المتحدة ستستعرض وضع هذا المجلس وتقيـيم عمله في غضون (5) سنوات (الفقرة 1) ، ولقد عقد المجلس أول دورة له خلال الفترة من 19 إلى 30 يونيو / حزيران 2006م ، ودورة استثنائية لمعالجة الوضع في فلسطين خلال الفترة من 5 إلى 6 يوليو / تموز 2006م .
3) المهام والصلاحيات :
حسب القرار رقم (251/60/A) فإن المجلس يتمتع بصلاحيات واسعة في تعزيز حقوق الإنسان وحمايتها ، بما في ذلك التصدي للانتهاكات الجسيمة والمنهجية ، والإسهام في منع انتهاكات حقوق الإنسان ، والرد السريع على حالات حقوق الإنسان الطارئة ، ووفقاً للفقرة (6) من نفس القرار يقوم المجلس بالاضطلاع بجميع ولايات وآليات ومهام ومسئوليات لجنة حقوق الإنسان وباستعراضها وكذلك عند الاقتضاء تحسينها وترشيدها ، وذلك بهدف المحافظة على نظام للإجراءات الخاصة وعلى مشورة الخبراء والإجراءات المتعلقة بالشكاوى ، وينجز المجلس هذا الاستعراض في غضون عام واحد من انعقاد دورته الأولى ، ولقد تقرر في الدورة الأولى للمجلس التي انعقدت من 19 إلى 30 يونيو / حزيران 2006م ، إنشاء فريق عمل سيتولى مراجعة عمل المقررين الخاصين من أجل تعزيز عملهم وسد النقائص في طرق عملهم وصلاحياتهم .
إن إحدى أهم الصلاحيات الجديدة للمجلس هي "آلية المراجعة الدورية الشاملة" ، إذ يتعين أن تخضع جميع الدول الأعضاء دون استثناء وبصفة دورية لهذه المراجعة التي تستند إلى معلومات موضوعية وموثوق بها لمدى وفاء كل من الدول الأعضاء بالتزاماتها وتعهداتها في مجال حقوق الإنسان (الفقرة 5هـ) ولقد تبنى مجلس حقوق الإنسان في دورته الأولى قرار يقضي بإنشاء فريق عمل يعمل على وضع أساليب وحدود زمنية لهذه الآلية .
يجب على مجلس حقوق الإنسان أن لا يكتفي بهذه الصلاحيات والآليات لمعالجة مسألة انتهاكات حقوق الإنسان بل يجب أن يتعداه إلى تحسين الآليات الموجودة وتعزيزها وتطوير آليات أخرى وإلى تطوير جانب النهوض بالتـثـقـيف والتعليم في مجال حقوق الإنسان ، فضلاً عن الخدمات الاستشارية والمساعدة التقنية وبناء القدرات ، وتشجيع الحوار والتعاون مع الحكومات ومنظمات المجتمع المدني بما يكفل احترام حقوق الإنسان والحد من الانتهاكات .
إن الامتحان الأول الذي مر به المجلس في دورته الأولى (19 – 30 يونيو / حزيران 2006م) كان ناجحاً حسب رأينا حيث نتجت عنه قرارات هامة .
o قرار المجلس بالسماح للمقررين الخاصين التابعين له بمواصلة صلاحياتهم لمدة عام ، لحين الانتهاء من مراجعة عمل هؤلاء الخبراء الموضوعين (أي حسب الموضوع) والخبراء والقطريين .
o قرار المجلس باستحداث فريقين عاملين يعتني الأول بوضع أساليب وحدود زمنية للآلية الجديدة المسماة "آلية المراجعة الدورية الشاملة" والفريق الثاني يعتني بمراجعة وتطوير عمل الإجراءات الخاصة .
o قرار المجلس بالإجماع باعتماد "الاتفاقية الدولية لحماية جميع الأشخاص من الاختفاء القسري" .
o قرار المجلس بأغلبية الأصوات باعتماد "إعلان الأمم المتحدة بشأن حقوق الشعوب الأصلية" .
o قرار المجلس بالمضي خطوة أخرى إلى الأمام باتجاه استحداث آلية للشكاوى في صورة بروتوكول اختياري ملحق "بالعهد الدولي الخاص بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية" وذلك بمد صلاحيات الفريق العامل المعني بإنشاء مشروع أولي لهذا البروتوكول .
o قرار المجلس بعقد جلسة استثنائية لمناقشة أوضاع حقوق الإنسان في الأراضي الفلسطينية المحتلة ، وبالفعل عقد المجلس هذه الجلسة خلال الفترة من 5 – 6 يوليو / تموز 2006م وأقر بإنشاء بعثة لتقصي الحقائق برئاسة المقرر الخاص المكلف بالانتهاكات في الأراضي الفلسطينية المحتلة .
كل هذه القرارات والإجراءات التي اتخذها المجلس في جلسته الأولى تعطي الأمل في الدور الكبير الذي يمكن للمجلس أن يقوم به خلال المرحلة القادمة وتجنب تصرفات الماضي ، ويترجم هذا الأمل خطاب الأمين العام للأمم المتحدة أمام مجلس حقوق الإنسان يوم 19 يونيو / حزيران 2006م بالقول : ".... إن هذا المجلس في الوقت الحاضر جهاز فرعي تابع للجمعية. غبر أن الجمعية ستستعرض وضعه في غضون خمس سنوات. وسأسمح لنفسي بالأمل – وأعتقد أنه ينبغي لهذا الأمر أن يكون مطمحكم – بأن يكون عملكم قد أدى بعد خمس سنوات إلى ترسيخ سلطة مجلس حقوق الإنسان ترسيخا شديد الوضوح لدرجة تبلور إرادة عامة بتعديل الميثاق و رفع مكانة المجلس لجعله جهازا رئيسيا من أجهزة الأمم المتحدة..."
سلطات الإدارة في الصفقات العمومية
محاضرات الأستاذ الدكتور عمار بوضياف
المادة القانون الإداري
المحور العقود الإدارية
العنوان:
سلطات الإدارة في الصفقات العمومية
إنّ أبرز مظهر تتميّز به الصفقات العمومية عن غيرها من العقود وخاصة المدنية والتجارية أن الصفقة العمومية تخوّل جهة الإدارة ممارسة جملة من السلطات تتمثّل في سلطة الإشراف والرقابة وسلطة التعديل وتوقيع الجزاءات وسلطة إنهاء الصفقة. نفصل هذه السلطات فيما يلي:
المبحث الأول: سلطة الإشراف والرقابة.
يقصد بسلطة الإشراف تحقّق الإدارة من أنّ المتعاقد معها يقوم بتنفيذ التزاماته العقدية على النحو المتفق عليه. أمّا سلطة الرقابة فتتمثّل في حق الإدارة في التدخل لتنفيذ العقد وتوجيه الأعمال واختيار طريقة التنفيذ في حدود الشروط وضمن الكيفيات المتفق عليها في العقد.
وتجد هذه السلطة أساسها في فكرة المرفق العام، لا النصوص التعاقدية. فهي ثابتة للإدارة حتى ولو لم ينص عليها العقد. وهنا يبرز الفرق الواضح بين العقد الإداري والعقد المدني، إذ أنّ هذا الأخير لا يخوّل سلطة للمتعاقد إلا إذا تمّ النّص عليها في العقد أو قرّرها القانون، بينما العقد الإداري يخوّل للإدارة سلطة الإشراف والتوجيه وإن لم ينص في العقد على ذلك وهذا بهدف ضمان تلبية الحاجات العامة وحسن أداء الخدمة العامة وضمان حسن سير المرافق العامة.
وتعتبر سلطة الإشراف والرقابة من النظام العام لا يمكن الاتفاق على مخالفتها لأنّها قررت للمصلحة العامة. كما لا يمكن لجهة الإدارة التنازل عنها. فهي ليست بالامتياز الممنوح للإدارة في حد ذاتها بوصفها سلطة عامة، بل قررت سلطة الإشراف والرقابة لحماية المال العام وضمان حسن سير المرافق العامة. وغالبا ما تشترط الإدارة ضمن بنود صفقاتها أو في دفاتر الشروط العامة والخاصة حقّها في إصدار التعليمات.
ويتجسد ذلك أكثر في عقود الأشغال العامة بالنظر لطبيعته الخاصة وكون أنّ تنفيذه يستغرق مدة زمنية طويلة. غير أنّ سلطة الإشراف والرقابة وإن كانت ثابتة بالنسبة لجهة الإدارة ومقرّرة في سائر العقود الإدارية، إلا أنّ ممارستها تختلف من حيث المدى بين صفقة وأخرى فسلطة الإشراف والرقابة تبرز أكثر، ويتسع مجالها ومداها في عقود الأشغال وهذا بالنّظر لطابعها الخاص كونها تكلّف خزينة الدولة مبالغ ضخمة. ثمّ أنّها تحتاج إلى متابعة مستمرة ومتواصلة تفاديا لأيّ خروج عن ما تمّ التعاقد بشأنه من جانب المقاول أو مؤسسة التنفيذ.
وعلى ذلك فعقد الأشغال بطبيعته يفرض تدخل مندوب الإدارة للإشراف على التنفيذ فيكون بمثابة المدير الحقيقي للعمل والمشرف العام عليه. وينقلب المقاول إلى جهة تنفيذ التعليمات الصادرة عن مندوب الإدارة.
وبهدف إجراء التوازن بين ممارسة الإدارة لسلطتها وضمان حقوق المتعاقد معها يجوز للمقاول المعني اللجوء للقضاء الإداري بهدف إلغاء قرار يتعلّق بتعليمة تخص تنفيذ عقد أشغال، أو أن يرفع دعوى تعويض عن الأعباء المالية الناتجة عن تنفيذ هذه التعليمات. لذلك ذهبت المحكمة العليا في مصر في قرار لها صدر بتاريخ 16-02-1978 إلى القول : " وإن كانت المادتان 11-12 من عقد حفر أبار المبرم بين جهة الإدارة والمقاول تخولان الإدارة إصدار الأوامر والتعليمات، إلا أنه يشترط لذلك أن تكون هذه التعليمات لازمة لتنفيذ العمل على الوجه الصحيح، فإن تبين أن هذه التعليمات تتضمن أمورا لا تتفق مع أصول الفن كان من حق المقاول أن يعترض على هذه التعليمات وأن يبيّن أنّها تخالف أصول الفن...".
وهو ما يؤكد لنا أن سلطة الإشراف والتوجيه والرقابة ليست مطلقة لأن إطلاقها يؤدي إلى تعسف جهة الإدارة ومبالغتها في إصدار التعليمات والأوامر بما قد يضر بالمتعاقد معها خاصة من الناحية المالية.
أمّا التوريد فطبيعته تفرض أن تتخذ سلطة الإشراف مظهرا آخر أقل شدة من الأول. فالأمر يتعلق بمواد أو منقولات يلزم المتعاقد بأن يضعها تحت تصرف الإدارة.ومن حق مندوب الإدارة رفض استلام المواد أو المعدات التي لا تنطبق عليها المواصفات المتفق عليها في العقد.
وكذلك حق الامتياز يتخذ الإشراف فيه شكلا خاصا ومميزا. فالإدارة تراقب نشاط المرفق المسير بطريق الامتياز للتأكد عما إذا كان الملتزم يعمل وفقا للشروط الواردة في العقد أم أن هناك خرف من جانبه لأحد البنود العقدية فتتخذ الإجراءات القانونية.كأن يتعلق الأمر بإخلاله مثلا بالرسوم المتفق عليها وتجاوزه للحد المتفق عليه. أو يتعلق الأمر بتمييزه بين المنتفعين من خدمات المرفق وهكذا ...
المبحث الثاني: سلطة التعديل.
تعد سلطة التعديل أحد أهم مظاهر تميّز العقد الإداري عن غيره من عقود القانون الخاص. فإذا كان أطراف العقد المدني لا يتمتع أيا منهم بسلطة انفرادية تجاه الآخر يمكنه من تعديل أحكام العقد بإرادة واحدة وإلزام الطرف الآخر بهذا التعديل. فإنّ العقد الإداري وخلاف القواعد المعمول بها في مجال القانون الخاص يمكن جهة الإدارة تعديله بإرادتها المنفردة.
ويكاد فقه القانون والقضاء المقارن يجمع على أن كل العقود الإدارية قابلة للتعديل من جانب الإدارة لوحدها. وتأصيل ذلك يعود لحسن سير المرافق العامة. فتستطيع الإدارة إذا اقتضت المصلحة العامة وحسن سير المرفق العام أن تعدل في مقدار التزامات المتعاقد معها بالزيادة أو النقصان. وهذا الحق ثابت للإدارة ولو لم يتم النّص عليه في العقد.بل هو ثابت للإدارة وإن لم ينص عليه القانون صراحة. ذلك أنّ عقود القانون الخاص إذا كانت تقوم على فكرة المساواة بين طرفي العقد دون تمييز أو مفاضلة لطرف على طرف. فإنّ العقد الإداري وخلاف ذلك يقوم على فكرة تفضيل مصلحة على مصلحة .
ولما كانت الإدارة تمثّل جهة الطرف الّذي يسعى إلى تحقيق مصلحة عامة وجب أن تتمتع بامتياز تجاه المتعاقد معها تمثل في أحقيتها في تعديل العقد بإرادتها المفردة دون أن يكون للمتعاقد معها حق الاحتجاج أو الاعتراض طالما كان التعديل ضمن الإطار العام للصفقة واستوجبته المصلحة العامة وحسن سير المرفق العام .
وسلطة الإدارة في التعديل ليست مطلقة بل تمارس ضمن إطار محدد وضوابط دقيقة تتمثل فيما يلي:
1- أن لا يتعدى التعديل موضوع العقد:
لا شك أن الإدارة وهي تمارس سلطتها في التعديل تباشرها على نحو يراعي موضوع العقد الأصلي وان لا يتجاوزه. فلا يجوز لجهة الإدارة أن تتخذ من سلطة التعديل ذريعة أو مطية لتغيير موضوع العقد وإرهاق الطرف المتعاقد معها.
وعليه لا تستطيع الإدارة أن تعدل أحكام العقد على نحو يغير موضوعه. وإلا كنا أمام عقد جديد. ذلك أنّ المتعاقد مع الإدارة عندما قبل التعاقد معها، وألتزم بتنفيذ مضمون العقد في أجال محدّدة، فإنّه راعي في ذلك قدراته المالية والفنية. فإن أقبلت الإدارة على التغيير الموضوعي أو الهيكلي للعقد، فإنّ ذلك قد لا يناسب المتعاقد معها. ومن هنا وجب أن يكون التعديل من حيث المدى والأثر نسبيا بحيث لا يؤثر على العقد الأصلي.
2- أن يكون للتعديل أسباب موضوعية:
لا شك أنّ الإدارة وهي تباشر سلطتها في تعديل العقود الإدارية لا تتحرك من فراغ بل هناك عوامل تدفعها لتعديل هذا العقد أو ذاك. بهدف ضمان حسن سير المرافق العامة وتلبية الخدمة العامة للجمهور في أحسن وجه.
إنّ الإدارة العامة تتعاقد في ظل ظروف معيّنة قد تتغير في مرحلة ما بعد توقيع العقد خاصة في العقود الإدارية التي تأخذ زمنا طويلا في تنفيذها كعقد الأشغال أو عقد التوريد. فإن تغيرت الظروف وجب الاعتراف للإدارة بحق تعديل العقد بما يتماشى والظروف الجديدة، وبما يراعي موضوع العقد الأصلي، ويلبي حاجات المنتفعين من خدمات المرفق العام.
3- أن يصدر قرار التعديل في حدود القواعد العامة للمشروعية:
إنّ الإدارة حين تقبل على تعديل صفقة ما، فإنّ وسيلتها في ذلك هي القرار الإداري. فتصدر السلطة المختصة قرارا إداريا بموجبه تعلن عن نيتها في تعديل صفقة عمومية. ووجب حينئذ أن تتوافر في هذا القرار سائر أركان القرار الإداري ليكون مشروعا. وهنا أيضا نسجل نقطة التقاء واقتران وتلازم أخرى بين نظرية القرار الإداري ونظرية الصفقات العمومية.
إنّ أعمال الإدارة وإن صنّفها الفقه إلى نوعين انفرادية من جهة، وتعاقدية من جهة ثانية، إلا أن العلاقة بينهما قائمة. إذ قد تصدر الإدارة قرارا إداريا له علاقة بصفقة عمومية. كالقرار المتعلق بأعمال جديدة واردة في صفقة عمومية فتصدر الإدارة قرارها ثم تبادر إلى الإعلان عن التعديل.
وكما مّر بنا بالنسبة لسلطة الإشراف أن الإدارة تصدر قرارات بموجبها تعلن عن تعليمات موجهة للمقاول تتعلق بتنفيذ موضوع صفقة عمومية. ومن المفيد الإشارة أنّ فقه القانون الإداري لم يسلم كله بسلطة التعديل. فهناك من الفقهاء من أنكرها على الإدارة. وهناك من قيدها وحصرها في نوع معين من العقود كعقد الأشغال العامة وعقد الامتياز. وتبرير ذلك أنّ عقد الامتياز مثلا يتضمن شروطا لائحية تسوغ للإدارة حق التدخل لتعديل بنود العقد.وكذلك الحال في عقد الأشغال . أمّا في غير العقدين المذكورين لا يجوز مباشرة حق التعديل، إلا إذا تمّ الاتفاق عليها في العقد.
والحقيقة أن مثل هذا الرأي من شأنه أن يجرّد الإدارة من أحد أهم مميزات ومظاهر العقد الإداري فطالما تميز العقد الإداري بموضوعه وبعلاقته بالمرفق العام وبخدمة الجمهور وبالمصلحة العامة. وجب أن يتميز بالمقابل بالسلطات الممنوحة للإدارة وعلى رأسها سلطة التعديل. وإلا فإن العقد الإداري سيقترب من العقد المدني وتختفي مظاهره المميزة وتذوب نتيجة لذلك امتيازات السلطة العامة في مجال التعاقد وهو من شأنه أن يؤدي إلى اختفاء الأحكام المميزة للعقد الإداري.
وإذا كانت بعض الدراسات قد أشارت إلى أن مجلس الدولة الفرنسي طبق لأول مرة سلطة التعديل بتاريخ 21-02-1910 بمناسبة فصله في قضية ترام مرسيليا. .فإنّ هناك دراسات أخرى أكدت أنّ مجلس الدولة الفرنسي طبق سلطة التعديل لأول مرة بتاريخ 10 جانفي 1902 في قضية (غازدوفيل).
ورجوعا للمرسوم الرئاســـي 02-250 وتحديدا للمواد 89 إلى 93 نجدها وردت تحت عنوان الملحق (L’avenant) فأجازت المادة 89 للإدارة المتعاقد إبرام ملاحق وفسرت المادة 90 المقصود بالملحق بأنه" وثيقة تعاقدية تابعة للصفقة ويبرم في جميع الحالات إذا كان هدفه زيادة الخدمات أو تقليلها و/أو تعديل بند أو عدة بنود تعاقدية في الصفقة الأصلية".
ومن النص أعلاه نستنتج أن سلطة التعديل تجد أساسها القانوني في التشريع الجزائري في المادة 90 من المرسوم الرئاسي والّتي أجازت للإدارة وفي جميع الصفقات العمومية أن تعدل بندا أو بنود إن بالزيادة أو النقصان.غير أن هذا التعديل مشروطا بما يلي:
1- أن يكون مكتوبا طالما كانت الصفقة الأصلية مكتوبة فعنصر الكتابة أمر لازم في حال ممارسة الإدارة لسلطة التعديل وهذا شرط طبيعي فالتعديل فرع أو جزء من الصفقة
وجب أن يخضع لما تخضع له شكلا بتوافر عنصر الكتابة
2- أن لا يؤدي التعديل إلى المساس الجوهري بالصفقة وهذا ما أشارت إليه الفقرة الأخيرة من المادة 90 . وهذا شرط طبيعي ولازم أيضا إذ أن التعديل الجوهري من شأنه أن يجعلنا أمام صفقة جديدة.
3- أن يتعلّق التعديل بالزيادة أو النقصان على أن يراعي فيه السقف المالي المحدّد في المادة 93 من المرسوم الرئاسي المعدلة سنة 2008 وقدره20 % من الصفقة الأصلية بالنسبة إلى الصفقات التي هي من اختصاص لجنة الصفقات التابعة للمصلحة المتعاقدة. و10% من الصفقة الأصلية بالنسبة إلى الصفقات التي هي من اختصاص اللجنتين الوطنيتين للصفقات وفق ما سنبينه في الفصل الخاص بالرقابة.
وحتى يبعث المشرع بساطه ومرونة على إجراء أو سلطة التعديل نص في المادة 93 من المرسوم الرئاسي على عدم إخضاع الملحق لفحص هيئات الرقابة القبلية.
ومن البديهي القول أن سلطة التعديل تخضع لرقابة القاضي الإداري الذي إذا رفعت الدعوى أمامه من الطرف المعني صاحب المصلحة سعى إلى التأكد من مدى تناسب موضوع التعديل مع مقتضيات حسن سير المرفق العام. والتأكد من مدى علاقته بالصفقة الأصلية وبالحدود المالية المنصوص عنها تشريعا وعلى ضوء ذالك يقدر عما إذا هناك تعسف في ممارسة سلطة التعديل من عدمه.
المبحث الثالث: سلطة توقيع الجزاء.
تملك الإدارة المتعاقدة باعتبارها سلطة عامة توقيع جزاءات على المتعاقد معها إذا ثبت إهماله أو تقصيره في تنفيذ أحكام العقد، أو عدم مراعاته آجال التنفيذ. ولم يحترم شروط التعاقد أو تنازل عن التنفيذ لشخص آخر وغيرها من صور الإخلال المختلفة.
ويعود تأسيس سلطة توقيع الجزاء إلى فكرة تأمين سير المرافق العامة بانتظام واطراد. فهذه الأخيرة تفرض تزويد جهة الإدارة والاعتراف لها في مجال التعاقد بممارسة جملة من السلطات من بينها سلطة توقيع الجزاءات للضغط أكثر على المتعاقد معها وإجباره على احترام شروط العقد والتقيد بالآجال وكيفيات التنفيذ دون حاجة للجوء للقضاء. بل دون حاجة للنص عليها قانونا. ويمكن تصنيف هذه الجزاءات إلى :
أولا: جزاءات مالية
ثانيا: وسائل الضغط
أولا: الجزاءات المالية:
تتخذ الجزاءات المالية إما صورة الغرامات أو صورة مصادرة مبالغ الضمان.
أ-الغرامات:
تملك الإدارة المتعاقدة طبقا للمرسوم الرئاسي ممارسة سلطة الجزاءات المالية. وتجد هذه السلطة أساسها القانوني في المادة 8 من المرسوم الرئاسي والتي جاء فيها:" يمكن أن ينجر عن عدم تنفيذ الالتزامات المتعاقد عليها في الآجال المقررة أو تنفيذها غير المطابق فرض عقوبات مالية دون الإخلال بتطبيق العقوبات المنصوص عليها في التشريع المعمول به.
تحدد الأحكام التعاقدية للصفقة نسبة العقوبات وكيفيات فرضها أو الإعفاء منها طبقا لدفتر الشروط...".
وهكذا خوّل المشرّع الجزائري بموجب النص أعلاه للإدارة المتعاقدة حق توقيع الجزاءات المالية في شكل غرامة وقيد مجال ممارستها في حالتين بمنطوق النص:
1- في حالة عدم تنفيذ الالتزامات محل التعاقد في الأجل المتفق عليه :
لا شك أن الإدارة المتعاقدة عندما تتعاقد تضع بعين الاعتبار عنصر الزمن الذي ينبغي خلاله تنفيذ العقد. حتى يتسنى لها الانتهاء من عملية تعاقدية والدخول في علاقة جديدة.أو تنفيذ جزء أو شطر من البرنامج المسطر والانتقال إلى جزء أخر وهكذا. فلا يمكن من حيث الأصل إغفال عنصر الزمن أو عدم ايلائه الأهمية التي تليق به. والأمر يتعلق بمرفق عام وبخدمات عامة وبمصلحة عامة.
ومن هذا المنطق وجب تسليط جزاء مالي على كل متعاقد ثبت إخلاله بالقيد الزمني أو المدة المقررة لتنفيذ العقد. خاصة وأن هذه المدة هي من اقتراح المتعهد أو المتعاقد مع الإدارة.حينما أقبل على إيداع ملف المناقصة و تعهد باحترام المدة المتفق عليها.
إنّ المتعاقد مع الإدارة حينما يتعهّد بتنفيذ موضوع العقد خلال مدة زمنية معيّنة متفق عليها في العقد، فإنّ العقد الإداري هنا يقترب مع العقد المدني في المبدأ الذي يحكمه أن " العقد شريعة المتعاقدين". فالمتعاقد مع الإدارة التزم بالتنفيذ خلال مدة ذكرت في العقد ثم أخل بهذا الالتزام. فالوضع الطبيعي أن يخضع لجزاء. وهذا الأخير تسلطه الإدارة دون حاجة للجوء للقضاء.وهو أحد مظاهر ممارسة السلطة العامة. ومظهر تميز للعقد الإداري عن العقد المدني.
2- في حالة التنفيذ الغير مطابق:
هنا يفترض أنّ المتعاقد مع الإدارة أخل بالشروط المتفق عليها وكيفيات التنفيذ. فخرج عن الالتزامات الّتي تعهّد بها. فالوضع الطبيعي أيضا في الحالة هو خضوعه لجزاء مالي.
وينبغي الإشارة أنّ الجزاء المالي وإن كان مقررا بموجب أحكام المرسوم الرئاسي 02-250 (المادة 8منه). إلا أنّ له أيضا أساس عقدي. ذلك أنّ المادة 8 المذكورة في فقرتها الثانية ورد فيها أن نسبة الجزاء المالي تحدد في الصفقة. وهذا ما أكدته المادة 50 من المرسوم الرئاسي التي أوجبت ذكر نسب العقوبات المالية وكيفيات حسابها وشروط تطبيقها أو النص على حالات الإعفاء منها في الصفقة.
ب-مصادرة مبلغ الضمان:
لما كان للصفقة العمومية صلة بالخزينة العامة من جهة، وبحسن سير المرفق العام بانتظام واطراد من جهة ثانية، وبالجمهور المنتفع من خدمات المرفق من جهة ثالثة وجب أخذ الاحتياطات اللازمة لتأمين الإدارة والضغط أكثر على المتعاقد معها وجبره على تنفيذ التزاماته في الآجال المتفق عليها وبالشروط والمواصفات والكيفيات الواردة في عقد الصفقة.
ولقد أوجب قانون الصفقات العمومية الجزائري في المادة 80 منه (المرسوم الرئاسي02-250) على المصلحة المتعاقدة أن تحرص في كل الحالات على إيجاد الضمانات الضرورية التي تضمن وجودها في وضعية مالية حسنة بما يكفل حسن تنفيذ الصفقة ولا يكون ذلك إلا بفرض ضمانات مالية بعنوان كفالة حسن التنفيذ.
وأكدت نصوص المرسوم الرئاسي أن كفالة حسن التنفيذ تخص المتعامل المتعاقد الوطني كما تخص المتعامل المتعاقد الأجنبي إذا لم يدعم عن طريق حكومة دولته وفي هذه الحالة وجب أن يعتمد البنك الأجنبي عن تغطيته لمبلغ كفالة مصرفية من قبل البنك الجزائري المختص. أمّا عن مبلغ الكفالة فحددته المادة 87 من المرسوم الرئاسي بين 5% و10% من مبلغ الصفقة. كما يلزم المتعامل المتعاقد بتقديم كفالة رد التسبيقات المنصوص عنها في المادة 63 من المرسوم وهي كلّها مبالغ يلزم المتعامل المتعاقد بأن يضعها تحت تصرف الإدارة بواسطة بنك لتمارس عن طريقها الجزاء المالي في الإطار الّذي حدده القانون.
ثانيا: وسائل الضغط.
من وسائل الضغط المكرّسة قضاء والمعتمدة فقها أنّ تعهّد الإدارة المتعاقدة تنفيذ العقد في عقد التوريد مثلا لشخص آخر على حساب المتعامل المتعاقد الذي أخل بالتزامه. وتأسيس ذلك أنّ لموضوع الصفقة صلة وثيقة كما رأينا بفكرة استمرارية المرفق العام وخدمة الجمهور. فلا يمكن التسليم بتوقّف نشاط المرفق، وتأثر حركته ومردوده، بسبب تقصير المتعاقد مع الإدارة، بل ينبغي الاعتراف لها (الإدارة) ولضمان أداء الخدمة وعدم توقفها باللّجوء لشخص آخر تختاره فيزوّدها بالمادة موضوع الصفقة ويتحمّل الطرف المقصر النتائج المالية الناجمة عن هذا التنفيذ.
كما لو أخلّ المتعهّد مع إدارة الخدمات الجامعية تزويدها بالمادة محل التعاقد في المدّة الزمنية المتفق عليها في العقد. فللإدارة المعنية حق اتخاذ الإجراءات اللازمة لضمان استمرارية المرفق وأداء الخدمة للطلبة.
وتملك الإدارة أيضا في عقد الأشغال توقيف الأشغال وسحب العمل من المقاول وإسناده لشخص آخر. وهذا بعد استيفاء جملة من الإجراءات و توافر جملة من الشروط.
وهكذا ملكت الإدارة عند تنفيذها لصفقة عمومية وسائل التنفيذ العيني فإن لم يقم المتعامل المتعاقد بالوفاء بما تعهّد به، تحركت جهة الإدارة المعنية ولجأت لأسلوب الضغط على المتعاقد معها وجبره على التقيّد بالتزاماته.
غير أنّ هذه السلطة، وبالنظر لخطورتها وآثارها، فإنّ الإدارة لا تلجأ إليها إلا في حالات الإخلال الجسيم بالأحكام التعاقدية وبكيفية تنفيذ موضوع الصفقة. وعادة ما توجه الإدارة قبل ممارستها لهذه
السلطة إعذارا ينشر في الصحف لتنذر به الطرف المخل وتمارس بعد إصداره الإجراءات القانونية اللازمة في هذه الحالة .
المبحث الرابع: سلطة إنهاء العقد:
يستهدف هذا الامتياز أو السلطة المخوّلة للإدارة إنهاء الرابطة التعاقدية وقطع العلاقة بينها وبين المتعامل المتعاقد. ويفترض هنا في هذه الحالة أن يقدم المتعامل المتعاقد على ارتكاب خطأ جسيم يخول للإدارة ممارسة هذه السلطة.
فإذا وضعنا بعين الاعتبار أنّ العقد الذي يربط الإدارة بالمتعامل معها هو عقد امتياز. فإنّنا نتصور في هذه الحالة أن يلجأ الملتزم إلى خرق بنود العقد المتعلقة بالرسوم التي يلزم المنتفعون من خدمات المرفق بدفعها، فيبادر إلى رفعها دون علم الإدارة وموافقتها أو يميّز بين المنتفعين اعتمادا على أسس تتعلق بجنس المنتفع أو معتقده. فهذا الفعل من جانبه يخوّل للإدارة فسخ الرابطة العقدية. وقد أطلق مجلس الدولة الفرنسي على هذه الحالة مصطلح إسقاط الالتزام.
غير أن سلطة فسخ العقد، وبالنظر لخطورتها وأثارها، فإن الإدارة قبل ممارستها تلزم بإعذار المعني بالأمر، الملتزم مثلا في عقد الامتياز وهذا ما أقره القضاء المقارن.
ولقد أحسن المشرّع الجزائري صنعا عندما نص في المادة 99 من المرسوم الرئاسي 02-250 على وجوب توجيه إعذار للمتعامل المتعاقد بهدف الوفاء بالتزاماته خلال مدة معيّنة. كأن نتصوّر أنّنا أمام عقد أشغال عامة وأنّ المتعامل المتعاقد توقف عن الأشغال مدة طويلة بما سينعكس سلبا على مدّة إنجاز العقد وبما سيؤثر على نشاط المرفق. وفي هذه الحالة توجه الإدارة المعنية إعذارا للمعني وتمنحه
أجلا للوفاء بما تعهد به. وإن كان المرسوم لم يبيّن شكل الإعذار إلا أنّه في عقد الأشغال العامة بالذّات نجد أنّ الإدارة كثيرا ما تستعمل وسائل الإعلام المكتوبة (الجرائد) لتنبيه المعني قبل ممارسة سلطة الفسخ. وهذا ما تؤكده الإعذارات الكثيرة المنشورة يوميا في الجرائد.
وإذا كان العقد المدني هو الآخر وطبقا للمادة 119 من القانون المدني يخول المتعاقد توجيه إعذار في حال عدم الوفاء بالالتزامات العقدية وبذلك يقترب العقد المدني بالصفقة العمومية. إلا أن مظهر تميز الصفقة يظل واضحا. فعدم الوفاء بالالتزامات بعد انتهاء مدة الإعذار يخول للطرف المدني ( في العقد المدني) أحقية اللّجوء للقضاء للمطالبة بالفسخ والتعويض. فالمتعاقد في ظل القانون المدني لا يملك أحقية الفسخ المنفرد بل يلجأ للقاضي. بينما الإدارة مخوّل لها سلطة الفسخ بإرادة منفردة ودون حاجة اللجوء للقضاء.
وجاء المرسوم الرئاسي 02-250 موضحا أكثر في المادة 99 منه سلطة الفسخ فنصت على أنها تتم من جانب واحد (إرادة الإدارة لوحدها) ودون حاجة للجوء للقضاء.
وهذا مظهرا آخر تميّزت به الصفقات العمومية عن العقود المدنية. هذه الأخيرة التي تأخذ طابع الفسخ القضائي ولا تزوّد أي طرف بممارسة سلطة اتجاه الطرف الآخر.
ولم يكتف المرسوم بالإعلان عن الفسخ من جانب واحد، بل نص على عدم قابلية الفسخ للاعتراض إذا لجأت الإدارة إلى تطبيق البنود الواردة في الصفقة. والحكمة الّتي أراد المشرّع تحقيقها هي الاستمرار في فرض الضغوط المعنوية والقانونية على المتعامل المتعاقد حتى يتقيّد أكثر بالالتزامات التعاقدية بما يضمن حقوق الإدارة ويكرس مبدأ حسن سير المرافق العامة بانتظام وإطراد . ويكفل حقوق الجمهور المنتفع من خدمات المرفق العام.
وإلى جانب الفسخ الأحادي (من جانب واحد) أجازت المادة 100 من المرسوم اللّجوء للفسخ التعاقدي حسب الشروط المدرجة في الصفقة. وهنا تقترب الصفقة من العقد المدني. الّذي يخوّل أطرافه أحقية الفسخ التعاقدي طبقا للمادة 120من القانون المدني.
اسم الموضوع : بعض التعريفات المصطلحات
|
المصدر : المنتدى القانوني العام و النقاش القانوني