خوجة

عضو مشارك
إنضم
22 ديسمبر 2009
المشاركات
89
مستوى التفاعل
4
النقاط
8
الإقامة
المسيلة
المحاكم الدولية :
ا : محاكم المنتصرين ((محكمتي نورمبرغ وطوكيو))
على الرغم من إبرام العديد من معاهدات السلام بعد الحرب العالمية الأولى كمعاهدة فرساي عام 1919، إلا إنها لم تنجح في ترسيخ السلام على ركائز ثابتة ومتينة، ولم تستطع عصبة الأمم وقف التدهور الحاصل على المستوى الدولي والإخلال بالسلم العالمي، لذلك باتت التصريحات الصادرة من المسؤولين تشكل أساسا جديدا للمسؤولية عن الجرائم الدولية خاصة في وقت الحرب.
ففي 25 /تشرين الأول (أكتوبر)/1941 صرح الرئيس الأمريكي روزفلت " بان الإرهاب والترويع لا يمكن أن يجلب السلام إلى دول أوربا، انه لا يفعل شيئاً سوى بث الحقد الذي سيؤدي يوما ما إلى قصاص رهيب " وفي الوقت نفسه صرح رئيس الوزراء البريطاني ونستون تشرشل " بان الجزاء على الجرائم المرتكبة يعد من الآن من المقاصد الرئيسية للحرب".(2)
وفي 13/1/1943 أكد تصريح سان جيمس بالاس والصادر عن تسع دول أوربية.(1) بان هذه الدول تضع من بين أهدافها ومقاصدها ضرورة توقيع العقاب من خلال قنوات عادلة ومنظمة على المجرمين و المسؤولين عن جرائم الحرب وجرائم ضد الإنسانية سواء أمروا بها أو نفذوها أو ساهموا في ارتكابها.(2)

وبمقتضى هذا التصريح فقد تم تشكيل لجنة خاصة للنظر في جرائم الحرب المرتكبة وتتكون هذه اللجنة من ( 17) دولة ممثلة بأعضاء عنها. وقد أطلق على هذه اللجنة ((لجنة الأمم ألمتحدة لجرائم الحرب )).(3)

ومن ابرز التصريحات التي صدرت خلال هذه الفترة هو تصريح موسكو في30/ تشرين الأول عام 1943 الصادر عن الرؤساء (( روزفلت – تشرشل – ستالين )). فقد أرسى هذا التصريح قواعد أكثر تحديدا في مجال المسؤولية الجنائية الدولية ومحاكمة المجرمين بشكل حاسم، إذ بموجبه – أي التصريح- يجب أن تطال المحاكمة كل من ارتكب جريمة دولية أو جرائم ضد الإنسانية .(4)
وبعد استسلام ألمانيا، ثم اليابان، اختلف الحلفاء فيما بينهم بشان مرتكبي الحرب، فكان رأي البعض منهم عدم الالتجاء إلى المحكمة والاكتفاء بإصدار قرار مشترك يقضي بان مجرمي الحرب يعتبرون خارجين عن القانون، بيد أن البعض الأخر قد ذهب مذهبا عكسيا تماما ينادي بوجوب إجراء محكمة عسكرية وعادلة، وهو الرأي الذي خلص إليه المجتمعون وتبناه مؤتمر لندن الذي كان منعقدا في تلك الأثناء، وتمخضت اجتماعاته عن عقد اتفاقية ((لندن )) الشهيرة في 8/8/1945.(5)
وبمقتضى هذه الاتفاقية التي تتكون من سبع مواد قانونية، فقد تم إنشاء محكمة عسكرية دولية عليا لمحاكمة مجرمي الحرب، والحق باتفاقية لندن السابقة نظام المحكمة العسكرية المسمى بنظام محكمة نورمبرغ.(1)


وقد عقدت هذه المحكمة جلساتها في مدينة نورمبرغ الألمانية الجنوبية والتي كانت المركز الرئيسي للحزب النازي، وحكمت هذه المحكمة بالإعدام على عدد من القادة النازيين الألمان، أمثال المارشال هرمان، وفون وينشيروب، والفرد روزنبرغ، وغيرهم من القادة والزعماء الألمان الذين كانوا مسؤولين عن سلسلة من المذابح وأعمال القتل الجماعي.(2)
ومن الجير بالذكر القول هنا بأن أخر سجين نازي أمام هذه المحكمة قد انتحر وهو
(رودولف هس) عام 1987.(3)
أما فيما يتعلق باليابان فانه بتاريخ 19/1/1946 اصدر القائد العام لقوات الحلفاء في اليابان قرارا بإنشاء محكمة عسكرية دولية لمحاكمة مجرمي الحرب اليابانيين عن الجرائم والمجازر التي ارتكبوها وقد أطلق على هذه المحكمة (محكمة طوكيو ) لانعقادها في مدينة طوكيو في اليابان.(4)
وقد تم إصدار قرار إنشاء المحكمة استنادا إلى ما تم الاتفاق علية في مؤتمر بوتسدام بين ترومان وستالين وتشرشل بشان محاكمة مجرمي الحرب.(5)
وتختص هذه المحكمة بالنظر في الجرائم ضد السلام والجرائم ضد الإنسانية وكذلك جرائم معاهدات الحرب وهي مخالفات قوانين وأعراف الحرب. وقد أصدرت هذه المحكمة في 12/11/1948 عده أحكام منها (6) أحكام بالإعدام.(1)
ولذلك انتهت هاتان المحكمتان بانتهاء مهمتيهما المؤقتة. ولنا أن نثير تساؤلاً فحواه.
" ما هو واقع هاتين المحكمتين ؟"
بتعبير آخر "هل إن إنشاء هاتين المحكمتين قد تم لتستكمل به الدول المنتصرة انتصارها ضد الدول المهزومة أم إن إنشاءهما لاعتبارات قانونية وإنسانية تقوم على الردع وتحقيق العدالة ؟"
للإجابة على هذا التساؤل نقول بان هاتين المحكمتين كانتا من قبيل إخضاع الدول المنهزمة في الحرب لإرادة الدول المنتصرة، فهي من باب الثار ادخل بها في باب المحاكمات القانونية العادلة. فعلى الرغم من الجرائم التي تم ارتكابها من قبل القوات الألمانية واليابانية، إلا انه في نفس الوقت يمكن القول بان اليابان قد أصابها ضرر بالغ لم يلحق بدولة أخرى، فقد هاجمتها الولايات المتحدة الأمريكية بقنبلة ذرية على مدينة هيروشيما في 6/8/1945، حيث قضت على (180) ألف نسمة من مجموع (340) ألف نسمة ( أي أكثر من نصف سكان المدينة )، وكذلك شن الإتحاد السوفيتي (سابقا ) حربا على اليابان ودخلت القوات السوفيتية منشوريا وكوريا، وفي 9/8/1945 أسقطت الولايات المتحدة الأمريكية قنبلة ذرية ثانية على مدينة ناغازاكي حيث أودت بحياة (8)ألاف ياباني.(2)
وعلى الرغم من فداحة الجرائم التي ارتكبتها الجيوش والقادة لدول الحلفاء، إلا انه لم تشكل أية محكمة لمحاكمة مجرمي الحرب الأمريكيين آو البريطانيين أو الفرنسيين عن الجرائم التي ارتكبوها سواء في ألمانيا أم في اليابان.
ولذلك وجهت إلى هاتين المحكمتين العديد من الانتقادات، وكان من أبرزها هو مخالفتيهما لمبدأ احترام قانونية الجرائم والعقوبات.(3)
إذ أن نظام هاتين المحكمتين قد جاء بقواعد قانونية لم تكن موجودة أو مقننة وقت ارتكاب الجرائم.(1) ومما يؤخذ عليهما أيضا هو مخالفتهما لمبدأ عدم رجعية القوانين الجنائية مما يعد خرقا واضحا لقواعد القانون الدولي الجنائي المتعارف عليها.(2)
لذلك نلاحظ بان هذه المحاكم قد جاءت بالشكل المرغوب به والمطلوب من الدول المنتصرة ضد الدول المنهزمة، فهي أرادت تحقيق رغبات الدول المنتصرة أولا، ثم بعد ذلك ينظر إلى الناحية الإنسانية والقانونية والدولية.(3)
وهنا يلاحظ بان هاتين المحكمتين " قد ظلتا مطبوعتين بطابع مصدريهما ويغلب عليهما الطابع السياسي وعدم الحياد، وشكلتا بالأحرى تطبيقا لقانون المنتصر وعدالته أكثر منه تطبيقا لقانون مجتمع الأمم العالمي".(4)
ولكن يلاحظ على الرغم من الانتقادات الموجهة لمحكمتي نورمبرغ وطوكيو . إلا إنهما اتخذتا أساسا لإنشاء قضاء جنائي دولي، إذ لا بد من الاعتراف لهذه المحاكمات إرساؤها مبدأ مسؤولية الأفراد الجنائية في القانون الدولي، بالإضافة إلى إلغائها مبدأ واجب الطاعة لأوامر الرؤساء عندما تكون هذه الأخيرة مخالفة لقواعد القانون الدولي.(5)
وعلى اثر ذلك دعت الجمعية العامة للأمم المتحدة لجنة القانون الدولي.(6) إلى إعداد مشروع يحدد الأعمال التي تعد في نظر فقه القانون جرائم مخلة بسلم الإنسانية وأمنها، فقد كلفت الجمعية العامة بقرارها رقم 177 بتاريخ 21/11/1947 لجنة القانون الدولي بصياغة مبادئ القانون الدولي المعترف بها في النظام الأساسي لمحكمة نورمبرغ وفي الحكم الصادر عن هذه المحكمة.(7)

ب : المحاكم الجنائية الدولية المشكلة من قبل مجلس الأمن:( Ad Hoc )
" اعتقد الكثيرون من دون شك إن الفظائع التي ارتكبت خلال الحرب العالمية الثانية – المخيمات الوحشية، الإبادة، والمحارق – لا يعقل أن تحصل مجددا، لكنها، رغم ذلك حصلت في كمبوديا وفي البوسنة والهرسك وفي رواندا، لقد اظهر لنا هذا الزمان، بل هذا العقد إن قدرة الإنسان على فعل الشر لا حدود لها" هذا ما ذكره الأمين العام للأمم المتحدة السيد كوفي عنان في كلمته عند إقرار النظام الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية .(1)
فما حصل من ماسي ومجازر بعد تفكك يوغسلافيا في البوسنة والهرسك والمجازر التي شهدتها رواندا في أفريقيا اثر خلاف عرقي، كل ذلك أشعل الفتيل من جديد محركاً الدعوات إلى ضرورة إنشاء محكمة جنائية دولية لمحاكمة مجرمي الحرب، وانتهى الأمر إلى إنشاء محاكم جنائية دولية مؤقتة استنادا إلى قرارات مجلس الأمن الدولي لعام 1993/1994، خصصت لمحاكمة مجرمي الحرب في تلك الدول.(2)
ولأهمية هاتين المحكمتين سنتناول كل منهما في البنود التالية.(3)
1 - المحكمة الجنائية الدولية الخاصة بيوغسلافيا السابقة .
كان للإحداث الدولية الدامية التي حدثت بعد انهيار جمهورية يوغسلافيا السابقة وما جرى فيها من أحداث وفظائع يندى لها جبين الإنسانية، وما ارتكبت من جرائم التطهير العرقي، والتي كانت هدف الحرب وليس نتيجتها غير المقصودة، (4) بالإضافة إلى أعمال العنف التي اتخذت عدة أشكال منها الإبادة الجماعية والاغتصاب المنظم والمجازر والتعذيب وإبعاد المدنيين الجماعي.
كل ذلك أدى إلى أن ينهض مجلس الأمن بمسؤوليته باعتباره حارسا على امن الإنسانية وسلمها كرد فعل للانتهاكات الصارخة للقانون الدولي الإنساني وحقوق الإنسان التي ارتكبت في أراضي يوغسلافيا السابقة، وتمثل دوره من خلال إصدار العديد من القرارات التي تتعلق بالحالة في يوغسلافيا السابقة باعتبارها تمثل تهديدا للسلم والأمن الدوليين.(1)
واستنادا إلى التقارير المرفوعة إلى مجلس الأمن والتي تقرر وجود ممارسات بشعة وانتهاكات للقانون الدولي الإنساني.(2) فان مجلس الأمن اخذ ذلك بنظر الاعتبار واصدر قراره المرقم 808 في 22/2 /1993 القاضي بإحداث محكمة جنائية دولية لمحاكمة المتهمين المسؤولين عن الانتهاكات الخطيرة للقانون الدولي الإنساني المرتكبة في أراضي يوغسلافيا السابقة منذ عام 1991.(3)
وبموجب هذا القرار فقد تم تكليف الأمين العام للأمم المتحدة بإعداد مشروع النظام الأساسي للمحكمة حيث اعتمده المجلس بقراره المرقم 827 في 25/5/1993، (4) وقد أجريت العديد من التعديلات على النظام الأساسي لهذه المحكمة.(5)
ففي تشرين الثاني (نوفمبر )/2000 عدل مجلس الأمن النظام الأساسي للمحكمة لتوفير مجموعة مؤلفة من (27) قاضيا يمكن لهم أن يساعدوا القضاة الدائمين والبالغ عددهم (16) قاضيا.(1) وفي إطار هذه المحكمة المؤقتة،(2) يثار التساؤل التالي:
- ما هو الواقع الفعلي لوجود المحكمة ؟
للإجابة على هذا السؤال نقول إنه على الرغم من أن النصوص الشكلية للمحكمة الدولية كانت أكثر تطورا في مثل هذه الحالات، فقد فرضت الظروف السياسية أن تخصص المحكمة فقط ليوغسلافيا السابقة، فهي محكمة مؤقتة ويعود السبب في ذلك التخصص من خوف الدول وبالذات المسيطرة على مجلس الأمن من أن يكون وجود المحكمة مبررا لتقديم قضايا تمس دولاً غير مرغوب في إدانتها.(3)
فالمحكمة الدولية كانت ذات طابع سياسي، وسبب ذلك يعود إلى إن إنشاءها تم من قبل هيئة سياسية وهو مجلس الأمن، والذي يعتمد في قراراته على تقديرات سياسية محكومة بمصالح الدول المؤثرة فيه.(4)
فبعد أن شنت قوات الناتو الحرب بقيادة الولايات المتحدة على يوغسلافيا، فان المحكمة الدولية كثفت نشاطها بشكل متصاعد، وتحولت المحكمة إلى تابع لحلف الأطلسي لتنفيذ ما يخطط لها، واتضح ذلك بشكل خاص بعد أن تم توقيع اتفاقية التعاون بين الناتو والمحكمة في عام 1996، وأصبحت المحكمة بالنسبة إلى الناتو سلاحاً للتدخل في الشؤون الداخلية لدول البلقان.(5)
ويلاحظ على هذه المحكمة بان الأحكام التي صدرت على بعض المتهمين أمامها، كانت العقوبات فيها لا تتناسب مع ما جاءت لتعاقب علية من جرائم.(1)
ومن ناحية أخرى فانه على الرغم من الانتهاكات التي ارتكبت من قبل حلف الناتو أثناء الحملة الجوية على يوغسلافيا عام 1998، إلا أن المحكمة الدولية لم تلفت النظر لمثل هذه الانتهاكات، والكوارث ((حيث اخذ المدعي العام للمحكمة بتوصية غير ملزمة أصلا للجنة التحقيق التي كان قد شكلها في 14/5/1999 بعدم تحريك دعوى بسبب – عدم الوضوح في القانون – رغم وقوع العديد من الانتهاكات لقواعد القانون الدولي الإنساني وقواعد قانون النزاعات المسلحة، والتي جاءت هذه المحكمة لملاحقة مرتكبيها في هذه المنطقة من العالم )).(2)
2- المحكمة الجنائية الدولية الخاصة برواندا :
كان للمجازر التي شهدتها رواندا في أفريقيا اثر خلاف عرقي وما جرى فيها من العديد من جرائم القتل والتنكيل الجماعي التي ارتكبت من قبل (الهوتو) عام 1994، والتي حصدت أرواح أكثر من مليون ونصف المليون شخص من قبائل ((التوتسي والهوتو )).(3)
كل ذلك دفع حكومة رواندا أن تلجا إلى مجلس الأمن الذي كان قد شكل لجنة من الخبراء للتحقيق في الجرائم المرتكبة في رواندا عام 1994 بموجب قراره المرقم (935) عام 1994.
واستنادا لما تقدم فان مجلس الأمن اصدر قراره المرقم (955) في 18/11/1994 مستندا في ذلك بموجب الفصل السابع من ميثاق الأمم ألمتحدة باعتبار إن الحالة في رواندا تشكل تهديدا للسلم والأمن الدوليين.(1)
ويقضي القرار بإنشاء محكمة جنائية دولية خاصة،(2) للنظر في جرائم ضد الإنسانية، وجريمة إبادة الجنس البشري، وكذلك خرق المادة الثالثة المشتركة بين اتفاقيات جنيف الأربع والمتعلقة بتامين المعاملة الإنسانية لغير المقاتلين النظاميين، إضافة إلى أحكام البروتوكول الثاني الخاص بالنزاعات المسلحة غير الدولية لعام 1977.(3)
وضمن إطار هذه المحكمة يلاحظ بأنه على الرغم من الميزانية الكبيرة المخصصة لهذه المحكمة التي تضم (16) قاضيا و(800) من العاملين،(4) إلا أنها – أي المحكمة – لم تحاكم إلا مجموعة قليلة من المتهمين، (5) فحتى نهاية آذار عام 2003 أصدرت هذه المحكمة (10)أحكام تتراوح بين السجن مدى الحياة وبين البراءة.(6)
ما يلاحظ بان النظام الأساسي الخاص لهذه المحكمة قد استند على الأسس نفسها التي استند عليها النظام الأساسي الخاص بالمحكمة الجنائية الدولية الخاصة بيوغسلافيا السابقة من حيث اعتماد نظامها على ميثاق محكمة نورمبرغ وكذلك المشروع الذي اعتمدته لجنة القانون الدولي حول الجرائم الماسة بأمن الإنسانية والتي من أهم أحكامها المسؤولية الفردية الجنائية، وعدم حصانه رؤساء الدول من المسؤولية وعدم جواز الدفع بصدور أوامر من الرؤساء لارتكابه جريمة، وعدم الحكم بعقوبة الإعدام على المتهمين الذين تثبت مسؤوليتهم.(7)
2 : المحكمة الجنائية الدولية الدائمة
على الرغم من إنشاء عدد من المحاكم الجنائية الدولية خلال فتره ما بعد الحرب العالمية الثانية التي نحن بصددها، إلا أن هذه المحاكم والتي بلغ عددها أربع محاكم دولية، كانت جميعها مؤقتة، وهو ما يعكس الوضع الدولي الذي لا يزال يشكو نقصاً فادحاً في العدالة والنزاهة، وهذا ما جعل مشروع المحكمة الجنائية الدولية يتعثر في كل مره يحاول فيها القيام، وسنلاحظ بان الجمعية العامة للأمم المتحدة كانت تؤجل في كل مره البت في مشروع المحكمة الجنائية الدولية الدائمة متذرعة بذريعة عدم تعريف ((العدوان)). ولكن يلاحظ بأنه على الرغم من إن الجمعية العامة أصدرت قرارا رقم 3314 في
14/12/1974 والذي يقضي بتعريف (العدوان) إلا انه يلاحظ بان مشروع المحكمة الجنائية الدولية لم ير النور إلا في 17/تموز /1998 وذلك على اثر انتهاء المؤتمر الدبلوماسي الدولي للمفوضين في مقر منظمة الأمم ألمتحدة للأغذية والزراعة في روما (ايطاليا )المعقود للفترة من 15/حزيران /1998 حتى 17/تموز /1998. ليعلن بذلك عن ولادة ما يسمى بـ ( نظام روما الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية(ROME STATUTE OF INTERNATIONAL CRIMINAL COURT ) في 17/7/1998.
وفي إطار هذا الموضوع يثار التساؤل التالي، وهو كيف وصل المجتمع الدولي إلى إقرار اتفاقية روما بشان إنشاء المحكمة الجنائية الدولية ؟
للإجابة على هذا السؤال، فان ذلك يستلزم الوقوف على بدايات طرح مشروع إنشاء المحكمة باعتبار إن هذا المشروع قد تم تناوله ضمن إطار جديد وهو إطار الأمم ألمتحدة، وهو ما سيتم تناوله في الأتي.

ا : بداية المشروع :
بعد أن تم تأسيس هيئة الأمم ألمتحدة عام 1945، فان موضوع إنشاء محكمة جنائية دولية قد حاز على اهتمام الكثير من المهتمين والمعنيين بالشؤون الدولية، وضمن هذا الإطار قدم الوفد الفرنسي إلى اللجنة المتخصصة في تطوير القانون الدولي وتقنينه التابعة للجمعية العامة مشروعاً يتضمن ضرورة إعطاء محكمة العدل الدولية صلاحية النظر في الجرائم التي يرتكبها رؤساء الدول ومجرمو الحرب، وكذلك تضمن المشروع دعوة لتأسيس محكمة جنائية دولية خاصة تمنح صلاحية النظر في الجرائم ذات الصفة الدولية.(1)
وعلى اثر ذلك أوصت اللجنة السادسة التابعة للجمعية العامة بإحالة الموضوع إلى لجنة القانون الدولي للوقوف على إمكانية إنشاء محكمة جنائية دولية متخصصة بالنظر في جرائم الأشخاص المتهمين بارتكاب جرائم دولية.
وبناءً على ما تقدم أصدرت الجمعية العامة للأمم المتحدة في دورتها الثالثة القرار رقم 260 في 9/كانون الأول /1948 وبموجبه طلبت الجمعية العامة من لجنة القانون الدولي التابعة لها دراسة إمكانية إنشاء جهاز قضائي دولي لمحاكمة الأشخاص المتهمين بارتكاب جرائم الإبادة، وبنفس الوقت طلبت الجمعية العامة من اللجنة دراسة إمكانية تأسيس محكمة جنائية دولية ضمن إطار محكمة العدل الدولية.(2)
وقد تضمن قرار الجمعية العامة السابق ذكره نص لاتفاقية ((منع جريمة الإبادة الجماعية والمعاقبة عليها)) والتي قد نصت في مادتها الأولى على مايلي (( يحاكم الأشخاص المتهمون بارتكاب الإبادة الجماعية آو أي من الأفعال الأخرى المذكورة في المادة الثالثة، أمام محكمة مختصة من محاكم الدولة التي ارتكب الفعل على أراضيها، أو أمام محكمة جنائية دولية تكون ذات اختصاص إزاء من يكون من الأطراف المتعاقدة قد اعترفت بولايتها)).(3)

ب ً: تطورات إنشاء المحكمة الجنائية الدولية حتى انعقاد مؤتمر المفوضين في روما
سبق وان رأينا بان الجمعية العامة أصدرت قرارها رقم 260 في 9/12/1948 لتكلف بموجبه لجنة القانون الدولي لدراسة مدى إمكانية إنشاء محكمة جنائية دولية، وبناء على هذا التكليف فان هذه اللجنة قد بدأت دراستها واجتماعاتها لدراسة هذا الموضوع منذ عام1950.
وقد توجت دراساتها بتقديم تقرير إلى الجمعية العامة أكدت فيه بان تأسيس محكمة جنائية دولية لغرض محاكمة الأشخاص المتهمين بارتكاب جرائم الإبادة الجماعية أو الجرائم الدولية الأخرى هو أمر مرغوب فيه ويمكن تنفيذه، أما فيما يتعلق بالاقتراح الثاني – إمكانية تأسيس محكمة جنائية دولية ضمن إطار محكمة العدل الدولية ممكن، ولكن بعد تعديل النظام الأساسي لمحكمة العدل الدولية، إلا أن اللجنة لا تحبذ هذا المشروع.(1)
وبناءًً على ما جاء في تقرير لجنة القانون الدولي بان إنشاء محكمة جنائية دولية أمر ممكن ومرغوب فيه، شكلت الجمعية العامة بموجب قرارها في 12/12/1950 لجنة خاصة تتكون من (17)دوله مهمتها وضع مشروع النظام الأساسي للمحكمة المقترحة.وتجتمع هذه اللجنة في جنيف ابتداءً من 1/8/1951.(2)
وبعد التقارير المقدمة إلى هذه اللجنة.(3) فإنها قد انتهت من وضع مشروع النظام الأساسي للمحكمة المقترحة وقدمته إلى الجمعية العامة لغرض المناقشة أو تقديم الاقتراحات حول هذا الموضوع.
• الاختلافات حول موضوع إنشاء المحكمة الجنائية الدولية
بعد أن تقدمت اللجنة الخاصة بمشروعها إلى الجمعية العامة، تمت مناقشة المشروع في اجتماع الجمعية العامة للأمم المتحدة في دورتها السابعة عام 1952، وقد قدمت الدول الأعضاء اقتراحاتها وملاحظاتها حول هذا المشروع، وقد انقسمت الآراء حول فكرة إنشاء المحكمة إلى اتجاهين.(4)
الاتجاه الأول، عارض إنشاء محكمة جنائية دولية مستندا على حجج منها:
- إن القضاء الجنائي الوطني يعد أهم معالم السيادة في الدولة، وان إنشاء قضاء جنائي دولي معناه انتهاك للسيادة الوطنية للدول.
- إن إنشاء محكمة في ظل هذه الظروف غير مجد ولا يعود بالنفع في الظرف الدولي الراهن.

- إن وجود هذه المحكمة متعلق بنشوب الحروب، وان استمرارها لا مبرر له، وان المحاكم التي تنشا بسبب ظروف معينه ولهدف محدد تكون عادة أكثر حسماً في الأمور وأكثر هيبة.
أما الاتجاه الثاني، فانه قد أيد مشروع إنشاء محكمة جنائية دولية مستندا أيضا على الحجج التالية.
- إن مفهوم السيادة بالمعنى التقليدي لا معنى لـه في ظل شبكه العلاقات الدولية، فالعلاقات الدولية أفرزت ظهور تكتلات إقليمية لها تأثيرها على مفهوم السيادة مثل الجماعة الأوربية، وجامعة الدول العربية، وكذلك إن الانضمام إلى منظمة الأمم المتحدة يعني في حد ذاته تنازلا عن فكرة السيادة المطلقة للدولة، بحيث أن عناصر السيادة تقلصت.(1)
- إن محاكمة مجرم أمام محكمة سابقة الوجود على وجود الجريمة أكثر عدلا وأفضل من محاكمة أمام محكمة نشأت بسبب الجريمة، لان قيام المحكمة المسبق ابعد عن عقلية الثار والانتقام، كما كان في محكمتي نورمبرغ وطوكيو، ومن ناحية أخرى إن وجود المحكمة المسبق يعتبر عامل ردع للحؤول دون قيام جرائم أو التفكير في ارتكابها.
ونتيجة لتعارض الآراء حول مشروع المحكمة الجنائية الدولية، تبنت الجمعية العامة قرارها المرقم 687 في 5/12/1952 والذي بموجبة انشات لجنة جديدة عام 1953 تتكون من ممثلي (17)دولة، (2) وحددت مهمة اللجنة في ما يلي :
1- دراسة النتائج المترتبة على تأسيس محكمة جنائية دولية والبحث عن الطرق التي يمكن بموجبها تأسيس مثل هذه المحكمة.
2- دراسة العلاقة بين هيئة الأمم ألمتحدة والمحكمة المقترح إنشائها.
3- إعادة النظر في مشروع النظام الأساسي للمحكمة المقترحة.
وبناءً على المهمات الملقاة على عاتق اللجنة، فإنها قد بدأت بمباشره أعمالها في الفترة من 27/تموز إلى 20/آب/1953 ووضعت نظاما أساسيا جديدا للمحكمة، واقترحت عدة طرق لإنشاء محكمة جنائية دولية.(1) وقدمت اللجنة مشروعها إلى الجمعية العامة للمناقشة، ولكن يلاحظ بأنه على الرغم من التجاوب الملموس لدى الكثير من الدول الأعضاء لإنشاء محكمة جنائية دولية، الأ انه كان هنالك من يشكك من الدول في جدوى قيام مثل هذه المحكمة ما لم يسبق ذلك اتفاق الدول على تعريف كلمة ((العدوان)).(2)

وعلى هذا الأساس أصدرت الجمعية العامة قرارها رقم 989 في 14/12/1954 والذي بينت فيه بان موضوع تأسيس محكمة جنائية دولية متعلق ومرتبط بمشكلة تعريف العدوان من ناحية، وبمشكلة الاتفاق على مشروع قانون الجرائم ضد السلام والأمن في العالم من الناحية الأخرى، وعليه، اقترحت الجمعية العامة تأجيل البت في موضوع تأسيس محكمة جنائية دولية إلى أن يتم الاتفاق على تعريف العدوان ومشروع قانون الجرائم ضد السلام والأمن في العالم.(3)
وعلى الرغم من أنَ تعريف العدوان قد تم انجازه أمام الجمعية العامة من خلال قرارها رقم 3314 في 14/12/1974 إلا أن موضوع إنشاء المحكمة الجنائية الدولية قد بقى معلقا ولم يتم النظر فيه.
في حين يلاحظ بان مشروع إنشاء المحكمة الجنائية الدولية قد أثير من جديد وذلك عندما ناقشت لجنة القانون الدولي مشروع قانون الجرائم المخلة بسلم الإنسانية منذ أعوام 1986-1989.(1)
ولكن يلاحظ بان مشروع إنشاء محكمة جنائية دولية قد أثير بشكل أعمق عندما اقترح وفد دولة ترينداد وتوباغو في عام 1989 على الجمعية العامة للأمم المتحدة إنشاء محكمة جنائية دولية بهدف مكافحة ما اعتبره الوفد إحدى الجرائم الدولية المقررة حديثا وهي تجارة المخدرات ويعد هذا الاقتراح الذي لم يكن جديدا بالنسبة للأمم المتحدة بمثابة استجابة لأعمال اللجنتين الخاصتين اللتين انشاتهما الجمعية العامة لوضع مشروع نظام أساسي لمحاكم جنائية دولية في عامي 1953,1951.(2)
واستجابة لهذا الاقتراح وجهت الجمعية العامة في قرارها عام 1989 طلبا إلى لجنة القانون الدولي لدراسة موضوع أنشاء محكمة جنائية دولية للنظر في جرائم الاتجار غير المشروع بالمخدرات عبر الدول وفي الجرائم الدولية الأخرى التي تتقرر مستقبلا في قانون الجرائم الدولية .(3)
على المؤتمر الدبلوماسي للأمم المتحدة، وقد نص القرار على أن تجتمع اللجنة التحضيرية في فترتين من 25 آذار إلى 12/نيسان /1996 والثانية من12-30 /1996 لإعداد النص الموحد.(2)
ثم أصدرت الجمعية العامة بتاريخ 17/12/1996 قرارا نصت فيه على أن تجتمع اللجنة التحضيرية في عامي 1997/1998، وبموجب هذا القرار اجتمعت اللجنة التحضيرية للفترة من 11-21/شباط/1997 وكذلك للفترة من 4-15/أب/1997 وأيضا في الفترة من 1-12/كانون الأول /1997 وذلك كله من اجل إتمام صياغة نص موحد ومقبول على نطاق واسع للاتفاقية لتقديمه إلى مؤتمر دبلوماسي للمفوضين.(3)
وخلال هذه الفترة أصدرت الجمعية العامة بتاريخ 15/كانون الأول /1997 قرارا تحت عنوان ((إنشاء محكمة جنائية دولية )) لتقرر فيه قبولها بالعرض الذي تقدمت به حكومة ايطاليا من اجل استضافة مؤتمر الأمم ألمتحدة الدبلوماسي المعني بإنشاء محكمة جنائية دولية والذي تقرر عقده للفترة من 15/حزيران إلى 17/تموز /1998، وطلبت - أي الجمعية العامة – أيضا في هذا القرار من اللجنة التحضيرية المعنية بإنشاء محكمة جنائية دولية مواصلة إعمالها استنادا إلى قرار الجمعية العامة رقم 51/207 عام 1996 وان تحيل إلى المؤتمر نص مشروع اتفاقية بشان إنشاء محكمة جنائية دولية.(4)
ثم اجتمعت اللجنة التحضيرية في الفترة من 16/آذار إلى 3/نيسان /1998 لتنهي بذلك مشروع الاتفاقية.
 

karim

Administrator
طاقم الإدارة
إنضم
14 يونيو 2009
المشاركات
3,291
مستوى التفاعل
107
النقاط
63
الإقامة
الجزائر
رد: محكمتي نورمبرغ وطوكيو

بارك الله فيك

مزيدا من التواصل
 

youcef66dz

عضو متألق
إنضم
3 أكتوبر 2009
المشاركات
3,786
مستوى التفاعل
114
النقاط
63
رد: محكمتي نورمبرغ وطوكيو

بارك الله فيك ... سلمت يداك .
 

7anouna

عضو متألق
إنضم
27 سبتمبر 2011
المشاركات
1,105
مستوى التفاعل
26
النقاط
38
الإقامة
ح ـيث ترى الـ ج ـسور
رد: محكمتي نورمبرغ وطوكيو

السلام عليكم ورحمة الله
بارك الله فيك على الطرح القيم
 
أعلى