القانون بين التشريع والتطبيق
محمد علي المحفوظ
في الدول المتقدمة هناك سعي دائم من أجل تحقيق كرامة المواطن وعمل دؤوب من أجل الوصول إلى الازدهار والرفاهية للبلد. فلا يكتفي النظام بوضع دستور أو قانون من أجل مؤسسات الدولة، بل يذهب إلى وضع مجموعة بنود قانونية تحمي المواطن إذا ما تحاملت عليه أي من المؤسسات أو الدوائر الرسمية. فالدستور يشرح وينظم عمل مؤسسات الدولة ومركز المواطن بالنسبة للدولة والمؤسسات، وفيه تقسم المهمات والوظائف فالسلطة التشريعية تشرع والتنفيذية تنفذ والقضائية تمارس أعمالها في المحاكم. ولكن وجود لائحة من البنود من أجل حماية المواطن وإعطائه امتيازات تجعله عزيزا وقادرا على العيش الكريم هو أمر ضروري من أجل حماية المواطنين، وغالبا ما تكون هذه البنود مرفقة بالدستور.
فعلى سبيل المثال، هناك في القانون الأميركي مجموعة بنود تم وضعها من أجل حماية المواطن في الدولة. فالبند الخامس مثلا ينص على أنه ''يحق للمواطن الأميركي الامتناع عن الكلام في المحكمة أو في أي تحقيق رسمي إذا ما أحس أن أي كلام سيقوله سوف يؤدي إلى تهديد حياته بالخطر''[1]. وهناك الكثير من البنود الأخرى التي يتجاوز عددها ثمانية وعشرين بندا وهي بنود قابلة للتجديد والتغيير بعد مناقشات قضائية تسعى إلى تحسين أي بند. طبعا هذه البنود شأنها شأن الدساتير لا يمكن أن تكون مفيدة من دون تفعيل. والتفعيل يكون عادة نتيجة لضغوطات الناس من أجل نيل حقوقها الشرعية ومن السلطات المعنية أيضا حيث إنها هي التي تملك صلاحيات لنقل الدستور والقانون المكتوب من الأوراق إلى حيز التنفيذ. وهي المسؤولة عن الناس التي تعطيها أهلية ومصداقية حكمها. فالحكومة الصالحة هي التي تضع المواطن في المرتبة الأولى في اعتبارها عند اتخاذ أي قرار، وتجعل من راحة المواطن الهدف الأول الذي تسعى جاهدة في تحقيقه. يقول رسول الله (ص): ''أحب الناس إلى الله انفعهم للناس ''. عندما يكون هناك إحساس بالرعاية والمسؤولية تجاه الناس تصبح الدولة مستقرة أمنيا لأن أمن الدولة مرهون براحة المواطن.
القوانين الموجودة في أي مجتمع مهمة جدا، ولكن لا بد من إيجاد آلية لتفعيلها. ومن أفضل الحلول وأبسطها تجريم مخالفة هذه القوانين. مثلا عندما يكتب كاتب صحافي مقالا ويستدعى من اجل التحقيق لأنه يمس بالدولة يصبح هناك تناقض بين التحقيق وبند الدستور الذي يكفل للمواطن حرية الرأي والتعبير. في حالة كهذه، يجب أن يكون هناك قانون يأخذ حق الصحافي من الجهات المسؤولة التي أجرت التحقيق. عندما تصبح مخالفة الدستور جريمة يحكم عليها بغض النظر عن مكانة المجرم في الدولة، تصبح حقوق الناس مكفولة بالنظام والنظام نفسه يصبح هو السيد، فالكل متساو من وجهة نظر القانون. المشكلة الرئيسة التي تواجه أي بلد هي عدم تطبيق الدستور بالشكل السليم. فالدستور والقانون هي السلطة العليا التي تدير البلد في أي دولة متطورة. عندما انجلت الغبرة عن فضيحة سجن أبو غريب في العراق، تم تقديم المتورطين للمحاكمة رغم أنهم في الجيش. فلا حصانة لأحد عند مخالفة القانون. لا زلت أذكر في مرة من المرات أحد أولاد أصدقائي الذي استدعته الشرطة، وفوجئ بأنه لم يرتكب أي ذنب غير أنه مشى بسيارته قبل أحد المتنفذين في الجيش، فهذا الأخير ذهب وقدم شكوى زور بأن هذا الشاب شتمه. ولولا ذكاء والد الشاب لكان الشاب محبوسا. فأين القانون من هذه؟ طبعا، الفساد في كل مكان ولكن عدم تفعيل القانون وتجريم مخالفته يزيد من الفساد بشكل مدهش.
المخالفات القانونية كثيرة في هذا البلد ولا نرى حسابا عليها، ونعني بذلك المحاسبة القانونية. ففي وزارة الصحة هناك الكثيرون ممن قضوا جراء خطأ طبي قاتل وما أكثر الأخطاء القاتلة. ولكن لو تقدم الجهات المسؤولة في الوزارة للمحاكمة لكان الطب في حال أفضل بكثير مما هو عليه اليوم في هذا البلد. لأن السكوت عن تكرار الخطأ خطأ أكبر، كما أنه يعني عدم كفاءة الموظف أو الطبيب أو الممرض الذي يكرر الخطأ نفسه. ولكن غياب المحاسبة جعل الذمة واسعة والضمير أصبح مخدرا.
من جهة أخرى، يجب على الدولة التدخل إذا ما كان هناك أي تهديد لحياة المواطنين سواء من الناحية الجسدية أو المعنوية أو البيئية أو الاجتماعية أو السياسية. في عهد الرئيس الأميركي جون اف كنيدي كانت هناك حادثة فريدة من نوعها. كانت الولايات المتحدة من الدول التي تعاني من التمييز العنصري والعرقي، ولكن هذا الرئيس وبعد ضغوطات الشعب المنحدر من أصول أفريقية بقيادة مارتن لوثر كينغ، قرر الرئيس تفعيل القانون في مجال التعليم. حيث ولأول مرة في التاريخ الأميركي ذهب طالب من أصل أفريقي إلى الجامعة مع الأميركيين البيض وكان الرئيس قد أمر وزارة الدفاع بالتدخل عند اللازم من أجل حماية هذا الطالب. وبهذا فعل كنيدي قانون المساواة في الفرص وعدم التمييز القائم على العرق أو اللون أو الدين أو الجنس. ولم يتوقف الأمر هنا بل لا تزال هذه الدولة التي ننتقدها دائما لكونها الدولة المسيطرة على العالم تسعى من أجل تحقيق كرامة مواطنيها.
أقول، من المهم وضع المواطن البحريني في المرتبة الأولى وفوق كل اعتبار، وإلا فإننا لا نستطيع أن نلوم الناس على أي تصرف يقومون به. الأجانب في هذا البلد كثيرون وهم يتمتعون بمزايا لا يتمتع المواطن حتى بنصفها. فهل هذا يعني غياب الكفاءات؟ لماذا إذاً تزداد البعثات الدراسية للطلاب البحرينيين من الجامعات والدول الأجنبية دون أمثالهم من الدول في المنطقة؟ ولماذا يصبح البحريني ناجحا جدا في بلد آخر، بينما يكابد جميع أنواع الظلم في بلده؟ لماذا نرى الأجانب يجلسون وراء المكاتب المهمة بينما نرى البحرينيين يحرسون البنايات أو يطلبون الصدقة؟ أكتب هذه الكلمات وفي مخيلتي الرجال الذين يبيعون الماء عند ضاحية السيف وهي من أغنى المناطق. لو كان وجود غير البحرينيين من أجل الخبرة فهذا سبب وجيه، ولكن ما أكثر الموظفين دون أية خبرة تذكر. ولكن هذا سببه عدم تجريم قانون تكافؤ الفرص والمساواة بين الناس. لذا فإنه بات من الضروري إذا كنا جادين فعلا في السعي من أجل تحقيق التقدم في هذا البلد العمل على تحقيق أمرين مهمين: أولا: جعل المواطن البحريني في المرتبة الأولى في كل شيء وفي كل مكان في البحرين وفي المؤسسات البحرينية في الخارج. ثانيا: تجريم مخالفة القانون والعمل على تفعيله دوما.
عن صحيفة الوقت تاريخ النشر 2/4/2008
محمد علي المحفوظ
في الدول المتقدمة هناك سعي دائم من أجل تحقيق كرامة المواطن وعمل دؤوب من أجل الوصول إلى الازدهار والرفاهية للبلد. فلا يكتفي النظام بوضع دستور أو قانون من أجل مؤسسات الدولة، بل يذهب إلى وضع مجموعة بنود قانونية تحمي المواطن إذا ما تحاملت عليه أي من المؤسسات أو الدوائر الرسمية. فالدستور يشرح وينظم عمل مؤسسات الدولة ومركز المواطن بالنسبة للدولة والمؤسسات، وفيه تقسم المهمات والوظائف فالسلطة التشريعية تشرع والتنفيذية تنفذ والقضائية تمارس أعمالها في المحاكم. ولكن وجود لائحة من البنود من أجل حماية المواطن وإعطائه امتيازات تجعله عزيزا وقادرا على العيش الكريم هو أمر ضروري من أجل حماية المواطنين، وغالبا ما تكون هذه البنود مرفقة بالدستور.
فعلى سبيل المثال، هناك في القانون الأميركي مجموعة بنود تم وضعها من أجل حماية المواطن في الدولة. فالبند الخامس مثلا ينص على أنه ''يحق للمواطن الأميركي الامتناع عن الكلام في المحكمة أو في أي تحقيق رسمي إذا ما أحس أن أي كلام سيقوله سوف يؤدي إلى تهديد حياته بالخطر''[1]. وهناك الكثير من البنود الأخرى التي يتجاوز عددها ثمانية وعشرين بندا وهي بنود قابلة للتجديد والتغيير بعد مناقشات قضائية تسعى إلى تحسين أي بند. طبعا هذه البنود شأنها شأن الدساتير لا يمكن أن تكون مفيدة من دون تفعيل. والتفعيل يكون عادة نتيجة لضغوطات الناس من أجل نيل حقوقها الشرعية ومن السلطات المعنية أيضا حيث إنها هي التي تملك صلاحيات لنقل الدستور والقانون المكتوب من الأوراق إلى حيز التنفيذ. وهي المسؤولة عن الناس التي تعطيها أهلية ومصداقية حكمها. فالحكومة الصالحة هي التي تضع المواطن في المرتبة الأولى في اعتبارها عند اتخاذ أي قرار، وتجعل من راحة المواطن الهدف الأول الذي تسعى جاهدة في تحقيقه. يقول رسول الله (ص): ''أحب الناس إلى الله انفعهم للناس ''. عندما يكون هناك إحساس بالرعاية والمسؤولية تجاه الناس تصبح الدولة مستقرة أمنيا لأن أمن الدولة مرهون براحة المواطن.
القوانين الموجودة في أي مجتمع مهمة جدا، ولكن لا بد من إيجاد آلية لتفعيلها. ومن أفضل الحلول وأبسطها تجريم مخالفة هذه القوانين. مثلا عندما يكتب كاتب صحافي مقالا ويستدعى من اجل التحقيق لأنه يمس بالدولة يصبح هناك تناقض بين التحقيق وبند الدستور الذي يكفل للمواطن حرية الرأي والتعبير. في حالة كهذه، يجب أن يكون هناك قانون يأخذ حق الصحافي من الجهات المسؤولة التي أجرت التحقيق. عندما تصبح مخالفة الدستور جريمة يحكم عليها بغض النظر عن مكانة المجرم في الدولة، تصبح حقوق الناس مكفولة بالنظام والنظام نفسه يصبح هو السيد، فالكل متساو من وجهة نظر القانون. المشكلة الرئيسة التي تواجه أي بلد هي عدم تطبيق الدستور بالشكل السليم. فالدستور والقانون هي السلطة العليا التي تدير البلد في أي دولة متطورة. عندما انجلت الغبرة عن فضيحة سجن أبو غريب في العراق، تم تقديم المتورطين للمحاكمة رغم أنهم في الجيش. فلا حصانة لأحد عند مخالفة القانون. لا زلت أذكر في مرة من المرات أحد أولاد أصدقائي الذي استدعته الشرطة، وفوجئ بأنه لم يرتكب أي ذنب غير أنه مشى بسيارته قبل أحد المتنفذين في الجيش، فهذا الأخير ذهب وقدم شكوى زور بأن هذا الشاب شتمه. ولولا ذكاء والد الشاب لكان الشاب محبوسا. فأين القانون من هذه؟ طبعا، الفساد في كل مكان ولكن عدم تفعيل القانون وتجريم مخالفته يزيد من الفساد بشكل مدهش.
المخالفات القانونية كثيرة في هذا البلد ولا نرى حسابا عليها، ونعني بذلك المحاسبة القانونية. ففي وزارة الصحة هناك الكثيرون ممن قضوا جراء خطأ طبي قاتل وما أكثر الأخطاء القاتلة. ولكن لو تقدم الجهات المسؤولة في الوزارة للمحاكمة لكان الطب في حال أفضل بكثير مما هو عليه اليوم في هذا البلد. لأن السكوت عن تكرار الخطأ خطأ أكبر، كما أنه يعني عدم كفاءة الموظف أو الطبيب أو الممرض الذي يكرر الخطأ نفسه. ولكن غياب المحاسبة جعل الذمة واسعة والضمير أصبح مخدرا.
من جهة أخرى، يجب على الدولة التدخل إذا ما كان هناك أي تهديد لحياة المواطنين سواء من الناحية الجسدية أو المعنوية أو البيئية أو الاجتماعية أو السياسية. في عهد الرئيس الأميركي جون اف كنيدي كانت هناك حادثة فريدة من نوعها. كانت الولايات المتحدة من الدول التي تعاني من التمييز العنصري والعرقي، ولكن هذا الرئيس وبعد ضغوطات الشعب المنحدر من أصول أفريقية بقيادة مارتن لوثر كينغ، قرر الرئيس تفعيل القانون في مجال التعليم. حيث ولأول مرة في التاريخ الأميركي ذهب طالب من أصل أفريقي إلى الجامعة مع الأميركيين البيض وكان الرئيس قد أمر وزارة الدفاع بالتدخل عند اللازم من أجل حماية هذا الطالب. وبهذا فعل كنيدي قانون المساواة في الفرص وعدم التمييز القائم على العرق أو اللون أو الدين أو الجنس. ولم يتوقف الأمر هنا بل لا تزال هذه الدولة التي ننتقدها دائما لكونها الدولة المسيطرة على العالم تسعى من أجل تحقيق كرامة مواطنيها.
أقول، من المهم وضع المواطن البحريني في المرتبة الأولى وفوق كل اعتبار، وإلا فإننا لا نستطيع أن نلوم الناس على أي تصرف يقومون به. الأجانب في هذا البلد كثيرون وهم يتمتعون بمزايا لا يتمتع المواطن حتى بنصفها. فهل هذا يعني غياب الكفاءات؟ لماذا إذاً تزداد البعثات الدراسية للطلاب البحرينيين من الجامعات والدول الأجنبية دون أمثالهم من الدول في المنطقة؟ ولماذا يصبح البحريني ناجحا جدا في بلد آخر، بينما يكابد جميع أنواع الظلم في بلده؟ لماذا نرى الأجانب يجلسون وراء المكاتب المهمة بينما نرى البحرينيين يحرسون البنايات أو يطلبون الصدقة؟ أكتب هذه الكلمات وفي مخيلتي الرجال الذين يبيعون الماء عند ضاحية السيف وهي من أغنى المناطق. لو كان وجود غير البحرينيين من أجل الخبرة فهذا سبب وجيه، ولكن ما أكثر الموظفين دون أية خبرة تذكر. ولكن هذا سببه عدم تجريم قانون تكافؤ الفرص والمساواة بين الناس. لذا فإنه بات من الضروري إذا كنا جادين فعلا في السعي من أجل تحقيق التقدم في هذا البلد العمل على تحقيق أمرين مهمين: أولا: جعل المواطن البحريني في المرتبة الأولى في كل شيء وفي كل مكان في البحرين وفي المؤسسات البحرينية في الخارج. ثانيا: تجريم مخالفة القانون والعمل على تفعيله دوما.
عن صحيفة الوقت تاريخ النشر 2/4/2008
اسم الموضوع : القانون بين التشريع و التطبيق
|
المصدر : المنتدى القانوني العام و النقاش القانوني