عناصر القوة والضعف في دولة الدستور
أكدت جميع المعايير ووجهات النظر الدستورية على الإرادة العامة، التي تعني مجموع إرادات الافراد وهم أصحاب السلطة واتفقت تقريبا على أن الإرادة تعني (تفويض الشعب للسلطات وفقا للمصلحة العامة للشعب) وفقا لنظرية العقد الاجتماعي وهذه السلطات ثلاث التشريعية والتنفيذية والقضائية، وقد يتم دمج بعضها في بعض النظم وقد يتم التأكيد على استقلاليتها في نظم أخرى، التي غالبا ماينسحب معناها الى الحكومة والدولة.
ومن بين النظريات التي تعتمد على مبدأ الإرادة، نظرية فصل السلطات، وهذا الفصل لايعني بأي حال من الأحوال العزل الكامل أو الاستقلالية التامة، لأن الفصل هنا من اجل أن لايحصل تداخل في أساليب العمل والاختصاص، بل يكون الفصل مع وجود ترابط منهجي في العمل، بالإضافة الى أعتبار المؤسسة العسكرية خارج أطار تلك السلطات، باعتبارها المؤسسة العاملة لحماية تلك الدولة وكفالة ضمان عمل تلك السلطات وفق النصوص الدستورية،
مع إن هناك من يعتبر هذه المؤسسة جزءاً مهماً من السلطة التنفيذية واتفق الفقهاء في القانون الدستوري على ان الأمة هي صاحبة الإرادة الشعبية وهي مصدر السلطات وهي التي تخول أو تمنح الهيئة السياسية بعضاً أو كلاً من التصرفات التي تملكها والتي ينص عليها الدستور.
ومن خلال هذا التفويض والصلاحيات تتمتع الدولة بشخصية معنوية مستقلة، تمارس جميع الحقوق الممنوحة للشخص المعنوي لكن شخصيتها منفصلة تماماً عن شخصيات الأفراد الذين يمارسون السلطة والحكم فيها والشخصية المعنوية هي شخصية افتراضية وتكون الدولة وحدة قانونية مستقلة عن شخصيات الهيئة المسيطرة على الحكم، أذ يتمتع كل واحد منهم بشخصية حقيقية مستقلة وذمة مالية مستقلة لاعلاقة لها بذمة الدولة لا تمسها الشخصية المعنوية للدولة ولا تتداخل معها كما أن المعاهدات والاتفاقيات الدولية المبرمة مع هذه الدولة تبقى غير متأثرة بدخول أو خروج الأفراد ماداموا يحملون التخويل الشرعي والقانوني، وأن هذا الأمر لا يؤثر على التبدل الحاصل في أسماء ووجوه العاملين في مؤسسة الدولة، مثلما لايؤثر على العقود والاتفاقيات التي يعقدها الشخص المعنوي (الدولة) قبل ذاك.
ودور المؤسسة التشريعية التي يفترض بها إن تكون منتخبة من الشعب انتخابا مباشرا حتى يمكن إن تقوم بمهمة التشريع بشكل حقيقي، وتؤدي دورا تمثيليا واعتباريا باعتبارها تم تفويضها وتوكيلها من الشعب لتشريع القوانين وتطوير التشريعات بما يضمن المصلحة العامة للشعب.
وإذا كانت الإرادة العامة هي الأساس الذي تقوم عليه تلك السلطات، فأن الأمر يعني إن هناك وعيا قانونيا يختلف بين مجتمع وآخر، يدفع بتلك الجماهير الى أجراء العقد الاجتماعي وتفويض البرلمان أو مجلس النواب تلك المسؤولية الاعتبارية باعتباره ممثلا لشرائح المجتمع التي تجسدت في عملية الانتخاب.
ويتعلق الأمر بالوعي الانتخابي الذي تفترضه الإرادة الواعية التي انتخبت المؤسسة التشريعية والتي ستكون نائبا لمصالح تلك الشرائح التي انتخبتها بكامل إرادتها ووعيها.
ولهذا السبب فأن موقع الإرادة الشعبية مهما وأساسيا في عملية بناء دولة الدستور والقانون، وعملية بناء الدولة الحديثة القائمة على أسس تلك المعايير الدستورية، يجعل من تلك المؤسسات التي تشكل بمجموعها الحكومة أدوات منفذة للإرادة الشعبية، وبذلك تتخلص من هيمنة شخص الحاكم أو المؤسسة الحاكمة، كما يلغي عملية حصر السلطة في مؤسسة أو جهة واحدة .
وعليه فإذا كان الدستور هو الوثيقة التي تنص على القواعد العامة والمبادئ الأساسية التي تحدد شكل النظام السياسي، وتحدد الحقوق والحريات العامة للمواطن، وتتعرض الى واجبات رئيس الدولة وتكوين السلطات الثلاث، فأنها أيضا ترسم و تحدد العلاقات بين الدولة والمجتمع وبين مؤسسات الدولة.
وفي الوقت الذي تنص فيه مواد الدستور على تلك التفصيلات، فإن حماية مصالح الشعب في ترسيخ أسس القانون لايمكن التزام الناس بها وجعلها قواعد ملزمة مالم تقنن بقانون ملزم مع ما يتطلبه من ضوابط قانونية وقواعد تنظيمية وإجراءات بحق الخروقات والتجاوزات والتعديات تنظمها بشكل عام تلك القوانين.
ومسألة الوعي القانوني والدستوري غاية في الأهمية، بل هو أهم أجزاء الوعي الجماهيري بشكل عام، ولا يقتصر عدم توفر الوعي القانوني على الأميين من أفراد الشعب، بل يمتد الى قطاعات واسعة من المتخرجين المتعلِّمين. إن الوعي القانوني هو أن يعرف المواطن ما له من حقوق وما عليه من واجبات، وأن يدرك حقوقه الدستورية، وأن يتعرف على واجباته والتزاماته القانونية تجاه الدولة، وأن يعرف ما يحكم علاقاته ومعاملاته مع الدولة ومع الغير من قواعد.
وتوفر الوعي القانوني بدرجاته منوطاً برغبة تلك الجماهير على تقبل مفاهيم القوانين ونصوص الدستور، بالإضافة الى مساهمة فعالة من منظمات المجتمع المدني والأحزاب. وفي حال عدم توفر الوعي القانوني والدستوري يصار الى استغلال ذلك الظرف من قبل المرشحين والأحزاب التي تدخل العملية الديمقراطية التي يتم إفراغ جزء مهم منها في حال عدم توفر الوعي بين تلك الجماهير أو على الأقل تأهيلها لتعي مسألة الاختيار والحقوق.
لا يعود إهمال الوعي بالدستور إلى عدم توفر الأرضية والقواعد العامة للثقافة القانونية بشكل عام ، وإنما يعود إلى جيل قديم من السياسيين لا يقيم لتلك الثقافة ولايعير اهتماما للثقافة القانونية ، مع إن تلك الأحزاب والجيل الذي عاصرها كانوا واعين من النواحي السياسية والثقافية، بالإضافة الى إن الدستور العراقي ومنذ كتابته لأول مرة (القانون الأساس) وتغييره بعد حلول الجمهورية ونهاية الملكية، وصيرورته (دستورا مؤقتا)، لم تكن الجماهير تتعرف على أسباب كتابته بالشكل المؤقت والقاعدة التي استند اليها في التشريع، كما لم تكن الناس تعرف تلك النصوص التي تحدد حقوقها وواجباتها، لأنها أصلا دون حقوق، كما لاتتعرف الناس على السلطة التي تضمن تلك الحقوق والمرجعية التي تحدد ماهية تلك الحقوق والخروقات والتجاوزات الحاصلة عليها، بالإضافة الى إن الدساتير المؤقتة كانت عرضة للتغيير أكثر من مرة مع تغير الحكومات سواء بالانقلابات أو بالمزاج والظروف.
المواطن العراقي في حاجة إلى إعادة بناء الثقافة الدستورية من جديد و بناء وعيه بالحقوق والواجبات المنصوص عليها في الدستور ومعرفة موقعه في الوعي العام كما ان من الضروري ان تكون لدى المواطن معرفة بالمرجعية التي يمكن الاحتكام اليها في حال الخرق أو التجاوز، وهذا لن يتأتى من دون نقاش حر ومسؤول من أجل أيجاد صيغ ثقافية شعبية تبسط التعابير القانونية، وتساهم في أيصال تلك المعلومات الثقافية.
ان عدم وجود هذا الوعي يعطي ذريعة لقيام الحكام والمسؤولين في المؤسسات التنفيذية بارتكاب الخروقات الدستورية ومحاولات تطويع تلك النصوص لمصالحها، وبالتالي تهميش قيمة العقد الاجتماعي مع الهيئة العامة.
ومن أجل بناء دولة المؤسسات وترسيخ سيادة القانون ينبغي ليس فقط الفصل بين السلطات الثلاث (التشريعية والتنفيذية والقضائية) وإنما يقتضي تحقيق التوازنات بينها، وتشجيع دور مؤسسات المجتمع المدني، وإصدار قوانين الحرية السياسية التي تؤمّن عمل ونشاط الأحزاب الوطنية، ووضع النصوص في الدستور التي تمنع ظهور أحزاب تتبنى المناهج العنصرية أو الإرهابية أو التكفيرية أو الطائفية، واحترام حقوق الإنسان من خلال التأكيد على الحقوق المدنية والسياسية بما ينسجم مع خصوصية الشخصية العراقية والمبادئ العامة لحقوق الإنسان.
أن الدولة شخص معنوي لاوجود له في الحقيقة، وهي فكرة خيالية ابتدعها فقهاء الفسلفة القانونية لتسهيل عملية التقاضي والتعاطي مع الدولة بصفتها الاعتبارية، لذا فأن الدولة كائن أفتراضي وليس له أحاسيس ومشاعر الأنسان الاعتيادي فالشخص الطبيعي تبدأ شخصيته بتمام ولادته حيا وتنتهي بموته، والشخص المعنوي يتمتع بجميع الحقوق إلا ماكان منها ملازما لصفة الشخص الطبيعي وذلك في الحدود التي يقررها القانون.
الأشخاص المعنويون هم الدولة او الحكومة، والهيئات والطوائف الدينية التي تعترف لها الدولة بشخصية اعتبارية، الأوقاف، الشركات التجارية والمدنية، والجمعيات والمؤسسات المنشأة وفقاً للقانون، وقد عرف القانون المدني العراقي النافذ الشخصية المعنوية وحدد احكامها، إذ تنقصها مقومات الشخص الحقيقي وأهمها الإدراك والإرادة، وأنها بطبيعتها غير قادرة على مباشرة أي نشاط قانوني، وغاية الأمر أن القانون منحها الشخصية القانونية كي يجعلها صالحة لأن تتعلق بها حقوق وواجبات نتيجة لنشاط أشخاص طبيعيين يزاولونه باسمها ولحسابها بموجب سلطات تخولهم ذلك، فلا يمكن أن ينسب للشخص المعنوي أي عمل إرادي، وبالتالي أي خطأ شخصي، ولذلك لا يمكن مساءلته مسؤولية شخصية. غير ان بعض القائلين بنظرية الفرض القانوني في الشخصية المعنوية اضطروا - نزولاً على الضرورات العملية - الى القول بإمكان مساءلة الشخص المعنوي إما باعتبار ان القانون إذ افترض للشخص المعنوي وجوداً قانونياً يتمثل في اعترافه له بالشخصية القانونية قد افترض له بالتالي إرادة هي إرادة الشخص الطبيعي ذي الصفة في مباشرة نشاطه، وإما باعتبار الشخص المعنوي متبوعاً للأشخاص الطبيعيين الذين يباشرون عنه نشاطه، فإذا ارتكب أحد هؤلاء الأشخاص خطأ سبب ضرراً للغير أمكن مساءلة الشخص المعنوي عن هذا الخطأ وفقاً لأحكام مسؤولية المتبوع عن فعل تابعه.
وعلى ذلك قالوا بإمكان مساءلة الشخص المعنوي أما مسؤولية شخصية حسب التكييف الأول، وأما مسؤولية تبعية حسب التكييف الثاني هي مسؤولية المتبوع على فعل تابعه.
غير ان التكييف الأول يرد عليه ما اعترض به على نظرية الفرض القانوني في أساسها، والتكييف الثاني اعترض عليه من جهة بأنه يقصر عن مساءلة الشخص المعنوي عن خطأ تابعه إذا لم يمكن تعيين شخص التابع الذي وقع منه الخطأ والذي أدى إلى حدوث الضرر، ومن جهة أخرى بأنه ينزل مديري الشخص المعنوي ومجالس إدارته منزلة التابعين في حين أنهم ليسوا كذلك بل أصحاب سلطة الأمر والتوجيه بالنيابة عن الشخص المعنوي، ومن جهة ثالثة بأن مسؤولية المتبوع إنما تقوم على أساس خطأ مفترض في جانبه في اختيار تابعه أو في رقابته، وإذا كان الشخص المعنوي لا يتصور وقوع الخطأ منه، فمن باب أولى لا يصح افتراض الخطأ في جانبه.
تعرف الدولة في العصر الحديث بأنها جماعة من الناس منظمة سياسياً تبسط سيطرتها على إقليم محدد يتمتع بالسيادة. ويعرفها فقهاء القانون الدستوري بأنها شعب يستقر في أرض معينة ويخضع لحكومة منظمة.
ومن التعريف يتضح أن للدولة اركاناً ثلاثة هي: الشعب والأرض والحكومة. فإذا توافرت العناصر الثلاثة وهي الشعب والإقليم والحكومة واجتمعت، قامت الدولة ككيان قانوني يجمع العناصر ويمثلها وأصبحت فرداً بين أفراد الدول التي تكون المجتمع الدولي، واكتسبت الشخصية المعنوية لتمييزها عن الشخصية الطبيعية الفردية أو لمجموعة من الأفراد، ولابد لهذه الشخصية المعنوية المجردة من أن يمثلها فرد طبيعي أو مجموعة أفراد يسمى أو يسمون (أصحاب السلطة)، ولا تتأثر هذه الشخصية المعنوية (الدولة) بموت أو تغيير ممثليها، فتبقى حقوق الدولة لها ومقيدة بالالتزامات التي تعهدت بها وتظل القوانين التي سنت فيها مطبقة حتى إن تغير شكلها ما لم يتم إلغاؤها صراحة أو ضمناً، بالرغم من تبدل ممثلي تلك الدولة أو تغيير شكلها أو طريقة تعيين أو تسمية رأسها بينما يرى ابن خلدون أن الدولة "كائن حي له طبيعته الخاصة به"، ويحكمها قانون السببية، وهي مؤسسة بشرية طبيعية وضرورية، وهي أيضاً وحدة سياسية واجتماعية لا يمكن أن تقوم الحضارة إلاَّ بها.
منقول
أكدت جميع المعايير ووجهات النظر الدستورية على الإرادة العامة، التي تعني مجموع إرادات الافراد وهم أصحاب السلطة واتفقت تقريبا على أن الإرادة تعني (تفويض الشعب للسلطات وفقا للمصلحة العامة للشعب) وفقا لنظرية العقد الاجتماعي وهذه السلطات ثلاث التشريعية والتنفيذية والقضائية، وقد يتم دمج بعضها في بعض النظم وقد يتم التأكيد على استقلاليتها في نظم أخرى، التي غالبا ماينسحب معناها الى الحكومة والدولة.
ومن بين النظريات التي تعتمد على مبدأ الإرادة، نظرية فصل السلطات، وهذا الفصل لايعني بأي حال من الأحوال العزل الكامل أو الاستقلالية التامة، لأن الفصل هنا من اجل أن لايحصل تداخل في أساليب العمل والاختصاص، بل يكون الفصل مع وجود ترابط منهجي في العمل، بالإضافة الى أعتبار المؤسسة العسكرية خارج أطار تلك السلطات، باعتبارها المؤسسة العاملة لحماية تلك الدولة وكفالة ضمان عمل تلك السلطات وفق النصوص الدستورية،
مع إن هناك من يعتبر هذه المؤسسة جزءاً مهماً من السلطة التنفيذية واتفق الفقهاء في القانون الدستوري على ان الأمة هي صاحبة الإرادة الشعبية وهي مصدر السلطات وهي التي تخول أو تمنح الهيئة السياسية بعضاً أو كلاً من التصرفات التي تملكها والتي ينص عليها الدستور.
ومن خلال هذا التفويض والصلاحيات تتمتع الدولة بشخصية معنوية مستقلة، تمارس جميع الحقوق الممنوحة للشخص المعنوي لكن شخصيتها منفصلة تماماً عن شخصيات الأفراد الذين يمارسون السلطة والحكم فيها والشخصية المعنوية هي شخصية افتراضية وتكون الدولة وحدة قانونية مستقلة عن شخصيات الهيئة المسيطرة على الحكم، أذ يتمتع كل واحد منهم بشخصية حقيقية مستقلة وذمة مالية مستقلة لاعلاقة لها بذمة الدولة لا تمسها الشخصية المعنوية للدولة ولا تتداخل معها كما أن المعاهدات والاتفاقيات الدولية المبرمة مع هذه الدولة تبقى غير متأثرة بدخول أو خروج الأفراد ماداموا يحملون التخويل الشرعي والقانوني، وأن هذا الأمر لا يؤثر على التبدل الحاصل في أسماء ووجوه العاملين في مؤسسة الدولة، مثلما لايؤثر على العقود والاتفاقيات التي يعقدها الشخص المعنوي (الدولة) قبل ذاك.
ودور المؤسسة التشريعية التي يفترض بها إن تكون منتخبة من الشعب انتخابا مباشرا حتى يمكن إن تقوم بمهمة التشريع بشكل حقيقي، وتؤدي دورا تمثيليا واعتباريا باعتبارها تم تفويضها وتوكيلها من الشعب لتشريع القوانين وتطوير التشريعات بما يضمن المصلحة العامة للشعب.
وإذا كانت الإرادة العامة هي الأساس الذي تقوم عليه تلك السلطات، فأن الأمر يعني إن هناك وعيا قانونيا يختلف بين مجتمع وآخر، يدفع بتلك الجماهير الى أجراء العقد الاجتماعي وتفويض البرلمان أو مجلس النواب تلك المسؤولية الاعتبارية باعتباره ممثلا لشرائح المجتمع التي تجسدت في عملية الانتخاب.
ويتعلق الأمر بالوعي الانتخابي الذي تفترضه الإرادة الواعية التي انتخبت المؤسسة التشريعية والتي ستكون نائبا لمصالح تلك الشرائح التي انتخبتها بكامل إرادتها ووعيها.
ولهذا السبب فأن موقع الإرادة الشعبية مهما وأساسيا في عملية بناء دولة الدستور والقانون، وعملية بناء الدولة الحديثة القائمة على أسس تلك المعايير الدستورية، يجعل من تلك المؤسسات التي تشكل بمجموعها الحكومة أدوات منفذة للإرادة الشعبية، وبذلك تتخلص من هيمنة شخص الحاكم أو المؤسسة الحاكمة، كما يلغي عملية حصر السلطة في مؤسسة أو جهة واحدة .
وعليه فإذا كان الدستور هو الوثيقة التي تنص على القواعد العامة والمبادئ الأساسية التي تحدد شكل النظام السياسي، وتحدد الحقوق والحريات العامة للمواطن، وتتعرض الى واجبات رئيس الدولة وتكوين السلطات الثلاث، فأنها أيضا ترسم و تحدد العلاقات بين الدولة والمجتمع وبين مؤسسات الدولة.
وفي الوقت الذي تنص فيه مواد الدستور على تلك التفصيلات، فإن حماية مصالح الشعب في ترسيخ أسس القانون لايمكن التزام الناس بها وجعلها قواعد ملزمة مالم تقنن بقانون ملزم مع ما يتطلبه من ضوابط قانونية وقواعد تنظيمية وإجراءات بحق الخروقات والتجاوزات والتعديات تنظمها بشكل عام تلك القوانين.
ومسألة الوعي القانوني والدستوري غاية في الأهمية، بل هو أهم أجزاء الوعي الجماهيري بشكل عام، ولا يقتصر عدم توفر الوعي القانوني على الأميين من أفراد الشعب، بل يمتد الى قطاعات واسعة من المتخرجين المتعلِّمين. إن الوعي القانوني هو أن يعرف المواطن ما له من حقوق وما عليه من واجبات، وأن يدرك حقوقه الدستورية، وأن يتعرف على واجباته والتزاماته القانونية تجاه الدولة، وأن يعرف ما يحكم علاقاته ومعاملاته مع الدولة ومع الغير من قواعد.
وتوفر الوعي القانوني بدرجاته منوطاً برغبة تلك الجماهير على تقبل مفاهيم القوانين ونصوص الدستور، بالإضافة الى مساهمة فعالة من منظمات المجتمع المدني والأحزاب. وفي حال عدم توفر الوعي القانوني والدستوري يصار الى استغلال ذلك الظرف من قبل المرشحين والأحزاب التي تدخل العملية الديمقراطية التي يتم إفراغ جزء مهم منها في حال عدم توفر الوعي بين تلك الجماهير أو على الأقل تأهيلها لتعي مسألة الاختيار والحقوق.
لا يعود إهمال الوعي بالدستور إلى عدم توفر الأرضية والقواعد العامة للثقافة القانونية بشكل عام ، وإنما يعود إلى جيل قديم من السياسيين لا يقيم لتلك الثقافة ولايعير اهتماما للثقافة القانونية ، مع إن تلك الأحزاب والجيل الذي عاصرها كانوا واعين من النواحي السياسية والثقافية، بالإضافة الى إن الدستور العراقي ومنذ كتابته لأول مرة (القانون الأساس) وتغييره بعد حلول الجمهورية ونهاية الملكية، وصيرورته (دستورا مؤقتا)، لم تكن الجماهير تتعرف على أسباب كتابته بالشكل المؤقت والقاعدة التي استند اليها في التشريع، كما لم تكن الناس تعرف تلك النصوص التي تحدد حقوقها وواجباتها، لأنها أصلا دون حقوق، كما لاتتعرف الناس على السلطة التي تضمن تلك الحقوق والمرجعية التي تحدد ماهية تلك الحقوق والخروقات والتجاوزات الحاصلة عليها، بالإضافة الى إن الدساتير المؤقتة كانت عرضة للتغيير أكثر من مرة مع تغير الحكومات سواء بالانقلابات أو بالمزاج والظروف.
المواطن العراقي في حاجة إلى إعادة بناء الثقافة الدستورية من جديد و بناء وعيه بالحقوق والواجبات المنصوص عليها في الدستور ومعرفة موقعه في الوعي العام كما ان من الضروري ان تكون لدى المواطن معرفة بالمرجعية التي يمكن الاحتكام اليها في حال الخرق أو التجاوز، وهذا لن يتأتى من دون نقاش حر ومسؤول من أجل أيجاد صيغ ثقافية شعبية تبسط التعابير القانونية، وتساهم في أيصال تلك المعلومات الثقافية.
ان عدم وجود هذا الوعي يعطي ذريعة لقيام الحكام والمسؤولين في المؤسسات التنفيذية بارتكاب الخروقات الدستورية ومحاولات تطويع تلك النصوص لمصالحها، وبالتالي تهميش قيمة العقد الاجتماعي مع الهيئة العامة.
ومن أجل بناء دولة المؤسسات وترسيخ سيادة القانون ينبغي ليس فقط الفصل بين السلطات الثلاث (التشريعية والتنفيذية والقضائية) وإنما يقتضي تحقيق التوازنات بينها، وتشجيع دور مؤسسات المجتمع المدني، وإصدار قوانين الحرية السياسية التي تؤمّن عمل ونشاط الأحزاب الوطنية، ووضع النصوص في الدستور التي تمنع ظهور أحزاب تتبنى المناهج العنصرية أو الإرهابية أو التكفيرية أو الطائفية، واحترام حقوق الإنسان من خلال التأكيد على الحقوق المدنية والسياسية بما ينسجم مع خصوصية الشخصية العراقية والمبادئ العامة لحقوق الإنسان.
أن الدولة شخص معنوي لاوجود له في الحقيقة، وهي فكرة خيالية ابتدعها فقهاء الفسلفة القانونية لتسهيل عملية التقاضي والتعاطي مع الدولة بصفتها الاعتبارية، لذا فأن الدولة كائن أفتراضي وليس له أحاسيس ومشاعر الأنسان الاعتيادي فالشخص الطبيعي تبدأ شخصيته بتمام ولادته حيا وتنتهي بموته، والشخص المعنوي يتمتع بجميع الحقوق إلا ماكان منها ملازما لصفة الشخص الطبيعي وذلك في الحدود التي يقررها القانون.
الأشخاص المعنويون هم الدولة او الحكومة، والهيئات والطوائف الدينية التي تعترف لها الدولة بشخصية اعتبارية، الأوقاف، الشركات التجارية والمدنية، والجمعيات والمؤسسات المنشأة وفقاً للقانون، وقد عرف القانون المدني العراقي النافذ الشخصية المعنوية وحدد احكامها، إذ تنقصها مقومات الشخص الحقيقي وأهمها الإدراك والإرادة، وأنها بطبيعتها غير قادرة على مباشرة أي نشاط قانوني، وغاية الأمر أن القانون منحها الشخصية القانونية كي يجعلها صالحة لأن تتعلق بها حقوق وواجبات نتيجة لنشاط أشخاص طبيعيين يزاولونه باسمها ولحسابها بموجب سلطات تخولهم ذلك، فلا يمكن أن ينسب للشخص المعنوي أي عمل إرادي، وبالتالي أي خطأ شخصي، ولذلك لا يمكن مساءلته مسؤولية شخصية. غير ان بعض القائلين بنظرية الفرض القانوني في الشخصية المعنوية اضطروا - نزولاً على الضرورات العملية - الى القول بإمكان مساءلة الشخص المعنوي إما باعتبار ان القانون إذ افترض للشخص المعنوي وجوداً قانونياً يتمثل في اعترافه له بالشخصية القانونية قد افترض له بالتالي إرادة هي إرادة الشخص الطبيعي ذي الصفة في مباشرة نشاطه، وإما باعتبار الشخص المعنوي متبوعاً للأشخاص الطبيعيين الذين يباشرون عنه نشاطه، فإذا ارتكب أحد هؤلاء الأشخاص خطأ سبب ضرراً للغير أمكن مساءلة الشخص المعنوي عن هذا الخطأ وفقاً لأحكام مسؤولية المتبوع عن فعل تابعه.
وعلى ذلك قالوا بإمكان مساءلة الشخص المعنوي أما مسؤولية شخصية حسب التكييف الأول، وأما مسؤولية تبعية حسب التكييف الثاني هي مسؤولية المتبوع على فعل تابعه.
غير ان التكييف الأول يرد عليه ما اعترض به على نظرية الفرض القانوني في أساسها، والتكييف الثاني اعترض عليه من جهة بأنه يقصر عن مساءلة الشخص المعنوي عن خطأ تابعه إذا لم يمكن تعيين شخص التابع الذي وقع منه الخطأ والذي أدى إلى حدوث الضرر، ومن جهة أخرى بأنه ينزل مديري الشخص المعنوي ومجالس إدارته منزلة التابعين في حين أنهم ليسوا كذلك بل أصحاب سلطة الأمر والتوجيه بالنيابة عن الشخص المعنوي، ومن جهة ثالثة بأن مسؤولية المتبوع إنما تقوم على أساس خطأ مفترض في جانبه في اختيار تابعه أو في رقابته، وإذا كان الشخص المعنوي لا يتصور وقوع الخطأ منه، فمن باب أولى لا يصح افتراض الخطأ في جانبه.
تعرف الدولة في العصر الحديث بأنها جماعة من الناس منظمة سياسياً تبسط سيطرتها على إقليم محدد يتمتع بالسيادة. ويعرفها فقهاء القانون الدستوري بأنها شعب يستقر في أرض معينة ويخضع لحكومة منظمة.
ومن التعريف يتضح أن للدولة اركاناً ثلاثة هي: الشعب والأرض والحكومة. فإذا توافرت العناصر الثلاثة وهي الشعب والإقليم والحكومة واجتمعت، قامت الدولة ككيان قانوني يجمع العناصر ويمثلها وأصبحت فرداً بين أفراد الدول التي تكون المجتمع الدولي، واكتسبت الشخصية المعنوية لتمييزها عن الشخصية الطبيعية الفردية أو لمجموعة من الأفراد، ولابد لهذه الشخصية المعنوية المجردة من أن يمثلها فرد طبيعي أو مجموعة أفراد يسمى أو يسمون (أصحاب السلطة)، ولا تتأثر هذه الشخصية المعنوية (الدولة) بموت أو تغيير ممثليها، فتبقى حقوق الدولة لها ومقيدة بالالتزامات التي تعهدت بها وتظل القوانين التي سنت فيها مطبقة حتى إن تغير شكلها ما لم يتم إلغاؤها صراحة أو ضمناً، بالرغم من تبدل ممثلي تلك الدولة أو تغيير شكلها أو طريقة تعيين أو تسمية رأسها بينما يرى ابن خلدون أن الدولة "كائن حي له طبيعته الخاصة به"، ويحكمها قانون السببية، وهي مؤسسة بشرية طبيعية وضرورية، وهي أيضاً وحدة سياسية واجتماعية لا يمكن أن تقوم الحضارة إلاَّ بها.
منقول
اسم الموضوع : عناصر القوة والضعف في دولة الدستور
|
المصدر : المنتدى القانوني العام و النقاش القانوني