BOKALI
عضو نشيط
مقدمـــة
من أهم صفات الإنسان ميله إلى الاجتماع, كونه لا يستطيع تلبية جميع حاجاته ورغباته لوحده مما يدفعه إلى التعاون مع غيره قصد سد تلك الحاجات وميله كذلك إلى التسلط وحب السيطرة والأنانية .
والقضاء على الفوضى وتنظيم حياة الأفراد في جماعات يستلزم وجدود تنظيم يفرض سلطته عليهم لتحديد حقوقهم وواجباتهم .
فكانت الدولة تلك السلطة التي حاولت عبر التاريخ تنظيم حياة الأفراد والوصول بهم إلى حياة أفضل يسودها الأمن والاستقرار .
وتعتبر دراسة أصل نشأة تلك السلطة من أصعب الموضوعات تحديدا فقلما يخرج منها الباحث بنتائج وخلاصات دقيقة , والسبب في هذه الصعوبة كونه الدولة ظاهرة سياسية اقتصادية واجتماعية السائدة , وكونها أيضا مرتبطة بالسلطة إذ أن من غير الممكن فصل أحداهما عن الأخرى .
وقد اهتم بها - الدولة – جميع العلوم الإنسانية تقريبا, قديما وحديثا وتناولها المفكرون بالبحث والتحليل من مختلف الزوايا والاختصاصات لمحاولة فهمها و الاحاطة بها وبكل ما يتعلق بها , ومن خلال عرضنا هذا سنحاول الإجابة عن مجموعة من الأسئلة : كيف نشأت الدولة ؟ ما هي الظروف التي أدت إلى نشأتها ؟ ما هي النظريات المفسرة لنشأة الدولة ؟ .
خطة البحث
مقدمــة :
المبحث الأول : نشأة الدولة في الفكر الغربي
المطلب الأول : النظريات الدينية
المطلب الثاني : نظريات القوة والغلبة
المطلب الثالث : النظريات العقدية
المطلب الرابع : النظريات المجردة
المطلب الخامس : نظريات التطور
المبحث الثاني : نشأة الدولة في الفكر الإسلامي
المطلب الأول : البيعة في الإسلام
الفرع الأول : بيعة العقبة الأولى
الفرع الثاني : بيعة العقبة الثانية
الفرع الثالث : بيعة الأمير عبد القادر
المطلب الثاني : نشأة الدولة في نظر شهاب الدين أحمد بن أبي ربيع
المطلب الثالث : نشأة الدولة في نظر الفرابي
المطلب الرابع : نشأة الدولة في نظر الماوردي
المطلب الخامس : نشأة الدولة في الغزالي
خاتمة :
المطلب الأول
النظــريات الدينية
وكلما ترجع أساس الدولة إلى غير الإرادة الشعبية وقد اختلف أنصارها حول طريقة اختيار الحكام ا كانوا متفقين على أن السلطة لله مما أدى إلى ظهور ثلاثة اتجاهات رئيسية :
01: نظرية تأليه الحاكم :
والتي تعتبر الحاكم إلها يعبد ويطاع حيث يتسم بطبيعة الأهلية بسبب اختلاط السلطة بالعقيدة وبالتالي تعاليمه وحي منزل لا يجوز مخالفته , وقوته يستمدها من ذاته ولا يستمد سلطته من الآلهة وقد تأثرت العديد من الحضارات بهذه النظرية كالحضارة الفرعونية والبابلية والآشورية .
02 : نظرية الحق الإلهي ( المباشر ) :
ظهرت هذه النظرية بظهور المسيحية وانتشرت في القرنين السابع والثالث عشر , حيث كان لها – المسيحية – دور كبير في بروز حريات أعدت ذاتية الإنسان , والحد من سلطة الملوك الدينيون مما أدى إلى نشوب صراع بين رجال الدين والملوك حول من تكون له السلطة العليا , واهتدوا في الأخير أن السلطة الإلهية سيفان , سيف السلطة الدينية للبابا في الكنيسة , وبين السلطة الزمنية للحكام , تفسير لقوم المسيح عليه السلام <<أعطي لقصير ما لقصير وما لله لله >> وبهذا كانت للمسيحية دور كبير في التفرقة بين الإله وشخص الملك وكذلك العبادة والدين لله وحده.
3- نظرية التفويض الإلهي ( الغير مباشر ):
ظهرت عقب انهيار الإمبراطورية الرومانية حيث سيطرت الكنيسة على الملك وأقرت بنظرية التفويض الإلهي التي مفادها أن الله لا يختار الحاكم مباشرة , وإنما يفوض الكنيسة لذلك فهي من يمنح سيف السلطة العليا الزمنية للحكام , بعد تسلمه من الله وعليه فإن البابا هو صاحب السلطة العليا إذ يمكن له سحب تلك السلطة من الحاكم إذا خرج عن مقتضيات شروط الموضوع عند تفويضه.
تقييـم:
إذا كانت هذه النظرية الدينية في مجملها قد أسهمت في ظهور بعض الدول إلا أنها تقوم على أسس عقائدية تفتقر إلى العقل و المنطق ذلك أنه لم يثبت تاريخيا وجود هذا التفويض الإلهي لحاكم من الحكام كما أن التسليم بأن السلطة روحية مفادها القضاء على فكرة مسؤولية الحكام أمام المحكومين بخلاف الحال بالنسبة للدولة الإسلامية أين نجد سيادة الأمة مقيدة بأحكام الشرع دون إغفال المسؤولية.
المطلب الثاني
نظرية القـوة و الغلبـة
ترجع هذه النظرية أصل نشأة الدولة إلى عامل القوة و القهر و السيطرة التي يحققها أفراد أو جماعة على حساب فرد أو جماعة. فيفرض سلطته على المغلوب و يمد نفوذه و سيطرته على إقليم معين و هكذا تنشأ الدولة و قد تمحورت هذه النظرية في ثلاث اتجاهات:
1- نظرية ابن خلدون:
يرى أن نشأة الدولة راجع إلى عامل القوة و الغلبة يسيطر القوي على الضعيف و يأسس ابن خلدون قيام الدولة على أساسين جوهريين:
- أولهما: الحاجة إلى الاجتماع لسد حاجتين رئيسيتين هما الغذاء و الدفاع.
- ثانيهما: النزاع الناتج عن الطمع و الظلم الذي مرده إلى الطبيعة الحيوانية للإنسان, ولا تقوم الدولة إلا بتوفر عوامل معينة منها: عنصر العصبية (الانتماء القبلي) عامل الزعامة, عنصر العقيدة الدينية.
2- النظرية الماركسية:
يرجع أنصار هذه النظرية نشأة الدولة إلى الصراع الطبقي حيث تزول بزواله فالدولة ما هي إلا انعكاس للأوضاع الاقتصادية فالصراع الذي ظهر بظهور الطبقية الناتجة عن الملكية الفردية أدى إلى انقسام المجتمع إلى طبقتين, طبقة مستغلة و طبقة مستغلة لانعدام المساواة الاقتصادية و هذا ما أدى إلى ظهور تنظيم يفرض نظاما معينا للقضاء على الفوضى, فكانت الدولة أداة لفرض السيطرة و الهيمنة على الطبقات الأخرى تحت قيادة الرأسمالية الاحتكارية, بهذا يمكننا أن نميز بين ثلاثة أنماط من الدول عبر التاريخ تمثلت :
أ- مرحلة العبودية و الاسترقاق:
حيث كان يقاس الإنسان بالحيوانات أما في نظام الإقطاع أين استغلت الدولة الفلاحين, و أخيرا الدولة البرجوازية التي قدمت رؤوس الأموال. الدولة تنظم الطبقة السياسية الموجودة في الحكم بغية إخضاع الطبقات الأخرى, فهي من إنتاج المجتمع و ليست مفروضة عليه من الخارج كما بدى أنصار هذه النظرية أن الدولة تنظيم مؤقت مرتبط بصراع الطبقات و يزول بزواله, أي بالوصول إلى المجتمع الشيوعي مرورا بمرحلتين:
ب- مرحلة ديكتاتورية البروليتاريا:
بقيام الاشتراكية أين تسيطر الأغلبية و هي الطبقة العاملة على الأقلية بعدما كانت الأقلية تستعمل الدولة كأداة للسيطرة و الهيمنة و إحلال الديمقراطية البروليتارية محل الديمقراطية الزائفة.
ج- مرحلة الشيوعية:
حيث لا طبقة و لا حاجة للدولة لافتقادها علة وجودها و هنا يتم القضاء على جميع أشكال الاستغلال و يتحقق شعار الشيوعية < كل طبعا لقدرته و لكل طبعا لحاجته > و بهذا تزول الدولة و تحل محلها حكومة الأشخاص.
نقد النظرية: أشارت هذه النظرية إلى أثر العامل الاقتصادي على النظام السياسي لكن هذا لا يعني أن الدوافع المادية وحدها تتحكم في حركة التاريخ , فهناك عوامل أخرى دينية , جغرافية وثقافية تأثر أكثر من العامل الاقتصادي في النظام السياسي للكثير من الدول قديما وحديثا .
03- نظرية التضامن الاجتماعي :
يرى << ليون درجي >> أن مفهوم القوة لا يقتصر على القوة المادية دائما وإنما أشمل من ذلك كقوة النفوذ الأزلي وقوة اقتصادية وحركة سياسية وهذا المفهوم يؤدي إلى احترام المحكومين والحكام لا على أساس الخوف ولكن على أساس الرضا نتيجة لما يقدمه الحاكم للمحكومين يكسبه الاحترام الأزلي فقد أسست الدولة على أربعة عوامل عامل كونها ( الدولة ), حدث اجتماعي تحكمه فكرة الاختلاف بين الحكام والمحكومين أقوياء من جهة والمحكومين ضعفاء من جهة أخرى , عامل الاختلاف السياسي , عامل الإكراه , عمال التضامن الاجتماعي .
التقييم :
يقول الفقهاء أن هذا النوع من التضامن مفترض لا يمكن إثباته بدليل قطعي ولو كان التضامن الاجتماعي متيسرا أو يسيرا محققا في كل الدول لما عرفت البشرية ثورات تطيح بالحكومات بمعنى أن الدولة لها وسائل كالجيش وتتحكم , الناس , لا بد أن يرضوا بالدولة لكن الواقع عكس ذلك الأصل في هذا النوع من التضامن لا يكون تلقائي كون أنه مرتب بجوهر وقانون الذي تصنعه الدولة ومدى ملائمته مع المحكومين واحتكام الحكام إليه .
المطلب الثالث
النظريات العقــدية
وقد أرجعت أصل الدولة إلى الإرادة الشعبية ويمكن دراسة هذه النظريات في ثلاثة فروع
01 : نظرية العقد لتوماس هوبز :
تقوم هذه النظرية على اعتبارات المصلحة الذاتية هي محرك سلوك الإنسان مما يجعل قانون الغاب وحياة الفوضى هو السائد الأمر الذي دفع البشر إلى التفكير في وسيلة لفرض الأمن فبرزت فكرة العقد الذي يتنازل بموجبه الأفراد عن كل حقوقهم وحرياتهم لشخص ليس طرفا في العقد ويختاره من بينهم دون شرط أو قيد ليتمكن من ممارسة سلطته عليهم ويحقق أمنهم واستقرارهم مقابل سلطة مطلقة , لا يمكن للشعب مقاومتها ( السلطة ) في أي حال من الأحوال , لأنه لا حق لهم بذلك بهذا الشكل يبدل القانون الطبيعي الذي يتضمن مبدئيا حقوق وحريات الأفراد بقانون وضعي يسند للحاكم ويعدد سلطاته المطلقة مقابل تنازل كلي عن الحقوق ( العقد ) بهذا الاتفاق نشأة السلطة السياسية والدولة.
التقييم :
نظرية " توماس " نظرية ذاتية لأن وجهنه الدفاع عن السلطة المطلقة كما أنها تخلط بين مفهومين ( مفهوم الدولة ومفهوم الحكومة ) لأن السيادة لا يمكن أن تكون للحكام بل للدولة وهذا يعني أن السلطة في يد الحكام وليست الدولة التي تفوضها له , و الأخذ بالنظرية يعني أنه في تغيير الحكام أو إزاحته فناء للدولة .
02: نظرية العقد السياسي : " لجون لوك"
تقوم نظرية جون لوك لاعتبارات الإنسان كان يعيش في حالة فطرة طبيعية تسودها المساواة في الحقوق والحريات بين البشر في ظل قانون طبيعي ملزم للجميع فالأفراد كانوا مشبعين بروح العدالة طبقا لأحكام القانون الطبيعي فالإنسان عند لوك خير بطبعه , غير أن البشر احتاجوا إلى تنظيم أكثر وتحليل أدق لحقوقهم الطبيعية مقابل حقوق مدنية وسياسية والجزء المتنازل عنه في الحقوق هو الحجم الضروري لإقامة سلطة الدولة هذا التنازل الجزئي عن الحقوق يقابله التزام حماية الصالح العام وضمان حريات وحقوق الأفراد التي جاء بها القانون الطبيعي .
03: نظرية العقد الاجتماعي : " لجون جاك رونو "
لا يختلف رأي جون جاك رونو كثيرا عن جون لوك حيث يعتقدان الحياة الفطرية هو الأصل في البشر غير أنه بالتطور فعند ما نتطور يتعقد سلوك البشر كذلك عليهم التخفيف من وطأت هذا التعقيد من خلال نظام يفرضونه , ينظمون به شروط به شروط حياتهم ( فالإنسان خير يولد فاضلا وإنما تفسده الهيئة الاجتماعية ) فاكتشاف الزراعة والصناعة أدى إلى ظهور الملكية مما أدى إلى ظهور الملكية مما أدى إلى إضراب العلاقات بين الأفراد بسب التنافس على مما دفعهم إلى التعاقد فيما بينهم للمحافظة على الجماعة كلها , وقد يبين خلال كتابه ( العقد الاجتماعي ) كيف يتم إبرام العقد الذي هو سيما يرى ( هوريو ) اتفاق بين رعايا الدولة المستقبل متفقين في وقت معين على التنازل عن حرياتهم وعلى إقامة سلطة سياسية تحكمهم .
التقييم :
لكن رغم كل هذا فقد واجهت هذه النظرية العديد من الانتقادات من ذلك أنها نظرية خيالية لا تقوم على الدافع فلم يثبت تاريخيا بأنه وقع اجتماع بين الناس ابرموا أثناءه عقد فيما بينهم لإقامة مجتمع سياسي , كما أن العقد يحتاج إلى نظام قانوني يضبط تطبيقه فإذا كان العقد مفترضا ولأي نظام يخضع .
المطلب الرابع
النظــريات المجردة
سببت النظرات المجردة بهذا الاسم لكونها لم تطبق على ارض الواقع مع استحالة إيجابها وهذا ما كان دافعا لتجريد هذه النظرية في هذا الاتجاه .
01: نظرية الوحدة :
من خلال هذه النظرية يحاول الفقيه " جينيليك " أن يوفق بين مصطلحين العقد و الغرمبارغ مبالغ , فالعقد من الناحية القانونية هو تطابق ارادتين على أساس الرضا واتفاق المحل أن وحدة المصالح أو المصالح المتبادلة هي التي دفعت بالتعاقد فالبائع مثلا قد يحصل على أشياء غير التي دفعت للبائع إلا انه قد تم الاتفاق على ذلك من قبل ولذلك فالدولة لا يمكن أن تنشأ بواسطة عقد لأن الارادات لا تتجه لموضوع واحد .
أما الفرمبارغ فهو تلك النتيجة المحصل عليها بفعل مشارك عدة إرادات مجتمعة من أجل تحقيق هدف واحد مشترك هو إنشاء حالة قانونية موضوعية .
التقييم :
إن صاحب هذه النظرية لم يثبت طابع القانون للفرمبارغ ذلك أنه هذا الطابع القانوني لا يظهر إلا إذا كان هناك نظام قانوني سابق على ظهور الدولة وعلى حد رأي " جينيليك " الدول تنشأ بفعل وحدة الارادات المختلف للجماعة وبالتالي لا وجود للقانون قبل ذلك القانون الذي تسند عليه الجماعة في إبرام الفرمبارغ .
02: نظرية النظام القانوني: للفقيه النمساوي " هانز كلين "
يرى صاحب النظرية أن الدولة تقوم على نظام قانوني أي على شكل تسلسل جلة من القواعد القانونية وهذه القواعد المفترضة أو البحث في صحتها أو قوتها الإلزامية ولأنه لا يمكن الاستغناء عنها لتأسيس النظام القانوني وتقدير هذه النظرية على شقين :
أ- مفاده أن النظرية ته الجوانب الأخرى في شأن الدولة ويتعلق الأمر بالجوانب السياسية والاقتصادية والاجتماعية للدولة ووجهة نظر المارين يأسون الدولة إنطلاقا من وضع اقتصادي واجتماعي معين.
ب- مفاده القاعدة المفترضة واقعة خارج نطاق القانون الذي يتأسس عليه الهرم القانوني وبهذا الشكل منقوصا من طبقة أساسية وهذه النظرية مثالية .
03: نظرية السلطة المؤسسة للفظية : " جورج بيردو "
يقول بيردو أن الدولة لا وجود لها إلا بوجود سلطة قانونية تنظمها تسير شؤونها عليه يجب أن تكون هناك سلطة مسيطرة تنتقل منها فيما بعد صلاحيات إلى كيان مجرد أي إلى شخص معنوي والمتمثل في الدولة التي تقوم على أساس الفصل بين الحاكم المحكومين فتكون بصدد ما يعرف بتحل السلطة الفعلية إلى سلطة قانونية وفق عمل قانوني يغير من طبيعة السلطة السياسية وتنشأ السلطة وهذا العمل هو الدستوري مكتوب أو عرفي .
التقييم :
غير أن هذه النظرية لم تسلم من النقد خاصة فيما يتعلق بالدستور العرفي الذي لا يظهر إلا بعد مروره براحل تاريخية طويلة لا تسح لنا بتحديد ألقت الذي ظهر فيه العلم القانوني بدقة للحكم على أنته أنذالك ظهرت الدولة .
04: نظرية السلطة المؤسسة: " لموريس هولي "
يقول أن الدولة جهاز اجتماعي وسياسي معين عبر مرحلتين :
المرحلة الأولى: يتم خلالها تقبل الأفراد لمشروع إقامة الدولة المعتمدة على فكرة مجموعة مثقفة .
المرحلة الثانية : تتمثل في دعوة هؤلاء المثقفين للأفراد للمساهمة في تحقيق المشروع وتعرف بمرحلة الفكرة الموجهة والسلطة المنظمة التي سينظم إليها المنخرطون فيما بعد في إنجاز المشروع وعليه فإن مبادرة إنشاء الدولة هو في مجموعة أفراد يتصورون الفكرة والمؤسسة ووسائل إنتاجها .
المطلب الخامس
نظريات التطــور
وتتفرع إلى :
أ- نظرية التطور العائلي : ترى هذه النظرية التي ظهرت انطلاقا من أفلاطون و ارسطوا أي اصل السلطة هي السلطة الأبوية التي انتقلت من الأسرة إلى القبيلة إلى المدينة إلى الإمبراطورية فتطور مفهوم الأسرة هو الذي أنتج الدولة في نهاية المطاف
التقييم :
غير أن هذه النظرية واجهت الكثير م الانتقادات حيث يرى الفقهاء أن الأسر قبل أن تنشأ سبقها المجتمع البدائي القائم على الشيوع كما أن هناك فرق شائع بين سلطة الأب على أبناءه و سلطة الحاكم على محكوميه .
ب- نظرية التطور التاريخي : مفادها أن الدولة نتاج لتطور تاريخي نشأ في مراحله المختلفة , الدول مختلفة حسب الظروف والعوامل المصاحبة لنشأة هذه الدول مما أخرج إلى الوجود أصنافا متعددة وأشكال متباينة من الدول والأنظمة السياسية وتعد هذه النظرية أقرب النظريات إلى الصواب رغم عموميتها .
تأخذ كل هذه العوامل جملة واحدة وتصنفها حسب التطور التاريخي لنشأة الدولة
المبحث الثاني : نشأة الدولة في الفكر الإسلامي
المطلب الأول
البيعــة في الإسلام
يرى الكثير من الفقهاء أن البيعة في الإسلام شبيهة بالعقد رغم الفرق الواضح بينهما ويعتبرون فكرة العقد كأساس نشأة الدولة وكأساس السلطة السياسية فيما لها أساس متين في الإسلام .
01- بيعة العقبة الأولى :
يعرف الفقهاء وعلماء السيرة هذه البيعة بأنها تلك الجماعة من الخوارج الذين كانوا ستة (06) وبايعوا الرسول عليه الصلاة والسلام على الإسلام وطاعته في السراء والضراء وبمجرد عودتهم إلى المدينة لم يتركوا أحدا من الأنصار إلا ودعوه للإسلام فكانوا النواة الأولى للدولة الإسلامية .
- لما جاء المرسوم السنة الثانية عشر من البعثة وفي مكة المكرمة بايع أثني عشر رجلا من يثرب الرسول صلى الله عليه وسلم ولقوه بالعقبة وسميت تلك العقبة (بيعت العقبة الأولى) أو بيعة النساء إذ يقول عبادة الصامت كنت فيمن حضر العقبة الأولى وكنا أثني عشر رجلا قد بايعنا الرسول صلى الله عليه وسلم على بيعة النساء ولذلك قبل ان يؤذن علينا الحرب على ألا نشرك بالله شيء ولا نسرق ولا نزني ولا نقتل أولادنا ولا نأتي بهتان نقترفه بأيدينا وأرجلنا ولا نعصيه في مكروه ( فإن وافيتم فالجنة لكم وان غشيتم من ذلك فأمركم إلى الله عز وجل إن شاء غفر وان شاء عذب ) .
02- بيعة العقبة الثانية :
في موسم الحج من السنة الثالثة عشر من البيعة ,خرج من يثرب 73 شخصا من المسلمين عازمين على دعوة الرسول عليه الصلاة والسلام على المعجزة يوافهم مصعب بن عمير الذي أوفده الرسول صلى الله عليه وسلم في البعثة الأولى واجتماع الرسول عليه الصلاة والسلام بهؤلاء اليثربيين في نفس المكان الذي بايع فيه أخواتهم في العام السابق فيبايعون على أن لا يشركوا بالله شيئا وان يتبعوا النبي ما يمنعون منه نسائهم وأبنائهم من قدم عليهم وقبلوا في الأخير ما عرض عليهم من الإسلام ثم انصرفوا عن الرسول راضين إلى بلادهم وقد آمنوا وصدقوا .
وكانت البيعتين الأساسيتين الأولى لإرساء الدولة وهكذا أذن الرسول عليه الصلاة والسلام للخروج إلى الهجرة فبدأت في أواخر ذي الحجة ( السنة الثانية عشر ) حتى يلحق بهم النبي يوم الاثنين 12 ربيع الأول من نفس السنة وهكذا أوجد الشعب الإسلامي مع عدد من اليهود والمشركين والإقليم الذي يستقر عليه, كما نظام إسلامي جسد من خلال ( الصحيفة ) أو الدستور الإسلامي الأول : بحيث يعتبر أول وثيقة سياسية كاملة عبر التاريخ حيث وضع في الميثاق أساس الدولة الإسلامية وأصبح المسلمون رعايا هذه الدولة إلا على اختلاف أحجامهم وعصيانهم .
03- بيعة الأمير عبد القادر :
من خلال دراستنا لتاريخ الدولة الجزائرية نقف أمام حدث هام إلا وهو مبايعة الأمير عبد القادر , فمكنة خلال تطلعنا لهذا العنوان المتعلق بالحدث , نرى أساس نشأة دولة الأمير عبد القادر كانت هي نفسها أساس الدولة الإسلامية .
فنصل إلى أن نقول أن المبايعة كانت النواة الأولى لنشأة الدولة الإسلامية وكذلك لنشأة دولة الأمير عبد القادر و فهذا الأخير انتهج في كل أموره سواء كانت سياسية , اجتماعية إدارية , المبادئ التي جاءت بها الدولة الإسلامية .
المطلب الثاني
نشأة الدولة في نظر شهاب الدين أحمد ابن أبي ربيع
وقد كان رائد الفكر الإسلامي الأول في عصر هارون الرشيد وألف كتابه " سلوك المالك في تدبير الممالك " , تناول فيه اصل نشأة الدولة وأرجعها إلى الحاجة إلى الاجتماع والعيش في جماعة من اجل تحقيق الاكتفاء على كافة المستويات , فأقترب بذلك من فكر أفلاطون في كتاب الجمهوري كما اتفق مع ( إبن خلدون في توزيعه لحاجة البشر وإن كان الفكر الافلاطوني يؤس دولة الحكماء التي تحتاج إلى القوة العسكرية فإن ابن أبي الربيع يختلف معهم من حيث إقراره لمبدأ المدينة مما يقتضي على الدولة تشكيل جيش محترف ويقول ابن أبي الربيع أن اصل نشأة الدولة المتمثلة في حاجة الاجتماع هو ميل فطري مصدره الإرادة الإلهية .
المطلب الثالث
نظر نشأة الدولة عند الفرابي
أبو نصر محمد بن محمد بن طرفان بن ربييع المعروف بالفرابي الذي عايش الفتنة وحاول التصدي لها من خلال الربط بين السياسة " الأخلاق في مؤلفات عديدة أهمها أراء أهل المدينة القاصلة " - تحصيل السعادة - وجعل الهدف من نشأة الدولة تحقيق السعادة الدنيوية والاخروية على حد سواء وقسم المجتمعات إلى ثلاثة مجتمعات عظمى تظم مجموعة الأمم , مجتمعات وسطى تظم اجتماع أمة في جزء من المعمورة ومجتمعات صغرى تنظم أهل المدينة من جزء من الأمة .
المطلب الرابع
نشأة الدولة في نظر الماوردي
عاش عصر اتساع الدولة الإسلامية وشهد مظاهر اضمحلالها حيث أدى هذا الاتساع إلى تعدد القادة الذين برزت الاختلافات بينهم فأصبح الخليفة مجرد سلطة أسمية وصارت السلطة الفعلية تتأرجح بين الأتراك والفرنسيين من قادة فحاول " الماوردي " توضيح دور الخليفة والتحقيق من خلاف القادة فكتب مؤلفات أحكام السلطانية الذي اعتبر بمثاب دستور عام للدولة وكتب مؤلفه " نصيحة الملوك " و" أدب الوزير " و" فوانيس الوزارة و سياسة الملك " وابرز من خلال هذه المؤلفات أن الدولة تقوم على ستة قواعد , دين متبع سلطان قاهر , عدل شامل , امن عام دائم أمل فسيح و خصبة دائمة .
المطلب الخامس
نظر أبو حامد الغزالي
عاش عصر الانحلال الديني والخلقي فكتب مؤلفه " إحياء علوم الدين " وابرز من خلاله أن في ميله الإنسان , الغيظ , الحسد , والمنافس مما يؤدي إلى التنافس و التطاحن والتفاعل وهذا الواقع يحتاج إلى سلطان قاهر غير أن هذا السلطان يجب أن يكون مطاع ولا يكون كذلك إلا إذا جمع القوة المعنوية المجسدة في فضائل الأخلاق وحكمة التدبير والعدل في الحكم .
ومن كل ما سبق نستخلص أن المفكرون الإسلاميون في حديثهم ع الدولة وكتابتهم عن نشأتها فقههم الواقع ومعايشتهم لمراحل فكان كل منه يعتمد في بحث دائما عن نموذج للدولة كفيل بحل إشكالات عصره سواء من خلال قده لشخص حاكم أو شكل الدولة .
الخاتمة
وختاما لبحثنا هذا ما عسانا إلا القول بأن الدولة التي تتفاعل في تطورها مع الأوضاع السياسية والاقتصادية والاجتماعية السائدة , فهي ذلك المجتمع السياسي الذي يقوم على التفرقة بين الحكام و المحكومين هادفة إلى التوفيق بين سلطة الحكام وحرية المحكومين والحد من السلطة وضمان حقوق وحريات الأفراد وإذا تحقق من وراء الدولة للأهداف المذكورة تكون أمام الدولة القانون الذي تبني على القانون وتطبقه.
قائمة المراجع
الدكتور / أمين شريط : << الوجيز في القانون الدستوري و المؤسسات المقارنة >>.
الدكتور / فوزي أوصديق : << الوسيط في النظم السياسية والقانون الدستوري >> ( النظرية العامة للدولة .
الدكتور / سعيد بوشعير : << القانون الدستوري والنظم السياسية المقارنية >> ( النظرية العامة للدولة ) .
الدكتور / محمد أرزقي نسيب : << أصول القانون الدستوري والنظم السياسية >> .
اسم الموضوع : نشأة الدولة في الفكر الغربي وفي الفكر الإسلامي
|
المصدر : القانون الدستوري