BOKALI

عضو نشيط
إنضم
23 يونيو 2010
المشاركات
471
مستوى التفاعل
25
النقاط
18
الإقامة
Algeria / Ain Defla
محاضرات الأستاذ الدكتور عمار بوضياف
المادة القانون الإداري
المحور العقود الإدارية/ الصفقات العمومية
العنوان:
تعريف الصفقات العمومية
معايير تحديد الصفقات العمومية تشريعا وفقها وقضاءا
تمييز الصفقات العمومية عن سائر العقود المدنية


مقدمة
بهدف التحكم في مصطلح الصفقات العمومية يقتضي الأمر منا إعطاء تعريف لها سواء من ناحية التشريع أو اجتهادات القضاء أو الفقه .
كما يقتضي تحديد معايير الصفقات العمومية تشريعا وموقف القضاء والفقه منها.ثم تمييزها عن بعض العقود الأخرى المدنية والتجارية وعقود العمل. وهو ما رأينا معالجته في ثلاثة مطالب:
المطلب الأول : تعريف الصفقات العمومية
المطلب الثاني : المعايير التشريعية للصفقات العمومية وموقف القضاء والفقه منها.
المطلب الثالث: تمييز الصفقات العمومية عن بعض العقود الأخرى.


المطلب الأول:
تعريف الصفقات العمومية
"العقود الإدارية"
من منطلق أن التعريف التشريعي يعلو على بقية التعريفات الأخرى. وبالنّظر للدور الكبير والرائد للقضاء الإداري كان علينا أن نسوق أولا التعريف التشريعي لنتبعه بالتعريف القضائي ثم نتوج جهود المشرع والقضاء بتبيان جهود الفقه.
وعليه قسمنا هذا المطلب إلى ثلاثة فروع نستعرض في:

الفرع الأول: التعريف التشريعي.
الفرع الثاني: التعريف القضائي
الفرع الثالث: التعريف الفقهي


الفرع الأول: التعريف التشريعي

عرّف المشرّع الجزائري عبر قوانين الصفقات المختلفة الصفقات العمومية. نعرض هذه التعريفات حسب التدرج الزمني.
1- قانون الصفقات الأول أمر 67-90:
عرفت المادة الأولى من الأمر 67-90 الصفقات العمومية بأنّها " إنّ الصفقات العمومية هي عقود مكتوبة تبرمها الدولة أو العمالات أو البلديات أو المؤسسات والمكاتب العمومية قصد انجاز أشغال أو توريدات أو خدمات ضمن الشروط المنصوص عليها في هذا القانون".

2- المرسوم المتعلّق بصفقات المتعامل العمومي(82-145):
عرفت المادة الرابعة من المرسوم 82-145 المؤرخ في 10 أفريل 1982 المتعلّق بالصفقات الّتي يبرمها المتعامل العمومي الصفقات العمومية على أنها: " صفقات المتعامل العمومي عقود مكتوبة حسب مفهوم التشريع الساري على العقود، ومبرمة وفق الشروط الواردة في هذا المرسوم قصد إنجاز الأشغال أو اقتناء المواد والخدمات".
3- المرسوم التنفيذي المتضمّن تنظيم الصفقات العمومية لسنة 91:
لم يبتعد المرسوم التنفيذي رقم 91-343 المؤرخ في 9 نوفمبر 91 المتضمن تنظيم الصفقات العمومية عن سابقيه كثيرا وقدمت المادة الثالثة منه تعريفا للصفقات العمومية بقولها: " الصفقات العمومية عقود مكتوبة حسب التشريع الساري على العقود ومبرمة وفق الشروط الواردة في هذا المرسوم قصد إنجاز الأشغال واقتناء المواد والخدمات لحساب المصلحة المتعاقدة ".
4- المرسوم الرئاسي 02-250 المتعلق بتنظيم الصفقات العمومية:
قدمت المادة الثالثة من المرسوم الرئاسي تعريفا للصفقات العمومية بقولها: " الصفقات العمومية عقود مكتوبة في مفهوم التشريع المعمول به. تبرم وفق الشروط المنصوص عليها في هذا المرسوم قصد إنجاز الأشغال واقتناء المواد والخدمات والدراسات لحساب المصلحة المتعاقد ".
ويبدو من خلال النّصوص السابقة والتي صدرت في حقب زمنية مختلفة بل و في مراحل اقتصادية وسياسية مختلفة، مدى إصرار المشرّع الجزائري على إعطاء تعريف للصفقات العمومية وإن اختلفت صياغته بين مرحلة وأخرى.
ولعلّ إصرار المشرّع على إعطاء تعريف للصفقات العمومية يعود بالأساس للأسباب التالية :
1- إنّ الصفقات العمومية تخضع لطرق إبرام خاصة ولإجراءات في غاية من التعقيد.لذا وجب إعطاء تعريف لها لتمييزها عن باقي العقود الأخرى.
2- إنّ الصفقات العمومية تخضع لأطر رقابية خاصة داخلية وخارجية.
3- إنّ الصفقات العمومية تخول جهة الإدارة مجموعة من السلطات الاستثنائية غير المألوفة في عقود أخرى وهو ما سنحلّله لاحقا.
ولما كانت الصفقات العمومية تبرم بطرق خاصة وتحكمها إجراءات معقّدة وتخضع لأنواع كثيرة من الرقابة، وأنّها تتيح لجهة الإدارة ممارسة جملة من الامتيازات أو السلطات، وجب حينئذ وبالنظر لهذه الأسباب خاصة إعطاء تعريف للصفقات العمومية، حتى يتسنّى معرفة العقود التي تبرمها جهة الإدارة والمعنية بطرق الإبرام وبإجراءاته المحددة تنظيما والمعنية بالرقابة المحدّدة في قانون الصفقات العمومية بأنواعها المختلفة. وكذلك معرفة العقود الّتي تمارس فيها الإدارة مجموعة من السلطات و الامتيازات .
و بناءا على ذلك فإنّ إعطاء تعريف للصفقات العمومية يمكّننا من النّاحية القانونية من معرفة العقود الإدارية المشمولة بقانون الصفقات العمومية.
وليس المشرّع الجزائري فقط من عرف الصفقات العمومية بل المشرّع التونسي أيضا وهذا طبقا لما جاء في الفصل الأول من الأمر عدد 3158 المؤرخ في 17-12-2002 الّذي تمّ تنقيحه بمقتضى الأمر عدد 1638 المؤرخ في 4 أوت 2003 المتعلّق بتنظيم الصفقات العمومية بأنها : " عقود مكتوبة تبرم لإنجاز أشغال أو للتزوّد بمواد أو لتقديم خدمات أو لإنجاز دراسات تحتاجها الإدارة ". كما عرّف المشرّع اللّيبي في لائحة العقود الإدارية رقم 263 بتاريخ 17-05-2000 العقد الإداري في المادة 3 من اللائحة. " يقصد بالعقد الإداري في تطبيق أحكام هذه اللائحة كل عقد تبرمه جهة من الجهات المشار إليها في المادة السابقة (جهة الإدارة) بقصد تنفيذ مشروع من المشاريع المعتمدة في الخطة والميزانية أو الإشراف على تنفيذه أو تقديم المشورة الفنية أو تطوير أو تسيير المرافق العامة لخدمة الشعب بانتظام واطراد متى كان ذلك العقد يشمل على شروط استثنائية غير مألوفة في العقود المدنية ويستهدف تحقيق المصلحة العامة".


الفرع الثاني: التعريف القضائي

رغم أن المشرّع الجزائري عرّف الصفقات العمومية في مختلف قوانين الصفقات، إلاّ أنّ القضاء الإداري الجزائري، حال فصله في بعض المنازعات قدّم تعريفا للصفقات العمومية.
ولا مانع أن تبادر الجهة القضائية المختصة في المادة الإدارية إلى إعطاء تعريف لمصطلح قانوني ما ، خاصة إن كانت هذه الجهة تتموقع في قمّة هرم القضاء الإداري، وهذا هو الدور الطبيعي لجهة القضاء.
إنّ القضاء الإداري وهو يفصل في بعض المنازعات، وإن كان ملزم بالتعريف الوارد في التشريع والمتعلّق بالصفقات العمومية وأن لا يخرج عنه، غير أنّ الوظيفة الطبيعية للقضاء تفرض عليه إعطاء تفسير وتحليل لهذا التعريف إن كان ينطوي على مصطلحات ومفاهيم غامضة ومحاولة ربطه بالوقائع محل الدعوى. ومن هنا وجب علينا تتبع اجتهادات القضاء وإضافاته.
وحتى نربط اجتهادات القضاء الإداري الجزائري بالقضاء المقارن تعيّن الاستدلال بقرارات قضائية لأنظمة مقارنة. وهو ما سنفصّله فيما يلي :
تعريف القضاء الإداري الجزائري:
ذهب مجلس الدولة الجزائري في تعريفه للصفقات العمومية في قرار له غير منشور مؤرخ في 17 ديسمبر 2002 قضية رئيس المجلس الشعبي لبلدية ليوة ببسكرة ضد (ق.أ) تحت رقم 6215 فهرس 873 إلى القول :' ...وحيث أنه تعرف الصفقة العمومية بأنها عقد يربط الدولة بالخواص حول مقاولة أو إنجاز مشروع أو أداء خدمات..."
يبدو من خلال هذا المقطع من تعريف الصفقات العمومية أنّ مجلس الدولة حصر مفهوم الصفقة العمومية على أنّها رباط عقدي يجمع الدولة بأحد الخواص. في حين أن العقد الإداري أو الصفقة العمومية يمكن أن تجمع طرفا آخر غير الدولة ممثلا في الولاية أو البلدية أو المؤسسة الإدارية خاصة وأنّ القوانين الجاري بها العمل تعترف لهذه الهيئات بحق التقاضي وعلى رأسها القانون المدني في نص مواده 49و50. وقانون البلدية لسنة 90 في نص مادته الأولى وكذلك المادة 60 منه. وقانون الولاية لسنة 90 في نص مادته الأولى وكذلك المادة 87 منه وتنظيمات أخرى كثيرة.
كما أنّ التعريف أعلاه حصر الصفقة العمومية على أنّها عقد يجمع بين الدولة وأحد الخواص في حين أنّ الصفقة العمومية قد تجمع بين هيئة عمومية وهيئة عمومية أخرى. ومع ذلك تظل تحتفظ بطابعها المميّز كونها صفقة عمومية.
ولم يصرف التعريف القضائي أيّ أهمية لعنصر الشكل بأن أشار مثلا أنّ الصفقة العمومية تتمّ وفقا لأشكال وإجراءات محدّدة قانونا رغم تأكيد التشريع على هذا الجانب.
ولا تفوتنا الإشارة أنّ التعريف أيضا استعمل مصطلح مقاولة بقوله:" حول مقاولة أو إنجاز مشروع..." وكان حري بمجلس الدولة أن لا يستعمل هذا المصطلح ذو المفهوم المدني. ويستعمل عوضا عنه عقد الأشغال العامة تماشيا مع تنظيم الصفقات العمومية.وأن يقتصر على ذكر عبارة إنجاز أو تنفيذ أشغال لينصرف المفهوم لعقد الأشغال العامة وهو عقد إداري. ولا ينصرف لعقد المقاولة وهو عقد مدني لما للعقدين من اختلاف كبير وجوهري إن على مستوى طرق الإبرام وإجراءاته أو على مستوى سلطات الإدارة وامتيازاتها أو على مستوى رقابة تنفيذ العقد وطرق إنهاءه. وهي في مجملها تشكّل نظرية العقد الإداري والتي تتميّز بأحكام خاصة تجعلها تستقل عن نظرية العقد المدني .
تعريف العقد الإداري في القضاء العربي:
جرى القضاء الإداري في مصر على تعريف العقد الإداري بأنّه: " العقد الّذي يبرمه شخص معنوي من أشخاص القانون العام بقصد إدارة مرفق عام أو بمناسبة تسييره وأن تظهر نيته في الأخذ بأسلوب القانون العام . وذلك بتضمين العقد شرطا أو شروطا استثنائية غير مألوفة في عقود القانون الخاص".
ولتفصيل هذا التعريف ذهبت محكمة القضاء الإداري في مصر في حكم لها بتاريخ 02-12-1952 إلى القول :" إنّ العقود الإدارية تختلف عن العقود المدنية في أنّها تكون بين شخص معنوي من أشخاص القانون العام وبين شخص أو شركاء أو جماعة وفي أنّها تستهدف مصلحة عامة لسير العمل في مرفق عام، وأنّ كفّتي المتعاقدين فيها غير متكافئة إذ يجب أن يراعي فيها دائما وقبل كل شيء تغليب الصالح العام على مصلحة الأفراد...".
ثم ذهبت ذات المحكمة إلى الاعتراف لجهة الإدارة، وفي العقد الإداري بممارسة جملة من السلطات أبرزها حق الإدارة في مراقبة تنفيذ العقد وحقها في تعديل شروطه وحقها في إنهاء الرابطة العقدية. وهكذا جاء تعريف محكمة القضاء الإداري في مصر شاملا لمجموعة عناصر العقد الإداري كونه العقد الذي :
1- يكون أحد أطرافه شخص من أشخاص القانون العام، كالدولة والولاية والبلدية والمؤسسة الإدارية.
2- أن يتعلق العقد بتسيير مرفق عام، ومن الطبيعي القول أن المرفق العام يستهدف في نشاطاته تحقيق المصلحة العامة.
3- أن تظهر فيه نية الإدارة للأخذ بقواعد القانون العام بما يعني أنّها ضمّنت العقد شروطا استثنائية غير مألوفة على صعيد القانون الخاص.
غير أنّه وأخذا بعين الاعتبار تشريع الصفقات الجزائري فإنّ هذا التعريف لم يشر على الإطلاق لعنصر الشكل والإجراءات وهو عنصر على غاية من الأهمية في النّظام القانوني للصفقات العمومية في الجزائر. فالعقد الإداري تحكمه أشكال وإجراءات خاصة لا نجدها في غيره من العقود الأخرى وهو ما سنوضّحه عند التطرّق لإجراءات إبرام الصفقات العمومية.
ولنفس الاتجاه ذهبت المحكمة الإدارية في تونس في قرار لها صدر بتاريخ 30 جانفي 1989 القضيـــة ع 573 (غيــر منشــور) بالقول :"...وحيث أنّ العقد المبرم بين شخص معنوي عمومي وأحد الأفراد لا يكفي بذاته لاعتباره من صنف العقود الإدارية بل لابدّ أن يستهدف تشريك المتعاقد في تسيير مرفق عام بغية خدمة أغراضه وتحقيق احتياجاته وأن تتضمّن بنوده شرطا من الشروط الاستثنائية غير مألوفة في القانون الخاص والتي تنبّئ عن نية الإدارة في انتهاج أسلوب القانون العام".
وهو ذات المسلك الذي كرّسته المحكمة العليا في ليبيا في كثير من قراراتها من ذلك القرار الصادر في 20-06-1976 والّذي ذهبت فيه إلى القول:" وحيث أنّه تبيّن من الإطّلاع على العقدين موضع التدّاعي أنّهما يتّصلان بمرفق عام هو مرفق الحجّ ويهدفان إلى تحقيق مصلحة عامة هي تمكين الحجاج الليبيين الرّاغبين في أداء هذه الفريضة المقدّسة على أكمل وجه... وأنّهما قد تضمّنا شروطا غير مألوفة في العقود الخاصة المماثلة...ومن حيث أنّه على مقتضى ما تقدم يكون العقدان المذكوران قد اتسما بالطابع المميّز للعقود الإدارية من حيث اتصالهما بمرفق عام وأخذهما بأسلوب القانون العام فيما يتضمّن من شروط استثنائية ومن ثمّ يكونان عقدين إداريين.

الفرع الثالث: التعريف الفقهي

لقد أجمع فقه القانون الإداري أنّ نظرية العقد الإداري هي نظرية من منشأ قضائي أرسى مبادئها وأحكامها القضاء الإداري الفرنسي ممثلا في مجلس الدولة عبر اجتهاداته من خلال القضايا والمنازعات المعروضة عليه.
ورغم الطابع القضائي لنظرية العقد الإداري ومع محاولة المشرّعين في غالبية النّظم تقنين جوانب في النّشاط التعاقدي للإدارة، إلا أنّ دور الفقه في تحليل الأجزاء المختلفة لهذه النّظرية يظل بارزا في كل الدول. وإذا كان العقد الإداري يلتقي مع العقد المدني بالنظر أنّ كل منهما يعبّر عن توافق إرادتين بقصد إحداث الأثر القانوني المترتّب على العقد، إلا أنّ تميّز العقد الإداري عن العقد المدني يظلّ واضحا في كثير من الجوانب والأجزاء. وهو ما تولّى الفقه الإداري توضيحه وتحليله.
ولقد عرّف الفقه العقد الإداري على أنه: " العقد الذي يبرمه شخص من أشخاص القانون العام بقصد إدارة مرفق عام أو بمناسبة تسييره وتظهر نيته في الأخذ بأسلوب القانون العام وذلك بتضمين العقد شرطا أو شروطا غير مألوفة في عقود القانون الخاص."





المطلب الثاني:
المعايير التشريعية للصفقات العمومية
وموقف القضاء منها
إذا كانت الصفقات العمومية عقودا إدارية محدّدة بموجب التشريع فلا شك أن المشرع بتقنينه للعمل والنشاط التعاقدي للإدارة يكون قد حدّد معالم وعناصر تتميّز بها الصفقة العمومية. وهو ما أكد عليه المشرّع في مختلف قوانين الصفقات العمومية.
غير أنّ وضع معايير للصفقات العمومية من جانب المشرّع لم يمنع القضاء وكذلك الفقه من تقديم التفصيل حول هذه المعايير. بل إنّ كثيرا من هذه المعايير ذات منشأ قضائي ولعب الفقه دورا كبيرا في تحليلها وتأصيلها سواء في فرنسا أو مصر أو في الجزائر.
وعليه قدّرنا تقسيم هذا المطلب إلى ثلاثة فروع خصّصنا الفرع الأول للمعايير التشريعية للصفقات العمومية، والفرع الثاني للتطبيقات القضائية لهذه المعايير، والفرع الثالث للمعايير الفقهية للصفقات العمومية.

الفرع الأول: المعايير التشريعية للصفقات العمومية "العقود الإدارية"

من التعريفات سابقة الذكر للصفقات العمومية والواردة في قوانين مختلفة يمكن حصر معايير الصفقات العمومية في:
أولا : المعيار العضوي .
ثانيا : المعيار الشكلي .
ثالثا : المعيار الموضوعي .
رابعا : المعيار المالي .
خامسا : معيار الشرط غير المألوف .
وهو ما سنفصله فيما يلي:
أولا: المعيار العضوي:
يتميّز العقد الإداري أو الصفقة العمومية من حيث الجانب العضوي أنّ الدولة أو الولاية أو البلدية أو المؤسسة الإدارية طرفا أساسيا فيه. أي أنّ أحد أطراف الصفقة شخص من أشخاص القانون العام. فالعقد الذي لا تكون أحد الجهات الإدارية المستقلة طرفا فيه أو الجهات التي حدّدها التشريع لا يمكن اعتباره صفقة عمومية.
وإذا عدنا لتعريف الصفقات العمومية في الجزائر وفي مختلف المراحل المشار إليها (مرحلة 67-82-91-2002) نسجل مدى التذبذب الكبير الذي وقع فيه المشرّع بين مرحلة تشريعية وأخرى فيما يخص مجال تطبيق قانون الصفقات العمومية والهيئات المعنية به. فأحيانا يضيّق من مجال التطبيق فيخص هيئات ويبعد أخرى، وأحيانا أخرى يوسّع من مجال تطبيق قانون الصفقات العمومية ثم يعود فيضيّق ويرجع تفسير ذلك قطعا لطبيعة كل مرحلة التي سنّ فيها قانون أو تنظيم الصفقات العمومية وهو ما سنفصله فيما يلي:
موقف المشرّع الجزائري من المعيار العضوي:
المرحلة السابقة على صدور تنظيم الصفقات العمومية الحالي(ما قبل 2002):
إنّ هذه المرحلة الطويلة نسبيا عرفت صدور ثلاثة قوانين للصفقات العمومية. أمر 67-90 مرسوم 82-145- والمرسوم التنفيذي 91-434 فهذا أمر67 نصّ صراحة على الهيئات المعنية بالصفقة وهي الدولة الولاية (العمالة) البلدية المؤسسة والمكاتب العمومية مستبعدا بذلك المؤسسات الصناعية والتجارية وواعدا بإصدار مرسوم يبيّن كيفيات تطبيق هذا القانون على الشركات الوطنية والمؤسسات والمكاتب العمومية ذات الطابع الصناعي والتجاري، وهذا ما نصّت عليه المادة الأولى الفقرة 2 من الأمر 67-90، وعلى ذلك اعتبرت المؤسسات الصناعية والتجارية في أول الأمر غير معنية بالخضوع لقانون الصفقات العمومية الأول لسنة 67.
أمّا المرسوم 82-145 المتعلّق بالمتعامل العمومي فقد قدمت المادة 5 منه مفهوما واسعا للهيئات المعنية بمجال تطبيقه فجاء فيها عبارة:
- جميع الإدارات العمومية .
- جميع المؤسسات والهيئات العمومية.
- جميع المؤسسات الاشتراكية.
- أي وحدة تابعة لمؤسسة اشتراكية يتلقى مديرها تفويضا لعقد الصفقات .
ولم يكتفي المرسوم المذكور بشمول أحكامه لأشخاص القانون الإداري كالدولة والولاية والبلدية والمؤسسة الإدارية بل مدّها أيضا لجميع المؤسسات الاشتراكية سواء كان نشاطها تجاريا أو صناعيا وحقّق بذلك ما لم يحققه أمر 67-90، ووسع المرسوم من نطاق الهيئات المعنية بأحكامه حتى شملت وبمنطوق المادة 20 الإستغلالات الفلاحية المنظّمة والمسيّرة في إطار التسيير الذّاتي والتعاوني. وبعبارة (جميع وكل) الواردة في المادة 5 من المرسوم 82-145 أراد المشرع لتنظيم الصفقات العمومية الثاني شمولية أكثر ومجالا أوسع فخص به جميع القطاعات الإدارية والتجارية والصناعية والفلاحية، وهذا ما يؤكد الطابع الأيدلوجي لمرسوم 82 ومدى تأثّره بالفكر الاشتراكي وهو أمر كان يتماشى وهذه المرحلة .
غير أنّ هذه المرحلة لم تدم طويلا إذ صدر القانون 88-01 المؤرخ في 12 جانفي 1988 المتعلّق بالقانون التوجيهي للمؤسسات العمومية الاقتصادية وتكريسا له صدر المرسوم رقم 88-72 المؤرّخ في 29 مارس 1988 والذي نصّت مادته الأولى على أن: " تطبق أحكام هذا المرسوم على الصفقات العمومية التي تبرمها الإدارات العمومية والمؤسسات العمومية ذات الطابع الإداري فقط والمسماة أدناه المتعامل العمومي."
وهكذا أخرج المشرّع عقود المؤسسات الاقتصادية بعد أن كان قد أدمجها في ظلّ الصفقات العمومية بموجب المرسوم 82-145 المذكور.
وبخصوص المرسوم التنفيذي 91-434-فقد ضيّق المشرّع من مجال تطبيقه وهذا ما يتضّح من خلال مادته الثّانية الّتي عددت على سبيل الحصر الهيئات المعنية فذكرت الإدارات العمومية والهيئات الوطنية المستقلّة والولايات والبلديات والمؤسسات العمومية ذات الطابع الإداري. وهكذا عاد المشرع واستبعد المؤسسات ذات الطابع الصناعي والتجاري فلم يشملها بالنص. وهذا إصلاح يلائم طبيعة المرحلة الجديدة بعد إقرار دستور جديد للبلاد لسنة 1989.

مرحلة تنظيم الصفقات العمومية الحالي (المرسوم الرئاسي 02-250)المعدل والمتمم.
نصت المادة الثّانية من المرسوم الرئاسي أعلاه على ما يلي:" لا تطبّق أحكام هذا المرسوم إلاّ على الصفقات محل مصاريف الإدارات العمومية والهيئات الوطنية المستقلة والولايات والبلديات والمؤسسات العمومية ذات الطابع الإداري بالإضافة إلى مراكز البحث والتنمية والمؤسسات العمومية الخصومة ذات الطابع العلمي والتكنولوجي، والمؤسسات العمومية ذات الطابع العلمي والثقافي والمهني والمؤسسات العمومية ذات الطابع الصناعي والتجاري عندما تكلّف هذه الأخيرة بإنجاز مشاريع استثمارية عمومية بمساهمة نهائية لميزانية الدولة وتدعى في صلب النص المصلحة المتعاقدة."
واضح من المادة أعلاه أنّ المشرّع وخلافا لنصوص سابقة فصل بشأن الهيئات الخاضعة لتنظيم الصفقات العمومية فذكر هيئات ومؤسسات قديمة ذكرت في نصوص سابقة. وذكر هيئات جديدة وردت لأول مرة نوضح ذلك فيما يلي :
1- الإدارات العمومية:
إنّ هذا الوصف يتسم بشيء من الشمولية والإطلاق. فتدخل تحت طائلته الدولة باعتبارها تتمتع بالشخصية القانونية والمعنوية طبقا للمادة 49 و50 من القانون المدني الجزائري. ويدخل تحت هذا الوصف الكبير الأشخاص المركزية الأخرى كرئاسة الجمهورية والوزارة الأولى أو رئاسة الحكومة والوزارات المختلفة والمصالح الخارجية للوزارات المتمثّلة في المديريات التنفيذية على مستوى الولايات.وهذا أمر طبيعي طالما تمتعت كل هذه الهيئات بالطابع الإداري.
ويجدر التنبيه أن تعديل تنظيم الصفقات العمومية لسنة 2008 لم يخضع الصفقات المبرمة بين إدارتين عموميتين لأحكام المرسوم المنظم للصفقات العمومية. وهذا ما نصت عليه الفقرة الأخيرة من المادة الثانية من المرسوم الرئاسي 08/338. ولعل القصد من وراء هذا الاستثناء يكمن في تشجيع التعامل بين الإدارات العمومية.
2- الهيئات الوطنية المستقلّة:
لم يشر قانون الصفقات العمومية الأول لسنة 1967 لهذه الهيئات بصريح النّص واقتصرت المادة الأولى كما رأينا على ذكر الدولة والعمالات والبلديات والمؤسسات والمكاتب العمومية. ثم جاء المرسوم 82-145 وذكرت المادة 5 منه عبارة جميع المؤسسات والهيئات العمومية، وتلي بالمرسوم التنفيذي 91-434 والذي أوردت المادة 2 عبارة الهيئات الوطنية المستقلة وهو ذات الوصف المشار إليه في المادة 2 من المرسوم الرئاسي 02-250.
ويقصد بالهيئات الوطنية المستقلة موضوع المادة 2 من المرسوم الرئاسي 02-250 السلطات غير التنفيذية المستقلة كالبرلمان بغرفتيه ( المجلس الشعبي الوطني ومجلس الأمة) والمجلس الدستوري والمحكمة العليا ومجلس الدولة ومجلس المحاسبة والهيئات الاستشارية الوطنية كالمجلس الإقتصادي والاجتماعي. إذ قد تضطّر هذه الهيئات جميعا إلى الدخول في علاقة عقدية بعنوان صفقة عمومية من أجل قيامها بنشاطها.
وما يميّز الهيئات الوطنية المستقلّة عن الهيئات المحلية أنّ نشاط الأولى ( الهيئات الوطنية) يمسّ ويشمل كامل إقليم الدولة كما هو الحال بالنسبة للهيئات المذكورة. فلا يتصور مثلا أنّ هيئة وطنية كالبرلمان يقتصر نشاطها على جزء من إقليم الدولة دون الجزء الآخر ومثل ذلك بالنسبة لباقي الهيئات.
3- الولايـــــــة:
تعتبر الولاية مجموعة إقليمية تتمتع بالشخصية المعنوية والاستقلال المالي وهي وحدة إدارية منفصلة عن الدولة من جهة انفصالا عضويا وقانونيا، ومنفصلة أيضا عن البلدية. ونظرا لأهميتها ذكرت الولاية كتنظيم إداري في كل الدساتير الجزائرية دستور 1963 في المادة 9 منه و دستور 1976 في المادة 36 و دستور 1989 في المادة 15 و دستور 1996 في المادة 15 منه.
فالولاية تشكل كيانا ذاتيا ولها وجود مستقل كرّسه القانون المدني في المادة 49 و50، وكرّسه أيضا قانون الولاية الأول لسنة 69 في مادته الأولى والثانية وكذلك قانون الولاية لسنة 90 في مادته الأولى.
ولمّا كانت الولاية تتمتع بأهلية التعاقد الثابتة والمؤكدة في هذه النصوص، فإن وظيفتها داخل التنظيم الإداري للدولة وأعبائها المختلفة تفرض عليها الدخول في علاقات عقدية لتنفيذ مشاريع تنموية وخدمة الجمهور. لذا كان يجب الاعتراف لها من جهة بأهلية التعاقد، ومن جهة أخرى اعتبار عقودها كأصل عام من قبيل العقود الإدارية إذا توفرت فيها العناصر والشروط المذكورة في قانون الصفقات العمومية.
ومن أجل ذلك خصّ المشرّع الولاية بالذكر في كل قوانين الصفقات العمومية، فقد ورد ذكرها في المادة الأولى من الأمر 67-90 باسم العمالة (الولاية). وذكرت وصفا في المادة 4 من المرسوم 82-145 بعبارة جميع الإدارات. ثم عاد المشرّع وذكرها بالتحديد في المادة 2 من المرسوم التنفيذي 91-434 بعبارة (الولايات) وهي ذات العبارة الواردة في المادة الثانية من المرسوم الرئاسي 02-250 .
ولقد أكد المشرع على خضوع الولاية لتنظيم الصفقات العمومية في المادة 113 من قانون الولاية، لسنة 1990 والتي جاء فيها:" تبرم الصفقات الخاصة بالأشغال أو الخدمات أو التوريد للولاية ومؤسساتها العمومية ذات الطابع الإداري وفقا للتشريع المعمول به". ومنه تتضح الإحالة الصريحة والمعلنة من قانون الولاية لقانون الصفقات العمومية وهذا مسلك من جانب المشرّع نباركه.
4- البلديـــة:
تعتبر البلدية البنية القاعدية في التنظيم الإداري الجزائري وتتمتع بالشخصية المعنوية والاستقلال المالي. وهي وحدة إدارية منفصلة انفصالا عضويا وقانونيا عن كل من الدولة والولاية.
وقد تمّ ذكرها هي الأخرى في كل دساتير الدولة، دستور 1963 في المادة 9 ودستور 1976 في المادة 36، دستور 1989 في المادة 15، دستور 1996 في المادة 15.
فالبلدية تشكل كيانا مستقلا وذاتيا ثبّته القانون المدني في المادة 49 و50 وكرّسه أيضا قانون البلدية لسنة 1990 في المادة الأولى منه.
ولمّا كانت البلدية تتمتع بالشخصية المعنوية وبأهلية التعاقد فإنّ وظيفتها ضمن إطار التنظيم الإداري للدولة ومهامها المختلفة والمتنوعة تفرض عليها هي الأخرى الدخول في علاقات عقدية من القانون العام بهدف النهوض بأعباء التنمية المحلية وخدمة الجمهور.
ولا شك أنّ البلدية حين استعمالها لوسيلة القانون العام فإنها تخضع حينئذ لتنظيم الصفقات العمومية سواء عند إبرامها لعقود الأشغال أو الخدمات أو التوريد أو عقود الدراسات.
ولهذا السبب ورد ذكر البلدية في كل قوانين الصفقات العمومية وتمّت الإشارة إليها بالوصف الدقيق وبعنوان البلديات في المادة الأولى من أمر 67-90. وورد ذكرها بالوصف المطلق في المادة 5 من المرسوم 82-145 بعبارة جميع الإدارات. ثمّ ذكرت بالتحديد في المادة 2 من المرسوم التنفيذي 91-434. وذات الأمر في المادة 2 من المرسوم الرئاسي 02-250.
وإلى جانب قواعد قانون الصفقات العمومية، أفرد المشرّع في قانون البلدية لسنة 1990 أحكاما خاصة بصفقات البلدية ورد ذكرها في المواد من 117 إلى 120. وقد جاءت هذه المواد لا سيّما المادة 117 بالتحديد مؤكدة على خضوع صفقات البلدية المتعلّقة بالأشغال والخدمات والتوريد لقانون الصفقات العمومية. بل حتى المؤسسات البلدية التي تحدثها البلدية والتي تتمتع بالطابع الإداري تخضع لقانون الصفقات العمومية.
5- المؤسسات العمومية:
لقد جاءت المادة الثانية من المرسوم الرئاسي 02-250 مفصّلة بشأن أنواع المؤسسات العمومية المعنية بالخضوع لقانون الصفقات العمومية. فذكرت المؤسسات العمومية ذات الطابع الإداري، وهذه الأخيرة شملتها بالذكر والوصف مختلف قوانين الصفقات العمومية سواء أمر 67-90في المادة الأولى. مرسوم 82-145 في المادة 5. المرسوم التنفيذي 91-434 بمنطوق المادة 2 منه .
غير أنّ الجديد الذي حمله المرسوم الرئاسي لسنة 2002 أنّه فصّل في ذكر المؤسسات العمومية فإلى جانب المؤسسات العمومية الإدارية ذكر مراكز البحث والتنمية والمؤسسات العمومية ذات الطابع العلمي. والمؤسسات العمومية ذات الطابع الثقافي والمؤسسات العمومية ذات الطابع المهني. بل إنّ مجال تطبيق قانون الصفقات العمومية امتد ليشمل المؤسسات العمومية ذات الطابع الصناعي والتجاري عندما تكلّف بإنجاز مشاريع استثمارية بمساهمة كاملة من ميزانية الدولة .
ومن الواضح أنّ المشّرع أدمج بمناسبة هذا التعديل الذي أعلنت عنه المادة 2 من المرسوم الرئاسي 02-250 أشخاصا قانونية اختلفت من حيث طبيعتها ومن حيث مهامها ومن حيث القانون الذي تخضع له. وهو ما استقر عليه المرسوم الرئاسي 08/338 المذكور.
فالدولة والولاية والبلدية والمؤسسة العمومية ذات الإداري كلّها تمثّل أشخاص القانون. العام فقرارات هذه الهيئات قرارات إدارية.ومن يعمل فيها يكتسب صفة الموظف العام طبقا للقواعد المقررة في القانون الأساسي للوظيفة العامة.
بينما المؤسسات العمومية ذات الطابع التجاري والصناعي لا يمكن اعتبار قراراتها بمثابة قرارات إدارية. ولا العاملين فيها بالموظفين العموميين الخاضعين لقانون الوظيفة العامة. ولا يمكن اعتبار منازعاتها من قبيل المنازعات الإدارية تطبيقا للمفهوم العضوي للمنازعة الإدارية والمكرّس بمنطوق المادة 7 من قانون الإجراءات المدنية الأول لسنة 1966 والثابت والمؤكد بمقتضى المادة 800 من قانون الإجراءات المدنية والإدارية لسنة 2008.
إنّ هذه الشمولية لمجال تطبيق قانون الصفقات المكرّسة بموجب المادة 2 من المرسوم الرئاسي 02-250 ستحدث إشكالات عملية على المستوى القضائي في غاية من التعقيد إذا كانت المؤسسة العمومية ذات الطابع الصناعي والتجاري طرفا في الصفقة وكان يتعلّق باستثمار مموّل من قبل ميزانية الدولة. فطبقا للمادة 2 من المرسوم 02-250 فإن هذا العقد يخضع لتنظيم الصفقات العمومية سواء من حيث طرق الإبرام أو الإجراءات أو الرقابة أو التنفيذ أو ممارسة السلطات (سلطات المصلحة المتعاقدة) .
فإذا حدث نزاع بخصوص هذه الصفقة طرحت إشكالية الاختصاص القضائي فهل تعود المنازعة لاختصاص القاضي العادي أم اختصاص القاضي الإداري؟
إنّ الإجابة على هذا السؤال ليست على قدر من السهولة بالنظر لأثارها من الناحية القانونية. فلو سلّمنا أنّ الاختصاص سيعقد للقاضي العادي اعتبارا من أنّ المنازعة لا نجد أحد أطرافها شخص من الأشخاص المحددين حصرا في المادة السابعة من قانون الإجراءات المدنية القديم. وهي الدولة والولاية والبلدية والمؤسسة العامة ذات الطابع الإداري بل إنّ أحد أطرافها مؤسسة ذات الطابع تجاري أو صناعي. ومن ثم نقر الاختصاص للقاضي العادي.
غير أنّ هذا الحل وإن كان يكرّس المعيار العضوي المعمول به في ظل قانون الإجراءات المدنية الأول ، فإنّه يطرح إشكالية أنّ الصفقات العمومية تنطوي على أحكام على الغالب نجدها مقننة وثابتة في تنظيم خاص وهي في مجموعها قواعد تنطوي على الطابع الإداري المحض بما يجعلها تختلف اختلافا كبيرا عن العقود المدنية والتجارية. وما قد يضعف من درجة اعترافنا باختصاص القاضي العادي بالفصل في منازعة تتعلق بصفقة عمومية.أن هذا الفصل قد ينجم عنه تأثر القاضي العادي بروح القانون الخاص وهو يحكم في النزاع المعروض عليه رغم ما للصفقة العمومية من صلة وثيقة بمجال القانون العام لا الخاص.
ويثور الإشكال أيضا إذا ما نحن أسندنا الاختصاص للقاضي الإداري اعتبارا من أن المنازعة تدور حول صفقة عمومية وهذه الأخيرة عقد إداري فوجب أن ينظر فيها القاضي الإداري.غير أن مثل هذا الحل من شأنه أن يهز المعيار العضوي المعتمد عليه في توزيع قواعد الاختصاص بين جهات القضاء العادي وجهات القضاء الإداري وهي من النّظام العام. فنكون أمام اختصاص للقاضي الإداري رغم أنّ أحد أطراف المنازعة مؤسسة ذات طابع صناعي وتجاري. لذلك ذهب أستاذنا الدكتور محمد الصغير بعلي إلى الحكم على هذا التعدّد المفرط للمؤسسات المشمول بالمادة 2 من المرسوم الرئاسي 02-250 بعدم الجدوى.
ونحن نؤيّده فيما ذهب إليه وما سجله من ملاحظة. وندعو المشرّع إلى إخراج المؤسسات العمومية ذات الطابع الصناعي والتجاري من مجال تطبيق قانون الصفقات العمومية. ذلك أنّه إن كانت الوحدة القانونية فيما يتعلّق بالعقود أو الصفقات مقبولة في مرحلة الاشتراكية أين وجدنا مرسوم 82-145 يطلق الوصف "جميع" "وكل" فإن هذه الوحدة تصبح عديمة الجدوى والفائدة في مرحلة تكرّست فيها الازدواجية القانونية والازدواجية القضائية.
ولقد أحسن المشرّع التونسي صنعا حين أخضع عقود المنشآت العمومية ومن بينها المؤسسات العمومية ذات الصبغة الصناعية والتجارية للقانون التجاري. وهو ما أكده الفصل الأول من قانون غرة فبراير1989 المتعلق بالمنشآت والمساهمات العمومية.وتكون نزاعاتها راجعة بالنظر إلى المحاكم العدلية طبقا لأحكام الفصل الثاني من القانون عدد 38 لسنة 1999.
هل حسم قانون الإجراءات المدنية والإدارية الجديد إشكالية الاختصاص
رجوعا لقانون الإجراءات المدنية والإدارية الجديد نجد المشرع اعترف للمحكمة الإدارية بالفصل في المنازعات المتعلقة بالصفقات العمومية.فهذه الفقرة 2 من المادة 804 اعترفت باختصاص المحكمة الإدارية بالنظر في الدعاوى المتعلقة بعقد الأشغال العامة وحددت اختصاص المحكمة بمكان التنفيذ.وهذه الفقرة 3 من ذات المادة أقرت الاختصاص للمحكمة الإدارية في مجال العقود الإدارية عامة مهما كانت طبيعتها وهذا بالنظر لمكان إبرام العقد أو تنفيذه.
غير أن الإشكال يظل عالقا أن المشرع في قانون الإجراءات الجديد لا زال يستعمل التصنيف القديم للمؤسسات واكتفى في المادة 800 بذكر المؤسسات العمومية ذات الصبغة الإدارية ولم يدرج معها هيئات أخرى ذات طابع عمومي.كالتي جاءت بها المادة 2 من المرسوم الرئاسي 02/250.
وهو ما سيثير إشكالات في غاية من التعقيد في مرحلة تطبيق قانون الإجراءات المدنية والإدارية. فحين ترفع أمام المحكمة الإدارية منازعة تتعلق بصفقة عمومية أحد أطرافها مؤسسة عمومية ذات طابع علمي وثقافي ومهني كالجامعة مثلا. فهل يقر القاضي الإداري اختصاصه بالنظر في هذه المنازعة
طالما كانت المادة 800 من قانون الإجراءات المدنية والإدارية هي التي حددت قواعد الاختصاص النوعي، إلا أنه بالرجوع إليها لا نجدها تشير لمؤسسات أخرى ذات طابع عام إلا المؤسسة العمومية ذات الطابع الإداري.وهنا نسجل عدم تطابق واضح بين قانون الإجراءات المدنية ة الإدارية وتنظيم الصفقات العمومية هذا الأخير الذي جاءت مادته الثانية مفصلة في أنواع المؤسسات. ومن المؤكد أن إشكالية الاختصاص ستعرف تعقيدا أكثر إن تعلقت الصفقة بمؤسسة صناعية وتجارية ممولة كليا من الدولة.فلأي قاض تخضع المنازعة.
إن الإجابة عن هذا التساؤل لا تبدو واضحة في قانون الإجراءات المدنية والإدارية الجديد.ومن وجهة نظرنا ينبغي الإسراع في مراجعة المادة 800 المذكورة على نحو يضمن قدرا من الملائمة والتنسيق بين نصوص قانونية وتنظيمية.
ثانيا: المعيار الشكلي وموقف المشرع الجزائري منه:
رجوعا لتعريف الصفقات العمومية الوارد في المادة الأولى من الأمر 67-90 والمادة 4 من المرسوم 82-145 والمادة 3 من المرسوم التنفيذي 91-434. والمادة الثالثة أيضا من المرسوم الرئاسي 02-250 نجد المشرّع الجزائري ثبت على مبدأ واحد وهو أنّ الصفقات العمومية عبارة عن عقود مكتوبة. ولعلّ سر اشتراط الكتابة والتأكيد عليها في مختلف قوانين الصفقات العمومية في الجزائر يعود لسببين إثنين :
1- إنّ الصفقات العمومية أداة لتنفيذ مخططات التنمية الوطنية والمحلية وأداة لتنفيذ مختلف البرامج الاستثمارية لذا وجب وبالنظر لهذه الزاوية أن تكون مكتوبة.
2- إنّ الصفقات العمومية تتحمل أعبائها المالية الخزينة العامة، فالمبالغ الضخمة التي تصرف بعنوان الصفقات العمومية لجهاز مركزي أو محلي أو مرفقي أو هيئة وطنية مستقلة تتحمّلها الخزينة العامة.
لذا وجب أن تكون الصفقات العمومية مكتوبة إلى جانب أنها تتضمن شروطا استثنائية وغير مألوفة في العقود المدنية والتجارية كما سنفصل ذلك حقا.

الاستثناء الوارد على القاعدة:
إذا كان المشّرع الجزائري قد شدد على عنصر الكتابة في مختلف قوانين الصفقات العمومية كما رأينا للأسباب المذكورة، فإنّه أورد استثناءا على القاعدة حددته المادة 6 من المرسوم الرئاسي 02-250 بقولها: " تبرم الصفقات العمومية قبل أيّ شروع في تنفيذ الخدمات وفي حالة وجود خطر يهدد الاستثمار أو ملكا للمصلحة المتعاقدة يمكن للوزير أو الوالي المعني أن يرخص بمقرر معلل بالشروع في بداية تنفيذ الخدمات قبل إبرام الصفقة. ترسل نسخة من هذه الرخصة إلى الوزير المكلف بالمالية."
من النّص أعلاه يتبيّن لنا أنّ المشرع جعل الأصل أنّ التنفيذ عملية لاحقة على الإبرام وهذا الأخير مرهون بالكتابة، فلا تنفيذ إلا بعد توقيع الصفقة من الجهة المخولة قانونا بذلك.
غير أنّ المشرّع منح ترخيصا للمصلحة المتعاقد فمكّنها من إجراء تنفيذ العقد أو الصفقة قبل عملية الإبرام، وعلّق الأمر على ترخيص يمنح من الوزير الوصي على القطاع المعني بالصفقة أو الوالي المختص إقليميا وهذا بموجب مقرّر معلّل أي يحتوي على جملة من الأسباب تسوغ اللّجوء للتنفيذ قبل مباشرة عملية الإبرام.
ولا شك أنّه لا يمكن اللّجوء لهذا الأسلوب أو هذا الترخيص إلا في حالات محدّدة لذلك جاء نص المادة أعلاه بعبارة: "... في حالة وجود خطر يهدد الاستثمار أو ملكا للمصلحة المتعاقدة...".
ويبقى أنّ المصلحة المتعاقدة هي أول من يتحرك لدى الجهات المخولة بالترخيص. ويقع عليها عبء تبرير وجه الخطر، نطاقه وأثاره. كما تبين في حالات أخرى جانب المساس بالملك محاولة منها لإقناع الجهات المعنية ( الوزير أو الوالي) بهدف إصدار الترخيص. وإذا صدر الترخيص من الجهة المركزية أو المحلية وجب إرسال نسخة منه لوزير المالية بما يعكس أثر الصفقة العمومية على الخزينة العامة وإلا ما كان أن يلزم الوزير المعني أو الوالي المختص إقليميا بإرسال نسخة من الترخيص لوزير المالية.
كما فرضت المادة 6 من المرسوم 02-250 إعداد صفقة تصحيحية خلال مدة ثلاثة أشهر من بدء التنفيذ إذا كان موضوع الصفقة يفوق أربعة ملايين دينار جزائري بما يؤكد مرة أخرى على أهمية الكتابة .فرغم أنّ التنفيذ بدأ وقطع شوطا معتبرا. فهذا لا يعني إهمال عنصر الكتابة بل لا بدّ من إجراء وإعداد صفقة تصحيحية.

ثالثا: المعيار الموضوعي وموقف المشرع الجزائري منه:
رجوعا لقوانين الصفقات العمومية الجزائرية والصادرة في مراحل اقتصادية وسياسية مختلفة نلاحظ أنّ المشرّع لم يثبت على طريقة واحدة في وصف متى نكون من حيث موضوع العقد أمام صفقه عمومية. فتارة نجد النّص القانوني يوسع من نطاق الصفقة العمومية أحيانا، وأحيانا أخرى يضيق من هذا النطاق.
إنّ الإدارة تبرم عقودا كثيرة ولا يمكن بحال من الأحوال اعتبار جميع ما تبرمه من عقود مختلفة بمثابة عقود إدارية إذ الشرط الأساسي لاعتبار العقد إداريا أن تسلك الإدارة فيه طريق القانون العام.
لذا وجب إبعاد جملة من العقود التي تبرمها الإدارات العمومية والحكم بعدم صلاحية إطلاق وصف الصفقة العمومية عليها من قبيل ذلك مثلا عقود التأمين وعقود النقل والتزويد بالغاز والكهرباء وغيرها من العقود الخاصة و هو ما أشارت إليه صراحة المادة 2 من أمر 67-90، والمادة 8 من المرسوم 82-145، والمادة 5 من المرسوم التنفيذي 91-434.
ولمّا كانت الصفقات العمومية عقودا إدارية محدّدة تشريعا من حيث موضوعها وجب حينئذ الرجوع للتشريع لمعرفة موضوع الصفقة العمومية. فالمادة الأولى من أمر 67-90 تحدثت عن إنجاز أشغال أو توريدات أو خدمات وجاء الفصل السادس من ذات الأمر مفصلا في أحكام الصفقات المتعلّقة بالدراسات من المادة 64 إلى 67 منه. أمّا أحكام المرسوم 82-145 فقد خصّت بالذكر إنجاز الأشغال أو اقتناء المواد والخدمات وما هو ما أشارت إليه المادة 4 المذكورة وهي نفس الصفقات المشار إليها في المادة 3 من المرسوم التنفيذي 91-434. غير أنّ المرسوم الرئاسي 02-250 إلى جانب ذكره لعقود الأشغال وعقود التوريد وعقود الخدمات أضاف عقود الدراسات.

رابعا : المعيار المالي وموقف المشرع الجزائري منه:
لما كان للصفقات العمومية صلة وثيقة بالخزينة العامة وجب حينئذ ضبط حد مالي أدنى لاعتبار العقد صفقة عمومية. ذلك أنّه من غير المعقول إلزام جهة الإدارة على التعاقد بموجب أحكام قانون الصفقات العمومية في كل الحالات وأيا كانت قيمة و مبلغ الصفقة بما ينطوي عليه إبرام الصفقة من مراحل طويلة.
لا شك أنّ إجبار الإدارة على التعاقد في كل الوضعيات والحالات بحسب الكيفية المبيّنة في قانون الصفقات العمومية وما تفرضه من إشهار وإجراءات ورقابة وقيود سيبعث بطئا كبيرا في أداء العمل الإداري. ذلك أنّ الإدارة كما تتعاقد بمبالغ كبيرة وضخمة تتعاقد أيضا بمبالغ بسيطة، وإن كان إلزامها بالخضوع لأحكام تنظيم الصفقات مقبولا وسائغا ومطلوبا بل وضروريا، فإنّ الأمر لا يكون كذلك إن تعلّق الأمر بمبلغ بسيط. ويعود من حيث الأصل للمشرّع صلاحية تحديد الحد الأدنى المالي المطلوب لإعداد صفقة عمومية مع إمكانية تغيير هذا الحد بين الفترة والأخرى لأسباب اقتصادية. ومع إمكانية تغيير هذا الحد بين صفقة وأخرى فما صلح كحد لعقد الخدمات لا يصلح كحد لعقد الأشغال العمومية بما تتطلبه هذه الأخيرة من أموال ضخمة.
ويبدو الهدف من وراء فرض حد مالي أدنى لاعتبار العقد صفقة عمومية، تخضع لقانون الصفقات، هو ترشيد النفقات العامة. فكلّما كان المبلغ كبيرا تحملت الخزينة أعباءه ووجب أن يخضع العقد لأصول وأحكام إجرائية تكشف للجمهور وتعلن من حيث الأصل. كما تخضع لأطر رقابة محددة. أمّا إذا المبلغ الناتج عن التعاقد بسيطا فلا داعي من إرهاق جهة الإدارة وإجبارها على التعاقد وفق قانون الصفقات العمومية عند ما تريد مثلا شراء مستلزمات مكتبية بمبالغ بسيطة.
وما يؤكد أنّ الحد الأدنى للصفقة قد يختلف من مرحلة إلى أخرى وقد يختلف من صفقة إلى صفقة. أنّ المرسوم التنفيذي 91-434 في نص مادته 6 ذكر حد أدنى يفوق مليونين دينار بقولها: " كل عقد أو طلب يقلّ مبلغه أو يساوي مليونا دينار جزائري 2.000.000 د.ج لا يتطلّب حتما إبرام صفقة بمفهوم هذا المرسوم."
ونظرا لأسباب اقتصادية ومالية تدخل المشرّع بموجب المرسوم التنفيذي رقم 94-178 المؤرّخ في 26 جوان 1994 فعدّل أحكام المادة 6 و7 من المرسوم التنفيذي لسنة 1991 ليرتفع بذلك الحد الأدنى المطلوب لإبرام صفقة من مليوني دينار إلى ثلاثة ملايين دينار. ولذات الأسباب السابقة ارتفع الحد الأدنى من ثلاثة ملايين دينار جزائري إلى أربعة ملايين دينار جزائري بموجب المرسوم التنفيذي رقم 98-87 المؤرخ في 9 نوفمبر 1998. وهو ذات الحد الذي تبنّاه المرسوم الرئاسي 02-250 المتضمّن تعديل قانون الصفقات العمومية في المادة 5 منه.
ولم يستقرّ الأمر طويلا إذ أعلن المرسوم الرئاسي 03-303 المعدّل والمتمّم للمرسوم الرئاسي 02-250. المتضمّن تنظيم الصفقات العمومية عن أحكام مالية جديدة فميّز بين أنواع الصفقات العمومية من جهة، ومنح وزير المالية أحقية تحيين المبالغ من جهة أخرى.


أ‌- الحد المالي الأدنى المطلوب لإبرام صفقة عمومية (طبقا لتعديل 2003:
ميّز المشرّع بين عقود الأشغال وعقود التوريد من جهة وعقود الخدمات والدراسات من جهة أخرى. فالحد الأدنى المطلوب في عقود الأشغال وعقود التوريد طبقا للمادة 5 من مرسوم 2003 المذكور يساوي ستة ملايين دينار أي أقل من هذا الحد لا تلزم الإدارة بإبرام صفقة طبقا لقانون الصفقات العمومية.
ولا شك أنّ تحرك المشرّع ورفعه الحد الأدنى المالي المطلوب لم يكن من فراغ بل هناك مؤثّرات ودوافع اقتصادية أدّت إلى ذلك مبعثها إرتفاع أسعار مواد البناء وتدهور قيمة الدينار وتغيّر نسبة التضخم وغيرها من الأسباب.أمّا عقود الخدمات وعقود الدراسات فقد ضبطها النّص بحد واحد قدره بأكثر من 4 ملايين دينار يمثل القاعدة العامة.

ب- سلطة وزير المالية في تحيين المبالغ:
نصّت المادة 5 من تعديل قانون الصفقات العمومية لسنة 2003 على أنّ: " يمكن تحيين المبالغ المذكورة أعلاه بصفة دورية بموجب قرار من وزير المالية وفق معدل التضخم المسجل رسميا."
واضح من النّص أعلاه أنّ المشرّع ومراعاة منه لحركية وتيرة الاقتصاد الوطني ومواكبة نسب التضخّم منح وزير المالية سلطة تحيين الحد الأدنى الواجب مراعاته لإبرام الصفقات العمومية ذلك أن غياب إجراء التحيين يعني تعديل القيمة المالية و الحد المالي بنص مماثل أي مرسوم رئاسي أو نص أعلى منه. ومن الطبيعي أن إصدار مرسوم رئاسي يتطلّب مدّة أطول مقارنة بقرار وزاري. ورغم أنّ الرخصة منحت لوزير المالية لإحداث تغيير في الحد الأدنى المالي المطلوب لإبرام صفقة عمومية. فإنّنا لا نخفي الإشكال القانوني النّاجم عن ممارسة هذه الرخصة فنكون أمام قرار وزاري صادر عن وزير المالية يعدّل مرسوما رئاسيا أعلى منه درجة وأكثر حجّية بما تطرح هذه الإشكالية من المساس بمبدأ توازي الأشكال ولو أنّ المرسوم الرئاسي فوّض وزير المالية ممارسة سلطة تحيين المبالغ.
و بحسب متابعتنا لأعداد الجرائد الرسمية سجلنا عدم استعمال وزير المالية لهذا الترخيص أو هذا الإجراء رغم اختلاف نسبة التضخم ما بعد 2003 ).
الحد المالي في تعديل 2008
لقد جاء المرسوم الرئاسي 08/338 معلنا عن تغيير في الحد المالي المطلوب لإبرام صفقة عمومية بما اقتضى تغيير المادة 5 التي رفعت في العتبة المالية في عقد الأشغال العامة وعقد التوريد إلى أكثر من 8 ملايين دينار. أما عقد الدراسات وعقد الخدمات فلم يشملهما التعديل واستقر ت العتبة المالية بالنسبة إليهما عند أكثر من 4 ملايين دينار.
خامسا: معيار الشروط الاستثنائية ( البند غير مألوف) وموقف المشرّع الجزائري منه:
سبقت الإشارة أنّ وجه تميّز العقد الإداري عن العقد المدني يكمن في أنّ العقد الإداري يخوّل جهة الإدارة ممارسة مجموعة سلطات وامتيازات لا وجود لها على صعيد القانون الخاص. وقد أقرّت بالأساس لتمكين الإدارة من تحقيق الأهداف المرجوة من وراء تعاقدها وفي تلبية حاجات الأفراد وتحقيق المصلحة العامة.
ولقد كرّس المشرّع الجزائري هذا المفهوم في مختلف قوانين الصفقات العمومية فاعترف للإدارة بممارسة جملة من السلطات والامتيازات التي لا نجد لها مثيلا على مستوى دائرة القانون الخاص.
فهذه المادة 99 من المرسوم الرئاسي 02-250 اعترفت صراحة للمصلحة المتعاقدة أن تفسخ الصفقة من جانب واحد بعد توجيه إنذار للطرف المتعاقد بهدف الوفاء بالتزاماته وهو ما لم يقرره المشرّع في القانون المدني.
من أجل ذلك ذهب القضاء الفرنسي إلى القول أنّ الشروط الاستثنائية هي الّتي تمنح المتعاقدين حقوق أو تضع على عاتقهم التزامات غريبة بطبيعتها عن تلك التي يمكن أن يقبلها من تعاقد في نطاق القواعد المدنية أو التجارية.
وليس بعيدا عن هذا الوصف والتعريف ذهبت المحكمة الإدارية العليا في مصر إلى القول :" إنّ العقد الإداري هو العقد الذي تكون الإدارة طرفا فيه ويتصل بنشاط مرفق عام من حيث تنظيمه وتسييره بغية خدمة أغراضه وتحقيق احتياجاته مراعاة لوجه المصلحة العامة. وتأخذ فيه الإدارة بأسلوب القانون العام بما تضمنه من شروط استثنائية غير مألوفة في عقود الأفراد.".
الفرع الثاني: تطبيقات القضاء الإداري الجزائري للمعايير التشريعية.
إذا كان المشرّع الجزائري قد خصّ العقود الإدارية أو الصفقات العمومية بتشريع خاص ولم يخضعها للقانون الخاص (المدني والتجاري)، فقد حرص من جهة أخرى على تحديد جملة من المعايير الّتي تميّز الصفقات العمومية عن غيرها من عقود الإدارة المختلفة.
والحقيقة التي لا يمكن إنكارها أنّ هذه المعايير سابقة الذكر ساهمت مساهمة كبيرة في مساعدة أجهزة القضاء الإداري لتطبيق أو إبعاد قواعد الصفقات العمومية بحسب توافر هذه المعايير من عدم توافرها وفيما يلي بعض هذه التطبيقات:
1- معيار أو شرط الكتابة:
لقد تشدّد القضاء الإداري الجزائري ممثلا في مجلس الدولة بشأن شرط الكتابة في قرار له صدر بتاريخ 14-05-2001 بين بلدية بوزريعة ومقاولة تحت رقم 001519 الغرفة الرابعة غير منشور بالقول :" ...من المقرّر قانونا وفقا للمادة 3 من المرسوم التنفيذي رقم 91-434 المتضمّن تنظيم الصفقات العمومية فإنّها تعتبر الصفقات العمومية عقودا مكتوبة وإنّه يلزم تحت طائلة البطلان أن تتضمّن بيانات محدّدة على سبيل الحصر بما يستفاد منه أنّ الكتابة شرط لانعقاد الصفقة العمومية وتتعلّق بالنظام العام."
ويتبيّن لنا من خلال هذا القرار أنّ مجلس الدولة طبق نصوص قانون الصفقات العمومية تطبيقا كاملا ولم يحد عنها. فالمشرّع وصف في قانون الصفقات الصفقة على أنّها عقد مكتوب، وما كان على القضاء الإداري إلا أن يعترف بهذا العنصر المميّز للعقود الإدارية كونها عقود مكتوبة ولما تنطوي عليه كما رأينا من أهمية وخطورة في ذات الوقت. وبالتّالي فإنّنا نثنّي على ما ذهب إليه مجلس الدولة في قراره المذكور. ولا نعتقد أنه سيغير موقفه خاصة وأن المادة 3 من المرسوم الرئاسي 02/250 لا تختلف في صياغتها عن المادة 3 من المرسوم التنفيذي لسنة 1991 من حيث اعتبار الصفقات العمومية عقود مكتوبة.
2- المعيار العضوي :
في قرار له صدر بتاريخ 05-11-2002- ملف رقم 003889 ذهب مجلس الدولة إلى التقيّد حرفيا بنصوص القانون وأقرّ مبدأ عدم خضوع المؤسسات ذات الطابع الصناعي والتجاري لقانون الصفقات العمومية. وبالتبعية أقر أيضا عدم اختصاص القاضي الإداري للبت في النّزاع القائم بخصوص إبرام مؤسسة عمومية ذات طابع صناعي وتجاري لصفقة عمومية.
وإذا كان مجلس الدولة في القرار أعلاه أصاب إصابة بالغة من حيث مضمون القرار، إلا أنّه لم يكن موفقا في تأصيله وتسبيبه فبدل أن يشير القرار في حيثياته للمادة الثانية من المرسوم التنفيذي 91-434 سابقة الذكر والّتي ورد فيها فقط عبارة الإدارات العمومية والهيئات الوطنية المستقلّة والولايات والبلديات والمؤسسات العمومية ذات الطابع الإداري، وهو ما يعني إقصاء وإبعاد المؤسسات العمومية ذات الطابع الصناعي والتجاري بعدم ورودها و ذكرها في نص المادة الثانية من المرسوم 91-434. أشار القرار للأمر 67-90 والذي أقرّ عدم خضوع عقود هذه المؤسسات لمحتوى أحكامه رغم أنّ هذا الأمر كما مرّ بنا من خلال التطوّر التاريخي لتشريع الصفقات العمومية قد ألغيت تقريبا كل مواده بموجب المرسوم 82-145- وبموجب المرسوم التنفيذي 91-434 وخاصة المواد المتعلّقة بالمعيار العضوي وبمجال التطبيق.
وأسس مجلس الدولة قراره على المادة 59 من الأمر 67-90 والّتي أقرّت عدم خضوع المؤسسات ذات الطابع الصناعي والتجاري لمقتضيات الأمر 67-90 المؤرخ في 17 جوان 1967 المتعلّق بالصفقات العمومية.
وكان حري بمجلس الدولة والنزاع منشور أمامه سنة 2002 أن يطبق التشريع الجاري به العمل ساعة عرض النّزاع وهذا التشريع هو المرسوم التنفيذي رقم 91-434 دون حاجة لذكر تشريعات أخرى سبق أن أقرّ إلغائها أكثر من مرة كما تقدم معنا البيان ونعني بذلك الأمر 67/90 المذكور.
ونعتقد أن المحاكم الإدارية ستواجه إشكالية كبرى في مجال الاختصاص خاصة بالنظر للمعيار العضوي كون أن المادة 800 من قانون الإجراءات المدنية والإدارية اكتفت بذكر المؤسسات العمومية ذات الصبغة الإدارية ولم يرد فيها أي إشارة لباقي المؤسسات الأخرى كالمؤسسة العمومية ذات الطابع العلمي والثقافي والمهني. وستتعمق الإشكالية أكثر إن كان أحد أطراف النزاع مؤسسة عمومية ذات طابع صناعي وتجاري. وسنفصل هذا الأمر عند التطرق لمنازعات الصفقات العمومية.

3- معيار أو شرط الحد المالي الأدنى المطلوب لإبرام صفقة عمومية:
لقد طبق القضاء الإداري الجزائري ممثلا في مجلس الدولة شرط الحد الأدنى المالي المطلوب لإبرام صفقة عمومية وهذا من خلال المنازعات المعروضة عليه.
ففي قرار له صدر بتاريخ 30-07-2001 الغرفة الرابعة الفهرس 07/17 رقم القرار 003955 ذهب مجلس الدولة إلى القول: " شرط الصفقة ليس ضروريا في الأشغال التي تقلّ قيمتها عن ثلاثة ملايين 3.000.000 د.ج- اتفاق على تقديم أشغال لصالح البلدية نهاية الأشغال وتسليمها – تقويم الأشغال ب 1.214.800 د.ج اعتبار البلدية بالدين- شرط الصفقة ليس ضروريا في الأشغال التي تقلّ قيمتها عن 3.000.000 د.ج ."
وعليه قرّر المجلس إلزام بلدية مولاي العربي بدفع مبلغ 1.214.800 د.ج كمبلغ أصلي و 100.000 د.ج تعويض.
وفي قرار له غير منشور بتاريخ 08-10-2001 ذهب مجلس الدولة إلى القول :" من المقرّر قانونا أنّ الاتفاق على الأشغال والّتي تبرمه الإدارة ولا يفوق قيمته 3000.000 د.ج 3 ملايين دينار جزائري لا يكون صفقة عمومية ولا يخضع في إجراءاته في حالة النّزاع إلى المادتين 99 و 100 من المرسوم التنفيذي رقم 91-434 المتعلّق بالصفقات العمومية."
وفي قرار لنفس المجلس غير منشور صادر بتاريخ 30-10-2001 أكد المجلس على هذا الشرط بقوله: " من المقّرر قانونا أن الأشغال الّتي تقلّ قيمتها على ثلاثة ملايين دينار جزائري ليس من الضروري فيها شرط عقد الصفقة وعلى عرض القضية على اللجنة الاستشارية. والثّابت في قضية الحال أنّ الدين ثابت باعتراف المستأنف عليها ولا نزاع فيه وأنّ قيمته تقلّ عمّا استوجبه القانون في عقد الصفقة وبالتّالي فلا مجال للحديث عن شرط الصفقة".
وفي قرار له مؤرخ في 16-12-2003 ذهب مجلس الدولة إلى القول : " إنّ المبلغ المحدّد للحد الأدنى من أجل إبرام صفقة عمومية قد طرأ عليها عدة تعديلات بموجب المرسوم التنفيذي رقم 94- 178 المرسوم التنفيذي 96-84 و المرسوم التنفيذي رقم 98-87 المؤرخ في 7 مارس 1998 وأنّ هذا المرسوم الأخير قد حدّد الحد الأدنى للمبلغ 4000.000 د.ج ( أربعة ملايين دينار جزائري)، ومتى ثبت في قضية الحال أنّ إبرام اتفاقية إنجاز الأشغال بين طرفي النّزاع كان بتاريخ 16-05-1998 وبقيمة 3847165.98 أي أقلّ من 4000.000 د.ج المحدّد في المرسوم التنفيذي رقم 98-87 المؤرخ في 07-03-98. وهو الواجب التطبيق في هذه الحالة فإنّ طرفي النزاع لم يكونا ملزمين بإبرام عقد الصفقة العمومية." وبذلك يكون القضاء الإداري الجزائري قد طبق حرفيا الحد الأدنى المطلوب لإبرام صفقة عمومية والمبيّن بموجب نصوص رسمية.
الفرع الثالث: المعايير الفقهية للعقد الإداري " الصفقة العمومية"
سبق البيان أنّ الفقه عرّف العقد الإداري على أنّه: " عقد يبرمه شخص من أشخاص القانون العام بقصد إدارة مرفق عام أو بمناسبة تسييره وتظهر نيته في الأخذ بأسلوب القانون العام. وذلك بتضمين العقد شرطا أو شروطا غير مألوفة في عقود القانون الخاص. وانطلاقا من هذا التعريف رسم الفقه معايير العقد الإداري المتمثلة في:
- المعيار العضوي .
- المعيار الموضوعي ( ارتباط العقد بالمرفق)
- معيار البند غير المألوف أو وسيلة القانون العام.
نوضح ذلك فيما يلي :
- المعيار العضوي :
ويقصد به أن تكون الإدارة طرفا في العقد، أي أن يكون أحد أطراف العلاقة العقدية شخص من أشخاص القانون العام. ويقصد بأشخاص القانون العام الأشخاص الإقليمية كالدولة والولاية والبلدية،

والأشخاص المرفقية وهي عبارة عن مؤسسات عامة. ويتولى التشريع المنظّم للصفقات العمومية تحديد نوعها وطبيعتها وعما إذا كانت معنية بالخضوع لقانون الصفقات أم أنّها غير معنية به، بحسب ما تقدّم معنا بالنسبة للتشريع الجزائري.
- المعيار الموضوعي:
ويقصد به أن يتعلق موضوع العقد بإدارة وتسيير مرفق عام. ويمكن تعريف المرفق العام على أنّه منظمة عامة تنشئها الدولة وتكون تحت إشرافها. أو أنّه نشاط تتولاه الإدارة ويستهدف النّفع العام. وهذا العنصر كما جاء في الفقه يجعلنا نطوف مرة أخرى حول الشرط العضوي في العقد الإداري كون الإدارة طرفا في العقد.
غير أنّ هذا الشرط على غاية من الأهمية اعتبارا من أنّ العقود الّتي تبرمها المرافق التجارية والصناعية لا يمكن اعتبارها عقودا إدارية بالرغم أنّها مرافق عامة .
- معيار إتباع وسيلة القانون العام:
لا يكفي أن تكون الإدارة طرفا في العقد لإضفاء الطابع الإداري عليه ومن ثمّ إخضاعه لقانون الصفقات العمومية وبالتّالي التصريح باختصاص القاضي الإداري بالفصل في المنازعة الناتجة عن هذا العقد. بل ينبغي أن تكشف جهة الإدارة عن رغبتها في استخدام وسيلة القانون العام عند تعاقدها.
إنّ الثابت والمؤكّد أنّ الدولة والولاية والبلدية والمؤسسة العامة ذات الطابع الإداري كلّها من أشخاص القانون العام. غير أنّها لا تخضع فقط للقانون العام، بل تخضع في بعض الحالات للقانون الخاص. ومرد خضوعها للقانون العام أم الخاص مبعثه الأسلوب المتبّع من جانب الإدارة في مباشرة النّشاط. فإن ضمنت عقدها شروطا استثنائية وغير مألوفة على صعيد القانون الخاص، كأن نصت في العقد على حقّها في الفسخ المنفرد أو التعديل المنفرد فإنّها عبّرت بهذه الشروط الاستثنائية عن نيتها في ممارسة آلية القانون العام وامتيازات السلطة العامة، بما ينبغي معه اعتبار الرابطة العقدية الّذي تجمعها بالطرف الآخر عقدا إداريا.
بل أكثر من ذلك حتى ولو لم يتضمن عقد الصفقة أي إشارة لأي سلطة من سلطات الإدارة كسلطة الفسخ مثلا ،فإن تنظيم الصفقات اعترف لها بممارسة هذه السلطة وإن لم يتضمن العقد إشارة إلى ذلك طالما اتبعت الإدارة المعنية إجراءات إبرام صفقة عمومية حسب التنظيم المعمول به.
إنّ الحكمة في استفادة وتمتّع جهة الإدارة بامتيازات القانون العام في مجال العقود الإدارية تعود بالأساس إلى اختلاف مكانة الأطراف بين العقد الإداري والعقد المدني .ففي القانون المدني الأصل أن يتمّ التعاقد بين طرفين متساويين يهدف كل منهما إلى تحقيق مصلحة شخصية. في حين أنّه وفي مجال القانون الإداري يتمّ التعاقد بين مصلحتين غير متساويتين، إدارة بوصفها سلطة عامة تهدف بتعاقدها إلى تحقيق نفع عام. ومتعاقد معها من الأفراد يستهدف بهذا التعاقد تحقيق نفع خاص.
ولمّا اختلف العقد الإداري من حيث الهدف من إبرامه عن العقد المدني، وجب أن تحكمه قواعد تتميّز عن هذا الأخير. بما يضمن لجهة الإدارة تحقيق هدفها من خلال الدخول في العلاقة العقدية. والشروط الاستثنائية أو غير المألوفة قد يتضمنها العقد نفسه فتحتويها بنود العقد وعندئذ تصبح شريعة للمتعاقدين كبنود العقد المدني وقد يتضمّنها دفتر الشروط. وقد ينص عليها القانون أو التنظيم كما هو الحال بالنسبة لقانون الصفقات العمومية الجزائري الّذي اعترف للإدارة بحق الفسخ المنفرد للصفقة حسبما بينته المادة 99 من المرسوم الرئاسي 02-250 المذكور.
المطلب الثالث:
تمييز الصفقة العمومية عن غيرها من العقود الأخرى.

مما لا شك فيه أن الصفقات العمومية تختلف عن سائر العقود الأخرى مدنية وتجارية وعقد العمل اختلافا كبيرا. إذ أنّ ما يعدّ صالحا للأفراد قد لا يكون كذلك بالنسبة لجهة الإدارة. كما أنّ الصفقات العمومية تكلف خزينة الدولة أموالا كبيرة. لذا وجب أن تخضع لأحكام مميّزة تتعلق بإجراءات وطرق إبرامها تختلف عن تلك التي يخضع لها الأفراد والمقرّرة في القانون المدني خاصة.
وسنتولى فيما يلي التمييز بين الصفقات العمومية والعقود المدنية من جهة، وبين الصفقات العمومية والعقود التجارية من جهة ثانية، وبين الصفقات العمومية وعقد العمل من جهة ثالثة.

الفرع الأول: التمييز بين الصفقات العمومية والعقود المدنية.
تختلف الصفقات العمومية عن العقود المدنية من زوايا كثيرة أبرزها:
1- من حيث مراكز أطراف العلاقة العقدية
إن العقد المدني يحتل أطرافه مرتبة واحدة ولا امتياز لطرف على طرف. ولا يمكن للمشرّع والأمر يتعلّق بمصلحة خاصة، أن يرجح مصلحة على مصلحة كأن يغلب مصلحة البائع على المشتري. أو المؤجر على المستأجر أو الرّاهن على المرتهن. إن مثل هذا التمييز إذا ما تم سينسف نظرية العقد في مجال القانون الخاص عامة. بينما العقد الإداري وبالنّظر لاحتوائه عضويا على إدارة عامة أو هيئة عمومية وجب الاعتراف لها بالتمتّع بامتيازات السلطة العامة بما يمكنها من تحقيق الهدف من التعاقد.
2- من حيث إجراءات إبرام العقد
تخضع الإدارة أو الهيئة العامة لطرق محددة عندما تبدي رغبتها في التعاقد. وتلزم كأصل عام بإعلام الجمهور وبنشر إعلان مناقصة مثلا أو مزايدة. وتخضع لإجراءات طويلة وثقيلة، ولرقابة معقّدة. إنّ الإدارة العامة في غالبية النظم القانونية ليست حرة في اختيار المتعاقد معها، بل هي مجبرة على التعاقد بكيفية وإجراءات محدّدة. وهذا بهدف ترشيد النّفقات العامة مراعاة لما تكلّفه الصفقات العمومية من أوجه كبيرة وضخمة للصرف. بل إن المشرع عمد إلى حماية قواعد تنظيم الصفقات العمومية بأدوات جزائية تطبق عند الإخلال بهذا التنظيم وهو ما أشارت إليه المادة 26 من قانون الوقاية من الفساد ومكافحته. بينما العقد المدني يحكمه مبدأ الحرية التامة في اختيار الطرف المتعاقد للطرف الآخر. كما يتمّ بسرعة كبيرة ولا يخضع لإجراءات الشهر كأصل عام.
3- من حيث الهدف من العملية التعاقدية
إنّ الهدف من إبرام العقد المدني هو تحقيق المصلحة الخاصة لأطراف العقد. فعقد البيع مثلا يحقّق مصلحة للبائع وللمشتري. فالبائع انتفع بالثمن والمشتري انتفع بمحل البيع. بينما الهدف من إبرام الصفقات العمومية هو تحقيق المصلحة العامة. فعقد الأشغال العامة مثلا إذا نصب على إنجاز طريق من نقطة إلى أخرى أو إنجاز جسر أو مجموعة سكنات، فإنّ المنتفع هو الجمهور. كما أن عقد تموين إدارة الخدمات الجامعية بمادة معيّنة كاللّحوم أو الخبز أو الخضر والفواكه إنّما تمّ بغرض إطعام الطلبة. وهكذا فكل صفقة عمومية إنّما يرجع عائدها وأثرها على دائرة المنتفعين.
4- من حيث الجهة القضائية المختصة بالنظر في النزاع
يعقد الاختصاص بالنّظر في الخصومات النّاتجة عن تنفيذ العقود المدنية لجهة القضاء العادي. بينما يعقد الاختصاص بالنّظر في منازعات الصفقات العمومية كأصل عام للقضاء الإداري أو لجهة محددة تشريعا.
ولقد كرس القانون العضوي 98/01 المؤرخ في 30 ماي 1998 المتعلق باختصاصات مجلس الدولة وتنظيمه وعمله.والقانون 98/02 بنفس التاريخ والمتعلق بالمحاكم الإدارية. والقانون العضوي 98/03 بتاريخ 3 جوان 1998 المتعلق باختصاصات محكمة التنازع وتنظيمها وعملها الازدواجية القضائية من منظور هيكلي. وأخيرا كرس قانون الإجراءات المدنية والإدارية الازدواجية الإجرائية
5 من حيث سلطة القاضي الفاصل في النزاع
إن سلطة القاضي الإداري أوسع من سلطة القاضي المدني هذا الأخير الذي يسيره الخصوم.طبقا للمبدأ القائل الخصومة ملك للخصوم، بينما القاضي الإداري يستطيع جبر الإدارة على تقديم قرار وهو ما أشارت إليه المادة الفقرة 2 من المادة 819 من قانون الإجراءات المدنية والإدارية الجديد.

الفرع الثاني: التمييز بين الصفقات العمومية والعقود التجارية.
تتميز الصفقة العمومية عن العقد التجاري من زوايا عدة أبرزها
1 من حيث قواعد الإثبات
لما كانت الحياة التجارية يسودها عنصر الائتمان ويحكمها مبدأ السرعة، وجب أن تساير أحكام العقود التجارية هذين المبدأين أو الميزتين. لذا وجدنا المشرّع الجزائري وهو يسنّ قواعد إثبات العقد التجاري كان في غاية من المرونة. فذكر وسائل عدّة يثبت بها العقد التجاري فإلى جانب السندات الرسمية ذكر السندات العرفية والفواتير المقبولة والرسائل والدفاتر التجارية للطرفين والإثبات بالبينة وهو ما قرّرته المادة 30 من القانون التجاري الجزائري.
بينما العقد الإداري لا يثبت إلا بالكتابة. ولقد سبقت الإشارة أنّ القضاء الإداري الجزائري ممثلا في مجلس الدولة تشدّد في تطبيقه لهذا الشرط فلم يقبل ادّعاء بوجود علاقة عقد بعنوان صفقة عمومية إذا لم يكن المدعي يحوز عقدا مكتوبا بين يديه. ثمّ إنّ عنصر الكتابة ورد في مختلف التعريفات التشريعية الجزائرية للصفقات العمومية وفق ما بينّا ذلك سابقا.
2 من حيث طرق الإبرام
تتميّز الصفقة العمومية عن العقد التجاري فيما يخصّ طرق الإبرام. فإذا كان من اليسير إبرام عقد تجاري تماشيا مع السرعة وحركة المجتمع التجاري، فإنّ الأمر لا يكون كذلك بالنسبة للصفقة العمومية التي يأخذ إبرامها مراحل طويلة ويمر بإجراءات معقدة كما سيتضح لنا من خلال طرق الإبرام. وأن كل مخالفة لتنظيم الصفقات ينجم عنها المسؤولية الجزائية المقررة في قانون الوقاية من الفساد ومكافحته.
3 من حيث الجهة القضائية المختصة بالنظر في النزاع
يتميّز العقد التجاري عن الصفقة أيضا فيما تعلّق بقواعد الاختصاص القضائي في حالة نشوب نزاع أو خصومة. فإذا كان القضاء الإداري هو المختصّ بالنّظر في منازعات الصفقات العمومية فإنّ القضاء العادي هو الجهة المختصّة بالنظر في المنازعات التجارية.
ومن جملة الأحكام الجديدة فيما يخص تشكيلة المحكمة التجارية نصت المادة 533 من قانون الإجراءات المدنية والإدارية الجديد أن المحكمة التجارية تتشكل من قض رئيسا ومساعدين ممن لهم دراية بالمسائل التجارية ويكون لهما دور استشاري.بينما تتشكل المحكمة الإدارية فقط من قضاة.

الفرع الثالث: التمييز بين الصفقات العمومية وعقد العمل.
ليس المجتمع التجاري فقط والمدني هو من خصّه المشرّع بأحكام خاصّة ، بل امتدت الخصوصية أيضا للمجتمع العمّالي الّذي يحكمه التشريع العمالي أو الاجتماعي.
وقد عرف الفقه عقد العمل على أنّه " اتفاق يلزم بمقتضاه شخص بوضع نشاطه في خدمة شخص آخر وتحت إشرافه مقال أجر".
ويتبين لنا من تعريف عقد العمل أنه قد يقترب من الصفقة العمومية خاصة وأن هذه الأخيرة قد يكون موضوعها خدمة.وعقد العمل هو الآخر ينصب على خدمة يقدمها العامل لصاحب العمل.
غير أنه مع ذلك تظل الصفقة العمومية تتميز عن عقد العمل من جوانب كثيرة ومتنوعة أبرزها
1 من حيث عنصر الشكل
من خلال تعريف عقد العمل وربطه بتعريف الصفقات العمومية نجد أن عقد العمل لا يشترط فيه عنصر الكتابة. وهو ما أشارت إليه صراحة المادة 8من القانون 90-11 المؤرخ في 21 أفريل 1990 .
المتعلق بعلاقات العمل المعدل والمتمم بقولها:" تنشأ علاقة العمل بعقد مكتوب أو غير مكتوب وتقوم هذه العلاقة على أية حال بمجرد العمل لحساب مستخدم ما" بينما الصفقة العمومية شرط الكتابة فيها لازم بل هو ركن من أركان العقد.
2 من حيث طرق الإبرام وقواعد الرقابة
تختلف الصفقة العمومية أيضا عن عقد العمل سواء من موضوعها أو طرق إبرامها أو قواعد رقابتها. وهو ما سنفصل فيه لاحقا.الأمر الذي يبعث بطئا في ظهور الصفقة العمومية، بينما عقد العمل يبرم في مدة وجيزة ويخضع هو الآخر لأطر رقابية خاصة.
3 من حيث قواعد الاختصاص القضائي
تعرض منازعات العمل على مستوى المحكمة الابتدائية وهذا بعد المرور وجوبا بمرحلة الصلح الذي تتولاه مكاتب المصالحة وفقا للتشريع الجاري به العمل. وطبقا للمادة 502 من قانون الإجراءات المدنية والإدارية يتشكل القسم الاجتماعي من قاض رئيسا ومساعدين .بينما تتشكل المحكمة الفاصلة في منازعات الصفقات العمومية فقط


 

سمير13

عضو
إنضم
26 سبتمبر 2009
المشاركات
45
مستوى التفاعل
1
النقاط
6
رد: الصفقات العمومية بقلم الأستاذ الدكتور عمار بوضياف

بارك الله فيك اخي الكريم .وكتب الله بها لك عن كل حرف حسنة باذنه عز و جل
 

youcef66dz

عضو متألق
إنضم
3 أكتوبر 2009
المشاركات
3,786
مستوى التفاعل
114
النقاط
63
رد: الصفقات العمومية بقلم الأستاذ الدكتور عمار بوضياف

إضافة مهمة نسأل الله أن يحقق النفع بها لكل الطلبة ... شكرا و ننتظر المزيد .
 

djamila04

عضو متألق
إنضم
5 أبريل 2011
المشاركات
606
مستوى التفاعل
7
النقاط
18
رد: الصفقات العمومية بقلم الأستاذ الدكتور عمار بوضياف

جــــــــــزاك الله خيــرا على مجهــــــودك
 

raouf16

عضو جديد
إنضم
8 أبريل 2011
المشاركات
2
مستوى التفاعل
1
النقاط
1
رد: الصفقات العمومية بقلم الأستاذ الدكتور عمار بوضياف

ممكن سؤال
ماهي طبيعة الصفق العمومية وهل هي عقد إداري أم لا؟:confused:
 

raouf16

عضو جديد
إنضم
8 أبريل 2011
المشاركات
2
مستوى التفاعل
1
النقاط
1
رد: الصفقات العمومية بقلم الأستاذ الدكتور عمار بوضياف

المبحث الثاني: النظام القانوني للمرافق العامة في الجزائر




يقصد بالنظام القانوني للمرفق العام مجموعة المبادئ و القواعد و الأحكام القانونية التي تتعلق بكيفية تنظيم و تسيير و مراقبة المرفق العام.



المطلب الأول: أنماط النظم القانونية التي تحكم و تحدد المرافق العامة
يتكون النظام القانوني للمرافق العامة من ثلاث فئات من النظم القانونية و هي على التوالي:

الفرع الأول:النظام القانوني العام للمرافق العامة

يشمل هذا النظام المبادئ و القواعد القانونية التي تحكم و تطبق على جميع أنواع المرافق العامة.

الفرع الثاني: النظام القانوني الخاص للمرافق العامة

هو النظام القانوني الذي يشتمل على مجموعة القواعد و الأحكام و المبادئ و الأساليب القانونية التي تتعلق بنوع معين من المرافق العامة مثل: النظام القانوني الخاص بالمرافق العامة الاقتصادية أو الإدارية أو المهنية. (7)

الفرع الثالث: النظام القانوني الأخص للمرافق العامة

يقصد به مجموعة الأحكام و الأساليب القانونية الخاصة بكل مرفق على حدى و الذي يوجد عادة في القانون أو القرار الإداري المنشئ و المنظم لمرفق معين، كما أنه يتضمن أحكام

و أساليب قانونية تحدد أهداف و وظائف المرفق العام .

و توضيحا لذلك فإن النظام الإداري الجزائري اعتمد على هذه الأنماط الثلاثة من خلال:

أولا:المرسوم رقم 84/12 المؤرخ في:22/01/1984 و المتضمن تنظيم و تشكيل الحكومة بكل وزاراتها.

ثانيا: المرسوم رقم 86/57 المؤرخ في:25/03/1986 و المعدل للمرسوم رقم 85/119 المؤرخ في:21/05/1985 المتضمن تحديد المهام العامة لهياكل الإدارة المركزية في الوزارات المختلطة .

ثالثا: المراسيم الخاصة بتحديد هياكل و مهام كل وزارة. (8)

و عليه فإن المرسوم رقم 84/12 يمثل النظام القانوني العام لكل وزارات الحكومة مجتمعة
و داخل هذا النظام العام نجد نظاما خاصا يوضح القواعد القانونية التي تنظم المرافق المختلطة كالنظام القانوني الخاص بتنظيم و تسيير مستشفى الأحداث باعتباره مرفق مختلط بين وزارة الصحة و وزارة الحماية الاجتماعية.

و إلى جانب هذا النظام الخاص هناك نظاما أخص حيث يندرج ضمنه المبادئ و القواعد القانونية التي تحكم و تنظم المرافق التي أنشأتها كل وزارة كالمستشفيات و المراكز الصحية التابعة لوزارة الصحة.







ــــــــــــــــــــــــــ

(7). عوابدي،عمار، النشاط الإداري. الجزء الثاني.

(8).أنظر الملحق.




07



المطلب الثاني: السلطة المختصة بعملية تنظيم المرافق العامة

قبل الحديث عن السلطة التي يعود لها الاختصاص في إنشاء و تنظيم المرافق العامة لابد من معرفة ماذا نعني بعملية تنظيم المرافق العامة ؟

الفرع الأول: مفهوم عملية تنظيم المرافق العامة

نتيجة للاختلاف الفقهي في القانون الإداري حول تحديد مفهوم تنظيم المرفق العام ظهر مفهومان :

أولا: مـفـهـوم واسـع

يذهب أنصار هذا الاتجاه إلى أن عملية التنظيم تشمل إنشاء المرفق العام،وظائفه،أهدافه

إدارته و تسييره،الهيئات التي تختص بالتسيير،...

ثانيا: مـفـهـوم ضـيـق

يرى أصحاب هذا الاتجاه أن عملية تنظيم المرفق العام تكون محصورة فقط في الإدارة

و التسيير الداخلي للمرفق العام،و لا تتعداه إلى تحديد الوظائف و الأهداف و الرقابة على المرفق إضافة إلى تعديله.

الفرع الثاني: السلطة التي تختص بإنشاء و تنظيم المرفق العام

تتأرجح سلطة تنظيم المرافق العامة في القانون المقارن بين السلطة التشريعية و السلطة التنفيذية.

و عليه فقد انقسم فقه القانون الدستوري و القانون العام في تحديد أي السلطتين أولى بعملية تنظيم المرافق العامة.

فبالنسبة لفقه القانون العام،يتجه إلى أن السلطة التشريعية هي صاحبة الاختصاص

و حجتهم في ذلك أن هذه السلطة هي التي تحقق الحماية القانونية للحقوق و الحريات الاقتصادية لمواطني الدولة.

و بالتالي مادامت هذه السلطة هي من يوافق على اعتمادات و موارد المرافق العامة أي على نفقات و إيرادات المرفق فهي الأولى بتنظيمه و إنشائه.

أما بالنسبة لفقه القانون الدستوري،فيرى ضرورة إسناد عملية تنظيم المرفق العام

للسلطة التنفيذية و تبرير ذلك يعتمد على مبدأ الاختصاص لأن السلطة التنفيذية تضطلع بعملية تنظيم المرافق العامة انطلاقا من اللوائح التنظيمية التي تقوم بإصدارها.

و في ما يتعلق بالجزائر فإن السلطة التنفيذية هي التي تتولى إنشاء و تنظيم المرافق العامة أي أن الدولة في حد ذاتها هي التي تقوم بهذا الإنشاء و التنظيم من منطلق أن إنشاء المرافق العامة يدخل في إطار صلاحيات الدولة التي يخولها لها الدستور.

و ترتيبا على ذلك فقد تم إنشاء العديد من المرافق العامة عن طريق مراسيم و أوامر هذا على الصعيد الوطني،أما على المستوى المحلي فإن الجماعات المحلية تقوم بإنشاء المرافق العامة حسب النصوص الواردة في قانوني الولاية و البلدية ،كما أشرنا إلى ذلك سابقا في أنواع المرافق.



08


المطلب الثالث: المبادئ القانونية التي تحكم و تنظم المرافق العامة
حتى يحقق المرفق العام المصلحة العامة لجميع المنتفعين فقد أنشأ له الفقه أسس و مبادئ أجمع عليها الفقهاء و استقرت في أحكام القضاء و لمعرفة هذه المبادئ نوضحها حسب

ما يلي :

الفرع الأول: مبدأ انتظام سير المرفق العام

يقضي هذا المبدأ بحتمية استمرار المرافق العامة بشكل منتظم طالما أنه يقدم خدمات للمواطنين تعتبر أساسية لإشباع حاجات عامة لا يمكن بأي حال من الأحوال الاستغناء عنها.

و من هذا المنطلق فأي توقف أو أي خلل في سير المرافق العامة يؤدي إلى شلل الحياة العامة في الدولة .

إن هذا المبدأ القانوني مبدأ أصيل من الواجب تطبيقه سواء نصت عليه النصوص القانونية

و التنظيمية أو لم تنص .

و ترتيبا على ذلك فإن الإدارة لا تقوم ببيع المرافق العامة أو التخلي عنها نهائيا .

إن مبدأ استمرارية المرفق العام يوجب على السلطة العامة تأمين و احترام المرفق العام سواء في مجال الموظفين العموميين حيث تمنع القوانين إضرابهم عن العمل أو توجب تأمين أو انتداب موظف يحل محل الموظف الذي ينقطع عن عمله لسبب من الأسباب،أو في مجال العقود الإدارية حيث تجيز السلطة العامة لنفسها فسخ العقد إذا أصبح تنفيذه مستحيلا بسبب القوة القاهرة أو في مجالات تقضي بعدم جواز التصرف بالأملاك العامة . (9)

إن النتيجة التي يمكن التوصل إليها مما سبق ذكره أن القانون يوجب على السلطة الإدارية المختصة حماية المرفق العام من أجل تحقيق المصلحة العامة و بالتالي فهذا الهدف يحتاج إلى مبدأ الاستمرارية .

و إذا رجعنا للنظام القانوني الجزائري نجد أن دستور 76 و تحديدا في المادة 61 قد نص على ما يلي:

( في القطاع الخاص حق الإضراب معترف به و ينظم القانون ممارسته.) يتضح من خلال هذا النص أن الإضراب غير مسموح به بالنسبة للقطاع العام حفاظا على دوام سير المرافق العامة، و تبقى ممارسته بالنسبة للقطاع الخاص متوقفة على التنظيم القانوني له.

أي أنه لا يتجاوز مدة زمنية محدودة ( لا يكون مفتوحا) و يكون بترخيص مسبق من طرف السلطة العامة .

أما في دستور 96 فقد جاء نص المادة 57 على النحو التالي:

( الحق في الإضراب معترف به،و يمارس في إطار القانون.يمكن أن يمنع القانون ممارسة هذا الحق،أو يجعل حدودا لممارسته في ميادين الدفاع الوطني و الأمن،أو في جميع الخدمات أو الأعمال العمومية ذات المنفعة الحيوية للمجتمع.)

هذا بالنسبة لفكرة الإضراب وضرورة إخضاع هذا الأخير لقيود قانونية حتى يستمر المرفق العام في تأدية خدماته،أما فيما يتعلق بالاستقالة فإن الموظف العام لا ينقطع نهائيا عن العمل بصفة عفوية بل يجب عليه تنظيم هذه الاستقالة وفقا لإجراءات قانونية تضمن له التخلي عن وظيفته دون إحداث خلل في المرفق العام.

ــــــــــــــــــــــــــــــــ

(9). عوضة،محمد، المبادئ الأساسية للقانون الإداري. ص 92 .

09



الفرع الثاني: مبدأ المساواة أمام المرفق العام

يسمح هذا المبدأ بإعطاء الطابع السيادي للمرفق العام و هو يؤدي إلى احترام وظيفة المرافق العامة التي تقدم خدمات عامة يتساوى في الحصول عليها جميع المنتفعين من هذه المرافق إذا توفرت فيهم الشروط المطلوب توفرها للحصول على خدمات و سلع المرافق العامة و الانتفاع بها .

فهذا المبدأ يكفل لجميع المواطنين الراغبين في الانتفاع بالمرفق العام على قدم المساواة دون تمييز أو تفرقة .

يعرف هذا المبدأ بمبدأ مجانية المرفق العام،على أنه لا يقصد بلفظ المجانية المعنى الحرفي للكلمة بل المقصود بها أن يتساوى جميع المواطنين في الانتفاع بالمرفق العام.

إذن هذا المبدأ لا يتنافى بأن تقوم الدولة بفرض رسوم مقابل الحصول على خدمات من المرفق العام،أو بفرض شروط عامة للوظائف العامة .

لكن لا يجوز للإدارة أن تفرق بين الأفراد الراغبين في الاستفادة من خدمات المرفق العام ما دامت قد توفرت فيهم الشروط القانونية و بالتالي فالمساواة أمام المرفق العام تقتضي ألا تتأثر الإدارة بالاتجاه السياسي أو الاجتماعي للمنتفعين من المرفق العام .

و نشير هنا إلى أن تحقيق مبدأ المساواة أمام المرفق العام يوجب على الإدارة فرض رسوم موحدة لجميع المنتفعين .

غير أن الفقه أورد على هذه القاعدة العامة (قاعدة المساواة) بعض الاستثناءات نذكر أهمها:

إعفاء العاجزين و المسنين من دفع الرسوم كاملة،أو إعفاء الطلبة الممتازين من دفع المصروفات الجامعية مثلا.

الاستثناءات المتأتية من ممارسة الإدارة العامة لسلطتها التقديرية حيث تتوفر في مجموعة من الأفراد نفس الشروط للانتفاع بالمرفق العام،لكن الإدارة تفضل البعض على البعض الآخر. مثل:تفضيل الرجال في بعض الوظائف على النساء. (10)

إن النتيجة التي يمكن أن نتوصل لها هي أن مبدأ المساواة يعني أن إنشاء المرفق العام
لا يهدف إلى الربح بل إن القانون يمنع الإدارة بأن تقوم بتحصيل الأرباح نتيجة تنظيمها للمرافق العامة .

و عليه فإن الإدارة العامة تخضع لرقابة القضاء في عملية تطبيق مبدأ المساواة أمام المرافق العامة،مما يعني أن عدم التزام الإدارة بتطبيق هذا المبدأ يعرض المرفق العام الذي لم يسير وفق هذا المبدأ لعملية الإلغاء.






















ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(10). عوضة،محمد، المبادئ الأساسية للقانون الإداري. ص 92/93.



10






الفرع الثالث: قابلية المرفق العام للتعديل و التغيير




يعتبر هذا المبدأ من المبادئ العامة و المسلم بها من جانب الفقه و القضاء،فهو بمنح للسلطة الإدارية حق تعديل النظام القانوني الذي يحكم المرافق العامة بما يتناسب مع التطورات التي تمس النشاطات المختلفة للمرافق العامة .

إذن هذا المبدأ يتضمن تنظيم و تسيير المرافق العامة في الدولة حسب العوامل و العناصر الملائمة للواقع و التكيف مع الظروف و المعطيات الطارئة و المستجدة و بالتالي فالمرفق العام يتغير في الزمان و المكان لأن المرفق الذي يعبر عن نشاط عام في الماضي قد لا يعبر عنه في الحاضر .

و مثال ذلك : التجارة الخارجية في الجزائر كانت بموجب دستور 76 تعبر عن مرفق عام لكن بعد دستور 89 لم تعد محتكرة من طرف الدولة،حيث أصبحت عمليات التصدير و الاستيراد تنظم بمشاريع خاصة .

و فيما يتعلق بالمرافق العامة التي تسير عن طريق عقود الامتياز فإن للإدارة الحق في أن تتدخل أيضا في هذه العقود لتعديلها حسب ما يتفق مع الظروف المستجدة من أجل تحقيق المصلحة العامة.

غير أن هذا التعديل يمنح للمتعاقد حق مطالبة السلطة العامة بالتعويض من أجل إعادة التوازن المالي للعقد.























































11










خـاتـمـة



يبدو المرفق العام من المواضيع الأساسية في القانون الإداري حيث أنه أخذ كمعيار لتحديد مفهوم هذا الأخير .

و عليه فإن المرفق العام يعتبر نواة القانون الإداري من الجانب القانوني.

إن ما يمكن أن نستخلصه مما سبق أنه لا يمكن أن يكون للمرفق العام مفهوم جامع و مانع

و بشكل مجرد و حيادي إلا في ضوء الأهداف و الغايات الإدارية،الاجتماعية،و الاقتصادية التي تحدد له مسبقا.

مع ضرورة تعيين الجهة التي تختص بإنشائه و هي كما سبقت الإشارة إليه تأرجحت في الفقه بين السلطتين التشريعية و التنفيذية و قد تكون إلى هذه الأخيرة أقرب باعتبار أن إنشاء المرافق العامة يدخل في الإطار التنظيمي من جهة وتحقيق المصلحة العامة يتطلب سرعة الإنشاء و التنظيم من جهة ثانية.

إضافة إلى ذلك فإن سياسة الدولة هي التي تبني المرافق العامة لكن من المنطلق القانوني نجد أن المرافق العامة تنشأ تلقائيا بالاعتماد على ما يحتاجه الأفراد في المجتمع.

بغض النظر و دون الدخول في الجدل الفقهي حول أي السلطتين أولى بإنشاء المرافق العامة التشريعية أم التنفيذية، فإن تسيير هذه المرافق يحتاج إلى أساليب و طرق تم حصرها

فيما يلي:

أسلوب الإدارة المباشرة.

أسلوب الامتياز.

عن طريق المؤسسة العامة.

إن كل مرفق عام يقوم على ثلاثة مبادئ أساسية تتمثل في:

مبدأ انتظام سير المرفق العام (مبدأ الاستمرارية ).

مبدأ المساواة أمام المرافق العامة (مبدأ المجانية ).

قابلية المرفق العام للتعديل و التغيير( مبدأ التكيف ).

و نشير في الأخير إلى أن مفهوم المرفق العام في الجزائر و في المرحلة ما بين 62 إلى 88 يكاد يكون غير واضح و غامض إلى حد ما .

لكن ابتداء من سنة 88 بدأت تتضح معالمه بعض الشيء، غير أنه و بتدخل الدولة و ظهور مرافق صناعية و تجارية أصبح من الصعب تحديد مفهومه مما أدى إلى أن اتجهت بعض الآراء في الجزائر إلى ضرورة تعريف دور الدولة حتى يتضح مفهوم المرفق العام.

























مـلـحـق :أ/ مفهوم المرفق العام في الجزائر




قبل الحديث عن وضعية المرفق العام في الجزائر نتوقف بشيء من الإيجاز عند أساس فكرة المرفق العام في القانون المقارن .

إن الحديث عن مفهوم المرفق العام في فرنسا على وجه التحديد يقودنا إلى الحديث عن ثلاثية من المفاهيم تشمل الجوانب الثلاثة التالية:

الجانب القانوني .

الجانب المؤسساتي.

الجانب الإيديولوجي.

إذن مفهوم المرفق العام يشمل التعريف القانوني له و الإيديولوجي إضافة إلى التعريف المؤسساتي.

1/ التعريف القانوني: باعتبار أن المرفق العام هو نظام قانوني يتمثل في مجموعة من القواعد القانونية التي تنظم مصلحة عامة و تحتاج هذه القواعد إلى أسس و مبادئ فقهية يقوم عليها كل مرفق عام.

2/ التعريف الإيديولوجي: كون المرفق العام يعبر عن فلسفة إيديولوجية للمجتمع داخل

الدولة.

3/ التعريف المؤسساتي: انطلاقا من أن المرفق العام ما هو إلا مؤسسة تعبر عن مصلحة عامة و بما أن الدولة تحتكر القطاع العام فهي ترى أن المرافق العامة هي مجرد مؤسسات عامة تمارس نشاطا إداريا.

لـكن: في الجزائر عرف المرفق العام انطلاقا من المفهومين المؤسساتي و الإيديولوجي فقط

و هذا ما دعا الأستاذ امين بوسماح إلى القول بأن هناك كسوف للمرفق العام من حيث المفهوم .

و تجدر الإشارة هنا أن في الفترة ما بين 62 إلى 89 انحصر مفهوم المرفق العام في الجانب الإيديولوجي فقط الذي يمثل الاشتراكية .

و ترتيبا على ذلك فإن مفهوم المرفق العام في الجزائر اختلف على ما هو عليه في القانون المقارن نتيجة أسباب متعددة يأتي في مقدمتها الغياب التام للدراسات الفقهية لهذا الموضوع بشكل خاص و لموضوع القانون الإداري عموما،لكن هذا الغياب لم يكن من فراغ بل يعود إلى أسباب سياسية بالدرجة الأولى و أسباب تاريخية بالدرجة الثانية .

إن ما يجب التركيز عليه في هذا السياق أن المرفق العام في الجزائر مر بثلاث مراحل أساسية هي:

1/ مرحلة تقلبات المرفق العام في الجزائر .

2/ مرحلة الكسوف الطويل للمرفق العام .

3/ مرحلة رد الاعتبار للمرفق العام .
















مراحل تطور المرفق العام في الجزائر:




أولا: مرحلة تقلبات المرفق العام

في إطار موضوع المنازعات الإدارية فإن القاضي الإداري الجزائري يأخذ بمعيار السلطة العامة .

و ليس معيار المرفق العام و هذا ما كرسته المادة 7 من قانون الإجراءات المدنية.

إذن يكون القاضي الإداري مختصا في النزاع إذا كانت المؤسسة ذات الصبغة الإدارية طرفا في النزاع اعتمادا على هذا الطرح نجد أن معيار المرفق العام كان مستبعد تماما من مجال المنازعات الإدارية .

إلى جانب ذلك فإن تسيير المرافق العامة كان يعتمد على مفهوم المؤسسات العامة ابتداء من سنة 1962 .

و بالتالي فإن ما ميز هذه المرحلة أن المرفق العام لم يعرف انطلاقا من جوانبه الثلاثة المذكورة سابقا، يضاف إلى ذلك إبعاد الفقه الجزائري في هذه الفترة لفكرة المرفق العام و عدم الخوض فيها.

و الأهم من هذا و ذاك أن المشرع الجزائري لم يعرف المرفق العام بوضوح بل أنه جعل القاضي الإداري يختص بالفصل في النزاع في حالة ما إذا كانت المؤسسة الإدارية طرفا في هذا النزاع مما يعني استبعاد فكرة الأخذ بالنشاط الإداري الذي تقوم به هذه المؤسسة الإدارية العامة و التي بدورها تعبر عن مفهوم المرفق العام في هذه الفترة.




ثانيا: مرحلة الكسوف الطويل للمرفق العام

تبلورت فكرة كسوف المرافق العامة في الجزائر ابتداء من سنوات السبعينات حيث تم التخلي عن مفهوم المؤسسة العامة ليحل محله مفهوم الشركات الوطنية مما أدى إلى تراجع المرفق العام أمام هذا التحول الجديد .

حيث ظهر المرفق العام من جانبه الإيديولوجي فقط نتيجة تبني النظام للاشتراكية .




ثالثا: مرحلة رد الاعتبار للمرفق العام

برزت هذه المرحلة لما ظهر في الجزائر مبدأ الديمقراطية في إطار النظام اللبرالي بشكل واضح و جلي، و في هذه الفترة تأرجح المرفق العام بين مفهوم المؤسسة العامة و مفهوم المؤسسات ذات الطابع الصناعي و التجاري بعد صدور القانون التوجيهي للمؤسسات الاقتصادية في سنة 1988 .

و نشير هنا إلى أنه في إطار سياسة الخوصصة تخلت الدولة عن المرافق الصناعية

و التجارية لصالح المؤسسات الخاصة .



















مـلـحـق:ب/ طرق إدارة المرفق العام توضيحا لأسلوبي الامتياز و المؤسسة العامة




أسلوب الامتياز:

كما سبق الذكر فإن تسيير المرفق العام قد يكون عن طريق عقد الامتياز و هو عقد إداري خاص حيث يتضمن نوعين من الشروط، شروط تنظيمية و أخرى تعاقدية إلا أنه يغلب عليه الطابع التنظيمي و بالتالي فهو أقرب إلى القرار الإداري منه إلى العقد .

يربط عقد الامتياز بين ثلاثة أطراف : الإدارة المتعاقدة،صاحب الامتياز،و المنتفعين.

1 /الشروط التنظيمية في عقد الامتياز:

هي الشروط الخاصة بالجانب التنظيمي للمرفق العام من حيث تسييره و فرض الرسوم عليه و الأحكام القانونية الخاصة بتنظيم الموظفين العموميين الموجودين في هذا المرفق العام .

2/ الشروط التعاقدية:

تتعلق بمبدأ التوازن المالي للعقد، بمدة الامتياز،و بالتحصيلات المالية المتعلقة بصاحب الامتياز.

3/ الآثار القانونية لعقد الامتياز:

تترتب هذه الآثار على الإدارة مانحة الامتياز و صاحب الامتياز من جهة، و على المنتفعين و صاحب الامتياز من جهة أخرى .

فبالنسبة للإدارة مانحة الامتياز و صاحب الامتياز، يكون من حق الإدارة مراقبة تنفيذ العقد

و إجبار صاحب الامتياز على تنفيذ الشروط و تنفيذ العقوبات لضمان استمرارية المرفق العام .

كما يحق للإدارة تعديل الشروط حسب ما تراه مناسبا و بالمقابل لا يحق لصاحب الامتياز تعديل الشروط لأنه إذا قام بذلك يعد ضربا لمبدأ المساواة أمام المرفق العام .

إضافة إلى ذلك فإن للإدارة حق استرداد المرفق العام قبل انتهاء مدة الامتياز إذا كانت المصلحة تقتضي ذلك على أن يتم تعويض صاحب الامتياز مقابل ما يلحقه من أضرار.

أما بالنسبة للمنتفعين و صاحب الامتياز فإن الإدارة تتدخل بطلب من المنتفعين لإجبار صاحب الامتياز على تنفيذ شروط العقد أو تحسين مستوى الخدمات التي من المفترض أن يقدمها المرفق العام للمنتفعين منه .

أسلوب المؤسسة العامة:

بعد صدور القانون التوجيهي للمؤسسات الاقتصادية في سنة 88 أصبح في الجزائر نوعين من المؤسسات،مؤسسات عامة و مؤسسات ذات طابع صناعي و تجاري.

انطلاق من هذا الطرح فإن مفهوم المؤسسة كان على وجهين :

مفهوم تقليدي:

حيث تكون المؤسسة عبارة عن شخص إداري عام يمثل مرفق عام .

مفهوم حديث:

و فيه يمكن للمؤسسة أن تزاول نشاطا تجاريا و صناعيا و هذا لا يتحقق إلا بعد تغير دور الدولة التي تنتقل من دولة حارسة إلى دولة متدخلة .













تقوم المؤسسات العامة وفقا لنظام قانوني يرتكز على مبادئ أساسية أهمها:

1/ مبدأ القيادة:

هو إحدى الوظائف العامة للإدارة المعبرة عن العنصر البشري الذي يتولى قيادة المنظمة

و إيجاد الترابط بين وحداتها الإدارية المختلفة، و هي قادرة على السير بالتنظيم نحو تحقيق الأهداف المنوطة به عبر أداء العديد من الوظائف القيادية كالتوجيه و الإشراف

و التنسيق و الاتصال و الرقابة الداخلية . (11)

و لهذا المبدأ نماذج تتحدد وفق معايير مختلفة كمعيار السلطة و العلاقة بين الرئيس و المرؤوس و هو المعيار الأكثر استخداما و تقسم الإدارة وفقه إلى النماذج التالية :

نموذج القيادة التحكمية.

نموذج الإدارة بالأهداف.

نموذج القيادة القائمة على أساس الحرية.

2/ مبدأ تجزئة السلطة:

انطلاقا من أن الدولة مجموعة من المرافق العامة و كما عبر عليها الفقيه duguit

بأن الدولة ما هي إلا باقة من المرافق العامة و بالتالي فإن كل مرفق تتجسد فيه سلطة الدولة ويعكس سيادتها .

و عليه فإن تسيير المرفق العام عن طريق المؤسسة العامة يعكس الطابع السيادي للدولة على مستوى كل مرفق .

























































ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(11). محمد،مهنأ العلي، الوجيز في الإدارة العامة .ص 170 / 174 /177 .




































قـائـمـة الـمـراجـع:




عوابدي، عمار، النشاط الإداري. الجزء الثاني

عوضة، محمد، المبادئ الأساسية للقانون الإداري.

مهنأ العلي، محمد، الوجيز في الإدارة العامة.

بوسماح، أمين، المرفق العام في الجزائر.


















































































مقدمة:

الحمد لله الذي لم يخلق العباد عبثا، ولم يتركهم سدى ، وصلى الله وسلم وبارك على المبعوث رحمة للعالمين ، محمد بن عبد الله صادق الوعد الأمين ، وعلى اله وصحبه وأزواجه أمهات المؤمنين ، وعلى من اتبعهم بإحسان إلى يوم الدين .

تضطلع الإدارة العامة بالوظيفة الإدارية في الدولة من اجل تحقيق وانجاز أهدافها المرسومة في السياسة العامة للأمة والمحددة في التنظيم والتشريع الساري المفعول وذلك بقصد تحقيق المصلحة العامة بالمحافظة على النظام العام في المجتمع والدولة وتحقيق ضمان حسن سير المرافق العامة بانتظام واطراد لإشباع الحاجات المادية والمعنوية الآنية والمستقبلية لأفراد المجتمع عن طريق تقديم الخدمات والسلع اللازمة لذلك ، ولكي تضطلع الإدارة العامة بالوظيفة الإدارية ولتحقيق أهدافها تقوم بالعديد من العمليات الإدارية ، مثل عملية التخطيط ، عملية التنظيم ، عملية التمويل ، عملية التنسيق ، عملية التوجيه والرقابة وتقوم بالأعمال الإدارية المادية والقانونية اللازمة لتحقيق أهداف الوظيفة الإدارية في الدولة وبما أن الدولة ممثلة أساسا من طرف الإدارة ، فكان لزاما على هذه الأخيرة القيام بالمهمة الأساسية الموكلة إليها لضمان إشباع الحاجات العامة للسكان مع أن واجبات الإدارة تختلف من دولة إلى أخرى ، وذلك وفقا للمبادئ الأساسية والاجتماعية التي تسير عليها هذه الأخيرة ، فقد تغير مفهوم وظيفة الدولة فلم تصبح تتكفل فقط بالجانب الأمني ( الداخلي أو الخارجي ) بل أصبحت تتدخل لتلبية الظروف المستجدة لتمديد المساعدة والمعاونة للمشروعات الخاصة التي تؤدي لهم منافع أساسية ولكن هذه النشاطات الجديدة للإدارة تعترض وجود وسائل قانونية وبشرية ومادية وبالتالي ضمان الاحتياجات العامة أو ما تسمى بسير المرفق العام خاصة وان أهم الوسائل التي تعتمد عليها الإدارة العقود الإدارية و بأكثر دقة الصفقات العمومية.

وبما أن العقود المبرمة بين شخصين خاصين تقوم على أساس مبدأ المساواة في المصالح حيث إن كل واحد يبحث عن مصالحة الشخصية فانه فيما يخص العقود التي تكون الإدارة طرفا فيها فالوضع يختلف بحيث أنها تهدف إلى تحقيق المصلحة العامة للمواطنين معا يعطي لها صلاحيات استخدام أو الاستفادة من السلطة العامة ( القانون العام ) لصالح المشاريع التي تبرمها وهذا سواء كانت هذه المشاريع موجهة بصفة مباشرة لخدمة أو إشباع الحاجات العامة أو بطريقة غير مباشرة ومثلا عندما تقوم بعقد صفقة من اجل انجاز بناية أو اقتناء لوازم بفائدة مصالحها التي تأخذ نشاطا ما غالبا ما يسمى بالمرفق العام هذه الأخيرة التي أصبحت حاليا من الواجبات الرئيسية للإدارة الحديثة فان الصفقات العمومية تلعب دورها في التطور الاقتصادي والاجتماعي حيث أصبحت تمثل جزء ، هام من النفقات العمومية وبمقابل الأهمية الملائمة إليها سواء من حيث السلطات التي تتمتع بها الأطراف التي تبرمها أو الإعتمادات المالية المخصصة لها فان الإدارة تتمتع بالحرية المطلقة في عملية إبرامها وتخضع إلى تنظيم صارم سواء كان موضوع الصفقات ( أشغال أو خدمات أو توريد لوازم ....) فانه من البديهي إن حماية المصلحة العامة تتطلب بان تحدد إجراءات وان تؤخذ احتياطات لتجنب أي تصادم بين المتعاقدين والجزائر كباقي الدول تتوفر على مرفق عام جد هام ، حيث تقوم الدولة الجزائرية ( الإدارة الجزائرية) بالعمل على سيره بانتظام من خلال تحديد التنظيمات والتشريعات خاصة المتعلقة بالصفقات العمومية حيث اعتبرت هذه الأخيرة كأهم وسيلة لضمان احتياجات المواطنين هذه النصوص التي تغيرت وأدخلت عليها تعديلات كثيرة إنما تطرقنا إليها من الناحية التاريخية ، فمنذ حصول الجزائر على الاستقلال تواترت التشريعات المنظمة لنشاط الدولة، غير أن هذه الأخيرة لم تكن شاملة لجميع الأنشطة لأن نشاط الدولة خاصة في المجال الاقتصادي كان علاجي أكثر منه اختيارا قائما على قواعد اجتماعية وتنظيمية وفلسفية مستقبلية لان الرغبة آنذاك كانت تكمن في تحقيق وتدعيم الاستغلال السياسي وتوجيه الاقتصاد الوطني ، لكن هذه النظرية تغيرت حيث لم يعد الاستقلال الوطني ذا مفهوم سياسي بل ذا مفهوم اقتصادي واجتماعي يهدف إلى وضع مرتكزات للبناء الحضاري ، فبرز إلى الوجود قطاع عام واسع له دور قيادي حتم تنظيم هياكل إدارية تقوم بتسيير نشاط الدولة ، فصدرت عدة تشريعات تنظم أجهزة ووحدات القطاع العام حيث رتبت الجزائر مجموعة من النصوص والتشريعات المختلفة عن الاستعمار بسبب الفراغ القانوني الذي ميز مرحلة ما بعد الاستقلال حيث كانت تستمد الصفقات العمومية نظامها من مرسومين هما مرسوم ( 53/405 ) المؤرخ في 11 مارس 1953 والمرسوم ( 56/256 ) المؤرخ 11 مارس 1956 إلا أن صعوبة تطبيق أحكام نصوص هذين المرسومين وعدم ملائمتهما للواقع والسياسة الجزائرية نظرا لسلوك البلاد آنذاك نهج الاشتراكية ، فقد صدرت عدة نصوص تشريعية وتنظيمية في هذا المجال نذكرها باختصار على أن تتوسع فيها في مضمون المذكرة، إحداث اللجنة المركزية للصفقات العمومية مرسوم( 64/103 )المؤرخ في 26 مارس 1964 )، ظهور أول تقنين خاص بالصفقات العمومية إصدار المشروع الجزائري الأمر( 67/90 ) الصادر في 17 جوان 1967 وظهور تغيرات في الأمر ( 67/90 ) حيث تم إخضاع وتوجيه الطلبات العمومية إلى مراقبة ضيقة حيث تم تأسيس هياكل جديدة لمراقبة ، ثم تدخل المرسوم ( 82/145 ) المؤرخ في 10 أفريل 1982 الذي جاء بتعديلات عميقة في النظام القديم للصفقات ( التنظيم ، إجراءات عقد الصفقة، المراقبة عليها ) (*) بعد هذا المرسوم تواتر صدور مراسيم تعديلية منها مرسوم 86/ 126 المؤرخ في 13 جوان 1986 والمرسوم ( 88/72 ) المؤرخ في 29 فيفري 1988 والمرسوم ( 91/920 ) المؤرخ في 14 سبتمبر 1991 حيث تميزت هذه المرحلة بإخراج المؤسسات العمومية الاقتصادية والمؤسسات العمومية ذات الطابع التجاري والصناعي من نطاق تطبيق قانون ص.ع. ثم بعد ذلك صدر المرسوم التنفيذي رقم ( 91/434 ) المنظم للصفقات العمومية المؤرخ في 09 نوفمبر 1991 الذي ألغى كليا المرسوم ( 82/145 ) السابق ذكره و ألغى العديد من مواد الأمر ( 67/90 ) الذي جاء تجسيدا في ميدان الصفقات للتوجيه السياسي والاقتصادي خاصة الذي أصبحت تتبعه الجزائر ( اقتصاد السوق ) أو على الأقل التخلي عن التوجه الاشتراكي ثم صدور قانون ( 02/250 ) المؤرخ في 24/07/2002 وما يميز هذا القانون عن قوانين الصفقات العمومية السابق ذكرها ، انه صدر بموجب مرسوم رئيسي خلافا لقانون ص.ع، ( 67/90 ) الذي صدر بموجب أمر وخلافا لقانوني الصفقات العمومية ( 82/145 ) و (91/435 ) اللذين صدرا بموجب مرسومين تنفيذيين وأخيرا و ليس آخرا صدور قانون ( 03/301 ) المؤرخ في 11 سبتمبر 2003 الذي صدر هو الآخر بموجب مرسوم رئاسي وسوف يكون لنا فصل لهذا المرسوم في مضمون المذكرة.

و في إطار بحثنا هذا فنتطرق إلى دراسة موضوع الصفقات العمومية بصفة عامة، هذا سواء من الناحية النظرية أو من الناحية التطبيقية وقد اتخذنا كإشكالية عامة لبحثنا هذا.

الإشكالية التالية: هل حقق المشروع من خلال قانون الصفقات العمومية آلية تسيير ورقابة أو تقنية لتجسيد العقد الإداري في الجزائر.

لمعالجة الإشكالية التالية كان المنهج المتبع هو: المنهج التحليلي المقارن والذي يهدف إلى تحليل المواد واستنباط الأحكام منها والمقارنة بين النصوص القانونية والفقهية وكذالك

المنهج التحليلي النقدي: وقد قمت بنقد المشرع الجزائري في كثير من المواد والنصوص القانونية المتعلقة بالصفقات العمومية الذي لم يكن صائبا في تجسيدها وتحديدها.

ونتيجة لاتساع الموضوع وشساعته فقد قمنا بطرح إشكاليات جزئية حاولنا الإجابة عليها والتي حددت خطة بحثنا ومن ذالك أبرزت الخطة التالية لا تنتهج به سبلا توضح معالمها وذلك من خلال فصلين :

الفصل الأول: وقد قسمناه إلى مبحثين المبحث الأول تحت عنوان مفهوم ص . ع وتناولنا فيه مطلبين المطلب الأول ارتكزت دراستنا على عرض تاريخي لمفهوم الصفقات العمومية منذ وطئ أقدام الاستعمار الفرنسي إلى غاية وقتنا الحاضر وقد قسمناه إلى فرعين ما قبل الاستقلال وما بعده :

وتبدو في نظري أهمية هذا الموضوع أو الهدف منه رفع الغموض على النظام القانوني للصفقات العمومية والبحث في التكييف القانوني لها، بالإضافة أن الصفقات العمومية تعتبر من أهم القنوات المستهلكة للأموال العمومية حيث تعد من الوسائل الهامة المستخدمة في تلبية الطلبات العمومية ورغم ذلك فإن قوانين الصفقات العمومية تضمنت الكثير من الأخطاء في المعايير التي تقوم عليها هذه الكيفيات إلى درجة أننا لا نفرق بين كيفية وأخرى إلا من حيث التسمية بالإضافة إلى أن الصفقات العمومية أصبحت حاليا تلعب دورها في التطورات الاقتصادية والاجتماعية حيث أصبحت تمثل جزء هام من النفقات العمومية وتعتبر أهم وسيلة لضمان سد احتياجات المواطنين وبالتالي المرفق العام كما أنها تكتسي أهمية اقتصادية واجتماعية بالغة حيث بواسطتها يتم تحقيق الأهداف المرسومة في الاقتصاد الوطني.

صعوبة البحث:

يتعرض كل باحث إلى صعوبات تحاول منعه من مواصلة مشواره والوصول إلى هدفه إلا أن الجد والأمل يحول دون تحقيق ذلك بالنسبة إلى البحث فهي كالآتي:

صعوبة الحصول على المراجع حتى وإن كانت في مكتبة المعهد عدة مراجع إلا أنها غير كافية فهي حتى لا تفي بغرض التوصل إلى بحث كامل وتام.

تزامن المذكرة وتسليمها مع موعد الامتحانات.

قصر المدة التي أتممت فيها المذكرة.

قلة الدراسات والبحوث القانونية المنصبة على الصفقات العمومية في الجزائر فهي نادرة وقليلة جدا وإن وجدت فهي باللغة الفرنسية بالإضافة إلى أن المشرع اكتفى فقط بقانون ص.ع، ولم يتوصل حتى إلى تحليل إحصائيات تكون غنية وثرية للموضوع.

وفي هذا الإطار تعرضنا لجميع التنظيمات التي عرفتها الجزائر فيما يخص الصفقات العمومية وتعرضنا لإشكالية مهمة تتمثل في مبررات أو الأسباب التي دفعت إلى تعديل نظام الصفقات العمومية باستمرار وما الهدف المنتظر منه؟.

أما المطلب الثاني تطرقنا إلى تعريف الصفقات العمومية وتعداد أنواعها و بينا تعريف ص.ع خلال كل القوانين التي مرت بها ص.ع، منذ سنة 67 حتى2003 وقد قمنا بدراسة أطرافها، أركانها وكل الجوانب المتعلقة بها هذا كفرع أول أما الفرع الثاني فقد وضحنا أنواع الصفقات العمومية وهذا طبقا لقانون ص.ع، نأتي للمبحث الثاني تحت عنوان: آليات الرقابة من خلال ص.ع وسوف نقسمه إلى مطلبين: المطلب الأول: الرقابة من خلال الإبرام والمطلب الثاني: الرقابة من خلال تنفيذ الصفقات العمومية.

أما الفصل الثاني فجاء تحت عنوان تقويم الصفقة العمومية في تجسيد العقد الإداري وسنعالج فيه إشكالية جد مهمة وجد خطيرة تتمثل في لعب كل هذه التطورات القانونية والتنظيمية للصفقات العمومية هل فشلت هذه الأخيرة في إعطاء تعريف للعقد الإداري في الجزائر أي بمعنى آخر هل يمكن القول بأن الصفقة العمومية هي النموذج الأمثل لتعريف العقد الإداري في الجزائر؟ و سنعالج هذه الإشكالية من خلال مطلبين: ننظر للمطلب الأول من زاوية تبيان معايير تعريف العقد الإداري انطلاقا من عقد الصفقة والمطلب الثاني من زاوية أخرى نبحث عن تكييف القاضي لعقود للصفقات العمومية هل هي عقود إدارية أم لا.

و في الأخير وضعنا الخاتمة التي حددنا فيها الجوانب الجديدة في الصفقات وأهم الاستنتاجات التي توصلنا إليها من خلال بحثنا هذا.
















الفصل الأول: للصفقات العمومية آلية تسيير ورقابة.

تعتبر الصفقات العمومية أحد الإجراءات المستعملة لصرف النفقات العمومية وهذا ما يجعلها تكتسب أهمية اقتصادية واجتماعية بالغة، حيث بواسطتها يتم تحقيق الأهداف المرسومة في المخطط الوطني (1).

في هذا الفصل سوف نتطرق إلى مبحثين، المبحث الأول فيه مفهوم الصفقات العمومية، نقسم هذا المبحث إلى مطلبين أساسيين لنتعرض في المطلب الأول إلى التطور التشريعي لنظام الصفقات العمومية وهذا منذ عهد الاستعمار حتى وقتنا الحاضر، أما المطلب الثاني فسنعمل على دراسة تعريف الصفقات العمومية ومن التعريف سوف يكون في كل القوانين التي مرت بها هذه الأخيرة من قانون أو أمر( 67/90 ) إلى المرسوم الرئاسي( 03/301 ) وهذا سوف يكون في فرع أول أما الفرع الثاني سوف نقوم بتعداد أنواع الصفقات العمومية ودراستها من خلال قانون 2002.

نعرج في المبحث الثاني إلى تبيان آليات الرقابة من خلال الصفقات العمومية أي نوعية الرقابة الممارسة وسوف يكون هذا في مطلبين، نستهل المطلب الأول بتوضيح الرقابة في فترة الإبرام.

أما المطلب الثاني فسوف نبين نوعية الرقابة الممارسة على الصفقات العمومية وهذا طبعا في فترة التنفيذ.








































المبحث الأول: مفهوم الصفقات العمومية:




إنه من الصعب فهم الصفقات العمومية بصفة عامة والنصوص التنظيمية للصفقات العمومية بصفة خاصة، إذا لم نتطرق إلى عرض تاريخي حول هذا الموضوع أي الرجوع إلى الوراء إلى مرحلة صدور المفاهيم الأولى للصفقات العمومية وتطورها إلى غاية وقتنا الحاضر، وقد ارتكزت دراستنا على تطور تنظيم الصفقات العمومية في الجزائر منذ الاستعمار الفرنسي إلى غاية المرسوم الرئاسي رقم ( 03/301 ) المؤرخ في11سبمتبر2003.




المطلب الأول: التطور التشريعي لنظام الصفقات العمومية:

أ/ تطور تنظيم الصفقات العمومية في الجزائر:

من صفقات الدولة الفرنسية إلى صفقات الدولة الجزائرية.

إن دراسة تطور قانون صفقات الدولة الجزائرية، يفرض علينا دراسة تطور صفقات الدولة الفرنسية في علاقتها مع تاريخ تنظيم الصفقات في الجزائر لمدة 132 سنة من تاريخ مشترك بين الدولتين مما يبين صعوبة هذه المهمة1.

فيعود أصل نظام الصفقات العمومية في الجزائر إلى القوانين الفرنسية التي كانت سائدة إبان الحقبة الاستعمارية، بما في ذلك النصوص والتشريعات التي تحكم وتنظم الصفقات العمومية، وفي هذا الإطار مرت الصفقات العمومية بعدة مراحل هي:

ففي بداية الاستعمار، لم يكن يعقل أو يتصور وجود مصطلح (صفقات الجزائر)، بل كان موجود ما يسمى (بالصفقات في الجزائر) المبرمة من طرف مصالح الدولة الفرنسية في الجزائر وقت بقيت الأمور هكذا بدون تغيرات هامة، إلى غاية سنة1957 أي في ثلاث سنوات بعد اندلاع الثورة التحريرية.

فأمام التعبير العنيف لإدارة الشعب الجزائري في الاستقلال، فإن السلطات الفرنسية عملت على إقامة إجراءات تهدف إلى إعطاء أكثر حرية للجزائريين، وفي هذا الإطار قامت هاته السلطات بخطوة حاسمة تتمثل في إعطاء الجزائر حق التصرف في كل الإجراءات التي تهدف إلى تسيير الطلبات العمومية. وهذا بمقتضى المرسوم رقم( 57/24 ) المؤرخ في08 جانفي1957 المتعلق بالصفقات المبرمة في الجزائر. بالإضافة إلى صدور مرسوم ( 59/370 ) المؤرخ في08 فيفري1959 المتعلق بمشاركة المؤسسات في الصفقات العمومية لتمكين الاستثمار في الجزائر.

ب/مآل القانون الفرنسي غداة الاستقلال:

عند ما تستقل دولة ما، أو عندما تظهر دولة جديدة، فالمشكل الأول الذي يظهر يتمثل في مواصلة أو الانقطاع عن النظام القانوني الموروث.

1/ متابعة القانون الفرنسي:

في ميدان صفقات الإدارة، بدأت الجزائر بتجسيد التوجه إلى متابعة العمل بالقانون الفرنسي، وهذا إلى غاية إدخال عليه تعديلات في أقرب وقت2 هذه المناقشة كانت عند صدور قانون الصفقات العمومية عام1967 فمنذ الاستقلال، صدر القانون رقم( 62/167 ) الذي يقضي بسريان القوانين الفرنسية

السابقة ماعدا تلك التي تعارض وتمس السيادة الوطنية نتيجة الفراغ القانوني الذي عرف في هذه الفترة3.

2/ ـ التعديلات الأولى لقانون الصفقات من طرف الإدارة:

و نتيجة لمتطلبات دفع النشاط الاقتصادي والاجتماعي فرضت عمليات تحقيق القواعد المسيرة للصفقات من جهة إبرام الصفقات من جهة أخرى في ميدان تموينها.

أ/ فيما يخص تحقيق قواعد وإجراءات إبرام الصفقات:

إن تليين شروط أركان إبرام الصفقات للإدارة، يصدر من تصنيف واحد من الجهاز التنفيذي المؤقت والأخر من رئيس الدولة، حيث منذ السنة الأولى أنشأت في كل ولاية لجنة للتدخل الاقتصادي والاجتماعي بموجب أمر رقم ( 62/16 ) المؤرخ في19 أوت1962 بعد التطلع إلى الوضعية الصعبة التي كانت تعيشها الجزائر خاصة في الجانب الاجتماعي4

ب/ فيما يخص تحقيق ظروف التموين:

حيث صدرت عدة نصوص تهدف لتحقيق من الإجراءات في هذا الميدان ، حيث نصت المادة13 من أمر رقم( 62/16 )المؤرخ في:19أوت1962، بإعطاء إعانة خاصة للمؤسسة التي تساعد في التشغيل.5

ونص المرسوم رقم( 64/06 ) المؤرخ في10 فيفري1964 المتعلق تسبيقات الاستثنائية على الصفقات، حيث تمنح بموجبه تبيسقات القطاع الخاص محددة بـ15 % من مبلغ الصفقة، وفيما يخص المؤسسات المسيرة ذاتيا، والشركات التعاونية، فيمكن أن نحصل على تسبيق محدد بـ25 % من مبلغ الصفقة، مما مس قاعدة أساسية لقانون الصفقات وهو مبدأ المساواة بين المتعاهدين، كما صدر مرسوم رقم( 64/278 ) المؤرخ في04 ديسمبر1964 الخاص بالتسبيقات التي يقدمها البنك الجزائري للتنمية.

ج/ محاولة خوصصة المنازعات فيما يخص صفقات التجهيز:

نفقات التجهيز هي منقسمة إلى قسمين الأولى نفقات التجهيز العمومي تخضع للمحاسبة الوطنية والثانية نفقات الاستثمار في القطاع الصناعي والسياحي تخضع حسب المادة 06 من قرار 23 ديسمبر 1963 إلى القضاء التجاري العادي.




العمومية في الجزائر

ونتيجة للاختيار السياسي الذي انتهجته الجزائر و الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية التي كانت تعيشها البلاد أصبح غير مجدي ومستحيل تطبيق القوانين الفرنسية في الجزائر.

وتقديرا لأهمية الصفقات العمومية التي تعد الأداة المثلى لتحقيق الخطط التنموية المسطرة والأهداف المرسومة في مجال عقود القطاع العام لذلك تم إنشاء أو وضع قانون الصفقات العمومية عن طريق (67/90) المؤرخ في 17 جوان1967 المتضمن قانون الصفقات العمومية.

ـ المرحلة الأولى :

من أمر(67/90) المؤرخ في 17 جوان 1967 إلى غاية مرسوم رقم (82/145) المؤرخ في 10 أفريل 1982 المتضمن نظام المتعامل العمومي :

لقد تبنى قانون الصفقات العمومية في الجزائر بأمر رقم 67/90 المؤرخ في 17 جوان1967 الذي يصادف تاريخ التصحيح الثوري في 19 جوان 1965 الذي يوحي لإصلاح أخلاقي أو التهذيب الدولة وبعد هذا الأمر أول عمل تشريعي حددت أحكامه النظام القانوني للصفقات العمومية في الجزائر وهذا إن دل على شيء ، فانه يدل على أهمية الصفقات العمومية في الجزائر، ورغم أن فرنسا تعتبر بلد القوانين ، فإنها لم تعرف قانونها للصفقات إلى عام 1964 ، ولكن الشيء الذي يتضح لنا أن هذا القانون يعطي صيغة الأمر وليس له هدف إدخال تغييرات أو تعديلات. فلقد ألغى هذا الأمر كل القوانين فرنسية التي كانت تنظم الصفقات العمومية ، وكذا المرسومين الذين صدرا من قبل (6) بغية الحفاظ على استقلالية القرار وتحسينه وحماية الإنتاج الوطني واليد العاملة من المنافسة الأجنبية، وفي هذا القانون نقل صفقات الدولة ولكن الصفقات العمومية، وهذا راجع لان هناك طلبات تأتي من جهات غير الدولة (7) و التي ينطبق عليها قانون الصفقات العمومية ، كما نحظ أن هذا القانون قد تطور طبقا المراحل والمخططات الوطنية .المتضمن تنظيم الصفقات العمومية .

1/المرحلة التمهيدية (المخطط الثلاثي ): 67/69

سمحت هذه المرحلة بوضع اللبنات الأولى لبناء قاعدة نظام الصفقات العمومية حيث اكتسبت اللجنة المركزية للصفقات العمومية بحكم وجودها منذ سنة 1964 خبرة جيدة، كما طرأ تعديل على اللجنة المركزية واللجنة الولائية للصفقات بموجب الامر رقم (69/32) المؤرخ في 22 ماي 1969 المكمل للمواد 129 ،144 من الأمر 67/90.




2/ مرحلة المخطط الرباعي الأول 1970 -1973 :

لم يتوسع نطاق تطبيق الصفقات العمومية في هذه الفترة ، حيث أبقى على صفقات التي تبرمها الدولة الولاية، البلدية و المؤسسات ذات الطابع الإداري ، كما صدر أثناء هذه المرحلة الأمر (71/74) المؤرخ في 10 نوفمبر 1971 المتضمن قانون التسيير الاشتراكي للمؤسسات ، رغم هذا أبقيت المؤسسات الاشتراكية ذات الطابع الاقتصادي بعيدة عن نظام الصفقات العمومية مع الاحتفاظ مع التمييز بين مؤسسات القطاع العام ومؤسسات القطاع الخاص عند إيكال الصفقات لصالح المؤسسات الأولى(1).

3/مرحلة المخطط الرباعي الثاني 1974 -1977 :

في هذه المرحلة ادخل على قانون الصفقات العمومية عدة تعديلات ، فالتعديل الأول يتمثل في الأمر(74/09) المؤرخ في 30 جانفي 1974 حيث نصت مادته 21 على تشكيل اللجان الوزارية للصفقات وهذا تجسيدا للتوجه العام نحو اللامركزية وعدم التركيز في مراقبة الصفقات العمومية ، كما تم إقرار نظام التأشيرة لموجب هذا الأمر.

4/ مرحلة ما بين 78 /82 :

لم تحدث في هذه المرحلة تغيرات كثيرة ماعدا صدور قانون (78/02) المؤرخ في 11/02/1978 المتعلق باحتكار الدولة للتجارة الخارجية ، والذي أكد تدخل الدولة دون سواها في التبادلات الخارجية سواء فيما يخص الاستيراد أو التصدير، واستدعاء الوسطاء عندما يتم التعاقد في هذا الإطار.

و نظرا للوضع السائد في بداية الثمانينيات ، فإن الأمر (67/90) لم يعد يساير المستجدات التي شهدتها البلاد خصوصا بعد دفع تجربة التخطيط حيث ظهر تفكير جديد في مجال الصفقات مما استدعى إيجاد إطار قانوني جديد يتماشى والخطة التنموية (80/84) المتمثلة في المخطط الخماسي الأول ، حيث تم إدخال تعديلات عميقة وكثيرة على أمر (67/90) بظهور أي وجود مرسوم ينظم الصفقات المتعامل العمومي بموجب المرسوم (82/145) المؤرخ في 10 أفريل 1982 ، هذا المرسوم الذي كان يهدف إلى معالجة النواقص والأخطاء الملاحظة أثناء تطبيقه حيث بالفعل تبين أن قانون الصفقات العمومية (67/09) غير كامل الاتجاه خاصة اتساع ميدان القطاع العام والتطور الذي عرفه الجهاز الاقتصادي الوطني ، وهذا رغم التعديلات التي أدخلت عليه.

المرحلة الثانية:

من مرسوم رقم (82/145) المؤرخ في 10 أفريل 1982 المتضمن نظام المتعامل العمومي إلى المرسوم رقم (91/434) المؤرخ في 19 نوفمبر 91 المتضمن تنظيم الصفقات العمومية :

أول سؤال يطرح على أذهاننا فما يخص مرسوم رقم (82/145) السابق ذكره: هل يمكن إلغاء أمر له قوة القانون في غياب البرلمان بواسطة مرسوم عوض نص تشريعي آخر قانون أو أوامر ؟

للبحث عن جواب لهذا التساؤل يجب علينا الرجوع إلى سنة 1976 تاريخ إصدار الدستور الذي في إطاره توزيع المهام التنظيمية والمهام التشريعية وقد وضع حدود بين ميدان التنظيم وميدان القانون بالإضافة إلى أن المواد 151 و 152 من دستور 76 في الفصل المنظم للسلطة التنفيذية أصبح موضوعا الصفقات العمومية من اختيار السلطة التنفيذية لأنه تعيين جزئي من القانون الإداري ناهيك إلى أن أمر (67/90) صدر قبل دستور 76.

من أهم ما جاء به المرسوم الجديد الخاص بالصفقات يتمثل في توسيع نطاق تطبيق الصفقات حيث أصبح يقصد بما يسمى بالمتعامل العمومي (1).

كما نلاحظ أن الجانب التشكيلي لصفقات المتعامل العمومي لم يدخل عليها تعديلات حيت ابقي على طابعه الكتابي كما أكد هذا المرسوم أن الصفقة هي أداة لتنفيذ المخطط في مادته الثانية .

كم تضمن عدة إجراءات جديدة تتماشى مع ضرورة التنمية مثلا زيادة الحد الأدنى للمبالغ التي يفرض على أساسها إبرام الصفقة فمثلا في الأمر (67/90) حددت ب 2000000 دج (المادة62) الأمر

(71/84) المؤرخ في 10افريل 1982 حددها ب50000000 دج ( المادة 09)

* فرغم المرونة والشمولية التي استمر بها مرسوم (82/145) وبعد مدة تجربته لهذا المرسوم في الميدان تبين أن عدة ترتيبات نظرية غير صالحة في ميدان حيث ما فتئ تدخل عليه تعديلات وتكميلات المتمثلة منها في المرسوم (84/51) المؤرخ في 25 فيفري 1984 و المرسوم (86/126) المؤرخ في 18 ماي 1986 المعدلان و المتممان للمرسوم رقم (82/145)، ولكن رغم هذه التعديلات فلم تحدث تعييرات عميقة على قانون المتعامل العمومي ، ونظرا لتأزم الظروف الاقتصادية وارتفاع البطالة و المديونية الخارجية مع تدهور قيمة الدينار الجزائري والخسائر الكبرى التي أصبحت تعاني منها المؤسسات الاقتصادية العمومية نتيجة التسيير البيروقراطية لها (2) صدر القانون رقم (88/01) المؤرخ في 12 جانفي 1988 الذي نص وأعلن عن استقلالية المؤسسات العمومية، حيث هدف المشرع الجزائري بسن مجموعة من النصوص التي تنظم وتحكم المؤسسات العمومية الاقتصادية لتحريرها وإعطائها نفس جديدة في العمل والتفاوض سواء على المستوى الوطني والخارجي مع مراعاة القيود القانونية، فهذا القانون يعتبر بدون شك من أهم القوانين الاقتصادية الصادرة حيث نصت المادة 59 منه'' أن المؤسسات العمومية الاقتصادية والمؤسسات العمومية ذات الطابع الصناعي والتجاري ليست خاضعة لترتيبات أو نصوص الأمكر رقم(67/90) المؤرخ في17جوان1967 المتضمن قانون الصفقات العمومية(8)''.

أولا: إدخال تعديلات على دفتر الشروط الإدارية العامة.

ثانيا: إلغاء أولوية مؤسسات القطاع العام عن مؤسسات القطاع الخاص في ميدان الصفقات العمومية (مثلا في عملية إرسال الصفقات) مع أحداث قاعدة المنافسة الحرة.

ثالثا: إعطاء المسؤولية للمصلحة المتعاقد في اختيار المتعامل المتعاقد.

رابعا: مرونة شروط إبرام الملاحق ومراجعة الأسعار كل ثلاثة أشهر(9).

خامسا: المسؤولية الممنوحة للمصلحة المتعاقدة في إمضاء المتعامل المتعاقد دفع غرامات التأخر وسوف نكتفي بهذه النقاط على أننا سوف نقوم بدارستها والتعمق فيها أثناء تعرضنا لعملية إبرام وتنفيذ الصفقات العمومية.

كما نلاحظ أنه تم تغيير مصطلح صفقات المتعامل العمومي (82/145) بمصطلح الصفقات العمومية (91/434) وهذا التغيير يكمن خاصة في تضييق محتوى الأطراف التي تستفيد من هذا القانون.

ثم جاء قانون الصفقات العمومية(02/250) وما يميز هذا القانون عن قوانين الصفقات العمومية السابق ذكرها، أنه صدر بموجب مرسوم رئاسي خلافا لقانوني الصفقات العمومية(82/145) و(91/434) الذين صدرا بموجب مرسومين تنفيذيين.

وقد كان ينتظر منه أن يصلح كل أخطاء القوانين السابقة، فرغم ما تضمنه من تدقيق وتوضيح لكيفية التراضي، وكذلك نص على صفقات الدراسات كنوع هام من الصفقات العمومية فإنه مازال يشمل بعض العيوب وخاصة فيما يتعلق بالمعايير المستخدمة في كيفيات الإبرام والتي تم ذكرها في قانون الصفقات العمومية(10).

ثم صدر قانون 2003 وهو آخر قانون للصفقات العمومية، وقد صدر هو الآخر بموجب مرسوم رئاسي رقم (03/301) المؤرخ في11 سبتمبر 2003 المعدل والمتمم للمرسوم الرئاسي(02/250) المؤرخ في24 يوليو 2002 والمتضمن تنظيم الصفقات العمومية.

وقد عدل هذا المرسوم عدة مواد من مرسوم(02/250) نذكر منها المادة7 عدلت المادة 45 من المرسوم الرئاسي(02/250) والمادة8 عدلت المادة 49 و مادة 9 عدلت المادة 118...الخ.

وقد كانت هذه التعديلات نتيجة التطورات السياسية والاقتصادية والاجتماعية للبلاد.

هذه هي أهم التطورات التاريخية والتشريعية التي مر بها قانون الصفقات العمومية من عهد الاستعمار الفرنسي حتى آخر قانون للصفقات (03/301) المؤرخ في11 سبتمبر2003.

المطلب الثاني: تعريف الصفقات العمومية:

* إن الأمر رقم(67/90) والمؤرخ في17جوان1967 والمتضمن قانون الصفقات العمومية قد نص ومن خلال مادته الأولى على أن الصفقات العمومية "هي عقود مكتوبة تبرمها الدولة أو البلديات أو المؤسسات والمكاتب العمومية قصد إنجاز أشغال أو توريدات أو خدمات ضمن الشروط المنصوص عليها في هذا القانون"

* أما المرسوم(82/145) المؤرخ في10 أفريل1982 والمتضمن قانون المتعامل العمومي فقد نص في مادته الرابعة على أن "صفقات المتعامل العمومي عقود مكتوبة حسب مفهوم التشريع الساري على العقود والمبرمة وفق الشروط الواردة في هذا المرسوم قصد إنجاز الأشغال واقتناء المواد والخدمات".

أما المادة الخامسة من هذا القانون فقد نصت على أن "يقصد بالمتعامل العمومي في مفهوم هذا المرسوم ما يأتي:

جميع الأدوات العمومية.

جميع المؤسسات والهيئات العمومية.

جميع المؤسسات الاشتراكية.

أي وحدة تابعة لمؤسسة اشتراكية يتلقى مديرها تفويضا لبعض الصفقات".

* المرسوم رقم(91/434) نص في مادته الثالثة على أن " الصفقات العمومية عقود مكتوبة حسب مفهوم التشريع الساري على العقود ومبرمة وفق الشروط الواردة في هذا المرسوم قصد إنجاز الأشغال واقتناء المواد والخدمات لحساب المصلحة المتعاقدة".

* المرسوم الرئاسي رقم (02/250) المؤرخ في24 يوليو2002 عرف الصفقات العمومية في مادته الثالثة على أن " الصفقات العمومية عقود مكتوبة في مفهوم التشريع المعمول به تبرم وفق الشروط المنصوص عليها في هذا المرسوم قصد إنجاز الأشغال واقتناء المواد والخدمات والدراسات لحساب المصلحة المتعاقدة ".

و من خلال هذه المادة سوف نقوم بإتباع طريقة منهجية وهو تحليل كل جزء منها.

أولا: نجد أن الصفقات العمومية هي عقود أي:

أن العقد الإداري عقد يتم بتوافق إرادتين أو أكثر بغية إحداث أثر قانوني فهو كأي عقد يقوم على الإرادة أي بتراضي المتعاقدين(11) فالعقد الإداري شأنه شأن العقود الأخرى لابد أن تتوافر فيه أركانه لا بل أن الأركان في العقد الإداري لها في بعض الأحيان أحكامها الخاصة المختلفة عن أركان العقد المدني فأحكام الأهلية في العقد الإداري ليست كما هي في العقد المدني وهذا ما سوف نتعرض له فيما بعد، على أن أركان العقد الإداري مع كل ذلك هي من حيث المضمون مثل أركان العقد المدني المتمثلة في الرضا والمحل والسبب وأخيرا الشكل أحيانا وسوف لن نخوض في تفاصيل تلك الأركان بل نكتفي بدراسة ما يتعلق من تلك الأركان بموضوع العقد الإداري.

الركن الأول: الرضا:

من مقتضيات أي عقد من العقود أن يلتقي الإيجاب بالقبول أي وجود إرادتين متوافقتين، حيث يتم العقد بمجرد أن يتبادل الطرفان التعبير عن إرادتين متطابقتين مع مراعاة ما يقرره القانون فوق ذلك من أوضاع معينة لانعقاد العقد، وفي نطاق العقود الإدارية يعتبر العقد تعبيرا عن إرادة الإدارة المتعاقدة من جهة وإرادة المتعاقد مع الإدارة من جهة أخرى، والإدارة الأولى هي التي تهمنا أكثر التي تتأسس على أهلية الإدارة، هذه الأخيرة التي تتمتع بشخصية معنوية فهي لا تمارس أعمالها إلا من خلال أشخاص طبيعيين الذين هم مجموعة العاملين لديها، وهؤلاء لا يمارسون أعمالهم إلا بموجب ما يمنحهم القانون من اختصاص، فقواعد الاختصاص تمثل قواعد الأهلية في إبرام العقود ويترتب على مخالفة قواعد الاختصاص في إبرام العقود الإدارية عدم مشروعيته ذلك العقد.

الركن الثاني: المحل:

في العقود الإدارية يتمثل المحل في الشيء أو العمل أو الامتناع عن العمل الذي يلتزم به المتعاقد في مواجهة الإدارة وفيما تلتزم به الإدارة في مواجهته ويطبق القضاء الإداري الشروط نفسها التي يجب أن تتوفر في المحل كما قضى بها القانون المدني في نظرية العقد.

الركن الثالث: السبب:

يجمع الفقه الإداري أو يكاد يجمع على أن السبب كركن في العقد الإداري تحكمه قواعد السبب كركن في العقد المدني، ويعرف فقهاء القانون المدني السبب بأنه الغرض الذي لا يقصد المتعاقد الوصول إليه وراء التعاقد ومن ثم تحمل الالتزام ويكون هذا السبب واحد في كل الالتزامات التي من نوع واحد وسبب الالتزام في العقد يتميز عن محله فيقول فقهاء في القانون المدني يتمثل السبب في الإجابة عن السؤال التالي: لماذا أتعاقد؟... لماذا ألتزم المتعاقد؟.

بينما يتمثل المحل في الإجابة عن السؤال التالي: بماذا تعاقد ؟... أو بماذا ألتزم؟ وفي ظل هذا المفهوم لفكرة السبب نجد من النادر أن تعاقد الإدارة دون سبب أو أن تتعاقد بسبب مخالف للقانون أو النظام العام أو الآداب(12).

هذا فيما يخص الأركان الضرورية التي يجب أن تصحب أي عقد سواء كان عقد خاص أو عام أما الصفة الرابعة والمتمثلة في الشكل فهي قد توجد أو لا توجد فعدم وجودها لا يلغي أو يبطل العقد.

الشكل الكتابي للعقد:

إن المبدأ العام المسلم به في نطاق العقود الإدارية أن الإدارة العامة تتمتع بقاعدة التحرر من الشكليات13 ما لم يشترط القانون أو التنظيم صراحة شكلية من الشكليات إلا أن عنصر الكتابة أصبح حاليا من أهم العناصر التي ترتكز عليها التشريعات المنظمة للعقود بحيث تأتي تارة في شكل قواعد آمرة وتارة أخرى في شكل قواعد مكملة وهذا فيما يخص القانون الخاص ونفس الشيء بالنسبة للعقود الإدارية أن هناك حالات يفرض فيها المشرع ضرورة الكتابة وحالات أخرى لا يفرضها بحيث أن الكتابة لا تكون شرطا جوهريا في العقود الإدارية إلا إذا اشترطها المشرع صراحة إلا أنه إذا لم تكن التشريعات المقارنة خاصة في العقود الإدارية تحرص على ضرورتها فإن الممارسة العملية جعلت منها ضرورة حتمية لا يمكن الاستغناء عنها إطلاقا وهذا:

أ/ الكتابة ضرورية تسهيلا لتضمين للعقود الإدارية التي تبرمها جهات الإدارة شروط استثنائية غير مألوفة في عقود القانون الخاص.

ب/ كما أنه على الأقل تسمح بالرجوع إليها عند وقوع منازعة من جهة وهذا باستخدام نص العقد كوثيقة إثبات في كافة الحالات من جهة ثانية فإن الأحكام القضائية تؤكد القاعدة المتمثلة في أن العقود غير المكتوبة هي أصلا من عقود القانون الخاص14. كما أن القضاء يقر بصريح العبارة بأن العقد غير المكتوب غير مألوف في المجال الإداري لأن الإدارة تجري على إثبات روابطها التعاقدية بالكتابة وفي الأخير تجب الملاحظة على أن الكتابة هي شرط متعلق بصحة وسلامة هذه العقود وليس خاصا بطبيعتها.

ولقد تنبه المشرع أو بالأحرى المنظم الجزائري إلى هذه الضرورية نظرا للأهمية التي سبق ذكرها فنص منذ أول نص وطني نظم الصفقات العمومية أمر(67/90) مرورا بالمرسوم التنفيذي رقم82/145 المنظم لصفقات المتعامل العمومي إلى المرسوم التنفيذي رقم(91/434) وحتى المرسوم الرئاسي(02/250) المنظم للصفقات العمومية "إن الصفقات العمومية عقود مكتوبة" في النص الأول والثالث والأخير أما مرسوم (82/145) ينص "صفقات المتعامل العمومي هي عقود مكتوبة" ومن هنا فإن شرط الكتابة في العقد وفقا للقانون الجزائري شرط جوهري يترتب عليه البطلان.

* كما أنه يقصد بالتشريع الساري على العقود وهو القانون المدني المتضمن في الأمر رقم75/58 المؤرخ في26 سبتمبر1975 وقانون الإجراءات المدنية المتضمن في الأمر رقم(66/194) المؤرخ في08 يونيو1966 مع التعديلات التي أدخلت عليها.

كما يجب أن تبرم ضمن الشروط المحددة في المرسوم أي أن حرية المصلحة المتعاقدة في إبرام الصفقات العمومية هي محدودة أو مقيدة كما حدد المواضيع التي يمكن أن تطبق عليها الصفقات العمومية والتي سوف نتعرض لها فيما بعد إلا أنه استثنى العقود التي نرى عليها التشريعات والتنظيمات الخاصة وقد قدم لنا بعض الأمثلة عن ذلك كعقود التأمين والنقل والتزويد بالغاز والكهرباء والماء وأشغال توصيلها (المادة5 من المرسوم91/434) فهي خدمات تخدم بالدرجة الأولى المصلحة العامة كما هي ذات أهمية إستراتيجية وحساسة سواء على المستوى الاجتماعي أو الاقتصادي ولهذا فالمشرع قد حماها بنصوص تشريعية كما هي محمية بنصوص تنظيمية.

ـ الحد الأدنى لإبرام الصفقات العمومية:

لقد حدد المشرع أو المنظم(15) حد أدنى من أجل إبرام الصفقات العمومية وهذا لإدخال نوع من المرونة على عملية إبرام الصفقات بمقابل حماية الأموال العامة وإذا نظرنا إلى تطور تنظيم الصفقات العمومية نجد المبلغ المحدد المعد الأدنى ما فتئ أن تزداد أهميته وهذا راجع لزيادة الأسعار بالسوق حيث حدد الأمر(67/90)(16) في مادته62 الحد الأدنى لمبلغ إبرام الصفقة بـ20.000,00دج.

ثم أتى أمر(71/84) المؤرخ في29/12/1971 فحددها بـ50.000,00دج ثم ارتفعت إلى100.000,00دج مع أمر (76-11) المؤرخ في26/02/1976 وحددها مرسوم (82/145) بـ500.000,00دج في مادته التاسعة(17) وارتفع المبلغ بأربعة أضعاف في إطار المرسوم التنفيذي(91/434) إلى 2.000.000,00دج في المادة السادسة(18) منه وأخيرا وليس آخرا حدد المرسوم الرئاسي رقم (02/250) المؤرخ في24يوليو2002 في مادته الخامسة سعر الصفقة بـ4.000.000,00دج(19).

ولقد عدلت المادة2 من مرسوم(03/301) المؤرخ في11 سبتمبر2003 المادة5 من مرسوم(02/250) كما يأتي:

المادة5: "كل عقد أو طلب يساوي مبلغه 6.000.000,00دج بالنسبة لخدمات الأشغال والتوريدات و4.000.000,00
 
  • Like
التفاعلات: karim

المواضيع المتشابهة

أعلى