ahmed_2090
عضو متألق
- إنضم
- 11 ديسمبر 2012
- المشاركات
- 600
- مستوى التفاعل
- 26
- النقاط
- 18
السلام عليكم
المحاضرة الأولى
القانون المدني المقارن
ضوابط العقد: هو التي تحكم المعاملات المالية
فيجب ان لا تتضمن هذه المعاملات :
1- غرر
2- اخلالا في التوازن بشكل فاحش
3- مقامرة او رهان
ضوابط العقود في الفقه الإسلامي و الغربي:
في العقود المدنية ما يسمى بالعقود المساة . يقابلها العقود غير المسماة. و العقد غير المسمى هو الأهم. لأنه يترجم مبدأ يسمى بمبدأ حرية التعاقد او التعامل. انما العقد المسمى المشرع حصر احكامه. ولكن حرية التعاقد سمحت بان تبرم العديد من العقود و نضع لها ما نشاء من احكام ضمن النظام العام و القوانين الإلزامية.
القانون الروماني ابو القوانين الغربية لم يكن يعرف العقود غير المسماة و لم يعرف مبدأ حرية التعاقد. اما القرآن فهو او لما نزل ، انزله معه احرية التعامل و التعاقد.
حرية التعاقد في الفقه الإسلامي:
اي هل عرفت الشريعة الإسلامية هذا المبدأ او لم تعرفها كما في القانون الروماني.
ان العقود المسماة هي ترجمة فعلية حقيقية لمبدأ سلطان الإرادة و الذي من نتائجه ان تكون الإرادة حرة في انشاء ما تشاء من عقود مهما كان موضوعها ، غير مقيدة بتلك الأنواع من العقود المسماة التي نظمها المشرع في القانون الوضعي الحديث، و لكن هل عرفت الشريعة هذا المبدأ، و هل العقود في الفقه الإسلامي مذكورة على سبيل الحصر فلا تملك الإرادة عندها انشاء عقود اخرى؟
الثابت من مطالعة كتب الفقه الإسلامي ان العلماء قد افردوا بكل عقد من العقود كتابا او فصلا او بابا، و في ترتيب معين ، ول م يقدموا لهذا اكله نظرية عامة للعقود و لذلك كانت العقود في الفقه الإسلامي و هي عقود مسماة ، اتت عقدا يتلو آخر دون ترتيب منطقي لهذا التتابع ، حتى يخيل للباحث ان الفقه الإسلامي لا يعرف سوى تلك العقود المسماة التي ردت في مؤلفات عملائهم ، و ان اي اتفاق لا يندرج تحت مسمى ***.
دراسة كل عقد بمقدمة يحرصون فيها على بحث شرعية العقد، و اسناد تلك الشرعية مرة على النص و مرة على الإجماع او العرف او غير ذلك من الأدلة فهل يعني ذلك ان حرية التعاقد في الفقه الإسلامي قاصرة على تلك العقود المسماة ، و ان هذا الفقه لا يعرف عقودا اخرى غير مسماة؟
المبدأ في الفقه الإسلامي حرية التعاقد. فان كل متعاقد في حدود الشرعية الإسلامية و في حدود الضوابط التي سندرسها يحق له ان يتعاقد كما شاء.
اما الخلط الناشئ عن الكتب التي تتكلم حصرا عن بعض العقود المسماة فقط. فأول ما يتكلموا عن العقد تكلموا عن شرعيته. فان كل العقود التي تخالف هذه الشرعية تعتبر باطلة في الشريعة الإسلامية اي عقود غير شرعية.
و لكن من غير الممكن ان نحصر العقود فيما هو شرعي او غير شرعي.
الشريعة نزلت الى قبائل همجية لديها فراغ فكري و قانوني ، و القرآن بما اشتمل عليه من احكام جديدة نزل على شعب ليس لديه شيء. هذه مقدمة خاطئة و خطورتها ان تعتبر هذه الأحكام بانها نزلت مرة واحدة و دون مراعاة للناس.
و لكن الشريعة و بالذات احكام المعاملات المالية، كانت موجودة في الجزيرة العربية. فكانوا يعلمون الزوالج و الطلاق بارادة منفردة و تعدد الزوجات و التجارة و عقود البيع و عقود الإيجار التي تقع على اشياء او على اشخاص.
ففي دراسة احكام الفقه الإسلامي، يجب ان نقول ان هذه الشريعة لم تنزل عىل قبائل همجية لديها فراغ قانوني و فكري. و الدليل هو الميسر: خلو المعاملة المالية من ضابط المقامرة و الرهان.
" انما الخمر و الميسر رجس من عمل الشيطان فاجتنبه " سورة التحريم
فالآية نزلت على قبائل تعرف نظام الميسر.
فهل الأعمال الحالية هي شبيهة بالميسر؟
الميسر الذي نزل تحريمه كان عبارة عن الآتي: انه في وقت الشدة عندما يقل الرزق و القبائل العربية كان فيها مجموعات كثيرة من الفقراء و ايضا يوجد فيها اغنياء يريدون ان يضعوا معروفا لهؤلاء الضعفاء.
فمجموعة من التجار الأغنياء ينزلوا على حي من الأحياء ليلا و يشتروا ناقة من تارجا و لكن لا يدفعوا فورا بل ، يتفقوا مع جزار بان يذبح الناقة و يقسمها الى اجزاء و يتقامروا على هذه الأجزاء وفق طريقة معينة.
فالخاسرين هم الذي سيحملون ثمن الناقة بشرط ان لا يأكل الرابحون من الناقة بل توزع على الفقراء.
فما كان الميسر الا سبيلا لتوزعة المال على الفقراء . و مع ذلك نزل عليه التحريم. صحيح انه افراج للفقراء . و لكن هذا الإفراج عن طريق اعمال غير مشروعة.
و الشعوب الجرمانية و القبائل الأوروبية عرفت نظام القمار.اذا نفذ منه المال ، تاجر بزوجته و اذا خسر زوجته، قامر بحريته و اذا خسر حريته اصبح عبدا للكاسب. هذا النوع من القمار لم تعرفه الشريعة الإسلامية.
فالشعوب قبل الشريعة لم يكونوا همج، بل عرفوا العلوم و الموسيقى و الشعر و التجارة، بل جاءت احكام الشريعة الإسلامية تعدل سلوك بعض الأحكام و المعاملات التي كانت تخالف الشريعة الإسلامية.
فجاء الإسلام ينقي و يهذب هذه المعاملات المالية و ما شابها من سوى.
لغاية اليوم اجاز الفقه الإسلامي عقدا لم يرد ذكره في كتب الفقه الإسلامي و هو عقد التأمين.
ما هو ارتباط عقد التأمين بالغرر: عقد التأمين مثال للغرر. فلا يعرف المتعاقد ما سوف يعطي و ما سوف يأخذ مقدما ( مثل التأمين مدى الحياة).
و القانون اللبناني اي قانون الموجبات والعقود ، نظم التأمين تحت باب العقود الإحتمالية او عقود الغرر .
هل اجاز الفقه الإسلامي شرعية عقد التأمين؟
كلا لأنه يتضمن نوع من انواع الغرر. و لكن مع تطور الفقه الإسلامي الحديث ، فبدون تأمين المجتمع لن يقوم ، فالمعاملات الداخلية ميزة و عنصرا اساسيا في المجتمع، فمعاش الموظف التقاعدة هو مظهر من مظاهر التأمين.
فكيف تنفصل الشريعة الإسلامية عن هذه الأنظمة؟
اثيرت هذه المسألة امام احد الفقهاء الحنفيين " زين العابدين"
حصلت هذه المشكلة التي تسمى مشكلة التأمين، فأفت الإمام ببطلان عقد التأمين لأنه يشتمل على قمار او رهان.
الأئمة الذي بعده افتوا مثله اي ببطلان عقد التأمين.
اما القوانين الوضعية ، فالتأمين فيها صحيح لأن هذه القوانين لا تأخذ في الشريعة الإسلامية من هذه الناحية.
اما في السعودية ، فالتأمين باطل لأنهم يطبقون احكام الشريعة الإسلامية.
الا انهم اضطروا للأخذ بالتأمين ببعض انواع العقود كالـتأمين على السيارات مثلا. اذا الظروف الحديثة قد تسمح للأخذ ببعض انواع العقود التي لا تحبذ لدى فقهاء الشريعة الإسلامية.
فيمكن استبدال فكرة التأمين التجاري الذي يحتوي على غرر و قمار و رهان بما هو مسمى بالتأمين التبادلي (جماعة) على ضوء الشريعة الإسلامية. فلا يمكن ابطال التأمين اذا لأنه في هذه الحالة ستبطل كل المعاملات المالية.
هل يمكن لبنك من البنوك ان لا تعامل بالربى؟
كلا ، مستحيل، المعاملة الربوية اساس من الأسس التي تقوم عليها البنوك. و لا يمكن لأي بنك ان لا يتعامل بالفائدة. حتى البنوك او المصارف الإسلامية، و لكن تحت اسم آخر غير " فائدة " مثل "عمولة"
وزارة الأوقاف كان لديها ادارة القرض الحسن : سيدة تتطلب قرض مقابل ذهب كضمان. بعد المدة المتفق عليه. ترد القرض كما هو و تأخذ مالها من الذهب. فهذا هو ما يسمى بالقرض الحسن.
من احسن الكتاب الذين كتبوا عن الربى في الشريعة الإسلامية هو الإمام محمد رشيد رضى.
حيث سئل عن حكم الشريعة الإسلامية في فوائد البنوك.
فرد عليهم مفرقا بين ربى الفضل و ربى النسيئة.
قالوا له ان النص القرآني نزل حرما ربى النسيئة، انما ربى الفضل هو مباح و ليس ممنوع.
فرد عليهم بما هو ربى الفضل و ما ربى النسيئة، و متى تكون المعاملة خالية من الربى.
مبدأ سلطان الإرادة في العقود في الفقه الإسلامي:
يسود القول في الفقه الإسلامية ان الناس احرار في انشاء العقود، اما آثارها فهي بيد الشارع يقررها و يلزم بها المتعاقدين. و معنى ذلك انه اذا اتجهت الإرادة الى انشاء عقد معين نشأ هذا العقد على حكم تلك الإرداة، اما آثاره فترجع الى حكم الشارع سواء اراد المتعاقدون تلك الآثار ام لم يريدونها.
فالشخص له الحرية في ان يبيع او لا يبيع، يشتري او لا يشتري ، و لكنه اذا اقدم على البيع او على الشراء، ترتب آثار البيع او الشراء على تعاقده سواء اراد تلك الآثار ام لم يردها.
و قبل ان تعرض لموقف الفقه الإسلامي من المسألة المعروضة نشير الى ان الفقهاء لا يفصلون في نطاق مبدأ سلطان الإرادة بين سلطانها في انشاء العقود و سلطانها في تقسيم آثار تلك العقود في العقد لديهم من قبيل الشروط و ان الشروط من قبيل العقود.
يقول ابن حزم" العقود و العهود و الأوعاد شروط و اسم الشرط يقع على جميع ذلك "
تمهيد
تبدأ حرية التعاقد بالآتي: تحديد مدلول الآية الكريمة " يا ايها الذين آمنوا اوفوا بالعقود"
و علاقتها بمبدأ سلطان الإرادة .
يقول ابن جرير الطبري ان المعنى : اوفوا بالعقود التي عاهدتموها، و العقود التي عاقدتموها اياها و اوجدتهم بها على انفسكم حقوقا و الزمتم انفسكم بها لله فروضا. فأتموها بالوفاء و الكمال و الإتمام فكم لله بما الزمكم، و لا تنكثوها فتنقضوها بعد توكيدها. و اختلف اهل التأويل في العقود التي امر الله بالوفاء بها، فقال بعضهم هو العقود التي كان اهل الجاهلية عاقد بعضهم بعضا على النصرة و المؤازلة و المظاهرة على من حاول ظلم او بغاء، و ذلك هو معنى الحلف الذي كان يتعاقد بينهم.
و قول الإمام الطبري و العقود جمعا و اهل العقد عقد الشيء بغيره و هو وصله به.
و عن ابي عباس يقول : اوفوا بالعقود يعني ما احل و ما حرم و ما فرض و ماح جدد القرآن كله فلا تخطوه و لا تنكثوه.
و عن مجاهد : اوفوا بالعقود ما عقد الله على العباد مما احل لهم و حرم عليهم و قال آخرون بل هي العقود التي يتعاقدها الناس بينهم و يعقدها المرء على نفسه . فذكر بعضهم ان العقود هي خمسة: عقدة الإيمان، عقد النكاح، عقدة العهد ، عقدة البيع و عقدة الحلف. و اضاف آخرون عقدة الشركة.
و قال آخرون ان مراد الآية لأهل الكتاب بالوفاء بما اخذ به ميثاقه من العهد. بما في التوراة و الإنجيل و في تصديق محمد صلى الله عليه و سلم.
و اول الأقوال في ذلك عندنا بالصواب ما قاله ابن عباس:
و ان معناه اوفوا ايها الذين آموا بعقود الله اتل اوجبها عليكم. و اعرفوا فيما اهل لكم و حرم عليكم و الزمكم فرضه و بين لكم حدوده.
يقول محمد رشيد رضى في تفسير المناط:
هذا اجمع كلام رأيته للمفسرين في العقود و قد تجدد لأهل هذه العصر انواع من المعاهدات تبعها انواع من العقود يذكرونها في كتب القوانين المستحدثة منها ما يجيزه المذاهب الإسلامية و منها ما لا يجيزونه لمخالفته شروطهم التي يشترطونها كإشتراط بعضهم الإيجاب و القبول قولا ، حتى و لو كتب اثنان عقدا بينهم على شيء قولا او كتابة نحو تعاقد فلان و فلان على ان يقوم الأول بكذا و الثاني بكذا من غير ذكر ايجاب و قبول بالقول و امضيا ما كتباه بتوقيع او ختم، لا يعدونه عقدا صحيحا نافذا ، و قد يصبغونه بصبغة الدين فيجعلون التزام المتعاقدين لمباح و ايفاء حماية محرما و معصية لله تعالى لعدم صحة العقد.
و يشترطون في بعض العقود شروطا منها ما يستند على حديث صحيح او غير صحيح، صريح الدلالة او خفيها ، و منها ما لا يستند الا على اجتهاد صاحبه بالرأي و يجيزوه بعض الشروط التي يتعاقد عليها نا و يمنعون بعضها حتى بالرأي.
و اساس العقود الثابت في الإسلام هو هذه الجملة البليغة المختصرة المفيدة " اوفوا بالعقود" و هي تفيد انه يجب على كل مؤمن ان يفي بما عقده و ارتبط به و ليس لأحد ان يقيد ما اطلقه الشارع الإ ببنية. فالتراضي من المتعاقدين شرط في صحة العقد لقوله تعالى " عن تراض منكم".
و اما الإيجاب و القبول فلا نص منه، و انما هو عبارة عن العقد نفسه اذ الغالب فيه ان يكون في الصيغة اللفظية قولا او كتابة و الإشارة تقوم مقام العقارة عند الحاجة كإشارة الأخرس و الفعل البغ من القول في حصول المقصد من العقد كبيع المعاطاة الذي منعه بعضهم تعبدا بصيغة الإيجاب و القبول اللفظية ، و من هذا القبيل اعطاء المال لمن بيده تذاكر السفر في السكك الحديد او البواخر و اخذ الت1كرة منه ، و مثله دخول الحمام و ركوب السفن الملاحين الى غير ذلك.
فكل فعل او قول يعده الناس عقدا فهو عقد يجب ان يوفوا به كما امر الله ما لم يتضمن تحريم ، فهو حلال او تحليل حرام مام ثبت في الشرع كالعقد بالإكراه او على احراق دار احد و قطع شجر بستان او على الفاحشة . او اكل شيء من احوال الناس بالباطل كالربى و الميسر و الرشوة.
فهذه الثلاثة منصوصة في الكتاب و السنة و عن النبي صلى الله عليه و سلم عن بيع الغرر لأنه من قبيل الميسر في كونه مجهول العاقبة.
مثلا : بيع ضربة الفائض، بيع عبد نابق (فار)، بيع الحصى ، بيع اللبن في الضرع، بيع الملامسة او المنابذة، بيع حبل الحبلة ، بيع عسب الفحل.
محاضرة رقم 2
مبدأ حرية التعاقد في الفقه الإسلامي
ينبع عن هذا المبدأ نظرية العقود المسماة و ان العقود غير المسماة هي الترجمة الفعلية لمبدأ حرية التعاقد ، فلولا هذا المبدأ لما كان يمكننا التعاقد خارج حدود هذا المبدأ.
الحياة صاخبة و متطورة ، ينشأ علاقات عديدة لا يمكن تصورها من قبل الفقهاء القدامى ، و بالتالي هناك عقود لا يمكن ايجادها في القوانين الوضعية ( كالعقد الطبي، عقد التعلم) و في الأيام المتوالية تظهر انماط مختلفة من المعاملات و الخطورة هو ان المبدأ حصري و بالتالي جميع العقود هي غير مشروعة.
و بالتالي ان المبدأ حرية التعاقد في اطار المشروعية فلا يمكن التعاقد على ما هو باطل و غير مشروع و بالتالي هو غير سليم من الناحية التعاقدية مما حمل المحاكم الفرنسية الى ابطال هكذا نوع من العقود.
و الأصل في العقود تقوم بمجرد تراضي الأطراف عليها و لو لم تكن مسماة و بما ان قانون الموجباتو العقود قد وضع في الثلاثينات و بالرغم من انه صالح ليس من الضروري لأن يشمل جميع انواع العقود.
القانون المدني المصري صدر عام 1949 هو ذاته القانون السوري و مشكلة قانون الموجبات و العقود هي الصياغة.
و الجدير بالذكر ان هناك عقود جديدة قد تطرأ و هي بحاجة الى تنظيم و هذا غير ممكن من الناحية العملية مما يستوجب العودة الى القواعد العامة في القانون المدني و بالتالي تكون العقود المسماة من التطبيقات.
هناك جدل صاخب في الفقه الإسلامي .
1- الأصل في العقود ان تكون مسماة فيما لم يوجد اسم للعقود لا في القرآن او السنة او الإجماع فيكون العقد باطل.
2- الأصل في العقود هو الإباحة و ليس الخطر و بالتالي كل العقود و تكون مشروعة لطالما تتلاءم مع الشروط.
الإمام .......
فكل قول او فعل يعده الناس عقدا فهو عقد يجب ان يوفوا به كما امر الله تعالى ما لم يتضمن تحريم حلالا او تحليل حراما مما ثبت في الشرع كالعقد في الإكراه.
او قطع شجر بستانه او على الفاحشة او كأكل شيء من اموال الناس بالباطل كالربا او الميسر او الرشوة فهذه الثلاثة منصوصة في الكتاب و السنة. و نهى النبي ص عن بيع الغرر لأنه من قبيل الميسر في كونه....... و هو من الغش المحرم ايضا و قد توصع بعض افقهاء في تفسير الألفاظ القانونية التي وردت في الكتاب و السنة فادخلوا في معنى الربا و الغرر ما لا تطبقه النصوص من التشديد و دعموا تشديدا بهوايات لا تصح و اشدهم تطبيقا في العقود الشافعية والحنفية و اكثرهم تسامحا واسعا المالكية و الحنابلة و الشيعة الإمامية.
و نعرض الآن الإتجاهات الفقه الإسلامي في شأن حرية الإرادة في انشاء العقود الإتجاه الأول.
الأصل في العقود الخطر.
ذهب بعض الفقهاء الى انه لا يصح انشاء عقد او تصرف الا اذا ورد به دليل معين يدل على جوازه و صحته فما لم نقيم الدليل على ذلك فهو باطل اي عقد كان او اي تصرف كان ، ذلك ان الأصل فيالعقود هو حظرها الا ما دل على اباحته و صحته دليل معتبر في دليل الشارع.
ممثل الإتجاه الأول: واحد من الفقهاء المشهود له بالجرأة محمد ابن حزم الطاهري الأندلسي.
اذ يقول عارضا وجهة نظره القائلة ان الأصل في العقود ما يلي ( المحلى بالآثار)
و قال ابو محمد وجدنا من قال ببطلان كل عقد و كل شرط و كل عهد و كل وعد الا ما جاء بنص باجازته من اسمه يقولون قال الله عز و جل .
( و اليوم اكملت لكم دينكم) و قال تعالى ( و من يعص الله و رسوله و يتعدى حدوده يدخله نارا خالدا فيها)
و قال رسول الله ص ( اما نعيد فما بال اقوام يتشرطون شروطا ليست في كتاب الله ما كان من شرط ليس في كتاب الله فهو باطل و لو كان منه شرط، كتاب الله احق و شرط الله اوفق)
قالوا فهذه الآيات و هذا الخبر براهين قاطعة في ابطال كل عقد و كل عهد و كل وعد و كل شرط ليس في كتاب الله مر به او نص على اباحته لأن العقود و العهود و الإدعاء شروط و اسم الشرط يقع علىجميع ذلك.
اننا بالضرورة ندري بانه لا يخلو كل عقد و عهد و شرط و وعد التزمه اصولا ، و جهين لا ثالث لهما اما ان يكون في نص القرآن او السنة ايجابه و اتفاق فاذا كان ذلك فنحن لا تخالفكم في انفاذ ذلك و ايجاده و اما ان يكون ليس في نص القرآن و لا في السنة ايجاده او انفاذ ففي هذا اختلفنا فنقول لكم الآن فان كان هكذا فانه ضرورة لا ينفك من احد اربعة اوجه لا خامس لها اصلا.
1- اما ان يكون التزم فيه اباحة ما حرمه تعالى في القرآن او على لسان رسوله ص فهذا عظيم لا يحل.
قال الله تعالى ( و لا يحرمون ما حرم الله و رسوله و لا يدينون دين الحق) و نسألهم حينئذ مما التزموا في عدله و شرطه و عقده و وعده احلال الخنزير و الأمهات و قتل النفس فاذا اباح ذلك كفر و ان فرق بين شيء من ذلك فناقض او سخف و تحكم في الدين بالباطل.
2- و انما ان يكون التزم منه تحريم و اباحة الله تعالى في القرآن او على لسان الرسوك ص فهذا اعظم لا يحل.
قال تعالى ( يا ايها النبي تحرم ما احل الله لك)
و سألهم حينئذ عما حرم الماء و الخبز و الزواج و سائر المباعاة و قد صح ان محرم الحلال كمحلل الحرام.
3- و اما ان يكون اسقاط ما اوصيه الله تعالى في القرآن او على لسان رسوله ص فهذا عظيم لا يحل.
و نسألهم حينئذ عمن التزم في عهده و عقده و شرطه اسقاط الصلوات و اسقاط صوم رمضان و سائر ذلك.
4- فمن اجاز ذلك فقد كفر و اما ان يكون او جب على نفسه ما لم يوصيه الله تعالى عليه فهذا عظيم لا يحل.
و نسألهم حينئذ عمن التزام بصلاة سادسة او حجا الىغير مكة او في غير اشهر الحج و كل هذه الوجوب تعد لحدود الله و خروج عن الدين وا لمفرق بين شيء من ذلك قائل في الدين بالباطل.
ثم يقول الإمام ابن حزم بالرد على حجج اصحاب الرأي الثاني، القائل بان الأصل هو صحة كافة العقود و الشروط فلا يحرم منها سوى ما دل عليه الشرع من تحريم او ابطال نصا او قياسا اما قول الله تعالى :
( اوفوا بالعهد ان العهد كان مسؤولا)
( كلما عاهدوا عهدا فنبذ فريق منهم)
( و الموفون بعهدم اذا ما عهدوا)
و الحديثان اللذان فيهما
( اوفي بنذرك) ..... و ذم اللذين ينظرون و لا يوفون.
( و الخبر فيمن اعطى به ثم غدر) فان هذه الجمل قد جاء نص آخر يبين انها ليست على عمومها و لكنها في بعض العهود و بعض العقود و بعض النذور و بعض الشروط و هي قول رسول الله ص لا نذر ( من نذر ان يطع الله فليطع و من نذر من يعص الله تعالى فليعصه)
مع ما ذكرنا من توله ص كل شرط ليس في كتاب الله فهو باطل فصح في هذه النصوص ان تلك الآيات انها هي فيمن شرط او نذر او عاهد او ما جاء القرآن او السنة بالزامه فقط.
ثم يبين الإمام المعنى المتقدم بالأمثلة فيقول
و باليقين تدري ابن حزم على نفسه ان يتروح على امراته او ان لا يغيب عنها فقد حرم ما احله الله تعالى و ما امره الله تعالى.
( فانكحوا ما طاب الله لكم من النساء مثنى و ثلاث و رباع )
و قال تعالى:
( او ما ملكت ايمانكم فانهم غير ملومين)
و قال تعالى ( اسكنوهم من حيث سكنتم)
و كذلك من عهد على تأمين ما لا يحل تأمينه على ابقاء مال في ملك ما لم يحل له تملكه و على اسقاط حق الله تعالى فانه يكون قد عقد على معصية و سمي الحلال حراما و الحرام حلالا و القرآن قد جاء بتكذيب من فعل ذلك.
ثم يتعرض ابن حزم لحديث الرسول ص
( المسلمون عند شروطهم) ، فيراه غير صحيح ثم يقرر ابن حزم في هناية ما كتبه فلما قام البرهان بكل ما ذكرنا وجد ان كل عقد او شرط او عهد او نذر التزمه المرء فانه ساقط مردود و لا يحرمه منه شيء اصلا الا ان يأتي نص او اجماع على ذلك الشيء الذي التزمه بعينه و اسمه فاذا جاء نص او جماع بذلك لازمه و الا فلا.
و الأصل براءة الذمم ، من لزوم جميع الأشياء الذي ما التزمنا اياه النص او اجماع.
فان حكم حاكم بخلاف ما قلنا نسخ حكمه و رد بامر النبي ص اذ يقول ( من عمل عمل ليس عليه امرنا فهو رد)
و مفاد ما تقدم ان ابن حزم يستند في رأيه الى الإستصحاب حيث يستصحب الأصل و هو براءة الذمة في جميع الإلتزامات فلا يكون هناك حقا لأحد قتل آخر الا اذا كان مستمدا من الشارع و الذي يعد هو مصدر الإلتزام و الإلزام غير ان ابن الحزم،عندما تكلم عن ابطال القياس و رد كلام قد يفهم منه عكس ما رأى فيما تقدم.
فقد قال ان احكام الشريعة كلها من اولها الى اخرها تقسم على ثلاثة اقسام لا رابع لها و هي فرض لا بد من اعتقاده و العمل به مع ذلك .
2- و حرام من اقتناؤه قولا و عقدا و عملا
3- و حلال مباح فعله و مباح تركه
فهذه اقسام الشريعة الإسلامية باجماع كل مسلم و بضرورة وجود العقل في القسمات الصحيحة الى ورود السمع الى اذ لا يشك في ذلك فقد قال عز و جل.
( خلق لكم ما في الأرض جميعا)
( و قد فصل لكم ما حرم عليكم الا ما اضطرتم اليه ) فصح بهاتين الآيتين ان كل شيء في الأرض و كل عمل هو مباح حلال، الا ما فصل الله تعالى لنا تحريمه باسمه نصا عليه في القرآن كتحريم الميتة و السنة النبوية و اجماع الأمة كلها المنصوص على اتباعه في القرآان فان وجدنا شيئا حرمه النص بالنهي عنه او الإجماع باسمه حرمناه و ان لم نجد شيئا منصوصا على النهي عنه باسمه و مجمعا عليه فهو حلال بنص الآية الأولى.
وقد اكد الله تعالى هذا في غير موضوعه في كتابه فقال عز و جل ( يا ايها الذي آمنوا لا تحرموا طيبات ما احل الله لكم و لا تعتدوا فان الله لا يحب المعتدين)
فبين الله تعالى ان كل شيء حلال لنا الا ما نص على تحريمه و نهانا ص عن اتداء ما مرنا تعالى به فمن حرم شيئا لم ينص الله تعالى و لا رسوله ص على تحريمه و النهي عنه و لا اجمع على تحريمه فقد اعتدى و عصى الله تعالى.
فقال الله تعالى ، ( يا ايها اللذين امنوا اطيعوا الله و اطيعو رسوله واولي الألباب منكم فان تازعتم في شيء فردوه الى الله و رسوله )
فبين الله تعالى ان ما امرنا به في القرآن او على لسان نبيه ص فهو واجب طاعته و ضد الطاعة المعصية فمن لم يطعه فقد عصى و من لم يفعل ما امر به فلم يطع و نهانا عن ان نسأل عن شيء جملة البتة و لم يدعنا في رأس فصح ان ما لم يأت به نص او اجماع فليس واجبا علينا.
فأي شيء بقي بعد ذلك؟ و هل في العالم نازلة تخرج من ان يقول قائل هذا اوجب؟ فنقول له ان اثبت على ايجابه بنص من القرآن او بكلام صحيح عن الرسول ص او اجماع فسمعا و طاعة وهو واجب و من ابى عن ايجابه بنص او اجماع فانه كاذب و ذلك القول ليس واجب.
او يقول قائل هذا حرام فتقول له اثبت عن النهي عنه بنص او اجماع فهو جرام و سمعا و طاعة و مناراد استجابته حينئذ فهو آثم كاذب عاصي و ان لم يأت عن النهي عنه بنص و لا اجماع فهو كاذب فهذا الشيء ليس حراما.
نستفيد ان الأصل في العقود الإباحة ما لم يأتينا نص مخالف و معاد ما اورده ابن حزم وجوب قسم من الأحكام الشرعية. هي المباح و التي لم يرد نص او اجماعا على تحريمها افلا تدخل العقود و الشروط التي لم يرد ذكرها في النصوص عليها او تحريما في هذا القسم المباح؟
فاذا قيل ان العقود و الشروط لا تصح و لا تحل الا ما يدل على حلها دليل شرعي خاص من نص او اجماع او قياس عند للورود فهو قول باطل لأن الكتاب و السنة دلا على صحة العقود و القروض التي وقعت في حالة الكفر و امر الله بالوفاء بها اذا لم يكن فيها بعد الإسلام شيء محرم و لهذا اتفق المسلمون على ان العقود التي عقدها الكفار يحكم بصحتها اذا لم تكن محرمة و ان كان الكفار يعقودها باسم الشارع او كانت العقود لا تصح الا بشرط ليحكموا بفسادها و ايضا ان المسلمين اذا فقدوا.
و ان كان العاقد يعلم حينئذ تحليلها باجتهاد و لا تحليل و لا يقول احد لا يصح العقد الا الذي يعتقد يعتقد العاقد ان الشارع احله.
فلو كان اذن الشارع الخاص شرطا في صحة العقود و لم يصح عقد الأبعد ثبوت اذنه.
كما لو حكم الحاكم يعتبر اجتهاد فانه آثم و ان كان قد صادق الحق .
و بعد ان بينا ادلة الإتجاه الول و بعض الردود عليه نذكر بعض الفقهاء و الإمامية تأخذ بالإتجاه الأول و يظهر هذا الوضوح في كتاب ( مفاتيح الأصول).
محاضرة رقم 3
اليوم سوف نرى الإتجاه الثاني و الذي يذهب الى ان الأصل في العقود و الشروط الجواز و الصحة ، و لا يحرم و يبطل فيها الا ما دل على تحريمه و ابطاله نص او قياس عند من يأخذ بالقياس و هذا هو مذهب الأحناف.
و ورد لكتاب تأمين الحقائق للإمام ابن تيمية : و لا يسلم ان حرمة البيع هي الأصل، بل الأصل هو الحل ن و آية ذلك ( و احل الله البيع و حرم الربا) ، فالرأي الثاني يستخلص ان كل العقود جائزة و دليلها ان البيع و هو احد اناع العقود و معنى ذلك .............. و كلمة البيع بها ( ال) و اذا اضيفت (ال) فمعنى ذلك انها ليست لكل البيوع و انما تخصص من المشرع، فالعبارة الأصلية ان تكون كل العقود حلالا الا اذا ورد نص خاص او اذا ورد قياس، و قال الإمام ابن تيمية اننا لا نسلم ان حرمة البيع هو الأصل و انما الأصل هو الحل.
لأن الأموال خلقت للإبتذال ( الإنفاق) فيكون باب تحصيلها مفتوحا فيجوز كل تصرف فيها ما لم يقم الدليل على منعه بخلاف النكاح، لأن الملك فيه يرد على البضع و هو عقد الأصل فيه هو الحرمة و انما احله الله و هو النكاح.
و هذا القول يدل على صحة التصرفات المتعلقة بالأموال اصلا بخلاف التصرفات المتعلقة بالإبضاع ( محل العقد الزوجة) للفرق بين محل الأولى و محل الثانية.
ويقول ملك العلماء الكاساني ( في البدائع) : و روي عن النبي ص انه قال ( المسلمون عند شروطهم) فظاهره يقتضي لزوم الوفاء بكل شرط الا ما خص بدليل لأنه يقتضي ان يكون كل مسلم عند شرطه و انما يكون كذلك اذا الزمه الوفاء به ، و هذا لأن الأصل ان تصرف الإنسان يقع على الوجه الذي اوقعه اذا كان اهلا للتصرف و المحل قابلا و لا ولاية عليه لأحد.
هناك عبارة في مدونة جستنيان تقول : الإنسان عبد توقيعه ، فقبل ان توقع على الورقة انت حر اما اذا اخذتك الحمية فاصبحت عبدا لهذا التوقيع.
كما قال الكاساني : عند الكلام على مشروعية شركة الأعمال و الوجوب ( و هي نوع من انواع الشكرات الإسلامية )، حيث قال: ان الناس يتعاملون بهذين النوعين من سائر الإعصار من غير انكار عليهم من احد و قال عليه الصلاة و السلام: ( لا تجتمع امتي على غلط) ، لأنهما اشتملا على الوكالة و الوكالة جائزة و المشتمل على جائز فهو جائز ، و يقول عن مشروعية عقد المضاربة: ان الناس يحتاجون الى عقد المضاربة لأن الإنسان قد يكون له مال و لكن لا يهتدي الى التجارة، و قد يهتدي الى التجارة و لكن لا مال له، فكان في تشريع هذا العقد دفع الحاجتين و الله تعالى ما شرع العقود الا لمصالح العباد و دفع حوائجهم.
هذا و قد عرف القانون الوضعي نوع قريب من شركة المضاربة موجود في نطاق استثمار الأراضي الزراعية و هو ما يسمى بعقد المزارعة ( اي لدي ارض لا اتمكن من زراعتها بنفسي، فآتي اليك و اطلب منك ان تقوم بزراعتها ، و هناك صورة عن احكام القضاء المصري تشير الى ذلك ، و هي انه يوجد فلاح يعرف في تربية المواشي و ابن عمه مهندس يقطن في القاهرة، و ذهب المهندس الى ابن عمه الذي في الريف و اتفقا على شراء عجل صغير بحيث ان على الفلاح ان يقوم بتربيته، و قام بذلك فارتفع سعرها، فالقضاء المصري كيف هذه الشركة على انها شركة من شركات المحاصة).
تلك العبارات التي اثبتناها للأحناف تثبت ان الأصل في العقود لديهم هو الصحة، فصحة التصرف لا تتوقف على قيام الدليل الخاص الذي يدل على صحته بل يكفي لصحته ان يكون مشتملا على فائدة مقصودة و محصلا للمصلحة مع انتفاء المانع الشرعي للصحة ، و هذا هو ذات موقف الشافعية و المالكية فالأصل في الأفعال العادية هو الإباحة و الجواز لأنها ليست بعبادة و انه لا يحرم شيء منها الا بدليل معين يدل على التحليل مستندا الى قوله تعالى ( خلق لكم ما في الأرض جميعا ) ، و غيرها من الأدلة المثبتة لهذا الأصل و لا شك ان العقود و التصرفات تعد من الأعمال العادية فيكون الأصل فيها عندهم الجواز والصحة الا ما قام دليل شرعي على حظره او تحريمه او فساده.
و يقول الإمام الشاطري ( مالكي) ، ان القاعدة المستقرة بين العلماء هي التفرقة بين العبادات و المعاملات فالأصل في الأول الا يقوم عليها الا باذن اذ لا مجال للمعقول في اختراع للتعبدات و الأصلفي الثانية الإذن حتى يدل الدليل على خلافه.
و يقول الفخر الرازي الشافعي في تفسيره لقوله تعالى ( و لا تفسدوا في الأرض بعد اصلاحها) ، هذه الآية دالة على ان كل عقد وقع التراضي عليه بين الخصمين فانه انعقد وصح و ثبت رفضه بعد ثبوته يكون افسادا بعد اصلاح و النص الدال على انه لا.
اذا ثبت هذا فنقول ان مدلول هذه الآية من هذا الوجه متأكد بعموم قوله تعالى ( اوفوا بالعقود ) و بعموم قوله تعالى ( لم تقولون مالا تفعلون كبر مقتا عند الله ان تقولوا مالا تفعلون).
و تحت سائر العمومات الواردة في ركوب الوفاء في العقد و العهود اذا ثبت هذا فنقول ان وجدنا نصا دالا على ان بعض العقود التي وقع التراضي به من الجانبين غير صحيح قضينا فيه بالبطلان تقديما للخاص على العام و الا حكمنا فيه بالصحة رعاية المدلول هذه العموميات.
هذا الإتجاه الثاني هو الإتجاه الغالب في الفقه الإسلامي بل و نستطيع ان نقول انه الإتجاه الصحيح الذي يتفق ابن تيمية مع دلالات الكتاب و السنة و الإجماع و الإستصحاب و الدليل النافي.
1- اما الكتاب فقال الله تعالى ( يا ايها الذين آمنوا اوفوا بالعهود)
فقد امر سبحانه بالوفاء بالعهود و هذا عام و كذلك امرنا بالوفاء بعهد الله و بالعقد و قد دخل ذلك فيما عقده المرء على نفسه بدليل قوله تعالى ( و لقد كانوا عاهدوا الله من قبل لا يولون الأدبار و كان عهد الله مسؤولا )
و تدل على ان عهد الله يدخل فيما عقده المرء على نفسه لم يكن الله ينفذ ذلك المعهود عليه قبل العهد كالنذر و البيع انما امر بالوفاء به و لهذا قارن الصدق في قوله تعالى و اذا قلتم فاعدلوا و لو كان ذا قربى و يعهد الله اوفوا فاذا كانت رعاية العهد واجبة فرعايته تقتضي الوفاء به و اما الأحاديث في هذا كثيرة مثل ما في الصحيحين عند عبد الله بن عمر قال رسول الله ص ( اربع من كل فيه كان مناقفا خالصا و من كانت فيه خصلة منهن كانت فيه خصلة من النفاق حتى يدعمان اذا حدث كذب و اذا وعد اخلف و اذا عاهد غرر و اذا اخصم فجر.)
( اذا خاصم فجر: ( ما علاقة هذه الجملة بقانون اصول المحاكمات المدنية؟
علاقتها ما يعرف باللدد في الخصومة، اي سوء استعمال الحق في التقاضي .
فقد جاء الكتاب و السنة فالأمر بالوفاء بالعهود و الشروط و العقود و آداب الأمانة و رعاية ذلك و النهي عن الغدر و بعض العهود و الخيانة و التشديد على من يفعل ذلك و اذا كان جنس الوفاء و رعاية العهد مأمور به علم ان الأصل صحة العقود والشروط اذ لا معنى للتصحيح الا ما ترتب عليه اثره و حصل به مقصودة و معقودة العقد هو الوفاء به فاذا كان الشارع قد امر بمقصود العهود ولت على ان الأصل فيها الصحة و الإباحية.
و قد روى عن الرسول ص انه خرج الصلح جائز بين المسلمين الأصلحا حرم حلالا او احل حراما و المسلمون على شروطهم الا شرطا حرم حلالا او احل حراما و هذا المعنى هو الذي يشهد له الكتاب و السنة و هو حقيقة المذاهب فان المشترط ليس له ان يبيح ما حرمه الله و لا يحلل ما اباحة الله فان شرطه حينئذ يكون مبطلا لحكم الله .
و هذا المعنى و الذي يشهد له الكتاب والسنة و هو حقيقة المذهب و الحنبلي فان المشترط ليس له ما يبيح ما حرمه الله او يحرم ما حلله الله فان شرطه يكون مبطلا للحق.
3- الإعتبار و هو يتضمن وجوب
أ- العقود و الشروط من باب الأفعال العادية و الأصلفيها عدم التحليل و يستصحب عدم التحريم فيها حتى يدل دليل على التحريم و قوله تعالى و قد فصل لكم ما حرم عليكم عام في الإعمال و الأفعال و اذا لم تكون حراما لم تكن فاسدا لأن الفساد انما ينشأ عن التحريم و اذا لم تكن فاسدة كانت صحيحة.
و ايضا فليس بالشرح ما يدل على تحريم العقود و الشروط الا ما ثبت حله بعينه و ان انتفاء دليل التحريم دليل على عدم التحريم فثبت بالإستصحاب العقدي و انتفاء الدليل الشرعي عدم التحليل فيكون فعلها اما حلالا و اما عفوا فالعهود يجب الوفاء بها اذا لم تكن محرمة و الا لم يثبت بشرع خاص فاذا حرمت العهود و الشروط التي تجري بين الناس في معاملاتهم العادية في غير دليلهم الشرعي كنا محللين ما لم يحلله الله.
ب- ان الأصل في العقود رضى المتعاقدين و موجبها هو اوجب على انفسهما بالتعاقد لأن الله تعالى قال في كتابه العزيز.
( الا ان تكون تجارة عن تراضي منكم)
اذا ، لم يشترط في التجارة الا التراضي و ذلك يفضي ان التراضي هو المبيح للتجارة و اذا كان كذلك فاذا ترضى المتعاقدين بتجارة او طابت نفس المتبرع يتبرأ فلا تحله بدلالة القرآن الا ان يتضمن ما حرمه الله و رسوله كالتجارة بالخمر و نحو ذلك .
ج- و اذا يشتمل العقد على شرط مناف لمقصود العقد لم يكن لغوا و اذا لم يشتمل على ما ينافي مقصود الشارع لم يكن لغوا ايضا و كذلك لم يشتمل على ما حرمه الله و رسوله فلا وجه لتحريمه بل الواجب حله لأنه عمل مقصود للناس يحتاجون اليه اذ لولا حاجتهم اليه لما فعله فان الإقدام على الفعل مظنة الحاجة اليه و لم يثبت تحريمه مباح لم افي الكتاب و السنة مما يرفع الحرج و على ذلك فان مقصود العباد من المعاملات لا يبطله الشارع الا مع التحريم لأنه لا يصححه الا بتحريم.
و ايضا فان المسلمين اذا تعاقدوا بينهم عقودا ولم يكونوا يعلمون لا تحليلها و لا تحريمها فان الفقهاء و جميعهم يصحبونها اذا لم يعتقدوا.
و لا يقول احد لا يصح العقد الا الذي يعتقد ان الشارع احله فلو كان اذن الشارع الخاص شرطا في صحة العقود لن يصح عقدا الا بعد ثبوت اذنه و هذا غير صحيح.
هذا و قد اشرت من قبل الى ان علماء الإمامية يميلون الى الإتجاه الأول ( المقيد) فمن الصعب ان ينتزع مبدأ حرية التعاقد من الفقه الإسلامي الجعفري فلا يوجد من النصوص و القواعد العامة ما يسمح بادخال كل ما هو مستحدث فالنصوص التي اقرت العقود و امرت بالوفاء بها ذلك لأن الشارع كما اقر مبدأ به ما هو متعارف بين الناس في التعامل و المتاجرة قد وضع من ناحية ثانية بعض العقود و الحدود و الغى بعض الوسائل التي كانت تستمعل في البيع و الشراء و ذلك مما يؤكد انه لم يترك للناس الحرية المطلقة في استمال ما يشاؤون في معاملاتهم و عقودهم.
غير ان الإجتهاد الحديث في فقه الإمامية يميل الى الأخذ بالإتجاه الثاني و هو اتجاه غالبية الفقهاء في مختلف المذاهب فيقول بعض علماء السنة ( و اقصى ما يمكن ان يقال لإثابت مشروعية العقود المستحدثة هو ان النصوص الإسلامية لم يرد فيها ما يقتضي حصر العقود و في نوع او صنف لنصوصه و لم يعين نوع العقد و البيع و التجارة بل امرت بالوفاء بالعقود و احلت التجارة و فرضت على المسلمين ان يلتزموا بشروطهم و التزاماتهم من ان نتعرض لأنواع تلك العقود و اصنافها و لا ماهية التجار و لا لشكل الإلتزام و موضوعه.
قال تعالى:
( يا ايها الذي آمنوا اوفوا بالعقود )
( اصل الله البيع و حرم الربا)
( لا تأكلوا اموالكم بينكم بالباطل الا تكون تجارة عن تراضي منكم)
و قال الرسول ص ( المسلمون عند شروطهم) الى غير ذلك من النصوص المشابهة في هذه الناحية والمعولم ان الناس قبل عصر التشريع كانوا يتعاملون بينهم بالبيع و الشراء و يتعاقدوا بجميع الأنواع الشائعة فلا بد ان يكون الذي يجب الوفاء به البيع المحل لهم و التجارة المسوغة لأكل المال و الإلزام الذي يجب تنفيذه هو ما يسمه الناس عقدا او بيعا و تجارة و التزاما في عصرهم و في جميع العصور حسب حاجات الزمن و مقتضيات الحال و كل ما في الأمر ان الحاجة لم تدعوا في عصر التشريع و قبله الا لتكل الأصناف من العقود.
فاذا دعت في عصر من العصور الى صنف من العقود كما حدت بالفعل فاذا دعت في عصر من العصور الى صنف من العقود كما حدت بالفعل في عصورنا المتأخرة يقول المستحدث فرضا للعقد الذي يجب الوفاء به بمقتضى النص الآية و بتعليق اكثر وضوحا هو انه بعد ان فرضنا ان المشترع لم يخترع انواعا و اصولا للتعامل تسمى عقدا وبيعا كما هو الحال في العبادة المقترحة لتبني الوقوف عندها فيما لو وردت في آية او رواية بيعا او عقدا. او تجارة و ما دام الأمر متروكا الى العرف فكل ما تفرضه حاجة المجتمع و يستعمله الناس و يسمونه عقدا يكون مشمولا لتلك الأدلة العامة التي جاءت لإفضاء ما هو متعارف بين الناس في مقام التعامل و الإتجار.
قال الشيخ محمد حسني الأصفهاني في شرحه المكاسب الأنصاري ما يلي ( ان البيع و ان كان موضوعا للنقل المؤثر من دون خصومة لنظر دون نظر الا ان الخطابات الشرعية حيث انها القيت الى العرف فلا بد من حملها على النقل المؤثر عندهم فالشارع في مخاطباته انما يخاطب اهل العرف وا لمعنى الذي يعرفونه فلو اراد خلاف ما عليه اهل العرف لزم عليه نص قرينة و عليه ينبغي النقل العرفي في جميع الأحكام و الآثار المترتبة على النقل الشرعي و نص غيره من فقهاء الإمامية على ان البيوع و العقود الواردة في النصوص الشرعية يراد منها ما هو عقد و بيع بنظر العرف.
( خذ العقد و امر بالعرف) فالعرف دليل شرعي على كافة الأحكام ) ( المعروف عرفا كلامشروط شرطا و المنصوص نصا)
محاضرة 1\6\2005 محاضرة رقم 4
الضابط الأول لصحة المعاملات
عدم اشتمال المعاملة المالية على مقامرة او رهان ( و يسئلونك عن الخمر و الميسر قل فيهما اثم كبير و منافع للناس و اثمهما اكبر من نفعها ) و سورة البقرة آية 219
( يا ايها الذين امنوا انما الخمر و الميسر و الأنصاب و الأزلام رجس من عمل الشيطان فاجتنبوه لعلكم تفلحون) سورة المائدة
( انما يريد الشيطان ان يوقع بينكم العداوة و البغضاء في الخمر والميسر و يصدكم عن ذكر الله و عن الصلوة فهل انتم منتهون) سورة المائدة آية 91
و من نهاية الآية 91 سورة المائدة ( فهل انتم منتهون) هي التي تضمنت هذا التحريم .
و اذا كان تحريم الخمر لم يثر ادنى جدلا مع تطور الدنيا الا ان تحريم الميسير على العكل قد اثار العديد من التساؤلات ازاء ما تمخضت عنه التطوارات الحديثة من اشكال و صور عدة للمعاملات قد تثير شبهة اختلاطها بالمقامرة و الرهان.
كما لا بد من الإشارة الى موقف القرآن الكريم من الميسر و ثم يتلو ذلك مدى انطباق حكم القرآن على بعض الصور العديدة للمعاملات الذي يثار مدى شبهة تضمنها لمعنى الخمر الميسر.
هي الميسر لغة: تيسر كذا او استيسر اي تسهل و تهيأ و الميسر هو السهل و اليسر و الميسور السهل والميسر عبارة عن و اليساراخت اليمين، و الميسر مأخوذ من التسير و هو ورود الشيء لصاحبه، يتسر لي كذا، اذا وجد فهو تيسرسيرا ، او ميسرة و هو مشتق من اليسر لأنه اخذ مال الرجل و سهولة بغير كد او تعب او من اليسار لأنه سلب يساره.
و الميسر اللعب بالقداح و اليسر المسير المقدوا و البشر المكتئبون على الميسر والجمع ايسر و الياسر الذي يلي قسمة الجذور والجمع ايسر و قد يسر، و يشتري الناقة
تشتر الجذور ( الناقة ) و يضمن الإيسار ( اللاعبين) ثمنها و يرضى صاحبها و كانوا يفتخرون بذلك و يجذمون من لم يفعل ذلك منهم ، و في احيان ربما تقامروا لإنفسهم ثم يغرم الثمن من لم يفز و يعيش بهذه السيرة فقراء الحي و منه قول الأعشى .
فسورة الميسر و على ضوء المعلومات التي وردت لكتب التفسير و الأدب ان يجتمع عشرة من اللاعبين و يحضروا جذورا يضمنون ثمنها لصاحبها و يدفع الثمن بعد المياسرة المغارمون وحدهم ، و تجعل القداح العشرة في خريطة و تجال (تخلط) و تحرك فيها ثم يخرج المفيض ( الذي يمسك القداح) اول قدح باسم احدهم على ترتيب لا نعلمه ، فربما كان بحسب جلوسهم ، او سنهم او تراضيهم ، و يكون هذا القدح هو مصيره فان كان رابحا عرف مقدار الربح، و بقى القدح خارج الخريطة (الربابة) ثم يخرج قدحا باسم الثاني و يعرف مقدار ربحه و هكذا الى عشرة و كل رابح يأخذ ما خرج اليه و الثلاثة اللذين تخرج لهم القداح التي لا نصيب لها هم اللذين يغرمون ثمن الجذور فيقسم عليهم اسلافا،
و كانوا يوسرون ليلا ، حيث يقيدون النار و قد عقروا ناقة و على مقربة منهم فقراء العشيرة ينتظرون ما يرمي به الأيسار من انصبتهم التي حرموها على انفسهم كرما و انفة و التصدق باللحم هو النفع الذي ذكره القرآن الكريم ، يسألونك عن الخمر و الميسر و منافع للناس (سورة الميسر)
يتبين مما تقدم ان العرب قبل الإسلام قد ولعوا بالميسر مباهاة و مفاخرة و عطفا على المحتاجين و من هنا ظهرت المنافع التي نصت عليها الآية فلقد كان الغرض نافع على عكس عادات الدول الأخرى التي كانت اشد ولعا من العرب في الميسر و لم هناك نفع و يذكر التاريخ ان قدماء الجرمان كانوا يتقامرون على كل ما يملكون فاذا نفذ تقامروا على حريتهم ، فيصير المغلوب عبدا للغالب و كذلك كان الحال لليونان، و لكن العرب تفردوا بالغرض النبيل للعب الميسر و لكن لا يخفى بالجملة ميسر العرب من مفاسد ، فالغالب انه يتسبب عنه ، العداوة و البغضاء بين المتياسرين ، و انه استيلاء على مال الناس بغير حق و لا طريق مشروع ، و حتى الكرم الذي في الميسر ليس خالصا كما يكرم الشخص من ماله الصرف عن قصد وراءه.
موقف القرآن الكريم من الميسر
ورد في كتب اسباب النزول ، ( كتب اسباب نزول الآيات) ان الآية 219 من سورة البقرة نزلت في عمر بن الخطاب و معاذ بن جبل و نفر من الإنصار اتو رسول الله صلعم ، فقالوا افتنا في الخمر و الميسر فانه مذهبة للعقل مفسدة للمال.
فانزل الله تعالى هذه الأية ، و الملاحظ ان اية سورة البقرة انها بينت للسائلين و هم هنا المؤمنون ان افي الخمر و الميسر اثم كبير و منافع للناس و اثمهما اكبر من منفعهما فاما الإثم في الميسر انه يفضي الى العادوة و ايضا لم يجريه بينهم من الشتم و المنازعة و انه اكل مال بالباطل و ذلك يورث العداولة لأن صاحبه اذا اخذ ماله مجانا ابغضه جدا ، و هو ايضا يشغل عن ذكر الله و عن الصلاة و اما المنافع في الميسر فهي كما يقول احد الأئمة ، التوسعة على ذوي الحاجة لأن من قمر لم يأكل من الجذور ، و انما كان يوزعه على المحتاجين و ذكر الواقدي ان الواحد منهم كان ربما قضى في المجلس الواحد مئة بعير ، و يكسبهم فيحصل على مال من غير كد و تعب ثم يصرفه الى المحتاجين فيكسب منه المدح و يكتب به شعر.
و في قوله تعالى : و اثمهما اكبر من نفعهما ، فان الإثم اكبر من النفع و اعود بالضرر في الآخرة ، فالإثم الكبير بعد التحريم ، و المنافع قبل التحريم.
الآية 91 من سورة المائدة : يا ايها اللذين آمنوا ، فلم يقل يا ايها الناس و انما بدأ بالنداء المألوف في هذا القطاع ، لإستجاشة قلوب المؤمنين من جهة و لتذكيرهم بمقتضى هذا الإيمان من الإلتزام و الطاعة من جهة اخرى ، فالنداء اذا للمؤمنين الذي اقروا بالإيمان و عليهم الإذعان الى الأمر التالي:
فقال تعالى انما الخمر و الميسر. هنا اكد المولى عز و جل تحريم الميسر و قال لنا في عبادة الأصنام ، و قوله تعالى رجس . فان رجس لغة كل ما استقظر من العمل ، فقول رجس من عمل الشيطان ، فان الرجس هو الذي يلزم اجتنابه اما لقبح ، او لجناسته ، ما يفعل به من عبادة او تعظيم.
و قوله تعالى من عمل الشيطان ، لأنه يدعو اليه و يأمر به ، فالشيطان لا يأمر الا بالمعاصي و القبائح و المحرمات،
و قوله انما يريد الشيطان ان يوقع بينهم العداوة و البغضاء في الخمر و الميسر فانما يريد به ما يدعو الشيطان به و يزينه من شرب الخمر حتى يسكر شاربها فيقدم على القبائح و يعربد ، فيؤدي الى العداوة و البغضاء و كذلك القمار فيؤدي الى ذلك ،
( كان الرجل يقامر في ماله و اهله ، فيقمر و يبقى حزينا سليبا فيكسبه ذلك العداوة و البغضاء)
و لقد تنبه الإمام القرطبي وجود فارق بين الخمر و الميسر حيث قال :
فان قيل ان شرب الخمر يورث الثأر فلا يقدر معه على الصلى و ليس في اللعب بالنرد و الشطرنج ، هذا المعنى ، قيل له قد جمع الله تعالى بين الخمر و الميسر في التحريم و وصفه جميعا بانه يوقعان العداوة و البغضاء بين الناس و يصدان عن ذكر الله و الصلاة و معلوم ان الخمر ان اسكرت فالميسر لا يسكر ، ثم لم يكن عند الله ، افتراقهما في ذلك يمنع من التسوية بينهما في التحريم ، لأجل ما اشترك فيه من المعاني ، و ايضا فان قيل ان قليل الخمر لا يسكر ، كما ان اللعب بالنرد و الشطرنج لا يسكر ثم كان حراما مثل الكثير فلا ينكر ان يكون اللعب و الشطرنج حراما مثل الخمر و ان كان لا يسكر ، و ايضا فان ابتداء اللعب ، يورث الغفلة، فتقوم تلك الغفلة المستولية على القلب مكان السكر، فان كانت الخمر انما حرمت لأنها تسكر فتصد بالإسكار عن الصلى ، فليحرم اللعب بالنرد و الشطرنج لأنه يغفل و يلهي ، فيصد بذلك عن الصلاة.
و على ذلك فان اسباب تحريم الميسر يمكن ايجازها فيما يلي:
اولا ان الميسر يفضي الى العداوة و البغضاء
ثانيا انه يصد عن ذكر الله و عن الصلاة فهو مفسدة للدين
ثالثا: يتضمن الميسر اكلا للأموال بالباطل
رابعا : و هو اكناف للمال و انفاقه بالرجس فهو مفسدة للمال.
الحكم الشرعي يدور مع علته و ليس مع حكمته ،
الحكمة من التحريم و العلة من التحريم
حكمة النهي عن الميسر
يقول الأمام الرازي ، و اما الميسر فالإثم فيه انه يفضي الى العداوة و ايضا لما يجري بينه من الشتم و المنازعة ، و انه اكل مال بالباطل ، و ذلك ايضا يورث العداوة و هو يشغل عن ذكر الله و عن الصلاة ، و في تفسير الآية انما الخمر و الميسر... يقول الإمام الرازي ، و اما الميسر فان كان مغلوبا في القمار مرة عاد اليه مرة اخرى ، لأنه ربما صار غالبا فيه ، و قد يتفق ان لا يحصل له ذلك ، الى ان لا يبقى له شيء من المال، و الى ان يقامر على اهله و ولده و لا شك انه بعد ذلك يبقى فقيرا مسكينا و يصير من اعدى الأعداء لؤلائك اللذين كانوا غالبين له فظهر من هذا الوجه ان الخمر و الميسر سببان عظيمان في افاضة العداوة و البغضاء بين الناس و لا شك ان شدة العداوة و البغضاء تفضي الى احوال مفهومة ، من الهرج و المرج و الفتن و كل ذلك مضاد لمصالح العالم.
اما النوع الثاني من المفاسد فهي متعلقة بالدين ، و هو قوله تعالى ( و يصدكم عن ذكر الله و الزكاة و الصلاة)
اما عن شرب الخمر يمنع عن ذكر الله فهو واضح و اما الميسر يمنع عن الصلاة و الزكاة ، لأنه اذا لم يربح مانع ان يخطر بباله شيء سواه و لا شك ان هذه الحالة تصد عن ذكر الله ،
علة النهي عن الميسر
اذا كانت الحكمة هي الباعث من الحكم فان العلة هي المسبب للحكم.
و العلة هي ذلك الوصف المنضبط المعرف للحكم ، و من شروطها ن ان تكون منضبطة ، فاذا وجدت العلة وجد الحكم و اذا تخلفت تخلف الحكم ،
و يمكن ملاحظة ان المخاطرة تتوفر في كافة اعمال الميسر و القمار و النضال ( المساواة )
فالمخاطرة في المسابقات بعوض امرها واضح ، فهي مخاطرة مالية ، فكلا المتسابقين يدخل في المسابقة على رجاء الربح و الخوف من الخسارة ، اي يخاطر على الغنم و الغرم ، و بعد تحقق النتيجة يصبح احدهما غالبا و الآخر خاسرا. اما في المسابقات في غير عوض ، فالمخاطر فيها متحققة غير انها تتصل بعمل و سمعة الاعب فكلا المتسابقين يدخل في المسابقة ليبذل عملا ذهنيا او جسميا كما يدخل في المراهنة ليبذل عملا ذهنيا يتمثل في حسن اختياره لتوقعه ، و بعد معرفة النتيجة يصبح احدهما فائزا غالبا و الآخر خاسرا مغلوبا ، فاحدهما يظفر بعمله في المسابقة سمعته و يفقدها الآخر المغلوب ، و معنى ما تقدم ان المخاطرة متوافرة في جميع انواع المسابقات فهي مخاطرة على عمل و سمعة ، في المسابقات بغير عوض و هي مخاطرة بمال في المسابقات التي بعوض، هذا الخطر يمكن صياغته بعبارة اخرى
فهو كل مراهنة على غرر محض عاري عن النفع ، فغرض المخاطرة او نفعها هي المناط في التأثير الشرعي في الحكم على المخاطرة و كونها حلالا او حراما ، والميسر و القمار ما هو الا علاقة مخاطرة او منافسة بين متعاقدين ، اذا غنم فيها احدهما غرم الآخر ، و يشمل هذا كل لعب فيه مراهنة.
(الخطر هو الإشراف على الهلاك) و نفس المعنى المخاطرة)
محاضرة 2\6\2005 محاضرة رقم 5
و قال مالك ميسر القمار ما يتخاطر الناس عليه ، و قال مجاهد كل شيء يقع فيه خطر فهو من الميسر اي القمار ، و روي عن ابن سيرين و مجاهد و عطاء انهم قالوا كل شيء فيه خطر فهو من الميسر ،
وقال الإمام ابو بكر الرازي ، القمار هو تمليك المال على المخاطرة ، و بناء على ما تقدم
تكون علة النهي عن الميسر او القمار هي المخاطرة ، فكل ما فيه مخاطرة بالمال يعد قمارا او ميسرا ، الا ما استثني ، و هذه العلة تعد جامعة لكافة انواع القمار او الميسر ، سواء اكانت المخاطرة في لعب او مسابقة غير شرعية، او في بعض العقود ، كالرهان و بيع المنابذة و الملامسة ، و البيع المعلق على الأخطار ، و على ذلك يندرج تحت هذه العلة كافة انواع القمار، ما لا يخلو المتعاقد فيه ، من غنم او غرم ، و لذلك ، جاء عن مجاهد و ابن سيرين و عطاء ، ان كل شيء فيه خطر فهو الميسر اي من القمار
فان قيل ان القرآن الكريم قد ذكر بعد تحريم الخمر و الميسر اربعة اوصاف و هي ايقاع العداوة و البغضاء و الصد عن ذكر الله و عن الصلاة فلما لا تكون هذه الأربعة علة للمنع ، و الجواب على هذا حكمة و ليس علة و فرق كبير بين الحكمة و العلة لأن العلة لا يتخلف عنها الحكم اذا وجدت ، فاذا عدمت عدم الحكم ، و الحكمة اذا لم تكن منضبطة ، ليست بعلة بدليل ان الرهان و بيع المخاطرة ليس فيهما صد عن ذكر الله و عن الصلاة مع انهما محرمان قطعا ، فلو كان هذا علة للمنع لتخلف الحكم هنا و صارا جائزين و لم يقل احد بذلك.
صور الميسر المحرم في بعد الآثار ( الأحاديث)
يبدو ان صور الميسر المختلفة قد اختفت من المجتمع الإسلامي بعد نزول اية التحريم فهذا هو الإمام ابي بكر محمد المعروف بابن العربي يقول الميسر ما كنا نشتغل به بعد ان حرمه الله تعالى فما حرم الله فعله و جهلناه حمدنا الله تعالى عليه و شكرناه ، و يقول في موضع آخر و اما الميسر فهو الشيء المحرم لا سبيل الى عمل ، فلا فائدة في ذكره بل ينبغي ان يموت ذكره و يمحى رسمه ،
مثال: حرم الله عز و جل الربا في كثير من الآيات ، و عقوبات كانت قاسية.
هناك نوعين من الربا ، الأول ربا النسيئة و ربا الفضل ( الزيادة )
و القرآن اشار الى النوع الأول من الربا فما هي صور الميسر؟
الصورة التقليدية للميسر و هو ميسر الجاهلية حيث كانوا ينحرون جذورا و يجعلونها اقساما يتقامرون عليها بالقداح على عادة لهم في ذلك فكل من خرج له قدح نظر الى ما عليه من ( سمي) اسم فيحتكمون له ما يقتضيه اسماء القداح و قد سبق تفصيل ذلك .
الميسر هو القمار ، لقد اطلق على سائر ضروب القمار ميسر، فقال ابن عباس و قتادة و معاوية ابن صالح و عطاء و طاووس و مجاهد .
( الميسر هو القمار)
و عن موسى ابن عفية عن نافع ابن عمر قال " الميسر هو القمار" و يقول مجاهد ( احد مفسرين القرآن) في تفسيره الميسر " كعاب فارس و قداح العرب و القمار كله"
و قال سفيان" كل شيء في القمار فهو من الميسر حتى لعب الصبيان بالجوز" و روي عن راشد ابن سعد انه قال: حتى الكعاب و الجوز التي يلعب بها الصبيان"
و عن ابن موسى عن النبي ص قال: " اجتنبوا هذه الكعاب الموسومة فانها من الميسر"
و روي عن حماد ابن سلمى عن قتادة ان رجلا قال لرجل ان اكلت كذا و كذا بيضة فلك كذا و كذا"
فارتفع الى الإمام علي رضي الله عنه فقال هذا قمار و لم يجزه.
- الميسر هو النرد ، روي سعيد عن ابي حيدر عن ابي موسى عن النبي ص قال: " من لعب النرد فقد عصى الله و رسوله"
و عن ابن الأحرض عن عبد الله قال " اياكم و هذه الكعاب الموسومات، فانها ميسرا العجم"
و روي عن الإمام علي مثل ذلك.
و عن جعفر ابن محمد عن ابيه عن علي ابن ابي طالب انه كان يقول " الشطرنج من الميسر" و قد لاحظ العلماء ان قبل اللعب بالنرد و الشطرنج انما يلهي عن ذكر الله و لذلك قاموا بتحريمه"
و عن ابن عمر قال" سئل القاسم ابن محمد عن النرد اهي من الميسر، فقال كل ما الهى عن ذكر الله و عن الصلاة فهو من الميسر"
في تفسير ( فماذا بعد الحق الا الضلال"
قد روى اسهب عن مالك قال اللعب بالشرطنج و النرد من الضلال و روى يونس عن ابن وهب انه سئل على الرجل الذي يلعب في بيته مع امرأته بال 14 فقال مالك.
" ما يعجبني و ليس من شأن المؤمنين، يقول تعالى ( فماذا بعد الحق الا الضلال)
و روى اشهب عن مالك ايضا عن اللعب بالشطرنج فقال لا خير فيه و ليس في سنتي و هو من الباطل و اللعب كله من الباطل و انه لينبغي ان تنهاه اللحية والشيب عن الباطل"
و قال الإمام الزهدي " لما سئل عن الشطرنج " هي من الباطل و لأجلها و قد اختلف العلماء في جواز اللعب في النرد.
و يقال انهم وجدوا في تركة الإمام الشافعي شطرنج.
هذا و قد اختلف في جواز اللعب اذا لم يكن على وجه القمار.
فبناء على المذهب المالكي ان من لم يقامر بها و لعب مع اهله في بيته مستترا به مرة في الشهر او العام لا يضطلع عليه و لا يعلم به انه لعفو عنه غير محرم عليه و لا نكروه له.
و انه اذا تخلع و اشتهر فيه سقطت مروئته و عدالته و ردت شهادته.
و اما المذهب الشافعي فلا تسقط في مذهب اصحابه شهادة اللاعب بالنرد و الشطرنج اذا كان عدلا في جميع احواله و لم يظهر منه سفا و لا ربا و لا كبيرة الا ان يلعب به قمار فان لعب به قمارا و كان ذلك معروفا سقطت عدالته و سفه نفسه لأكل المال بالباطل.
و قال ابو حنيفة بكرة اللعب بالشطرنج و النرد و ال 14 و كل اللعب الغير محمودة فان لم يظهر من اللاعب بها كبيرة و كانت محاسنها اكثر من مساوئها قبلت شهادته عندهم و قال ابن العربي قالت الشافعية ان الشطرنج يخالف النرد لأن فيه المد او الفهم و استعمال القريحة و النرد قمار محض لا يعلم ما يخرج له فيه كالإستقسام بالأزلام .
و في صحيح مسلم ان النبي ص قال" لمن لعب بالنرد كمن عمس يده في لحم خنزير و دمه"
و عنه ص " من لعب بالنرد فقد عصى الله و رسوله .
و مما جاء عن الشطرنج عن الإمام علي رضي الله عنه انه مر على مجلس من مجالس بني تميم و هم يلعبون بالشطرنج فوقف عليهم فقال " اما و الله لغير هذا خلقتم اما و الله لولا ان تكون سنة لضربت به وجوهكم" و لم يجادل به احد.
و عن الإمام علي انه مر بأناس يلعبون بالشطرنج " ما هذه التماثيل التي انتم لها عاكنون لأن يمس احدكم جمرا حتى يطفأ خير ان يمسها"
و سئل ابن عمر عن الشطرنج فقال هي اشر من النرد و قال ابو موسى الأشعري " لا يلعب بالشطرنج الا خاطئ"
و سئل ابو جعفر عنه فقال" دعونا من هذه المجوسية " و هذه الآثار ( الأحاديث) كلها تدل على تحريم اللعب بها بلا قمار.
و قد ذكر في المائدة بيان تحريمها و انها كالخمر في التحريم لإقترانها به .
قال ابن العربي (مالكي) و قد جوزه الشافعي و انتهى حال بعضهمالى ان يقول هو مندوب اليه حتى اتخذوه في المدرسة فاذا اعيا الطالب عن القرآة لعب به في المسجد و اسندوا الى قوم من الصحابة و التابعين انهم لعبوا بها و ما كان ذلك قط و تالله ما مستها يد فقي ، و يقولون انها تشحذ الذهن و الحال يكذبه فلا تجد فيها قط رجل له ذهن.
- و تعد المخاطرة من القمار ، قال القاضي ابي بكر ، و ان المخاطرة من القمار " و قال ابن عباس" ان المخاطرة قمارا و ان اصل الجاهلية كانوا يخاطرون على المال و الزوجة و قد كان ذلك مباحا الى ان ورد تحريمه"
و قد خاطر ابو بكر الصديق المشركين حين نزلت ( الم غلبت الروم...) و قال له النبي ص رد في الخطر و ابعد في الأجل.
- و ما ذكره الله تعالى من تحريم الميسر و هو القمار يوجب تحريم القرعة من العبيد يعتقهم المريض ثم يموت لما فيه من القمار و اخفاق بعض و انكاح بعض و هذا هو معنى القمار بعينه و ليست القرعة في القسمة كذلك لأن كل واحد يستوفي نصيبه لا يخفق واحد منهم.
الميسر في الديانة اليهودية و المسيحية
الملاحظ ان الشريعة اليهودية و المسيحية قد حرمتا الربا و لكن لم يرد منهما اي تحريم للميسر و انما وردت بعض الآثار فيهما تتكلم عن القرعة و مدى جوازها.
ففي سفر الأمثال وردت" القرعة تلقى في الحضن و من الرب كل حكمها"
معنى ذلك ان الرب كل حكمها ان الله يقدر و يفعل ما يشاء و هذا اهو المعنى ذاته لدى الإسلام اذ يقولون متى جازت القرعة فانها تتضمن تعويضا لله مثل ان يقضي بها لمن يشاء.
هذا و قد اكد الذكر الحكيم استخدام اليهود لهذا النظام في قصة مريم ( و ما كنت لديهم اذ يلقون اقلامهم ايهم يكفل مريم) و في قصة يونس
( فسآم فكان من المضعضين)
كما استخدمت القرعة ايضا في شأن بعض المعاملات كتقسيم الأموال في الديانة اليهودية ورد في سفر العدد انما بالقرعة بقسم الأرض حسب اسباط آبائهم.
( يملكون حسب القرعة، يقسم نصيبهم بين كثير و قليل) التوراة.
فهذا هو قسمة المال بالقرعة التي قد لا يتحقق مبدأ المساواة و هي جائزة حسب هذا النص و غير جائزة لدينا ( المسلمين) و لكن اذا قسمت الأرض بالتساوي بين قوائم ثم القيت عليهم القرعة ليأخذ كل واحد منهم قطعة من قطع الأرض المتساوية فلا غضاب في ذلك بل هو ايسر في تطييب الخواطر للداخلين في هذه القرعة و ابعاد الشبهة المحاباة عن القاسم.
محاضرة السادسة
الإستقسام بالأزلام:
ورد في آية التحريم رقم 3 من سورة المائدة المذكورة اعلاه كما تأكد هذا التحريم من سورة المائدة آية 90.
و يقول ابن كتبية " الأزلام تعني القداح و احدهما زلم و هي الأقلام ايضا واحدها قلم سميت بذلك تقلم و لذلك سمي القلم الذي يكيب به قلم و منه قلامة الأظافر و لها موضع آخر حرمه الله و هو الإستقسام بها"
و الإستقسام : استفعال من القسم ، و هو النصيب و ابانوا اذا ارادوا ان يقتسموا نسبا مختلفا بين قوم تساهموا عليه في خرج لكل امرء حظا له فقيل الإستقسام اي طلب القسم و هو النصيب و اذا تساهموا في امر من الأمور تساهموا عليه ثم جعلوه لمن خرج قدحه.
قال الله عز و جل
( و ما كنت لديهم اذ يلقون اقلامهم ايهم يكفر مريم)
و كانوا تشاحوا في كفالتها فضربوا بالقداح و هي اقلام فخرج قدح زكريا فكفل و كذلك فعل يونس في السفينة ، فقال ايهما يلقى بالبحر، فكان من المضحدين اي من المغمورين ، فرمي في البحر.
و هذا يتشابه مع الخساراة المشتركة في القانون البحري ، عندما تكون البضائع موجدة الرمي لسلامة السفينة.
و كانوا اذا ارادوا الخروج الى وجه ضربوا بقداح فان خرج القدح الآمر نفذ الرجل لوجه ( اي خرج يحارب) راجيا السلام و اذا خرج القدح الناهي لم يخرج.
و لإستقسام الأزلام اشبه شيء بالقرعة التي اطلقها لنا الرسول و جعلها بابا من الحكم و لتقاربهما في الشبه قال بسيرين حين بلغه ان عمر بن عبد العزيز ( خامس الخلفاء الراشدين) اقرع بين الفطم ، ما كنت ارى هذا الا من الإستقسام بالأزلام.
و انما يفترقان فان استقسام العرب في الجاهلية كان يكون عند انصابهم ، و في بيوت اصنامهم و كانوا يظنون انها هي التي تخرج لهم في القدح ما يمتثلونه من امر و نهي.
و مفاد ما ذكره ابن كتبية ان الإستقسام بالأزلام هو القول بمعرفة ما قسم له و قدر من خير او شر ، بواسطة القداح . و هي السهام المخصصة لذلك فيكتب على احدها امرني ربي و على الآخر نهاني ربي الثالث ، غير مكتوب ، او كان يكتب على احداهما افعل ، و على الآخر لا تفعل ، و الثالث لا يكتب عليه شيء فاذا خرج الأخير اعيد الضرب حتى يخرج امرا او نهي فيتصرف الشخص حسب ما خرج له من حظ .
و شبيه بذلك الإستقسام بالطيور ، بحسب وجهة طريها ، فاذا طار جهة اليمين ، تفاءل المرء و اقدم على ما ينوي و اذا طار الى جهة اليسار تشاءم و احجم عن ما يبغي ، و لا شك ان الإستقسام بالأزلام اشبه بالميسر حيث يترك شأن و مصير الإنسان لمحض الحظ و الصدفة و لذلك وصفه المولى انه رجس من عمل الشيطان ففيه اعتماد على مجهول بدلا من التوكل على الله.
و يتصل بموضوع الإستقسام بالأزلام القرعة ، و لقد ورد ذكرها في آيات الذكر الحكيم ، ففي سورة آل عمران و ما كنت لديهم اذ يغتصبون ) حيث يقصد بالقاء الأقلام اجراء القرعة بينهم دفعا للخصام والتشاحم و في سورة الصافاة (و ان يونس لمن المرسلين اذ ابق الى الفلك المشؤوم فساهم فكان من المضحدين فالتقطه الحوت و هو ملين ) و المعنى ان يونس عندما فر من قومه الى السفينة المليئة بالحمولة و خاف الجميع من الفرق فاقترعوا فيمن يلقى بالبحر فخرجت القرعة على يونس فالقوه فمعنى ساهم انها قرعة و كان من المضحدين اي كان من الغلوبين في القرعة.
و قال رسول الله ص، لو يعلم الناس ما في النداء و الصف الأول في صلاة الجماعة ثم لم يجدوا الا ان يستهموا عليه لأستهموا ، و كان رسول الله اذا اراد السفر اقرع بين النساء ، و خرج بها معه.
فالقرعة من المنظور الإسلامي لها هدفها و نطاقها فغايتها محدودة عند التساوي و التشاحن ، فلا يجب ان تنقلب الى اضاعة المال ، او اكله بالباطل او ان تكون قمارا كما يجب ان لا يخالطها ما يؤدي الى تواكل و تكاسل و استسلام الناس للصدفة و للحظ و عزوفهم عن السعي و الجد و العمل و الإجتهاد كوسائل لتحصيل الرزق و الثواب في الآخرة للجد في العمل ، لذلك استخدمت القرعة في الإسلام لتكون وسيلة الخلاص عند التساوي و عدم امكان التوزيع على الجميع بالتساوي و دفعا للتهمة و المحاباة و منعا للحقد و الضغينة كما انها تتضمن تفويضا و استسلاما لقضاء الله و قدره فهي ابعد في نظر المسلم عن ان تكون اعتمادا على الحظ و المصادفة وانما هي استسلاما لقدر الله و قضائه.
فالقرعة اذا جائزة في الإختيار عن التساوي و التشاحن و لكنها غير جائزة في عقود المعاوضة ، فهي عقود مراضاة لا محل للقرعة فيها ، فالعوض في عقد لا يستحق بالقرعة ،
في حال هناك وجود سيارتين كلاهما نفس الثمن ، و يشتري المشتري احداهما ، فيجب ان يحدد اي سيارة لأن المبيع ان يكون معينا تعيينا كافيا ، و لذلك القرعة غير جائزة شرعا و قانونا.
و ما كان اصلا في العقد ، فلا يصح عقده على القرعة كإبتياع احد الشيئين بالقرعة ، و على اية حال فان توزيع الأموال و الحقوق بالقرعة في غير الحالات التي تكون فيها في القرعة فان ذلك لا يعد من قبيل القمار ، و لكن يعد من باب التوزيع السيء غير الرشيد ، فهو ينطوي على اضاعة المال او توزيعه بمقتضى الحظ و المصادفة اما ان تستخدم القرعة ، في المعاوضات و منها اليانصيب ، فلا شك في دخولها في مفهوم القمار،
بعض احكام القضاء الفرنسي التي تعرضت للقرعة استخدمت عبارات الشريعة الإسلامية ،
الرهان
ورد لفظ الرهان ، في آية المداينة ، من سورة البقرة ، و لكن بمعنى اخر ، غير مراد بالرهان هنا ،
الرهان في سورة البقرة ،( فرهان مقبوضة ) و هذا هو الرهن الحيازي.
و لكن ورد اللفظ بالمعنى الذي نقصده في احاديث رسول الله من ذلك ما قيل لأنس : اكنتم تراهنون على عهد رسول الله ص اكان ، رسول الله ص يراهن ؟ قال نعم ، و الله لقد راهن على فرس يقال له سبحة ، فسبق الناس فهش لذلك و اعجبه ، و علي بن عمر ان النبي ص سبق بالخيل و راهن و في لفظ آخر سبق بين الخيل و اعطى السابق.
و في شأن تحديد المدلول اللغوي للرهان فلقد جاء في لسان العرب، ان الرهان و المراهنة هي المسابقة على الخيل و غيره ، فالرهن هو الشيء الملزم ، و يجمع على رهان ، و في تعريفه فقها ، انه التزام بشرط ، و يدخل الرهان في عموم معنى القمار ، و حيث يكون هناك جعل مبذول من الطرفين ، و قد يتعلق مصطلح الرهان بحالة خاصة من القمار ، عندما لا يكون للمتراهنين اي دخل في اللعب او السباق او النضال، كأن يقول (أ) ل( ب) ان سبق د ج ، فلك مني كذا و ان سبق ج د فلي عليك كذا و قد يتساوى المبلغان و قد يتفاوتان ، فالرهان ينصرف الى كل توقع على مال يأخذه من يصدق توقعه ممن لم يصدق توقعه ، و يتفق كل من الرهان و المقامرة ، في ان حق المتعاقد ، يتوقف على واقعة غير محققة ، و هي ان يصدق قول المتراهن في الرهان ، و ان يكسب المقامر اللعب في المقامرة غير ان الرهان يفارق القمار ، في ان للقمار طرفان، لللعب و المقامرة و كل طرف يقوم بدور ايجابي في محاولة تحقيق الواقعة غير المحققة اما المراهنة فلها اربعة اطراف.
طرفان للمراهنة ، و طرفان آخران هما اللاعبان و المراهن لا يقوم باي دور في تحقيق صدق قوله.
الفرق بين القمار و المراهنة في القانون
في المقامرة يكن المقامرون هم اللاعبين ، و لكن في الرهان يكون لا يكون المتراهنون هم اللاعبين.
المراهنات قد تكون بعوض و قد تكون بغير عوض.
و على ذلك فاللذين يتسابقون بالخيل في غير اغراضه الشرعية على ان يكون المتسابق الفائز جعلا ، اما اللذين يتراهنون على الفرس السابق و هم لم يركبوه فليسوا بمقامرين و انما متراهينين ، و الفرق ان المتسابق يبذل جهدا لتحقيق الواقعة ، اما المتراهن فلا يبذل جهد في تحقيق الواقعة.
و قبل ان نبين ، حكم الشريعة و القانون في الرهان نعرض لدليل معين . قد يثير جدلا حول شرعية الرهان او عدم مشروعية ، وهو المتعلق برهان ابو بكر الصديق رضي الله عنه.
قال تعالى: ( ا ل م ، غلب الروم في ادنى الأرض و هم من بعد غلبهم سيغلبون في بضع سنين ، لله الأمر من قبل و من بعد و يوم اذ يفرح المؤمنون بنصر الله ، ينصر من يشاء و هو العزيز الرحيم ، وعد الله لا يخلف الله وعدا. ولكن اكثر الناس لا يعلمون، يعلمون ظاهرا من الحياة الدنيا و هو عن الآخرة ..)
روى الترمذي عن ابن عباس ، قال : كان المشركون يحبون ان يظهر ( ينتصر) اهل فارس على الروم لأنه و اياهم اهل اوثان ، و كان المسلمون يحبون ان يظهروا الروم على الفرس لأنهم اهل كتاب .
فذكروه في ابي بكر رضي الله عنه فذكره ابي بكر عن الرسول ص ، فقال . اما انهما سيغلبون فذكره ابو بكر ، فقالوا : اجعل بيننا و بينك اجلا ، فان ظهرنا كان لنا كذا و كذا ، و ان ظهرتم كان لكم كذا و كذا.
فجعل اجلا خمس سنين ، فلم يظهرو ( الروم) فذكر ذلك من النبي ، فقال : الا جعلته الى دون العشر ، فالبضع ما دون العشر ، قال : ثم ظهرت الروم بعد ، فذلك قوله (_ الآية السابقة)
و في رواية اخرى للحادثة السابقة انهم لما نزلت هذه الآية قبل الهجرة قال مشركوا قريش لأبي بكر الصديق ، ترون ان الروم تغلب فارس ، فقال : نعم، فقالوا : هل لك ان تخاطرنا ، على ان نضع بينك و بيننا خطر اي رهان عشرة قلائس ، فان غلبت الروم ، اخذت خطرنا ، و ان غلبت فارس ، اخذهنا خطرك ، فخاطرهم ابو بكر . و جعل الأجل خمس سنين او ستة ، فلم يظهروا فاتى النبي ص و اخبره فقال : الا احطت يا ابا بكر فان البضع ، ما بين الثلاثة و التسع ، اذهب اليهم فزد في الخطر ، و ابعد في الأجل ، ففل ابو بكر رضي الله عنه ، فاخر الأجل و زاد الخطر الى مئة ، و ظهرت الروم على فارس.
فبعث الى ابي بكر رضي الله عنه ، ان تعال و خذ خطرك ، فاتى النبي ص ، فامره بأكله ،
و في رواية اخرى ، فجاء به يحمله ، فقال له الرسول ، هذا سحت تصدق به
و من جماع الروايات السابقة لواقعة رهان ابي بكر الصديق يتبين ان ظاهرها ، يفيد و يدل على جواز الرهان ، و مع ذلك فلقد اختلف الفقهاء في الحكم المستفاد من الأحاديث فذهب طائفة الى لا تعارض بين الحديث ، الدال على جواز الرهان ، و بين الأدلة على حرمته ، لأنه الرهان كان جائزا في اول الإسلام ، ثم نسخ بنهي النبي ص ، عن الغرر و القمار ، وقالو : و يدل على نسخه ، ما رواه الإمام احمد و اهل السنن من حديث ابي هريرة ، قال : قال رسول الله ، لا سبق الا في خف ، او حافر ، او نصل.
و السبق هو الخطر الذي وقع عليه الرهان ، ه
هذا و قد تصدى احدا لفقهاء للرأي السابق ،
الإمام ابن القيم ان واقعة رهان ابي بكر الصديق ، تمت بعد نزول ايات التحريم الخاصة بالخمر و الميسر الأمر الذي يدل على مشروعية ما صنعه ابو بكر الصديق ، و لكن لحكمة معينة ، ابان عنها ابن القيم في ان تلك المراهنة انما كانت امرا ، يقتضيه اعلاء كلمة الدين ، و تصديق رسول الله و كتابه فالآية التي حكت عن غلبة الروم ، بها الحكم القاطع على تلك الغلبة ، و بالتالي اتى رهان ابي بكر الصديق تصديقا للآية و دحضا لشكوك المشركين.
بعض صور الرهان في هذا العصر و مدى شرعيتها و قانونيتها:
لقد انتشر في هذا العصر العديد من صور المراهنات التي تستنزف المال و الوقت بغير حق ، و اخذت مسميات عديدة ، و هذه الصور و ان كانت داخلة ، في المفهوم العام للميسر او القمار الا انها اصبحت اليوم اكثر خطورة و انتشارا من العاب الميسر المحضة ، و قد سبق لنا بيان الفارق بين المقامرة و الرهان شرعا
و نعرض الآن لتعريف الرهان في نظر رجال القانون و الفارق بينه و بين القمار.
فالمقامرة و المراهنة ، تشتركان في انهما من عقود الغرر ، و من عقود التراضي ، و من عقود التبادل ، فاما كونهما من عقود الغرر او الإحتمال فهذا ظاهر ، ذلك لأن تحقق النتيجة ، في ايهما ، يتوقف على حدوث امر غير محقق.و هما من عقود التراضي حيث يتم العقد بمجرد حصول الإيجاب و القبول ، دون حاجة الى اي اجراء شكلي ، و هو من عقود التبادل ، حيث يتعهد كل طرف بان يدفع للآخر مبلغا من النقود او شيئا اخر من الأشياء الداخلة في دائرة التعامل عن تحقق الشرط المتفق عليه ، و في هذه العقود ، تبتدئ بوجود دائن و مدين ، و لكنها تؤول في النهاية الى وجود دائن واحد ، هو الرابح و مدين واحد هو الخاسر ، و لذلك كانت عقودا انفرادية بالنسبة لنفاذها.
و برغم هذا الإتفاق بين العقدين ، المقامرة و الرهان ، الا انهما يختلفان مع ذلك في امر اخر نبينه عندما نعرف كلا العقدين تعريفا منضبطا يتفق مع غاية كل عقد منهما.
في عقد المقامرة ، هو اتفاق بين شخصين او اكثر ، يتعهد فيه كل مقامر بان يدفع الى الرابح مبلغا او اي شيء آخر ، متفق عليه ، في حالة ما اذا خسر المقامرة .
اما الرهان ، فهي اتفاق بين شخصين ، او اكثر اختلفا على امر ما ، يتعهدان بموجب هذا الإتفاق ان يدفع احدهما الى الآخر مبلغا معينا ، او اي شيء اخر متفق عليه في حالة ما اذا لم يصدق قوله في واقعة غير محققة . اي اذا اتضح ان قول الآخر هو الأصح.
و يذهب اتجاه ، الى ضرورة ان تكون الواقعة غير المحققة ، في الرهان ، اجنبية عن حالة المتراهنين ، بحيث لا تحملهم خسارة او تجلب لهم كسبا و على ذلك اذا اتفق وارثان ، على ان ايا منهما يوصي له المورث ، يدفع للآخر الذي لم يوصى له مبلغا من المال ، لم يكن هذا الإتفاق رهانا ، بل هو تأمين جائز.
اما الفرق بين المقارة و الرهان هو ان الشرط المعلق عليه ربح المقامرة ، هو عمل يأتيه احد المتعاقدين ، اي يقوم المتعاقد بدور ايجابي ، في محاولة تحقيق الواقعة غير المحققة ، اما الشرط المعلق عليه ربح المراهنة ، هو تحقق امر ما يكون قد حدث او سيحدث ، حيث لا يقوم المتراهن ، باي دور ايجابي ، في محاولة تحقيق صدق زعمه و قوله
و نعرض لأمثلة لبعض صور المراهنات الشائعة و هي لا تقع الآن تحت حصر ، فكل يوم يشهد نشوء صور جديدة منها ،
الأمثلة:
العاب اليانصيب: و هي لعبة يساهم فيها عدد كبير من الناس ، يدفع كل منهم مبلغا معينا ، عادة ما يكون صغيرا ، بقصد كسب جائزة اليانصيب ، و هذه الجائزة هي مبلغ من المال ، او شيئا آخر ، و يكون لكل مساهم رقم معين ، و يتم تحديد الفائز او الفائزين عن طريق السحب من هذه الأرقام عشوائيا ، اي عن طريق محض الصدفة و الحظ و يتم الآن ذلك غالبا عن طريق الحاسب الآلي ، او السحب اليدوي اذا كان نطاق اليانصيب قليلا من حيث المشتركين و من صور اليانصيب قيام شخص معنوي ، بالإعلان عن عملية يانصيب لحسابها و رصدت في هذه العملية مبلغا من المال ، او عقارا او سيارة ، او شيء آخر ذو قيمة مالية كبيرة ، ليكون من نصيب صاحب الرقم الأول الفائز .
و قد تعرضت محكمة النقض المصرية لهذه الصورة ، من العاب اليانصيب ، و في القانون الفرنسي هناك العديد من الأحكام الصادرة في مسائل اليانصيب ،
حيث قضت محكمة النقض في 8 \1\ 1942 بانه حيث ان المستفاد من اوراق الدعوى ان ما رمت اليه جمعية المواساة في اصدارها ورق يانصيب ، الذي كانت فيه الورقة التي ربحت العمارة ، هو على منوال ، ما ترمي اليه الجمعيات الخيرية بوجه عام . من اصدارها اوراق النصيب ، طبقا للقانون رقم 10 لسنة 1905. و اليانصيب اللبناني يتم اصداره طبقا لتشريع لبناني .الباب الثاني في المقامرة و المراهنة المادة 1024 موجبات و اعقود الى 1027.
و القانون المصري ينحصر في غرضين ، اولهما استفادة هذه الجهات التي اصدرت اليانصيب من جزء من المبالغ المتجمعة ، لإنفاقها ، في اوجه نافعة ، و ثانيها ، فوز بعض مشتري هذه الأوراق ، بالجوائز المدونة بها ، حثا لهم ، على شراء هذه الأوراق تشجيعا على اقتنائها بثمن بخس بامل الفوز باحدى الجوائز.
و هذا الحكم قام بتعريف المقامرة و المراهنة تعريفا قانونيا.
و مؤدى هذه العملية ان كل مشتري لورقة او اكثر يساهم بجزء قليل بنسبة ما اشتراه في الأعمال الخيرية للجهات المرخص لها ، باصدار ورق النصيب. كما يساهم في الجوائز التي تربحها الأرقام المسحوبة ، و بهذا الوضع تكون الجائزة عبارة عن مساهمة من صاحب الورقة نفسه ، ببعض ما دفعه ثمنا لشرائها ، و بعض ما دفعه غيره من اللذين اقتنوا ورق النصيب و ارتضوا من بادئ الأمر ان يجعلوا هذه المساهمة عرضة للتضحية ، مقابل ما لديهم من امل الربح تكون النتيجة في ذلك ان الورقة الرابحة تستحيل بمجرد اعلان نتيجة السحب الى صق بالجائزة المخصصة لدرجة سحبها ، و يكون من حق حامل الورقة ، مطالبة الجهة التي اصدرت ورق النصيب بتلك الجائزة نقودا كانت او عينا معينة ،
( المادة 1027 القانون اللبناني ، يذكر فيها المشرع ان لعبة اليانصيب لا تخول حق المداعاة الا اذا كانت مجازة على وجه قانوني) .
مدى جواز مخالفة نص القانون الموجبات و العقود اللبناني لتلك القاعدة الأساسية المتعلقة بالنظام العام.
الا يجوز ان يطعن في هذا النص اذا كان لدينا قضاء دستوري ، بمخالفة القواعد الدستورية.
المحاضرة السابعة:
بالنسبة للشخص الذي يشتري ورقة النصيب: فالعقد هنا هو من العقود المسماة ، من عقود الغرر.
اما بالنسبة للموضوع ، فموضوع العقد هو ، اما ان يكون قيمة الورقة و اما ان يكون قيمة الجائزة ،
(تكملة الحكم)الذي ذكرناه في السابق
وحيث انه بناء على ما تقدم تكون الجائزة هي في الواقع موضوع التعاقد و الغرض المقصود منه، سواء بين مشتري الورقة و الهيئة التي اصدرت ورقة النصيب او بينه و بين من يدعي مشاركته فيها اما ورقة النصيب الرابحة ، فهي سند الجائزة و مظهرها الوحيد و لا تكون الجائزة مستحقة بدون وجودها ، و اما قيمة الورقة المدفوعة فلا وجود لها في ذلك اذ اصبحت مستهلكة في الجوائز اي الأغراض التي من اجلها اصدرت اوراق النصيب،
( هذه العبارة تتضمن احكام كثير ، فمحكمة النقض تقول ان الموضوع هو قيمة الجائزة و ليس قيمة الورقة. و يقول الحكم ان هذا الموضوع هو الذي يكون محلا للمشاركة اي ان يقوم شخصين بقطع ورقة النصيب نصفين و اعطاء كل شخص نصف ورقة) و هذا الموضوع الذي تكلمنا عنه هو نفسه موضوع الشركة التي قامت بين الشخصين اللذين تقاسما الورقة) و سند استحقاق الجائزة هي هذه الورقة الرابحة ، و اذا فقدت الورقة فلن نستطيع المطالبة بها.)
و لما كانت اوراق النصيب غير اسمية فهي لا تعدو ان تكن سندا لحاملها بقيمة الجائزة المربوحة و اذا كانت العبرة في ملكية هذا الضرب من السندات بحيازتها فان صاحب الحق في المطالبة بالجائزة هو من تكون بيده تلك الورقة الرابحة فاذا ما ادعى احد استحقاق الجائزة كلها او بعضها بعد السحب في غير حالتي السرقة و الضياع تعين مراعاة احكام القانون تبعا للقيمة المطلوبة لا بالنسبة للمحكمة المختصة فحسب بل بالنسبة لقواعد الإثبات ايضا بحيث اذا كانت قيمة المدعى به متجاوزة لحد نصاب الإثبات بالبينة كان الإثبات بالكتابة امرا لا مناص منه.
و هذه الفقرة هي اثر لإعتبار موضوع التعاقد هو قيمة الجائزة ، فاذا ما ادعى احد الأشخاص استحقاقه لجائزة كانت لدينا قيمتان ، القيمة الأولى هي قيمة الورقة و القيمة الثانية هي قيمة الجائزة مليون ليرة ، و العبرة تكون بقيمة الجائزة فيجب على من يدعي استحقاقه للجائزة ان يثبت بالكتابة ،
و النتيجة الثانية مراعاة النصاب القيمي بين المحكمة الإبتدائية و القاضي المنفرد حسب قيمة الجائزة.
شرعية اوراق النصيب في الفقه الإسلامي
و العاب النصيب تعد من قبيل المراهنات فكل من يساهم فيها انما يراهن على ان رقمه هو الفائز او يحدوه الأمل في الفوز فان صدق حدسه و تخمينه فاز بجائزة النصيب و ان لم يصب خسر ما دفعه و هذا يعد من الرهان المحرم شرعا.
و بالتالي كان التعاقد على شراء اوراق النصيب باطلا و هو بطلان مزدوج ، حيث ان بيعها يعد محرما و شراؤها يعد محرما فان ما حرم بيعه حرم شراؤه و لا يرفع التحريم و لا ينفي البطلان اعتقاد بعد المشترين انهم يساهمون في الأنشطة الخيرية للجمعيات و المؤسسات التي تصدر مثل هذه الأوراق فالحقيقة الغالبة ان الشراء لا يتم الا طمعها في الجائزة ، و على هؤلاء الذين يتوهمون بالخير بشرؤهم الأوراق ان يتبرعوا لتلك الجمعيات و المؤسسات .
و من صور الرهان ايضا ما يحدث في بعض العاب الورق كالبوكر و غيرها حتى كرة السلة و كرة القدم فان المراهنة تكون نفسها .
و من هذه الصور ايضا من يشترك في لعبة الرولت حيث لا يقوم باي دور ايجابي في محاولة جعل الرقم الذي اختاره في اللعب هو الرقم الكاسب فهو مراهن لا مقامر.
و من هذه الصور المراهنات في سباق الخيل و غيرها من الحيوانات و ايضا المراهنات في الرماية و ما شابه ،
و من هذه الصور اصدار سندات مصحوبة بنصيب ، و كذلك ما تصدره بعض البنوك و المصارف من شهادات ادخار او استثمار او ايداع بفئات مالية مختلفة يكتبب فيها المدخرون ، و تكون مسحوبة باجراء قرعة بعد نهاية كل دورة مالية معينة بين هؤلاء المكتتبين بحسب ارقام شهاداتهم ليفوز بعضهم بجوائز نقدية او غير نقدية ( مضاعفة الرصيد ، او مبلغ نقدي كبير ، او وحدة سكنية او سيارة او اي منقول آخر ذو قيمة ) ، و لا يفوز البعض الآخر باي شيء و تأخذ هذه السندات او الشهادات حكم اليانصيب ، المتضمن رهانا بغض النظر عن الهدف التي تسعى الى تحقيقه تلك العمليات.
و من العاب اليانصيب وضع اجهزة اوتوماتيكية ، في متناول الجمهور حيث يضع الشخص في الجهاز مبلغا صغيرا ، اما ان يخسره او يفوز مبلغ اكبر او بشيء اكبر قيمة ، و منها ايضا ما تلجأ اليه بعض المتاجر الكبرى ، من منح المشتري لسلعة معينة او مجموعة سلع تبلغ قيمتها مبلغا معينا ، بطاقة ذات رقم او فاتورة بالشراء مرقمة ثم يجري السحب على هذه الأرقام و من يفوز يحصل على جائزة معينة في مقابل خسارة الباقين ، و هذه الصور فضلا عن تضمنها معنى القمار حيث ان مبلغ القمار يتمثل في فارق ثمن السلعة في حالة وجود اليانصيب و ثمنها في حالة تخلفه الا انها اقرب الى المراهنة .
ملوك العرب في الزمان ، كانوا ملوك جبابرة ، يأتي الملك على الصحراء في الجزيرة العربية ، ثم ينظر الى قطعة ارض شاسعة ، فيقول الإبل و المواشي خاصتي سوف ترعى في تلك المنطقة و بالتالي يحصر على اي شخص اخر ان يدخل بمواشيه الى تلك المنطقة ، هذا يسمى بالحمى ،
فعندما يأتي الفقراء اللذين يملكون المواشي ، فقد نكون بصدد انسان حذر يبعد عن منطقة الحمى ، لأنه لا يضمن ان يأتي الى تلك المنطقة اي منطقة الحمى و ممكن عينه ان تسرح و يقتل في المنطقة . فتجنب الوقوع في الحرام.
و الآخر جريء و متبصر فيحوم حول الحمى ، و لكن لا يدخلها ، لأن لو دخلها سوف يقتل ،
فالحمى محارم ، و الإنسان الأول ابتعد عن تلك المحارم ، و الإنسان الثاني لا يأمن على نفسه طالما انه اقترب من الحمى احتمال ان يدخل في الحمى فيقع في المحظور .
و احكام الفقه الإسلامي ، هناك حديث ورد عن الرسول يقول ( حمى الله محارمه) ، و المسلم الكيس هو الذي يبعد عن هذه الأمور اما من يقترب تلك الحمى لا يأمن الا ان يقع فيها، فاذا ما اقتربت سوف تقع فيها.
و بناء على ذلك اذا طبقنا هذا الفكر الإسلامي على الحمى على الأشياء كشراء سلعة و ربح جائزة لأنها ذريعة و تمهيد للوقوع في الحرام و تعويد للنفس للوقوع في الحرام.
و من تلك الوسائل التي تلجأ اليها هذه المتاجر كذلك ان تشتري سلعة معينة تجد في بعض وحداتها هدية لا توجد في اخرى و لا يعرف ذلك الا بعد الشراء و الشروع في الإستهلاك و تدخل هذه الصورة في معنى اليانصيب المتضمن المراهنة.
و من صور المراهنة التي شاعت بشكل مخيف الآن ما يسمى بالمسابقات التلفزيونية حل سؤال او توقع امر او خلافه و يؤخذ رقم هاتفه و حيث تكون المكالمة بسعر خاص يتم تحويله لمنظم تلك المراهنات ثم يجري السحب على تلك الأرقام و يفوز البعض بمبالغ نقدية او عينية و يخسر الآخرون.
تلك هي بعض صور عقود الرهان و التي اصبحت سمة للعصر الذي نعيش فيه ، و تزداد تلك الصور في ظروف اقتصادية معينة و انتشار مبتكرات المدنية الحديثة و تعطش الجميع الى اشباع حاجتهم منها فضلا عن انحسار الوازع الديني و الأخلاقي في ظل مدنية تنحدر الى مادية مخيفة لا اثر للدين او الأخلاق فيها ، و لكن لا يحول ذلك في المجتمعات الإسلامية دون بيان موقف الشريعة الإسلامية من هذه المراهنات التي تكثر مفاسدها و مضارها بالمقارنة بما يجنيه منظموها من فوائد.
و ننقل هنا ما قاله الإمام الشافعي ، في (الأم ) مبينا و موضحا حدود الحلال و الحرام في المعاملات المالية بين الناس ،
( جماع ما يحل ان يأخذه الرجل من الرجل المسلم ثلاثة وجوب ، احدها ما وجب على الناس في اموالهم من ما ليس لهم دفعه من جناياتهم و جنايات من يعقلون عنه ( العاقلات اي افراد القبيلة)، و ما وجب عليهم بالزكاه و النذر و الكفارات ، و ما اشبه ذلك ، و ما اوجبوا على انفسهم من ما اخذوا به العوض من البيوع و الإيجارات و الهبات للثواب و ما في معناها) ( اي ان الإنسان عندما يوجب على نفسه من ما اخذه من عقود المعاوضة ) ( و ما اعطوا متوطعين من اموالهم التماس واحد من وجهين احدها طرف ثواب لله تعالى ( الحسنة) و الآخر طلب استحماد ممن اعطوه اياها و نحن نرجو عليه الثواب انشاء الله تعالى ، ثم ما اعطى الناس من اموالهم من غير هذه الوجوب واحد من امرين ، احدهما حق و الآخر باطل ، فما اعطوه من الباطل غير جائز لهم و لا لمن اعطوه و ذلك لقوله عز و جل( و لا تأكلوا اموالكم بينكم بالباطل)))
حكم الشريعة الإسلامية
و لا شك ان الصور التي عرضنا لها آنفا من صور المراهنات المرحمة شرعا و التي تعتمد على محض الصدفة و الحظ ، فضلا عن اشتمالا لمعنى الميسر فكل الأطراف المشتركة في هذه الأنواع المختلفة من اليانصيب يتسابقون و لا شك على الورقة او الرقم الرابح الذي تحدده القرعة اليدوية او الآلية ، فيربح بعضهم و يخسر الباقون قيمة ما دفعوه في هذه الورقة او في هذا الرقم ايا كانت صورة هذا الدفع ، اما من ينظم هذا اليانصيب فهو رابح دائما من هذا التنظيم ، و حيث تتحدد اعداد الأوراق و الأرقام المقدر تسويقها ، و اثمانها و قيمة الجوائز النقدية و العينية بطريقة تحقق لمنظم اليانصيب و بعد خصم المصاريف الإدارية ربحا صافيا خالصا دون جهد بل لقد يكون الباعث ، غير شريف و بالتالي فاليانصيب اكل لأموال الناس بالباطل سواء بالنسبة لمنظمه او بالنسبة للمشترك فيه من الناس و لذلك كانت المراهنة في غير حالاتها الشرعية حراما شرعا و عقبها باطلا .
و ننتقل الآن لبيان حكم القانون في العاب اليانصيب ،
و لما كان القانون المدني قد سوى بين المقامرة و الرهان في الحكم ، فنعرض للحكم في الموضوعين معا.
القاعدة العامة : تحريم المقامرة و الرهان
تقضي المادة 739 من القانون المدني المصري بان :
1- يكون باطلا كل اتفاق خاص في مقامرة او رهان
2- و لمن خسر في مقامرة او رهان ان يسترد ما دفعه خلال ثلاث سنوات من الوقت الذي ادى فيه ما خسره و لو كان هناك اتفاق يقضي بغير ذلك. و له ان يثبت ما اداه بجميع الطرق.
و تقضي المادة 1024 من قانون الموجبات و العقود اللبناني بان :
القانون لا يخول حق المداعاة في شأن دين المقامرة او اداء بدل المراهنة .
يلاحظ ان التقنين المدني المصري القديم لم يكن يتضمن نصا يتعرض لعقود المقامرة و الرهان ، فكان القضاء يطبق احكام القانون الفرنسي ، و حيث تقضي المادة 1965 ، مدني فرنسي ، و المادة لا زالت
المحاضرة الأولى
القانون المدني المقارن
ضوابط العقد: هو التي تحكم المعاملات المالية
فيجب ان لا تتضمن هذه المعاملات :
1- غرر
2- اخلالا في التوازن بشكل فاحش
3- مقامرة او رهان
ضوابط العقود في الفقه الإسلامي و الغربي:
في العقود المدنية ما يسمى بالعقود المساة . يقابلها العقود غير المسماة. و العقد غير المسمى هو الأهم. لأنه يترجم مبدأ يسمى بمبدأ حرية التعاقد او التعامل. انما العقد المسمى المشرع حصر احكامه. ولكن حرية التعاقد سمحت بان تبرم العديد من العقود و نضع لها ما نشاء من احكام ضمن النظام العام و القوانين الإلزامية.
القانون الروماني ابو القوانين الغربية لم يكن يعرف العقود غير المسماة و لم يعرف مبدأ حرية التعاقد. اما القرآن فهو او لما نزل ، انزله معه احرية التعامل و التعاقد.
حرية التعاقد في الفقه الإسلامي:
اي هل عرفت الشريعة الإسلامية هذا المبدأ او لم تعرفها كما في القانون الروماني.
ان العقود المسماة هي ترجمة فعلية حقيقية لمبدأ سلطان الإرادة و الذي من نتائجه ان تكون الإرادة حرة في انشاء ما تشاء من عقود مهما كان موضوعها ، غير مقيدة بتلك الأنواع من العقود المسماة التي نظمها المشرع في القانون الوضعي الحديث، و لكن هل عرفت الشريعة هذا المبدأ، و هل العقود في الفقه الإسلامي مذكورة على سبيل الحصر فلا تملك الإرادة عندها انشاء عقود اخرى؟
الثابت من مطالعة كتب الفقه الإسلامي ان العلماء قد افردوا بكل عقد من العقود كتابا او فصلا او بابا، و في ترتيب معين ، ول م يقدموا لهذا اكله نظرية عامة للعقود و لذلك كانت العقود في الفقه الإسلامي و هي عقود مسماة ، اتت عقدا يتلو آخر دون ترتيب منطقي لهذا التتابع ، حتى يخيل للباحث ان الفقه الإسلامي لا يعرف سوى تلك العقود المسماة التي ردت في مؤلفات عملائهم ، و ان اي اتفاق لا يندرج تحت مسمى ***.
دراسة كل عقد بمقدمة يحرصون فيها على بحث شرعية العقد، و اسناد تلك الشرعية مرة على النص و مرة على الإجماع او العرف او غير ذلك من الأدلة فهل يعني ذلك ان حرية التعاقد في الفقه الإسلامي قاصرة على تلك العقود المسماة ، و ان هذا الفقه لا يعرف عقودا اخرى غير مسماة؟
المبدأ في الفقه الإسلامي حرية التعاقد. فان كل متعاقد في حدود الشرعية الإسلامية و في حدود الضوابط التي سندرسها يحق له ان يتعاقد كما شاء.
اما الخلط الناشئ عن الكتب التي تتكلم حصرا عن بعض العقود المسماة فقط. فأول ما يتكلموا عن العقد تكلموا عن شرعيته. فان كل العقود التي تخالف هذه الشرعية تعتبر باطلة في الشريعة الإسلامية اي عقود غير شرعية.
و لكن من غير الممكن ان نحصر العقود فيما هو شرعي او غير شرعي.
الشريعة نزلت الى قبائل همجية لديها فراغ فكري و قانوني ، و القرآن بما اشتمل عليه من احكام جديدة نزل على شعب ليس لديه شيء. هذه مقدمة خاطئة و خطورتها ان تعتبر هذه الأحكام بانها نزلت مرة واحدة و دون مراعاة للناس.
و لكن الشريعة و بالذات احكام المعاملات المالية، كانت موجودة في الجزيرة العربية. فكانوا يعلمون الزوالج و الطلاق بارادة منفردة و تعدد الزوجات و التجارة و عقود البيع و عقود الإيجار التي تقع على اشياء او على اشخاص.
ففي دراسة احكام الفقه الإسلامي، يجب ان نقول ان هذه الشريعة لم تنزل عىل قبائل همجية لديها فراغ قانوني و فكري. و الدليل هو الميسر: خلو المعاملة المالية من ضابط المقامرة و الرهان.
" انما الخمر و الميسر رجس من عمل الشيطان فاجتنبه " سورة التحريم
فالآية نزلت على قبائل تعرف نظام الميسر.
فهل الأعمال الحالية هي شبيهة بالميسر؟
الميسر الذي نزل تحريمه كان عبارة عن الآتي: انه في وقت الشدة عندما يقل الرزق و القبائل العربية كان فيها مجموعات كثيرة من الفقراء و ايضا يوجد فيها اغنياء يريدون ان يضعوا معروفا لهؤلاء الضعفاء.
فمجموعة من التجار الأغنياء ينزلوا على حي من الأحياء ليلا و يشتروا ناقة من تارجا و لكن لا يدفعوا فورا بل ، يتفقوا مع جزار بان يذبح الناقة و يقسمها الى اجزاء و يتقامروا على هذه الأجزاء وفق طريقة معينة.
فالخاسرين هم الذي سيحملون ثمن الناقة بشرط ان لا يأكل الرابحون من الناقة بل توزع على الفقراء.
فما كان الميسر الا سبيلا لتوزعة المال على الفقراء . و مع ذلك نزل عليه التحريم. صحيح انه افراج للفقراء . و لكن هذا الإفراج عن طريق اعمال غير مشروعة.
و الشعوب الجرمانية و القبائل الأوروبية عرفت نظام القمار.اذا نفذ منه المال ، تاجر بزوجته و اذا خسر زوجته، قامر بحريته و اذا خسر حريته اصبح عبدا للكاسب. هذا النوع من القمار لم تعرفه الشريعة الإسلامية.
فالشعوب قبل الشريعة لم يكونوا همج، بل عرفوا العلوم و الموسيقى و الشعر و التجارة، بل جاءت احكام الشريعة الإسلامية تعدل سلوك بعض الأحكام و المعاملات التي كانت تخالف الشريعة الإسلامية.
فجاء الإسلام ينقي و يهذب هذه المعاملات المالية و ما شابها من سوى.
لغاية اليوم اجاز الفقه الإسلامي عقدا لم يرد ذكره في كتب الفقه الإسلامي و هو عقد التأمين.
ما هو ارتباط عقد التأمين بالغرر: عقد التأمين مثال للغرر. فلا يعرف المتعاقد ما سوف يعطي و ما سوف يأخذ مقدما ( مثل التأمين مدى الحياة).
و القانون اللبناني اي قانون الموجبات والعقود ، نظم التأمين تحت باب العقود الإحتمالية او عقود الغرر .
هل اجاز الفقه الإسلامي شرعية عقد التأمين؟
كلا لأنه يتضمن نوع من انواع الغرر. و لكن مع تطور الفقه الإسلامي الحديث ، فبدون تأمين المجتمع لن يقوم ، فالمعاملات الداخلية ميزة و عنصرا اساسيا في المجتمع، فمعاش الموظف التقاعدة هو مظهر من مظاهر التأمين.
فكيف تنفصل الشريعة الإسلامية عن هذه الأنظمة؟
اثيرت هذه المسألة امام احد الفقهاء الحنفيين " زين العابدين"
حصلت هذه المشكلة التي تسمى مشكلة التأمين، فأفت الإمام ببطلان عقد التأمين لأنه يشتمل على قمار او رهان.
الأئمة الذي بعده افتوا مثله اي ببطلان عقد التأمين.
اما القوانين الوضعية ، فالتأمين فيها صحيح لأن هذه القوانين لا تأخذ في الشريعة الإسلامية من هذه الناحية.
اما في السعودية ، فالتأمين باطل لأنهم يطبقون احكام الشريعة الإسلامية.
الا انهم اضطروا للأخذ بالتأمين ببعض انواع العقود كالـتأمين على السيارات مثلا. اذا الظروف الحديثة قد تسمح للأخذ ببعض انواع العقود التي لا تحبذ لدى فقهاء الشريعة الإسلامية.
فيمكن استبدال فكرة التأمين التجاري الذي يحتوي على غرر و قمار و رهان بما هو مسمى بالتأمين التبادلي (جماعة) على ضوء الشريعة الإسلامية. فلا يمكن ابطال التأمين اذا لأنه في هذه الحالة ستبطل كل المعاملات المالية.
هل يمكن لبنك من البنوك ان لا تعامل بالربى؟
كلا ، مستحيل، المعاملة الربوية اساس من الأسس التي تقوم عليها البنوك. و لا يمكن لأي بنك ان لا يتعامل بالفائدة. حتى البنوك او المصارف الإسلامية، و لكن تحت اسم آخر غير " فائدة " مثل "عمولة"
وزارة الأوقاف كان لديها ادارة القرض الحسن : سيدة تتطلب قرض مقابل ذهب كضمان. بعد المدة المتفق عليه. ترد القرض كما هو و تأخذ مالها من الذهب. فهذا هو ما يسمى بالقرض الحسن.
من احسن الكتاب الذين كتبوا عن الربى في الشريعة الإسلامية هو الإمام محمد رشيد رضى.
حيث سئل عن حكم الشريعة الإسلامية في فوائد البنوك.
فرد عليهم مفرقا بين ربى الفضل و ربى النسيئة.
قالوا له ان النص القرآني نزل حرما ربى النسيئة، انما ربى الفضل هو مباح و ليس ممنوع.
فرد عليهم بما هو ربى الفضل و ما ربى النسيئة، و متى تكون المعاملة خالية من الربى.
مبدأ سلطان الإرادة في العقود في الفقه الإسلامي:
يسود القول في الفقه الإسلامية ان الناس احرار في انشاء العقود، اما آثارها فهي بيد الشارع يقررها و يلزم بها المتعاقدين. و معنى ذلك انه اذا اتجهت الإرادة الى انشاء عقد معين نشأ هذا العقد على حكم تلك الإرداة، اما آثاره فترجع الى حكم الشارع سواء اراد المتعاقدون تلك الآثار ام لم يريدونها.
فالشخص له الحرية في ان يبيع او لا يبيع، يشتري او لا يشتري ، و لكنه اذا اقدم على البيع او على الشراء، ترتب آثار البيع او الشراء على تعاقده سواء اراد تلك الآثار ام لم يردها.
و قبل ان تعرض لموقف الفقه الإسلامي من المسألة المعروضة نشير الى ان الفقهاء لا يفصلون في نطاق مبدأ سلطان الإرادة بين سلطانها في انشاء العقود و سلطانها في تقسيم آثار تلك العقود في العقد لديهم من قبيل الشروط و ان الشروط من قبيل العقود.
يقول ابن حزم" العقود و العهود و الأوعاد شروط و اسم الشرط يقع على جميع ذلك "
تمهيد
تبدأ حرية التعاقد بالآتي: تحديد مدلول الآية الكريمة " يا ايها الذين آمنوا اوفوا بالعقود"
و علاقتها بمبدأ سلطان الإرادة .
يقول ابن جرير الطبري ان المعنى : اوفوا بالعقود التي عاهدتموها، و العقود التي عاقدتموها اياها و اوجدتهم بها على انفسكم حقوقا و الزمتم انفسكم بها لله فروضا. فأتموها بالوفاء و الكمال و الإتمام فكم لله بما الزمكم، و لا تنكثوها فتنقضوها بعد توكيدها. و اختلف اهل التأويل في العقود التي امر الله بالوفاء بها، فقال بعضهم هو العقود التي كان اهل الجاهلية عاقد بعضهم بعضا على النصرة و المؤازلة و المظاهرة على من حاول ظلم او بغاء، و ذلك هو معنى الحلف الذي كان يتعاقد بينهم.
و قول الإمام الطبري و العقود جمعا و اهل العقد عقد الشيء بغيره و هو وصله به.
و عن ابي عباس يقول : اوفوا بالعقود يعني ما احل و ما حرم و ما فرض و ماح جدد القرآن كله فلا تخطوه و لا تنكثوه.
و عن مجاهد : اوفوا بالعقود ما عقد الله على العباد مما احل لهم و حرم عليهم و قال آخرون بل هي العقود التي يتعاقدها الناس بينهم و يعقدها المرء على نفسه . فذكر بعضهم ان العقود هي خمسة: عقدة الإيمان، عقد النكاح، عقدة العهد ، عقدة البيع و عقدة الحلف. و اضاف آخرون عقدة الشركة.
و قال آخرون ان مراد الآية لأهل الكتاب بالوفاء بما اخذ به ميثاقه من العهد. بما في التوراة و الإنجيل و في تصديق محمد صلى الله عليه و سلم.
و اول الأقوال في ذلك عندنا بالصواب ما قاله ابن عباس:
و ان معناه اوفوا ايها الذين آموا بعقود الله اتل اوجبها عليكم. و اعرفوا فيما اهل لكم و حرم عليكم و الزمكم فرضه و بين لكم حدوده.
يقول محمد رشيد رضى في تفسير المناط:
هذا اجمع كلام رأيته للمفسرين في العقود و قد تجدد لأهل هذه العصر انواع من المعاهدات تبعها انواع من العقود يذكرونها في كتب القوانين المستحدثة منها ما يجيزه المذاهب الإسلامية و منها ما لا يجيزونه لمخالفته شروطهم التي يشترطونها كإشتراط بعضهم الإيجاب و القبول قولا ، حتى و لو كتب اثنان عقدا بينهم على شيء قولا او كتابة نحو تعاقد فلان و فلان على ان يقوم الأول بكذا و الثاني بكذا من غير ذكر ايجاب و قبول بالقول و امضيا ما كتباه بتوقيع او ختم، لا يعدونه عقدا صحيحا نافذا ، و قد يصبغونه بصبغة الدين فيجعلون التزام المتعاقدين لمباح و ايفاء حماية محرما و معصية لله تعالى لعدم صحة العقد.
و يشترطون في بعض العقود شروطا منها ما يستند على حديث صحيح او غير صحيح، صريح الدلالة او خفيها ، و منها ما لا يستند الا على اجتهاد صاحبه بالرأي و يجيزوه بعض الشروط التي يتعاقد عليها نا و يمنعون بعضها حتى بالرأي.
و اساس العقود الثابت في الإسلام هو هذه الجملة البليغة المختصرة المفيدة " اوفوا بالعقود" و هي تفيد انه يجب على كل مؤمن ان يفي بما عقده و ارتبط به و ليس لأحد ان يقيد ما اطلقه الشارع الإ ببنية. فالتراضي من المتعاقدين شرط في صحة العقد لقوله تعالى " عن تراض منكم".
و اما الإيجاب و القبول فلا نص منه، و انما هو عبارة عن العقد نفسه اذ الغالب فيه ان يكون في الصيغة اللفظية قولا او كتابة و الإشارة تقوم مقام العقارة عند الحاجة كإشارة الأخرس و الفعل البغ من القول في حصول المقصد من العقد كبيع المعاطاة الذي منعه بعضهم تعبدا بصيغة الإيجاب و القبول اللفظية ، و من هذا القبيل اعطاء المال لمن بيده تذاكر السفر في السكك الحديد او البواخر و اخذ الت1كرة منه ، و مثله دخول الحمام و ركوب السفن الملاحين الى غير ذلك.
فكل فعل او قول يعده الناس عقدا فهو عقد يجب ان يوفوا به كما امر الله ما لم يتضمن تحريم ، فهو حلال او تحليل حرام مام ثبت في الشرع كالعقد بالإكراه او على احراق دار احد و قطع شجر بستان او على الفاحشة . او اكل شيء من احوال الناس بالباطل كالربى و الميسر و الرشوة.
فهذه الثلاثة منصوصة في الكتاب و السنة و عن النبي صلى الله عليه و سلم عن بيع الغرر لأنه من قبيل الميسر في كونه مجهول العاقبة.
مثلا : بيع ضربة الفائض، بيع عبد نابق (فار)، بيع الحصى ، بيع اللبن في الضرع، بيع الملامسة او المنابذة، بيع حبل الحبلة ، بيع عسب الفحل.
محاضرة رقم 2
مبدأ حرية التعاقد في الفقه الإسلامي
ينبع عن هذا المبدأ نظرية العقود المسماة و ان العقود غير المسماة هي الترجمة الفعلية لمبدأ حرية التعاقد ، فلولا هذا المبدأ لما كان يمكننا التعاقد خارج حدود هذا المبدأ.
الحياة صاخبة و متطورة ، ينشأ علاقات عديدة لا يمكن تصورها من قبل الفقهاء القدامى ، و بالتالي هناك عقود لا يمكن ايجادها في القوانين الوضعية ( كالعقد الطبي، عقد التعلم) و في الأيام المتوالية تظهر انماط مختلفة من المعاملات و الخطورة هو ان المبدأ حصري و بالتالي جميع العقود هي غير مشروعة.
و بالتالي ان المبدأ حرية التعاقد في اطار المشروعية فلا يمكن التعاقد على ما هو باطل و غير مشروع و بالتالي هو غير سليم من الناحية التعاقدية مما حمل المحاكم الفرنسية الى ابطال هكذا نوع من العقود.
و الأصل في العقود تقوم بمجرد تراضي الأطراف عليها و لو لم تكن مسماة و بما ان قانون الموجباتو العقود قد وضع في الثلاثينات و بالرغم من انه صالح ليس من الضروري لأن يشمل جميع انواع العقود.
القانون المدني المصري صدر عام 1949 هو ذاته القانون السوري و مشكلة قانون الموجبات و العقود هي الصياغة.
و الجدير بالذكر ان هناك عقود جديدة قد تطرأ و هي بحاجة الى تنظيم و هذا غير ممكن من الناحية العملية مما يستوجب العودة الى القواعد العامة في القانون المدني و بالتالي تكون العقود المسماة من التطبيقات.
هناك جدل صاخب في الفقه الإسلامي .
1- الأصل في العقود ان تكون مسماة فيما لم يوجد اسم للعقود لا في القرآن او السنة او الإجماع فيكون العقد باطل.
2- الأصل في العقود هو الإباحة و ليس الخطر و بالتالي كل العقود و تكون مشروعة لطالما تتلاءم مع الشروط.
الإمام .......
فكل قول او فعل يعده الناس عقدا فهو عقد يجب ان يوفوا به كما امر الله تعالى ما لم يتضمن تحريم حلالا او تحليل حراما مما ثبت في الشرع كالعقد في الإكراه.
او قطع شجر بستانه او على الفاحشة او كأكل شيء من اموال الناس بالباطل كالربا او الميسر او الرشوة فهذه الثلاثة منصوصة في الكتاب و السنة. و نهى النبي ص عن بيع الغرر لأنه من قبيل الميسر في كونه....... و هو من الغش المحرم ايضا و قد توصع بعض افقهاء في تفسير الألفاظ القانونية التي وردت في الكتاب و السنة فادخلوا في معنى الربا و الغرر ما لا تطبقه النصوص من التشديد و دعموا تشديدا بهوايات لا تصح و اشدهم تطبيقا في العقود الشافعية والحنفية و اكثرهم تسامحا واسعا المالكية و الحنابلة و الشيعة الإمامية.
و نعرض الآن الإتجاهات الفقه الإسلامي في شأن حرية الإرادة في انشاء العقود الإتجاه الأول.
الأصل في العقود الخطر.
ذهب بعض الفقهاء الى انه لا يصح انشاء عقد او تصرف الا اذا ورد به دليل معين يدل على جوازه و صحته فما لم نقيم الدليل على ذلك فهو باطل اي عقد كان او اي تصرف كان ، ذلك ان الأصل فيالعقود هو حظرها الا ما دل على اباحته و صحته دليل معتبر في دليل الشارع.
ممثل الإتجاه الأول: واحد من الفقهاء المشهود له بالجرأة محمد ابن حزم الطاهري الأندلسي.
اذ يقول عارضا وجهة نظره القائلة ان الأصل في العقود ما يلي ( المحلى بالآثار)
و قال ابو محمد وجدنا من قال ببطلان كل عقد و كل شرط و كل عهد و كل وعد الا ما جاء بنص باجازته من اسمه يقولون قال الله عز و جل .
( و اليوم اكملت لكم دينكم) و قال تعالى ( و من يعص الله و رسوله و يتعدى حدوده يدخله نارا خالدا فيها)
و قال رسول الله ص ( اما نعيد فما بال اقوام يتشرطون شروطا ليست في كتاب الله ما كان من شرط ليس في كتاب الله فهو باطل و لو كان منه شرط، كتاب الله احق و شرط الله اوفق)
قالوا فهذه الآيات و هذا الخبر براهين قاطعة في ابطال كل عقد و كل عهد و كل وعد و كل شرط ليس في كتاب الله مر به او نص على اباحته لأن العقود و العهود و الإدعاء شروط و اسم الشرط يقع علىجميع ذلك.
اننا بالضرورة ندري بانه لا يخلو كل عقد و عهد و شرط و وعد التزمه اصولا ، و جهين لا ثالث لهما اما ان يكون في نص القرآن او السنة ايجابه و اتفاق فاذا كان ذلك فنحن لا تخالفكم في انفاذ ذلك و ايجاده و اما ان يكون ليس في نص القرآن و لا في السنة ايجاده او انفاذ ففي هذا اختلفنا فنقول لكم الآن فان كان هكذا فانه ضرورة لا ينفك من احد اربعة اوجه لا خامس لها اصلا.
1- اما ان يكون التزم فيه اباحة ما حرمه تعالى في القرآن او على لسان رسوله ص فهذا عظيم لا يحل.
قال الله تعالى ( و لا يحرمون ما حرم الله و رسوله و لا يدينون دين الحق) و نسألهم حينئذ مما التزموا في عدله و شرطه و عقده و وعده احلال الخنزير و الأمهات و قتل النفس فاذا اباح ذلك كفر و ان فرق بين شيء من ذلك فناقض او سخف و تحكم في الدين بالباطل.
2- و انما ان يكون التزم منه تحريم و اباحة الله تعالى في القرآن او على لسان الرسوك ص فهذا اعظم لا يحل.
قال تعالى ( يا ايها النبي تحرم ما احل الله لك)
و سألهم حينئذ عما حرم الماء و الخبز و الزواج و سائر المباعاة و قد صح ان محرم الحلال كمحلل الحرام.
3- و اما ان يكون اسقاط ما اوصيه الله تعالى في القرآن او على لسان رسوله ص فهذا عظيم لا يحل.
و نسألهم حينئذ عمن التزم في عهده و عقده و شرطه اسقاط الصلوات و اسقاط صوم رمضان و سائر ذلك.
4- فمن اجاز ذلك فقد كفر و اما ان يكون او جب على نفسه ما لم يوصيه الله تعالى عليه فهذا عظيم لا يحل.
و نسألهم حينئذ عمن التزام بصلاة سادسة او حجا الىغير مكة او في غير اشهر الحج و كل هذه الوجوب تعد لحدود الله و خروج عن الدين وا لمفرق بين شيء من ذلك قائل في الدين بالباطل.
ثم يقول الإمام ابن حزم بالرد على حجج اصحاب الرأي الثاني، القائل بان الأصل هو صحة كافة العقود و الشروط فلا يحرم منها سوى ما دل عليه الشرع من تحريم او ابطال نصا او قياسا اما قول الله تعالى :
( اوفوا بالعهد ان العهد كان مسؤولا)
( كلما عاهدوا عهدا فنبذ فريق منهم)
( و الموفون بعهدم اذا ما عهدوا)
و الحديثان اللذان فيهما
( اوفي بنذرك) ..... و ذم اللذين ينظرون و لا يوفون.
( و الخبر فيمن اعطى به ثم غدر) فان هذه الجمل قد جاء نص آخر يبين انها ليست على عمومها و لكنها في بعض العهود و بعض العقود و بعض النذور و بعض الشروط و هي قول رسول الله ص لا نذر ( من نذر ان يطع الله فليطع و من نذر من يعص الله تعالى فليعصه)
مع ما ذكرنا من توله ص كل شرط ليس في كتاب الله فهو باطل فصح في هذه النصوص ان تلك الآيات انها هي فيمن شرط او نذر او عاهد او ما جاء القرآن او السنة بالزامه فقط.
ثم يبين الإمام المعنى المتقدم بالأمثلة فيقول
و باليقين تدري ابن حزم على نفسه ان يتروح على امراته او ان لا يغيب عنها فقد حرم ما احله الله تعالى و ما امره الله تعالى.
( فانكحوا ما طاب الله لكم من النساء مثنى و ثلاث و رباع )
و قال تعالى:
( او ما ملكت ايمانكم فانهم غير ملومين)
و قال تعالى ( اسكنوهم من حيث سكنتم)
و كذلك من عهد على تأمين ما لا يحل تأمينه على ابقاء مال في ملك ما لم يحل له تملكه و على اسقاط حق الله تعالى فانه يكون قد عقد على معصية و سمي الحلال حراما و الحرام حلالا و القرآن قد جاء بتكذيب من فعل ذلك.
ثم يتعرض ابن حزم لحديث الرسول ص
( المسلمون عند شروطهم) ، فيراه غير صحيح ثم يقرر ابن حزم في هناية ما كتبه فلما قام البرهان بكل ما ذكرنا وجد ان كل عقد او شرط او عهد او نذر التزمه المرء فانه ساقط مردود و لا يحرمه منه شيء اصلا الا ان يأتي نص او اجماع على ذلك الشيء الذي التزمه بعينه و اسمه فاذا جاء نص او جماع بذلك لازمه و الا فلا.
و الأصل براءة الذمم ، من لزوم جميع الأشياء الذي ما التزمنا اياه النص او اجماع.
فان حكم حاكم بخلاف ما قلنا نسخ حكمه و رد بامر النبي ص اذ يقول ( من عمل عمل ليس عليه امرنا فهو رد)
و مفاد ما تقدم ان ابن حزم يستند في رأيه الى الإستصحاب حيث يستصحب الأصل و هو براءة الذمة في جميع الإلتزامات فلا يكون هناك حقا لأحد قتل آخر الا اذا كان مستمدا من الشارع و الذي يعد هو مصدر الإلتزام و الإلزام غير ان ابن الحزم،عندما تكلم عن ابطال القياس و رد كلام قد يفهم منه عكس ما رأى فيما تقدم.
فقد قال ان احكام الشريعة كلها من اولها الى اخرها تقسم على ثلاثة اقسام لا رابع لها و هي فرض لا بد من اعتقاده و العمل به مع ذلك .
2- و حرام من اقتناؤه قولا و عقدا و عملا
3- و حلال مباح فعله و مباح تركه
فهذه اقسام الشريعة الإسلامية باجماع كل مسلم و بضرورة وجود العقل في القسمات الصحيحة الى ورود السمع الى اذ لا يشك في ذلك فقد قال عز و جل.
( خلق لكم ما في الأرض جميعا)
( و قد فصل لكم ما حرم عليكم الا ما اضطرتم اليه ) فصح بهاتين الآيتين ان كل شيء في الأرض و كل عمل هو مباح حلال، الا ما فصل الله تعالى لنا تحريمه باسمه نصا عليه في القرآن كتحريم الميتة و السنة النبوية و اجماع الأمة كلها المنصوص على اتباعه في القرآان فان وجدنا شيئا حرمه النص بالنهي عنه او الإجماع باسمه حرمناه و ان لم نجد شيئا منصوصا على النهي عنه باسمه و مجمعا عليه فهو حلال بنص الآية الأولى.
وقد اكد الله تعالى هذا في غير موضوعه في كتابه فقال عز و جل ( يا ايها الذي آمنوا لا تحرموا طيبات ما احل الله لكم و لا تعتدوا فان الله لا يحب المعتدين)
فبين الله تعالى ان كل شيء حلال لنا الا ما نص على تحريمه و نهانا ص عن اتداء ما مرنا تعالى به فمن حرم شيئا لم ينص الله تعالى و لا رسوله ص على تحريمه و النهي عنه و لا اجمع على تحريمه فقد اعتدى و عصى الله تعالى.
فقال الله تعالى ، ( يا ايها اللذين امنوا اطيعوا الله و اطيعو رسوله واولي الألباب منكم فان تازعتم في شيء فردوه الى الله و رسوله )
فبين الله تعالى ان ما امرنا به في القرآن او على لسان نبيه ص فهو واجب طاعته و ضد الطاعة المعصية فمن لم يطعه فقد عصى و من لم يفعل ما امر به فلم يطع و نهانا عن ان نسأل عن شيء جملة البتة و لم يدعنا في رأس فصح ان ما لم يأت به نص او اجماع فليس واجبا علينا.
فأي شيء بقي بعد ذلك؟ و هل في العالم نازلة تخرج من ان يقول قائل هذا اوجب؟ فنقول له ان اثبت على ايجابه بنص من القرآن او بكلام صحيح عن الرسول ص او اجماع فسمعا و طاعة وهو واجب و من ابى عن ايجابه بنص او اجماع فانه كاذب و ذلك القول ليس واجب.
او يقول قائل هذا حرام فتقول له اثبت عن النهي عنه بنص او اجماع فهو جرام و سمعا و طاعة و مناراد استجابته حينئذ فهو آثم كاذب عاصي و ان لم يأت عن النهي عنه بنص و لا اجماع فهو كاذب فهذا الشيء ليس حراما.
نستفيد ان الأصل في العقود الإباحة ما لم يأتينا نص مخالف و معاد ما اورده ابن حزم وجوب قسم من الأحكام الشرعية. هي المباح و التي لم يرد نص او اجماعا على تحريمها افلا تدخل العقود و الشروط التي لم يرد ذكرها في النصوص عليها او تحريما في هذا القسم المباح؟
فاذا قيل ان العقود و الشروط لا تصح و لا تحل الا ما يدل على حلها دليل شرعي خاص من نص او اجماع او قياس عند للورود فهو قول باطل لأن الكتاب و السنة دلا على صحة العقود و القروض التي وقعت في حالة الكفر و امر الله بالوفاء بها اذا لم يكن فيها بعد الإسلام شيء محرم و لهذا اتفق المسلمون على ان العقود التي عقدها الكفار يحكم بصحتها اذا لم تكن محرمة و ان كان الكفار يعقودها باسم الشارع او كانت العقود لا تصح الا بشرط ليحكموا بفسادها و ايضا ان المسلمين اذا فقدوا.
و ان كان العاقد يعلم حينئذ تحليلها باجتهاد و لا تحليل و لا يقول احد لا يصح العقد الا الذي يعتقد يعتقد العاقد ان الشارع احله.
فلو كان اذن الشارع الخاص شرطا في صحة العقود و لم يصح عقد الأبعد ثبوت اذنه.
كما لو حكم الحاكم يعتبر اجتهاد فانه آثم و ان كان قد صادق الحق .
و بعد ان بينا ادلة الإتجاه الول و بعض الردود عليه نذكر بعض الفقهاء و الإمامية تأخذ بالإتجاه الأول و يظهر هذا الوضوح في كتاب ( مفاتيح الأصول).
محاضرة رقم 3
اليوم سوف نرى الإتجاه الثاني و الذي يذهب الى ان الأصل في العقود و الشروط الجواز و الصحة ، و لا يحرم و يبطل فيها الا ما دل على تحريمه و ابطاله نص او قياس عند من يأخذ بالقياس و هذا هو مذهب الأحناف.
و ورد لكتاب تأمين الحقائق للإمام ابن تيمية : و لا يسلم ان حرمة البيع هي الأصل، بل الأصل هو الحل ن و آية ذلك ( و احل الله البيع و حرم الربا) ، فالرأي الثاني يستخلص ان كل العقود جائزة و دليلها ان البيع و هو احد اناع العقود و معنى ذلك .............. و كلمة البيع بها ( ال) و اذا اضيفت (ال) فمعنى ذلك انها ليست لكل البيوع و انما تخصص من المشرع، فالعبارة الأصلية ان تكون كل العقود حلالا الا اذا ورد نص خاص او اذا ورد قياس، و قال الإمام ابن تيمية اننا لا نسلم ان حرمة البيع هو الأصل و انما الأصل هو الحل.
لأن الأموال خلقت للإبتذال ( الإنفاق) فيكون باب تحصيلها مفتوحا فيجوز كل تصرف فيها ما لم يقم الدليل على منعه بخلاف النكاح، لأن الملك فيه يرد على البضع و هو عقد الأصل فيه هو الحرمة و انما احله الله و هو النكاح.
و هذا القول يدل على صحة التصرفات المتعلقة بالأموال اصلا بخلاف التصرفات المتعلقة بالإبضاع ( محل العقد الزوجة) للفرق بين محل الأولى و محل الثانية.
ويقول ملك العلماء الكاساني ( في البدائع) : و روي عن النبي ص انه قال ( المسلمون عند شروطهم) فظاهره يقتضي لزوم الوفاء بكل شرط الا ما خص بدليل لأنه يقتضي ان يكون كل مسلم عند شرطه و انما يكون كذلك اذا الزمه الوفاء به ، و هذا لأن الأصل ان تصرف الإنسان يقع على الوجه الذي اوقعه اذا كان اهلا للتصرف و المحل قابلا و لا ولاية عليه لأحد.
هناك عبارة في مدونة جستنيان تقول : الإنسان عبد توقيعه ، فقبل ان توقع على الورقة انت حر اما اذا اخذتك الحمية فاصبحت عبدا لهذا التوقيع.
كما قال الكاساني : عند الكلام على مشروعية شركة الأعمال و الوجوب ( و هي نوع من انواع الشكرات الإسلامية )، حيث قال: ان الناس يتعاملون بهذين النوعين من سائر الإعصار من غير انكار عليهم من احد و قال عليه الصلاة و السلام: ( لا تجتمع امتي على غلط) ، لأنهما اشتملا على الوكالة و الوكالة جائزة و المشتمل على جائز فهو جائز ، و يقول عن مشروعية عقد المضاربة: ان الناس يحتاجون الى عقد المضاربة لأن الإنسان قد يكون له مال و لكن لا يهتدي الى التجارة، و قد يهتدي الى التجارة و لكن لا مال له، فكان في تشريع هذا العقد دفع الحاجتين و الله تعالى ما شرع العقود الا لمصالح العباد و دفع حوائجهم.
هذا و قد عرف القانون الوضعي نوع قريب من شركة المضاربة موجود في نطاق استثمار الأراضي الزراعية و هو ما يسمى بعقد المزارعة ( اي لدي ارض لا اتمكن من زراعتها بنفسي، فآتي اليك و اطلب منك ان تقوم بزراعتها ، و هناك صورة عن احكام القضاء المصري تشير الى ذلك ، و هي انه يوجد فلاح يعرف في تربية المواشي و ابن عمه مهندس يقطن في القاهرة، و ذهب المهندس الى ابن عمه الذي في الريف و اتفقا على شراء عجل صغير بحيث ان على الفلاح ان يقوم بتربيته، و قام بذلك فارتفع سعرها، فالقضاء المصري كيف هذه الشركة على انها شركة من شركات المحاصة).
تلك العبارات التي اثبتناها للأحناف تثبت ان الأصل في العقود لديهم هو الصحة، فصحة التصرف لا تتوقف على قيام الدليل الخاص الذي يدل على صحته بل يكفي لصحته ان يكون مشتملا على فائدة مقصودة و محصلا للمصلحة مع انتفاء المانع الشرعي للصحة ، و هذا هو ذات موقف الشافعية و المالكية فالأصل في الأفعال العادية هو الإباحة و الجواز لأنها ليست بعبادة و انه لا يحرم شيء منها الا بدليل معين يدل على التحليل مستندا الى قوله تعالى ( خلق لكم ما في الأرض جميعا ) ، و غيرها من الأدلة المثبتة لهذا الأصل و لا شك ان العقود و التصرفات تعد من الأعمال العادية فيكون الأصل فيها عندهم الجواز والصحة الا ما قام دليل شرعي على حظره او تحريمه او فساده.
و يقول الإمام الشاطري ( مالكي) ، ان القاعدة المستقرة بين العلماء هي التفرقة بين العبادات و المعاملات فالأصل في الأول الا يقوم عليها الا باذن اذ لا مجال للمعقول في اختراع للتعبدات و الأصلفي الثانية الإذن حتى يدل الدليل على خلافه.
و يقول الفخر الرازي الشافعي في تفسيره لقوله تعالى ( و لا تفسدوا في الأرض بعد اصلاحها) ، هذه الآية دالة على ان كل عقد وقع التراضي عليه بين الخصمين فانه انعقد وصح و ثبت رفضه بعد ثبوته يكون افسادا بعد اصلاح و النص الدال على انه لا.
اذا ثبت هذا فنقول ان مدلول هذه الآية من هذا الوجه متأكد بعموم قوله تعالى ( اوفوا بالعقود ) و بعموم قوله تعالى ( لم تقولون مالا تفعلون كبر مقتا عند الله ان تقولوا مالا تفعلون).
و تحت سائر العمومات الواردة في ركوب الوفاء في العقد و العهود اذا ثبت هذا فنقول ان وجدنا نصا دالا على ان بعض العقود التي وقع التراضي به من الجانبين غير صحيح قضينا فيه بالبطلان تقديما للخاص على العام و الا حكمنا فيه بالصحة رعاية المدلول هذه العموميات.
هذا الإتجاه الثاني هو الإتجاه الغالب في الفقه الإسلامي بل و نستطيع ان نقول انه الإتجاه الصحيح الذي يتفق ابن تيمية مع دلالات الكتاب و السنة و الإجماع و الإستصحاب و الدليل النافي.
1- اما الكتاب فقال الله تعالى ( يا ايها الذين آمنوا اوفوا بالعهود)
فقد امر سبحانه بالوفاء بالعهود و هذا عام و كذلك امرنا بالوفاء بعهد الله و بالعقد و قد دخل ذلك فيما عقده المرء على نفسه بدليل قوله تعالى ( و لقد كانوا عاهدوا الله من قبل لا يولون الأدبار و كان عهد الله مسؤولا )
و تدل على ان عهد الله يدخل فيما عقده المرء على نفسه لم يكن الله ينفذ ذلك المعهود عليه قبل العهد كالنذر و البيع انما امر بالوفاء به و لهذا قارن الصدق في قوله تعالى و اذا قلتم فاعدلوا و لو كان ذا قربى و يعهد الله اوفوا فاذا كانت رعاية العهد واجبة فرعايته تقتضي الوفاء به و اما الأحاديث في هذا كثيرة مثل ما في الصحيحين عند عبد الله بن عمر قال رسول الله ص ( اربع من كل فيه كان مناقفا خالصا و من كانت فيه خصلة منهن كانت فيه خصلة من النفاق حتى يدعمان اذا حدث كذب و اذا وعد اخلف و اذا عاهد غرر و اذا اخصم فجر.)
( اذا خاصم فجر: ( ما علاقة هذه الجملة بقانون اصول المحاكمات المدنية؟
علاقتها ما يعرف باللدد في الخصومة، اي سوء استعمال الحق في التقاضي .
فقد جاء الكتاب و السنة فالأمر بالوفاء بالعهود و الشروط و العقود و آداب الأمانة و رعاية ذلك و النهي عن الغدر و بعض العهود و الخيانة و التشديد على من يفعل ذلك و اذا كان جنس الوفاء و رعاية العهد مأمور به علم ان الأصل صحة العقود والشروط اذ لا معنى للتصحيح الا ما ترتب عليه اثره و حصل به مقصودة و معقودة العقد هو الوفاء به فاذا كان الشارع قد امر بمقصود العهود ولت على ان الأصل فيها الصحة و الإباحية.
و قد روى عن الرسول ص انه خرج الصلح جائز بين المسلمين الأصلحا حرم حلالا او احل حراما و المسلمون على شروطهم الا شرطا حرم حلالا او احل حراما و هذا المعنى هو الذي يشهد له الكتاب و السنة و هو حقيقة المذاهب فان المشترط ليس له ان يبيح ما حرمه الله و لا يحلل ما اباحة الله فان شرطه حينئذ يكون مبطلا لحكم الله .
و هذا المعنى و الذي يشهد له الكتاب والسنة و هو حقيقة المذهب و الحنبلي فان المشترط ليس له ما يبيح ما حرمه الله او يحرم ما حلله الله فان شرطه يكون مبطلا للحق.
3- الإعتبار و هو يتضمن وجوب
أ- العقود و الشروط من باب الأفعال العادية و الأصلفيها عدم التحليل و يستصحب عدم التحريم فيها حتى يدل دليل على التحريم و قوله تعالى و قد فصل لكم ما حرم عليكم عام في الإعمال و الأفعال و اذا لم تكون حراما لم تكن فاسدا لأن الفساد انما ينشأ عن التحريم و اذا لم تكن فاسدة كانت صحيحة.
و ايضا فليس بالشرح ما يدل على تحريم العقود و الشروط الا ما ثبت حله بعينه و ان انتفاء دليل التحريم دليل على عدم التحريم فثبت بالإستصحاب العقدي و انتفاء الدليل الشرعي عدم التحليل فيكون فعلها اما حلالا و اما عفوا فالعهود يجب الوفاء بها اذا لم تكن محرمة و الا لم يثبت بشرع خاص فاذا حرمت العهود و الشروط التي تجري بين الناس في معاملاتهم العادية في غير دليلهم الشرعي كنا محللين ما لم يحلله الله.
ب- ان الأصل في العقود رضى المتعاقدين و موجبها هو اوجب على انفسهما بالتعاقد لأن الله تعالى قال في كتابه العزيز.
( الا ان تكون تجارة عن تراضي منكم)
اذا ، لم يشترط في التجارة الا التراضي و ذلك يفضي ان التراضي هو المبيح للتجارة و اذا كان كذلك فاذا ترضى المتعاقدين بتجارة او طابت نفس المتبرع يتبرأ فلا تحله بدلالة القرآن الا ان يتضمن ما حرمه الله و رسوله كالتجارة بالخمر و نحو ذلك .
ج- و اذا يشتمل العقد على شرط مناف لمقصود العقد لم يكن لغوا و اذا لم يشتمل على ما ينافي مقصود الشارع لم يكن لغوا ايضا و كذلك لم يشتمل على ما حرمه الله و رسوله فلا وجه لتحريمه بل الواجب حله لأنه عمل مقصود للناس يحتاجون اليه اذ لولا حاجتهم اليه لما فعله فان الإقدام على الفعل مظنة الحاجة اليه و لم يثبت تحريمه مباح لم افي الكتاب و السنة مما يرفع الحرج و على ذلك فان مقصود العباد من المعاملات لا يبطله الشارع الا مع التحريم لأنه لا يصححه الا بتحريم.
و ايضا فان المسلمين اذا تعاقدوا بينهم عقودا ولم يكونوا يعلمون لا تحليلها و لا تحريمها فان الفقهاء و جميعهم يصحبونها اذا لم يعتقدوا.
و لا يقول احد لا يصح العقد الا الذي يعتقد ان الشارع احله فلو كان اذن الشارع الخاص شرطا في صحة العقود لن يصح عقدا الا بعد ثبوت اذنه و هذا غير صحيح.
هذا و قد اشرت من قبل الى ان علماء الإمامية يميلون الى الإتجاه الأول ( المقيد) فمن الصعب ان ينتزع مبدأ حرية التعاقد من الفقه الإسلامي الجعفري فلا يوجد من النصوص و القواعد العامة ما يسمح بادخال كل ما هو مستحدث فالنصوص التي اقرت العقود و امرت بالوفاء بها ذلك لأن الشارع كما اقر مبدأ به ما هو متعارف بين الناس في التعامل و المتاجرة قد وضع من ناحية ثانية بعض العقود و الحدود و الغى بعض الوسائل التي كانت تستمعل في البيع و الشراء و ذلك مما يؤكد انه لم يترك للناس الحرية المطلقة في استمال ما يشاؤون في معاملاتهم و عقودهم.
غير ان الإجتهاد الحديث في فقه الإمامية يميل الى الأخذ بالإتجاه الثاني و هو اتجاه غالبية الفقهاء في مختلف المذاهب فيقول بعض علماء السنة ( و اقصى ما يمكن ان يقال لإثابت مشروعية العقود المستحدثة هو ان النصوص الإسلامية لم يرد فيها ما يقتضي حصر العقود و في نوع او صنف لنصوصه و لم يعين نوع العقد و البيع و التجارة بل امرت بالوفاء بالعقود و احلت التجارة و فرضت على المسلمين ان يلتزموا بشروطهم و التزاماتهم من ان نتعرض لأنواع تلك العقود و اصنافها و لا ماهية التجار و لا لشكل الإلتزام و موضوعه.
قال تعالى:
( يا ايها الذي آمنوا اوفوا بالعقود )
( اصل الله البيع و حرم الربا)
( لا تأكلوا اموالكم بينكم بالباطل الا تكون تجارة عن تراضي منكم)
و قال الرسول ص ( المسلمون عند شروطهم) الى غير ذلك من النصوص المشابهة في هذه الناحية والمعولم ان الناس قبل عصر التشريع كانوا يتعاملون بينهم بالبيع و الشراء و يتعاقدوا بجميع الأنواع الشائعة فلا بد ان يكون الذي يجب الوفاء به البيع المحل لهم و التجارة المسوغة لأكل المال و الإلزام الذي يجب تنفيذه هو ما يسمه الناس عقدا او بيعا و تجارة و التزاما في عصرهم و في جميع العصور حسب حاجات الزمن و مقتضيات الحال و كل ما في الأمر ان الحاجة لم تدعوا في عصر التشريع و قبله الا لتكل الأصناف من العقود.
فاذا دعت في عصر من العصور الى صنف من العقود كما حدت بالفعل فاذا دعت في عصر من العصور الى صنف من العقود كما حدت بالفعل في عصورنا المتأخرة يقول المستحدث فرضا للعقد الذي يجب الوفاء به بمقتضى النص الآية و بتعليق اكثر وضوحا هو انه بعد ان فرضنا ان المشترع لم يخترع انواعا و اصولا للتعامل تسمى عقدا وبيعا كما هو الحال في العبادة المقترحة لتبني الوقوف عندها فيما لو وردت في آية او رواية بيعا او عقدا. او تجارة و ما دام الأمر متروكا الى العرف فكل ما تفرضه حاجة المجتمع و يستعمله الناس و يسمونه عقدا يكون مشمولا لتلك الأدلة العامة التي جاءت لإفضاء ما هو متعارف بين الناس في مقام التعامل و الإتجار.
قال الشيخ محمد حسني الأصفهاني في شرحه المكاسب الأنصاري ما يلي ( ان البيع و ان كان موضوعا للنقل المؤثر من دون خصومة لنظر دون نظر الا ان الخطابات الشرعية حيث انها القيت الى العرف فلا بد من حملها على النقل المؤثر عندهم فالشارع في مخاطباته انما يخاطب اهل العرف وا لمعنى الذي يعرفونه فلو اراد خلاف ما عليه اهل العرف لزم عليه نص قرينة و عليه ينبغي النقل العرفي في جميع الأحكام و الآثار المترتبة على النقل الشرعي و نص غيره من فقهاء الإمامية على ان البيوع و العقود الواردة في النصوص الشرعية يراد منها ما هو عقد و بيع بنظر العرف.
( خذ العقد و امر بالعرف) فالعرف دليل شرعي على كافة الأحكام ) ( المعروف عرفا كلامشروط شرطا و المنصوص نصا)
محاضرة 1\6\2005 محاضرة رقم 4
الضابط الأول لصحة المعاملات
عدم اشتمال المعاملة المالية على مقامرة او رهان ( و يسئلونك عن الخمر و الميسر قل فيهما اثم كبير و منافع للناس و اثمهما اكبر من نفعها ) و سورة البقرة آية 219
( يا ايها الذين امنوا انما الخمر و الميسر و الأنصاب و الأزلام رجس من عمل الشيطان فاجتنبوه لعلكم تفلحون) سورة المائدة
( انما يريد الشيطان ان يوقع بينكم العداوة و البغضاء في الخمر والميسر و يصدكم عن ذكر الله و عن الصلوة فهل انتم منتهون) سورة المائدة آية 91
و من نهاية الآية 91 سورة المائدة ( فهل انتم منتهون) هي التي تضمنت هذا التحريم .
و اذا كان تحريم الخمر لم يثر ادنى جدلا مع تطور الدنيا الا ان تحريم الميسير على العكل قد اثار العديد من التساؤلات ازاء ما تمخضت عنه التطوارات الحديثة من اشكال و صور عدة للمعاملات قد تثير شبهة اختلاطها بالمقامرة و الرهان.
كما لا بد من الإشارة الى موقف القرآن الكريم من الميسر و ثم يتلو ذلك مدى انطباق حكم القرآن على بعض الصور العديدة للمعاملات الذي يثار مدى شبهة تضمنها لمعنى الخمر الميسر.
هي الميسر لغة: تيسر كذا او استيسر اي تسهل و تهيأ و الميسر هو السهل و اليسر و الميسور السهل والميسر عبارة عن و اليساراخت اليمين، و الميسر مأخوذ من التسير و هو ورود الشيء لصاحبه، يتسر لي كذا، اذا وجد فهو تيسرسيرا ، او ميسرة و هو مشتق من اليسر لأنه اخذ مال الرجل و سهولة بغير كد او تعب او من اليسار لأنه سلب يساره.
و الميسر اللعب بالقداح و اليسر المسير المقدوا و البشر المكتئبون على الميسر والجمع ايسر و الياسر الذي يلي قسمة الجذور والجمع ايسر و قد يسر، و يشتري الناقة
تشتر الجذور ( الناقة ) و يضمن الإيسار ( اللاعبين) ثمنها و يرضى صاحبها و كانوا يفتخرون بذلك و يجذمون من لم يفعل ذلك منهم ، و في احيان ربما تقامروا لإنفسهم ثم يغرم الثمن من لم يفز و يعيش بهذه السيرة فقراء الحي و منه قول الأعشى .
فسورة الميسر و على ضوء المعلومات التي وردت لكتب التفسير و الأدب ان يجتمع عشرة من اللاعبين و يحضروا جذورا يضمنون ثمنها لصاحبها و يدفع الثمن بعد المياسرة المغارمون وحدهم ، و تجعل القداح العشرة في خريطة و تجال (تخلط) و تحرك فيها ثم يخرج المفيض ( الذي يمسك القداح) اول قدح باسم احدهم على ترتيب لا نعلمه ، فربما كان بحسب جلوسهم ، او سنهم او تراضيهم ، و يكون هذا القدح هو مصيره فان كان رابحا عرف مقدار الربح، و بقى القدح خارج الخريطة (الربابة) ثم يخرج قدحا باسم الثاني و يعرف مقدار ربحه و هكذا الى عشرة و كل رابح يأخذ ما خرج اليه و الثلاثة اللذين تخرج لهم القداح التي لا نصيب لها هم اللذين يغرمون ثمن الجذور فيقسم عليهم اسلافا،
و كانوا يوسرون ليلا ، حيث يقيدون النار و قد عقروا ناقة و على مقربة منهم فقراء العشيرة ينتظرون ما يرمي به الأيسار من انصبتهم التي حرموها على انفسهم كرما و انفة و التصدق باللحم هو النفع الذي ذكره القرآن الكريم ، يسألونك عن الخمر و الميسر و منافع للناس (سورة الميسر)
يتبين مما تقدم ان العرب قبل الإسلام قد ولعوا بالميسر مباهاة و مفاخرة و عطفا على المحتاجين و من هنا ظهرت المنافع التي نصت عليها الآية فلقد كان الغرض نافع على عكس عادات الدول الأخرى التي كانت اشد ولعا من العرب في الميسر و لم هناك نفع و يذكر التاريخ ان قدماء الجرمان كانوا يتقامرون على كل ما يملكون فاذا نفذ تقامروا على حريتهم ، فيصير المغلوب عبدا للغالب و كذلك كان الحال لليونان، و لكن العرب تفردوا بالغرض النبيل للعب الميسر و لكن لا يخفى بالجملة ميسر العرب من مفاسد ، فالغالب انه يتسبب عنه ، العداوة و البغضاء بين المتياسرين ، و انه استيلاء على مال الناس بغير حق و لا طريق مشروع ، و حتى الكرم الذي في الميسر ليس خالصا كما يكرم الشخص من ماله الصرف عن قصد وراءه.
موقف القرآن الكريم من الميسر
ورد في كتب اسباب النزول ، ( كتب اسباب نزول الآيات) ان الآية 219 من سورة البقرة نزلت في عمر بن الخطاب و معاذ بن جبل و نفر من الإنصار اتو رسول الله صلعم ، فقالوا افتنا في الخمر و الميسر فانه مذهبة للعقل مفسدة للمال.
فانزل الله تعالى هذه الأية ، و الملاحظ ان اية سورة البقرة انها بينت للسائلين و هم هنا المؤمنون ان افي الخمر و الميسر اثم كبير و منافع للناس و اثمهما اكبر من منفعهما فاما الإثم في الميسر انه يفضي الى العادوة و ايضا لم يجريه بينهم من الشتم و المنازعة و انه اكل مال بالباطل و ذلك يورث العداولة لأن صاحبه اذا اخذ ماله مجانا ابغضه جدا ، و هو ايضا يشغل عن ذكر الله و عن الصلاة و اما المنافع في الميسر فهي كما يقول احد الأئمة ، التوسعة على ذوي الحاجة لأن من قمر لم يأكل من الجذور ، و انما كان يوزعه على المحتاجين و ذكر الواقدي ان الواحد منهم كان ربما قضى في المجلس الواحد مئة بعير ، و يكسبهم فيحصل على مال من غير كد و تعب ثم يصرفه الى المحتاجين فيكسب منه المدح و يكتب به شعر.
و في قوله تعالى : و اثمهما اكبر من نفعهما ، فان الإثم اكبر من النفع و اعود بالضرر في الآخرة ، فالإثم الكبير بعد التحريم ، و المنافع قبل التحريم.
الآية 91 من سورة المائدة : يا ايها اللذين آمنوا ، فلم يقل يا ايها الناس و انما بدأ بالنداء المألوف في هذا القطاع ، لإستجاشة قلوب المؤمنين من جهة و لتذكيرهم بمقتضى هذا الإيمان من الإلتزام و الطاعة من جهة اخرى ، فالنداء اذا للمؤمنين الذي اقروا بالإيمان و عليهم الإذعان الى الأمر التالي:
فقال تعالى انما الخمر و الميسر. هنا اكد المولى عز و جل تحريم الميسر و قال لنا في عبادة الأصنام ، و قوله تعالى رجس . فان رجس لغة كل ما استقظر من العمل ، فقول رجس من عمل الشيطان ، فان الرجس هو الذي يلزم اجتنابه اما لقبح ، او لجناسته ، ما يفعل به من عبادة او تعظيم.
و قوله تعالى من عمل الشيطان ، لأنه يدعو اليه و يأمر به ، فالشيطان لا يأمر الا بالمعاصي و القبائح و المحرمات،
و قوله انما يريد الشيطان ان يوقع بينهم العداوة و البغضاء في الخمر و الميسر فانما يريد به ما يدعو الشيطان به و يزينه من شرب الخمر حتى يسكر شاربها فيقدم على القبائح و يعربد ، فيؤدي الى العداوة و البغضاء و كذلك القمار فيؤدي الى ذلك ،
( كان الرجل يقامر في ماله و اهله ، فيقمر و يبقى حزينا سليبا فيكسبه ذلك العداوة و البغضاء)
و لقد تنبه الإمام القرطبي وجود فارق بين الخمر و الميسر حيث قال :
فان قيل ان شرب الخمر يورث الثأر فلا يقدر معه على الصلى و ليس في اللعب بالنرد و الشطرنج ، هذا المعنى ، قيل له قد جمع الله تعالى بين الخمر و الميسر في التحريم و وصفه جميعا بانه يوقعان العداوة و البغضاء بين الناس و يصدان عن ذكر الله و الصلاة و معلوم ان الخمر ان اسكرت فالميسر لا يسكر ، ثم لم يكن عند الله ، افتراقهما في ذلك يمنع من التسوية بينهما في التحريم ، لأجل ما اشترك فيه من المعاني ، و ايضا فان قيل ان قليل الخمر لا يسكر ، كما ان اللعب بالنرد و الشطرنج لا يسكر ثم كان حراما مثل الكثير فلا ينكر ان يكون اللعب و الشطرنج حراما مثل الخمر و ان كان لا يسكر ، و ايضا فان ابتداء اللعب ، يورث الغفلة، فتقوم تلك الغفلة المستولية على القلب مكان السكر، فان كانت الخمر انما حرمت لأنها تسكر فتصد بالإسكار عن الصلى ، فليحرم اللعب بالنرد و الشطرنج لأنه يغفل و يلهي ، فيصد بذلك عن الصلاة.
و على ذلك فان اسباب تحريم الميسر يمكن ايجازها فيما يلي:
اولا ان الميسر يفضي الى العداوة و البغضاء
ثانيا انه يصد عن ذكر الله و عن الصلاة فهو مفسدة للدين
ثالثا: يتضمن الميسر اكلا للأموال بالباطل
رابعا : و هو اكناف للمال و انفاقه بالرجس فهو مفسدة للمال.
الحكم الشرعي يدور مع علته و ليس مع حكمته ،
الحكمة من التحريم و العلة من التحريم
حكمة النهي عن الميسر
يقول الأمام الرازي ، و اما الميسر فالإثم فيه انه يفضي الى العداوة و ايضا لما يجري بينه من الشتم و المنازعة ، و انه اكل مال بالباطل ، و ذلك ايضا يورث العداوة و هو يشغل عن ذكر الله و عن الصلاة ، و في تفسير الآية انما الخمر و الميسر... يقول الإمام الرازي ، و اما الميسر فان كان مغلوبا في القمار مرة عاد اليه مرة اخرى ، لأنه ربما صار غالبا فيه ، و قد يتفق ان لا يحصل له ذلك ، الى ان لا يبقى له شيء من المال، و الى ان يقامر على اهله و ولده و لا شك انه بعد ذلك يبقى فقيرا مسكينا و يصير من اعدى الأعداء لؤلائك اللذين كانوا غالبين له فظهر من هذا الوجه ان الخمر و الميسر سببان عظيمان في افاضة العداوة و البغضاء بين الناس و لا شك ان شدة العداوة و البغضاء تفضي الى احوال مفهومة ، من الهرج و المرج و الفتن و كل ذلك مضاد لمصالح العالم.
اما النوع الثاني من المفاسد فهي متعلقة بالدين ، و هو قوله تعالى ( و يصدكم عن ذكر الله و الزكاة و الصلاة)
اما عن شرب الخمر يمنع عن ذكر الله فهو واضح و اما الميسر يمنع عن الصلاة و الزكاة ، لأنه اذا لم يربح مانع ان يخطر بباله شيء سواه و لا شك ان هذه الحالة تصد عن ذكر الله ،
علة النهي عن الميسر
اذا كانت الحكمة هي الباعث من الحكم فان العلة هي المسبب للحكم.
و العلة هي ذلك الوصف المنضبط المعرف للحكم ، و من شروطها ن ان تكون منضبطة ، فاذا وجدت العلة وجد الحكم و اذا تخلفت تخلف الحكم ،
و يمكن ملاحظة ان المخاطرة تتوفر في كافة اعمال الميسر و القمار و النضال ( المساواة )
فالمخاطرة في المسابقات بعوض امرها واضح ، فهي مخاطرة مالية ، فكلا المتسابقين يدخل في المسابقة على رجاء الربح و الخوف من الخسارة ، اي يخاطر على الغنم و الغرم ، و بعد تحقق النتيجة يصبح احدهما غالبا و الآخر خاسرا. اما في المسابقات في غير عوض ، فالمخاطر فيها متحققة غير انها تتصل بعمل و سمعة الاعب فكلا المتسابقين يدخل في المسابقة ليبذل عملا ذهنيا او جسميا كما يدخل في المراهنة ليبذل عملا ذهنيا يتمثل في حسن اختياره لتوقعه ، و بعد معرفة النتيجة يصبح احدهما فائزا غالبا و الآخر خاسرا مغلوبا ، فاحدهما يظفر بعمله في المسابقة سمعته و يفقدها الآخر المغلوب ، و معنى ما تقدم ان المخاطرة متوافرة في جميع انواع المسابقات فهي مخاطرة على عمل و سمعة ، في المسابقات بغير عوض و هي مخاطرة بمال في المسابقات التي بعوض، هذا الخطر يمكن صياغته بعبارة اخرى
فهو كل مراهنة على غرر محض عاري عن النفع ، فغرض المخاطرة او نفعها هي المناط في التأثير الشرعي في الحكم على المخاطرة و كونها حلالا او حراما ، والميسر و القمار ما هو الا علاقة مخاطرة او منافسة بين متعاقدين ، اذا غنم فيها احدهما غرم الآخر ، و يشمل هذا كل لعب فيه مراهنة.
(الخطر هو الإشراف على الهلاك) و نفس المعنى المخاطرة)
محاضرة 2\6\2005 محاضرة رقم 5
و قال مالك ميسر القمار ما يتخاطر الناس عليه ، و قال مجاهد كل شيء يقع فيه خطر فهو من الميسر اي القمار ، و روي عن ابن سيرين و مجاهد و عطاء انهم قالوا كل شيء فيه خطر فهو من الميسر ،
وقال الإمام ابو بكر الرازي ، القمار هو تمليك المال على المخاطرة ، و بناء على ما تقدم
تكون علة النهي عن الميسر او القمار هي المخاطرة ، فكل ما فيه مخاطرة بالمال يعد قمارا او ميسرا ، الا ما استثني ، و هذه العلة تعد جامعة لكافة انواع القمار او الميسر ، سواء اكانت المخاطرة في لعب او مسابقة غير شرعية، او في بعض العقود ، كالرهان و بيع المنابذة و الملامسة ، و البيع المعلق على الأخطار ، و على ذلك يندرج تحت هذه العلة كافة انواع القمار، ما لا يخلو المتعاقد فيه ، من غنم او غرم ، و لذلك ، جاء عن مجاهد و ابن سيرين و عطاء ، ان كل شيء فيه خطر فهو الميسر اي من القمار
فان قيل ان القرآن الكريم قد ذكر بعد تحريم الخمر و الميسر اربعة اوصاف و هي ايقاع العداوة و البغضاء و الصد عن ذكر الله و عن الصلاة فلما لا تكون هذه الأربعة علة للمنع ، و الجواب على هذا حكمة و ليس علة و فرق كبير بين الحكمة و العلة لأن العلة لا يتخلف عنها الحكم اذا وجدت ، فاذا عدمت عدم الحكم ، و الحكمة اذا لم تكن منضبطة ، ليست بعلة بدليل ان الرهان و بيع المخاطرة ليس فيهما صد عن ذكر الله و عن الصلاة مع انهما محرمان قطعا ، فلو كان هذا علة للمنع لتخلف الحكم هنا و صارا جائزين و لم يقل احد بذلك.
صور الميسر المحرم في بعد الآثار ( الأحاديث)
يبدو ان صور الميسر المختلفة قد اختفت من المجتمع الإسلامي بعد نزول اية التحريم فهذا هو الإمام ابي بكر محمد المعروف بابن العربي يقول الميسر ما كنا نشتغل به بعد ان حرمه الله تعالى فما حرم الله فعله و جهلناه حمدنا الله تعالى عليه و شكرناه ، و يقول في موضع آخر و اما الميسر فهو الشيء المحرم لا سبيل الى عمل ، فلا فائدة في ذكره بل ينبغي ان يموت ذكره و يمحى رسمه ،
مثال: حرم الله عز و جل الربا في كثير من الآيات ، و عقوبات كانت قاسية.
هناك نوعين من الربا ، الأول ربا النسيئة و ربا الفضل ( الزيادة )
و القرآن اشار الى النوع الأول من الربا فما هي صور الميسر؟
الصورة التقليدية للميسر و هو ميسر الجاهلية حيث كانوا ينحرون جذورا و يجعلونها اقساما يتقامرون عليها بالقداح على عادة لهم في ذلك فكل من خرج له قدح نظر الى ما عليه من ( سمي) اسم فيحتكمون له ما يقتضيه اسماء القداح و قد سبق تفصيل ذلك .
الميسر هو القمار ، لقد اطلق على سائر ضروب القمار ميسر، فقال ابن عباس و قتادة و معاوية ابن صالح و عطاء و طاووس و مجاهد .
( الميسر هو القمار)
و عن موسى ابن عفية عن نافع ابن عمر قال " الميسر هو القمار" و يقول مجاهد ( احد مفسرين القرآن) في تفسيره الميسر " كعاب فارس و قداح العرب و القمار كله"
و قال سفيان" كل شيء في القمار فهو من الميسر حتى لعب الصبيان بالجوز" و روي عن راشد ابن سعد انه قال: حتى الكعاب و الجوز التي يلعب بها الصبيان"
و عن ابن موسى عن النبي ص قال: " اجتنبوا هذه الكعاب الموسومة فانها من الميسر"
و روي عن حماد ابن سلمى عن قتادة ان رجلا قال لرجل ان اكلت كذا و كذا بيضة فلك كذا و كذا"
فارتفع الى الإمام علي رضي الله عنه فقال هذا قمار و لم يجزه.
- الميسر هو النرد ، روي سعيد عن ابي حيدر عن ابي موسى عن النبي ص قال: " من لعب النرد فقد عصى الله و رسوله"
و عن ابن الأحرض عن عبد الله قال " اياكم و هذه الكعاب الموسومات، فانها ميسرا العجم"
و روي عن الإمام علي مثل ذلك.
و عن جعفر ابن محمد عن ابيه عن علي ابن ابي طالب انه كان يقول " الشطرنج من الميسر" و قد لاحظ العلماء ان قبل اللعب بالنرد و الشطرنج انما يلهي عن ذكر الله و لذلك قاموا بتحريمه"
و عن ابن عمر قال" سئل القاسم ابن محمد عن النرد اهي من الميسر، فقال كل ما الهى عن ذكر الله و عن الصلاة فهو من الميسر"
في تفسير ( فماذا بعد الحق الا الضلال"
قد روى اسهب عن مالك قال اللعب بالشرطنج و النرد من الضلال و روى يونس عن ابن وهب انه سئل على الرجل الذي يلعب في بيته مع امرأته بال 14 فقال مالك.
" ما يعجبني و ليس من شأن المؤمنين، يقول تعالى ( فماذا بعد الحق الا الضلال)
و روى اشهب عن مالك ايضا عن اللعب بالشطرنج فقال لا خير فيه و ليس في سنتي و هو من الباطل و اللعب كله من الباطل و انه لينبغي ان تنهاه اللحية والشيب عن الباطل"
و قال الإمام الزهدي " لما سئل عن الشطرنج " هي من الباطل و لأجلها و قد اختلف العلماء في جواز اللعب في النرد.
و يقال انهم وجدوا في تركة الإمام الشافعي شطرنج.
هذا و قد اختلف في جواز اللعب اذا لم يكن على وجه القمار.
فبناء على المذهب المالكي ان من لم يقامر بها و لعب مع اهله في بيته مستترا به مرة في الشهر او العام لا يضطلع عليه و لا يعلم به انه لعفو عنه غير محرم عليه و لا نكروه له.
و انه اذا تخلع و اشتهر فيه سقطت مروئته و عدالته و ردت شهادته.
و اما المذهب الشافعي فلا تسقط في مذهب اصحابه شهادة اللاعب بالنرد و الشطرنج اذا كان عدلا في جميع احواله و لم يظهر منه سفا و لا ربا و لا كبيرة الا ان يلعب به قمار فان لعب به قمارا و كان ذلك معروفا سقطت عدالته و سفه نفسه لأكل المال بالباطل.
و قال ابو حنيفة بكرة اللعب بالشطرنج و النرد و ال 14 و كل اللعب الغير محمودة فان لم يظهر من اللاعب بها كبيرة و كانت محاسنها اكثر من مساوئها قبلت شهادته عندهم و قال ابن العربي قالت الشافعية ان الشطرنج يخالف النرد لأن فيه المد او الفهم و استعمال القريحة و النرد قمار محض لا يعلم ما يخرج له فيه كالإستقسام بالأزلام .
و في صحيح مسلم ان النبي ص قال" لمن لعب بالنرد كمن عمس يده في لحم خنزير و دمه"
و عنه ص " من لعب بالنرد فقد عصى الله و رسوله .
و مما جاء عن الشطرنج عن الإمام علي رضي الله عنه انه مر على مجلس من مجالس بني تميم و هم يلعبون بالشطرنج فوقف عليهم فقال " اما و الله لغير هذا خلقتم اما و الله لولا ان تكون سنة لضربت به وجوهكم" و لم يجادل به احد.
و عن الإمام علي انه مر بأناس يلعبون بالشطرنج " ما هذه التماثيل التي انتم لها عاكنون لأن يمس احدكم جمرا حتى يطفأ خير ان يمسها"
و سئل ابن عمر عن الشطرنج فقال هي اشر من النرد و قال ابو موسى الأشعري " لا يلعب بالشطرنج الا خاطئ"
و سئل ابو جعفر عنه فقال" دعونا من هذه المجوسية " و هذه الآثار ( الأحاديث) كلها تدل على تحريم اللعب بها بلا قمار.
و قد ذكر في المائدة بيان تحريمها و انها كالخمر في التحريم لإقترانها به .
قال ابن العربي (مالكي) و قد جوزه الشافعي و انتهى حال بعضهمالى ان يقول هو مندوب اليه حتى اتخذوه في المدرسة فاذا اعيا الطالب عن القرآة لعب به في المسجد و اسندوا الى قوم من الصحابة و التابعين انهم لعبوا بها و ما كان ذلك قط و تالله ما مستها يد فقي ، و يقولون انها تشحذ الذهن و الحال يكذبه فلا تجد فيها قط رجل له ذهن.
- و تعد المخاطرة من القمار ، قال القاضي ابي بكر ، و ان المخاطرة من القمار " و قال ابن عباس" ان المخاطرة قمارا و ان اصل الجاهلية كانوا يخاطرون على المال و الزوجة و قد كان ذلك مباحا الى ان ورد تحريمه"
و قد خاطر ابو بكر الصديق المشركين حين نزلت ( الم غلبت الروم...) و قال له النبي ص رد في الخطر و ابعد في الأجل.
- و ما ذكره الله تعالى من تحريم الميسر و هو القمار يوجب تحريم القرعة من العبيد يعتقهم المريض ثم يموت لما فيه من القمار و اخفاق بعض و انكاح بعض و هذا هو معنى القمار بعينه و ليست القرعة في القسمة كذلك لأن كل واحد يستوفي نصيبه لا يخفق واحد منهم.
الميسر في الديانة اليهودية و المسيحية
الملاحظ ان الشريعة اليهودية و المسيحية قد حرمتا الربا و لكن لم يرد منهما اي تحريم للميسر و انما وردت بعض الآثار فيهما تتكلم عن القرعة و مدى جوازها.
ففي سفر الأمثال وردت" القرعة تلقى في الحضن و من الرب كل حكمها"
معنى ذلك ان الرب كل حكمها ان الله يقدر و يفعل ما يشاء و هذا اهو المعنى ذاته لدى الإسلام اذ يقولون متى جازت القرعة فانها تتضمن تعويضا لله مثل ان يقضي بها لمن يشاء.
هذا و قد اكد الذكر الحكيم استخدام اليهود لهذا النظام في قصة مريم ( و ما كنت لديهم اذ يلقون اقلامهم ايهم يكفل مريم) و في قصة يونس
( فسآم فكان من المضعضين)
كما استخدمت القرعة ايضا في شأن بعض المعاملات كتقسيم الأموال في الديانة اليهودية ورد في سفر العدد انما بالقرعة بقسم الأرض حسب اسباط آبائهم.
( يملكون حسب القرعة، يقسم نصيبهم بين كثير و قليل) التوراة.
فهذا هو قسمة المال بالقرعة التي قد لا يتحقق مبدأ المساواة و هي جائزة حسب هذا النص و غير جائزة لدينا ( المسلمين) و لكن اذا قسمت الأرض بالتساوي بين قوائم ثم القيت عليهم القرعة ليأخذ كل واحد منهم قطعة من قطع الأرض المتساوية فلا غضاب في ذلك بل هو ايسر في تطييب الخواطر للداخلين في هذه القرعة و ابعاد الشبهة المحاباة عن القاسم.
محاضرة السادسة
الإستقسام بالأزلام:
ورد في آية التحريم رقم 3 من سورة المائدة المذكورة اعلاه كما تأكد هذا التحريم من سورة المائدة آية 90.
و يقول ابن كتبية " الأزلام تعني القداح و احدهما زلم و هي الأقلام ايضا واحدها قلم سميت بذلك تقلم و لذلك سمي القلم الذي يكيب به قلم و منه قلامة الأظافر و لها موضع آخر حرمه الله و هو الإستقسام بها"
و الإستقسام : استفعال من القسم ، و هو النصيب و ابانوا اذا ارادوا ان يقتسموا نسبا مختلفا بين قوم تساهموا عليه في خرج لكل امرء حظا له فقيل الإستقسام اي طلب القسم و هو النصيب و اذا تساهموا في امر من الأمور تساهموا عليه ثم جعلوه لمن خرج قدحه.
قال الله عز و جل
( و ما كنت لديهم اذ يلقون اقلامهم ايهم يكفر مريم)
و كانوا تشاحوا في كفالتها فضربوا بالقداح و هي اقلام فخرج قدح زكريا فكفل و كذلك فعل يونس في السفينة ، فقال ايهما يلقى بالبحر، فكان من المضحدين اي من المغمورين ، فرمي في البحر.
و هذا يتشابه مع الخساراة المشتركة في القانون البحري ، عندما تكون البضائع موجدة الرمي لسلامة السفينة.
و كانوا اذا ارادوا الخروج الى وجه ضربوا بقداح فان خرج القدح الآمر نفذ الرجل لوجه ( اي خرج يحارب) راجيا السلام و اذا خرج القدح الناهي لم يخرج.
و لإستقسام الأزلام اشبه شيء بالقرعة التي اطلقها لنا الرسول و جعلها بابا من الحكم و لتقاربهما في الشبه قال بسيرين حين بلغه ان عمر بن عبد العزيز ( خامس الخلفاء الراشدين) اقرع بين الفطم ، ما كنت ارى هذا الا من الإستقسام بالأزلام.
و انما يفترقان فان استقسام العرب في الجاهلية كان يكون عند انصابهم ، و في بيوت اصنامهم و كانوا يظنون انها هي التي تخرج لهم في القدح ما يمتثلونه من امر و نهي.
و مفاد ما ذكره ابن كتبية ان الإستقسام بالأزلام هو القول بمعرفة ما قسم له و قدر من خير او شر ، بواسطة القداح . و هي السهام المخصصة لذلك فيكتب على احدها امرني ربي و على الآخر نهاني ربي الثالث ، غير مكتوب ، او كان يكتب على احداهما افعل ، و على الآخر لا تفعل ، و الثالث لا يكتب عليه شيء فاذا خرج الأخير اعيد الضرب حتى يخرج امرا او نهي فيتصرف الشخص حسب ما خرج له من حظ .
و شبيه بذلك الإستقسام بالطيور ، بحسب وجهة طريها ، فاذا طار جهة اليمين ، تفاءل المرء و اقدم على ما ينوي و اذا طار الى جهة اليسار تشاءم و احجم عن ما يبغي ، و لا شك ان الإستقسام بالأزلام اشبه بالميسر حيث يترك شأن و مصير الإنسان لمحض الحظ و الصدفة و لذلك وصفه المولى انه رجس من عمل الشيطان ففيه اعتماد على مجهول بدلا من التوكل على الله.
و يتصل بموضوع الإستقسام بالأزلام القرعة ، و لقد ورد ذكرها في آيات الذكر الحكيم ، ففي سورة آل عمران و ما كنت لديهم اذ يغتصبون ) حيث يقصد بالقاء الأقلام اجراء القرعة بينهم دفعا للخصام والتشاحم و في سورة الصافاة (و ان يونس لمن المرسلين اذ ابق الى الفلك المشؤوم فساهم فكان من المضحدين فالتقطه الحوت و هو ملين ) و المعنى ان يونس عندما فر من قومه الى السفينة المليئة بالحمولة و خاف الجميع من الفرق فاقترعوا فيمن يلقى بالبحر فخرجت القرعة على يونس فالقوه فمعنى ساهم انها قرعة و كان من المضحدين اي كان من الغلوبين في القرعة.
و قال رسول الله ص، لو يعلم الناس ما في النداء و الصف الأول في صلاة الجماعة ثم لم يجدوا الا ان يستهموا عليه لأستهموا ، و كان رسول الله اذا اراد السفر اقرع بين النساء ، و خرج بها معه.
فالقرعة من المنظور الإسلامي لها هدفها و نطاقها فغايتها محدودة عند التساوي و التشاحن ، فلا يجب ان تنقلب الى اضاعة المال ، او اكله بالباطل او ان تكون قمارا كما يجب ان لا يخالطها ما يؤدي الى تواكل و تكاسل و استسلام الناس للصدفة و للحظ و عزوفهم عن السعي و الجد و العمل و الإجتهاد كوسائل لتحصيل الرزق و الثواب في الآخرة للجد في العمل ، لذلك استخدمت القرعة في الإسلام لتكون وسيلة الخلاص عند التساوي و عدم امكان التوزيع على الجميع بالتساوي و دفعا للتهمة و المحاباة و منعا للحقد و الضغينة كما انها تتضمن تفويضا و استسلاما لقضاء الله و قدره فهي ابعد في نظر المسلم عن ان تكون اعتمادا على الحظ و المصادفة وانما هي استسلاما لقدر الله و قضائه.
فالقرعة اذا جائزة في الإختيار عن التساوي و التشاحن و لكنها غير جائزة في عقود المعاوضة ، فهي عقود مراضاة لا محل للقرعة فيها ، فالعوض في عقد لا يستحق بالقرعة ،
في حال هناك وجود سيارتين كلاهما نفس الثمن ، و يشتري المشتري احداهما ، فيجب ان يحدد اي سيارة لأن المبيع ان يكون معينا تعيينا كافيا ، و لذلك القرعة غير جائزة شرعا و قانونا.
و ما كان اصلا في العقد ، فلا يصح عقده على القرعة كإبتياع احد الشيئين بالقرعة ، و على اية حال فان توزيع الأموال و الحقوق بالقرعة في غير الحالات التي تكون فيها في القرعة فان ذلك لا يعد من قبيل القمار ، و لكن يعد من باب التوزيع السيء غير الرشيد ، فهو ينطوي على اضاعة المال او توزيعه بمقتضى الحظ و المصادفة اما ان تستخدم القرعة ، في المعاوضات و منها اليانصيب ، فلا شك في دخولها في مفهوم القمار،
بعض احكام القضاء الفرنسي التي تعرضت للقرعة استخدمت عبارات الشريعة الإسلامية ،
الرهان
ورد لفظ الرهان ، في آية المداينة ، من سورة البقرة ، و لكن بمعنى اخر ، غير مراد بالرهان هنا ،
الرهان في سورة البقرة ،( فرهان مقبوضة ) و هذا هو الرهن الحيازي.
و لكن ورد اللفظ بالمعنى الذي نقصده في احاديث رسول الله من ذلك ما قيل لأنس : اكنتم تراهنون على عهد رسول الله ص اكان ، رسول الله ص يراهن ؟ قال نعم ، و الله لقد راهن على فرس يقال له سبحة ، فسبق الناس فهش لذلك و اعجبه ، و علي بن عمر ان النبي ص سبق بالخيل و راهن و في لفظ آخر سبق بين الخيل و اعطى السابق.
و في شأن تحديد المدلول اللغوي للرهان فلقد جاء في لسان العرب، ان الرهان و المراهنة هي المسابقة على الخيل و غيره ، فالرهن هو الشيء الملزم ، و يجمع على رهان ، و في تعريفه فقها ، انه التزام بشرط ، و يدخل الرهان في عموم معنى القمار ، و حيث يكون هناك جعل مبذول من الطرفين ، و قد يتعلق مصطلح الرهان بحالة خاصة من القمار ، عندما لا يكون للمتراهنين اي دخل في اللعب او السباق او النضال، كأن يقول (أ) ل( ب) ان سبق د ج ، فلك مني كذا و ان سبق ج د فلي عليك كذا و قد يتساوى المبلغان و قد يتفاوتان ، فالرهان ينصرف الى كل توقع على مال يأخذه من يصدق توقعه ممن لم يصدق توقعه ، و يتفق كل من الرهان و المقامرة ، في ان حق المتعاقد ، يتوقف على واقعة غير محققة ، و هي ان يصدق قول المتراهن في الرهان ، و ان يكسب المقامر اللعب في المقامرة غير ان الرهان يفارق القمار ، في ان للقمار طرفان، لللعب و المقامرة و كل طرف يقوم بدور ايجابي في محاولة تحقيق الواقعة غير المحققة اما المراهنة فلها اربعة اطراف.
طرفان للمراهنة ، و طرفان آخران هما اللاعبان و المراهن لا يقوم باي دور في تحقيق صدق قوله.
الفرق بين القمار و المراهنة في القانون
في المقامرة يكن المقامرون هم اللاعبين ، و لكن في الرهان يكون لا يكون المتراهنون هم اللاعبين.
المراهنات قد تكون بعوض و قد تكون بغير عوض.
و على ذلك فاللذين يتسابقون بالخيل في غير اغراضه الشرعية على ان يكون المتسابق الفائز جعلا ، اما اللذين يتراهنون على الفرس السابق و هم لم يركبوه فليسوا بمقامرين و انما متراهينين ، و الفرق ان المتسابق يبذل جهدا لتحقيق الواقعة ، اما المتراهن فلا يبذل جهد في تحقيق الواقعة.
و قبل ان نبين ، حكم الشريعة و القانون في الرهان نعرض لدليل معين . قد يثير جدلا حول شرعية الرهان او عدم مشروعية ، وهو المتعلق برهان ابو بكر الصديق رضي الله عنه.
قال تعالى: ( ا ل م ، غلب الروم في ادنى الأرض و هم من بعد غلبهم سيغلبون في بضع سنين ، لله الأمر من قبل و من بعد و يوم اذ يفرح المؤمنون بنصر الله ، ينصر من يشاء و هو العزيز الرحيم ، وعد الله لا يخلف الله وعدا. ولكن اكثر الناس لا يعلمون، يعلمون ظاهرا من الحياة الدنيا و هو عن الآخرة ..)
روى الترمذي عن ابن عباس ، قال : كان المشركون يحبون ان يظهر ( ينتصر) اهل فارس على الروم لأنه و اياهم اهل اوثان ، و كان المسلمون يحبون ان يظهروا الروم على الفرس لأنهم اهل كتاب .
فذكروه في ابي بكر رضي الله عنه فذكره ابي بكر عن الرسول ص ، فقال . اما انهما سيغلبون فذكره ابو بكر ، فقالوا : اجعل بيننا و بينك اجلا ، فان ظهرنا كان لنا كذا و كذا ، و ان ظهرتم كان لكم كذا و كذا.
فجعل اجلا خمس سنين ، فلم يظهرو ( الروم) فذكر ذلك من النبي ، فقال : الا جعلته الى دون العشر ، فالبضع ما دون العشر ، قال : ثم ظهرت الروم بعد ، فذلك قوله (_ الآية السابقة)
و في رواية اخرى للحادثة السابقة انهم لما نزلت هذه الآية قبل الهجرة قال مشركوا قريش لأبي بكر الصديق ، ترون ان الروم تغلب فارس ، فقال : نعم، فقالوا : هل لك ان تخاطرنا ، على ان نضع بينك و بيننا خطر اي رهان عشرة قلائس ، فان غلبت الروم ، اخذت خطرنا ، و ان غلبت فارس ، اخذهنا خطرك ، فخاطرهم ابو بكر . و جعل الأجل خمس سنين او ستة ، فلم يظهروا فاتى النبي ص و اخبره فقال : الا احطت يا ابا بكر فان البضع ، ما بين الثلاثة و التسع ، اذهب اليهم فزد في الخطر ، و ابعد في الأجل ، ففل ابو بكر رضي الله عنه ، فاخر الأجل و زاد الخطر الى مئة ، و ظهرت الروم على فارس.
فبعث الى ابي بكر رضي الله عنه ، ان تعال و خذ خطرك ، فاتى النبي ص ، فامره بأكله ،
و في رواية اخرى ، فجاء به يحمله ، فقال له الرسول ، هذا سحت تصدق به
و من جماع الروايات السابقة لواقعة رهان ابي بكر الصديق يتبين ان ظاهرها ، يفيد و يدل على جواز الرهان ، و مع ذلك فلقد اختلف الفقهاء في الحكم المستفاد من الأحاديث فذهب طائفة الى لا تعارض بين الحديث ، الدال على جواز الرهان ، و بين الأدلة على حرمته ، لأنه الرهان كان جائزا في اول الإسلام ، ثم نسخ بنهي النبي ص ، عن الغرر و القمار ، وقالو : و يدل على نسخه ، ما رواه الإمام احمد و اهل السنن من حديث ابي هريرة ، قال : قال رسول الله ، لا سبق الا في خف ، او حافر ، او نصل.
و السبق هو الخطر الذي وقع عليه الرهان ، ه
هذا و قد تصدى احدا لفقهاء للرأي السابق ،
الإمام ابن القيم ان واقعة رهان ابي بكر الصديق ، تمت بعد نزول ايات التحريم الخاصة بالخمر و الميسر الأمر الذي يدل على مشروعية ما صنعه ابو بكر الصديق ، و لكن لحكمة معينة ، ابان عنها ابن القيم في ان تلك المراهنة انما كانت امرا ، يقتضيه اعلاء كلمة الدين ، و تصديق رسول الله و كتابه فالآية التي حكت عن غلبة الروم ، بها الحكم القاطع على تلك الغلبة ، و بالتالي اتى رهان ابي بكر الصديق تصديقا للآية و دحضا لشكوك المشركين.
بعض صور الرهان في هذا العصر و مدى شرعيتها و قانونيتها:
لقد انتشر في هذا العصر العديد من صور المراهنات التي تستنزف المال و الوقت بغير حق ، و اخذت مسميات عديدة ، و هذه الصور و ان كانت داخلة ، في المفهوم العام للميسر او القمار الا انها اصبحت اليوم اكثر خطورة و انتشارا من العاب الميسر المحضة ، و قد سبق لنا بيان الفارق بين المقامرة و الرهان شرعا
و نعرض الآن لتعريف الرهان في نظر رجال القانون و الفارق بينه و بين القمار.
فالمقامرة و المراهنة ، تشتركان في انهما من عقود الغرر ، و من عقود التراضي ، و من عقود التبادل ، فاما كونهما من عقود الغرر او الإحتمال فهذا ظاهر ، ذلك لأن تحقق النتيجة ، في ايهما ، يتوقف على حدوث امر غير محقق.و هما من عقود التراضي حيث يتم العقد بمجرد حصول الإيجاب و القبول ، دون حاجة الى اي اجراء شكلي ، و هو من عقود التبادل ، حيث يتعهد كل طرف بان يدفع للآخر مبلغا من النقود او شيئا اخر من الأشياء الداخلة في دائرة التعامل عن تحقق الشرط المتفق عليه ، و في هذه العقود ، تبتدئ بوجود دائن و مدين ، و لكنها تؤول في النهاية الى وجود دائن واحد ، هو الرابح و مدين واحد هو الخاسر ، و لذلك كانت عقودا انفرادية بالنسبة لنفاذها.
و برغم هذا الإتفاق بين العقدين ، المقامرة و الرهان ، الا انهما يختلفان مع ذلك في امر اخر نبينه عندما نعرف كلا العقدين تعريفا منضبطا يتفق مع غاية كل عقد منهما.
في عقد المقامرة ، هو اتفاق بين شخصين او اكثر ، يتعهد فيه كل مقامر بان يدفع الى الرابح مبلغا او اي شيء آخر ، متفق عليه ، في حالة ما اذا خسر المقامرة .
اما الرهان ، فهي اتفاق بين شخصين ، او اكثر اختلفا على امر ما ، يتعهدان بموجب هذا الإتفاق ان يدفع احدهما الى الآخر مبلغا معينا ، او اي شيء اخر متفق عليه في حالة ما اذا لم يصدق قوله في واقعة غير محققة . اي اذا اتضح ان قول الآخر هو الأصح.
و يذهب اتجاه ، الى ضرورة ان تكون الواقعة غير المحققة ، في الرهان ، اجنبية عن حالة المتراهنين ، بحيث لا تحملهم خسارة او تجلب لهم كسبا و على ذلك اذا اتفق وارثان ، على ان ايا منهما يوصي له المورث ، يدفع للآخر الذي لم يوصى له مبلغا من المال ، لم يكن هذا الإتفاق رهانا ، بل هو تأمين جائز.
اما الفرق بين المقارة و الرهان هو ان الشرط المعلق عليه ربح المقامرة ، هو عمل يأتيه احد المتعاقدين ، اي يقوم المتعاقد بدور ايجابي ، في محاولة تحقيق الواقعة غير المحققة ، اما الشرط المعلق عليه ربح المراهنة ، هو تحقق امر ما يكون قد حدث او سيحدث ، حيث لا يقوم المتراهن ، باي دور ايجابي ، في محاولة تحقيق صدق زعمه و قوله
و نعرض لأمثلة لبعض صور المراهنات الشائعة و هي لا تقع الآن تحت حصر ، فكل يوم يشهد نشوء صور جديدة منها ،
الأمثلة:
العاب اليانصيب: و هي لعبة يساهم فيها عدد كبير من الناس ، يدفع كل منهم مبلغا معينا ، عادة ما يكون صغيرا ، بقصد كسب جائزة اليانصيب ، و هذه الجائزة هي مبلغ من المال ، او شيئا آخر ، و يكون لكل مساهم رقم معين ، و يتم تحديد الفائز او الفائزين عن طريق السحب من هذه الأرقام عشوائيا ، اي عن طريق محض الصدفة و الحظ و يتم الآن ذلك غالبا عن طريق الحاسب الآلي ، او السحب اليدوي اذا كان نطاق اليانصيب قليلا من حيث المشتركين و من صور اليانصيب قيام شخص معنوي ، بالإعلان عن عملية يانصيب لحسابها و رصدت في هذه العملية مبلغا من المال ، او عقارا او سيارة ، او شيء آخر ذو قيمة مالية كبيرة ، ليكون من نصيب صاحب الرقم الأول الفائز .
و قد تعرضت محكمة النقض المصرية لهذه الصورة ، من العاب اليانصيب ، و في القانون الفرنسي هناك العديد من الأحكام الصادرة في مسائل اليانصيب ،
حيث قضت محكمة النقض في 8 \1\ 1942 بانه حيث ان المستفاد من اوراق الدعوى ان ما رمت اليه جمعية المواساة في اصدارها ورق يانصيب ، الذي كانت فيه الورقة التي ربحت العمارة ، هو على منوال ، ما ترمي اليه الجمعيات الخيرية بوجه عام . من اصدارها اوراق النصيب ، طبقا للقانون رقم 10 لسنة 1905. و اليانصيب اللبناني يتم اصداره طبقا لتشريع لبناني .الباب الثاني في المقامرة و المراهنة المادة 1024 موجبات و اعقود الى 1027.
و القانون المصري ينحصر في غرضين ، اولهما استفادة هذه الجهات التي اصدرت اليانصيب من جزء من المبالغ المتجمعة ، لإنفاقها ، في اوجه نافعة ، و ثانيها ، فوز بعض مشتري هذه الأوراق ، بالجوائز المدونة بها ، حثا لهم ، على شراء هذه الأوراق تشجيعا على اقتنائها بثمن بخس بامل الفوز باحدى الجوائز.
و هذا الحكم قام بتعريف المقامرة و المراهنة تعريفا قانونيا.
و مؤدى هذه العملية ان كل مشتري لورقة او اكثر يساهم بجزء قليل بنسبة ما اشتراه في الأعمال الخيرية للجهات المرخص لها ، باصدار ورق النصيب. كما يساهم في الجوائز التي تربحها الأرقام المسحوبة ، و بهذا الوضع تكون الجائزة عبارة عن مساهمة من صاحب الورقة نفسه ، ببعض ما دفعه ثمنا لشرائها ، و بعض ما دفعه غيره من اللذين اقتنوا ورق النصيب و ارتضوا من بادئ الأمر ان يجعلوا هذه المساهمة عرضة للتضحية ، مقابل ما لديهم من امل الربح تكون النتيجة في ذلك ان الورقة الرابحة تستحيل بمجرد اعلان نتيجة السحب الى صق بالجائزة المخصصة لدرجة سحبها ، و يكون من حق حامل الورقة ، مطالبة الجهة التي اصدرت ورق النصيب بتلك الجائزة نقودا كانت او عينا معينة ،
( المادة 1027 القانون اللبناني ، يذكر فيها المشرع ان لعبة اليانصيب لا تخول حق المداعاة الا اذا كانت مجازة على وجه قانوني) .
مدى جواز مخالفة نص القانون الموجبات و العقود اللبناني لتلك القاعدة الأساسية المتعلقة بالنظام العام.
الا يجوز ان يطعن في هذا النص اذا كان لدينا قضاء دستوري ، بمخالفة القواعد الدستورية.
المحاضرة السابعة:
بالنسبة للشخص الذي يشتري ورقة النصيب: فالعقد هنا هو من العقود المسماة ، من عقود الغرر.
اما بالنسبة للموضوع ، فموضوع العقد هو ، اما ان يكون قيمة الورقة و اما ان يكون قيمة الجائزة ،
(تكملة الحكم)الذي ذكرناه في السابق
وحيث انه بناء على ما تقدم تكون الجائزة هي في الواقع موضوع التعاقد و الغرض المقصود منه، سواء بين مشتري الورقة و الهيئة التي اصدرت ورقة النصيب او بينه و بين من يدعي مشاركته فيها اما ورقة النصيب الرابحة ، فهي سند الجائزة و مظهرها الوحيد و لا تكون الجائزة مستحقة بدون وجودها ، و اما قيمة الورقة المدفوعة فلا وجود لها في ذلك اذ اصبحت مستهلكة في الجوائز اي الأغراض التي من اجلها اصدرت اوراق النصيب،
( هذه العبارة تتضمن احكام كثير ، فمحكمة النقض تقول ان الموضوع هو قيمة الجائزة و ليس قيمة الورقة. و يقول الحكم ان هذا الموضوع هو الذي يكون محلا للمشاركة اي ان يقوم شخصين بقطع ورقة النصيب نصفين و اعطاء كل شخص نصف ورقة) و هذا الموضوع الذي تكلمنا عنه هو نفسه موضوع الشركة التي قامت بين الشخصين اللذين تقاسما الورقة) و سند استحقاق الجائزة هي هذه الورقة الرابحة ، و اذا فقدت الورقة فلن نستطيع المطالبة بها.)
و لما كانت اوراق النصيب غير اسمية فهي لا تعدو ان تكن سندا لحاملها بقيمة الجائزة المربوحة و اذا كانت العبرة في ملكية هذا الضرب من السندات بحيازتها فان صاحب الحق في المطالبة بالجائزة هو من تكون بيده تلك الورقة الرابحة فاذا ما ادعى احد استحقاق الجائزة كلها او بعضها بعد السحب في غير حالتي السرقة و الضياع تعين مراعاة احكام القانون تبعا للقيمة المطلوبة لا بالنسبة للمحكمة المختصة فحسب بل بالنسبة لقواعد الإثبات ايضا بحيث اذا كانت قيمة المدعى به متجاوزة لحد نصاب الإثبات بالبينة كان الإثبات بالكتابة امرا لا مناص منه.
و هذه الفقرة هي اثر لإعتبار موضوع التعاقد هو قيمة الجائزة ، فاذا ما ادعى احد الأشخاص استحقاقه لجائزة كانت لدينا قيمتان ، القيمة الأولى هي قيمة الورقة و القيمة الثانية هي قيمة الجائزة مليون ليرة ، و العبرة تكون بقيمة الجائزة فيجب على من يدعي استحقاقه للجائزة ان يثبت بالكتابة ،
و النتيجة الثانية مراعاة النصاب القيمي بين المحكمة الإبتدائية و القاضي المنفرد حسب قيمة الجائزة.
شرعية اوراق النصيب في الفقه الإسلامي
و العاب النصيب تعد من قبيل المراهنات فكل من يساهم فيها انما يراهن على ان رقمه هو الفائز او يحدوه الأمل في الفوز فان صدق حدسه و تخمينه فاز بجائزة النصيب و ان لم يصب خسر ما دفعه و هذا يعد من الرهان المحرم شرعا.
و بالتالي كان التعاقد على شراء اوراق النصيب باطلا و هو بطلان مزدوج ، حيث ان بيعها يعد محرما و شراؤها يعد محرما فان ما حرم بيعه حرم شراؤه و لا يرفع التحريم و لا ينفي البطلان اعتقاد بعد المشترين انهم يساهمون في الأنشطة الخيرية للجمعيات و المؤسسات التي تصدر مثل هذه الأوراق فالحقيقة الغالبة ان الشراء لا يتم الا طمعها في الجائزة ، و على هؤلاء الذين يتوهمون بالخير بشرؤهم الأوراق ان يتبرعوا لتلك الجمعيات و المؤسسات .
و من صور الرهان ايضا ما يحدث في بعض العاب الورق كالبوكر و غيرها حتى كرة السلة و كرة القدم فان المراهنة تكون نفسها .
و من هذه الصور ايضا من يشترك في لعبة الرولت حيث لا يقوم باي دور ايجابي في محاولة جعل الرقم الذي اختاره في اللعب هو الرقم الكاسب فهو مراهن لا مقامر.
و من هذه الصور المراهنات في سباق الخيل و غيرها من الحيوانات و ايضا المراهنات في الرماية و ما شابه ،
و من هذه الصور اصدار سندات مصحوبة بنصيب ، و كذلك ما تصدره بعض البنوك و المصارف من شهادات ادخار او استثمار او ايداع بفئات مالية مختلفة يكتبب فيها المدخرون ، و تكون مسحوبة باجراء قرعة بعد نهاية كل دورة مالية معينة بين هؤلاء المكتتبين بحسب ارقام شهاداتهم ليفوز بعضهم بجوائز نقدية او غير نقدية ( مضاعفة الرصيد ، او مبلغ نقدي كبير ، او وحدة سكنية او سيارة او اي منقول آخر ذو قيمة ) ، و لا يفوز البعض الآخر باي شيء و تأخذ هذه السندات او الشهادات حكم اليانصيب ، المتضمن رهانا بغض النظر عن الهدف التي تسعى الى تحقيقه تلك العمليات.
و من العاب اليانصيب وضع اجهزة اوتوماتيكية ، في متناول الجمهور حيث يضع الشخص في الجهاز مبلغا صغيرا ، اما ان يخسره او يفوز مبلغ اكبر او بشيء اكبر قيمة ، و منها ايضا ما تلجأ اليه بعض المتاجر الكبرى ، من منح المشتري لسلعة معينة او مجموعة سلع تبلغ قيمتها مبلغا معينا ، بطاقة ذات رقم او فاتورة بالشراء مرقمة ثم يجري السحب على هذه الأرقام و من يفوز يحصل على جائزة معينة في مقابل خسارة الباقين ، و هذه الصور فضلا عن تضمنها معنى القمار حيث ان مبلغ القمار يتمثل في فارق ثمن السلعة في حالة وجود اليانصيب و ثمنها في حالة تخلفه الا انها اقرب الى المراهنة .
ملوك العرب في الزمان ، كانوا ملوك جبابرة ، يأتي الملك على الصحراء في الجزيرة العربية ، ثم ينظر الى قطعة ارض شاسعة ، فيقول الإبل و المواشي خاصتي سوف ترعى في تلك المنطقة و بالتالي يحصر على اي شخص اخر ان يدخل بمواشيه الى تلك المنطقة ، هذا يسمى بالحمى ،
فعندما يأتي الفقراء اللذين يملكون المواشي ، فقد نكون بصدد انسان حذر يبعد عن منطقة الحمى ، لأنه لا يضمن ان يأتي الى تلك المنطقة اي منطقة الحمى و ممكن عينه ان تسرح و يقتل في المنطقة . فتجنب الوقوع في الحرام.
و الآخر جريء و متبصر فيحوم حول الحمى ، و لكن لا يدخلها ، لأن لو دخلها سوف يقتل ،
فالحمى محارم ، و الإنسان الأول ابتعد عن تلك المحارم ، و الإنسان الثاني لا يأمن على نفسه طالما انه اقترب من الحمى احتمال ان يدخل في الحمى فيقع في المحظور .
و احكام الفقه الإسلامي ، هناك حديث ورد عن الرسول يقول ( حمى الله محارمه) ، و المسلم الكيس هو الذي يبعد عن هذه الأمور اما من يقترب تلك الحمى لا يأمن الا ان يقع فيها، فاذا ما اقتربت سوف تقع فيها.
و بناء على ذلك اذا طبقنا هذا الفكر الإسلامي على الحمى على الأشياء كشراء سلعة و ربح جائزة لأنها ذريعة و تمهيد للوقوع في الحرام و تعويد للنفس للوقوع في الحرام.
و من تلك الوسائل التي تلجأ اليها هذه المتاجر كذلك ان تشتري سلعة معينة تجد في بعض وحداتها هدية لا توجد في اخرى و لا يعرف ذلك الا بعد الشراء و الشروع في الإستهلاك و تدخل هذه الصورة في معنى اليانصيب المتضمن المراهنة.
و من صور المراهنة التي شاعت بشكل مخيف الآن ما يسمى بالمسابقات التلفزيونية حل سؤال او توقع امر او خلافه و يؤخذ رقم هاتفه و حيث تكون المكالمة بسعر خاص يتم تحويله لمنظم تلك المراهنات ثم يجري السحب على تلك الأرقام و يفوز البعض بمبالغ نقدية او عينية و يخسر الآخرون.
تلك هي بعض صور عقود الرهان و التي اصبحت سمة للعصر الذي نعيش فيه ، و تزداد تلك الصور في ظروف اقتصادية معينة و انتشار مبتكرات المدنية الحديثة و تعطش الجميع الى اشباع حاجتهم منها فضلا عن انحسار الوازع الديني و الأخلاقي في ظل مدنية تنحدر الى مادية مخيفة لا اثر للدين او الأخلاق فيها ، و لكن لا يحول ذلك في المجتمعات الإسلامية دون بيان موقف الشريعة الإسلامية من هذه المراهنات التي تكثر مفاسدها و مضارها بالمقارنة بما يجنيه منظموها من فوائد.
و ننقل هنا ما قاله الإمام الشافعي ، في (الأم ) مبينا و موضحا حدود الحلال و الحرام في المعاملات المالية بين الناس ،
( جماع ما يحل ان يأخذه الرجل من الرجل المسلم ثلاثة وجوب ، احدها ما وجب على الناس في اموالهم من ما ليس لهم دفعه من جناياتهم و جنايات من يعقلون عنه ( العاقلات اي افراد القبيلة)، و ما وجب عليهم بالزكاه و النذر و الكفارات ، و ما اشبه ذلك ، و ما اوجبوا على انفسهم من ما اخذوا به العوض من البيوع و الإيجارات و الهبات للثواب و ما في معناها) ( اي ان الإنسان عندما يوجب على نفسه من ما اخذه من عقود المعاوضة ) ( و ما اعطوا متوطعين من اموالهم التماس واحد من وجهين احدها طرف ثواب لله تعالى ( الحسنة) و الآخر طلب استحماد ممن اعطوه اياها و نحن نرجو عليه الثواب انشاء الله تعالى ، ثم ما اعطى الناس من اموالهم من غير هذه الوجوب واحد من امرين ، احدهما حق و الآخر باطل ، فما اعطوه من الباطل غير جائز لهم و لا لمن اعطوه و ذلك لقوله عز و جل( و لا تأكلوا اموالكم بينكم بالباطل)))
حكم الشريعة الإسلامية
و لا شك ان الصور التي عرضنا لها آنفا من صور المراهنات المرحمة شرعا و التي تعتمد على محض الصدفة و الحظ ، فضلا عن اشتمالا لمعنى الميسر فكل الأطراف المشتركة في هذه الأنواع المختلفة من اليانصيب يتسابقون و لا شك على الورقة او الرقم الرابح الذي تحدده القرعة اليدوية او الآلية ، فيربح بعضهم و يخسر الباقون قيمة ما دفعوه في هذه الورقة او في هذا الرقم ايا كانت صورة هذا الدفع ، اما من ينظم هذا اليانصيب فهو رابح دائما من هذا التنظيم ، و حيث تتحدد اعداد الأوراق و الأرقام المقدر تسويقها ، و اثمانها و قيمة الجوائز النقدية و العينية بطريقة تحقق لمنظم اليانصيب و بعد خصم المصاريف الإدارية ربحا صافيا خالصا دون جهد بل لقد يكون الباعث ، غير شريف و بالتالي فاليانصيب اكل لأموال الناس بالباطل سواء بالنسبة لمنظمه او بالنسبة للمشترك فيه من الناس و لذلك كانت المراهنة في غير حالاتها الشرعية حراما شرعا و عقبها باطلا .
و ننتقل الآن لبيان حكم القانون في العاب اليانصيب ،
و لما كان القانون المدني قد سوى بين المقامرة و الرهان في الحكم ، فنعرض للحكم في الموضوعين معا.
القاعدة العامة : تحريم المقامرة و الرهان
تقضي المادة 739 من القانون المدني المصري بان :
1- يكون باطلا كل اتفاق خاص في مقامرة او رهان
2- و لمن خسر في مقامرة او رهان ان يسترد ما دفعه خلال ثلاث سنوات من الوقت الذي ادى فيه ما خسره و لو كان هناك اتفاق يقضي بغير ذلك. و له ان يثبت ما اداه بجميع الطرق.
و تقضي المادة 1024 من قانون الموجبات و العقود اللبناني بان :
القانون لا يخول حق المداعاة في شأن دين المقامرة او اداء بدل المراهنة .
يلاحظ ان التقنين المدني المصري القديم لم يكن يتضمن نصا يتعرض لعقود المقامرة و الرهان ، فكان القضاء يطبق احكام القانون الفرنسي ، و حيث تقضي المادة 1965 ، مدني فرنسي ، و المادة لا زالت
اسم الموضوع : القانون المدني المقارن
|
المصدر : القانون المدني