الجماعات والقوى الضاغطة ماهيتها وحدود وظيفتها في الحقل السياسي
تسعى هذه الدراسة إلى مقاربة موضوع، ذي أهمية بالغة، وحساسية شديدة، داخل الحقل السياسي لأي دولة، ويتعلق الأمر بالجماعات والقوى الضاغطة، وذلك من خلال محاولة ملامسة الأسس والمكنزمات التي تقوم عليها هذه الجماعات، عبر رصد وكشف مضمونها، وهذا لن يتأتى إلا من خلال استجلاء ماهيتها، وتبيان وظيفتها وحدودها على مستوى الحقل السياسي، وبعبارة أخرى فإن الأسئلة المرجعية التي تسعى هذه الدراسة إلى الإجابة عنها هي كالتالي : ما المقصود تحديدا بالجماعات والقوى الضاغطة؟ ما الفرق بينها وبين الأحزاب السياسية ؟ ما هي الخصائص المميزة لها؟ ماهي أنواعها؟ ما هي الوسائل التي تعتمدها؟ ما هي الوظيفة التي تقوم بها على مستوى الحقل السياسي؟ وما هي العوامل التي تحدد وتقيد وظيفتها ومدى فعاليتها ؟
المبحث الأول : ماهية ال : يمكن تحديد ما هية الجماعات والقوى الضاغطة من خلال النقط التالية :
1- تعريفها :
يمكن الجزم إلى حد ما، على أنه لا يوجد خلاف كبير حول تعريف مفهوم الجماعات والقوى الضاغطة، فكل التعاريف تقريبا تجمع على اعتبارها مجموعة من جماعات المصالح التي تسعى إلى تحقيق أهداف معينة مرتبطة بمصالح السلطة السياسية، ولا تندرج ضمن أهدافها الوصول إلى السلطة، وقد سميت بجماعات الضغط من منطلق الضغوطات التي تمارسها على السلطات لتحقيق أهدافها، وقد وصفها البعض بأنها جماعات غير سياسية (يتعلق الأمر بحافظ علوان حمادي الدليمي في كتابه : المدخل إلى علم السياسة) وهذا أمر يجانب الصواب، فهي تجمعات تشمل كل جوانب الحياة الإنسانية من اقتصادية واجتماعية وثقافية ومهنية، وهي أيضا جماعات سياسية لأنها تستهدف في بعض الأحيان تحقيق غايات سياسية كاللوبي الصهيوني في الولايات المتحدة فهو لوبي سياسي اقتصادي واجتماعي. و يصفها البعض أيضا بأنها تجمعات غير رسمية (انظر قحطان أحمد سليمان القحطاني، الأساس في العلوم السياسية ، ص 335) وهذا أيضا أمر يجانب الصواب. فقد تكون القوى الضاغطة رسمية مجازة من السلطات الرسمية، كجمعيات الدفاع عن حقوق الإنسان، أو نقابات العمال، وقد تكون حكومية تشكل لتحقيق هدف معين، كجمعيات الصداقة بين الشعوب، كما في النظم الاشتراكية الزائلة في الاتحاد السفياتي السابق وأوربا الشرقية أو البيروقراطية العسكرية المرتبطة بالسلطة. إذن فما الفرق بينها وبين الأحزاب السياسية؟
2- الفرق بين الجماعات الضاغطة والأحزاب السياسية :
تختلف الجماعات الضاغطة عن الأحزاب في أهدافها ووسائل تكوينها، فهي في أهدافها تسعى لتحقيق مصالح مرتبطة بتكويناتها الاجتماعية والطبقية فإذا كانت جماعات مصلحة اقتصادية كنقابات العمال فإنها تدافع عن الأجور ودعم صناديق الاكتتاب بوسائل مختلفة كإضراب عن العمل واحتلال المصانع، بينما تهدف الأحزاب بالأساس إلى الوصول إلى السلطة وتكون وسائلها كسب التأييد الشعبي والنجاح في الانتخابات، واستخدام الوسائل الأجدر للترويج لمبادئها .
والأحزاب السياسية حين تفشل في الانتخابات، تتحول إلى معارضة سياسية، بينما تبقى الجماعات والقوى الضاغطة ساعية لتحقيق مكاسب لأعضائها سواء نجحت في ذلك أو فشلت، ولعل الجماعات والقوى الضاغطة هي أكثر نشطا من بعض الأحزاب سيما أحزاب الأطر التي لا تنشط إلا في أوقات الانتخابات ، وقد تلتقي الجماعات والقوى الضاغطة مع الأحزاب السياسية في التنظيم والعضوية والتمويل، وربما يكون التأثير الضاغط على الحكومات لدى هذه الجماعات أقوى من تأثير الأحزاب إذا كانت مرتبطة مع بعضها ، و هناك أحزاب سياسية لها جماعات وقوى ضاغطة متحالفة معها لتحقيق بعض الأهداف المعينة.
وقد تتحول بعض الجماعات والقوى الضاغطة إلى أحزاب سياسية كنقابة التضامن البولندية التي كان لها دور كبير في زعزعة النظام الاشتراكي الماركسي في بولندا قبل انهيار الاتحاد السوفياتي، ثم تحولت إلى حزب سياسي فاز في أول انتخابات بعد انهيار الحكم السابق ووصل إلى الحكم بزعامة (فاليسا).
بالإضافة إلى أن وسائل الجماعات والقوى الضاغطة التي تستخدمها قد لا تكون علنية أو شرعية، بينما الأحزاب تستخدم أساليب معلنة ومشروعة، ومن الناحبة التنظيمية فإن الجماعات الضاغطة قد لا تكون منظمة عكس الأحزاب السياسية التي لها هياكل تنظيمية ، ولا تخضع هذه الجماعات للرقابة الشعبية بينما تخضع الأحزاب السياسية لها .
3- خصائصها :
من خلال تحديد مفهوم الجماعات الضاغطة وكذلك تمييزه عن الأحزاب السياسية يمكننا الخروج بمجموعة من الخصائص التي تتميز بها هذه الجماعات وهي على الشكل التالي :
- أنها تعبر عن جماعة من الأشخاص.
- هناك مصالح مشتركة تربط بين هؤلاء الأشخاص وبعضهم ، بغض النظر عن ارتباطاتهم الإيديولوجية، حيث يحتمل أن تكون مختلفة وقد تكون متجانسة.
- إنها لا تستهدف الوصول إلى مراكز السلطة والاستيلاء عليها، وكل ما تستهدفه التأثير في قرارات السلطة وسياساتها لتوجهها في اتجاه أو آخر بما ينسجم مع مصالحها.
- قد تتنوع الجماعت حسب التنوع العام في اهتماماتها، فقد تكون جماعات عامة، حيث يمثل أفرادها قطاعا جماهريا عاما في المجتمع, مثالها النقابات أو الجمعيات الاجتماعية المختلفة، وقد تكون جماعات خاصة حيث يمثل أفرادها مجموعة من الأشخاص الذين تربطهم مصالح شخصية خاصة، وقد تكون جماعات اجتماعية تتحدد أهدافها في الدفاع عن بعض المصالح الاجتماعية، وقد تكون جماعات سياسية تتحدد مصالحها في الدفاع عن مصالح سياسية معينة (الجماعات الصهيونية في أمريكا) وقد تكون جماعات اقتصادية أو إدارية... وتتحدد أهدافها بالدفاع عن مصالح خاصة اقتصادية أو إدارية أو غيرها كل حسب اهتمامها الرئيسي.
- تعتمد الجماعات في ممارستها لوظائفها و في اتصالاتها بالسلطة بهدف التأثير فيها، على عدد من الأساليب المختلفة وغالبا ما تكون هذه الأساليب متميزة بالسرية والاتصالات الشخصية في إطار ما يسمى " الاتصالات ما وراء الكواليس".
ومن خلال هذه المعطيات يمكن القول بأن الجماعات والقوى الضاغطة تعتبرتنظيمات حديثة تقريبا وتعتبر الولايات المتحدة الأمريكية بشكل خاص والمجتمعات الأوربية الغربية بشكل عام الحقل الأساسي الذي تنبت فيه والميدان الواسع لنشاطها. أما ظاهرة الجماعات بشكل عام . فهي قديمة قدم وجود الجماعة البشرية الأولى، حتى أن بروز هذه الجماعات كقوى تلعب دورا سياسيا قديم جدا أيضا، وربما يعود إلى إلى بداية التكوين النظامي للدولة والمجتمع السياسي، ولكن بصورة تختلف عن الصورة الحديثة لها، حيث كانت جماعات خاصة غالب، ولا تتعدى مصالحها مصالح اقتصادية و مالية ، ولا يتعدى نطاقها المصالح الأسرية أو العائلية في كثير من الحالات ، وفي هذا الصدد يشير " رولان موسنيه" وهو يبحث تاريخ الحضارات العام في القرنين السادس والسابع عشر، إلى أهمية الدور الذي لعبه رجال المال الكبار في إيطاليا وألمانيا وغيرها من الدول الأوربية، ويضرب لذلك مثال أسرة" فوجر" في "أكسبورج" حيث تمكنت بفضل السلطات المالية التي تمتعت بها، و أغدقتها على الأسر والملوك الحاكمين، و كدالك من خلال مصاهرة الأسر المالكة في هنغاريا سنة 1515 ، و هكدا استطاعت أن تملي انتخاب شارل الخامس امبراطورا سنة 1519. كما دعمت الكرسي الرسولي ماليا فأعطاها حق بجباية الرسوم البابوية في العديد من الدول الأوربية ، كما عهد لهم الإمبراطور مكسميليان في إيطاليا باستثمار مناجم الفضة والنحاس التابعة له، وجباية ريع التاج في إسبانيا، وهذا يوضح التأثير الذي كانت تمارسه هذه الأسرة في أوربا بصفة عامة ، وهذا المثال يوضح أن الجماعات والقوى الضاغطة ليست نوع واحد بل تختلف في وجودها واستمرارها وأهدافها ووسائلها تبعا لطبقتها وتركيبتها الاجتماعية وتمثيلها للمصالح المختلفة، إذن فما هي الأشكال التي تتخذها؟
4- أنواعها:
إذا انطلقنا من التصنيف الذي أورده "جبريل ألموند" للجماعات والقوى الضاغطة فنجد أنه صنفها إلى أربعة تصنيفات هي على الشكل التالي :
- جماعات المصلحة الترابطية : وهي التي تعبر عن مصالح أعضائها في الأساس وهي النمط الشائع .
- جماعات المصلحة غير الترابطية : والتي تكون على أساس جغرافي أو طبقي أو ديني أو لغوي أو فكري أو مهني.
- جماعات المصلحة المؤسسة ، وتغلب عليها الطابع الحكومي الرسمي، كالبيروقراطية المدنية والعسكرية، لكن العاملين فيها يصبحون جماعة مصلحة حينما يعمدون للتأثير في صانعي القرار لتحقيق منافع خاصة بهم.
- جماعة المصلحة الفوضوية : وهي التي تعول على المظاهرات والإضرابات وأعمال الشغب وليس لها هيكل تنظيمي، ويغلب على نشاطها التلقائية والعنف.
أما إذا تجاوزنا تصنيف "جابريل ألموند" وحاولنا تصنيفها من حيث طبيعتها فسوف نجد أنها تنقسم إلى التصنيفات التالية :
- جماعات المصالح السياسية : وهي التي لها مصالح سياسية بحتة ، ويطلق عليها (اللوبي) كاللوبي الصهيوني.
- جماعات المصالح شبه السياسية وهي التي لها أهداف سياسية واقتصادية في آن واحد كنقابات العمال واتحادات أصحاب الأعمال.
- جماعات المصالح الإنسانية أو الخيرية وهي التي تمارس نشاطات متعلقة بحقوق الإنسان ورعاية الطفولة وجمعيات الرفق بالحيوان.
- جمعيات المصالح المهنية: وهي التي تهتم بالدرجة الأولى بتحقيق أهداف أصحاب المهنة الواحدة.
5- وسائلها :
يمكن تحديد أهم الوسائل التي تستخدمها الجماعات والقوى الضاغطة على الشكل التالي :
أ- الإقناع :
وهو أهم الوسائل التي تسعى جماعات المصلحة من خلاله لكسب الأتباع وإقناع الحكومات بأهدافها، عبر اللقاءات والاجتماعات الخاصة والعامة، وعبر وسائل الإعلام بمختلف جوانبها، ويتمتع رجال الأعمال بميزة القدرة على الإقناع، مستخدمين إمكانياتهم المادية وخبراتهم العلمية وبذل الجهود للوصول إلى الهدف المطلوب.
وتستعين هذه الجماعات بأصحاب الخبرة من العناصر الناجحة في توليها المناصب المختلفة كالقضاة والمشرعين النزيهين بعد التقاعد أو الوزراء السابقين/ أو كبار الموظفين مستغلة سمعتهم الجيدة للإقناع.
كما أن هذه الجماعات تؤثر على أعضاء الحكومة والبرلمان والمشرعين عبر تقديم معلومات وبحوث ودراسات مستندة إلى الأرقام وإن كانت غير صحيحة وتستخدم السفرات والدعوات لغرض الالتقاء والتباحث والإقناع.
ب- التهديد :
وهو من المسائل المهمة للضغط على السلطات الرسمية والتشريعية والقضائية ، كارسال الرسائل والبرقيات، ومقابلة الأشخاص المطلوب التأثير عليهم، ويأخذ التهديد أشكالا متعددة منها التهديد بسحب الثقة من أعضاء البرلمان، وعدم تأييد العضو الرافض في المستقبل، وقد يشمل التهديد شكل العقوبات والقتل، وما إلى ذلك من أعمال العنف أو خلق أزمات مالية واقتصادية للحكومات، كالتحريض على عدم دفع الضرائب أو التهديد باستخدام القوة المتمثلة بالإضرابات عن العمل.
ج- الضغط على السلطات الحكومية :
نظرا لأهمية السلطات الحكومية في إصدار القرارات سيما في الجوانب الاقتصادية والاجتماعية فضلا عن السياسة والتي تخص مختلف شرائح المجتمع فإن جماعات المصلحة تسعى للاتصال المباشر بالمعنيين في الجهاز التنفيذي والإداري بدءا من رئاسة الدولة والوزراء إلى المسؤولين الكبار، فقد تعمد إلى وقف تنفيذ قانون ما، فتطلب من رئيس السلطة التنفيذية ذلك عبر الرسائل والبرقيات بعدم التصديق عليه، أو التوجه بحذف بعض مواده أو إضافة أخرى.
وبالإضافة إلى هذه الوسائل ، فهناك وسائل أخرى توظفها الجماعات والقوى الضاغطة من أجل الوصول إلى غاياتها مثل التمويل، والمقاضاة، وتعبئة الرأي العام لصالحها، وكذلك التأثير في أعضاء البرلمان، حيث تشكل هذه أهم الوسائل التي توظفها في الضغط اتجاه استصدار قوانين وقرارات تخدم مصالحها ، إلا أن السؤال الذي لا زال يطرح نفسه في هذا الإطار هو ما هي وظيفتها على المستوى السياسي و ما هي حدود هذه الوظيفة؟
- ثانيا : وظيفتها وحدودها على المستوى الحقل السياسي :
1- وظيفتها :
تمثل الجماعات الضاغطة أحد مستويات التفاعل وربما الصراع التي تؤثر على الحياة السياسية ،مثلها مثل الأحزاب السياسية، رغم أنها تختلف عنها من حيث أهدافها وأساليبها (كما سبقت الإشارة لذلك) إلا أن هذا الاختلاف لا يبعدها عن بعضها البعض بقدر ما يجعلهما كما يقول (Macridis) بمثابة قناتين أساسيتين في عملية التمثيل الشعبي ، حيث تشكل الأحزاب قناة التمثيل السياسي بينما تمثل الجماعات وخاصة العامة منها قناة التمثيل الوظيفي.
وهذا يعني أن وظيفتها الأساسية لا تكمن في تقديم القيادات السياسية الممثلة للجمهور، كما الحال بالنسبة للأحزاب بل ترتكز وظيفتها بالدرجة الأولى في تجميع اهتمامات ومطالب الفئات التي تمثلها وتقوم بتقديمها للسلطة والعمل من أجل تحقيقها .
كما أنها تقوم بتحضير قطاعات الشعب صاحبة المصلحة بذلك ليقوموا بتأييد ودعم السلطة حين تستجيب لذلك، أو لمعارضتها ومجابهتها حين تكون استجابة السلطة سلبية .
وهذا بالطبع لا يلغي دورها في تقديم القيادات السياسية وتوصيلها للسلطة، إلا أنها تبقى وظيفة ثانوية وغير مباشرة وذلك بقيامها بدعم حزب معين ماليا وإعلاميا من أجل نصرته في الحصول على الأصوات اللازمة لنجاحه أو مواجهته لبرامج الأحزاب الأخرى التي تتناقض مع مصالحها.
2- حدودها :
وهناك مجموعة من العوامل الاساسية التي تحدد طبيعة أدوار الجماعات ودرجة قوتها أو ضعفها وأهمها :
-أ- البيئة السياسية : وتمثل أهم هذه العوامل ، وتتحدد البيئة السياسية عادة بطبيعة النظام السياسي ، هل هو ليبرالي أم شمولي ، ديمقراطي أو ديكتاتوري ؟
فالنظم الليبرالية تعتبر المرتع الخصب اللازم لنمو هذه الجماعات، وبالذات الجماعات الخاصة ،وذلك نظرا لعدم الممانعة من قبل الإيديولوجية العامة للنظام، حيث تقوم على حرية عمل مثل هذه الجماعات وغيرها.
أما النظام الديكتاتوري، فإنه لا يسمح بنمو هذه الجماعات وغالبا ما نجدها حيث يوجد محدودة وضعيفة، وخاصة الجماعات العامة، بينما قد تكون للجماعات الخاصة فرصة كبيرة، وخاصة الجماعات الاقتصادية حيث ليس من السهل تقييد حريتها ببساطة، وخاصة أنها تعمل بالطرق الخفية عادة.
كذلك الأمر بالنسبة للنظم الشمولية، وإن كانت هذه النظم تقاوم بشدة وجود الجماعات الخاصة، مع تسامحها بعض الشيء فيما يتعلق بالجماعات العامة، شريطة أن تظل مستوعبة داخل أجهزة السلطة، أما أن تبرز هذه الجماعات بصفة مستقلة عن أجهزة السلطة فغالبا ما يكون ذلك أمرا مرفوضا.
وبالطبع فإن ظاهرة الجماعات تظل موجودة في أي مجتمع وخاصة الجماعات الخاصة، وكما يقول (DJORDJEVIC) إنها ظاهرة حتمية لا يستطيع أي نظام تجنبها، وأن الجماعات تملك أساليب متنوعة للتعبير عن نفسها مما يمكنها من البروز بطرق مختلفة، يساعدها على ذلك تضخم المجتمعات المعاصرة، وتعقيد علاقاتها .
-ب-التنظيم أو التشكيل الرسمي للسلطة: ويتضمن هذا العامل عنصرين رئيسين لهما قوتهما في التأثير على الجماعات الضاغطة من حيث قدرتها وقوتها وهما :
- مدى الأخذ بأسلوب اللامركزية أو المركزية في النظام فمعظم النظم التي تطبق أسلوب السلطة المركزية الواحدة والقوية، تتميز بعدم وجود جماعات الضغط الضاغطة أو القادرة على عقد صفقات مع السلطة ، وتأثير هده الجماعات لا يمكنها من فرض مطالب محددة ولا يتعدى في أحسن الأحوال تقديم التماسات أو تظلمات أو آراء.
أما في النظم ذات التوجه اللامركزي، فإن فرصه نمو وتغلغل هذه القوى، تكون مضاعفة كثيرا بالقياس مع الحالة الأولى، وذلك لأن تعدد مراكز السلطة عبر المستويات التنظيمية المختلفة تزيد عدد القوى التي قد تلجأ إليها هذه الجماعات فيما لو فشلت على المستوى المركزي أو على بعض المستويات اللامركزية الأخرى.
- مدى الفصل بين السلطات : فتطبيق مبدأ الفصل بين السلطات يخلق ويضاعف الفرصة الحقيقية لتمارس هذه الجماعات نشاطها وفعاليتها، فإذا فشلت في الضغط على إحدى السلطات تتحول للسلطات الأخرى.
-ج-وضع الأحزاب السياسية : ان متابعة طبيعة العلاقة بين أوضاع الأحزاب السياسية ودرجة قوتهما، وبين أوضاع الجماعات الضاغطة وفعاليتها تولد، استنتاجا يبرز غالبا كقاعدة عامة، مفادها أن قوة وفعالية الجماعة الضاغطة تتناسب طرديا مع ضعف الأحزاب السياسية وعكسيا مع قوتها.
ومؤداه ، أن العلاقة بين هذين القناتين قد تبرز ضمن إحدى الصورتين التاليتين :
- علاقة تكامل وظيفي وهذه العلاقة واقعية فعلا، حيث أن كل طرف منهما يحاول أن يملأ الفراغ الذي لم يستطع الآخر أن يملأه .
- علاقة إحلالية أو استبدالية بحيث يبرز أحد هذين الطرفين كبديل للطرف الآخر وربما على أنقاضه، ومتابعة الظروف المختلفة في النظم السياسية تؤكد هذه النتيجة.
وخلاصة القول، فان الجماعات الضاغطة تتمتع بدور هام على صعيد الحياة العامة، إلا أن هذا الدور يفترض ضرورة التحرز إزاءه، لبروزه كسيف ذو حدين، فقد يبرز من زاوية معبرة عن إحساسات وطموحات عامة، كما قد يبرز من زاوية معبرة عن اهتمامات ومصالح ضيقة.
/عبد المعطي محمد عساف، مقدمة إلى علم السياسة، دار مجدلاوي للنشر والتوزيع، عمان الأردن .ط 2 ، 1981.
قحطان أحمد سليمان القحطاني، الأساس في العلوم السياسية، عمان دار مجدلاوي للنشر ، 2004
تعتبر الأحزاب السياسية بمفهومها الحديث ظاهرة حديثة النشأة لا يتجاوز عمرها القرن إلا قليلا باستثناء أحزاب الولايات المتحدة الأمريكية ، غير ان للأحزاب أصولها التاريخية التي تتمثل في اتجاهات الرأي و النوادي الشعبية و جمعيات الفكر و المجموعات البرلمانية . وكانت الأحزاب او ما يشابهها في الماضي تعتبر بدعة سيئة ترمز إلى التفرقة و يخشى منها على وحدة الدولة و ينظر إليها بشيء من عدم الارتياح . وقد نشأت الأحزاب في العصر الحديث مع التزايد الهائل في أعداد الناخبين الذي صاحب انتشار مبدأ الاقتراع العام في القرن التاسع عشر اذ وجد الناخبون أنفسهم مجرد جمهور عريض من أصحاب الحقوق السياسية غير قادر على تحديد أهدافه العامة او مناقشة مشاكله الهامة ، فظهرت الحاجة إلى تنظيمات شعبية يتجمع حولها الناخبون ، وهكذا قامت الأحزاب السياسية استجابة الى لحاجة الناخبين إليها ، ووضعت البرامج التي من شانها استقطاب اكبر عدد من الأصوات الناخبين لصالح مرشحيها بهدف الحصول على أغلبية المقاعد البرلمانية مما يمكنها من تشكيل الحكومة .
تعريف الحزب السياسي :
هي تنظيمات شعبية تستقطب الرأي العام و تستهدف تولي السلطة في الدولة ، وذلك باستعمال طرق ووسائل مشروعة . و لذلك نقول ان الديمقراطية ترتكز على التعددية الحزبية و على وجود ضمانات فعلية لممارسة الحريات العامة و خاصة لضمان حقوق المعارضة كما ترتكز على سيطرة روح من التسامح تترجم عمليا باحترام متبادل لكل الآراء .
مزايا تعدد الأحزاب السياسية :
- أداة الرأي العام في التعبير عن مختلف اتجاهاته.
- الأحزاب السياسية تنشط الحياة السياسية في الدولة.
- التصدي للاستبداد الحكومي .
- خلق النواب و السياسيين القادرين .
خصائص الحزب :
الحزب هو تنظيم دائم . - هو تنظيم وطني .- السعي للوصول الى السلطة .- الحصول على الدعم الشعبي .- المذهب السياسي .
نقول أن المادة 40 من دستور 1989 تقول أن حق إنشاء الجمعيات ذات الطابع السياسي معترف به ، لكن لا يمكن التذرع بهذا الحق لضرب الحريات الأساسية والوحدة الوطنية والسلامة الترابية و استقلال البلاد و سيادة الشعب ".وأكد على هذه المادة قانون 89-11 و المتعلق بالجمعيات ذات الطابع السياسي
تصنيف الأحزاب السياسية :
- الأحزاب الليبرالية و الأحزاب الاستبدادية :
* الأحزاب الليبرالية هي أحزاب تؤمن بالتعددية العقائدية متسامحة و غالبا ما تكون ديمقراطية ،إلا انه من الممكن وجود أحزاب ليبرالية في أنظمة استبدادية ، وهي أحزاب رأي أي تجمع بين أشخاص يؤمنون بنفس الآراء السياسية و من ابرز أمثلتها أحزاب بريطانيا الثلاث المحافظ و الليبرالي و العمالي .و لا تدعو الأحزاب الليبرالية إلى تغيير السلطة بالعنف و إنما تؤمن بإمكانية التغيير الديمقراطي .
* الأحزاب الاستبدادية تهدف إلى منع التعددية الحزبية و هي تهدف الى إصلاح المجتمع من خلال الثورة ، إضافة الى أنها أحزاب شمولية تهدف إلى تحقيق الدولة الشمولية التي تشمل سلطاتها كل المجالات دون قيود ، وترفض في هذا النوع من الأحزاب المعارضة ومثالها ( الأحزاب البرولتارية و العمالية و النازية ).
- الأحزاب المنظمة و الأحزاب الغير منظمة .
* تعود بداية الأحزاب الغير منظمة إلى أواخر القرن السابع عشر في انكلترا و إلى الثورة الفرنسية 1789 ، فالأحزاب غير المنظمة هي أحزاب تقتصر على بعض البرلمانيين و على بعض التنظيمات الإقليمية حيث لا انتشار إقليمي للحزب .
* اما الأحزاب المنظمة قد تكون ليبرالية و ديمقراطية او استبدادية ، وهي تتميز بوجود قاعدة حزبية شعبية واسعة. وتتميز الأحزاب المنظمة بتوفير مصادر تمويل اكبر من تلك التي توفرها الأحزاب غير المنظمة .
- الأحزاب الصغير و الأحزاب الكبيرة
غالبا ما يكون للأحزاب الصغيرة عددا قليلا من الحزبيين بالمقارنة مع الأحزاب الكبيرة ، ويساعد نظام الانتخاب النسبي على زيادة الأحزاب الصغيرة التي لا تمثل سوى نسبة ضئيلة من الرأي العام ، والأحزاب الصغيرة تكون إما مرنة او جامدة ، جامدة أي أنها تتمثل في البرلمان دون التحالف مع غيرها من الأحزاب ، اما المرنة فهي المضطرة الى التحالف مع أحزاب لمواجهة الخصم .
اما الأحزاب الكبيرة فهي تضطر أن تنظم نفسها بطريقة ديمقراطية من الأعلى الى الأسفل، وهي تعتبر أحزاب رأي متسامحة بعيدة عن الإيديولوجيات المتطرفة ، وبالتالي نقول ان الأحزاب الكبيرة تضطر الى تقبل عدة تيارات سياسية و هذه التيارات تتصارع ديمقراطيا داخل الحزب ، وتطمح الأحزاب الكبرى في الوصول إلى السلطة و الاستئثار بها و لذلك فهي تعمل على كسب اكبر عدد ممكن من المواطنين و خاصة في الانتخابات النيابية .
- تصنيفات أخرى هناك من يميز بين الأحزاب على أساس التركيبة الاجتماعية (أحزاب الرأي ، أحزاب الطبقات ـ الأحزاب المهنية ، أحزاب الفلاحين، أحزاب البورجوازيين، الأحزاب العمالية ...) او أن تصنف على أساس جغرافي .
أنظمة الأحزاب و نتائجها :
* أنظمة الحزب الواحد : يهدف الحزب الواحد إلى إقامة دكتاتورية مطلقة و يبرر ذلك إما باعتباره يمثل الأمة (الأحزاب الفاشية) أو الأكثرية الساحقة من الشعب ( الأحزاب الشيوعية) .
* أنظمة الأحزاب التعددية : يمكننا أن نميز بين أنظمة الثنائية الحزبية و أنظمة الثلاثية و الرباعية و التعددية الحزبية مع إمكان وجود حزب مسيطر .
خلاصة القول أن للأحزاب دور أساسي في عمل الأنظمة السياسية الديمقراطية ، فالأحزاب السياسية الحرة المنظمة و التعددية هي عماد الأنظمة السياسية ، الخلاصة الثانية أن أنظمة الأحزاب هي إلى حد بعيد نتيجة لنظام الانتخاب المطبق .
الجماعات الضاغطة :
الجماعات الضاغطة هي عبارة عن تنظيمات تمثل مصالح خاصة لبعض الفئات تمارس ضغط على الحكام من اجل إصدار تشريعات تراعي المصالح المشتركة لتلك الفئات .
خصائصها :
- مجموعة من الناس أو من المؤسسات يوجدون في شكل اتحاد او جمعية .
- لها مصالح مشتركة تجمع بينهم و هي عادة مادية .
- تستعمل عددا من وسائل الضغط و التأثير .
- تمارس ضغطها على السلطة السياسية الحاكمة حتى تستجيب لطلباتها .
تصنيفها :
- جماعات المصالح و جماعات الأفكار :
* الأولى هي التي تدافع عن مصالح مادية أساسا مثل جماعات التجار و أصحاب الأعمال و النقابات و الاتحادات المهنية .
* جماعة الأفكار تسعى إلى فرض أفكار و قيم معينة سواء أخلاقية او سياسية مثل جمعيات الدفاع عن حقوق الإنسان .
- جماعات الضغط الكلي و جماعات الضغط الجزئي :
* جماعات الضغط الكلي همها الأساسي ممارسة نشاط الضغط على السلطات العامة و توجد بصفة أساسية في الولايات المتحدة الأمريكية (اللوبيات) .
* أما جماعات الضغط الجزئي يكون الضغط فيها جزءا من نشاطها العام مثل الاتحادات المهنية .
- التصنيف حسب المجالات :
* جماعات الضغط السياسي (lobbies ) : هي جماعات ذات مصالح سياسية بحتة تعمل على أن تكون لها علاقات دائمة مع رجال السلطة و تمارس الضغط بشكل مستمر للحصول على المزيد من الامتيازات مثل اللوبي اليهودي في أمريكا .
* جماعات الضغط شبه السياسية : مثل نقابات العمال و الاتحادات المهنية تستعمل النشاط السياسي كوسيلة لتحقيق أهداف اقتصادية و اجتماعية .
* جماعات الضغط الإنسانية مثل الجمعيات الخيرية لا تنشط إلا بقصد الحصول على اعانات مالية و قوانين لصالحها .
* جماعات الضغط ذات الهدف : تدافع عن مبادئ على مستوى محلي او دولي مثل greenpeace.
* جماعات الضغط للدفاع عن مصالح الدول الأجنبية مثل اللوبي الصهيوني و الياباني .
دور الجماعات الضاغطة :
تعتبر قوة اعتراض و قوة اقتراح في نفس الوقت و بالتالي فهي تمكن العديد من الأفراد من الدفاع عن مصالحهم و كذلك الكثير من الفئات الاجتماعية . لذا فهي تقدم معلومات مهمة للحكام لاتخاذ قرارات دقيقة و صائبة و ملائمة و أكثر واقعية في القطاع المعني ، فهي لها دور وساطة بين الحكام و المحكومين ، وبالتالي تمثل قناة يمارس من خلالها المواطنون سيادتهم و حياتهم الديمقراطية . و هناك عدة عوامل تحكم الدور الفعال للجماعات الضاغطة و هي العامل المالي و عامل كثرة الأعضاء و عامل حسن التنظيم و القدرة على الانتشار عبر الوطن .
وسائل الجماعات الضاغطة :
- الاتصال بالحكومة (الصداقات ، الإغراءات المالية ، الحفلات ، إرسال الرسائل).
- التأثير في النواب (الضغط عليهم ، تمويلهم في حملاتهم الانتخابية).
- تعبئة الرأي العام (إصدار النشرات ، عقد الندوات ، استخدام وسائل الإعلام) .
- العنف كالإضرابات و عرقلة العمل .
تتميز الجماعات عن الأحزاب فيما يلي :
- تختلف عن الأحزاب في كونها لا تسعى للوصول إلى السلطة السياسية بل لتحقيق مصالح معينة مادية او معنوية .
- أهدافها محدودة مقارنة مع الأحزاب .
- لا تعتمد بصفة محددة أساسية على العدد الضخم من المنخرطين .
- الأحزاب تقدم مرشحين لها في الانتخابات بعكس الجماعات الضاغطة التي قد تمول و تقدم مرشحين يخدمونها عن طريق الأحزاب .
- تأثيرها على السلطة يمون غير مباشر بل كثيرا ما تعمل في الخفاء ..
لكن هناك علاقة وطيدة بين الأحزاب و الجماعات الضاغطة فكثيرا ما تسيطر الأحزاب عليها ، او أن الجماعات الضاغطة نمول الأحزاب .
تسعى هذه الدراسة إلى مقاربة موضوع، ذي أهمية بالغة، وحساسية شديدة، داخل الحقل السياسي لأي دولة، ويتعلق الأمر بالجماعات والقوى الضاغطة، وذلك من خلال محاولة ملامسة الأسس والمكنزمات التي تقوم عليها هذه الجماعات، عبر رصد وكشف مضمونها، وهذا لن يتأتى إلا من خلال استجلاء ماهيتها، وتبيان وظيفتها وحدودها على مستوى الحقل السياسي، وبعبارة أخرى فإن الأسئلة المرجعية التي تسعى هذه الدراسة إلى الإجابة عنها هي كالتالي : ما المقصود تحديدا بالجماعات والقوى الضاغطة؟ ما الفرق بينها وبين الأحزاب السياسية ؟ ما هي الخصائص المميزة لها؟ ماهي أنواعها؟ ما هي الوسائل التي تعتمدها؟ ما هي الوظيفة التي تقوم بها على مستوى الحقل السياسي؟ وما هي العوامل التي تحدد وتقيد وظيفتها ومدى فعاليتها ؟
المبحث الأول : ماهية ال : يمكن تحديد ما هية الجماعات والقوى الضاغطة من خلال النقط التالية :
1- تعريفها :
يمكن الجزم إلى حد ما، على أنه لا يوجد خلاف كبير حول تعريف مفهوم الجماعات والقوى الضاغطة، فكل التعاريف تقريبا تجمع على اعتبارها مجموعة من جماعات المصالح التي تسعى إلى تحقيق أهداف معينة مرتبطة بمصالح السلطة السياسية، ولا تندرج ضمن أهدافها الوصول إلى السلطة، وقد سميت بجماعات الضغط من منطلق الضغوطات التي تمارسها على السلطات لتحقيق أهدافها، وقد وصفها البعض بأنها جماعات غير سياسية (يتعلق الأمر بحافظ علوان حمادي الدليمي في كتابه : المدخل إلى علم السياسة) وهذا أمر يجانب الصواب، فهي تجمعات تشمل كل جوانب الحياة الإنسانية من اقتصادية واجتماعية وثقافية ومهنية، وهي أيضا جماعات سياسية لأنها تستهدف في بعض الأحيان تحقيق غايات سياسية كاللوبي الصهيوني في الولايات المتحدة فهو لوبي سياسي اقتصادي واجتماعي. و يصفها البعض أيضا بأنها تجمعات غير رسمية (انظر قحطان أحمد سليمان القحطاني، الأساس في العلوم السياسية ، ص 335) وهذا أيضا أمر يجانب الصواب. فقد تكون القوى الضاغطة رسمية مجازة من السلطات الرسمية، كجمعيات الدفاع عن حقوق الإنسان، أو نقابات العمال، وقد تكون حكومية تشكل لتحقيق هدف معين، كجمعيات الصداقة بين الشعوب، كما في النظم الاشتراكية الزائلة في الاتحاد السفياتي السابق وأوربا الشرقية أو البيروقراطية العسكرية المرتبطة بالسلطة. إذن فما الفرق بينها وبين الأحزاب السياسية؟
2- الفرق بين الجماعات الضاغطة والأحزاب السياسية :
تختلف الجماعات الضاغطة عن الأحزاب في أهدافها ووسائل تكوينها، فهي في أهدافها تسعى لتحقيق مصالح مرتبطة بتكويناتها الاجتماعية والطبقية فإذا كانت جماعات مصلحة اقتصادية كنقابات العمال فإنها تدافع عن الأجور ودعم صناديق الاكتتاب بوسائل مختلفة كإضراب عن العمل واحتلال المصانع، بينما تهدف الأحزاب بالأساس إلى الوصول إلى السلطة وتكون وسائلها كسب التأييد الشعبي والنجاح في الانتخابات، واستخدام الوسائل الأجدر للترويج لمبادئها .
والأحزاب السياسية حين تفشل في الانتخابات، تتحول إلى معارضة سياسية، بينما تبقى الجماعات والقوى الضاغطة ساعية لتحقيق مكاسب لأعضائها سواء نجحت في ذلك أو فشلت، ولعل الجماعات والقوى الضاغطة هي أكثر نشطا من بعض الأحزاب سيما أحزاب الأطر التي لا تنشط إلا في أوقات الانتخابات ، وقد تلتقي الجماعات والقوى الضاغطة مع الأحزاب السياسية في التنظيم والعضوية والتمويل، وربما يكون التأثير الضاغط على الحكومات لدى هذه الجماعات أقوى من تأثير الأحزاب إذا كانت مرتبطة مع بعضها ، و هناك أحزاب سياسية لها جماعات وقوى ضاغطة متحالفة معها لتحقيق بعض الأهداف المعينة.
وقد تتحول بعض الجماعات والقوى الضاغطة إلى أحزاب سياسية كنقابة التضامن البولندية التي كان لها دور كبير في زعزعة النظام الاشتراكي الماركسي في بولندا قبل انهيار الاتحاد السوفياتي، ثم تحولت إلى حزب سياسي فاز في أول انتخابات بعد انهيار الحكم السابق ووصل إلى الحكم بزعامة (فاليسا).
بالإضافة إلى أن وسائل الجماعات والقوى الضاغطة التي تستخدمها قد لا تكون علنية أو شرعية، بينما الأحزاب تستخدم أساليب معلنة ومشروعة، ومن الناحبة التنظيمية فإن الجماعات الضاغطة قد لا تكون منظمة عكس الأحزاب السياسية التي لها هياكل تنظيمية ، ولا تخضع هذه الجماعات للرقابة الشعبية بينما تخضع الأحزاب السياسية لها .
3- خصائصها :
من خلال تحديد مفهوم الجماعات الضاغطة وكذلك تمييزه عن الأحزاب السياسية يمكننا الخروج بمجموعة من الخصائص التي تتميز بها هذه الجماعات وهي على الشكل التالي :
- أنها تعبر عن جماعة من الأشخاص.
- هناك مصالح مشتركة تربط بين هؤلاء الأشخاص وبعضهم ، بغض النظر عن ارتباطاتهم الإيديولوجية، حيث يحتمل أن تكون مختلفة وقد تكون متجانسة.
- إنها لا تستهدف الوصول إلى مراكز السلطة والاستيلاء عليها، وكل ما تستهدفه التأثير في قرارات السلطة وسياساتها لتوجهها في اتجاه أو آخر بما ينسجم مع مصالحها.
- قد تتنوع الجماعت حسب التنوع العام في اهتماماتها، فقد تكون جماعات عامة، حيث يمثل أفرادها قطاعا جماهريا عاما في المجتمع, مثالها النقابات أو الجمعيات الاجتماعية المختلفة، وقد تكون جماعات خاصة حيث يمثل أفرادها مجموعة من الأشخاص الذين تربطهم مصالح شخصية خاصة، وقد تكون جماعات اجتماعية تتحدد أهدافها في الدفاع عن بعض المصالح الاجتماعية، وقد تكون جماعات سياسية تتحدد مصالحها في الدفاع عن مصالح سياسية معينة (الجماعات الصهيونية في أمريكا) وقد تكون جماعات اقتصادية أو إدارية... وتتحدد أهدافها بالدفاع عن مصالح خاصة اقتصادية أو إدارية أو غيرها كل حسب اهتمامها الرئيسي.
- تعتمد الجماعات في ممارستها لوظائفها و في اتصالاتها بالسلطة بهدف التأثير فيها، على عدد من الأساليب المختلفة وغالبا ما تكون هذه الأساليب متميزة بالسرية والاتصالات الشخصية في إطار ما يسمى " الاتصالات ما وراء الكواليس".
ومن خلال هذه المعطيات يمكن القول بأن الجماعات والقوى الضاغطة تعتبرتنظيمات حديثة تقريبا وتعتبر الولايات المتحدة الأمريكية بشكل خاص والمجتمعات الأوربية الغربية بشكل عام الحقل الأساسي الذي تنبت فيه والميدان الواسع لنشاطها. أما ظاهرة الجماعات بشكل عام . فهي قديمة قدم وجود الجماعة البشرية الأولى، حتى أن بروز هذه الجماعات كقوى تلعب دورا سياسيا قديم جدا أيضا، وربما يعود إلى إلى بداية التكوين النظامي للدولة والمجتمع السياسي، ولكن بصورة تختلف عن الصورة الحديثة لها، حيث كانت جماعات خاصة غالب، ولا تتعدى مصالحها مصالح اقتصادية و مالية ، ولا يتعدى نطاقها المصالح الأسرية أو العائلية في كثير من الحالات ، وفي هذا الصدد يشير " رولان موسنيه" وهو يبحث تاريخ الحضارات العام في القرنين السادس والسابع عشر، إلى أهمية الدور الذي لعبه رجال المال الكبار في إيطاليا وألمانيا وغيرها من الدول الأوربية، ويضرب لذلك مثال أسرة" فوجر" في "أكسبورج" حيث تمكنت بفضل السلطات المالية التي تمتعت بها، و أغدقتها على الأسر والملوك الحاكمين، و كدالك من خلال مصاهرة الأسر المالكة في هنغاريا سنة 1515 ، و هكدا استطاعت أن تملي انتخاب شارل الخامس امبراطورا سنة 1519. كما دعمت الكرسي الرسولي ماليا فأعطاها حق بجباية الرسوم البابوية في العديد من الدول الأوربية ، كما عهد لهم الإمبراطور مكسميليان في إيطاليا باستثمار مناجم الفضة والنحاس التابعة له، وجباية ريع التاج في إسبانيا، وهذا يوضح التأثير الذي كانت تمارسه هذه الأسرة في أوربا بصفة عامة ، وهذا المثال يوضح أن الجماعات والقوى الضاغطة ليست نوع واحد بل تختلف في وجودها واستمرارها وأهدافها ووسائلها تبعا لطبقتها وتركيبتها الاجتماعية وتمثيلها للمصالح المختلفة، إذن فما هي الأشكال التي تتخذها؟
4- أنواعها:
إذا انطلقنا من التصنيف الذي أورده "جبريل ألموند" للجماعات والقوى الضاغطة فنجد أنه صنفها إلى أربعة تصنيفات هي على الشكل التالي :
- جماعات المصلحة الترابطية : وهي التي تعبر عن مصالح أعضائها في الأساس وهي النمط الشائع .
- جماعات المصلحة غير الترابطية : والتي تكون على أساس جغرافي أو طبقي أو ديني أو لغوي أو فكري أو مهني.
- جماعات المصلحة المؤسسة ، وتغلب عليها الطابع الحكومي الرسمي، كالبيروقراطية المدنية والعسكرية، لكن العاملين فيها يصبحون جماعة مصلحة حينما يعمدون للتأثير في صانعي القرار لتحقيق منافع خاصة بهم.
- جماعة المصلحة الفوضوية : وهي التي تعول على المظاهرات والإضرابات وأعمال الشغب وليس لها هيكل تنظيمي، ويغلب على نشاطها التلقائية والعنف.
أما إذا تجاوزنا تصنيف "جابريل ألموند" وحاولنا تصنيفها من حيث طبيعتها فسوف نجد أنها تنقسم إلى التصنيفات التالية :
- جماعات المصالح السياسية : وهي التي لها مصالح سياسية بحتة ، ويطلق عليها (اللوبي) كاللوبي الصهيوني.
- جماعات المصالح شبه السياسية وهي التي لها أهداف سياسية واقتصادية في آن واحد كنقابات العمال واتحادات أصحاب الأعمال.
- جماعات المصالح الإنسانية أو الخيرية وهي التي تمارس نشاطات متعلقة بحقوق الإنسان ورعاية الطفولة وجمعيات الرفق بالحيوان.
- جمعيات المصالح المهنية: وهي التي تهتم بالدرجة الأولى بتحقيق أهداف أصحاب المهنة الواحدة.
5- وسائلها :
يمكن تحديد أهم الوسائل التي تستخدمها الجماعات والقوى الضاغطة على الشكل التالي :
أ- الإقناع :
وهو أهم الوسائل التي تسعى جماعات المصلحة من خلاله لكسب الأتباع وإقناع الحكومات بأهدافها، عبر اللقاءات والاجتماعات الخاصة والعامة، وعبر وسائل الإعلام بمختلف جوانبها، ويتمتع رجال الأعمال بميزة القدرة على الإقناع، مستخدمين إمكانياتهم المادية وخبراتهم العلمية وبذل الجهود للوصول إلى الهدف المطلوب.
وتستعين هذه الجماعات بأصحاب الخبرة من العناصر الناجحة في توليها المناصب المختلفة كالقضاة والمشرعين النزيهين بعد التقاعد أو الوزراء السابقين/ أو كبار الموظفين مستغلة سمعتهم الجيدة للإقناع.
كما أن هذه الجماعات تؤثر على أعضاء الحكومة والبرلمان والمشرعين عبر تقديم معلومات وبحوث ودراسات مستندة إلى الأرقام وإن كانت غير صحيحة وتستخدم السفرات والدعوات لغرض الالتقاء والتباحث والإقناع.
ب- التهديد :
وهو من المسائل المهمة للضغط على السلطات الرسمية والتشريعية والقضائية ، كارسال الرسائل والبرقيات، ومقابلة الأشخاص المطلوب التأثير عليهم، ويأخذ التهديد أشكالا متعددة منها التهديد بسحب الثقة من أعضاء البرلمان، وعدم تأييد العضو الرافض في المستقبل، وقد يشمل التهديد شكل العقوبات والقتل، وما إلى ذلك من أعمال العنف أو خلق أزمات مالية واقتصادية للحكومات، كالتحريض على عدم دفع الضرائب أو التهديد باستخدام القوة المتمثلة بالإضرابات عن العمل.
ج- الضغط على السلطات الحكومية :
نظرا لأهمية السلطات الحكومية في إصدار القرارات سيما في الجوانب الاقتصادية والاجتماعية فضلا عن السياسة والتي تخص مختلف شرائح المجتمع فإن جماعات المصلحة تسعى للاتصال المباشر بالمعنيين في الجهاز التنفيذي والإداري بدءا من رئاسة الدولة والوزراء إلى المسؤولين الكبار، فقد تعمد إلى وقف تنفيذ قانون ما، فتطلب من رئيس السلطة التنفيذية ذلك عبر الرسائل والبرقيات بعدم التصديق عليه، أو التوجه بحذف بعض مواده أو إضافة أخرى.
وبالإضافة إلى هذه الوسائل ، فهناك وسائل أخرى توظفها الجماعات والقوى الضاغطة من أجل الوصول إلى غاياتها مثل التمويل، والمقاضاة، وتعبئة الرأي العام لصالحها، وكذلك التأثير في أعضاء البرلمان، حيث تشكل هذه أهم الوسائل التي توظفها في الضغط اتجاه استصدار قوانين وقرارات تخدم مصالحها ، إلا أن السؤال الذي لا زال يطرح نفسه في هذا الإطار هو ما هي وظيفتها على المستوى السياسي و ما هي حدود هذه الوظيفة؟
- ثانيا : وظيفتها وحدودها على المستوى الحقل السياسي :
1- وظيفتها :
تمثل الجماعات الضاغطة أحد مستويات التفاعل وربما الصراع التي تؤثر على الحياة السياسية ،مثلها مثل الأحزاب السياسية، رغم أنها تختلف عنها من حيث أهدافها وأساليبها (كما سبقت الإشارة لذلك) إلا أن هذا الاختلاف لا يبعدها عن بعضها البعض بقدر ما يجعلهما كما يقول (Macridis) بمثابة قناتين أساسيتين في عملية التمثيل الشعبي ، حيث تشكل الأحزاب قناة التمثيل السياسي بينما تمثل الجماعات وخاصة العامة منها قناة التمثيل الوظيفي.
وهذا يعني أن وظيفتها الأساسية لا تكمن في تقديم القيادات السياسية الممثلة للجمهور، كما الحال بالنسبة للأحزاب بل ترتكز وظيفتها بالدرجة الأولى في تجميع اهتمامات ومطالب الفئات التي تمثلها وتقوم بتقديمها للسلطة والعمل من أجل تحقيقها .
كما أنها تقوم بتحضير قطاعات الشعب صاحبة المصلحة بذلك ليقوموا بتأييد ودعم السلطة حين تستجيب لذلك، أو لمعارضتها ومجابهتها حين تكون استجابة السلطة سلبية .
وهذا بالطبع لا يلغي دورها في تقديم القيادات السياسية وتوصيلها للسلطة، إلا أنها تبقى وظيفة ثانوية وغير مباشرة وذلك بقيامها بدعم حزب معين ماليا وإعلاميا من أجل نصرته في الحصول على الأصوات اللازمة لنجاحه أو مواجهته لبرامج الأحزاب الأخرى التي تتناقض مع مصالحها.
2- حدودها :
وهناك مجموعة من العوامل الاساسية التي تحدد طبيعة أدوار الجماعات ودرجة قوتها أو ضعفها وأهمها :
-أ- البيئة السياسية : وتمثل أهم هذه العوامل ، وتتحدد البيئة السياسية عادة بطبيعة النظام السياسي ، هل هو ليبرالي أم شمولي ، ديمقراطي أو ديكتاتوري ؟
فالنظم الليبرالية تعتبر المرتع الخصب اللازم لنمو هذه الجماعات، وبالذات الجماعات الخاصة ،وذلك نظرا لعدم الممانعة من قبل الإيديولوجية العامة للنظام، حيث تقوم على حرية عمل مثل هذه الجماعات وغيرها.
أما النظام الديكتاتوري، فإنه لا يسمح بنمو هذه الجماعات وغالبا ما نجدها حيث يوجد محدودة وضعيفة، وخاصة الجماعات العامة، بينما قد تكون للجماعات الخاصة فرصة كبيرة، وخاصة الجماعات الاقتصادية حيث ليس من السهل تقييد حريتها ببساطة، وخاصة أنها تعمل بالطرق الخفية عادة.
كذلك الأمر بالنسبة للنظم الشمولية، وإن كانت هذه النظم تقاوم بشدة وجود الجماعات الخاصة، مع تسامحها بعض الشيء فيما يتعلق بالجماعات العامة، شريطة أن تظل مستوعبة داخل أجهزة السلطة، أما أن تبرز هذه الجماعات بصفة مستقلة عن أجهزة السلطة فغالبا ما يكون ذلك أمرا مرفوضا.
وبالطبع فإن ظاهرة الجماعات تظل موجودة في أي مجتمع وخاصة الجماعات الخاصة، وكما يقول (DJORDJEVIC) إنها ظاهرة حتمية لا يستطيع أي نظام تجنبها، وأن الجماعات تملك أساليب متنوعة للتعبير عن نفسها مما يمكنها من البروز بطرق مختلفة، يساعدها على ذلك تضخم المجتمعات المعاصرة، وتعقيد علاقاتها .
-ب-التنظيم أو التشكيل الرسمي للسلطة: ويتضمن هذا العامل عنصرين رئيسين لهما قوتهما في التأثير على الجماعات الضاغطة من حيث قدرتها وقوتها وهما :
- مدى الأخذ بأسلوب اللامركزية أو المركزية في النظام فمعظم النظم التي تطبق أسلوب السلطة المركزية الواحدة والقوية، تتميز بعدم وجود جماعات الضغط الضاغطة أو القادرة على عقد صفقات مع السلطة ، وتأثير هده الجماعات لا يمكنها من فرض مطالب محددة ولا يتعدى في أحسن الأحوال تقديم التماسات أو تظلمات أو آراء.
أما في النظم ذات التوجه اللامركزي، فإن فرصه نمو وتغلغل هذه القوى، تكون مضاعفة كثيرا بالقياس مع الحالة الأولى، وذلك لأن تعدد مراكز السلطة عبر المستويات التنظيمية المختلفة تزيد عدد القوى التي قد تلجأ إليها هذه الجماعات فيما لو فشلت على المستوى المركزي أو على بعض المستويات اللامركزية الأخرى.
- مدى الفصل بين السلطات : فتطبيق مبدأ الفصل بين السلطات يخلق ويضاعف الفرصة الحقيقية لتمارس هذه الجماعات نشاطها وفعاليتها، فإذا فشلت في الضغط على إحدى السلطات تتحول للسلطات الأخرى.
-ج-وضع الأحزاب السياسية : ان متابعة طبيعة العلاقة بين أوضاع الأحزاب السياسية ودرجة قوتهما، وبين أوضاع الجماعات الضاغطة وفعاليتها تولد، استنتاجا يبرز غالبا كقاعدة عامة، مفادها أن قوة وفعالية الجماعة الضاغطة تتناسب طرديا مع ضعف الأحزاب السياسية وعكسيا مع قوتها.
ومؤداه ، أن العلاقة بين هذين القناتين قد تبرز ضمن إحدى الصورتين التاليتين :
- علاقة تكامل وظيفي وهذه العلاقة واقعية فعلا، حيث أن كل طرف منهما يحاول أن يملأ الفراغ الذي لم يستطع الآخر أن يملأه .
- علاقة إحلالية أو استبدالية بحيث يبرز أحد هذين الطرفين كبديل للطرف الآخر وربما على أنقاضه، ومتابعة الظروف المختلفة في النظم السياسية تؤكد هذه النتيجة.
وخلاصة القول، فان الجماعات الضاغطة تتمتع بدور هام على صعيد الحياة العامة، إلا أن هذا الدور يفترض ضرورة التحرز إزاءه، لبروزه كسيف ذو حدين، فقد يبرز من زاوية معبرة عن إحساسات وطموحات عامة، كما قد يبرز من زاوية معبرة عن اهتمامات ومصالح ضيقة.
/عبد المعطي محمد عساف، مقدمة إلى علم السياسة، دار مجدلاوي للنشر والتوزيع، عمان الأردن .ط 2 ، 1981.
قحطان أحمد سليمان القحطاني، الأساس في العلوم السياسية، عمان دار مجدلاوي للنشر ، 2004
تعتبر الأحزاب السياسية بمفهومها الحديث ظاهرة حديثة النشأة لا يتجاوز عمرها القرن إلا قليلا باستثناء أحزاب الولايات المتحدة الأمريكية ، غير ان للأحزاب أصولها التاريخية التي تتمثل في اتجاهات الرأي و النوادي الشعبية و جمعيات الفكر و المجموعات البرلمانية . وكانت الأحزاب او ما يشابهها في الماضي تعتبر بدعة سيئة ترمز إلى التفرقة و يخشى منها على وحدة الدولة و ينظر إليها بشيء من عدم الارتياح . وقد نشأت الأحزاب في العصر الحديث مع التزايد الهائل في أعداد الناخبين الذي صاحب انتشار مبدأ الاقتراع العام في القرن التاسع عشر اذ وجد الناخبون أنفسهم مجرد جمهور عريض من أصحاب الحقوق السياسية غير قادر على تحديد أهدافه العامة او مناقشة مشاكله الهامة ، فظهرت الحاجة إلى تنظيمات شعبية يتجمع حولها الناخبون ، وهكذا قامت الأحزاب السياسية استجابة الى لحاجة الناخبين إليها ، ووضعت البرامج التي من شانها استقطاب اكبر عدد من الأصوات الناخبين لصالح مرشحيها بهدف الحصول على أغلبية المقاعد البرلمانية مما يمكنها من تشكيل الحكومة .
تعريف الحزب السياسي :
هي تنظيمات شعبية تستقطب الرأي العام و تستهدف تولي السلطة في الدولة ، وذلك باستعمال طرق ووسائل مشروعة . و لذلك نقول ان الديمقراطية ترتكز على التعددية الحزبية و على وجود ضمانات فعلية لممارسة الحريات العامة و خاصة لضمان حقوق المعارضة كما ترتكز على سيطرة روح من التسامح تترجم عمليا باحترام متبادل لكل الآراء .
مزايا تعدد الأحزاب السياسية :
- أداة الرأي العام في التعبير عن مختلف اتجاهاته.
- الأحزاب السياسية تنشط الحياة السياسية في الدولة.
- التصدي للاستبداد الحكومي .
- خلق النواب و السياسيين القادرين .
خصائص الحزب :
الحزب هو تنظيم دائم . - هو تنظيم وطني .- السعي للوصول الى السلطة .- الحصول على الدعم الشعبي .- المذهب السياسي .
نقول أن المادة 40 من دستور 1989 تقول أن حق إنشاء الجمعيات ذات الطابع السياسي معترف به ، لكن لا يمكن التذرع بهذا الحق لضرب الحريات الأساسية والوحدة الوطنية والسلامة الترابية و استقلال البلاد و سيادة الشعب ".وأكد على هذه المادة قانون 89-11 و المتعلق بالجمعيات ذات الطابع السياسي
تصنيف الأحزاب السياسية :
- الأحزاب الليبرالية و الأحزاب الاستبدادية :
* الأحزاب الليبرالية هي أحزاب تؤمن بالتعددية العقائدية متسامحة و غالبا ما تكون ديمقراطية ،إلا انه من الممكن وجود أحزاب ليبرالية في أنظمة استبدادية ، وهي أحزاب رأي أي تجمع بين أشخاص يؤمنون بنفس الآراء السياسية و من ابرز أمثلتها أحزاب بريطانيا الثلاث المحافظ و الليبرالي و العمالي .و لا تدعو الأحزاب الليبرالية إلى تغيير السلطة بالعنف و إنما تؤمن بإمكانية التغيير الديمقراطي .
* الأحزاب الاستبدادية تهدف إلى منع التعددية الحزبية و هي تهدف الى إصلاح المجتمع من خلال الثورة ، إضافة الى أنها أحزاب شمولية تهدف إلى تحقيق الدولة الشمولية التي تشمل سلطاتها كل المجالات دون قيود ، وترفض في هذا النوع من الأحزاب المعارضة ومثالها ( الأحزاب البرولتارية و العمالية و النازية ).
- الأحزاب المنظمة و الأحزاب الغير منظمة .
* تعود بداية الأحزاب الغير منظمة إلى أواخر القرن السابع عشر في انكلترا و إلى الثورة الفرنسية 1789 ، فالأحزاب غير المنظمة هي أحزاب تقتصر على بعض البرلمانيين و على بعض التنظيمات الإقليمية حيث لا انتشار إقليمي للحزب .
* اما الأحزاب المنظمة قد تكون ليبرالية و ديمقراطية او استبدادية ، وهي تتميز بوجود قاعدة حزبية شعبية واسعة. وتتميز الأحزاب المنظمة بتوفير مصادر تمويل اكبر من تلك التي توفرها الأحزاب غير المنظمة .
- الأحزاب الصغير و الأحزاب الكبيرة
غالبا ما يكون للأحزاب الصغيرة عددا قليلا من الحزبيين بالمقارنة مع الأحزاب الكبيرة ، ويساعد نظام الانتخاب النسبي على زيادة الأحزاب الصغيرة التي لا تمثل سوى نسبة ضئيلة من الرأي العام ، والأحزاب الصغيرة تكون إما مرنة او جامدة ، جامدة أي أنها تتمثل في البرلمان دون التحالف مع غيرها من الأحزاب ، اما المرنة فهي المضطرة الى التحالف مع أحزاب لمواجهة الخصم .
اما الأحزاب الكبيرة فهي تضطر أن تنظم نفسها بطريقة ديمقراطية من الأعلى الى الأسفل، وهي تعتبر أحزاب رأي متسامحة بعيدة عن الإيديولوجيات المتطرفة ، وبالتالي نقول ان الأحزاب الكبيرة تضطر الى تقبل عدة تيارات سياسية و هذه التيارات تتصارع ديمقراطيا داخل الحزب ، وتطمح الأحزاب الكبرى في الوصول إلى السلطة و الاستئثار بها و لذلك فهي تعمل على كسب اكبر عدد ممكن من المواطنين و خاصة في الانتخابات النيابية .
- تصنيفات أخرى هناك من يميز بين الأحزاب على أساس التركيبة الاجتماعية (أحزاب الرأي ، أحزاب الطبقات ـ الأحزاب المهنية ، أحزاب الفلاحين، أحزاب البورجوازيين، الأحزاب العمالية ...) او أن تصنف على أساس جغرافي .
أنظمة الأحزاب و نتائجها :
* أنظمة الحزب الواحد : يهدف الحزب الواحد إلى إقامة دكتاتورية مطلقة و يبرر ذلك إما باعتباره يمثل الأمة (الأحزاب الفاشية) أو الأكثرية الساحقة من الشعب ( الأحزاب الشيوعية) .
* أنظمة الأحزاب التعددية : يمكننا أن نميز بين أنظمة الثنائية الحزبية و أنظمة الثلاثية و الرباعية و التعددية الحزبية مع إمكان وجود حزب مسيطر .
خلاصة القول أن للأحزاب دور أساسي في عمل الأنظمة السياسية الديمقراطية ، فالأحزاب السياسية الحرة المنظمة و التعددية هي عماد الأنظمة السياسية ، الخلاصة الثانية أن أنظمة الأحزاب هي إلى حد بعيد نتيجة لنظام الانتخاب المطبق .
الجماعات الضاغطة :
الجماعات الضاغطة هي عبارة عن تنظيمات تمثل مصالح خاصة لبعض الفئات تمارس ضغط على الحكام من اجل إصدار تشريعات تراعي المصالح المشتركة لتلك الفئات .
خصائصها :
- مجموعة من الناس أو من المؤسسات يوجدون في شكل اتحاد او جمعية .
- لها مصالح مشتركة تجمع بينهم و هي عادة مادية .
- تستعمل عددا من وسائل الضغط و التأثير .
- تمارس ضغطها على السلطة السياسية الحاكمة حتى تستجيب لطلباتها .
تصنيفها :
- جماعات المصالح و جماعات الأفكار :
* الأولى هي التي تدافع عن مصالح مادية أساسا مثل جماعات التجار و أصحاب الأعمال و النقابات و الاتحادات المهنية .
* جماعة الأفكار تسعى إلى فرض أفكار و قيم معينة سواء أخلاقية او سياسية مثل جمعيات الدفاع عن حقوق الإنسان .
- جماعات الضغط الكلي و جماعات الضغط الجزئي :
* جماعات الضغط الكلي همها الأساسي ممارسة نشاط الضغط على السلطات العامة و توجد بصفة أساسية في الولايات المتحدة الأمريكية (اللوبيات) .
* أما جماعات الضغط الجزئي يكون الضغط فيها جزءا من نشاطها العام مثل الاتحادات المهنية .
- التصنيف حسب المجالات :
* جماعات الضغط السياسي (lobbies ) : هي جماعات ذات مصالح سياسية بحتة تعمل على أن تكون لها علاقات دائمة مع رجال السلطة و تمارس الضغط بشكل مستمر للحصول على المزيد من الامتيازات مثل اللوبي اليهودي في أمريكا .
* جماعات الضغط شبه السياسية : مثل نقابات العمال و الاتحادات المهنية تستعمل النشاط السياسي كوسيلة لتحقيق أهداف اقتصادية و اجتماعية .
* جماعات الضغط الإنسانية مثل الجمعيات الخيرية لا تنشط إلا بقصد الحصول على اعانات مالية و قوانين لصالحها .
* جماعات الضغط ذات الهدف : تدافع عن مبادئ على مستوى محلي او دولي مثل greenpeace.
* جماعات الضغط للدفاع عن مصالح الدول الأجنبية مثل اللوبي الصهيوني و الياباني .
دور الجماعات الضاغطة :
تعتبر قوة اعتراض و قوة اقتراح في نفس الوقت و بالتالي فهي تمكن العديد من الأفراد من الدفاع عن مصالحهم و كذلك الكثير من الفئات الاجتماعية . لذا فهي تقدم معلومات مهمة للحكام لاتخاذ قرارات دقيقة و صائبة و ملائمة و أكثر واقعية في القطاع المعني ، فهي لها دور وساطة بين الحكام و المحكومين ، وبالتالي تمثل قناة يمارس من خلالها المواطنون سيادتهم و حياتهم الديمقراطية . و هناك عدة عوامل تحكم الدور الفعال للجماعات الضاغطة و هي العامل المالي و عامل كثرة الأعضاء و عامل حسن التنظيم و القدرة على الانتشار عبر الوطن .
وسائل الجماعات الضاغطة :
- الاتصال بالحكومة (الصداقات ، الإغراءات المالية ، الحفلات ، إرسال الرسائل).
- التأثير في النواب (الضغط عليهم ، تمويلهم في حملاتهم الانتخابية).
- تعبئة الرأي العام (إصدار النشرات ، عقد الندوات ، استخدام وسائل الإعلام) .
- العنف كالإضرابات و عرقلة العمل .
تتميز الجماعات عن الأحزاب فيما يلي :
- تختلف عن الأحزاب في كونها لا تسعى للوصول إلى السلطة السياسية بل لتحقيق مصالح معينة مادية او معنوية .
- أهدافها محدودة مقارنة مع الأحزاب .
- لا تعتمد بصفة محددة أساسية على العدد الضخم من المنخرطين .
- الأحزاب تقدم مرشحين لها في الانتخابات بعكس الجماعات الضاغطة التي قد تمول و تقدم مرشحين يخدمونها عن طريق الأحزاب .
- تأثيرها على السلطة يمون غير مباشر بل كثيرا ما تعمل في الخفاء ..
لكن هناك علاقة وطيدة بين الأحزاب و الجماعات الضاغطة فكثيرا ما تسيطر الأحزاب عليها ، او أن الجماعات الضاغطة نمول الأحزاب .
اسم الموضوع : الجماعات والقوى الضاغطة ماهيتها وحدود وظيفتها في الحقل السياسي
|
المصدر : القانون الدستوري