youcef66dz
عضو متألق
- إنضم
- 3 أكتوبر 2009
- المشاركات
- 3,786
- مستوى التفاعل
- 114
- النقاط
- 63
دراسة ( الأحكام القضائية ، الصادرة عن المحاكم الأردنية في قضايا المطبوعات و المنشر )-2-
.../...
تابع ...
4- المحكمة المختصة في جرائم المطبوعات والنشر
تختص محكمة البداية بالنظر في جرائم المطبوعات سواء تلك التي ترتكب خلافا لاحكام قانون المطبوعات والنشر أو خلافا لأي قانون أخر ذي علاقة هذا ما أكدته المادة 41/أ من قانون المطبوعات والنشر .
وعلى ضوء صراحة النص المذكور فأن محكمة البداية هي المحكمة المختصة بأي جريمة تقع بواسطة المطبوعات ، ومن استعراض أحكام القضاء الأردني فأننا نجد ان أغلب أحكام القضاء قد أكدت على صلاحية محكمة البداية للنظر في جميع جرائم المطبوعات بالنسبة للتنازع على الاختصاص بين المحاكم النظامية ، الا إنها لم تستقر بعد فيما يتعلق بجرائم المطبوعات الداخلة ضمن اختصاص محكمة أمن الدولة .
أ) تنازع الاختصاص ما بين محكمتي الصلح والبداية .
باستعراض أحكام محاكم الدرجة الأولى نجد أن هناك عدة أحكام ،غالبيتها صادرة عن محاكم الصلح ومؤيدة من محكمة الاستئناف استندت جميعها إلى العبارة التي أضيفت بموجب القانون رقم 24 لسنة 1993 والمتضمنة اختصاص محكمة البداية في جرائم المطبوعات التي ترتكب خلافا لاحكام قانون المطبوعات وأي قانون أخر ذي علاقة ، واعتبرت تلك الأحكام أن الاختصاص النوعي ينعقد لمحكمة البداية .
وقد ذهبت بعض الأحكام إلى حد تطبيق التعديل الجديد على قضايا قائمة قبل تعديل القانون ففي حكم لمحكمة صلح جزاء عمان أيدته محكمة الاستئناف جاء فيه:
" إذا كانت الدعوى الجزائية منظورة أمام محكمة الصلح وقت ظهور التعديل الجديد لقانون المطبوعات والنشر رقم 24 لسنة 2003 والذي نشر في الجريدة الرسمية في 16/4/2003 الذي تضمن تعديل اختصاص المحكمة بحيث أصبحت محكمة البداية هي المختصة بجرائم المطبوعات وحيث لم تصدر محكمة الصلح حكمها بعد فيترتب على محكمه الصلح أن ترفع يدها عن الدعوى وتحيلها على محكمة مختصة وقد استندت المحكمة في قرارها إلى قرار تمييز رقم 4/81 و306/97 ، وبالنتيجة اعتبرت المحكمة ان الاختصاص النوعي من النظام العام وتقضي به المحكمة من تلقاء نفسها لهذا قررت عدم اختصاصها للنظر بالدعوى وأحالتها لمدعي عام عمان لاحالتها لمحكمة البداية " 0
ولدى عرض الدعوى على محكمة الاستئناف على اثر الطعن به من قبل مساعد النائب العام قررت محكمة الاستئناف رد الاستئناف وتأييد القرار المستأنف 0
وقد تكرر هذا المبدأ في قرار أخر لمحكمة الصلح اعتبرت فيه : " إن صدور تعديل على قانون العقوبات يقضي بتعديل الاختصاص ويجعل محكمة البداية هي المختصة بنظر دعاوى المطبوعات يسري على الدعوى المنظورة أمام محكمة الصلح في ظل القانون القديم مما يجعلها غير مختصة وينبغي إحالة الدعوى إلى المدعي العام لاحالتها لمحكمة البداية " .
ولدى عرض هذه الدعوى أيضا على محكمة الاستئناف على اثر الطعن بالحكم من قبل مساعد النائب العام قررت رد الاستئناف وتصديق القرار المستأنف و إعادة الأوراق لمصدرها، وقد جاء بقرار الاستئناف ما يلي :
" بالرجوع لنص المادة 41/1 من قانون المطبوعات والنشر رقم 8 لسنة 1998 والساري النفاذ من تاريخ 1/9/98 نجد أنها تنص ( تختص محكمة البداية بالنظر في جرائم المطبوعات التي ترتكب خلافا لاحكام هذا القانون ) وذلك قبل نفاذ التعديلات بموجب القانون رقم 24 لسنة 2003 والتي عدلت النص المذكور بإضافة ( وأي قانون آخر ذي علاقة ) مما يفيد أن الاختصاص النوعي بنظر جرائم المطبوعات ينعقد لمحكمة البداية بموجب قانون المطبوعات والنشر رقم 8 لسنة 98 وحيث أن الأفعال المنسوبة للمستأنف ضدهم وعلى فرض ثبوتها وبالنظر للوسيلة التي تمت بها تندرج ضمن جرائم المطبوعات فأن الاختصاص بنظر الدعوى يكون وبهذه الحالة منعقدا لمحكمة البداية " 0
وفي عام 2003 حصل هناك تنازع سلبي على الاختصاص بين محكمة الصلح والمدعي العام باعتباره مختصا بإحالة الدعوى لمحكمة البداية نتج عنه عرض الدعوى على محكمة الاستئناف لتعيين المرجع المختص ، فقد اعتبرت محكمة الصلح أنها غير مختصة للنظر في الدعوى و إحالتها للمدعي العام حيث جاء في قرارها:
" إن جرم القدح والذم والتحقير بواسطة المطبوعات يخرج عن اختصاص محاكم الصلح ويدخل ضمن اختصاص محاكم البداية عملا بالمادة 41 من قانون المطبوعات " .
ولكن ولدى عرض الدعوى على مدعي عام عمان قرر عدم اختصاصه أيضا للنظر في الدعوى واعتبر أن الدعوى من اختصاص محكمة الصلح 0
هذا الأمر الذي أدى إلى قيام النائب العام بتقديم طلب إلى محكمة الاستئناف طالبا منها تعيين المرجع المختص لصدور قرارين متناقضين أوقفا سير العدالة .
لدى عرض الدعوى على محكمة الاستئناف الجهة المختصة قررت اعتبار مدعي عام عمان هو المختص بتلك الجرائم بالاستناد إلى أحكام المادة 41 من قانون المطبوعات والنشر على اعتبار أن محكمة البداية هي المختصة للنظر في الدعوى وليس محكمة الصلح 0
لكن لابد من الإشارة بان هناك قراراً صادراً عن محكمة التمييز الأردنية قبل تعديل قانون المطبوعات لعام 2003 تضمن " بان الاختصاص في جرائم الذم والقدح بواسطة الجرائد والصحف اليومية لا ينعقد لمحكمة البداية و إنما لمحكمة الصلح ، حيث تضمن القرار بان الأفعال المعزوة للمشتكي عليها على فرض ثبوتها تشكل جرم الذم والقدح بواسطة الجرائد والصحف اليومية بالمعنى المقصود في المادتين 188و189/4 من قانون العقوبات فكان على محكمة البداية أن تقرر عدم اختصاصها و إحالة الأوراق إلى الجهة المختصة " 0
وقد استندت المحكمة في قرارها إلى المادة 41 مطبوعات حيث أشارت المحكمة بان تلك المادة تنص على أن محكمة البداية هي المختصة بالنظر في جرائم المطبوعات خلافا لاحكام هذا القانون و الإجراءات الواجب اتباعها إلا أن من الملاحظ بان قرار محكمة التمييز أشار إلي المادة 41 مطبوعات قبل تعديلها عام 2003 كما هو واضح من القرار حيث كانت تلك المادة وبموجب قانون المطبوعات والنشر رقم 8 لسنة 98 الساري النفاذ من 1/9/1998 تنص على ( تختص محكمة البداية بالنظر في جرائم المطبوعات التي ترتكب خلافا لاحكام هذا القانون) وذلك قبل نفاذ التعديلات إلا انه وبتاريخ 16/4/2003 طرأ تعديل جديد على القانون بموجب القانون رقم 24 لسنة 2003حيث تضمن إضافة عبارة (و إي قانون أخر ذي علاقة ) إلى المادة 41 من قانون المطبوعات مما يفيد أن الاختصاص النوعي للنظر في جرائم المطبوعات ينعقد لمحكمة البداية بموجب قانون المطبوعات والنشر رقم 8 لسنة 1988سواء المرتكبة خلافا لقانون العقوبات أو خلافا لأي قانون أخر ذي علاقة، وهذا ما ذهبت إليه محكمتي الصلح والاستئناف في عدة قرارات سابقه ولاحقه للقرار المذكور .
وكاد الأمر أن يستقر تماما في التنازع بين محكمتا الصلح والبداية على الاختصاص بعد تلك الأحكام التي سبق الإشارة إليها و أحكام أخرى مماثلة عديدة أكدت جميعها على أن الاختصاص النوعي ينعقد لمحكمة البداية، إلا أن محكمة صلح عمان وفي عام 2006 نظرت في قضيتين أحيلتا إليها من مدعي عام عمان تتضمن إسناد جرم إهانة الشعور الديني خلافا للمادة 278/1 من قانون العقوبات ارتكبت بواسطة الصحف وقد أصدرت قرارها
في الدعوى على أساس إنها مختصة كون الجرم يستند إلى قانون العقوبات ، حيث قررت إدانة المشتكى عليه بالجرم المسند له الا ان محكمة الاستئناف قررت فسخ قرار محكمة الصلح على أساس ان الاختصاص ينعقد لمحكمة البداية وفق أحكام المادة 40/أ من قانون المطبوعات 0
ولكن على الرغم من ذلك فإننا وعلى ضوء الأحكام التي سبق استعراضها وصراحة المادة 41 من قانون المطبوعات والنشر، نستطيع القول بأن لا اختصاص لمحكمة الصلح في جرائم المطبوعات وان الاختصاص ينعقد لمحكمة البداية فقط 0
ب) تنازع الاختصاص بين محكمة البداية ومحكمة أمن الدولة 0
إن كان التنازع على الاختصاص بين محكمتي الصلح والبداية يمكن اعتباره قد حسم بان محكمة البداية هي المختصة إلا أن هناك تنازعاً بين محكمتي البداية وأمن الدولة على الاختصاص، إذ ان هناك جرائم كانت في الأصل من اختصاص المحاكم النظامية ، إلا أنها أصبحت من اختصاص محكمة أمن الدولة بموجب قانونها الخاص كجرم إطالة اللسان خلافا للمادة 195 من قانون العقوبات أو الجرائم المخالفة لقانون حماية أسرار ووثائق الدولة ، وجرائم الاعتداء على أمن الدولة الداخلي والخارجي .
لكن حين ترتكب هذه الجرائم بواسطة المطبوعات هل يعاد الاختصاص لمحكمة البداية سندا للمادة 41 من قانون المطبوعات التي اعتبرت محكمة البداية هي المختصة بجرائم المطبوعات سواء الواردة في قانون المطبوعات او أي قانون أخر ذي علاقة أم يبقى الاختصاص لمحكمة أمن الدولة ؟
في الحقيقة إننا نرى أن قانون المطبوعات والنشر هو قانون خاص بجرائم المطبوعات صدر عام 1998 وطرأ عليه تعديل عام 2003 ، أما قانون محكمة أمن الدولة فهو قانون خاص بجرائم معينة محددة بموجب قانون محكمة أمن الدولة الصادر عام 1959 والذي طرأ عليه عدة تعديلات لاحقة ايضا0
ومن المقرر انه في حالة تعارض القانون العام مع القانون الخاص ، وكان القانون العام قد صدر قبل القانون الخاص فيعتبر الخاص استثناء من العام ومقيدا له ،وإذا صدر القانون العام بعد الخاص فهو معدل له 0
وبناء عليه فان قانون المطبوعات والنشر هو قانون خاص بجرائم المطبوعات صدر بعد قانون أمن الدولة فيكون هو القانون الواجب التطبيق ، حتى لو جرى اعتباره قانوناً عاماً بالنسبة لقانون أمن الدولة فانه أيضا يكون هو القانون الواجب التطبيق كونه قد صدر بعد قانون أمن الدولة ، وبناء عليه فان جرائم المطبوعات تكون من اختصاص محكمة البداية سواء تلك الجرائم المخالفة لقانون المطبوعات والنشر أو لأي قانون أخر وفقا لصراحة المادة 41 من قانون المطبوعات والنشر.
أما اجتهاد المحاكم العليا فلم نعثر على أي قرار يناقش صراحة أحكام المادة 41 من قانون المطبوعات وبالأخص العبارة التي أضيفت للمادة المذكورة عام 2003 ليحسم أمر هذا التنازع في الاختصاص ، لكن في الوقت نفسه فان اجتهادات القضاء السابقة لتعديل قانون المطبوعات والنشر عام 2003، لم تعطي الاختصاص لمحكمة البداية في الجرائم المنصوص عليها ضمن اختصاص محكمة أمن الدولة والمرتكبة بواسطة المطبوعات .
فقد جاء في حكم لمحكمة التمييز الأردنية: "المحاكم النظامية لا تستطيع النظر بأي جريمة داخله في اختصاص محكمة أمن الدولة بموجب قانونها الخاص" .
الا ان القرار المذكور لم يكن يتعلق بجرم من جرائم المطبوعات ولم يناقش أحكام المادة 41 من قانون المطبوعات الأمر الذي لا يمكن معه اعتبار هذا الاجتهاد حاسماً لموضوع اختصاص محكمة أمن الدولة في جرائم المطبوعات التي ترتكب خلافا للجرائم المشمولة في قانونها.
لكن هناك حكم أخر لمحكمة التمييز الأردنية صادر عام 1996في قضية تتعلق بجرم إطالة اللسان بواسطة المطبوعات لم يعطي الحق لمحكمة البداية للنظر في الجرائم المشمولة بقانون محكمة أمن الدولة والمرتكبة بواسطة المطبوعات حيث قضت المحكمة بما يلي :
" حظرت المادة (40/ا/1) من قانون المطبوعات والنشر نشر أية أخبار تمس جلالة الملك والأسرة المالكة وأناطت المادة (46/ا) بمحاكم البداية النظر بهذا الجرم ولا يخرج ذلك جرم إطالة اللسان عن اختصاص محكمة أمن الدولة إذ ان لكل جرم عناصره وأركانه وعقوبته المختلفة عن الأخرى " .
أيضا لايمكن اعتبار ان هذا القرار يحسم موضوع التنازع باعتباره صادراً قبل تعديل قانون المطبوعات عام 2003
لكن في تطور جديد في عام 2004 قضت محكمة التمييز الأردنية بأن الجرائم المنصوص عليها في المادة 150 عقوبات تدخل ضمن اختصاص المحاكم النظامية حيث جاء في قرارها ما يلي:
ان الاختصاص أصلا في الجرائم ينعقد للمحاكم النظامية إلا ما ينتزع منه لمحكمة خاصة بموجب قانون خاص وحيث ان الأفعال المسندة للمشتكي عليهم وهي مخالفة أحكام المادة 150 عقوبات لا تندرج ضمن اختصاص محكمة أمن الدولة فهي تبقى ضمن اختصاص المحاكم النظامية .
وقد صدر القرار المذكور على اثر صدور قرار من مدعي عام عمان يقضي بعدم اختصاصه في الجرم المتعلق بالإساءة إلى كرامة الأفراد وسمعتهم وحريتهم الشخصية ونشر معلومات وإشاعات كاذبة خلافا لاحكام المادة 150 من قانون العقوبات ومتابعة النظر في باقي الجرائم الأخرى الداخلة ضمن اختصاصه إلا ان مدعي عام محكمة أمن الدولة اصدر قرارا أيضا يقضي بعدم اختصاصه بمباشرة دعوى الحق العام الأمر الذي أدى إلى قيام مساعد النائب العام في محكمة أمن الدولة بتقديم طلب إلى محكمة التمييز لتعيين المرجع المختص فأصدرت محكمة التمييز قرارها هذا واعتبرت ان واقعة الشكوى حصلت في 19/2/2002 وان المادة الثانية من قانون محكمة أمن الدولة المؤقت نافذ المفعول في 28/8/2001 وبأن تلك المادة حلت محل المادة الثالثة من القانون الأصلي ولم تتضمن ان تلك الجرائم تدخل ضمن اختصاص محكمة أمن الدولة وقررت المحكمة تعيين مدعي عام عمان مرجعا مختصا للنظر في تلك الدعوى .
ومما تقدم يتضح من القرار المذكور أن الاختصاص في جرائم المطبوعات ينعقد لمحكمة البداية حتى لو كان من الجرائم المنصوص عليها في قانون محكمة أمن الدولة ذلك ان المادة 150 عقوبات وردت تحت باب الجرائم التي تقع على أمن الدولة الداخلي والخارجي التي تدخل ضمن قانون محكمة أمن الدولة ، الا ان محكمة التمييز اعتبرتها من اختصاص محكمة البداية ، وهذا ما يتفق و أحكام المادة 41 مطبوعات، وقد جاء فيها
"يستفاد من المادة (3) من قانون محكمة أمن الدولة رقم 17 لسنة 1959 وتعديلاته أن أي فعل من شأنه النيل من الوحدة الوطنية أو يعكر الصفاء بين الأمة ومن شأنه تشجيع الإرهاب وإثارة النعرات والحض على النزاع بين عناصر الأمة يعتبر من الجرائم الواقعة على أمن الدولة الداخلي وفق المفهوم الوارد في الجرائم التي تقع على أمن الدولة الداخلي ولهذا فإن جرم مخالفة المادة (150) عقوبات تدخل ضمن اختصاص محكمة أمن الدولة" .
لكن في عام 2006 عادت محكمة التمييز واعتبرت أن المادة (150) من قانون العقوبات تدخل ضمن اختصاص محكمة أمن الدولة.
إلا أن من الملاحظ أن القرار المذكور لم يكن يتعلق بنشر أو خطابة تمت بواسطة المطبوعات، وإنما تتعلق بخطابة تمت من خلال وسائل الإعلام المرئي التي لا تشملها أحكام قانون المطبوعات والنشر.
مما تقدم لا نجد من خلال الاجتهادات القضائية المتوفرة ما يعطي محكمة أمن الدولة الاختصاص بنظر الجرائم التي ترتكب بواسطة المطبوعات بما فيها تلك المنصوص عليها في قانون محكمة أمن الدولة ، الأمر الذي يمكن القول ان الاختصاص ينعقد لمحكمة البداية تفعيلا لنص المادة 41 التي اعتبرت محكم البداية مختصة بجرائم المطبوعات المرتكبة خلافا لقانون المطبوعات والنشر أو لأي قانون ذي علاقة0
5- مسؤولية رئيس تحرير المطبوعة .
لا يتصور قانونا أن يُسأل شخص عن فعل ما لم يكن قد اقدم عليه عن وعي و إرادة وهذا ما أكدته المادة 74 من قانون العقوبات والتي نصت على ان لا يحكم على أحد بعقوبة ما لم يكن قد اقدم على الفعل عن وعي و إرادة.
وقد اعتبرت المادة 75 من قانون العقوبات بان فاعل الجريمة هو من ابرز إلى حيز الوجود العناصر التي تؤلف الجريمة أو ساهم مباشرة في تنفيذها .
والفعل باعتباره أحد عناصر الركن المادي ذو مدلول متسع إذ يشمل السلوك الإيجابي الذي يفترض حركة عضو في جسم المجرم ويتسع للامتناع باعتباره صورة للسلوك الإنساني وهو السلوك السلبي .
والفعل هو عنصر في الركن المادي للجريمة مقصودة كانت أو غير مقصودة ، لهذا فان كل واقعة تنتفي عنها صفة الفعل لا يتصور أن تكون محلا للتجريم وينبغي أن يوصف الفعل بأنه غير مشروع ومن اجل ارتكابه يقرر القانون العقاب.
أ- مسؤولية رئيس التحرير وفق أحكام قانون المطبوعات والنشر:
خرج قانون المطبوعات والنشر عن القاعدة المنصوص عليها في المادة (74) من قانون العقوبات و اعتبر أن مسؤولية رئيس تحرير الصحيفة أو المطبوعة الدورية مفترضة حيث نصت الفقرة د من المادة 41 من قانون المطبوعات بان تقام دعوى الحق العام في جرائم المطبوعات الدورية على رئيس التحرير المسؤول وكاتب المادة الصحفية كفاعلين أصليين .
وفي الحقيقة ينبغي إعادة النظر في تلك الفقرة من قانون المطبوعات إذ أن من المبادئ الأساسية في التشريع الجزائي، أن المسؤولية شخصية بمعنى لا يسأل جزائياً إلا الشخص الذي ارتكب الجريمة إضافة إلى أنها مخالفة للدستور إذ أن تحديد الأفعال التي تعد جرائم و بيان أركانها وتحديد العقوبات المقررة لها سواء من حيث نوعها أو مقدارها هي أمور من اختصاص السلطة التشريعية ، بينما تطبيق القانون وإيقاع العقوبة وتحديد مسؤولية المشتكى عليه أو المتهم هي أمور من اختصاص القضاء، لهذا فان تحديد ما إذا كان رئيس تحرير الصحيفة فاعلا اصليا أو شريكا أو متدخلا أو غير مسؤول هو أمر من اختصاص السلطة القضائية وليس من اختصاص السلطة التشريعية .
ولا نقصد من ذلك إخلاء مسؤولية رئيس التحرير عن الجرائم التي يثبت اشتراكه أو تدخله فيها أو مساهمته بشكل مباشر في تنفيذها ولكن ما نقصده هو ترك الأمر للقضاء ليقول كلمته ويحدد من هو المسؤول ومن هو الفاعل الأصلي ومن هو الشريك أو المتدخل إذ أن استقصاء الجرائم وتعقب مرتكبيها ومباشرة التحقيق توصلا إلى معرفة الفاعل هي أمور من اختصاص المدعي العام .
إلا أن القضاء الأردني لازال يطبق نص المادة 41 من قانون المطبوعات بالشكل الوارد به الذي يخالف القاعدة العامة التي تعتبر فاعل الجريمة هو من ابرز إلى حيز الوجود جميع عناصر الجرم أو ساهم مباشرة في تنفيذه، باستثناء حكم قضائي واحد صدر عن محكمة بداية جزاء عمان عام 2002- لم تأخذ به الهيئة الاستئنافية التي عرض عليها - اعتبر أن المسؤولية المفترضة لرئيس التحرير باعتباره فاعلا اصليا تخالف القواعد العامة المقررة بموجب القوانين الجزائية النافذة المفعول والتي أشارت إليها المادة 103 من الدستور الأردني الأمر الذي يجعل تلك الفقرة مخالفة للدستور .
وفي حكم لمحكمة التمييز عام 2004 اعتبرت فيه أن المادة 41/ب من قانون المطبوعات قبل تعديلها التي تتحدث عن فاعل الجريمة هي الواجبة التطبيق باعتباره القانون الخاص لا المادتين 74 و 75 من قانون العقوبات وهو القانون العام .
ب- مسؤولية رئيس التحرير وفق أحكام القضاء.
من خلال استعراض الأحكام القضائية نجد ان القضاء الأردني وبالرغم من أنه لا يتعرض للبحث في دستورية المادة 41 من قانون المطبوعات إلا أنه اخذ ضمنيا بمبدأ وجوب توفر كافة أركان الجرم بما فيها الركن المادي المتمثل بإثبات دور رئيس تحرير الصحيفة في الجرم المسند له ولم تصدر المحاكم أحكام بإدانة رئيس التحرير على أساس ان المسؤولية مفترضة .
فقد تضمن الحكم الصادر عن محكمة البداية ما يلي :
" أن القانون قد يتطلب لقيام مسؤولية رئيس التحرير ركنين ماديا ومعنويا أي القصد الجنائي الذي يتمثل بتعمد المسؤول بالإخلال بالرقابة التي فرضها القانون عليه " .
وفي حكم آخر لمحكمة البداية أيدته محكمة الاستئناف جاء فيه:
" ان صدور آخر قرار عن محكمة العدل العليا يقضي بإلغاء قرار مجلس نقابة الصحفيين برفض طلب الانتساب لنقابة الصحفيين ،وبأنه كان على المجلس ان يقبل طلب تسجيله فيكون المذكور لم يخالف أحكام المواد 18 من قانون نقابة الصحفيين ولا المادة 10 مطبوعات " .
ولدى عرض الدعوى على محكمة الاستئناف قررت رد الاستئناف وتصديق القرار المستأنف من حيث النتيجة حيث تضمن قرارها ما يلي :
" وحيث كان يتوجب على النقابة إصدار قرارها خلال 30 يوما من تاريخ تقديم طلب الانتساب و إذا لم يصدر هذا القرار اعتبر مقبولا حكما عضوا في النقابة من تاريخ 8/12/1998 بحكم القانون وعلى ضوء ذلك فأن رئيس التحرير لا يكون قد خالف القانون حين مارس العمل الصحفي وهو غير مسجل في النقابة " 0
وفي حكم آخر " قضت محكمة البداية بأن رئيس التحرير لا يستطيع الإشراف على ما ينشر وما يكتب إلا بعد صدور قرار بالموافقة وتبليغ طالب الرخصة قرار اعتماده للقيام بمهامه ولو قلنا بغير ذلك لا يتفق والحكمة من النص على وجوب تبليغ طالب الرخصة الموافقة أو الرفض على الترخيص واعتماد رئيس التحرير ، فإذا كانت كافة الأعداد من الصحيفة قد صدرت قبل تاريخ اعتماد الظنين رئيسا للتحرير فأن هذا الأمر ينبني عليه بأن المذكور لم يقترف الأفعال المنسوبة إليه مما يقتضي إعلان براءته عن الجرم المسند له " 0
وفي حكم أخر أيضاً أيدته محكمة الاستئناف برأت محكمة البداية رئيس تحرير إحدى الصحف حين ثبت لها انه وبتاريخ نشر المقال لم يكن رئيس تحرير للصحيفة فقد جاء في القرار:
" ولم يثبت للمحكمة ان هناك رئيس تحرير للصحيفة بتاريخ نشر المقال فيكون مالك المطبوعة مسؤولا عما نشر بالصحيفة ، إلا ان المحكمة تجد آن مالكة المطبوعة قد تم اختصامها من الناحية المدنية ولم يصدر قرار بالظن عليها من قبل المدعي العام وحيث لا يجوز للمحكمة ان تتدخل في معاقبة شخص على وقائع لم يشتمل عليها قرار الظن لأنها تكون قد فصلت في أمور لم تعرض عليها قانونا و أحلت نفسها محل النيابة وهو ما لا يجوز لانه يؤدي إلى حرمان المشتكى عليه من حق الدفاع وهذه القاعدة أصولية آمرة تتعلق بعينية الدعوى الجزائية " .
ولدى عرض الدعوى على محكمة الاستئناف قررت رد الاستئناف وتأييد القرار المستأنف .
وفي حكم أخر برأت محكمة البداية أيضا رئيس التحرير لعدم توفر ثبوت أركان الجريمة حيث جاء في القرار:
" أن القانون يلزم رئيس التحرير بمراقبة نشاط المحررين و الصحفيين بالجريدة وإنه بامتناعه عن الالتزام بهذا الواجب يكون قد ارتكب جريمة يعاقب عليها القانون إلا أن القانون قد يطلب لقيام مسؤولية رئيس التحرير ركنين ماديا و معنويا أي القصد الجنائي الذي يتمثل بتعمد المسؤول بالإخلال بالرقابة التي فرضها عليه القانون. وحيث لم يكن رئيس التحرير على علم بقيام (الكاتب) بكتابة و نشر المقال حيث قام رئيس التحرير و فور علمه بالمقال بنشر اعتذار و بنفس الصحيفة وبالعدد الذي تلاه مما شكل قناعة المحكمة بحسن نية (رئيس التحرير) وعدم تعمده الإخلال بواجب الرقابة على مطبوعته، أما الكاتب فلم يقدم أية بينة تنفي ما وجه له من اتهام " .
وقد تكرر المبدأ الذي سبق الإشارة إليه والذي يقضي بضرورة إثبات أركان الجرم لقيام مسؤولية رئيس التحرير في حكم أخر لمحكمة البداية جاء فيه:
" يشترط لقيام المسؤولية القانونية الجزائية لرئيس تحرير الصحفية و جود ركنين أساسيين الركن المادي والركن المعنوي المتمثل بصورة القصد الجنائي . إذا قام الكاتب بنشر مقال تحت عنوان (موظفو أثار 0000مهربو أثار الأردن و تاريخه) و بعد اطلاع رئيس التحرير على المقال قام بنشر اعتذار و تصحيح للخبر بالعدد التالي و في نفس الموقع و أيضا قيام المشتكين بإسقاط حقهم الشخصي بعد اعتذار الظنيين لهم يؤدي إلى الاعتداد بحسن نية رئيس التحرير و هذا ما يهدم ركن القصد الجنائي " .
6- تعدد الأوصاف الجرمية للفعل الواحد في جرائم المطبوعات
قد يشكل نشر مقال أو خبر صحفي عدة جرائم ، إذ قد يكون الخبر غير الصحيح مخالفا لقانون المطبوعات والنشر وفي الوقت نفسه يتضمن عبارات ذم وقدح فنكون أمام حالة اجتماع معنوي للجرائم ويقوم الاجتماع المعنوي على عنصرين وحدة الفعل وتعدد الأوصاف الجرمية. ويكفل العنصر الأول التمييز بينه وبين الاجتماع المادي للجرائم ، ذلك انه إذا تعددت الأفعال واجتمعت تبعا لذلك الجرائم الناشئة عن كل منها ، فذلك اجتماع مادي للجرائم 0 ويمثل العنصر الثاني جوهر الاجتماع المعنوي فأن انتفى التعدد في الأوصاف ، أي كان للفعل وصف جرمي واحد ، فمعنى ذلك انه تقوم جريمة واحدة.
وقد عالجت المادتان 57 ،58من قانون العقوبات موضوع اجتماع الجرائم المعنوي حيث نصت المادة 57 على انه إذا كان للفعل عدة أوصاف ذكرت جميعها في الحكم ، فعلى المحكمة أن تحكم بالعقوبة الأشد ، وإذا انطبق على الفعل وصف عام ووصف خاص اخذ بالوصف الخاص ، أما المادة 58 من قانون العقوبات فقد نصت على أن ( لا يلاحق الفعل الواحد إلا مرة واحدة ).وهذا ما قضت به محكمة البداية حيث جاء في قرارها ما يلي:
" يتوجب الأخذ بالوصف الخاص عند انطباق وصف عام ووصف خاص على الفعل الواحد عملاً بالمادة 57 من قانون العقوبات ، لذا تكون الأفعال المسندة للظنين وهي نشر خبر غير صحيح والامتناع عن نشر الرد الكامل على ذلك الخبر محكومة بالمادة 27 من قانون المطبوعات والنشر " .
وقد تكرر ذلك في حكم أخر لمحكمة البداية حين أوقفت ملاحقة المشتكى عليه لسبق ملاحقته عن نفس الفعل لدى محكمة أمن الدولة حيث جاء فيه:
" إذا كان للفعل الواحد عدة أوصاف فنكون أمام حالة اجتماع معنوي للجرائم ، فإذا قضت محكمة أمن الدولة بالوصف الأشد وهو جرم إطالة اللسان خلافاً للمادة 195 من قانون العقوبات فينبغي وقف ملاحقة الظنين أمام محكمة أخرى عن الوصف الأخر وهو جرم كتابة منشورات بقصد إثارة النعرات المذهبية والعنصرية خلافاً للمادة 150 من قانون العقوبات لان العبرة بالوصف الأشد ولعدم جواز ملاحقة الفعل الواحد إلا مرة واحدة عملاً بالمادة 58 من قانون العقوبات" .
وعلى خلاف الموقف السابق ذهبت بعض الأحكام إلى آن تعدد الأوصاف الجرمية هو من قبيل التعدد المادي الذي يجيز ملاحقة كل فعل على حدة .
فقد جاء في حكم لمحكمة التمييز الأردنية ما يلي:
" حظرت المادة (40/ا/1) من قانون المطبوعات والنشر نشر أية أخبار تمس جلالة الملك والأسرة المالكة وأناطت المادة (46/ا) بمحاكم البداية النظر بهذا الجرم ولا يخرج ذلك جرم إطالة اللسان عن اختصاص محكمة أمن الدولة إذ أن لكل جرم عناصره وأركانه وعقوبته المختلفة عن الأخرى " .
وفي عام 2006 أصدرت محكمة صلح جزاء عمان قرارا يقضي بإدانة المشتكى عليهم بجرم إهانة الشعور الديني بواسطة المطبوعات من خلال قيام النيابة العامة بتحريك دعوى الحق العام حول قيام الصحيفة بنشر رسومات مسيئة للرسول الأعظم ، ثم وعلى أثر ورود بلاغاً أخر من دائرة المطبوعات والنشر أعيد ملاحقة المشتكى عليهم عن ذات الفعل بوصف قانوني آخر لدى محكمة البداية ، وحيث أن الدعوى لا زالت منظورة أمام القضاء ولم يصدر حكم بشأنها فأننا نكتفي بهذه الإشارة .
7-جرائم المطبوعات المتعلقة بعمل القضاء .
باستعراض أحكام قانون المطبوعات والنشر وقانون العقوبات وقانون انتهاك حرمة المحاكم نجد ان تلك القوانين قد نصت على جرائم خاصة متعلقة بإجراءات التقاضي ، وهي جرائم نشر وقائع القضايا سواء أثناء مرحلة التحقيق او إجراءات المحاكمة ، وكذلك النشر الذي يهدف إلى التأثير على القضاة خلافا لقانون انتهاك حرمة المحاكم ، أما جرائم ذم وقدح المحاكم فسيتم استعراضها في باب الذم والقدح بواسطة المطبوعات.
أ) النشر خلال مراحل التحقيق .
حظرت المادة 38 من قانون المطبوعات والنشر نشر كل ما يتعلق بأي مرحلة من مراحل التحقيق حول أي قضية أو جريمة تقع في المملكة إلا إذا أجازت النيابة العامة ذلك، وحددت المادة 45/ج من القانون عقوبة مخالفة تلك المادة بغرامة لا تقل عن خمسمائة دينار ولا تزيد عن ألف دينار .
وقد تكرر النص على هذا الجرم في قانون العقوبات حيث نصت المادة 225 من قانون العقوبات على أن يعاقب بالغرامة من خمسة دنانير إلى خمسة وعشرين دينارا من ينشر وثيقة من وثائق التحقيق الجنائي أو الجنحي قبل تلاوتها في جلسة علنية.
كما نصت المادة 14 من قانون انتهاك حرمة المحاكم على ان كل من نشر إذاعات بشأن تحقيق جزائي قائم يعاقب بالحبس مدة لا تتجاوز ستة اشهر وبغرامة لا تزيد على خمسين دينارا أو بإحدى هاتين العقوبتين .
وفي حكم صادر عن محكمة البداية قررت المحكمة إدانة فعل نشر وقائع قضية أثناء مرحلة التحقيق و إلزام رئيس التحرير بقيمة الادعاء بالحق الشخصي المتمثل بالتعويض عن هذا الفعل حيث جاء في القرار ما يلي :
" إذا نشرت الصحيفة خبراً يتعلق بقضية تتعلق بالمدعي بالحق الشخصي وأسندت له أفعالا بالرغم أن الدعوى كانت لازالت في مرحلة التحقيق أمام المدعي العام، وفيما بعد صدر قرار يقضي ببراءة المدعى عليه بالجرم المذكور فتكون الصحيفة قد خالفت أحكام المادة 38 من قانون المطبوعات والنشر التي تمنع نشر وقائع قضية أثناء مرحلة التحقيق مما يتعين إدانتها بهذا الجرم وإلزامها بتعويض المدعي بالحق الشخصي عن الضرر الذي أصابه نتيجة ذلك" .
ب) النشر خلال مراحل المحاكمة .
الأصل في المحاكمات أن تكون علنية فمبدأ العلانية من المبادئ الرئيسية والجوهرية التي يترتب على مخالفتها البطلان وفيما يتعلق بنشر وقائع جلسات المحاكم فان الأصل الإباحة وهذا ما أجازته الفقرة د من المادة 38 مطبوعات التي أجازت للمطبوعة حق نشر جلسات المحاكم وتغطيتها ما لم تقرر المحكمة غير ذلك .
لكن ينبغي التنبيه بان تلك الإباحة ليست مطلقة ، إذ ان هناك شروطاًَ قانونية ينبغي توافرها أيضا من حيث صحة الخبر وطابعه الاجتماعي إضافة إلى توفر حسن النية عند نشر الخبر، وذلك كله في إطار احترام حرية الحياة الخاصة للآخرين0 وقد قضي بان نشر وقائع جلسات المحاكم وتغطيتها أمر مباح ما لم تقرر المحكمة غير ذلك ، حيث جاء في قرار لمحكمة البداية ما يلي:
" وحيث أن ما تم نشره هي إجراءات تمت في قضيه منظوره أمام المحكمة ولم يتم تقديم أي بينه تثبت أن المحكمة كانت قد أصدرت قراراً بحظر النشر ولا أية بينه تثبت أن الإجراءات في الدعوى تمت بصورة سرية وبالتالي فأن نشر الإجراءات التي تمت في الدعوى بما فيها الأسماء هو نشر مشروع بمفهوم المادة 198 عقوبات .، كما أن المادة 38/ب مطبوعات أعطت الحق بنشر جلسات المحاكم وتغطيتها ما لم تقرر المحكمة غير ذلك وبالتالي فأن نشر جلسات المحاكم وتغطيتها أمر مباح ما لم تقرر المحكمة غير ذلك" 0
وسند تلك الإباحة الصالح العام فهو يمكن الجمهور من مراقبة أعمال المحاكم، الأمر الذي يؤدي بدوره إلى الشعور بالطمأنينة، والاستقرار من حسن سير العدالة، كما تمكن العلانية المتهمين من تقديم وسائل دفاعهم على أكمل وجه وتمكن القضاة من إظهار احترامهم للقانون، وضمان حسن تطبيقه كما تساهم العلانية في تحقيق إحدى غايات العقاب وهي الردع العام، حيث يشهد الجمهور ما يلحق مرتكب الجريمة من جزاء .
كما قضي بأنه إذا لم يصدر قرار عن المحكمة يقضي بمنع نشر جلسات المحاكمة المتعلقة بالقضية فتكون أركان وشروط الجرم المسند للمشتكى عليه غير متوفرة على الرغم من صدور تعميم عن النائب العام أثناء مرحلة التحقيق يقضي بحظر نشر أي خبر يتعلق بالقضية مدار البحث .
كما قضي في قرار لمحكمة البداية أيدته محكمة الاستئناف بأنه حتى لو ثبت بان الخبر غير دقيق إلا انه لم يرد ما يثبت القصد بنشر الخبر بشكل مخالف للحقيقة فيكون الفعل لا يشكل جرماً، حيث جاء في القرار ما يلي:
" إذا نشرت الصحيفة ما يفيد بأن المحكمة استمعت إلى أقوال الشاهد..... وهو الناطق الإعلامي باسم وزارة..... وثبت للمحكمة أن ما ورد في الخبر حول صفة المشتكي ليس دقيقاً وبناء على ذلك قامت الصحيفة بنشر توضيح في ذات المكان وبنفس الخط ينفي صحة أن الشاهد المذكور هو ناطق إعلامي باسم الوزارة ولا تربطه فيها أي صلة رسمية ولم يرد ما يثبت القصد بنشر الخبر وبشكل مخالف للحقيقة ولم يثبت أن الهدف منه الإساءة للمشتكي فتكون الصحيفة قد قامت بما أوجبه عليها القانون " .
وقد أيدت محكمة الاستئناف ما توصلت إليه محكمة البداية وقررت رد الاستئناف وتأييد القرار المستأنف حيث تضمن القرار ما يلي:
" حيث من الثابت أن ما ورد بالصحيفة كان من قبيل تغطية لوقائع جرت في المحكمة فقط ولم تبدي الصحيفة رأيها فيما يجري بالمحكمة وحيث لم ترد بينة تبين سوء نية كاتبة المقال أو قصدها بالإساءة للمشتكي فأن هذه الأفعال لا تشكل جرما يعاقب عليه القانون " .
أما إذا كان النشر لا يتعلق بقضية قائمة وليس من شأنه ان يحدث تأثيراً غير مشروع في مجريات الدعوى فيكون الفعل لا يشكل مخالفة لاحكام المادة 11 من قانون انتهاك حرمة المحاكم وهذا ما قضت به محكمة البداية حيث جاء في قرارها :
" أما بالنسبة لمخالفة أحكام المادة 11 من قانون انتهاك حرمة المحاكم تجد المحكمة ان النشر لا يتعلق بقضية منظورة وانه ليس من شأنه إحداث التأثير المقصود بالمادة 11 ( وهو التأثير غير المشروع الذي يدعو إلى الانحراف عما يقتضيه الحق والواجب وما يمليه الضمير ويعمل بصفة عامة على سلوك ما لا يستقيم مع مقتضيات النزاهة التامة والحياد المطلق ) ، فان جرم مخالفة المادة 11 من قانون انتهاك حرمة المحاكم غير قائم، إلا ان المحكمة تجد ان ما تضمنه المقال من عبارات ومنها عبارات تتضمن إسناد مادة معينة للمدعي العام والقضاة تشكل جرم الذم الموجه للمحاكم بمفهوم المادة 191 من قانون العقوبات ،كما ان العبارات التي احتواها المقال تشكل طعنا بحق قاضي بقصد تعريض مجرى العدالة للشك والتحقير وفقا للمادة 15 من قانون انتهاك حرمة المحاكم"
8 - احترام الحقيقة والامتناع عن نشر ما يتعارض مع مبادئ الحرية والمسؤولية الوطنية وحقوق الإنسان وقيم الأمة العربية والإسلامية .
أوجبت المادة 5 من قانون المطبوعات والنشر رقم 8 لسنة 1998 وتعديلاته على المطبوعات احترام الحقيقة والامتناع عن نشر ما يتعارض مع مبادئ الحرية والمسؤولية الوطنية وحقوق الإنسان وقيم الأمة العربية والإسلامية . ومخالفة تلك المادة تشكل جرما بمقتضى المادة 46/ج التي اعتبرت كل مخالفة لاحكام قانون المطبوعات والنشر لم يرد نص على عقوبة عليها فيعاقب مرتكبها بغرامة لا تزيد على مائة دينار .
لهذا فانه يتوجب أن يكون الخبر الذي تنشره المطبوعة صحيحا والواقعة التي يتناولها الخبر صحيحة في ذاتها وفي نسبتها إلى من أسندت إليه إذ أن الخبر غير الصحيح لا يفيد المجتمع بشيء بل على العكس فأن مصلحة المجتمع تتضرر من نشر الأخبار غير الصحيحة.
وهذا النوع من جرائم المطبوعات والنشر هو الأكثر شيوعا في المحاكم إضافة إلى جرم مخالفة آداب مهنة الصحافة وأخلاقياتها ، وقد أرسى القضاء الأردني العديد من المبادئ بخصوص هذا النوع من الجرائم.
فقد قضت محكمة البداية بان نشر مقال بعنوان " فضيحة عطاء الكبار تهز وزارة .... ، يتعلق بخوادم الشبكات والخسائر بالملايين والجهات الرقابية وضعت يدها على القضية " ، وان المقال يتعلق بعطاء كمبيوترات لوزارة .... بما يتعلق بخوادم الشبكات وتضمن المقال أقوالا منسوبة لعدد من الأشخاص ذوي العلاقة تجد المحكمة أن مقالاً من هذا القبيل لا علاقة له بمبادئ المسؤولية الوطنية ولم تتضمن المادة المنشورة في هذا المقال ما يمكن اعتباره نشر مادة تتعارض مع مبادئ المسؤولية الوطنية بمفهوم المادة 5 من قانون المطبوعات والنشر" .
وفي حكم أخر لمحكمة البداية اعتبرت أن النشر دون التأكد من صحة المعلومات يشكل مخالفة للمادة 5 مطبوعات حيث جاء في القرار : "بان نشر الصحيفة مقال بعنوان " تأخير الفصل في الدعاوى القضائية يلحق الضرر بالأطراف ماديا ومعنويا " ، وقد تضمن المقال عبارات ووقائع غير صحيحة تمس القضاء ، وعليه وجدت المحكمة أن المقال قد توافر فيه صفة عدم احترامه للحقيقة المنصوص عليها في المادة 5 من قانون المطبوعات والنشر ويتمثل عدم احترام الحقيقة بنشر المقال بالعنوان السابق والعبارات السابقة دون التأكد من صحة المعلومات الواردة فيه ، وعليه يكون الكاتب قد ارتكب جرم مخالفة أحكام المادة 5 من القانون المطبوعات والنشر .
ويتوجب على الكاتب التحري عن صحة الخبر قبل نشره إذ لا يكفي ان يوثق ما يثبت مصدر الخبر بل يتوجب عليه التحقق من ان الخبر صحيح قبل نشره وقد قضت محكمة بداية عمان " بان نشر الصحيفة مقالاً بعنوان ( نص اتفاقية أمنية وسياسية بين الأردن وجبهة ..... ) دون التحري عن صحة ما ورد فيه من بنود اتفاقيات وغيره يعد من قبيل عدم احترام الحقيقة والالتزام بالموضوعية أي انه يعد مخالفة لاحكام المادة 5 من قانون المطبوعات والنشر ، كما اعتبرت المحكمة ان تضمين المقال عبارات مثل ( قيام حكومة ... بفك التحالف الأردني مع حركة... وإخراجهم من البلد لانهم ما زالوا يقاتلون العدو الصهيوني ........ ) يشكل مخالفة لاحكام المادة 7/ج كون المقال لم يتمتع بالتوازن والموضوعية والنزاهة في عرض المادة الصحفية " .
وقد يشكل الخبر مخالفة للمادة 5 من قانون المطبوعات إضافة لمخالفته آداب مهنة الصحافة وأخلاقياتها وهذا ما تكرر في العديد من الجرائم التي عرضت على القضاء الأردني .
فقد جاء في حكم لمحكمة البداية: " فإذا نشرت الصحيفة الأسبوعية مقالا بعنوان " فضائح بالجملة تلاحق .... أوردت فيه عبارات منها ( أسرار استقالة .... من الشركة ) و ( فضائح بالجملة تلاحق ... ) شركات توظيف العمالة تتكاثر وتنصب وتخالف دون حسيب أو رقيب ، طالب التوظيف هو الضحية وتجار الرقيق هم المستفيدون أعضاء مجالس الإدارة الحكوميين يستغلون مناصبهم للتستر على مخالفات الشركة ... آلاف المتقدمين يطالبون الشركة بإعادة أموالهم والبعض يهدد باللجوء للقضاء ، وان هذه الشركات تعمل بمخالفة نصوص القانون الصريح ..... ولم يثبت صحة الخبر فإن تلك العبارات تعتبر مخالفة لآداب مهنة الصحافة وأخلاقياتها كما تتضمن عدم الدقة والنزاهة في عرض المادة الصحفية إضافة لمخالفتها الحقيقة " .
ولا يشترط في الخبر غير الصحيح ان يرتب الضرر او يحتوي على عبارات غير لائقة اذ يكفي لقيام الجرم ان يكون الخبر غير صحيح حتى لو لم يترتب عليه أي نتيجة ، وقد جاء في قرار لمحكمة البداية في قضية تتضمن نشر خبر غير دقيق دون ان يشتمل على أي عبارات غير لائقة ما يلي :
"إذا نشرت الصحيفة الأسبوعية خبراً تحت عنوان "سر طعام الغذاء الذي أقامه .... لجريدة ......." كلف 2000 دينار والحضور اقتصر على رؤساء تحرير الصحف اليومية" و ذكرت الصحيفة اسم المسؤول المعني ، وحيث لم يرد ما يشير إلى صحة الخبر خاصة أن شاهد النيابة مدير الدائرة القانونية في دائرة المطبوعات قد قدم فاتورة المطعم التي تشير بأن التكلفة كانت 450 دينار فقط . لهذا وحيث لم ترد أية بينات تثبت صحة الخبر فيكون عمل كل من الكاتب ورئيس التحرير يشكل مخالفة للمادتين 5، 7 من قانون المطبوعات " .
وقد يشكل الخبر غير الصحيح جرماً أخر ، فان كانت العبارات الواردة فيه تنال من الشرف والكرامة انقلب لجرم الذم أو القدح أو شكل الفعل الواحد وصفين جرميين وهذا ما قضت به محكمة بداية جزاء عمان حيث اعتبرت أن الفعل الواحد قد شكل جرم عدم احترام الحقيقة إضافة إلى جرم الذم حيث جاء فيه :
" إذا قامت الصحيفة الأسبوعية بنشر تحقيقات حول انتشار الديدان في أرز ... وكانت هذه التحقيقات مخالفة للحقيقة وتتنافى ومهنة الصحافة وتضمنت هذه التحقيقات إساءة لسمعة الشركة المشتكية فأن فعل الكاتب يشكل جرم الذم وجرم عدم احترام الحقيقة " .
وفي حكم أخر أيدته محكمة الاستئناف قضي بأنه اذ لم تنل عبارات المقال من الشرف والكرامة فأنها لا تشكل جرم الذم والقدح وإنما تشكل جرم عدم احترام الحقيقة فقط حيث جاء فيه:
" إذا قامت الصحيفة بنشر مقال تحت عنوان (العثور على محل للنوفوتيه يملكه تنظيم القاعدة في الرصيفة... أجهزة الأمن اعتقلت (.....) وعثرت على قنابل ومسدسات في منزل (....) المتهم بقتل (....) ولم يثبت صحة الخبر، وحيث لم يتضمن الخبر الصحفي إسناد مادة تنال من الشرف والكرامة و إنما تضمن وقائع لم يتم إثبات صحتها فان الفعل يشكل جرم نشر خبر مخالف للحقيقة خلافاً للمادة 5 من قانون المطبوعات " .
ولدى عرض الدعوى على محكمة الاستئناف قررت رد الاستئناف وتأييد القرار المستأنف حيث جاء في قرارها : " فان محكمتنا تقر محكمة الدرجة الأولى في النتيجة التي توصلت إليها من حيث عدم قيام أركان جرم الذم والقدح خلافاً لأحكام المادة 189 من قانون العقوبات حيث ان ما تم نشره لا ينال من شرف وكرامة المشتكي ويعد مجرد خبر جاء خلاف الواقع والحقيقة " .
وجاء في حكم آخر:
" أن نشر الصحيفة تحقيقاً بعنوان " مواد مسرطنة تدخل في صناعة الحمص ولحوم المشاوي ، وزارة الصحة ونقابة أصحاب المطاعم دعتا لعدم استخدامها والشبهات تدور حولها " في حين ان ما تضمنه التحقيق من معلومات كانت بان أحد المسؤولين في وزارة ... قام بنفي هذه المعلومات جملة وتفصيلا وقال أن وزارة .... لا تسمح باستخدام مثل هذه المواد كما تضمن المقال أقوالاً لشهود أكدوا ان الجهات الرقابية على المطاعم تجعل من الصعب استخدام مثل هذه المواد، وبناء على ذلك فان عنوان التحقيق جاء مخالفا للحقيقة بل ومخالفا للمعلومات الحقيقية التي وردت في ذلك التحقيق الصحفي ، وهذا يشكل عدم احترام للحقيقة ويتحقق به جرم مخالفة المادة 5 من قانون المطبوعات والنشر .
-أن نشر التحقيق بالعنوان السابق بشكل يلفت النظر إلى وجود مواد مسرطنة تدخل في صناعة المواد الغذائية خلافا للحقيقة وخلافا للمعلومات التي يتضمنها ذات التحقيق يجعل من التحقيق المنشور مفتقرا للتوازن والموضوعية في عرض المادة الصحفية ويشكل عدم توازن وموضوعية ويتحقق به جرم مخالفة أحكام المادة 7/ج من قانون المطبوعات والنشر ".
وجاء حكم مماثل:
" أن نشر عبارات تتعلق بملكية شركة ما لشخص محدد ( وزير ) وهو لا يمتلك هذه الشركة فعلا يعد مخالفة لاحكام المادة 5 من قانون المطبوعات والنشر لان مثل هذا الفعل يعد عدم احترام للحقيقة .
إذا تضمن المقال عبارات تشير إلى ان شخصا معينا ( الوزير ) هو صاحب الشركة التي أشرفت على إنشاء السد وإن الأردن لم يستفد من هذا المشروع شيء يشكل جرم القدح بالاعتداء على كرامة الغير أو شرفه أو اعتباره ولو في معرض الشك والاستفهام " .
على من يقع عبء إثبات صحة الخبر .
التساؤل الذي يثور هنا هل إن عبء إثبات صحة الخبر يقع على كاتب المقال او رئيس التحرير أم انه يتوجب على النيابة العامة أو المشتكي إثبات ان الخبر غير صحيح 0
ولقد اختلفت أحكام القضاء الأردني بداية الامر حول ذلك ، فمنها ما يجعل عبء إثبات صحة الخبر على الكاتب أو رئيس التحرير ومنها ما يشترط لقيام الجرم إثبات عدم صحة الخبر أو مخالفته للحقيقة ، الا انها استقرت فيما بعد على النحو الذي سنراه .
فقي حكم لمحكمة البداية أيدته محكمة الاستئناف اعتبرت فيه المحكمة ان عبء إثبات ان الخبر مخالف للحقيقة يقع على النيابة العامة او المشتكي حيث جاء في القرار ما يلي:
" وحيث أن بينة النيابة لاثبات الجرم قد اقتصرت على البينة الخطية وهي الصحيفة المنشور بها المقال ولم تقدم البينة على ما ورد في قرار الظن وهو النتيجة الجرمية المترتبة على نشر المقال بأن ما ورد في المقال أساء إلى رئيس الوزراء أو فريقه الوزاري وأن ما يترتب على تقديم النيابة للصحيفة دون إثبات تحقق الركن المادي وهو نشر المادة الصحفية بشكل مخالف للحقيقة وبشكل يخلو من النزاهة والموضوعية وتحقق النتيجة الجرمية وهو الإساءة لرئيس الوزراء وفريقه الوزاري هو انهيار الركن المادي للجريمة وفقاً للقواعد العامة إضافة إلى أن النيابة لم تثبت الركن المعنوي للجريمة " .
وقد أيدت محكمة الاستئناف ما ذهبت إليه محكمة البداية حيث قررت رد الاستئناف المقدم من مساعد النائب العام وتصديق القرار المستأنف حيث جاء فيه ما يلي:
" وفي ذلك نجد أن الركن المادي في هذه الدعوى لم يتحقق حيث أن نشر المقال في الجريدة دون قيام النيابة بإثبات أن نشر هذا المقال قد أساء إلى رئيس الوزراء كما أن النيابة لم تثبت ولم يرد في بيناتها أن نشر هذا المقال في الصحيفة فيه مخالفة للحقيقة وبشكل يخلو من النزاهة والموضوعية كما لم تثبت النيابة أيضاً تحقق الركن المعنوي وهو القصد الجرمي والإرادة الجرمية بقصد تحقيق النتيجة الجرمية وهي الإساءة إلى رئيس الوزراء وفريقه الوزاري وتأسيساً على ما تقدم قررت المحكمة رد الاستئناف وتصديق القرار المستأنف " .
وفي حكم أخر أيدته محكمة الاستئناف أيضا أكد ت محكمة البداية أن عبء الإثبات يقع على المشتكي أو النيابة العامة حيث قضت المحكمة بما يلي:
" وحيث لم ترد بينه تثبت أن المؤسسة المعنية في المقال وهي غير أردنية وممثلها الذي لا يحمل الجنسية الأردنية مصرح لهما بالعمل في الأردن أو أنهما حصلا على أي موافقات من الجهات الأردنية المختصة للعمل في الأردن أو على صلاحية إصدار أي شهادات عنها للطلاب الأردنيين وبالتالي فأنه لم يتم تقديم ما يثبت عدم صحة المعلومات المنشورة في المقال ولم يتم تقديم أية بينه تثبت أن المقال المذكور لم يحترم الحقيقة أو أنه مس بحريات الآخرين فأنه يكون من المتوجب إعلان براءة ألاظناء من الجرائم المسندة لهم " .
ولدى عرض الدعوى على محكمة الاستئناف قررت رد الاستئنافين المقدمين من المشتكي المدعي بالحق الشخصي وكذلك من مساعد النائب العام وقد تضمن القرار ما يلي:
" لم يرد ما يفيد بأن الجمعية مرخص لها العمل في الأردن ولم يقدم وكيل المشتكي ما يثبت ذلك . لذا وتأسيساً على ما تقدم نقرر رد الاستئنافيين وتأييد الحكم المستأنف" .
إلا إننا نجد ان محكمة التمييز الأردنية وهي أعلى محكمة نظامية ، قد سبق ان اعتبرت ان عبء إثبات صحة الخبر يقع على الكاتب ورئيس التحرير وليس على المشتكي أو النيابة العامة، ففي حكم سابق لمحكمة البداية أيدته محكمة التمييز الأردنية ومن قبلها محكمة الاستئناف قضت محكمة البداية بما يلي:
" إذا نشرت الصحيفة خبرا تحت عنوان " فتح ملف فساد الدائرة التجارية في ....." وتضمن الخبر العبارات التالية ( ديوان المحاسبة ضبط الشيكات في الصندوق والمدير متورط بتجاوزات العقود الاستراتيجية ) وكذلك (وأكدت ذات المصادر أن قرارا وشيكا من إدارة ..... سيكون جاهزا للإطاحة بمدير مديرية .... وذلك بعد ظهور تورطه بارتكاب تجاوزات إدارية ومالية) وتتمثل عملية التجاوزات من خلال الكتاب الخطي الذي حصلت عليه الصحيفة من مصادر موثوقة ، إلا أن الكاتب لم يقدم الكتاب الذي أشارا ليه الخبر مما يجعل الخبر غير صحيح ومخالف للمادتين 5 ، 7 مطبوعات " .
لدى عرض الدعوى على محكمة الاستئناف على اثر الطعن به من قبل مساعد النائب العام قررت محكمة استئناف عمان رد الاستئناف وتصديق القرار المذكور .
أما محكمة التمييز وعلى اثر الطعن به بأمر خطي من وزير العدل بناء على طلب من صدر الحكم ضده قررت رد التمييز وتأييد القرار المميز .
وجاء في حكم أخر اعتبرت محكمة البداية أن عبء الإثبات يقع على الكاتب حيث جاء فيه ما يلي :
" أما إذا تضمن المقال عبارات تشير بأن أحد المسؤولين يختبئ خلف مصالحه المادية وشركاته الخاصة التي نهبت الوطن وعبارات أخرى دون إثبات صحتها فيكون الكاتب لم يتناول الموضوع المطروح بموضوعية بشكل يخرج الموضوع عن النقد المباح وتشكل تلك العبارات جرم مخالفة الحقيقة وعدم التوازن والموضوعية في عرض المادة الصحفية " .
وجاء في قرار مماثل:
" وحيث ان الكاتب قد ادعى في أفادته الدفاعية بأن هذه المعلومات صحيحة إلا انه لم يتم تقديم البينات التي تثبت صحة هذه المعلومات وبذلك يكون من الثابت ارتكابه جرم مخالفة المادة 5 من قانون المطبوعات والنشر كذلك فان نشر العنوان المذكور والمعلومات التي تضمنها المقال وإيراد هذه المعلومات على أنها حقائق فان ذلك يجعل من نشر المقال المذكور مفتقرا للتوازن والموضوعية في عرض المادة الصحفية ويشكل عدم توازن وموضوعية في عر ض المادة الصحفية ويتحقق به جرم أحكام المادة 7/ج المذكورة " .
وأكد حكم قضائي أخر على ان عبء إثبات صحة الخبر يكون على المشتكى عليه (الكاتب) فقد قضت محكمة البداية ما يلي :
" في حال لم يتم تقديم بينات على صحة ما ورد في المقال يكون من الثابت ارتكاب الكاتب لجرم مخالفة أحكام المادة 5 من القانون ، وحيث لم يتم تقديم بينات تثبت ما ورد في المقال المنشور في الصحيفة من انه قد تم إلقاء القبض على شخص وتم إيداعه النظارة دون إبلاغه السبب فيكون قد ثبت جرم مخالفة المادة 5 من قانون المطبوعات والنشر " .
وفي حكم مماثل أخر صادر عن محكمة البداية أكد ت المحكمة صراحة بأن عبء الإثبات يقع على المطبوعة فقد جاء في هذا الحكم ما يلي:
"إذا نشرت الصحيفة الأسبوعية مقالاً تحت عنوان قضية تزوير في دائرة الأراضي دون بيان اسم الكاتب وان هذا المقال تضمن الإشارة إلى اسم المشتكي كأحد المشتركين في جرم التزوير في مستندات رسميه وأشار المقال بأن المشتكي حصل على سند تسجيل قطعة أرض باسمه وباعها لشخص أخر وأن المقال أشار في معرض الشك والاستفهام عن وصل رسم البيع وفيما إذا تم إعفاءه من الرسوم وحيث تبين من البيانات أن قطع الأراضي المشار إليها كانت مسجلة باسم أبن المشتكي وليس باسم المشتكي وأنه قام بدفع الرسوم عنها.
ولهذا وحيث الزم القانون المطبوعة تحري الدقة قبل نشر الخبر بحيث تقدم للقارئ ما يتفق والحقيقة ولذلك فقد ألقى عبء إثبات صحة ما ورد في الخبر على المطبوعة وبما أن الكاتب لم يقدم آيه معلومات تثبت دقة ما ورد في التحقيق فتكون الصحيفة قد نشرت خبراً مخالفاً للحقيقة " .
وفي حكم آخر أكدت محكمة البداية ما سبق الإشارة إليه حيث جاء في قرارها ما يلي:
" أن نشر مقال يحتوي على عبارات " أن الدائرة المالية في وزارة00000000 انتهت من إعداد كتيب عطاءات لشراء أسطول من السيارات لاستخدام أصحاب العطوفة المد راء والسعادة من رؤساء الأقسام وبأن تلك السيارات لن يستفيد منها سوى الوزير والأمناء العامين والمديرين في الوقت الذي يملكون به افخر السيارات " في حين ثبت في البينة المقدمة عدم صحة هذا الأمر ، فان هذا العمل يمثل عدم احترام للحقيقة وبناء عليه يشكل جرم مخالفة المادة 5 من قانون المطبوعات والنشر " .
وفي حكم مماثل أيضا أكدت محكمة البداية بأن عبء الإثبات يقع على المشتكى عليه كما اعتبرت ان ما ورد في المقال من ان المطبوعة ليس لديها وثائق تثبت صحة ما نشرته يجعل الفعل مخالفا للمادة 5 من قانون المطبوعات حيث جاء فيه :
" ... ان نشر تلك العبارات يشكل عدم احترام للحقيقة خاصة أن نفس المقال قد تضمن بأن هذه المعلومات لا تدعي الصحيفة صحتها أو عدم صحتها لعدم امتلاكها لوثائق تؤكدها أو تنفيها وبالتالي يكون الكاتب قد خالف المادة 5 من قانون المطبوعات بعدم احترام الحقيقة ، كما أن ما تضمنه المقال يشكل مخالفة للمادة 7/ج مطبوعات على أساس أن المقال لم يتمتع بالتوازن والموضوعية والنزاهة في عرض المادة الصحفية حيث نشرت الصحيفة ما اعتبرته فساداً ومخالفات رغم اعترافها بعدم تأكدها من صحة المعلومات ومع ذلك نشرتها كحقائق وكأمور واقعة فعلا " .
مما تقدم فإننا نستطيع القول بأن غالبية الأحكام القضائية إضافة إلى حكم صادر عن أعلى محكمة تعتبر ان عبء إثبات صحة الخبر يقع على المطبوعة أو الكاتب أو رئيس التحرير أو المشتكى عليه الأمر الذي يمكن اعتباره بمثابة مبدأ قد اصبح مستقرا0
.../...
يتبع ...
منقول للفائدة ...
.../...
تابع ...
4- المحكمة المختصة في جرائم المطبوعات والنشر
تختص محكمة البداية بالنظر في جرائم المطبوعات سواء تلك التي ترتكب خلافا لاحكام قانون المطبوعات والنشر أو خلافا لأي قانون أخر ذي علاقة هذا ما أكدته المادة 41/أ من قانون المطبوعات والنشر .
وعلى ضوء صراحة النص المذكور فأن محكمة البداية هي المحكمة المختصة بأي جريمة تقع بواسطة المطبوعات ، ومن استعراض أحكام القضاء الأردني فأننا نجد ان أغلب أحكام القضاء قد أكدت على صلاحية محكمة البداية للنظر في جميع جرائم المطبوعات بالنسبة للتنازع على الاختصاص بين المحاكم النظامية ، الا إنها لم تستقر بعد فيما يتعلق بجرائم المطبوعات الداخلة ضمن اختصاص محكمة أمن الدولة .
أ) تنازع الاختصاص ما بين محكمتي الصلح والبداية .
باستعراض أحكام محاكم الدرجة الأولى نجد أن هناك عدة أحكام ،غالبيتها صادرة عن محاكم الصلح ومؤيدة من محكمة الاستئناف استندت جميعها إلى العبارة التي أضيفت بموجب القانون رقم 24 لسنة 1993 والمتضمنة اختصاص محكمة البداية في جرائم المطبوعات التي ترتكب خلافا لاحكام قانون المطبوعات وأي قانون أخر ذي علاقة ، واعتبرت تلك الأحكام أن الاختصاص النوعي ينعقد لمحكمة البداية .
وقد ذهبت بعض الأحكام إلى حد تطبيق التعديل الجديد على قضايا قائمة قبل تعديل القانون ففي حكم لمحكمة صلح جزاء عمان أيدته محكمة الاستئناف جاء فيه:
" إذا كانت الدعوى الجزائية منظورة أمام محكمة الصلح وقت ظهور التعديل الجديد لقانون المطبوعات والنشر رقم 24 لسنة 2003 والذي نشر في الجريدة الرسمية في 16/4/2003 الذي تضمن تعديل اختصاص المحكمة بحيث أصبحت محكمة البداية هي المختصة بجرائم المطبوعات وحيث لم تصدر محكمة الصلح حكمها بعد فيترتب على محكمه الصلح أن ترفع يدها عن الدعوى وتحيلها على محكمة مختصة وقد استندت المحكمة في قرارها إلى قرار تمييز رقم 4/81 و306/97 ، وبالنتيجة اعتبرت المحكمة ان الاختصاص النوعي من النظام العام وتقضي به المحكمة من تلقاء نفسها لهذا قررت عدم اختصاصها للنظر بالدعوى وأحالتها لمدعي عام عمان لاحالتها لمحكمة البداية " 0
ولدى عرض الدعوى على محكمة الاستئناف على اثر الطعن به من قبل مساعد النائب العام قررت محكمة الاستئناف رد الاستئناف وتأييد القرار المستأنف 0
وقد تكرر هذا المبدأ في قرار أخر لمحكمة الصلح اعتبرت فيه : " إن صدور تعديل على قانون العقوبات يقضي بتعديل الاختصاص ويجعل محكمة البداية هي المختصة بنظر دعاوى المطبوعات يسري على الدعوى المنظورة أمام محكمة الصلح في ظل القانون القديم مما يجعلها غير مختصة وينبغي إحالة الدعوى إلى المدعي العام لاحالتها لمحكمة البداية " .
ولدى عرض هذه الدعوى أيضا على محكمة الاستئناف على اثر الطعن بالحكم من قبل مساعد النائب العام قررت رد الاستئناف وتصديق القرار المستأنف و إعادة الأوراق لمصدرها، وقد جاء بقرار الاستئناف ما يلي :
" بالرجوع لنص المادة 41/1 من قانون المطبوعات والنشر رقم 8 لسنة 1998 والساري النفاذ من تاريخ 1/9/98 نجد أنها تنص ( تختص محكمة البداية بالنظر في جرائم المطبوعات التي ترتكب خلافا لاحكام هذا القانون ) وذلك قبل نفاذ التعديلات بموجب القانون رقم 24 لسنة 2003 والتي عدلت النص المذكور بإضافة ( وأي قانون آخر ذي علاقة ) مما يفيد أن الاختصاص النوعي بنظر جرائم المطبوعات ينعقد لمحكمة البداية بموجب قانون المطبوعات والنشر رقم 8 لسنة 98 وحيث أن الأفعال المنسوبة للمستأنف ضدهم وعلى فرض ثبوتها وبالنظر للوسيلة التي تمت بها تندرج ضمن جرائم المطبوعات فأن الاختصاص بنظر الدعوى يكون وبهذه الحالة منعقدا لمحكمة البداية " 0
وفي عام 2003 حصل هناك تنازع سلبي على الاختصاص بين محكمة الصلح والمدعي العام باعتباره مختصا بإحالة الدعوى لمحكمة البداية نتج عنه عرض الدعوى على محكمة الاستئناف لتعيين المرجع المختص ، فقد اعتبرت محكمة الصلح أنها غير مختصة للنظر في الدعوى و إحالتها للمدعي العام حيث جاء في قرارها:
" إن جرم القدح والذم والتحقير بواسطة المطبوعات يخرج عن اختصاص محاكم الصلح ويدخل ضمن اختصاص محاكم البداية عملا بالمادة 41 من قانون المطبوعات " .
ولكن ولدى عرض الدعوى على مدعي عام عمان قرر عدم اختصاصه أيضا للنظر في الدعوى واعتبر أن الدعوى من اختصاص محكمة الصلح 0
هذا الأمر الذي أدى إلى قيام النائب العام بتقديم طلب إلى محكمة الاستئناف طالبا منها تعيين المرجع المختص لصدور قرارين متناقضين أوقفا سير العدالة .
لدى عرض الدعوى على محكمة الاستئناف الجهة المختصة قررت اعتبار مدعي عام عمان هو المختص بتلك الجرائم بالاستناد إلى أحكام المادة 41 من قانون المطبوعات والنشر على اعتبار أن محكمة البداية هي المختصة للنظر في الدعوى وليس محكمة الصلح 0
لكن لابد من الإشارة بان هناك قراراً صادراً عن محكمة التمييز الأردنية قبل تعديل قانون المطبوعات لعام 2003 تضمن " بان الاختصاص في جرائم الذم والقدح بواسطة الجرائد والصحف اليومية لا ينعقد لمحكمة البداية و إنما لمحكمة الصلح ، حيث تضمن القرار بان الأفعال المعزوة للمشتكي عليها على فرض ثبوتها تشكل جرم الذم والقدح بواسطة الجرائد والصحف اليومية بالمعنى المقصود في المادتين 188و189/4 من قانون العقوبات فكان على محكمة البداية أن تقرر عدم اختصاصها و إحالة الأوراق إلى الجهة المختصة " 0
وقد استندت المحكمة في قرارها إلى المادة 41 مطبوعات حيث أشارت المحكمة بان تلك المادة تنص على أن محكمة البداية هي المختصة بالنظر في جرائم المطبوعات خلافا لاحكام هذا القانون و الإجراءات الواجب اتباعها إلا أن من الملاحظ بان قرار محكمة التمييز أشار إلي المادة 41 مطبوعات قبل تعديلها عام 2003 كما هو واضح من القرار حيث كانت تلك المادة وبموجب قانون المطبوعات والنشر رقم 8 لسنة 98 الساري النفاذ من 1/9/1998 تنص على ( تختص محكمة البداية بالنظر في جرائم المطبوعات التي ترتكب خلافا لاحكام هذا القانون) وذلك قبل نفاذ التعديلات إلا انه وبتاريخ 16/4/2003 طرأ تعديل جديد على القانون بموجب القانون رقم 24 لسنة 2003حيث تضمن إضافة عبارة (و إي قانون أخر ذي علاقة ) إلى المادة 41 من قانون المطبوعات مما يفيد أن الاختصاص النوعي للنظر في جرائم المطبوعات ينعقد لمحكمة البداية بموجب قانون المطبوعات والنشر رقم 8 لسنة 1988سواء المرتكبة خلافا لقانون العقوبات أو خلافا لأي قانون أخر ذي علاقة، وهذا ما ذهبت إليه محكمتي الصلح والاستئناف في عدة قرارات سابقه ولاحقه للقرار المذكور .
وكاد الأمر أن يستقر تماما في التنازع بين محكمتا الصلح والبداية على الاختصاص بعد تلك الأحكام التي سبق الإشارة إليها و أحكام أخرى مماثلة عديدة أكدت جميعها على أن الاختصاص النوعي ينعقد لمحكمة البداية، إلا أن محكمة صلح عمان وفي عام 2006 نظرت في قضيتين أحيلتا إليها من مدعي عام عمان تتضمن إسناد جرم إهانة الشعور الديني خلافا للمادة 278/1 من قانون العقوبات ارتكبت بواسطة الصحف وقد أصدرت قرارها
في الدعوى على أساس إنها مختصة كون الجرم يستند إلى قانون العقوبات ، حيث قررت إدانة المشتكى عليه بالجرم المسند له الا ان محكمة الاستئناف قررت فسخ قرار محكمة الصلح على أساس ان الاختصاص ينعقد لمحكمة البداية وفق أحكام المادة 40/أ من قانون المطبوعات 0
ولكن على الرغم من ذلك فإننا وعلى ضوء الأحكام التي سبق استعراضها وصراحة المادة 41 من قانون المطبوعات والنشر، نستطيع القول بأن لا اختصاص لمحكمة الصلح في جرائم المطبوعات وان الاختصاص ينعقد لمحكمة البداية فقط 0
ب) تنازع الاختصاص بين محكمة البداية ومحكمة أمن الدولة 0
إن كان التنازع على الاختصاص بين محكمتي الصلح والبداية يمكن اعتباره قد حسم بان محكمة البداية هي المختصة إلا أن هناك تنازعاً بين محكمتي البداية وأمن الدولة على الاختصاص، إذ ان هناك جرائم كانت في الأصل من اختصاص المحاكم النظامية ، إلا أنها أصبحت من اختصاص محكمة أمن الدولة بموجب قانونها الخاص كجرم إطالة اللسان خلافا للمادة 195 من قانون العقوبات أو الجرائم المخالفة لقانون حماية أسرار ووثائق الدولة ، وجرائم الاعتداء على أمن الدولة الداخلي والخارجي .
لكن حين ترتكب هذه الجرائم بواسطة المطبوعات هل يعاد الاختصاص لمحكمة البداية سندا للمادة 41 من قانون المطبوعات التي اعتبرت محكمة البداية هي المختصة بجرائم المطبوعات سواء الواردة في قانون المطبوعات او أي قانون أخر ذي علاقة أم يبقى الاختصاص لمحكمة أمن الدولة ؟
في الحقيقة إننا نرى أن قانون المطبوعات والنشر هو قانون خاص بجرائم المطبوعات صدر عام 1998 وطرأ عليه تعديل عام 2003 ، أما قانون محكمة أمن الدولة فهو قانون خاص بجرائم معينة محددة بموجب قانون محكمة أمن الدولة الصادر عام 1959 والذي طرأ عليه عدة تعديلات لاحقة ايضا0
ومن المقرر انه في حالة تعارض القانون العام مع القانون الخاص ، وكان القانون العام قد صدر قبل القانون الخاص فيعتبر الخاص استثناء من العام ومقيدا له ،وإذا صدر القانون العام بعد الخاص فهو معدل له 0
وبناء عليه فان قانون المطبوعات والنشر هو قانون خاص بجرائم المطبوعات صدر بعد قانون أمن الدولة فيكون هو القانون الواجب التطبيق ، حتى لو جرى اعتباره قانوناً عاماً بالنسبة لقانون أمن الدولة فانه أيضا يكون هو القانون الواجب التطبيق كونه قد صدر بعد قانون أمن الدولة ، وبناء عليه فان جرائم المطبوعات تكون من اختصاص محكمة البداية سواء تلك الجرائم المخالفة لقانون المطبوعات والنشر أو لأي قانون أخر وفقا لصراحة المادة 41 من قانون المطبوعات والنشر.
أما اجتهاد المحاكم العليا فلم نعثر على أي قرار يناقش صراحة أحكام المادة 41 من قانون المطبوعات وبالأخص العبارة التي أضيفت للمادة المذكورة عام 2003 ليحسم أمر هذا التنازع في الاختصاص ، لكن في الوقت نفسه فان اجتهادات القضاء السابقة لتعديل قانون المطبوعات والنشر عام 2003، لم تعطي الاختصاص لمحكمة البداية في الجرائم المنصوص عليها ضمن اختصاص محكمة أمن الدولة والمرتكبة بواسطة المطبوعات .
فقد جاء في حكم لمحكمة التمييز الأردنية: "المحاكم النظامية لا تستطيع النظر بأي جريمة داخله في اختصاص محكمة أمن الدولة بموجب قانونها الخاص" .
الا ان القرار المذكور لم يكن يتعلق بجرم من جرائم المطبوعات ولم يناقش أحكام المادة 41 من قانون المطبوعات الأمر الذي لا يمكن معه اعتبار هذا الاجتهاد حاسماً لموضوع اختصاص محكمة أمن الدولة في جرائم المطبوعات التي ترتكب خلافا للجرائم المشمولة في قانونها.
لكن هناك حكم أخر لمحكمة التمييز الأردنية صادر عام 1996في قضية تتعلق بجرم إطالة اللسان بواسطة المطبوعات لم يعطي الحق لمحكمة البداية للنظر في الجرائم المشمولة بقانون محكمة أمن الدولة والمرتكبة بواسطة المطبوعات حيث قضت المحكمة بما يلي :
" حظرت المادة (40/ا/1) من قانون المطبوعات والنشر نشر أية أخبار تمس جلالة الملك والأسرة المالكة وأناطت المادة (46/ا) بمحاكم البداية النظر بهذا الجرم ولا يخرج ذلك جرم إطالة اللسان عن اختصاص محكمة أمن الدولة إذ ان لكل جرم عناصره وأركانه وعقوبته المختلفة عن الأخرى " .
أيضا لايمكن اعتبار ان هذا القرار يحسم موضوع التنازع باعتباره صادراً قبل تعديل قانون المطبوعات عام 2003
لكن في تطور جديد في عام 2004 قضت محكمة التمييز الأردنية بأن الجرائم المنصوص عليها في المادة 150 عقوبات تدخل ضمن اختصاص المحاكم النظامية حيث جاء في قرارها ما يلي:
ان الاختصاص أصلا في الجرائم ينعقد للمحاكم النظامية إلا ما ينتزع منه لمحكمة خاصة بموجب قانون خاص وحيث ان الأفعال المسندة للمشتكي عليهم وهي مخالفة أحكام المادة 150 عقوبات لا تندرج ضمن اختصاص محكمة أمن الدولة فهي تبقى ضمن اختصاص المحاكم النظامية .
وقد صدر القرار المذكور على اثر صدور قرار من مدعي عام عمان يقضي بعدم اختصاصه في الجرم المتعلق بالإساءة إلى كرامة الأفراد وسمعتهم وحريتهم الشخصية ونشر معلومات وإشاعات كاذبة خلافا لاحكام المادة 150 من قانون العقوبات ومتابعة النظر في باقي الجرائم الأخرى الداخلة ضمن اختصاصه إلا ان مدعي عام محكمة أمن الدولة اصدر قرارا أيضا يقضي بعدم اختصاصه بمباشرة دعوى الحق العام الأمر الذي أدى إلى قيام مساعد النائب العام في محكمة أمن الدولة بتقديم طلب إلى محكمة التمييز لتعيين المرجع المختص فأصدرت محكمة التمييز قرارها هذا واعتبرت ان واقعة الشكوى حصلت في 19/2/2002 وان المادة الثانية من قانون محكمة أمن الدولة المؤقت نافذ المفعول في 28/8/2001 وبأن تلك المادة حلت محل المادة الثالثة من القانون الأصلي ولم تتضمن ان تلك الجرائم تدخل ضمن اختصاص محكمة أمن الدولة وقررت المحكمة تعيين مدعي عام عمان مرجعا مختصا للنظر في تلك الدعوى .
ومما تقدم يتضح من القرار المذكور أن الاختصاص في جرائم المطبوعات ينعقد لمحكمة البداية حتى لو كان من الجرائم المنصوص عليها في قانون محكمة أمن الدولة ذلك ان المادة 150 عقوبات وردت تحت باب الجرائم التي تقع على أمن الدولة الداخلي والخارجي التي تدخل ضمن قانون محكمة أمن الدولة ، الا ان محكمة التمييز اعتبرتها من اختصاص محكمة البداية ، وهذا ما يتفق و أحكام المادة 41 مطبوعات، وقد جاء فيها
"يستفاد من المادة (3) من قانون محكمة أمن الدولة رقم 17 لسنة 1959 وتعديلاته أن أي فعل من شأنه النيل من الوحدة الوطنية أو يعكر الصفاء بين الأمة ومن شأنه تشجيع الإرهاب وإثارة النعرات والحض على النزاع بين عناصر الأمة يعتبر من الجرائم الواقعة على أمن الدولة الداخلي وفق المفهوم الوارد في الجرائم التي تقع على أمن الدولة الداخلي ولهذا فإن جرم مخالفة المادة (150) عقوبات تدخل ضمن اختصاص محكمة أمن الدولة" .
لكن في عام 2006 عادت محكمة التمييز واعتبرت أن المادة (150) من قانون العقوبات تدخل ضمن اختصاص محكمة أمن الدولة.
إلا أن من الملاحظ أن القرار المذكور لم يكن يتعلق بنشر أو خطابة تمت بواسطة المطبوعات، وإنما تتعلق بخطابة تمت من خلال وسائل الإعلام المرئي التي لا تشملها أحكام قانون المطبوعات والنشر.
مما تقدم لا نجد من خلال الاجتهادات القضائية المتوفرة ما يعطي محكمة أمن الدولة الاختصاص بنظر الجرائم التي ترتكب بواسطة المطبوعات بما فيها تلك المنصوص عليها في قانون محكمة أمن الدولة ، الأمر الذي يمكن القول ان الاختصاص ينعقد لمحكمة البداية تفعيلا لنص المادة 41 التي اعتبرت محكم البداية مختصة بجرائم المطبوعات المرتكبة خلافا لقانون المطبوعات والنشر أو لأي قانون ذي علاقة0
5- مسؤولية رئيس تحرير المطبوعة .
لا يتصور قانونا أن يُسأل شخص عن فعل ما لم يكن قد اقدم عليه عن وعي و إرادة وهذا ما أكدته المادة 74 من قانون العقوبات والتي نصت على ان لا يحكم على أحد بعقوبة ما لم يكن قد اقدم على الفعل عن وعي و إرادة.
وقد اعتبرت المادة 75 من قانون العقوبات بان فاعل الجريمة هو من ابرز إلى حيز الوجود العناصر التي تؤلف الجريمة أو ساهم مباشرة في تنفيذها .
والفعل باعتباره أحد عناصر الركن المادي ذو مدلول متسع إذ يشمل السلوك الإيجابي الذي يفترض حركة عضو في جسم المجرم ويتسع للامتناع باعتباره صورة للسلوك الإنساني وهو السلوك السلبي .
والفعل هو عنصر في الركن المادي للجريمة مقصودة كانت أو غير مقصودة ، لهذا فان كل واقعة تنتفي عنها صفة الفعل لا يتصور أن تكون محلا للتجريم وينبغي أن يوصف الفعل بأنه غير مشروع ومن اجل ارتكابه يقرر القانون العقاب.
أ- مسؤولية رئيس التحرير وفق أحكام قانون المطبوعات والنشر:
خرج قانون المطبوعات والنشر عن القاعدة المنصوص عليها في المادة (74) من قانون العقوبات و اعتبر أن مسؤولية رئيس تحرير الصحيفة أو المطبوعة الدورية مفترضة حيث نصت الفقرة د من المادة 41 من قانون المطبوعات بان تقام دعوى الحق العام في جرائم المطبوعات الدورية على رئيس التحرير المسؤول وكاتب المادة الصحفية كفاعلين أصليين .
وفي الحقيقة ينبغي إعادة النظر في تلك الفقرة من قانون المطبوعات إذ أن من المبادئ الأساسية في التشريع الجزائي، أن المسؤولية شخصية بمعنى لا يسأل جزائياً إلا الشخص الذي ارتكب الجريمة إضافة إلى أنها مخالفة للدستور إذ أن تحديد الأفعال التي تعد جرائم و بيان أركانها وتحديد العقوبات المقررة لها سواء من حيث نوعها أو مقدارها هي أمور من اختصاص السلطة التشريعية ، بينما تطبيق القانون وإيقاع العقوبة وتحديد مسؤولية المشتكى عليه أو المتهم هي أمور من اختصاص القضاء، لهذا فان تحديد ما إذا كان رئيس تحرير الصحيفة فاعلا اصليا أو شريكا أو متدخلا أو غير مسؤول هو أمر من اختصاص السلطة القضائية وليس من اختصاص السلطة التشريعية .
ولا نقصد من ذلك إخلاء مسؤولية رئيس التحرير عن الجرائم التي يثبت اشتراكه أو تدخله فيها أو مساهمته بشكل مباشر في تنفيذها ولكن ما نقصده هو ترك الأمر للقضاء ليقول كلمته ويحدد من هو المسؤول ومن هو الفاعل الأصلي ومن هو الشريك أو المتدخل إذ أن استقصاء الجرائم وتعقب مرتكبيها ومباشرة التحقيق توصلا إلى معرفة الفاعل هي أمور من اختصاص المدعي العام .
إلا أن القضاء الأردني لازال يطبق نص المادة 41 من قانون المطبوعات بالشكل الوارد به الذي يخالف القاعدة العامة التي تعتبر فاعل الجريمة هو من ابرز إلى حيز الوجود جميع عناصر الجرم أو ساهم مباشرة في تنفيذه، باستثناء حكم قضائي واحد صدر عن محكمة بداية جزاء عمان عام 2002- لم تأخذ به الهيئة الاستئنافية التي عرض عليها - اعتبر أن المسؤولية المفترضة لرئيس التحرير باعتباره فاعلا اصليا تخالف القواعد العامة المقررة بموجب القوانين الجزائية النافذة المفعول والتي أشارت إليها المادة 103 من الدستور الأردني الأمر الذي يجعل تلك الفقرة مخالفة للدستور .
وفي حكم لمحكمة التمييز عام 2004 اعتبرت فيه أن المادة 41/ب من قانون المطبوعات قبل تعديلها التي تتحدث عن فاعل الجريمة هي الواجبة التطبيق باعتباره القانون الخاص لا المادتين 74 و 75 من قانون العقوبات وهو القانون العام .
ب- مسؤولية رئيس التحرير وفق أحكام القضاء.
من خلال استعراض الأحكام القضائية نجد ان القضاء الأردني وبالرغم من أنه لا يتعرض للبحث في دستورية المادة 41 من قانون المطبوعات إلا أنه اخذ ضمنيا بمبدأ وجوب توفر كافة أركان الجرم بما فيها الركن المادي المتمثل بإثبات دور رئيس تحرير الصحيفة في الجرم المسند له ولم تصدر المحاكم أحكام بإدانة رئيس التحرير على أساس ان المسؤولية مفترضة .
فقد تضمن الحكم الصادر عن محكمة البداية ما يلي :
" أن القانون قد يتطلب لقيام مسؤولية رئيس التحرير ركنين ماديا ومعنويا أي القصد الجنائي الذي يتمثل بتعمد المسؤول بالإخلال بالرقابة التي فرضها القانون عليه " .
وفي حكم آخر لمحكمة البداية أيدته محكمة الاستئناف جاء فيه:
" ان صدور آخر قرار عن محكمة العدل العليا يقضي بإلغاء قرار مجلس نقابة الصحفيين برفض طلب الانتساب لنقابة الصحفيين ،وبأنه كان على المجلس ان يقبل طلب تسجيله فيكون المذكور لم يخالف أحكام المواد 18 من قانون نقابة الصحفيين ولا المادة 10 مطبوعات " .
ولدى عرض الدعوى على محكمة الاستئناف قررت رد الاستئناف وتصديق القرار المستأنف من حيث النتيجة حيث تضمن قرارها ما يلي :
" وحيث كان يتوجب على النقابة إصدار قرارها خلال 30 يوما من تاريخ تقديم طلب الانتساب و إذا لم يصدر هذا القرار اعتبر مقبولا حكما عضوا في النقابة من تاريخ 8/12/1998 بحكم القانون وعلى ضوء ذلك فأن رئيس التحرير لا يكون قد خالف القانون حين مارس العمل الصحفي وهو غير مسجل في النقابة " 0
وفي حكم آخر " قضت محكمة البداية بأن رئيس التحرير لا يستطيع الإشراف على ما ينشر وما يكتب إلا بعد صدور قرار بالموافقة وتبليغ طالب الرخصة قرار اعتماده للقيام بمهامه ولو قلنا بغير ذلك لا يتفق والحكمة من النص على وجوب تبليغ طالب الرخصة الموافقة أو الرفض على الترخيص واعتماد رئيس التحرير ، فإذا كانت كافة الأعداد من الصحيفة قد صدرت قبل تاريخ اعتماد الظنين رئيسا للتحرير فأن هذا الأمر ينبني عليه بأن المذكور لم يقترف الأفعال المنسوبة إليه مما يقتضي إعلان براءته عن الجرم المسند له " 0
وفي حكم أخر أيضاً أيدته محكمة الاستئناف برأت محكمة البداية رئيس تحرير إحدى الصحف حين ثبت لها انه وبتاريخ نشر المقال لم يكن رئيس تحرير للصحيفة فقد جاء في القرار:
" ولم يثبت للمحكمة ان هناك رئيس تحرير للصحيفة بتاريخ نشر المقال فيكون مالك المطبوعة مسؤولا عما نشر بالصحيفة ، إلا ان المحكمة تجد آن مالكة المطبوعة قد تم اختصامها من الناحية المدنية ولم يصدر قرار بالظن عليها من قبل المدعي العام وحيث لا يجوز للمحكمة ان تتدخل في معاقبة شخص على وقائع لم يشتمل عليها قرار الظن لأنها تكون قد فصلت في أمور لم تعرض عليها قانونا و أحلت نفسها محل النيابة وهو ما لا يجوز لانه يؤدي إلى حرمان المشتكى عليه من حق الدفاع وهذه القاعدة أصولية آمرة تتعلق بعينية الدعوى الجزائية " .
ولدى عرض الدعوى على محكمة الاستئناف قررت رد الاستئناف وتأييد القرار المستأنف .
وفي حكم أخر برأت محكمة البداية أيضا رئيس التحرير لعدم توفر ثبوت أركان الجريمة حيث جاء في القرار:
" أن القانون يلزم رئيس التحرير بمراقبة نشاط المحررين و الصحفيين بالجريدة وإنه بامتناعه عن الالتزام بهذا الواجب يكون قد ارتكب جريمة يعاقب عليها القانون إلا أن القانون قد يطلب لقيام مسؤولية رئيس التحرير ركنين ماديا و معنويا أي القصد الجنائي الذي يتمثل بتعمد المسؤول بالإخلال بالرقابة التي فرضها عليه القانون. وحيث لم يكن رئيس التحرير على علم بقيام (الكاتب) بكتابة و نشر المقال حيث قام رئيس التحرير و فور علمه بالمقال بنشر اعتذار و بنفس الصحيفة وبالعدد الذي تلاه مما شكل قناعة المحكمة بحسن نية (رئيس التحرير) وعدم تعمده الإخلال بواجب الرقابة على مطبوعته، أما الكاتب فلم يقدم أية بينة تنفي ما وجه له من اتهام " .
وقد تكرر المبدأ الذي سبق الإشارة إليه والذي يقضي بضرورة إثبات أركان الجرم لقيام مسؤولية رئيس التحرير في حكم أخر لمحكمة البداية جاء فيه:
" يشترط لقيام المسؤولية القانونية الجزائية لرئيس تحرير الصحفية و جود ركنين أساسيين الركن المادي والركن المعنوي المتمثل بصورة القصد الجنائي . إذا قام الكاتب بنشر مقال تحت عنوان (موظفو أثار 0000مهربو أثار الأردن و تاريخه) و بعد اطلاع رئيس التحرير على المقال قام بنشر اعتذار و تصحيح للخبر بالعدد التالي و في نفس الموقع و أيضا قيام المشتكين بإسقاط حقهم الشخصي بعد اعتذار الظنيين لهم يؤدي إلى الاعتداد بحسن نية رئيس التحرير و هذا ما يهدم ركن القصد الجنائي " .
6- تعدد الأوصاف الجرمية للفعل الواحد في جرائم المطبوعات
قد يشكل نشر مقال أو خبر صحفي عدة جرائم ، إذ قد يكون الخبر غير الصحيح مخالفا لقانون المطبوعات والنشر وفي الوقت نفسه يتضمن عبارات ذم وقدح فنكون أمام حالة اجتماع معنوي للجرائم ويقوم الاجتماع المعنوي على عنصرين وحدة الفعل وتعدد الأوصاف الجرمية. ويكفل العنصر الأول التمييز بينه وبين الاجتماع المادي للجرائم ، ذلك انه إذا تعددت الأفعال واجتمعت تبعا لذلك الجرائم الناشئة عن كل منها ، فذلك اجتماع مادي للجرائم 0 ويمثل العنصر الثاني جوهر الاجتماع المعنوي فأن انتفى التعدد في الأوصاف ، أي كان للفعل وصف جرمي واحد ، فمعنى ذلك انه تقوم جريمة واحدة.
وقد عالجت المادتان 57 ،58من قانون العقوبات موضوع اجتماع الجرائم المعنوي حيث نصت المادة 57 على انه إذا كان للفعل عدة أوصاف ذكرت جميعها في الحكم ، فعلى المحكمة أن تحكم بالعقوبة الأشد ، وإذا انطبق على الفعل وصف عام ووصف خاص اخذ بالوصف الخاص ، أما المادة 58 من قانون العقوبات فقد نصت على أن ( لا يلاحق الفعل الواحد إلا مرة واحدة ).وهذا ما قضت به محكمة البداية حيث جاء في قرارها ما يلي:
" يتوجب الأخذ بالوصف الخاص عند انطباق وصف عام ووصف خاص على الفعل الواحد عملاً بالمادة 57 من قانون العقوبات ، لذا تكون الأفعال المسندة للظنين وهي نشر خبر غير صحيح والامتناع عن نشر الرد الكامل على ذلك الخبر محكومة بالمادة 27 من قانون المطبوعات والنشر " .
وقد تكرر ذلك في حكم أخر لمحكمة البداية حين أوقفت ملاحقة المشتكى عليه لسبق ملاحقته عن نفس الفعل لدى محكمة أمن الدولة حيث جاء فيه:
" إذا كان للفعل الواحد عدة أوصاف فنكون أمام حالة اجتماع معنوي للجرائم ، فإذا قضت محكمة أمن الدولة بالوصف الأشد وهو جرم إطالة اللسان خلافاً للمادة 195 من قانون العقوبات فينبغي وقف ملاحقة الظنين أمام محكمة أخرى عن الوصف الأخر وهو جرم كتابة منشورات بقصد إثارة النعرات المذهبية والعنصرية خلافاً للمادة 150 من قانون العقوبات لان العبرة بالوصف الأشد ولعدم جواز ملاحقة الفعل الواحد إلا مرة واحدة عملاً بالمادة 58 من قانون العقوبات" .
وعلى خلاف الموقف السابق ذهبت بعض الأحكام إلى آن تعدد الأوصاف الجرمية هو من قبيل التعدد المادي الذي يجيز ملاحقة كل فعل على حدة .
فقد جاء في حكم لمحكمة التمييز الأردنية ما يلي:
" حظرت المادة (40/ا/1) من قانون المطبوعات والنشر نشر أية أخبار تمس جلالة الملك والأسرة المالكة وأناطت المادة (46/ا) بمحاكم البداية النظر بهذا الجرم ولا يخرج ذلك جرم إطالة اللسان عن اختصاص محكمة أمن الدولة إذ أن لكل جرم عناصره وأركانه وعقوبته المختلفة عن الأخرى " .
وفي عام 2006 أصدرت محكمة صلح جزاء عمان قرارا يقضي بإدانة المشتكى عليهم بجرم إهانة الشعور الديني بواسطة المطبوعات من خلال قيام النيابة العامة بتحريك دعوى الحق العام حول قيام الصحيفة بنشر رسومات مسيئة للرسول الأعظم ، ثم وعلى أثر ورود بلاغاً أخر من دائرة المطبوعات والنشر أعيد ملاحقة المشتكى عليهم عن ذات الفعل بوصف قانوني آخر لدى محكمة البداية ، وحيث أن الدعوى لا زالت منظورة أمام القضاء ولم يصدر حكم بشأنها فأننا نكتفي بهذه الإشارة .
7-جرائم المطبوعات المتعلقة بعمل القضاء .
باستعراض أحكام قانون المطبوعات والنشر وقانون العقوبات وقانون انتهاك حرمة المحاكم نجد ان تلك القوانين قد نصت على جرائم خاصة متعلقة بإجراءات التقاضي ، وهي جرائم نشر وقائع القضايا سواء أثناء مرحلة التحقيق او إجراءات المحاكمة ، وكذلك النشر الذي يهدف إلى التأثير على القضاة خلافا لقانون انتهاك حرمة المحاكم ، أما جرائم ذم وقدح المحاكم فسيتم استعراضها في باب الذم والقدح بواسطة المطبوعات.
أ) النشر خلال مراحل التحقيق .
حظرت المادة 38 من قانون المطبوعات والنشر نشر كل ما يتعلق بأي مرحلة من مراحل التحقيق حول أي قضية أو جريمة تقع في المملكة إلا إذا أجازت النيابة العامة ذلك، وحددت المادة 45/ج من القانون عقوبة مخالفة تلك المادة بغرامة لا تقل عن خمسمائة دينار ولا تزيد عن ألف دينار .
وقد تكرر النص على هذا الجرم في قانون العقوبات حيث نصت المادة 225 من قانون العقوبات على أن يعاقب بالغرامة من خمسة دنانير إلى خمسة وعشرين دينارا من ينشر وثيقة من وثائق التحقيق الجنائي أو الجنحي قبل تلاوتها في جلسة علنية.
كما نصت المادة 14 من قانون انتهاك حرمة المحاكم على ان كل من نشر إذاعات بشأن تحقيق جزائي قائم يعاقب بالحبس مدة لا تتجاوز ستة اشهر وبغرامة لا تزيد على خمسين دينارا أو بإحدى هاتين العقوبتين .
وفي حكم صادر عن محكمة البداية قررت المحكمة إدانة فعل نشر وقائع قضية أثناء مرحلة التحقيق و إلزام رئيس التحرير بقيمة الادعاء بالحق الشخصي المتمثل بالتعويض عن هذا الفعل حيث جاء في القرار ما يلي :
" إذا نشرت الصحيفة خبراً يتعلق بقضية تتعلق بالمدعي بالحق الشخصي وأسندت له أفعالا بالرغم أن الدعوى كانت لازالت في مرحلة التحقيق أمام المدعي العام، وفيما بعد صدر قرار يقضي ببراءة المدعى عليه بالجرم المذكور فتكون الصحيفة قد خالفت أحكام المادة 38 من قانون المطبوعات والنشر التي تمنع نشر وقائع قضية أثناء مرحلة التحقيق مما يتعين إدانتها بهذا الجرم وإلزامها بتعويض المدعي بالحق الشخصي عن الضرر الذي أصابه نتيجة ذلك" .
ب) النشر خلال مراحل المحاكمة .
الأصل في المحاكمات أن تكون علنية فمبدأ العلانية من المبادئ الرئيسية والجوهرية التي يترتب على مخالفتها البطلان وفيما يتعلق بنشر وقائع جلسات المحاكم فان الأصل الإباحة وهذا ما أجازته الفقرة د من المادة 38 مطبوعات التي أجازت للمطبوعة حق نشر جلسات المحاكم وتغطيتها ما لم تقرر المحكمة غير ذلك .
لكن ينبغي التنبيه بان تلك الإباحة ليست مطلقة ، إذ ان هناك شروطاًَ قانونية ينبغي توافرها أيضا من حيث صحة الخبر وطابعه الاجتماعي إضافة إلى توفر حسن النية عند نشر الخبر، وذلك كله في إطار احترام حرية الحياة الخاصة للآخرين0 وقد قضي بان نشر وقائع جلسات المحاكم وتغطيتها أمر مباح ما لم تقرر المحكمة غير ذلك ، حيث جاء في قرار لمحكمة البداية ما يلي:
" وحيث أن ما تم نشره هي إجراءات تمت في قضيه منظوره أمام المحكمة ولم يتم تقديم أي بينه تثبت أن المحكمة كانت قد أصدرت قراراً بحظر النشر ولا أية بينه تثبت أن الإجراءات في الدعوى تمت بصورة سرية وبالتالي فأن نشر الإجراءات التي تمت في الدعوى بما فيها الأسماء هو نشر مشروع بمفهوم المادة 198 عقوبات .، كما أن المادة 38/ب مطبوعات أعطت الحق بنشر جلسات المحاكم وتغطيتها ما لم تقرر المحكمة غير ذلك وبالتالي فأن نشر جلسات المحاكم وتغطيتها أمر مباح ما لم تقرر المحكمة غير ذلك" 0
وسند تلك الإباحة الصالح العام فهو يمكن الجمهور من مراقبة أعمال المحاكم، الأمر الذي يؤدي بدوره إلى الشعور بالطمأنينة، والاستقرار من حسن سير العدالة، كما تمكن العلانية المتهمين من تقديم وسائل دفاعهم على أكمل وجه وتمكن القضاة من إظهار احترامهم للقانون، وضمان حسن تطبيقه كما تساهم العلانية في تحقيق إحدى غايات العقاب وهي الردع العام، حيث يشهد الجمهور ما يلحق مرتكب الجريمة من جزاء .
كما قضي بأنه إذا لم يصدر قرار عن المحكمة يقضي بمنع نشر جلسات المحاكمة المتعلقة بالقضية فتكون أركان وشروط الجرم المسند للمشتكى عليه غير متوفرة على الرغم من صدور تعميم عن النائب العام أثناء مرحلة التحقيق يقضي بحظر نشر أي خبر يتعلق بالقضية مدار البحث .
كما قضي في قرار لمحكمة البداية أيدته محكمة الاستئناف بأنه حتى لو ثبت بان الخبر غير دقيق إلا انه لم يرد ما يثبت القصد بنشر الخبر بشكل مخالف للحقيقة فيكون الفعل لا يشكل جرماً، حيث جاء في القرار ما يلي:
" إذا نشرت الصحيفة ما يفيد بأن المحكمة استمعت إلى أقوال الشاهد..... وهو الناطق الإعلامي باسم وزارة..... وثبت للمحكمة أن ما ورد في الخبر حول صفة المشتكي ليس دقيقاً وبناء على ذلك قامت الصحيفة بنشر توضيح في ذات المكان وبنفس الخط ينفي صحة أن الشاهد المذكور هو ناطق إعلامي باسم الوزارة ولا تربطه فيها أي صلة رسمية ولم يرد ما يثبت القصد بنشر الخبر وبشكل مخالف للحقيقة ولم يثبت أن الهدف منه الإساءة للمشتكي فتكون الصحيفة قد قامت بما أوجبه عليها القانون " .
وقد أيدت محكمة الاستئناف ما توصلت إليه محكمة البداية وقررت رد الاستئناف وتأييد القرار المستأنف حيث تضمن القرار ما يلي:
" حيث من الثابت أن ما ورد بالصحيفة كان من قبيل تغطية لوقائع جرت في المحكمة فقط ولم تبدي الصحيفة رأيها فيما يجري بالمحكمة وحيث لم ترد بينة تبين سوء نية كاتبة المقال أو قصدها بالإساءة للمشتكي فأن هذه الأفعال لا تشكل جرما يعاقب عليه القانون " .
أما إذا كان النشر لا يتعلق بقضية قائمة وليس من شأنه ان يحدث تأثيراً غير مشروع في مجريات الدعوى فيكون الفعل لا يشكل مخالفة لاحكام المادة 11 من قانون انتهاك حرمة المحاكم وهذا ما قضت به محكمة البداية حيث جاء في قرارها :
" أما بالنسبة لمخالفة أحكام المادة 11 من قانون انتهاك حرمة المحاكم تجد المحكمة ان النشر لا يتعلق بقضية منظورة وانه ليس من شأنه إحداث التأثير المقصود بالمادة 11 ( وهو التأثير غير المشروع الذي يدعو إلى الانحراف عما يقتضيه الحق والواجب وما يمليه الضمير ويعمل بصفة عامة على سلوك ما لا يستقيم مع مقتضيات النزاهة التامة والحياد المطلق ) ، فان جرم مخالفة المادة 11 من قانون انتهاك حرمة المحاكم غير قائم، إلا ان المحكمة تجد ان ما تضمنه المقال من عبارات ومنها عبارات تتضمن إسناد مادة معينة للمدعي العام والقضاة تشكل جرم الذم الموجه للمحاكم بمفهوم المادة 191 من قانون العقوبات ،كما ان العبارات التي احتواها المقال تشكل طعنا بحق قاضي بقصد تعريض مجرى العدالة للشك والتحقير وفقا للمادة 15 من قانون انتهاك حرمة المحاكم"
8 - احترام الحقيقة والامتناع عن نشر ما يتعارض مع مبادئ الحرية والمسؤولية الوطنية وحقوق الإنسان وقيم الأمة العربية والإسلامية .
أوجبت المادة 5 من قانون المطبوعات والنشر رقم 8 لسنة 1998 وتعديلاته على المطبوعات احترام الحقيقة والامتناع عن نشر ما يتعارض مع مبادئ الحرية والمسؤولية الوطنية وحقوق الإنسان وقيم الأمة العربية والإسلامية . ومخالفة تلك المادة تشكل جرما بمقتضى المادة 46/ج التي اعتبرت كل مخالفة لاحكام قانون المطبوعات والنشر لم يرد نص على عقوبة عليها فيعاقب مرتكبها بغرامة لا تزيد على مائة دينار .
لهذا فانه يتوجب أن يكون الخبر الذي تنشره المطبوعة صحيحا والواقعة التي يتناولها الخبر صحيحة في ذاتها وفي نسبتها إلى من أسندت إليه إذ أن الخبر غير الصحيح لا يفيد المجتمع بشيء بل على العكس فأن مصلحة المجتمع تتضرر من نشر الأخبار غير الصحيحة.
وهذا النوع من جرائم المطبوعات والنشر هو الأكثر شيوعا في المحاكم إضافة إلى جرم مخالفة آداب مهنة الصحافة وأخلاقياتها ، وقد أرسى القضاء الأردني العديد من المبادئ بخصوص هذا النوع من الجرائم.
فقد قضت محكمة البداية بان نشر مقال بعنوان " فضيحة عطاء الكبار تهز وزارة .... ، يتعلق بخوادم الشبكات والخسائر بالملايين والجهات الرقابية وضعت يدها على القضية " ، وان المقال يتعلق بعطاء كمبيوترات لوزارة .... بما يتعلق بخوادم الشبكات وتضمن المقال أقوالا منسوبة لعدد من الأشخاص ذوي العلاقة تجد المحكمة أن مقالاً من هذا القبيل لا علاقة له بمبادئ المسؤولية الوطنية ولم تتضمن المادة المنشورة في هذا المقال ما يمكن اعتباره نشر مادة تتعارض مع مبادئ المسؤولية الوطنية بمفهوم المادة 5 من قانون المطبوعات والنشر" .
وفي حكم أخر لمحكمة البداية اعتبرت أن النشر دون التأكد من صحة المعلومات يشكل مخالفة للمادة 5 مطبوعات حيث جاء في القرار : "بان نشر الصحيفة مقال بعنوان " تأخير الفصل في الدعاوى القضائية يلحق الضرر بالأطراف ماديا ومعنويا " ، وقد تضمن المقال عبارات ووقائع غير صحيحة تمس القضاء ، وعليه وجدت المحكمة أن المقال قد توافر فيه صفة عدم احترامه للحقيقة المنصوص عليها في المادة 5 من قانون المطبوعات والنشر ويتمثل عدم احترام الحقيقة بنشر المقال بالعنوان السابق والعبارات السابقة دون التأكد من صحة المعلومات الواردة فيه ، وعليه يكون الكاتب قد ارتكب جرم مخالفة أحكام المادة 5 من القانون المطبوعات والنشر .
ويتوجب على الكاتب التحري عن صحة الخبر قبل نشره إذ لا يكفي ان يوثق ما يثبت مصدر الخبر بل يتوجب عليه التحقق من ان الخبر صحيح قبل نشره وقد قضت محكمة بداية عمان " بان نشر الصحيفة مقالاً بعنوان ( نص اتفاقية أمنية وسياسية بين الأردن وجبهة ..... ) دون التحري عن صحة ما ورد فيه من بنود اتفاقيات وغيره يعد من قبيل عدم احترام الحقيقة والالتزام بالموضوعية أي انه يعد مخالفة لاحكام المادة 5 من قانون المطبوعات والنشر ، كما اعتبرت المحكمة ان تضمين المقال عبارات مثل ( قيام حكومة ... بفك التحالف الأردني مع حركة... وإخراجهم من البلد لانهم ما زالوا يقاتلون العدو الصهيوني ........ ) يشكل مخالفة لاحكام المادة 7/ج كون المقال لم يتمتع بالتوازن والموضوعية والنزاهة في عرض المادة الصحفية " .
وقد يشكل الخبر مخالفة للمادة 5 من قانون المطبوعات إضافة لمخالفته آداب مهنة الصحافة وأخلاقياتها وهذا ما تكرر في العديد من الجرائم التي عرضت على القضاء الأردني .
فقد جاء في حكم لمحكمة البداية: " فإذا نشرت الصحيفة الأسبوعية مقالا بعنوان " فضائح بالجملة تلاحق .... أوردت فيه عبارات منها ( أسرار استقالة .... من الشركة ) و ( فضائح بالجملة تلاحق ... ) شركات توظيف العمالة تتكاثر وتنصب وتخالف دون حسيب أو رقيب ، طالب التوظيف هو الضحية وتجار الرقيق هم المستفيدون أعضاء مجالس الإدارة الحكوميين يستغلون مناصبهم للتستر على مخالفات الشركة ... آلاف المتقدمين يطالبون الشركة بإعادة أموالهم والبعض يهدد باللجوء للقضاء ، وان هذه الشركات تعمل بمخالفة نصوص القانون الصريح ..... ولم يثبت صحة الخبر فإن تلك العبارات تعتبر مخالفة لآداب مهنة الصحافة وأخلاقياتها كما تتضمن عدم الدقة والنزاهة في عرض المادة الصحفية إضافة لمخالفتها الحقيقة " .
ولا يشترط في الخبر غير الصحيح ان يرتب الضرر او يحتوي على عبارات غير لائقة اذ يكفي لقيام الجرم ان يكون الخبر غير صحيح حتى لو لم يترتب عليه أي نتيجة ، وقد جاء في قرار لمحكمة البداية في قضية تتضمن نشر خبر غير دقيق دون ان يشتمل على أي عبارات غير لائقة ما يلي :
"إذا نشرت الصحيفة الأسبوعية خبراً تحت عنوان "سر طعام الغذاء الذي أقامه .... لجريدة ......." كلف 2000 دينار والحضور اقتصر على رؤساء تحرير الصحف اليومية" و ذكرت الصحيفة اسم المسؤول المعني ، وحيث لم يرد ما يشير إلى صحة الخبر خاصة أن شاهد النيابة مدير الدائرة القانونية في دائرة المطبوعات قد قدم فاتورة المطعم التي تشير بأن التكلفة كانت 450 دينار فقط . لهذا وحيث لم ترد أية بينات تثبت صحة الخبر فيكون عمل كل من الكاتب ورئيس التحرير يشكل مخالفة للمادتين 5، 7 من قانون المطبوعات " .
وقد يشكل الخبر غير الصحيح جرماً أخر ، فان كانت العبارات الواردة فيه تنال من الشرف والكرامة انقلب لجرم الذم أو القدح أو شكل الفعل الواحد وصفين جرميين وهذا ما قضت به محكمة بداية جزاء عمان حيث اعتبرت أن الفعل الواحد قد شكل جرم عدم احترام الحقيقة إضافة إلى جرم الذم حيث جاء فيه :
" إذا قامت الصحيفة الأسبوعية بنشر تحقيقات حول انتشار الديدان في أرز ... وكانت هذه التحقيقات مخالفة للحقيقة وتتنافى ومهنة الصحافة وتضمنت هذه التحقيقات إساءة لسمعة الشركة المشتكية فأن فعل الكاتب يشكل جرم الذم وجرم عدم احترام الحقيقة " .
وفي حكم أخر أيدته محكمة الاستئناف قضي بأنه اذ لم تنل عبارات المقال من الشرف والكرامة فأنها لا تشكل جرم الذم والقدح وإنما تشكل جرم عدم احترام الحقيقة فقط حيث جاء فيه:
" إذا قامت الصحيفة بنشر مقال تحت عنوان (العثور على محل للنوفوتيه يملكه تنظيم القاعدة في الرصيفة... أجهزة الأمن اعتقلت (.....) وعثرت على قنابل ومسدسات في منزل (....) المتهم بقتل (....) ولم يثبت صحة الخبر، وحيث لم يتضمن الخبر الصحفي إسناد مادة تنال من الشرف والكرامة و إنما تضمن وقائع لم يتم إثبات صحتها فان الفعل يشكل جرم نشر خبر مخالف للحقيقة خلافاً للمادة 5 من قانون المطبوعات " .
ولدى عرض الدعوى على محكمة الاستئناف قررت رد الاستئناف وتأييد القرار المستأنف حيث جاء في قرارها : " فان محكمتنا تقر محكمة الدرجة الأولى في النتيجة التي توصلت إليها من حيث عدم قيام أركان جرم الذم والقدح خلافاً لأحكام المادة 189 من قانون العقوبات حيث ان ما تم نشره لا ينال من شرف وكرامة المشتكي ويعد مجرد خبر جاء خلاف الواقع والحقيقة " .
وجاء في حكم آخر:
" أن نشر الصحيفة تحقيقاً بعنوان " مواد مسرطنة تدخل في صناعة الحمص ولحوم المشاوي ، وزارة الصحة ونقابة أصحاب المطاعم دعتا لعدم استخدامها والشبهات تدور حولها " في حين ان ما تضمنه التحقيق من معلومات كانت بان أحد المسؤولين في وزارة ... قام بنفي هذه المعلومات جملة وتفصيلا وقال أن وزارة .... لا تسمح باستخدام مثل هذه المواد كما تضمن المقال أقوالاً لشهود أكدوا ان الجهات الرقابية على المطاعم تجعل من الصعب استخدام مثل هذه المواد، وبناء على ذلك فان عنوان التحقيق جاء مخالفا للحقيقة بل ومخالفا للمعلومات الحقيقية التي وردت في ذلك التحقيق الصحفي ، وهذا يشكل عدم احترام للحقيقة ويتحقق به جرم مخالفة المادة 5 من قانون المطبوعات والنشر .
-أن نشر التحقيق بالعنوان السابق بشكل يلفت النظر إلى وجود مواد مسرطنة تدخل في صناعة المواد الغذائية خلافا للحقيقة وخلافا للمعلومات التي يتضمنها ذات التحقيق يجعل من التحقيق المنشور مفتقرا للتوازن والموضوعية في عرض المادة الصحفية ويشكل عدم توازن وموضوعية ويتحقق به جرم مخالفة أحكام المادة 7/ج من قانون المطبوعات والنشر ".
وجاء حكم مماثل:
" أن نشر عبارات تتعلق بملكية شركة ما لشخص محدد ( وزير ) وهو لا يمتلك هذه الشركة فعلا يعد مخالفة لاحكام المادة 5 من قانون المطبوعات والنشر لان مثل هذا الفعل يعد عدم احترام للحقيقة .
إذا تضمن المقال عبارات تشير إلى ان شخصا معينا ( الوزير ) هو صاحب الشركة التي أشرفت على إنشاء السد وإن الأردن لم يستفد من هذا المشروع شيء يشكل جرم القدح بالاعتداء على كرامة الغير أو شرفه أو اعتباره ولو في معرض الشك والاستفهام " .
على من يقع عبء إثبات صحة الخبر .
التساؤل الذي يثور هنا هل إن عبء إثبات صحة الخبر يقع على كاتب المقال او رئيس التحرير أم انه يتوجب على النيابة العامة أو المشتكي إثبات ان الخبر غير صحيح 0
ولقد اختلفت أحكام القضاء الأردني بداية الامر حول ذلك ، فمنها ما يجعل عبء إثبات صحة الخبر على الكاتب أو رئيس التحرير ومنها ما يشترط لقيام الجرم إثبات عدم صحة الخبر أو مخالفته للحقيقة ، الا انها استقرت فيما بعد على النحو الذي سنراه .
فقي حكم لمحكمة البداية أيدته محكمة الاستئناف اعتبرت فيه المحكمة ان عبء إثبات ان الخبر مخالف للحقيقة يقع على النيابة العامة او المشتكي حيث جاء في القرار ما يلي:
" وحيث أن بينة النيابة لاثبات الجرم قد اقتصرت على البينة الخطية وهي الصحيفة المنشور بها المقال ولم تقدم البينة على ما ورد في قرار الظن وهو النتيجة الجرمية المترتبة على نشر المقال بأن ما ورد في المقال أساء إلى رئيس الوزراء أو فريقه الوزاري وأن ما يترتب على تقديم النيابة للصحيفة دون إثبات تحقق الركن المادي وهو نشر المادة الصحفية بشكل مخالف للحقيقة وبشكل يخلو من النزاهة والموضوعية وتحقق النتيجة الجرمية وهو الإساءة لرئيس الوزراء وفريقه الوزاري هو انهيار الركن المادي للجريمة وفقاً للقواعد العامة إضافة إلى أن النيابة لم تثبت الركن المعنوي للجريمة " .
وقد أيدت محكمة الاستئناف ما ذهبت إليه محكمة البداية حيث قررت رد الاستئناف المقدم من مساعد النائب العام وتصديق القرار المستأنف حيث جاء فيه ما يلي:
" وفي ذلك نجد أن الركن المادي في هذه الدعوى لم يتحقق حيث أن نشر المقال في الجريدة دون قيام النيابة بإثبات أن نشر هذا المقال قد أساء إلى رئيس الوزراء كما أن النيابة لم تثبت ولم يرد في بيناتها أن نشر هذا المقال في الصحيفة فيه مخالفة للحقيقة وبشكل يخلو من النزاهة والموضوعية كما لم تثبت النيابة أيضاً تحقق الركن المعنوي وهو القصد الجرمي والإرادة الجرمية بقصد تحقيق النتيجة الجرمية وهي الإساءة إلى رئيس الوزراء وفريقه الوزاري وتأسيساً على ما تقدم قررت المحكمة رد الاستئناف وتصديق القرار المستأنف " .
وفي حكم أخر أيدته محكمة الاستئناف أيضا أكد ت محكمة البداية أن عبء الإثبات يقع على المشتكي أو النيابة العامة حيث قضت المحكمة بما يلي:
" وحيث لم ترد بينه تثبت أن المؤسسة المعنية في المقال وهي غير أردنية وممثلها الذي لا يحمل الجنسية الأردنية مصرح لهما بالعمل في الأردن أو أنهما حصلا على أي موافقات من الجهات الأردنية المختصة للعمل في الأردن أو على صلاحية إصدار أي شهادات عنها للطلاب الأردنيين وبالتالي فأنه لم يتم تقديم ما يثبت عدم صحة المعلومات المنشورة في المقال ولم يتم تقديم أية بينه تثبت أن المقال المذكور لم يحترم الحقيقة أو أنه مس بحريات الآخرين فأنه يكون من المتوجب إعلان براءة ألاظناء من الجرائم المسندة لهم " .
ولدى عرض الدعوى على محكمة الاستئناف قررت رد الاستئنافين المقدمين من المشتكي المدعي بالحق الشخصي وكذلك من مساعد النائب العام وقد تضمن القرار ما يلي:
" لم يرد ما يفيد بأن الجمعية مرخص لها العمل في الأردن ولم يقدم وكيل المشتكي ما يثبت ذلك . لذا وتأسيساً على ما تقدم نقرر رد الاستئنافيين وتأييد الحكم المستأنف" .
إلا إننا نجد ان محكمة التمييز الأردنية وهي أعلى محكمة نظامية ، قد سبق ان اعتبرت ان عبء إثبات صحة الخبر يقع على الكاتب ورئيس التحرير وليس على المشتكي أو النيابة العامة، ففي حكم سابق لمحكمة البداية أيدته محكمة التمييز الأردنية ومن قبلها محكمة الاستئناف قضت محكمة البداية بما يلي:
" إذا نشرت الصحيفة خبرا تحت عنوان " فتح ملف فساد الدائرة التجارية في ....." وتضمن الخبر العبارات التالية ( ديوان المحاسبة ضبط الشيكات في الصندوق والمدير متورط بتجاوزات العقود الاستراتيجية ) وكذلك (وأكدت ذات المصادر أن قرارا وشيكا من إدارة ..... سيكون جاهزا للإطاحة بمدير مديرية .... وذلك بعد ظهور تورطه بارتكاب تجاوزات إدارية ومالية) وتتمثل عملية التجاوزات من خلال الكتاب الخطي الذي حصلت عليه الصحيفة من مصادر موثوقة ، إلا أن الكاتب لم يقدم الكتاب الذي أشارا ليه الخبر مما يجعل الخبر غير صحيح ومخالف للمادتين 5 ، 7 مطبوعات " .
لدى عرض الدعوى على محكمة الاستئناف على اثر الطعن به من قبل مساعد النائب العام قررت محكمة استئناف عمان رد الاستئناف وتصديق القرار المذكور .
أما محكمة التمييز وعلى اثر الطعن به بأمر خطي من وزير العدل بناء على طلب من صدر الحكم ضده قررت رد التمييز وتأييد القرار المميز .
وجاء في حكم أخر اعتبرت محكمة البداية أن عبء الإثبات يقع على الكاتب حيث جاء فيه ما يلي :
" أما إذا تضمن المقال عبارات تشير بأن أحد المسؤولين يختبئ خلف مصالحه المادية وشركاته الخاصة التي نهبت الوطن وعبارات أخرى دون إثبات صحتها فيكون الكاتب لم يتناول الموضوع المطروح بموضوعية بشكل يخرج الموضوع عن النقد المباح وتشكل تلك العبارات جرم مخالفة الحقيقة وعدم التوازن والموضوعية في عرض المادة الصحفية " .
وجاء في قرار مماثل:
" وحيث ان الكاتب قد ادعى في أفادته الدفاعية بأن هذه المعلومات صحيحة إلا انه لم يتم تقديم البينات التي تثبت صحة هذه المعلومات وبذلك يكون من الثابت ارتكابه جرم مخالفة المادة 5 من قانون المطبوعات والنشر كذلك فان نشر العنوان المذكور والمعلومات التي تضمنها المقال وإيراد هذه المعلومات على أنها حقائق فان ذلك يجعل من نشر المقال المذكور مفتقرا للتوازن والموضوعية في عرض المادة الصحفية ويشكل عدم توازن وموضوعية في عر ض المادة الصحفية ويتحقق به جرم أحكام المادة 7/ج المذكورة " .
وأكد حكم قضائي أخر على ان عبء إثبات صحة الخبر يكون على المشتكى عليه (الكاتب) فقد قضت محكمة البداية ما يلي :
" في حال لم يتم تقديم بينات على صحة ما ورد في المقال يكون من الثابت ارتكاب الكاتب لجرم مخالفة أحكام المادة 5 من القانون ، وحيث لم يتم تقديم بينات تثبت ما ورد في المقال المنشور في الصحيفة من انه قد تم إلقاء القبض على شخص وتم إيداعه النظارة دون إبلاغه السبب فيكون قد ثبت جرم مخالفة المادة 5 من قانون المطبوعات والنشر " .
وفي حكم مماثل أخر صادر عن محكمة البداية أكد ت المحكمة صراحة بأن عبء الإثبات يقع على المطبوعة فقد جاء في هذا الحكم ما يلي:
"إذا نشرت الصحيفة الأسبوعية مقالاً تحت عنوان قضية تزوير في دائرة الأراضي دون بيان اسم الكاتب وان هذا المقال تضمن الإشارة إلى اسم المشتكي كأحد المشتركين في جرم التزوير في مستندات رسميه وأشار المقال بأن المشتكي حصل على سند تسجيل قطعة أرض باسمه وباعها لشخص أخر وأن المقال أشار في معرض الشك والاستفهام عن وصل رسم البيع وفيما إذا تم إعفاءه من الرسوم وحيث تبين من البيانات أن قطع الأراضي المشار إليها كانت مسجلة باسم أبن المشتكي وليس باسم المشتكي وأنه قام بدفع الرسوم عنها.
ولهذا وحيث الزم القانون المطبوعة تحري الدقة قبل نشر الخبر بحيث تقدم للقارئ ما يتفق والحقيقة ولذلك فقد ألقى عبء إثبات صحة ما ورد في الخبر على المطبوعة وبما أن الكاتب لم يقدم آيه معلومات تثبت دقة ما ورد في التحقيق فتكون الصحيفة قد نشرت خبراً مخالفاً للحقيقة " .
وفي حكم آخر أكدت محكمة البداية ما سبق الإشارة إليه حيث جاء في قرارها ما يلي:
" أن نشر مقال يحتوي على عبارات " أن الدائرة المالية في وزارة00000000 انتهت من إعداد كتيب عطاءات لشراء أسطول من السيارات لاستخدام أصحاب العطوفة المد راء والسعادة من رؤساء الأقسام وبأن تلك السيارات لن يستفيد منها سوى الوزير والأمناء العامين والمديرين في الوقت الذي يملكون به افخر السيارات " في حين ثبت في البينة المقدمة عدم صحة هذا الأمر ، فان هذا العمل يمثل عدم احترام للحقيقة وبناء عليه يشكل جرم مخالفة المادة 5 من قانون المطبوعات والنشر " .
وفي حكم مماثل أيضا أكدت محكمة البداية بأن عبء الإثبات يقع على المشتكى عليه كما اعتبرت ان ما ورد في المقال من ان المطبوعة ليس لديها وثائق تثبت صحة ما نشرته يجعل الفعل مخالفا للمادة 5 من قانون المطبوعات حيث جاء فيه :
" ... ان نشر تلك العبارات يشكل عدم احترام للحقيقة خاصة أن نفس المقال قد تضمن بأن هذه المعلومات لا تدعي الصحيفة صحتها أو عدم صحتها لعدم امتلاكها لوثائق تؤكدها أو تنفيها وبالتالي يكون الكاتب قد خالف المادة 5 من قانون المطبوعات بعدم احترام الحقيقة ، كما أن ما تضمنه المقال يشكل مخالفة للمادة 7/ج مطبوعات على أساس أن المقال لم يتمتع بالتوازن والموضوعية والنزاهة في عرض المادة الصحفية حيث نشرت الصحيفة ما اعتبرته فساداً ومخالفات رغم اعترافها بعدم تأكدها من صحة المعلومات ومع ذلك نشرتها كحقائق وكأمور واقعة فعلا " .
مما تقدم فإننا نستطيع القول بأن غالبية الأحكام القضائية إضافة إلى حكم صادر عن أعلى محكمة تعتبر ان عبء إثبات صحة الخبر يقع على المطبوعة أو الكاتب أو رئيس التحرير أو المشتكى عليه الأمر الذي يمكن اعتباره بمثابة مبدأ قد اصبح مستقرا0
.../...
يتبع ...
منقول للفائدة ...
اسم الموضوع : دراسة ( الأحكام القضائية ، الصادرة عن المحاكم الأردنية في قضايا المطبوعات و المنشر)-2
|
المصدر : الملكية الفكرية