BOKALI
عضو نشيط
بقلم الدكتور :الهاشمي حمادوا
التدخل الإنساني : عرفت الحياة السياسية الدولية في بداية التسعينات يقظة الضمير الغربي الذي أبدى اهتماما كبيرا بخصوص القضاء على المآسي الإنسانية التي تخلفها بعض قضايا انتهاكات حقوق الإنسان في العديد من بؤر التو ثر في العالم . ونتيجة لهدا الاهتمام المتزايد الذي تحكمه اعتبارات سياسية وإستراتيجية أعطت الدول القوية لنفسها حق أو واجب التدخل في الشؤون الداخلية للدول تحت ذريعة تقديم المساعدة الإنسانية .
وفي خضم حالات تدخلات للدول القوية أثير نقاش قانوني حاد حول التدخل الإنساني ومعرفة من أين يستمد شرعيته القانونية ؟ وهل لجوء الدول القوية إلى التدخل في بعض القضايا الداخلية تتعلق بانتهاكات حقوق الإنسان الجسيمة تعد بمثابة ولادة قيصرية لمبدأ قانوني جديد في القانون الدولي ؟
سعت نظرية واجب التدخل الإنساني إلى تغيير مبادئ القانون الدولي ،كالسيادة وعدم التدخل فيما يعد سلطانا داخليا للدول ، وبذلك فالحدود الوطنية تقف كعقبة للتدخل من أجل واجب المساعدة الإنسانية، إلا أن تجربة الواقع الدولي أتبت أن التدخل الإنساني هو أداة تخدم المصالح السياسية والإستراتيجية للدول القوية ، التي تعجز تماما عن إخفاء وجود مكانة للاعتبارات السياسية داخل العمليات الإنسانية ، إذ تحاول مغالطة الرأي العالمي بتقديم المساعدات الإنسانية عن طريق استخدام القوة والدخول في النزاعات الأهلية والصراعات الداخلية .
تعريف التدخل الإنساني : أيا كان أول من استخدم مصطلح التدخل الإنساني • وأيا كانت الفترة التي تم استخدامه فيها ، هل هي فترة التسعينيات من القرن الماضي أم قبلها بقليل ، وأيا كانت التسمية الأدق التدخل الإنساني أم التدخل العسكري أم التدخل العسكري لأغراض الحماية البشرية الذي تفضله اللجنة الدولية المعنية بالتدخل وسيادة الدول ((ICISS)) ، فإن صياغة تعريف عام لمفهوم التدخل الإنساني يعتبر عملا صعبا لأنه يستحيل عمليا تطبيق مثل هذا التعريف على الممارسة الدولية على نحو محكم . فاستقراء أغلب ما كتب عن مفهوم التدخل الإنسانيW يظهر بجلاء وجود عدد من التعاريف لهذا المفهوم والتي غالبا ما تكون متضاربة . ويمكن حصر هذه التعاريف في مجموعتين :
ـ المعنى الضيق للتدخل الإنساني ،
ـ المعنى الواسع للتدخل الإنساني .
المعنى الضيق للتدخل الإنساني : حيث إنه يصعب إيراد كل التعاريف التي تدخل ضمن هذا التصنيف ، فإني سأقتصر على عدد محدود منها بالقدر الذي يتماشى مع هذه الدراسة .
ـ يذهب (( Stowell )) إلى تعريف التدخل الإنساني بأنه : استخدام القوة العسكرية لهدف مبرر يتمثل في حماية رعايا دولة أخرى من المعاملة الإستبدادية والتعسفية المتواصلة والتي تجاوز حدود السلطة التي يفترض أن تتصرف ضمن حدودها حكومة الدولة المعنية على أساس من العدالة والحكمة )) .
ـ ويرى (( Murphy )) أن التعريف التقليدي للتدخل الإنساني هو : نشر دولة ما لقواتها المسلحة في إقليم دولة أخرى دون موافقة سلطتها المعنية ، بغرض الحؤول دون ارتكاب انتهاكات سافرة لحقوق الإنسان ، وفظائع واسعة الإنتشار بحق السكان المدنيين )) .
ـ ويرى بوكرا إدريس أن التدخل الإنساني هو التصرف الذي تقوم به الدولة ضد حكومة أجنبية بهدف حملها على وقف المعاملة المتنافية مع القوانين الإنسانية لرعاياها .
ـ المعنى الواسع للتدخل الإنساني : بالنظر إلى العدد الكبير جدا من التعاريف فإني سأكتفي بالتعاريف التالية :
ـ يعرف (( Abiew )) التدخل الإنساني بأنه ك استخدام الوسائل القسرية من قبل دولة أو مجموعة من الدول أو من قبل منظمة دولية عالمية أو إقليمية أو المنظمات الإنسانية على أن يكون هدفها ، أو على الأقل أحد أهدافها الرئيسية وقف انتهاكات حقوق اإنسان الصارخة ، والتي ترتكبها السلطات الحاكمة ، أو منع أو تخفيف وطأة المعاناة الإنسانية في حالات النزاعات الداخلية)) .
ويرى (( Reisman )) أن التدخل الإنساني هو : التدخل العسكري الذي يتم بغرض توفير الإغاثة العاجلة للمحتاجين لها ، بسبب الانتهاكات السافرة والمستمرة لحقوق الإنسان ... )) .
ـ ويرى حسام أحمد محمد هنداوي أن التدخل الإنساني هو : لجوء شخص أو أكثر من أشخاص القانون الدولي إلى وسائل الإكراه السياسية أو الإقتصادية ، أو العسكرية ... ضد الدولة التي ينسب إليها الإنتهاك الجسيم ، والمتكرر لحقوق الإنسان ، بهدف حملها على وضع نهاية لمثل هذه الممارسات )) .
علاقة مبدأ التدخل الإنساني بمسؤولية الحماية .
نظرا للتداخل بين مفهوم التدخل الإنساني وبين بعض المفاهيم الأخرى الشبيهة به أو القريبة منه فإن اعتبارات الدقة العلمية والأمانة تقتضي التميز بين هذه المفاهيم لاختلاف معنى ومضمون كل منها ، خاصة وأن بعض المفكرين ورجال السياسة ذهبوا إلى أن مبدأ التدخل الإنساني أعيدت تسميته بمسؤولية الحماية ، وتمت إعادة التسمية لتبيان وقوع المسؤولية في حماية المدنيين على الدولة الأم أولا ثم بعد ذلك تصبح مسؤولية المجتمع الدولي عندما تكون الدولة هي من يرتكب تلك الجرائم . بالإضافة إلى كون بعض هذه المفاهيم تعد مشروعة من الناحية القانونية عكس مفهوم التدخل الإنساني . وعليه فإن التمييز سينصب على :
ـ التميز بين التدخل الإنساني والمساعدات الإنسانية .
ـ التمييز بين التدخل الإنساني وتسهيل ممارسة حق تقرير المصير .
ـ التمييز بين التدخل الإنساني والتدخل لحماية الرعايا في الخارج .
ـ التمييز بين التدخل الإنساني ومسؤولية الحماية .
التمييز بين التدخل الإنساني والمساعدات الإنسانية : يعد التدخل الإنساني عملا غير مشروع من الناحية القانونية ، أما المساعدات الإنسانية فتعد عملا مشروعا وكل خلط بينهما يعد مغالطة قانونية وذلك للأسباب التالية :
ـ المساعدات الإنسانية عمل ذو طابع رضائي : لعل من أهم خصائص التدخل الإنساني هو أنه تدخل عسكري ضد دولة ما ـ دون موافقة حكومتها ـ في حين أن المساعدات الإنسانية عمل غير قسري يتحتم على الجهة المقدمة لها أن تحصل على موافقة حكومة الدولة المستهدفة قبل الشروع فيه وهذا الطابع الرضائي للمساعدات الإنسانية أكد عليه البروتوكول الإضافي الأول لاتفاقيات جنيف والذي يقضي بان يجري القيام بأعمال الإغاثة ذات الصبغة المدنية المحايدة وبدون تمييز مجحف للسكان المدنيين لإقليم خاضع لسيطرة طرف في النزاع من غير الأقاليم المحتلة إذا لم يزودوا بما يكفي من المدد المشار إليه في المادة 69 شريطة موافقة الأطراف المعنية على هذه الأعمال ، ولا تعتبر عروض الإغاثة التي تتوافر فيها الشروط المذكورة أعلاه تدخلا في النزاع المسلح ولا أعمالا غير ودية .
كما تم التأكيد على هذا الطابع الرضائي للمساعدات الإنسانية في البروتوكول الإضافي الثاني ، وأشارت إليه كذلك اتفاقية جنيف الرابعة لعام 1949 . كما نصت اتفاقية تيسير وصول المساعدات الإنسانية في حالات الكوارث الطبيعية لعام 1991 والمبرمة بين الدول الأمريكية على أن تطبيق أحكام هذه الإتفاقية كلما قامت دولة طرف فيها بتقديم المساعدات الإنسانية استجابة لطلب مقدم من قبل دولة أخرى طرف في ذات الإتفاقية ، وأن قبول أي دولة طرف في هذه الإتفاقية للعرض الذي تقدمه أية دولة أخرى طرف في الإتفاقية لتزويد المنكوبين فيها بمساعدات إنسانية يعتبر بمثابة طلب لتقديم هذه المساعدات . وأنه يجوز للمنظمات الدولية الحكومية التي تعنى بتقديم المساعدات الإنسانية في حالات الكوارث الطبيعية أن تقوم بتقديم المعونات الإنسانية وفقا لأحكام هذه الإتفاقية بشرط موافقة حكومة الدولة المنكوبة .
وأكدت قمة رؤساء دول وحكومات منطقة القرن الإفريقي المنعقدة في إيثيوبيا عام 1992 بخصوص المبادىء والقواعد المنظمة للتعاون بين دول تجمع القرن الإفريقي في إطار المساعدات الإنسانية ، على أن المساعدات الإنسانية التي تقدمها منظمات الإغاثة الإنسانية يتقدم بحيدة ونزاهة وفي ظل احترام تام لسيادة هذه الدول . وأكدوا أيضا على أحقية شعوب ودول هذه المنطقة في تلقي الأغذية والمساعدات الإنسانية في حالات الطوارىء . وأشارت الجمعية العامة للأمم المتحدة في قرارها المتعلق بتعزيز قدرة هذه الأخيرة على الإستجابة للكوارث الطبيعية وغيرها من حالات الكوارث ، وفي الفقرة الثامنة منه على وجه التحديد إلى أن يتولى منسق الأمم المتحدة المقيم ـ استجابة لطلب إغاثة مقدم من دولة منكوبة بكارثة ـ وحسب الإقتضاء الدعوة لعقد اجتماعات على الأخص في البلدان المعرضة للكوارث ومع كامل التأييد والموافقة والمشاركة من الحكومة ، ويمكن دعوة لجنة الصليب الأحمر الدولية وجمعيات الهلال الأحمر والمنظمات التطوعية المعنية للإشتراك في مثل هذه الإجتماعات بموافقة البلد المضيف . كما شددت الجمعية العامة أيضا على ضرورة احترام سيادة الدول وسلامتها الإقليمية ووحدتها الوطنية احتراما كاملا وفقا لميثاق الأمم المتحدة ، وفي هذا السياق ينبغي أن توفر المساعدات الإنسانية بموافقة البلد المتضرر ، ومن حيث المبدأ على أساس نداء يوجهه البلد المتضرر .
ـ المساعدات الإنسانية ذات طابع احتياطي : يختلف التدخل الإنساني عن المساعدات الإنسانية من ناحية كون هذه الأخيرة ذات طابع احتياطي ، فالمسؤولية عن تقديم هذه المساعدات تقع بالدرجة الأولى على عاتق حكومة الدولة المنكوبة ـ إذا كانت الكارثة طبيعية ـ أو على أطراف النزاع المسلح في حالة الحروب . وإن المساعدات الإنسانية تحكمها مبادىء القانون الدولي الإنساني والمتمثلة في مبادىء الحيدة والنزاهة وعدم التمييز بين الضحايا ، وإن المنظمات والهيئات التي تقوم بتقديم الإغاثة الإنسانية ، هي هيئات مشهود لها بالحيدة والشفافية في التعامل ، وعدم تبنيها لمفكرة سياسية ، وهي لا تستهدف من وراء عملها التدخل في هذا النزاع أو في الشؤون الداخلية للدولة المعنية ، في حين أن الجهة التي تقوم بالتدخل الإنساني هي دولة أو دول لها مفكرتها السياسية الخاصة ، والتي تسعى لتنفيذها من وراء هذا التدخل ، وهي لا تقدم على مثل هذه التدخلات العسكرية المكلفة ماليا وبشريا لولا وجود منافع سياسية واستراتيجية واقتصادية تسعى لتحقيقها من وراء هذه التدخلات ، والتي تضيف إليها الإعتبارات الإنسانية لمجرد تجميل الوجه القبيح لها ، وإن انتفاء وجود هذه المصالح أو المنافع يؤدي بالنتيجة إلى انتفاء وقوع تدخلات إنسانية في كثير من حالات الانتهاكات السافرة لحقوق الإنسان ، لذا فإن التدخل الإنساني كان وسيبقى محكوما بسياسة الإنتقائية وازدواجية المعايير .
ـ المساعدات الإنسانية عمل مشروع من الناحية القانونية : إن المساعدات الإنسانية وعلى عكس التدخل الإنساني تعد عملا مشروعا يجد له سندا في العديد من قرارات الجمعية العامة ومجلس الأمن وأحكام القضاء الدولي ، فقد أكدت محكمة العدل الدولي على شرعية تقديم المساعدات الإنسانية وعدم شرعية التدخل الإنساني ، وذلك في حكمها الشهير في قضية نيكاراغوا إذ أشارت المحكمة إلى أن (( تقديم المساعدات الإنسانية فقط للأفراد المحتاجين في دولة أخرى لا يمكن أن يعد تدخلا غير مشروع أو يتعارض وأحكام القانون الدولي شريطة تقديمها دون تمييز بين الأشخاص المتلقين لها ، وبهدف تخفيف المعاناة الإنسانية وتحسين ظروف الحياة بالنسبة لهم )) .
ـ الإعتداء على عناصر منظمات الإغاثة يؤدي لتحريك المسؤولية القانونية ضد من قام به :
من الفروق بين التدخل الإنساني والمساعدات الإنسانية أنه في حالة قتل أو جرح أحد عناصر فرق الإغاثة التابعة للمنظمات الدولية أو هيئات الإغاثة الإنسانية التابعة للمنظمات الإقليمية فإن ذلك يعد اعتداء على موظف دولي من شأنه أن يرتب المسؤولية القانونية للدولة المعنية وللجهة أو الفرد الذي قام بهذا الإعتداء . في حين أنه عندما تتصدى قوات الدولة المسنهدفة من التدخل الإنساني للقوات المتدخلة فإن ذلك يعد ممارسة لحق الدفاع الشرعي المعترف به في ميثاق هيئة الأمم المتحدة، وذلك على اعتبار أن هذا التدخل العسكري له غايات إنسانية مزعومة والذي تقوم به دولة أو عدة دول ضد دولة أخرى ، دون موافقة حكومتها إنما يعد عدوانا وفقا للقانون الدولي وقرارات الأمم المتحدة وبالتالي فإن التصدي له يعد عملا مشروعا .
ـ المساعدات الإنسانية قد تتحول إلى تدخل غير مشروع : يمكن للمساعدات الإنسانية أن تتحول إلى تدخل عسكري غير مشروع ، وذلك إذا ما عرضت دولة ما أو عدة دول تقديم المساعدات للمنكوبين في دولة تعرضت لكارثة طبيعية ، ولكن حكومة تلك الدولة رفضت السماح لهذه الدولة أو الدول الراغبة في تقديم المساعدات القيام بذلك ، وذلك لخوفها من أهدافها السياسية أو الإقتصادية من وراء هذا التدخل ، وإمكانية تأليب بعض فئات شعبها ضدها ، فإذا ما أصرت الدولة أو الدول الراغبة في تقديم المساعدات وأقدمت على القيام بذلك مستعينة بقواتها المسلحة ودخلت إقليم الدولة المنكوبة ـ دون إذن من حكومتها ـ فإن عملها هذا ينطوي على انتهاك سافر لسيادة واستقلال تلك الدولة ، وبالتالي فهو تدخل عسكري غير مشروع من شأنه أن يحرك المسؤولية القانونية للدولة أو الدول القائمة به حتى ولو كان لمجرد تقديم مساعدات إنسانية .
وعليه ، فإن الجمع بين التدخل الإنساني والمساعدات الإنسانية إنما هو نهج يقوم على الجمع بين عمل مشروع قانونا وعمل آخر غير مشروع بهدف إخفاء عدم مشروعية هذا الأخير وراء ظلال الشرعية القانونية لمفهوم المساعدات الإنسانية تحت زعم أن كلا منهما يهدف لوقف انتهاكات حقوق الإنسان ولإثارة الخلط والتشويش في أذهان الباحثين بحيث يلتبس عليهم الأمر ويصعب التمييز .
التمييز بين التدخل الإنساني والتدخل لتسهيل ممارسة حقو تقرير المصير : يعرف التدخل لتسهيل ممارسة حق تقرير المصير بأنه : (( التدخل المسلح الذي تقوم به دولة ما لصالح حركة تحرير وطني تحارب السلطات الإستعمارية في بلادها ، بهدف تمكين الشعب الخاضع للسيطرة الإستعمارية أو لنظام فصل عنصري من ممارسة حق تقرير المصير )) . وأن كلا التدخلين تجمع بينهما بعض الخصائص المشتركة الأمر الذي دفع جانبا من الفقه إلى عدم التمييز بينهما .
والواقع أن ثمة صفة مشتركة تجمع بين هذين التدخلين لعلها هي سبب الخلط بينهما ، وهي كون حق تقرير المصير ورد ذكره في العهدين الدوليين لحقوق الإنسان لعام 1966 ، واللذين يظهر من قراءتهما أن ممارسة حق تقرير المصير تعد شرطا أساسيا لإمكانية التمتع بحقوق الإنسان الأخرى الواردة في هذين العهدين وبالتالي فإن التمتع بحقوق الإنسان لن يكون ممكنا دون ممارسة حق تقرير المصير ابتداء . وطالما أن الهدف المزعوم من وراء التدخل الإنساني هو إعادة حقوق الإنسان الأساية إلى نصابها لذا فإن التدخل لتسهيل ممارسة حق تقرير المصير يبدو أنه مجرد مظهر جزئي من التدخل الإنساني . كما توجد أسباب أخرى تقف وراء عدم التمييز بين هاتين الصورتين من التدخل ، وتتمثل خاصة بلجوء حكومة ما لأساليب محظورة في الحروب أو عندما يقترن إنكار حق تقرير المصير مع ممارسات تتعاض وحقوق الإنسان الأساسية كما في حالة الميز العنصري أو ارتكاب أعمال إبادة جماعية ، ففي هذه الحالة يقع انتهاك لقاعدتين من قواعد القانون الدولي أولاهما حظر المعاملة التي تحط بالكرامة الإنسانية ، وثانيهما الإلتزام القانوني بضمان تمكين هذا الشعب من ممارسة حق تقرير المصير . وعلى الرغم من دقة التمييز بين التدخل الإنساني والتدخل لتسهيل ممارسة حق تقرير المصير وصعوبته إلا لاأنه يعد ضروريا لعدة أسباب :
ـ يلقى التدخل لتسهيل ممارسة حق تقرير المصير دعما كبيرا من جانب دول العالم الثالث ، فهذه الأخيرة تعد الإستعمار بمثابة عدوان مستمر ، وتعد الكفاخ المسلح لشعب خاضع للسيطرة الإستعمارية ضربا من الدفاع الشرعي ، وعليه فإن التدخل لتسهيل ممارسة حق تقرير المصير إنما يعد ممارسة لحق الدفاع الشرع الجماعي ، ولكن هذه الدول لم تقدم الدفاع الشرعي الجماعي كمبرر عندما تندلع أعمال التمرد ضد نظام حاكم يعده المتمردون مخزيا وغير شرعي .
ـ انعكاس وجهة نظر دول العالم الثالث التي تؤيد حق تقرير المصير في العديد من قرارات الجمعية العامة للأمم المتحدة ، فحق المقاومة هو حق مكفول للشعوب التي تناضل من أجل حريتها ضد الحكم الإستعماري أو السيطرة الأجنبية ، ولكن هذا الحق غير غير مخول لشعب يتعرض لسوء المعاملة على يد حكومته المحلية .
ـ أما المعيار الثالث في التفرقة بينهما فيتمثل في الهدف المنشود من وراء كل منهما ، ففي حالة التدخل لتسهيل ممارسة حق تقرير المصير ، فإن الدولة المتدخلة تقوم بهذا العمل لصالح حركة تحرير وطنية تناضل من أجل ممارسة حق تقرير المصير . أما في حالة التدخل الإنساني فإن الهدف المزعوم هو تحقيق احترام حقوق الإنسان وهو أمر لا يؤدي بالضرورة إلى قيام أو نشوء دولة جديدة ، إذ أن مجرد إحداث تغيير في بنية النظام الحاكم في تلك الدولة المستبدة يعد كافيا .
ـ أما الفرق الرابع فيتمثل في أن التدخل لتسهيل ممارسة حق تقرير المصير يتم لصالح شعب له هوية منفصلة ومتميزة عن هوية شعب الدولة القائمة بالتدخل ، وكذلك عن الشعب الذي تمثله السلطات الحاكمة في تلك الدولة ، ومثل هذا الشرط غير أساسي في التدخل الإنساني إذ يكفي أن يلقى هذا الشعب معاملة تحط بكرامته الإنسانية من قبل حكومته .
ـ ويتمثل آخر فرق بينهما في كون الشعب المستهدف حمايته يخضع لصنوف من المعاملة الوحشية وغير الإنسانية ، إنما هو شرط ضروري في التدخل الإنساني وبدونه لا يمكن أن يكيف أي تدخل بأنه تدخل إنساني ، لكن المعاملة غير الإنسانية من قبل السلطات الحاكمة ليس بشرط ضروري في حالة التدخل لتسهيل ممارسة حق تقرير المصير ، فهذا الأخير يؤول على أنه ضرب من الدفاع الشرعي الجماعي لصالح شعب يكافح سعيا لنيل حريته ، ولا يأخذ في الحسبان الإعتبارات الإنسانية المتمثلة في الظروف التي يحيا في ظلها هذا الشعب الذي تنكر عليه السلطات المكلفة بإدارة شؤونه حقه في تقرير المصير .
اسم الموضوع : نظرة عامة حول التدخل الإنساني
|
المصدر : المنتدى القانوني العام و النقاش القانوني